أدُبُ الطّفّ ـ المجلد الثالث ::: 196 ـ 210
(196)
فملت عنها بوجهـي خــوف منتقد أسلت من أسفي دمعي غــداة خلت أبكي على ما تراءت من مكارمـكم دار الضيـافة كـانت أنس وافدكـم وفـطرة الصوم إذ أضحت مكارمكم وكسوة الناس في الفصلين قد درست وموسم كــان فـي يوم الخليج لكم وأول الـعام والعيـدين كــم لـكم والارض تهتز فـي يوم «الغديـر» كما والخيل تـعرض في وشي وفي شية ولا حملتم قرى الأضياف من سـعة ومــا خـصصتم ببرٍّ أهل ملَّتكـم كــانت رواتبكــم للذمتيـن وللـ ثــم الطراز بتنَّيس الذي عــظمت وللجوامــع مــن إحسانكم نعــم وربمــا عـادت الدنيـا فمعـقلـها والله لا فاز يـوم الحشر مبـغضكـم ولا سقى الماء من حرّ ومـن ظمـأ ولا رأى جنـة الله التي خـلقــت أئمتي وهداتــي والذخيـرة لــي فـالله لـم أوفهــم في المدح حقهم ولو تضـاعـفت الأقـوال واتسعت بــاب النجــاة هــم دنيا وآخرة نـور الهـدى ومـصابيح الدجـى و أئـمـة خلـقوا نـوراً فنـورهــم والله مـا زلت عن حـبي لهـم أبداً من الأعادي ووجه الودّ لم يمـل رحابكم وغدت مهجــورة السبل حـال الزمان عليها وهي لم تحلِ واليوم اوحش من رسم ومن طلل تشكو من الدهر حيفاً غير محتمل ورثَّ منــها جديد عـندهم وبلي يأتي تجمِّلكم فيــه على الجمـل فيهن من وبل جود ليس بالوشـل يهتزّ مـا بين قصريكم من الأسل مثل العرائس في حُلي وفـي حُلل الأطباق إلا على الأكتـاف والعجل حتى عممتم به الأقصى من الـملل ـضيف المقيم وللطاري من الرسل منه الصلات لأهل الارض والدول لـمن تصدَّر في علـم وفي عمـل منكم واضحت بكم محلولـة العـقل ولا نجا من عـذاب الله غـير ولي من كف خير البرايا خاتـم الرسـل من خان عهد الإمام العاضد بن علي إذا ارتهنت بمـا قدَّمـت مـن عملي لأن فضــلهم كـالوابــل الهطل ما كنـت فيـهم بحمد الله بـالخجل وحبـهم فـهو أصـل الدين والعمل محلُّّ الغيث إن ربت الأنواء في المحل من مـحض خالص نـور الله لم يفل ما أخَّـر الله لي فـي مـدة الأجـل


(197)
    قتل المترجم بسبب هذه القصيدة مع جماعة نسب اليهم التدبير على صلاح الدين ومكاتبة الفرنج واستدعاؤهم اليه حتى يجلسوا ولداً للعاضد وكانوا ادخلوا معهم رجلاً من الأجناد ليس من اهل مصر ، فحضر عند صلاح الدين وأخبره بما جرى ، فأحضرهم فلم ينكروا الأمر ولم يروه منكراً ، فأمر بصلبهم ، وصلبوا يوم السبت في شهر رمضان سنة تسع وستين وخمسمائة بالقاهرة ، وقد قبض عليهم يوم الأحد الثالث والعشرين من شعبان ، وصلب مع الفقيه عمارة قاضي القضاة ابو القاسم هبة الله بن عبدالله بن الكامل : وابن عبد القوي داعي الدعاة كان يعلم بدفائن القصر فعوقب ليدلَّ عليها فأمتنع من ذلك فمات واندرست ، والعويرس ناظر الديوان ، وشبريا كاتب السر ، وعبدالصمد الكاتب احد أمراء مصر ، ونجاح الحمامي ، ومنجم نصراني كان بشرهم بأن هذا الامر يتم لهم.
    قال الصفدي في ( الغيث المنسجم ) : انه لا يبعد ان يكون القاضي الفاضل سعى في هلاكه وحرض عليه لأن صلاح الدين لما استشاره في أمره قال : ينفى. قال : يرجى رجوعه. قال : يؤدب. قال : الكلب يسكت ثم ينبح. قال : يقتل. قال : الملوك إذا أرادوا فعلوا. وقام من فوره ، فأمر بصلبه مع القاضي العويرس ، وجماعة معه من شيعتهم. ولما أخذ ليشنق قال : مروا بي على باب القاضي الفاضل. لحسن ظنه فيه. فلما رآه قام واغلق بابه ، فقال عمارة :
عبد العزيز قد احتجب إن الخلاص من العجب


(198)
محمد بن عبدالله قاضي القضاة
    كمال الدين ابو الفضل محمد بن عبدالله ، قال يخاطب الحسين عليه السلام : ويعرض بنقيب العلويين رواها العماد في الخريدة :
يا راكبـا يطـوي الـفلا عّـرج بمشـهد كـربلا واقـر التحـية وادع يـا اولادك الانـجـاب فـي أوقـافهـم وقـفٌ عـلى ومـدامة خُـضبت بـها ودعـيُّ بيـتك لا يـفـ يحتثها ورديةّ هو وابن عصرون الطويل إن كـان هـذا يـنتـمى فـالى يـزيد الى يزيـد بشـملة حــرف وخـود وأنخ وعـفر في الصـعيد ذا المـجد والبـيت المشيد أرض الجـزيرة كالعـبيد دف ومــزمـار وعـود أيدي السقـاة الـى الزنود ـكر في الجحيم ولا الخلود تصبي النفوس الى الخدود ويـوسف النـذل اليهودي حقـاً الى البـيت المـشيد الـى يـزيد الـى يـزيد


(199)
    قاضي القضاة بالشام كمال الدين ابو الفضل محمد بن عبدالله
    قال العماد في الخريدة ـ قسم الشام ـ الجزء الثاني ص 323
    هو ابن القاسم الشهر زوري ، سبق ذكر والده وشعره ، وجلَّ امر هذا وكبر قدره ، وأقام في آخر عمره بدمشق قاضياً ووالياً ، ومتحكماً ومتصرفاً وهو ذو فضائل كثيرة ، وفواضل خطيرة وله نوادر مطبوعة ، ومآثر مجموعة ومفاخر مأثورة ، ومقامات مشكورة مشهورة ، وله نظم قليل على سبيل التظرف والتطرف فمها أنشدني لنفسه في المعلم الشاتاني وقد وصل الى دمشق في البرد :
ولما رأيت البرد ألقى جرانه تبينـت منـه قفلةً علميـّة وخيّم في أرض الشآم وطنبا تردّ شباب الدهر بالبرد أشيبا
    وقوله :
وجاءوا عِشاءً يهرعون وقد بدا فقالوا وكل معظم بعض ما أرى بجسمي مـن داء الصبابة ألـوان أصابتك عين ؟ قلت : عين واجفان
    وقوله وانشدنيه لنفسه بدمشق في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وخمسمائة :
قلت له إذ رآه حياً ولامه واعتدى جدالا


(200)
خفي نحولاً عـن المنايا الطيف كيف اهتدى اليه اعرض عن حجتي وقالا قلت : خيال أتـى خيـالا
    ولي في كمال الدين قصائد ، فانني لما وصلت الى دمشق في سنة اثنتين وستين سعى لي بكل نجح وفتح علي باب كل منح ، وهو ينشدني كثيراً من منظوماته ومقطوعاته فمما اثبتُّه من شعره قوله :
قد كنت عـدتي التي أسطو بها والآن قد لـوّيت عني معرضاً وأرى الليالي قد عبثن بصعدتي وتـركت شلوي لليدين فريسة يومـاً إذا ضاقت علي مذاهبي هذا الصدود نقيض صد العاتب فحنـينها وألـنَّ مني جـانبي لا يستطيع يـردّ كفَّ الكاسب
    وقوله :
ولي كـتائب أنفـاس أجهـزها ولي أحاديث من نفسي أسرُّ بها الى جنابك الا انها كتب إذا ذكرتك إلا أنها كذب
    ولكمال الدين الشهر زوري أيضاً :
أنيـخا جـمالي بابـوابـها وقـولاً لخَّـمارها لا تـبع وساوم وخذ فوق ما تشتهي فـإنا أنـاس نسـوم المدا وحُطّابها بين خطابها سواي فاني أولى بها وبـادر إليَّ بأكوابها م بـأموالها وبألبابها
    وقوله :
ولـو سلمت ليلى غداة لقيتها ولكن حزمي ما علمت ولوثة بسفح اللوى كادت لها النفس تخشع البـداوة تـأبى أن أليـن وتـمنع


(201)
ولست أمـرءاً يشكـو اليك صبابة ولكنني أطوي الضلوع على الجوى ولا مقلة إنسانها الدهر يدمع ولـو أنها مـما بها تتـقطع
    وقوله :
سنـنا الجاشرية للبـرايا وأكببنا نَعبُّ على البواطي وعلمناهم الرطل الكبيرا وعطلنا الإدارة والمديرا
    وقوله :
رأى الصمصمام منصلتاً فطاشا وآنس مـن جناب الطـور ناراً فلما أن فرى ودجيه عاشا فلابسها وصار لها فراشا
    وانشدني كمال الدين لنفسه بدمشق في ثالث ربيع الاول سنة إحدى وسبعين :
ولقد اتيتك والنجوم رواصد وركبت للأهوال كل عظيمة والفجر وهمٌ في ضمير المشرق شـوقاً إلـيك لعلنـا أن نلـتقي
    قوله : والفجر وهم في ضمير المشرق في غاية الحسن مما سمح به الخاطر اتفاقاً ، وفاق الكمال إشرافاً وإشراقاً ، وتذكرت قول أبي يعلى بن الهبارية الشريف في معنى الصبح وابطائه :
كم ليلة بـتُّ مطـوياً على حـرقٍ والصبح قد مطل الشرقُ العيونَ به أشكو الى النجم حتى كاد يشكوني كـأنه حاجـة في كـفّ مسكين
    يقع لي أنه لو قال : كأنه حاجة تقضى لمسكين ، لكان أحسن فإنها تمطل بقضائها. وشبهه كمال الدين بالوهم في ضمير المشرق وكلاهما أحسن وأجاد.


(202)
    وترجم له ابن خلكان في الوفيات ج 1 ص 597 ترجمة وافية وقال في آخرها : وكانت ولادته سنة اثنتين وتسعين واربعمائة بالموصل ، وتوفي يوم الخميس سادس المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بدمشق ودفن في الغد بجبل قاسيون ، وكان عمره حين توفي ثمانين سنة وأشهراً ، ورثاه ولده محي الدين محمد.
    وأورد الصفدي في الوافي ج 3 ص 331 له ترجمة وطائفة من الاشعار ، وترجمه ابن الجوزي في المنتظم ج 10 ص 268 ترجمة مختصرة.


(203)
لآل المصطفى شرف محيط إذا كــثــر في البرايا إذا ما قــام قائمهم بوعظ أو امتلأت بـعـدلهم ديـار هم العلماء إن جهل البـرايا بنو أعمامهم جاروا عليـهم لـهم في كل يوم مستجد تناسوا ما مضى بغدير خمّ ألا لعنت أمـيّة قد أضاعوا على آل الرَّسول صلاة ربّي تضايق عن مراميه البسيطُ فكلُّ منهــمُ جـاشٌ ربيط فــإنَّ كــلامه درّ لقيطُ تقاعس دونه الدهر القسوط هم الموفون إن خان الخليط ومال الدهر إذ مـال الغبيط لــدى أعـدائهم دم عبيط فـأدركـهم لشقوتهم هبوط ( الحسين ) كـأنه فرخ سميط طوال الدهر ما طلع الشميطُ (1)
    عن مستدرك الوسائل ج 3 ص 489.
1 ـ الشميط : الصبح

(204)
    قطب الدين الراوندي المتوفي سنة 573
    ابو الحسين سعد بن هبة الله بن الحسن بن عيسى الراوندي. امام من ائمة المذهب وعين من عيون الطائفة وعبقري من رجالات العلم والادب ، له مصنفات جليلة في مختلف العلوم الاسلامية ، لا يلحق شأوه في مآثره الجمة ولا يشق له غبار. توفي ضحوة يوم الاربعاء الرابع عشر من شوال سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة كما في إجازات البحار نقلا عن خط شيخنا الشهيد الأول قدس الله سره. وقبره في الصحن الجديد من الحضرة الفاطمية بقم المشرفة مزار معروف ترجمه شيخنا الاميني في ( الغدير ) وذكر مشائخه وعدد الراوين عنه وذكر له من المؤلفات :
    1 ـ سلوة الحزين.
    2 ـ المغنى في شرح النهاية ، عشر مجلدات.
    3 ـ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة.
    4 ـ رسالة في الناسخ والمنسوخ من القرآن.
    5 ـ جنا الجنتين في ذكر ولد العسكريين.
    6 ـ شرح الذريعة للشريف المرتضى 3 مجلدات.
    7 ـ الخرائج والجرائح.
    8 ـ الايات المشكلة.


(205)
    اقول ذكر له الشيخ رحمه الله 49 مؤلفاً وعدد اولاده وما كانوا عليه من المكانة العلمية والمواهب العرفانية.
    وقال الشيخ القمي في الكنى والالقاب : قطب الدين الراوندي ابو الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن ، العالم المتبحر الفقيه المحدث المفسّر المحقق الثقة الجليل صاحب الخرائج والجرائح ، وقصص الانبياء ولب اللباب وشرح النهج وغيره ، كان من أعاظم محدثي الشيعة ، قال شيخنا في المستدرك : فضائل القطب ومناقبه وترويجه للمذهب بانواع المؤلفات المتعلقة به أظهر وأشهر من أن يذكر ، وكان له أيضاً طبع لطيف ، ولكن أغفل عن ذكر بعض أشعاره المترجمون له انتهى.
    وهو أحد مشايخ ابن شهراشوب ، يروي عن جماعة كثيرة من المشائخ كأمين الاسلام والسيد المرتضى والرازي واخيه السيد مجتبى وعماد الدين الطبري وابن الشجري والآمدي ووالد المحقق الطوسي وغيرهم رضوان الله عليهم.
    ولا يخفى انه غير سعيد بن هبة الله بن محمد بن الحسين الفاضل المشتهر في العلوم الحكمية فانه كان من الاطباء المتميزين في صناعة الطب ، خدم المقتدى بأمر الله والمستظهر بالله بصناعة الطب ، وكان يتولى مداواة المرضى في البيمارستان العضدي ، له كتاب المغنى في الطب ، صنفه للمقتدي وكتاب خلق الانسان ، توفي سنة 495.
    ومن شعره كما روى السيد الامين في الاعيان قال : وللقطب الراوندي قوله :
بنو الزهراء آباء اليتـامى هم حجج الإله على البرايا فكان نهارهم أبداً صيـاما إذا ما خوطبوا قالوا : سلاما فمــن ناواهم يلق الأثـاما وليلهم كمـا تدري قيامــا


(206)
ألم يجعل رسول الله يوم الـ ألـم يـك حيدر قرماً هماماً هم الراعون في الدنيا الذماما ـغدير علياً الأعلى إمامــا ؟ ألم يك حيدر خـيراً مقامـا ؟ هم الحفاظ في الاخرى الاناما
    وله :
محمد وعلي ثـم فــاطمــة والصادقان وقد فاضت علومهما ثـم التقـى النقيّ الاصل طاهره ثم الزكي ومـن يرضى بنهضته إني بـحبهم يـا رب معتصـم مع الشهيدين زيـن العـابدين علــي والكاظم الغيظ والراضى الرضاء علي مــحمد ثـم مـولانـا النـقي علي أن يظـهر العـدل بين السهل والجبل فاغفر بحرمتهم يوم القيامــة لــي
    قال السيد في الاعيان : وفي مجموعة الجبعي عن الكفعمي انه قال : ومن شعر المترجم له في أهل البيت :
إمــامي علي كالهزبر لـدى العشا إمــامي علــيٌ خيرة الله لا الذي أخو المصطفى زوج البتول هو الذي بــمولـده البيت العتيق لمـا روى مـوالوه قوامـون بالقسط في الورى لـه أوصـياء قـائمـون مقـامـه هـم حجج الرحمـن عتـرة احـمد مـودتهم تهــدي الى جنـة العـلى وإنـي بـريء مـن فعـيل فـإنـه فــلولاه ما تـمـت لفـعل إمـارة وكالبـدر وهاجاً اذا اللـيل اغطشا تخيرتم والله يخـتار مـن يــشا الى كل حسن في البرية قـد عشا رواه وفي حـجر النبوة قـد نـشا معـادوه أكالون للسحـت والـرشا أرى حبهم في حبـة القلب والحـشا ائمة حـقٍ لا كـمن جـار وارتشى ولكنـما سبـابـهم يـورث العـشا لا كفر مـن فـوق البسيطه قد مشى ولا شاع فـي الدنيا الضلال ولا فشا


(207)
    ومن شعره :
قسيم النـار ذو خيـر وخير فكان محمد في الناس شـمساً هما فرعان مـن عليا قـريش وقال له للنـبي لأنـت منـي ومن بعـدي الخليفة في البرايا وأنت غيـاثهم والغـوث فيهم مصيري آل احمد يوم حشري يخلصني الغـداة مـن السعير وحـيدر كان كالبـدر المـنير مصاص الخلق بالنـصّ الشهير كهـرونٍ وأنتَ معـي وزيري وفي دار السرور على سريري لـدى الظلماء والصبح السفور ويوم النـصر قائمهم مصيري


(208)
ملكـنا فكان العفو منا سجية وحللتم قتل الاسارى وطالما فحسبكم هـذا التفاوت بيننا فلما ملكـتم سال بالـدم أبطـحُ غدونا عن الأسرى نعفُّ ونصفح وكـل إناء بالـذي فـيه ينضح
    قال ابن خلكان قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن وكان من ثقاة أهل السنة :
    رأيت في المنام علي بن ابي طالب فقلت له يا اميرالمؤمنين تفتحون مكة فتقولون : من دخل دار ابي سفيان فهو آمن ، ثمَّ يتم على ولدك الحسين في يوم الطف ما تم ، فقال : أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا ، فقلت لا فقال اسمعها منه ثم استيقظت فبادرت الى دار ( حيص بيص ) فخرج الي فذكرت لها لرؤيا فشهق وأجهش بالبكاء وحلف بالله بان كانت خرجت من فمي أو خطى الى أحد وإن كنت نظمتها إلا في ليلتي هذه ثم انشدني الأبيات :
    قال الشيخ عبدالحسين الحلي المتوفي سنة 1375 هـ مطشراً هذه الأبيات :
ملكنا فـكان العفو منا سجيـَّةٍ فسالت بفيض العفو منا بطاحكم وحللتم قـتل الأسارى وطـالما وفي يوم بدر مذ أسرنا رجالكم فحسـبكم هـذا التفاوت بيـننا ولا غرو اذ كنا صفحنا وجُرتُم بيوم بـه بطـحاء مـكة تفـتح ولما ملـكتم سال بالـدم أبـطح فكـكنا أسيراً منـكم كاد يـذبح غدونا عن الاسرى نعف ونصفح فـأيّ قبيل فقيه أربـى وأربـح فكـلّ إناءٍ بالـذي فيه ينـضح


(209)
    شهـاب الديـن أبـو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي ويقال له ( حيص بيص (1) ) أيضاً ، كان فقيهاً شاعراً أديباً له رسائل فصيحة بليغة ، وكان من أخبر الناس باشعار العرب واختلاف لغاتهم ، وهو من ولد اكثم بن الصيفي.
    كانت وفاته 6 شعبان سنة 574 ببغداد ودفن في مقابر قريش ، وكان لا يخاطب أحداً إلا بكلام معرب ولم يترك عقباً.
    وقال ابن خلكان : كان فقيها شافعي المذهب تفقه بالري على القاضي محمد بن عبد الكريم الوزان وتكلم في مسائل الخلاف إلا أنه غلب عليه الادب ونظم الشعر وأجاد فيه مع جزالة لفظه وأخذ الناس عنه أدباً وفضلاً كثيراً.
    وقال اليافعي في مرآة الجنان وعبرة اليقظان في حوادث سنة اربع وسبعين وخمس مائة توفي حيص بيص أبوالفوارس سعد بن محمد التميمي الشاعر وله ديوان معروف ، وكان وافر الأدب متضلعاً في اللغة بصيراً بالفقه والمناظرة ، وقال الشيخ نصر الله بن علي قال ابن خلكان وكان من ثقات أهل السنة رأيت في المنام علي بن ابي طالب ( القصة ) وذكره الحافظ ابو سعيد السمعاني في كتاب الذيل وأثنى عليه وحدث بشيء من مسموعاته
1 ـ انما قيل له حيص بيص لأنه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد ، فقال : ما للناس في حيص بيص ، فبقي عليه هذا اللقب ، ومعنى هاتين الكلمتين : الشدة والاختلاط.

أدب الطف ـ م (14)


(210)
وقرأ عليه ديوانه ومسائله. وكان من أخبر الناس باشعار العرب واختلاف لغاتهم ، ويقال انه كان فيه تعاظم وكان لا يخاطب أحداً إلا بالكلام العربي وكان يلبس زيَّ العرب ويتقلّد سيفاً فعمل فيه ابو القاسم بن الفضل.
كم تباري وكـم تطوّل طرطورك مـا فيك شعرة مـن تميم فكُل الضبَّ واقرظ الحنظل اليابس واشرب ما شئت بول الظليم ليس ذا وجه من يضيف ولا يقري ولا يدفع الاذى عـن حريم
    فلما بلغت الابيات ابا الفوارس قال :
لا تضع من عـظيم قدر وإن كنتَ مشاراً إليه بالتعظيم فالشريف الكريم ينقص قدراً بالتعدّي على الشريف الكريم ولع الخمر بالـعقول رمـى الخمر بتنـجيسها وبالتحريم
    قال السيد الامين في الاعيان ج 45 ص 232 : وللسيد محمد بن السيد صادق الفحام النجفي تخميس لابيات الحيص بيص وهي :
نعم جـدنا المختار ليس أُميةً ونحن ولاة الأمر لسنا رعية وجدتنا الزهراء ليستُ سميّةً ملكنا فـكان العفو منا سجيّة
ولما ملكتم سال بالدم أبطح
أما نحن يا اهل الضلالة والعمى عـلام أبحتم بالطـفوف لنا دما عفونا بيوم الفتح عنكم تكرّما وحللتم قتل الاسـارى وطالما
غدونا عن الأسرى نَمنُّ ونصفح
ونحن أُناس لم يك الغدر شأننا ولكنما نعفـو ونكظـم غيضنا ولا الاخذ بالثأر الذي كان ديننا فحسبكـُم هـذا التفـاوت بيننا
وكل إناء بالذي فيه ينضح
ادب الطف ـ المجلد الثالث ::: فهرس