ادب الطف ـ المجلد الرابع ::: 46 ـ 60
(46)
اجتمع في داره ليهنئه جماعة الولاة والقضاة والصدور وسألني الجماعة إنشاء خطبة تقرأ أمام قراءة المنشور فذكرت خطبة على البديهة جمعت فيها بين أهل البيت عليهم السلام وبين شكر السلطان على توليته وما أولاه من الاحسان ، فحضر بدر الدين بن المسجف رحمه الله تعالى المجلس وأنشد هذه الأبيات لنفسه :
دار النقيب حوت بـمن قـد حلّـها أضحت كسوق عكاض في تفضيلها الفاضل القـوصي أفصـح مَن غدا شرفاً يقصّـر عـن مداه المطـنب وبها شهاب الديـن قـسّ يخـطب عن فضله في العصر يعرب معرب
    ومن شعره يمدح ابا الوفاء راجح الاسدي :
يقولون لي ما بال حظك ناقصاً فقلت لهم إني سمي ابن ملجـم ردى راجح رب الشهامة والفضل وذلـك اسـم لا يقـوله به ( حِلي ) (1)
    وقال يمدح الكمال القانوني :
لو كنتَ عاينتَ الـسرور وجـسّه لرأيت مفتاح السرور بكفّه أوتار قانون له في المجلس اليسرى وفي اليمنـى حيـاة الانفس
    وقال :
ولد مدحتهم على جـهل بهم ورجعت بعد الاختبـار أذمّهم وظننت فيهم للصنيـعة مـوضعا فأضعتُ في الحالين عمري أجمعا

1 ـ نسبة الى الحلة السيفيّة وهو يشير الى أن أهل الحلة شيعة فهم لا يسمون عبد الرحمن.

(47)
    وذكر له جملة من الأهاجي أعرضنا عنها.
    تعليق على البيتين الاولين في بكاء السماء.
    تواتر النقل ببكاء المخلوقات لمقتل الحسين بن علي عليه السلام قال ابن عساكر في تاريخه : لم تبك السماء على احد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن علي ، وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة كثيرا في هذا الباب ، منها ما رواه باسناده عن امير المؤمنين علي عليه السلام وقد مرّ بكربلا. فقال : ها هنا مناخ ركابهم ، وها هنا موضع رحالهم ، وها هنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض.
    واخرج الحافظ ابو نعيم في كتابه ( دلائل النبوة ) وأورده ابن حجر في صواعقه باسناده ، قالت نصرة الازدية لما قتل الحسين ابن علي أمطرت السماء دماً فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مملؤة دما.
    وقال ابن حجر في الصواعق : ومما ظهر يوم قتله من الآيات أيضاً أن السماء اسودت اسوداداً عظيما حتى رؤيت النجوم نهاراً.
    قال ولم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط.
    وعن الثعلبي ان السماء بكت وبكاؤها حمرتها. وعن ابن سعد ان هذه الحمرة لم تر في السماء قبل قتله. والى ذلك يشير ابو العلاء المعري بقوله
وعلى الدهر من دماء الشهيــدين ثبتا في قميصه ليجـيء الــشر فهما في أواخر الليـل فجران علي ونجله شاهدانِ مستعدياً الى الرحمن وفي أوليـائـه شفـقـان
    وقال عبد الباقي العمري في ملحمته


(48)
قضى الحسين نحبه وما سوى الله عليه قد بكى وانتحبا
    وقال الحاج جواد بدكت من قصيدة
بكت السماء دماً ولم تبرد به كبدٌ ولو أن النجوم عيون
    وذكر الشيخ يوسف البحراني في الكشكول عن كتاب ( زهر الربيع ) قال : ذكر بهاء الملة والدين نوّر الله مرقده ان أباه الحسين بن عبد الصمد رحمه الله وجد في مسجد الكوفة فص عقيق مكتوب عليه
انا درٌ من الـسما نـثرونـي كنت أصفى من اللجين بياضا يوم تزويج والد السبطيـن صبغتني دماء نحر الحسين
    ووجد حجر آخر مكتوب فيه
حمرتي ذي من دماء قــد انا مـن أحجـار أرضٍ أُريقت نصب عين ذبحوا فيـها الحـسين
    قال علي أحمد الشهيدي في كتابه ( أبو الدنيا )
    ان السماء مطرت دماً أحمراً أدهش سكانها إدهاشا عظيماً بل ادهش ( ايطاليا ) باسرها عندما شاع الخبر بأن السماء أمطرتهم مياهاً دموية وذلك في بلدة ايطاليا اسمها ( سينيادي ) بتاريخ 15 مايو سنة 1900.
    اقول وعند رجوعي الى كتاب التوفيقات الالهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الافرنكيّة والقبطية لمؤلفة اللواء المصري محمد مختار باشا مأمور الخاصة الخديوية الجليلة ، والمطبوع بالمطبعة الميرية ببولاق مصر سنة 1311 هجرية.
    اقول عند رجوعي للكتاب المذكور وجدت ان هذه السنة التي مطرت


(49)
المساء فيها دماً تتفق في محرم الحرام الذي استشهد فيه سيد الشهداء أبو عبد الله الحسين بن علي عليه السلام.
    وفي كتاب ( أبو الدنيا ) : ان الاستاذ ( بالاتسو ) العالم الايطالي الشهير اهتم كثيراً بفحص ذلك المطر فحصاً كيمياوياً فاتضح له ان الدم الذي سقط مع المطر هو من دماء الطيور ، ناسباً حصول ذلك لاحتمال وجود أسراب كثيرة من الطيوركانت محلّقة في الجو فصدمتها بعض الزوابع الشديدة فهصرت بعضها حتى تقطر دمها فسقط مع المطر على الأرض فأوجد ما أوجده من ذلك الاندهاش.
    أقول : هذا تعليل بارد لا يؤيده العلم ولا يقبله الذوق ولم يرو التأريخ ما يشابهه وانما الصحيح أنها آية سماوية تنبئ بعظم الفاجعة الكبرى التي حلّت بعترة الرسول والحادثة الدامية التي قلّ ما شهد التاريخ لها نظيراً في فظايعها وفجايعها.
    فحقيق بأن يظهر الله تعالى من المخاوف والقوارع ما فيه عظة وعبرة للخلق ليعتبر بها المعتبرون يقول السيد الشريف الرضي في مقصورته
كيف لا يسـتعجل الله لـهم لو بسبطى قيصر أو هرقل بانقلاب الارض أو رجم السما فعـلوا فعـلَ يـزيد مـا عدا


(50)
المتوفي 652
الا أيـهـا العـادون إن أمـامكـم وموقف حكـم والخـصـوم محـمد وإن علـياً فـي الخـصام مـؤيـّدٌ فـماذا تـردّون الـجـواب عليـهم وقد سؤتـموهـم في بنـيهم بقـتلهم ولا يرتجي فـي ذلـك الـيوم شافع ومن كان في الحشر الرسول خصيمه وكان علـيكم واجـباً في اعتـمادكم فـإنـهـم آل النــبـي وأهـلـه مناقبهـم بـين الـورى مستنيـرةٌ مناقب جلـّت أن تحـاط بحصرها مناقب مـن خلـق النـبي وخُلقـا مقـام ســؤال والرسول سـؤلُ وفـاطـمة الزهـراء وهي ثكول له الـحق فيـما يـدّعي ويـقول وليس إلى ترك الجـواب سـبيل ووزر الذي أحـدثـتـموه ثقيـل سوى خصمكم والشرح فيه يطول فإن لـه نـار الجـحـيم مقـيل رعايتهم أن تـحـسـنوا وتـنيلوا ونـهـج هـداهـم بالنـجاة كفيل لهـا غرر مجـلـوّةٌ وحُـجـول فمنها فـروع قد زكت وأصـول ظهرن فـما يغتـالـهـنّ أفـول


(51)
    كمال الدين الشافعي المتوفي سنة 652
    ابو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي العدوي النصيبيني الشافعي المفتي الرحّال ، كان اماماً في الفقه الشافعي بارعاً في الحديث والاصول ، مقدماً في القضاء والخطابة ، له تاليف منها كتاب ( مطالب السؤل في مناقب آل الرسول ) قال الشيخ الأميني في الجزء الخامس من الغدير : ولد المترجم سنة 582 كما في طبقات السبكي وشذرات الذهب وتوفي بحلب في 17 رجب سنة 652.
    سمع الحديث بنيسابور عن ابي الحسن المؤيد بن علي الطوسي ، وحدّث بحلب ودمشق وبلاد كثيرة ، وروى عنه الحافظ الدمياطي ، ومجد الدين بن العديم قاضي القضاة ، وفقيه الحرمين الكنجي.
    أقام بدمشق في المدرسة الامينية ، وفي سنة 648 كتب الملك الناصر المتوفي 655 صاحب دمشق تقليده بالوزارة فاعتذر وتنصلّ فلم يقبل منه ، فتولاها بدمشق يومين كما في طبقات السبكي ، وتركها وانسلّ خفية وترك الأموال الموجودة وخرج عما يملك من ملبوس ومملوك وغيره ، ولبس ثوباً قطنيّاً وذهب فلم يُعرف موضعه.
    وتولّى في ابتداء أمره القضاء بنصيبين ، ثم قضاء مدينة حلب ، ثم ولي خطابة دمشق ، ثم لما زهد حجّ فلما رجع أقام بدمشق قليلاً ثم سار الى حلب فتوفى بها.
    بعض تآليفه :


(52)
    1 ـ الدر المنظم في اسم الله الاعظم.
    2 ـ مفتاح الفلاح في اعتقاد أهل الصلاح.
    3 ـ كتاب دائرة الحروف.
    4 ـ مطالب السؤل في مناقب آل الرسول ، طبع اكثر من مرّة ، قال معاصره الاربلي في كشف الغمة ص 17 : مطالب السؤل في مناقب آل الرسول تصنيف الشيخ العالم كمال الدين محمد بن طلحة وكان شيخاً مشهوراً وفاضلاً مذكوراً ، أظنه مات سنة أربع وخمسين وستمائة ، وحاله في ترفعه وزهده وتركه وزارة الشام وانقطاعه ورفضه الدنيا حال معلومة قرب العهد بها ، وفي انقطاعه عمل هذا الكتاب وكتاب الدائرة ، وكان شافعي المذهب من اعيانهم ورؤسائهم.
    وفي كتاب ( أعلام العرب ) : هو أحد الصدور الرؤساء والعلماء الأدباء ولد سنة 582 هـ بالعمرية من قرى نصيبين وطلب العلم ورحل من أجله وبلغ نيسابور وتفقه فبرع في علم الفقه والاصول والخلاف فكان إماماً في القضاء والخطابة متضلعاً في الأدب والكتابة اقول وذكره الصفدي في الوافي بالوفيات وعدد سجاياه وحسن سيرته.
    ومن شعره في الامام امير المؤمنين كما جاء في مؤلفه مطالب السؤل في مناقب آل الرسول.
أصخ واستمع آيات وحيٍ تنزّلت ففي آل عــمران المباهلة التي وأحزاب حاميم وتحريم هل أتى وإحسانه لمـا تصـدّق راكعـاً بمدح إمام بالهدى خصّه الله بانـزالها أولاه بعض مزاياه شهود بـها أثنى عليه فزكّاه بخاتمه يكفيه في نيل حسناه


(53)
وفي آية النجوى التي لم يفز بها وأزلفه حـتى تـبـوأ مـنـزلاً وأكنفه لطـفاً بـه مـن رسوله وأرضعه اخـلاف اخـلاقة التي وانكحـه الطـهر البتول وزاده وشرّفه يـوم « الغـدير » فخصه ولو لـم يـكن إلا قضـية خيبر سواه سنا رشـد به تَـمّ معـناه من الشرف الأعـلى وآتاه تقواه بوارق أشـفاق علـيـه فـربّاه هداه بها نهـج الهدى فـتوخّـاه بأنك مـنّي يـا علـيّ وآخـاه بأنك مولى كل مَن كـنتُ مولاه كفت شرفاً في ما ثـرات سجاياه
    ومن شعره الذي ذكره في مطالب السؤل قوله :
رويدك إن أحببـت نيل المطالب مناقب آل المصطفى المهتدى بهم مناقب آل المصطفى قدوة الورى مناقب تجلى سـافرات وجوهها عليك بها سراً وجـهراً فـإنـها وخذ عند ما يتلـو لسانك آيهـا لمن قام في تأليـفها واعتنى به عسى دعوة يزكو بها حسـناته فَمـن سأل الله الكـريم أجابـه فلا تـعدُ عـن ترتـيل أي المناقب إلى نعـم التقوى ورُغـى الرغائب بهم يبتغي مـطلـوبه كـل طـالب ويجلو سـناها مدلهـمّ الغيـاهـب يحلّك عنـد الله أعلـى الـمراتـب بدعوة قلـبٍ حاضـرٍ غير غـائب ليقضي من مفروضـها كـل واجب فيحظى من الحسنى بأسنى المواهب وجـاوره الإقـبال مـن كل جانبِ
    وقوله :
هم العروة الوثـقى لمعتـصم بـها مناقب في الشورى وسورة هل اتى مناقبهم جاءت بـوحـيِ وإنـزال وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي


(54)
وهم اهل بيت المصطفى فودادهم فضايلهم تـعلو طـريقـة متنها على الناس مفروض بحكم وإسجال رواةٌ عَلوا فيـها بشــدِّ وتـرحال
    ومن شعره في العترة الطاهرة قوله :
يا رب بالخـمسة أهـل العـبا ومَن هـم سفـن نـجاة ومـَن ومَـن لهـم مـقعد صـدقٍ إذا لا تـخزني واغفر ذنوبي عسى فانني ارجـو بحـبـي لـهـم فهـم لـمـن والاهـم جُـنـّة وقـد توسّـلت بـهـم راجـيا لـعله يحـظـى بتـوفيـقـه ذوي الـهدى والعـمل الصالح واليـهم ذو مـتـجـرٍ رابـح قام الورى في الموقف الفاضح اسـلم مـن حـرّ لظى اللافح تـجـاوزاً عـن ذنبـي الفادح تنجـيه مـن طـائره الـبارح نُجـح ســؤال المذنب الطالح فيهتدي بـالمنهـج الـواضـح


(55)
المتوفي 655
ولـقد بـكيتُ لـقتل آل محـمد عقرت بنات الأعوجية هل درت وحريم آل محمـد بـين العدى تلك الظعائن كالإمـاء متى تسق فمصـفّد فـي قـيده لا يفـتدى تالله لا أنـسى الحـسين وشلوه متلـفعا حمر الـثياب وفي غد تطأ السنابك جـوفه وجـبيـنه والشمس ناشـرة ذوائـب ثاكل لهفي على تلك الدمـاء تراق في بالطف حتى كل عضـو مـدمع ما يـستبـاح بـه ومـاذا يصنع نهبٌ تـقاسـمـه اللئـام الوضّع يعـنف بهـنّ وبـالسيـاط تقنّع وكـريمة تسبـى وقـرط يُنزع تحت السنابك بالـعراء مـوزّع بالخضر من فردوسـه يـتلـفّع والأرض ترجف خيفة وتضعضع والدهـر مشـقوق الرداء مقنّـع أيــدي طغـاة أميـة وتضـيّع


(56)
    وفي روضات الجنات للسيد الخونساري
    الشيخ الكامل الاديب المؤرخ عز الدين عبد الحميد بن أبي الحسين محمد بن محمد ابن الحسين بن ابي الحديد المدايني الحكيم الاصولي المعتزلي المعروف بابن ابي الحديد صاحب شرح نهج البلاغة المشهور ، وهو من أكابر الفضلاء المتتبعين وأعاظم النبلاء المتبحرين مواليا لأهل بيت العصمة والطهارة وإن كان في زي أهل السنة والجماعة ، منصفا غاية الإنصاف في المحاكمة بين الفريقين ومعترفاً في ذلك المصاف بأن الحق يدور مع والد الحسنين ، وهو بين علماء العامة بمنزلة عمر بن عبد العزيز الأموي بين خلفائهم فكما ورد في حديث الشيعة انه يحشر يوم القيمة أمة واحدة فكذلك يبعث هذا الرجل انشاء الله بهيئته على حده ، وحسب الدلالة على علوّ منزلته في الدين وعلوّه في ولاية أمير المؤمنين شرحه الشريف الجامع لكل نفسية وغريب والحاوي لكل نافحة ذات طيب ، من الأحاديث النادرة والاقاصيص الفاخرة والمعارف الحقانية والعوارف الايمانية وكذلك الكلمات الالف التي جمعها من أحاديث أمير المؤمنين (ع) وألحقها بشرحه المذكور المتين والقصائد السبع التي أنشدها في فضائله ومدائحه وأشير فيما سبق الى ذكر بعض من شرحها من العلماء الاعلام وذكر بعض متأخري علمائناالاماجد أن شرح ابن أبي الحديد على مذاق المتكلمين مع ضغث من التصوف وضغث من الحكمة ، وشرح الميثم على مذاق الحكماء وأهل العرفان ، وشرح الميرزا علاء الدين الحسيني الاصفهاني الملقب بكلستانة على مذاق الاخباريين ، وقال أيضا أن ابن ابي الحديد متكلم كتب على طرز الكلام وابن ميثم حكيم كتب على قانون الحكمة وكثير ما يسلط يد التأويل


(57)
على الظواهر حتى فيما لا مجال للتأويل فيه وابن أبي الحديد مع تسننه قد يتوهم من شرحه تشيعه وابن ميثم ، بالعكس انتهى ، وظاهر كثير من أهل السنة أيضاً انكار تسنن الرجل رأساً بعد تشبث الشيعة في اسكاتهم والالزام عليهم بكلماته المقيدة واضافاته المجيدة واعترافاته المكررة الحميدة ، هذا وقد ذكره الشيخ ابو الفضل عبد الرزاق بن احمد ابن محمد بن ابي المعالي الشيباني الغوطي الاديب المؤرخ المشهور بنسبه الذي تصدر به العنوان الى قولنا الاصولي ثم قال بعد ذلك : كان من اعيان العلماء الافاضل وأكابر الصدور والاماثل حكيماً فاضلاً وكاتباً كاملاً عارفاً باصول الكلام يذهب مذهب المعتزلة وخدم في الولايات الديوانية والخدم السلطانية وكان مولده في غرة ذي الحجة سنة ست وثمانين وخسمائة واشتغل وحصّل وصنف والف فمن تصانيفه شرح نهج البلاغة عشرين مجلداً وقد احتوى هذا الشرح على ما لم يحتوِ عليه كتاب من جنسه ، صنفه لخزانه كتب الوزير مؤيد الدين بن محمد بن العلقمي رضي الله عنه ولما فرغ من تصنيفه انفذه على يد اخيه موفق الدين ابي المعالي فبعث له بمائة الف دينار وحلعة سنيّة وفرش ، فكتب الى الوزير هذه الابيات :
ايـا رب العباد رفعتَ ضـبغى وزيـغ الاشعري كشفـتَ عني أُحـبّ الاعتـزال ونـاصريه واهل العـدل والـتوحيد اهلي وشرح الـنـهج لـم ادركه إلا تمـثل ان بـدأت بـه لعـيني فثم تحسّ عيـنك وهـو أنأى بآل العلـقـمي وردت زنـادي وطلت بمـنكبي وبلـلتَ ريقي فلم اسلك بـمعوج الـطـريق ذوي الالباب والنـظر الـدقيق نعـم وفريقـهم ابـداً فريـقي بعـونك بعـد مجهـدة وضيق أشمّ كذروة الـطـود السـحيق من العيّوق أو بيـض الغـسوق وقامت بين أهـل الفضل سوقي


(58)
فكم ثوب انيق نلت منهم أدام الله دولتـهم وأنحى ونلت بهم وكم طرف عتيق على أعـدائهم بالحـنقنـيق
    ومن تصانيفه ايضاً كتاب العبقري الحسان وهو كتاب غريب الوضع وقد اختار فيه قطعة وافرة من الكلام والتواريخ والاشعار وأودعه شيئاً من انشائه وترسلاته ومنظوماته ، ومن تصانيفه كتاب الاعتبار على كتاب الذريعة في اصول الشريعة للسيد المرتضى قدس الله روحه وهو ثلاث مجلدات ، منها كتاب الفلك الدائر على المثل السائر لابن الاثير الجرزي ومنها كتاب شرح المحصّل للامام فخر الدين الرازي وهو يجري مجرى النقض له ، ومنها كتاب نقض المحصول في علم الاصول له أيضاً ، ومنها شرح مشكلات الغرر لأبي الحسن البصري في اصول الكلام ، ومنها شرح الياقوت لابن نوبخت وغير ذلك انتهى. وقال صاحب مجمع البحرين : وابن ابي الحديد في الاصل معتزلي يستند الى المعتزلة مدعيا انهم يستندون الى شيخهم امير المؤمنين (ع) في العدل والتوحيد ، ومن كلامه في اول الشرح للنهج : الحمد لله الذي قدّم المفضول على الافضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، قال بعض الافاضل كان ذلك قبل رجوعه الى الحق لأنا نشهد من كلامه الاقرار له (ع) والتبري من غيره ممن تقدم عليه وذلك قرينة واضحة على ما قلناه انتهى. وقال بعض آخر وهذا الذي ذكره الرجل وجماعة من المعتزلة كلام غير مقبول ووجهه انه يقبح من اللطيف الخبير ان يقدم المفضول المحتاج الى التكميل على الكامل الفاضل عقلا ونقلا سواء جعلناه منوطا باختيار الله تعالى او باختيار الامة لأنه يقبح في العقول تقديم المفضول على الفاضل كما اشرنا إليه في النبوة ولكن الرجل إنما اراد الاول لأنه نسب هذا التقديم الى الله عز وجل وهذا القول في غاية ما يكون من السخف لأنه نسب ما هو قبيح عقلا الى الله عز وجل


(59)
مع انه عدلي المذهب فقد خالف مذهبه فلهذا حمل الشكايات الواردة عن علي (ع) من الصحابة والتظلم منهم في الخطبة الموسومة بالشقشقية على ذلك.
    في فوات الوفيات ج 1 ص 519 : عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن أبي الحديد ، عز الدين المدائني المعتزلي ، الفقيه الشاعر ، أخو موفق الدين.
    ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة ، وتوفي سنة خمس وخمسين وستمائة وهو معدود في أعيان الشعراء ، وله ديوان شعر مشهور ، روى عنه الدمياطي ومن تصانيفه « الفلك الدائر ، على المثل السائر » صنفه في ثلاثة عشر يوماً ، وكتب إليه أخوه موفق الدين.
المثل السائر يا سيدي لكـنّ هـذا فلك دائر صـنّفت فيه الفلك الدائرا أصبحت فيه المثل السائرا
    ونَظَم فصيح ثعلب في يوم وليلة ، وشرح نهج البلاغة في عشرين مجلداً وله تعليقات على كتاب المحصل والمحصول للامام فخر الدين :
    ومن شعره :
وحقك لو أدخـلتني الـنار قلتُ وأفنيت عمري في دقيق علومه هبوني مسيئاً أوضع العلم جهله أما يقتضي شرع التكـرّم عفوه للذين بها قد كنتُ ممن يحبّه وما بغيتي إلا رضاه وقربـه وأوبقه (1) دون البـرية ذنبه أيحسن أن ينسى هواه وحبه

1 ـ اوبقه : اهلكه.

(60)
أما ردّ زيغ ابن الخطـيـب وشـكه أما كان ينـوي الحـق فـيما يـقوله وغاية صدق الصب أن يعذبُ الأسى وتمويهه في الدين إذ عزّ خطبه ألم تنصر الـتوحيد والعدل كتبه إذا كان من يـهوى عليه يصبّه
    فرد عليه الشيخ صلاح الدين الصفدي رحمه الله تعالى بقوله :
عـلمنا بـهـذا القـول أنـك آخـذ فتزعم أن الله فـي الـحشر مـا يرى وتـنـفي صفات الله وهـي قديـمة وتـعتقـد الـقـرآن خلـقاً ومحـدثاً وتثبـت للـعبد الـضعيف مشــيئة واشياء من هـذه الـفضـائح جـمّة ومَن ذا الذي أضحى قريباً إلى الهدى وما ضرّ فـخر الـديـن قول نظمته وقد كان ذا نـور يقـود إلى الـهدى ولو كنت تعطي قـدر نفسـك حـقه وما أنت من اقـرانـه يـوم معـرك بقول اعتزال جلّ في الدين خطبه وذاك اعتقاد سوف يـرديـك غبّه وقد أثبـتـتها عن إلاهـك كتـبه وذلك داء عـزّ فـي الـناس طبّه يكـون بـها مـا لـم يـُقدّره ربّه فأيـكما داعي الـضلال وحـزبـُه وجـاء عـن الديـن الـحنيفي ذبّه وفـيـه شنـاعٌ مفـرط إذ تـسـبّه إذا طلعت فـي حندس الـشك شُهبه لاخمدت جمـراً بالـمحال تَـشـُبّه ولا لك يـومـاً بـالإمـام تـَشَـبّه
    ومن شعره أيضا رحمه الله تعالى :
لولا ثلاث لم أخف صرعتي أن أبصر التوحيد والعدل في وأن انـاجي الله مستـمتعـاً ليست كما قال فتى العبد كل مكان بـاذلاً جهـدي بخلوةٍ احلى مـن الشـهد
ادب الطف ـ المجلد الرابع ::: فهرس