أدَبُ الطّفّ ـ المجلد الثالث ::: 181 ـ 195
(181)
من ذيـول السحاب أطهر ذيلاً ما مشت في فؤاده قـدم الغـ إن يكن للحياء مـاءٌ فـما كا لهف نفسي على حسامٍ صقيل وعـتيقٍ أثـار بالسبـق نقعاً ونفيسٍ مـن الـذخائر لم يـؤ أغمـض العيـن بعده فغريب فالقـصـور المشيدات تعزى وقمـيص النسيـم اطيـب ردنـا ـش ولا أسكـن لجوانح ضغـنا ن لـه غير ذلك الـوجه مـزنـا كـيف أضحت لـه الجنادل جفنا فـغـدا فوقـه يـهـالُ ويـبنى (1) مَن عليه فأسـتودع الارض خزنا أن تـرى مـثلـه وأيـن وأنـى والقـبـور المـبعثـرات تهـنى
    ومن رائع نظمه قوله في الوزير فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير الموصلي ، انفذها اليه من واسط عندما تقلد الوزارة :
لجـاجة قلب ما يفـيق غرورها وقفنـا صفوفاً في الديـار كأنها يقول خليـلي والـظباء سـوانح لئـن شابهت أجيادهـا وعيونها فيـا عجباً منهـا يصـيد أنيسها ومـا ذاك إلا أن غـزلان عامر ألـم يكفها ما قـد جنته شموسها نكصنا على الاعقاب خوف اناثها ووالله مـا أدري غـداة نظرتها فإن كـن من نبلٍ فـأين حفيفها أيا صاحبيَّ استأذنا لـي خمارها وحاجة نفـس لـيس يقضى يسيرها صحـائف ملقاة ونحـن سطـورها أهذا الـذي تهـوى فقـلت نظيرها لقد خـالـفت أعجازها وصـدورها ويدنو علـى ذعـر اليـنا نفـورها تيـقن أن الزائـريـن صـقورهـا علـى القـلب حتى ساعدتها بدورها فـما بالـهـا تـدعو نزال ذكورهـا أتلـك سـهام أم كـؤوس تديـرهـا وإن كـنَّ من خمـر فـأين سرورها فقد أذنت لي في الـوصـول خدورها
1 ـ الفرس العتيق الرائع الذي يعجب الناس بحسنه.
جواهر الأدب جمع سليم صادر ، ج 4 ص 174.
(182)
هـباها تجافت عـن خليل يروعها وقد قلتما لي ليس فـي الارض جنة فلا تحـسـبا قلـبي طليـقاً فإنـما يعـزُّ على الهيم الخوائض وردهـا أراك الحمـى قل لـي بأي وسيـلة فهل أنـا إلا كـالخيـال يزورها أما هذه فوق الركائـب حورهـ لها الصدر سجن وهو فيه أسيرها إذا كان مـا بين الشـفاه غديرها توسَّلـت حتى قـبّلتك ثغـورها
    ومن مديحها :
أعدت الى جسم الوزارة روحها أقامت زمـاناً عند غيرك طامثاً من الحق أن تحيى بها مستحقها إذا ملك الحسناء من ليس كفؤها وما كان يـرجى بعثها ونشورها وهذا زمـان قـرؤها وطهورها ويسترعها مـردودة مستـعيرها أشار عليها بالطـلاق مشيـرها

(183)
    وأنشده ايضاً لما عاد الى الوزارة في صفر سنة احدى وستين وأربعمائة بعد العزل ، وكان المقتدي بالله قد أعاده إلى الوزارة بعد العزل وقبل الخروج الى السلطان ملكشاه فعمل فيه صرُ درَّ هذه القصيدة :
قد رجع الحـق إلـى نصـابـه ما كـنت إلا السـيف سلَّـته يدٌ هزته حتى أبصـرتـه صـارماً أكـرم بهـا وزارة مـا سلـمت مشـوقة الـيك مـذ فارقتـهـا مثلك محـسود ولـكن معـجـز حاولها قـوم ومـن هـذا الـذي يدمي أبو الأشـبال مـن زاحمـه وهل رأيـت او سمعــت لابساً تيقـنوا لـما رأوهــا ضيــعة إن الـهلال يـرتـجـى طلـوعه والشمس لا يؤنس مـن طلوعهـا مـا أطيب الاوطـان الا أنــهـا كــم عـودة دَلّـت عـلى مآبها لــو قرب الدرّ علـى جـالـبه ولـو أقـام لازمـاً أصـــدافه ما لؤلؤ البـحر ولا مـن صـانه وأنت مـن كـل الورى أولى به ثـم أعـادتـه الــى قـرابـه رونقه يغنـيـه عـن ضـرابـه ما اسـتودعـت إلا إلى أصحابه شوق أخـي الشيب الـى شـبابه أن يدرك الـبارق فـي سحـابه يخـرج ليثاً خـادراً مـن غابه في جـيـشـه بظـفره ونـابه ما خلـع الأرقـم مـن إهـابه أن ليس للـجو سـوى عـقابه بعد السـرار ليـلة احتـجابه وان طواهـا الـليل في جنابه للمـرء أحـلى أثر اغتـرابه والخلد للانسـان فـي مـآبه ما نجح الغائص فـي طـلابه لم تكن التيجان فـي حـسابه إلا وراء الهـول من عبابـه
    وهي قصيدة طويلة وقد اقتصرنا منها على هذا القدر.

(184)
    وله :
جلسة في الجحيم أحرى وأولى ففـرارا مـن المـذلة فـي آ من نعيم يفضي الى تدنيس دم كان العصيان من إبليس
    وله :
قد زان مخبره باجـمل منظر ما من يتوج أو يمنطق عسجدا لا تبعدن همم لـه لـو أودعت وأعن منـظره بـأحسن مخبر كمطـوق بالمـكرمـات مسور عند الكواكب لادعاها المشتري
    وله :
لك المـثل الأعلـى بـكل فضـيلة لئالىء مـن بحـر الفضائل إن بدت وما المـدح مستوف عـلاك وإنـما اذا ملأ الـراوي بها الغور أتهما لغائصـها صلى علـيها وسلـما حقيق عـلى المنطيـق أن يتكلما
    وله :
ما افتخار الفتى بثوب جديد وهو من تحته بعرض لبيس
    وله :
غـدرانـه بالفضـل مملوءة يكـشف منه الفرع عن قارح يشير إيمـاء الـيه الـورى يريك ما ضـمت جـلابيـبه ليس جمال الـمرء في برده متى يردهـا هـائم ينقـع قد أحرز السـبق ولم يجذع إن قيل من يعرف بالاروع أحـاسن للـعلم في موضع جماله فـي الحسب الارفع

(185)
اخطب خوارزم
ألاهـل مـن فتـى كأبي تراب إذا ما مـقلـتي رمـدت فكحلي محمدٌ الـنبيُّ كمـصـر علـمٍ هو البكاء فـي المحـراب لكن وعن حمراء بـيت المال أمسى شياطين الوغى دحـروا دحوراً علـيُّ بالـهداية قـد تـجـلى علي كاسـر الأصــنام لـما حـديـث بـراءة وغدير خـم هما مـثلاً كهـارون ومـوسـى بنى في المسجد المخصوص باباً كأنِّ النـاس كلـهـم قـشـور ولايتـه بـلا ريـب كطـوق إذا عمر تـخبَّط فـي جـواب يقـول بعـدله : لـولا علـيُّ إمام طـاهـر فـوق التـراب ؟! ترابٌ مـسَّ نـعل أبـي تراب أميـر المـؤمنيـن لـه كـباب هو الضحاك فـي يـوم الحراب وعتن صفـرائه صفر الـوطاب به إذ سـلَّ سـيـفاً كالشـهاب ولمـَّا يـدرَّع بـرد الشـبـاب علا كتف النبـيِّ بلا احـتجاب وراية خيبر فـصل الخـطـاب بتمثـيل النـبي بلا ارتـيـاب له إذ سـدَّ أبـواب الـصـحاب ومـولانـا عـلـيُّ كالـلبـاب على رغم المعاطـس في الرقاب ينـبهـه علـيُّ بـالـصـواب هلكتُ هلـكتُ فـي ذاك الجواب

(186)
ففـاطمـة ومـولانـا عـليُّ ومن يـك دأبه تشييـد بـيت وإن يك حبهـم هيـهات عاباً لقد قتلوا علـياً مـذ تـجـّلى لقد قتلوا الرضا الحسن المرجَّى وقد منعوا الحسين الماء ظـلماً وقد صلبوا إمام الـحقِّ زيـداً بنات محمد في الشمس عطشى لآل يـزيـد مـن ادمٍ خـيامٌ ونجلاه سـروري فـي الكتاب فها أنا مـدح أهل البـيت دابي فها أنا مذ عقلـت قـرين عاب لأهل الحقِّ فحلاً فـي الضراب جواد العـرب بالسـمِّ الـمذاب وجدل بـالطعـان وبـالضّراب فيـا لله مـن ظـلـم عجـاب وآل يـزيـد فـي ظـلِّ القباب واصـحاب الكسـاء بـلا ثياب

(187)
    الحافظ ابو المؤيد موفق بن احمد بن ابي سعيد اسحاق بن المؤيد المكي الحنفي المعروف بأخطب خوارزم كان فقيهاً غزير العلم ، حافظاً طايل الشهرة خطيباً طاير الصيت ، خبيراً على السيرة والتاريخ ، أديباً شاعراً ، له خطب وشعر مدون وهو صاحب ( المقتل ) ذكره القمي في الكنى والالقاب وقال : له كتاب في مناقب أهل البيت عليهم السلام قال في آخره :
هل أبصرت عينـاك في المحراب لله درّ أبــي تـــراب إنــه هو ضـاربٌ وسيـوفه كـثواقب هو قاصـم الاصلاب غير مدافع ان الـنـبي مـديـنـة لعـلومه لولا علي ما اهتـدى فـي مشكل كأبي تراب مـن فتى محراب أسد الحراب وزينـة المحراب هو مطعم وجفـانه كـجـواب يـوم الهياج وقاسـم الاسلاب وعـلي الهـادي لـها كالباب عمر الاصابة والهدى لصواب
    كتب المرحوم الشيخ محمد السماوي له ترجمة في مقدمة كتابه ( مقتل الحسين ) جاء فيها قوله : وله من المصنفات كتاب الاربعين في أحوال سيد المرسلين وغيره من الكتب ثم ذكر نموذجاً من شعره ومنه قوله من قصيدة طويلة :
لقد تجمَّع في الـهادي أبـي حسن ولم يكن في جميع الناس من حسن هل سابق مثله فـي السـابقين لقد ما قد تفرق في الاصـحاب مـن حسن ما كان في المرتضى الهادي ابي الحسن جلّـى إمـاماً ومـا صـلى إلى وثـن
    وذكر له الشيخ الأميني قدس سره ترجمة وافية وعدد فيها مشائخه ثم

(188)
الرواة عنه كما عدد مؤلفاته وقال : ان تضلع الرجل في الفقه والحديث والتأريخ والادب الى علوم متنوعة أخرى وكثرة شهرته في عصره ومكاتبته مع اساتذة الفنون تستدعي له تآليف كثيرة وأحسب أن الأمر كان كذلك لكن ما اشتهر منها إلا كتبه السبعة التي قضت على اكثرها الايام. اقول ثم ذكرها الشيخ ومنها :
    1 ـ كتاب رد الشمس لاميرالمؤمنين علي عليه السلام ، ذكره له معاصره والراوي عنه ابو جعفر ابن شهراشوب في المناقب ج 1 ص 484
    2 ـ كتاب الاربعين في مناقب النبي الامين ووصيه اميرالمؤمنين ، كما في مقتله يرويه عنه ابو جعفر بن شهراشوب وقال : كانبني به مؤلفه الخوارزمي.
    3 ـ كتاب قضايااميرالمؤمنين ذكره له ابن شهراشوب في مناقبه ج 1 ص 484.
    4 ـ ديوان شعره ، قال الحلبي في كشف الظنون ج 1 ص 524 : ديوانه جيد وكان في الشعر في طبقة معاصريه.
    5 ـ كتاب فضائل اميرالمؤمنين المعروف بالمناقب المطبوع سنة 1224.

(189)
الفقيه عمارة اليماني
    قال الفقيه عمارة اليماني يرثي اهل البيت ـ
شـأن الغـرام اجـل ان يلحـاني انا ذلك الـصبُّ الـذي قطفـت به ملئت زجاجـة صـدره بضـميره غدرت بموثقـها الدموع فـغادرت عنفتُ اجفانـي فقـام بـعـذرهـا يا صاحبيَّ وفي بجـانبـة الهـوى بي ما يـذود عن الـتشـبب اوله قبضت عـلى كف الصبابـة سلوة امسي وقـلبي بـين صبـر خاذل قد سهلت حـزن الـكلام لـنادب فابذل مشايعـة اللسـان ونصـره واجعل حديث بني الوصي وظلمهم غصبـت امـية ارث آل محـمد وغدت تخالف في الخلافة اهـلها لم تـقتـنع احلامـها بـركوبـها فيه وان كـنت الشـفيق الحاني صلة الغـرام مطامـع السلوان فبدت خـفيـة شـأنه للشـاني سري أسـيراً فـي يد الأعلان وجدٌ يبيـح ودائع الأجـفـان رأي الرشـاد فـما الذي تريان ويزيل ايسره جـنون جنـاني تنهى النهى عن طاعة العصيان وتـجــلد قـاص وهـمٍّ دان آل الرسـول نواعب الأحـزان ان فـات نصـر مـهند وسنان تشبيب شكوى الـدهر والخذلان سفهاً وشنـت غارة الـشنـان وتقابـل الـبرهـان بالبهتان ظهر النفاق وغـارب العـدوان

(190)
وقعـودهـم في رتـبة نبويـة حتـى أضـافوا بـعد ذلك انهم ( فاتـى زيـادٌ في القـبيح زيادة حـرب بنو حرب اقاموا سوقها لهفي على الـنفر الـذين اكفهم اشلاؤهـم مـزق بـكل ثـنية مالـت عليهم بـالتمـالىء امة دفعوا عن الحق الذي شهدت لهم لم يـبنها لـهـم ابـو سفيان اخذوا بثأر الكفر فـي الأيمان تركت يزيد يزيد في النقصان ) وتشبهت بـهم بـنو مـروان غيث الورى ومعونة الـلهفان وجسومهم صرعى بكل مكان باعت جزيل الربح بالخسران بالنص فيه شـواهد الـقرآن (1)
    وله في ذكر الخمسة صلوات الله عليهم :
حاسب ضميرك لا تأمن بوائقه وقم اذا رنقت فـي مقـلة سنة مستشفعاً برسـول الـله وابنته وازجره من خطرات العين والأذن قيـام منتبـه مـن غفـلة الـوسن وبعلها والحـسين الـطهر والحسن
1 ـ وهي في الجزء الاول من ديوانه المطبوع في مدينة شالون على شهر سون بمطبعة ( مرسو ) سنة 1897 م.
(191)
نجم الدين ابو محمد عمارة بن ابي الحسن علي بن زيدان بن احمد الحكمي اليمني ، من فقهاء الشيعة الإمامية ومدرسيهم ومؤلفيهم ومن شهداء أعلامهم على التشيُّع ، وقد زان علمه الكامل وفضله الباهر أدبه الناصع المتقارب من شعره المتألق ، وإنك لا تدري إذا نظم شعراً هل هو ينضد دراً ، أو يفرغ في بوتقة القريض تبراً ، فقد ضم شعره إلى الجزالة قوة ، وإلى السلوك رونقاً ، وفوق كل ذلك مودته المتواصلة لعترة الوحي وقوله بإمامتهم عليهم السلام ، حتى لفظ نفسه الأخير ضحية ذلك المذهب الفاضل ؛ وقد أبقت تآليفه القيمة وآثاره العلمية والأدبية له ذكراً خالداً مع الأبد ، منها : النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية. وتاريخ اليمن ، وكتاب في الفرايض. وديـوان شعره. وقصيدة كتبها إلى صلاح الدين سماها : [ شكاية المتكلِّم ونكاية المتألم ] (1)
    قال في النكت العصرية (2) : خرجت الى مكة سنة تسع واربعين وخمسمائة وفي موسم هذه السنة مات أميرالحرمين هاشم بن فليته وولي الحرمين ولده قاسم بن هاشم فالزمني السفارة عنه والرسالة المصرية ، فقدمتها في شهر ربيع الأول سنة خمسين وخمسمائة والخليفة بها يومئذ الإمام الفائز بن الظافر ، والوزير له الملك الصالح طلايع بن رزيك ، فلما أحضرت للسلام عليهما في قاعة الذهب في قصر الخليفة أنشدتها قصيدة أولها :
الحمد للعيس بعد العزم والهمم حمداً يقوم بما أولت من النعم
1 ـ كتاب « الغدير » للشيخ الأميني.
2 ـ طبع مع مختار ديوانه بـ 377 صفحة في شالون من نهر « سون ».
(192)
لا أجحد الحـق عندي للركاب يد قربن بعد مـزار العزَّ من نظري ورحن من كعبة البطحاء والحرم فهل درى البيـت إني بعد فرقته حيث الخلافة مـضروب سرادقها وللإمـامـة أنـوار مـقـدسـة وللـنـبِّوة أبـيات ينـص لـنا وللمـكارم أعــلام تعـلّـمنـا وللعـلى ألسـن تـثنى محامدها ورايـة الـشرف البـذاخ ترفعها أقسمت بالفائز المعصوم معتقـداً لقد حمى الديـن والدنيا وأهلهـما أللابس الفـخر لم تنسـج غلائله وجوده أوجد الأيام مـا اقـترحت قد ملكـته الـعوالي رق ممـلكة أرى مقـاماً عظيم الشأن أو همني يوم من العمر لم يخطر على أملي ليت الكواكب تدنـو لـي فأنظمها ترى الوزارة فيـه وهـي بـاذلة عواطـف علَّـمتنا أن بـيـنهما خليـفة ووزيـر مـدَّ عـدلهـما زيادة النيل نقص عـند فـيضهما تمنـّت اللجـم فيـها رتبـة الخـطم حتى رأيت إمام العصـر مـن أمـم وفداً الى كعـبة المـعروف والكـرم ما سرت من حـرم إلا إلـى حـرم بين النقـيضيـن من عفـو ومن نقم تجلو البـغيضين مـن ظلم ومن ظلم على الحفيييـن من حكم ومـن حكم مدح الجزيليـن مـن بأس ومن كرم على الحميدين من فعـل ومن شـيم يد الرفيعين مـن مـجد ومن همـم فوز النجـاة وأجـر الـبرّ في القسم وزيـره الـصالح الفـارج للـغمـم إلا يـداً لصـنيع الســيف والقلـم وجـوده أعـدم الشـاكـين للعـدم تعيـر أنـف الـثريـا عـزة الشمم في يقظتي انهـا مـن جمـلة الحلم ولا تــرقـت إليـه رغـبة الهمم عقـود مدح فما أرضـى لكم كلمي عنـد الخـلافة نصحاً غيـر متهم قرابة من جميل الـرأي لا الرحـم ظلاً على مفـرق الإسلام والامـم فما عسى يتعاطى مُـنَّـة الـديـم

(193)
وعهدي بالصالح وهو يستعيدها في حال النشيد مراراً والاستاذون وأعيان الامراء والكبراء يذهبون في الاستحسان كل مذهب ، ثم أفيضت عليَّ خلع من ثياب الخلافة المذهبة ودفع لي الصالح خمسمائة دينار وإذا بعض الاستاذين قد أخرج لي من عند السيدة الشريفة بنت الامام الحافظ خمسمائة دينار أخرى وحمل المال معي الى منزلي ، واطلقت لي من دار الضيافة رسوم لم تطلق لاحد من قبلي وتهادتني امراء الدولة الى منازلهم للولائم واستحضرني الصالح للمجالسة ونظمني في سلك أهل المؤانسة ، وانثالت عليَّ صلاته وغمرني بّره ووجدت بحضرته من أعيان أهل الأدب الشيخ الجليس أبا المعالي ابن الحبّاب والموفق ابن الخلال صاحب ديوان الانشاء وأباً الفتح محمود بن قادوس والمهذب أبا محمد الحسن بن الزبير ، وما من هذه الحلبة أحد إلا ويضرب في الفضائل النفسانية والرئاسة الانسانية بأوفر نصيب ويرمي شاكلة الأشكال فيصيب.
    قال الشيخ الاميني : وله مواقف مشكورة تنم عن انه ذو حفاظ وذو محافظة ، حضر يوماً هو والرضي ابو سالم يحيى الاحدب بن ابي حصيبة الشاعر في قصر اللؤلؤ بعد موت الخليفة العاضد عند نجم الدين ايوب بن شادي فأنشد ابن أبي حصيبة نجم الدين فقال :
يا مالك الأرض لا أرضى له طرفا قد عجـل الله هـذي الدار تسكنها تشرفت بك عمن كـان يسكنهــا كانوا بها صدفــاً والــدار لؤلؤة منها وما كان منها لم يكـن طرفا وقـد أعـدَّ لك الجنّات والغـرفا فالبس بها العز ولتلبس بك الشرفا وأنت لؤلؤة صارت لها صدفــا
    فقال الفقيه عمارة يرد عليه :
أئمت يا من هجا السادات والخلفا جعلتهم صدفــاً حلّوا بــلؤلؤة وانمــا هـي دار حلَّ جوهرهم وقلت ما قلتــه في ثلبهم سخفــا والعرف ما زال سكنى اللؤلؤ الصدفا فيها وشف فأسنـاهـا الـذي وصفا

أدب الطف ـ م (13)

(194)
فقــال : لؤلــؤة عجبــاً ببهـجتها فهم بسكنـاهم الآيــات اذ ســكنوا والجـوهر الفـرد نور ليـس يعـرفه لولا تجسمهــم فيـه لكــان علـى فالكلب ـ يا كلب ـ أسنى منك مكرمة وكونـها حوت الأشراف والشرفا فيها ومن قبلها قد اسكنوا الصحفا من البرية إلا كلّ مـن عـرفـا ضعف البصائر للابصار مختطفا لأن فيه حفاظاً دائمــاً ووفــا
    كان للمترجم له مكانة عالية عند بني رزيك وله فيهم شعر كثير يوجد في ديوانه وكتابه [ النكت العصرية ] وفي الثاني : ان الملك الصالح طلايع بعث اليه بثلاثة آلاف دينار في ثلاثة أكياس وكتب فيها بخطه :
قل للفقيـه عـمارة : يـا خير من اقبل نصيحة من دعـاك إلى الهدى تـجد الأئـمَّة شـافعين ولا تـجد وعلي أن أعلي محـلك في الورى وتعــجل الآلاف وهي ثلاثــة قـد حاز فهماً ثاقباً وخطابا قل : حطّة وادخل إلينا البابا إلا لدينا سنّة وكتــابــا وإذا شفعت إلي كنت مجابا ذهباً وقلَّ لك النضار مذابا
    فراجعه عمارة بقوله :
حاشاك من هذا الخطاب خطابا لكـن إذا مـا أفسدت علماؤكم ودعوتم فكري إلى أقـوالـكم فاشدد يديك على صفاء محبتي يا خير أملاك الزمان نصابا معمور معتقدي وصار خرابا من بعد ذاك أطـاعكم وأجابا وامنن عليَّ وسدّ هذا البـابـا
    وقال يمدح الخليفة الفائز بن الظافر :
ولاؤك مفروض على كــل مسلــم إذا المــرء لـم يكرم بحبك نفســه ورثت الهدى عن نص عيسى بن حيدر وحبّك مفروط وأفضل مغنــم غدا وهو عند الله غيـر مـكرم وفاطمةٍ لا نصَّ عيسى بن مريم

(195)
وقال : أطيعوا لإبـن عمي فإنَّـه كذلك وصيُّ المصطفى وابن عمه على مستوى فيه قديـم وحـادثٌ ملكت قـلوب المسلمين ببيعــة وأوتيت ميراث البسيطة عـن اب لك الحق فيـها دون كـل منازع ولو حفظوا فيك الوصية لـم يكن أميني على سـرّ الإله المكتـم إلى منجد يوم « الغدير » ومتهم وان كان فضل السبق للمتقـدم أمدت بعقدٍ من ولائـك مبـرم وجد مضى عنـها ولـم يتقسم ولو انه نال السمـاك بسلَّــم لغيرك في أقطارها دون درهم
    وله قصائد يرثي الملوك الفاطميين بعد انقراض دولتهم منها قصيدته :
رميت يا دهر كــف المـجد بالشلل سعيت فـي منهج الرأي العثـور فإن جـدعت مارنـك الأقنى فأنــفك لا هدمت قاعدة المعروف عـن عـجلٍ لهفي ولهف بني الآمـال قـاطبــة قدمــت مصـر فأولتني خـلائفها قوم عرفت بهم كسب الالوف ومـن وكنت من وزراء الدست حين سـما ونلت مـن عظماء الجيش مـكرمة يا عـاذلي في هوى أبنـاء فاطمـةٍ بالله دُرْ ساحة القصرين وابك معـي وقل لأهليهمـا والله مـا التـحمـت ماذا عسـى كانت الإفرنج فاعلــة هل كان في الأمر شيء غير قسمة ما وقد حصلتم عليها واســم جـدكـم مـررت بـالقصـر والأركان خالية وجيده بعد حسن الحلي بالعطــل قدرت من عثرات الـدهر فاستقل ينفك ما بين قرع السنّ والـخجل سعيت مهلاً أما تمشي على مهل ؟! على فجيـعتها في أكــرم الدّول مـن المكارم ما أربى على الأمـل كمالها أنها جــاءت ولـم أسـل رأس الحصان يهـاديه على الكفل وخلّة حرست من عـارض الخلل لك الملامة إن قصّـرت في عذلي عليهما لا على صـفين والجمــل فيكم جراحي ولا قرحـي بمندمـل في نسل آل أمير المؤمنيـن علــي ؟! ملكتم بين حكــم السبي والنـقــل محمــد وأبــوكـم غيـر منتقل مـن الـوفود وكانـت قبلة القبـل
أدَبُ الطّفّ ـ المجلد الثالث ::: فهرس