ادب الطّفّ الجزء الخامس ::: 61 ـ 75
(61)
المتوفى 1006
إلى كـم تطيل النوح حـول المرابع وتنـدب رسماً قـد محته يـد البلى وتقضي غـراما عند تذكار رامـة وتحيى إذا هبـّت مـن الحي نسمة أما آن أن تصـحو وقد حال حالك ومـالك شغل عـن تـذكّر بـارق فهب أنّ سلمى بعد قطـعك راجعت وخـذ قبل أن تحـتاج زاداً مبلـّغاً ولا تأمن الـدهر الخـؤن فشـهده فكم غرّغراً بالمـبادي ومـا درت ولا تكـترث بالحادثات ووقعـها وفوّض لـرب العرش أمـرك كله ووال خـتـام المـرسـلين وآلـه فإن حـدتَ عنهم او علقت بغيرهم هم أمنـاء الله في هـل أتـى أتى براهين فضل قد خلت من معارض وتـذري على الـدارات درّ المدامع وتشجيك آثـار الطـلول البــلاقع لأرام أنـسٍ فـي القـلوب رواتـع وتهفوا لتغريـد الحـمام الـسواجع وبـدّلته قسـراً بأبـيـض نـاصع ببـارق شيـب مـن قـذالك لامع أيجديك نفعاً والصبا غـير راجـع الى سـفـر جمّ المهـالك شاسـع مشابٌ بـسمّ نافـذ السـهم نـاقع مطالعـه مـاذا تـرى في المقاطع فما فـي ضمان الله ليـس بضائع ووجه لـما يوليـكه نفـس قـانع لتسعى بنـور عـن يمـينك ساطع هلكت ، وهـل يشأى الظليع بظالع مـديحهم بالـنص غيـر مـدافع وآيات فصل قد علت عن مضارع


(62)
لـربهم عـافوا الـرقاد فـأصبحت بهـم أشرق الـدين الحنيفي غبّ ما لقد جـاهـدوا في الله حـق جهاده فلما قضى المخـتار عـاثت بشملهم وسـددت الأعـداء نـحـو قبـيله ونالت رءوس الكفر منهم فلم تـدع فهم بين مـن بيتزّ بالقهـر إرثهـا ومن بين مخـذول رأى رأي عـينه ومما شـجى قلبي وأغرى بي الأسى هـي الوقعة الكبرى التي كل سامع غـداة دعـت سبـط النبي عصابة وجـاءت إليه كتبـهم وقـد انطوت بنفـسي الحسين الطهر يسعى اليهمُ وتصحبه من صحبـه الـغر سادة فديتهم لـما أتـوا أرض كـربـلا فـديتهم لمـا أتى القـوم نحوهـم فـديتهم لـما أحاطـوا بـرحلـهم لعمري لقد فازوا وحـازوا مـراتباً وما بـرحوا فـي نـصره ولأمره جنوبهم تـأبى وصـال المضاجـع دجى وتجـلّت مبهـمات الشرائـع وردوا حسيراً طــرف كل منازع على رغم أنـف الدين أيدي الفجائع سهـام ذحـول عـن قسيّ خـدائع لهـم في فجاج الأرض مقلة هاجع ومـن بـين متـبوع يـقاد لـتابع خلاف الموالي وانـحراف الـمبايع وأفنى اصطباري ذكر كبرى الوقائع لها ودّ لو سـدّت خـروق المسامع بـأن سر وعـجّل بالقدوم وسارع على إحنٍ طـيّ الحشـى والأضالع بأهلـيه لا يـثني عـزيـمة راجع لهم في قـران الفـوز أسعـد طالع وضاق بهم من سبلها كـل واسـع وسدوا عليهـم كـل نهـج وشارع وردّوهـم عـن وردماء الشرائـع تقهقر عـن ادراكـها كـل طامع بـأسرهم مـا بيـن ساع وسـامع
    ويقول في آخرها :
فشمس العلى غارت وانجم سعدها بنفسي قتـيلاً مفـرداً بين خاذل بنفسي رضـيعاً ألقـم القوم ثغره توارت وأمسى غارباً كل طالع وباغ ومرتدّ وطـاغ وخـادع ثديّ سهـام لا ثـديّ مراضع


(63)
بنفسي رؤساً قد نأت عن جسومها فديتـهم والرأس كالبـدر بيـنهم بعامل جزم فوق عامل رافـع وهم حوله مثل النجوم الطوالع
* * *
إليـكم سـلاطين المـعاد قصيـدة فما الدر منظوماً سوى عقد نظمها إذا شان شعـرُ الناس طولٌ فشأنها فإن سحـبت ذيل القـبول لـديكم بكم قد علا قدري وشاعت مفاخري إذا ضاع مدح المـادحين سواكـم فـيا علل الايجاد والسـادة الاولى بنوركم نهدى الى طـرق الهـدى وما لي سوى حبي لكم من بضاعة فنجلـكم عبد الـرؤف وعبـدكم سليل الحـسيني الحسين بن أحمد خـذوا بيدي والوالدين وأسـرتي أجـادت معانيـها قريـحة بـارع وما الروض إلا ما حـوت من بدائع لـه الطول مهما أنشدت في المجامع رضيت على حظي وصالحت طالعي وسدتُ كهول الـناس في سنّ يـافع فاجـر مـديحي فيـكمُ غيـر ضائع هـم عـند رب العـالمين ذرائـعي كما يرشـد الساري ضيـاء المشامع وتلـك لعـمر الله أسنـى البضائـع بكم يلتجي من هول وقـع الـمقامع لِبـاب التماس الـعفو أحـوج قارع وصحبي وتـالٍ للقـريض وسامـع (1)

1 ـ عن مجموعة الشيخ لطف الله الجد حفصي.

(64)
    السيد عبد الرؤوف البحراني ابن الحسين الحسيني الموسوي قاضي قضاة البحرين. توفي سنة 1006
    ذكر السيد الأمين من شعره قوله مضمناً :
أصبحت أشكو علّة ضعفت لها جاء الطبيب فجسّ نبظي سائلاً فتنفس الصعداء وهو يقول لي وأشار ان الصبر ينفع قلت مَن مني عن الحركات والبطش القوى ما تشتكي قلت الصداع من الهوى داء العـليل ومَـن يعالجه سـوا ( تصف الدواء وأنت أحوج للدوا )
    وقوله أيضاً :
لله أشكو مـن زمـان سـائني وسرت إلى قلبي سموم غمومه فطفقت أنشد والخطوب تنوشني وعليّ غارات المصائب شنّها وسيوفه لقتال صـبري سنها ( صبّت عليّ مصائب لو أنها )
    وقوله مضمناً أيضا :
لله وجـه لو ملكن ضياءه وذوائب من فوقه لو أنها سـود الليالي لا نـقلبن لئاليا صبّت على الأيام عدن لياليا
    وقوله :
لا يـخدعنك عـابـد فـي ليـلة لم يسهر الليل البعوض ولم يصح يبكي وكن من شـرّه متـحذّرا في جنحه إلا لشرب دم الورى
    وقال صاحب أنوار البدرين : قلت وهذا السيد من أجلاء السادة ورؤسائهم في زمانه في البحرين من أهل جد حفص ـ القرية المشهورة ـ ودفن في مقبرة الشيخ راشد من بلاد القديم. والظاهر أنه خال السيد العلامة السيد


(65)
ماجد الصادقي الجد حفصي وزوج ابنته ، وكان ـ أعني صاحب الترجمة ـ شيخ الاسلام أي قاضي قضاة البحرين ، قال جامع ديوان الشيخ جعفر الخطي : وللشيخ الخطي مرثية يرثي الشريف قاضي القضاة أبا جعفر عبد الرؤوف ابن الحسين العلوي الموسوي سنة 1016 (1) :
كـفّ الحمام وتـرتِ أي جـواد وطـردتِ ليث الغاب عن أشباله اخمدتِ ضوء الكوكب الوقاد من وكففت مـن غلواء مهـر طالما للسبع بعـد العشر من صفر مُني رزء أتـاح لـكل قـلب حرقة ورجعتِ ظافرة بـأي مرادِ ورجعتِ سالمة من الاسـاد آفاقه وأملتِ طـود الـنادي بذّ الجيـاد بكل يـوم طراد منك الـورى بمفتت الاكباد تفتر عن جمر الغضا الوقاد
    ومنها :
هيهات أن يلد الزمان له اخا أنى وقد عقمت عن الميلاد
    وفي آخرها :
فلئن مضـى عبد الـرؤوف لشأنه فلـقد أقـام لنـا إمـامـاً هـادياً يـزهو بـه دسـت القـضاء كأنه لا زال دست الحكم يبصر منه عن والموت للأحياء بالمرصاد يقفوه في الاصدار والايراد بدر تعرّى عنه جنح الهادي عين الـزمان وواحد الآحاد
    أنشدت هذه القصيدة بسابع موت هذا الشريف في جمع كثير وجم غفير ولا غرو فلقد كان له من العظمة والجلالة ما ليس لملك في رعيته.
    وأنشد في ذلك المقام للشريف الامام العلامة أبي علي السيد ماجد بن هاشم العلوي مرثيته الهمزية المهموزة العزيزة الوجود التي أولها :
1 ـ يظهر ان الرثاء لحفيده المسمى باسمه.

(66)
حلت علـيك معـاقـد الانـداء وسرت على أكناف قبرك نسمة ما بالي استـسقيت انـداء الحيا مـا ذاك إلا أن بيـض مدامعي هتفت أياديك الـجسام بـاعيني أنى يجازي شكر نـعمتك التي يا درة سمـحت بـه الدنيا على واسترجعتها بعدما سـمحت بها ونحت ثراك قوافل الانواء بلّـت حواشيها يـد الانداء وأرحت أجفاني من الاسقاء غاضت مبدّلة بحمـر دماء فسمحن بالبيضاء والحمراء جللتنـيها قطـرة مـن ماء يأس من الاحسان والاعطاء وكذاك كانت شيـمة البخلاء
    ومنها :
فلئن قصرت من الاقامة عندنا فلقد أقمت بنا غريباً في العلا حتى كأنك لمحة الايماء وكذا تكون اقامة الغرباء
    انتهى ما في ديوان أبي البحر الشيخ جعفر الخطي.
    قلت : وهذه القصيدة المهموزة من جيد الشعر وأبلغه وأحلاه وأعذبه وللسيد العلامة المذكور هذان البيتان أيضاً ليكتبا على قبر المرثي السيد عبد الرؤوف المزبور ولقد اجاد :
هذا مقرّ العلم والفضل شبران جزئيان ما خلقا ومخيم التوحيد والعدل إلا لحفظ العالم الـكلي
    قال جامع ديوان الشيخ جعفر الخطي والتمسوا منه أي الشيخ جعفر الخطي شيئاً بكتب على قبر الشريف أبي جعفر عبد الرؤوف المرثي سابقاً فقال :
لعمرك ما واروه في الأرض انه تقاعس عن نيل العلاء إلى الأفق


(67)
ولكنه الطود الذي لو ازيل عن مراسيه مادت هذه الأرض بالخلق
    قال الشيخ ( ره ) فسبقني الشريف العلامة بعمل بيتين اي المتقدمين وكتبا على حجر قبره بمقبرة الشيخ راشد بجبانة أبي عنبرة من اوال البحرين وهما البيتان المتقدمان قال : فقلت البيتين واتفق وفاة السيد الشريف أبي جعفر السيد عبد الجبار بن الحسين الحسيني أخ السيد المذكور بشيراز فدفن بمدفن السيد أحمد بن الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) فكتبا على قبره هناك قال جامع الديوان ثم قربت العهود والتأييدات المقررة من قبل هرموز بتقليد القضاء ابنه أبا عبد الله السيد جعفر وولاية الأوقاف وفوض اليه الامور الحسبية وافرغت عليه الخلع من الديوان وذلك بالمشهد المعروف بذي المنارتين من اوال البحرين وذلك في ثالث عشر شهر صفر سنة السادسة بعد الألف انتهى.
    قلت : وهذا الشريف الجليل الذي كان شيخ الاسلام بعد أبيه هو ممدوح الشيخ جعفر الخطي ومخدومه والذي يصحبه معه في أسفاره إلى شيراز ، رحمهم الله جميعاً.
    وقال الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) قسم الديوان :
    ديوان عبد الرؤوف الجدحفصي وهو السيد أبو جعفر بن الحسين بن محمد ابن الحسن بن يحيى بن علي بن اسماعيل أخ الشريف المرتضى علم الهدى أبي القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الإمام موسى ابن جعفر الكاظم (ع) كذا سرد نسبه حفيده الآتي ذكره والمسمى باسمه الموسوي الحسيني البحراني الجدحفصي المتوفى (1006) وقد رثاه ابن اخته وصهره على بنته المسماة بملوك : السيد ماجد بن هاشم بن علي بن مرتضى الصادقي الجدحفصي الذي توفى هو 1028 كما أرخه السيد عليخان في ( السلافة ) وكتب السيد ماجد على قبر جدّه الاميّ السيد عبد الرؤوف أشعاراً ذكرها الشيخ يوسف البحراني في كشكوله وذكر فيه أيضاً جملة من أشعار ديوان


(68)
السيد عبد الرؤوف هذا في مديح أصحاب الكساء المذكور.
حفيده وسميه :
    وقال البحاثة الطهراني في قسم الديوان من ( الذريعة ) :
    ديوان عبد الرؤوف الجدحفصي السيد جلال الدين أبي المعالي عبد الرؤوف ابن الحسين بن أحمد بن السيد أبي جعفر عبد الرؤوف الموسوي الحسيني البحراني الجدحفصي المذكور بقية نسبه آنفاً وقد ترجمه الشيخ الحر في « الأمل » وذكر بعض ما كتبه اليه من شعره وأطراه إلى أن قال : ( رأيته في البحرين فرأيت منه العجب لكنني عرفت حينئذ في البحرين بحر العلم وبحر الأدب ... ) أقول قد جمع هذا الديوان الشيخ أحمد بن محمد بن مبارك الساري البحراني بعد وفاة الناظم بأمر ولده السيد أحمد بن عبد الرؤوف وذكر فيه ان الناظم توفى 1113 ورتبه على ثلاثة أبواب 1 ـ المديح 2 ـ الرثاء 3 ـ المتفرقات. وفرغ من جمعه في 1118 وقد رأيته عند السيد محمد علي « السبزواري بالكاظمية » وفيه فوائد أدبية وتاريخية ، وكانت نسخة من هذا الديوان عند السيد شبر بن محمد بن ثنوان الموسوي الحويزي نقل عنه في رسالة عملها في بيان نسب السيد عليخان بن خلف الحويزي وذكر ان في ثلاثة مواضع من هذا الديوان يصرح بسيادة السيد عليخان وصحة نسبه.
    وفي تتمة أمل الآمل :
    السيد عبد الرؤوف الموسوي هو الحفيد للسيد عبد الرؤوف السالف ذكره. جاء ذكره في أنوار البدرين في علماء البحرين بقوله : السيد النجيب الأديب الحسيب السيد عبد الرؤوف بن الحسين بن عبد الرؤوف بن أحمد بن حسين بن محمد بن حسن بن يحيى بن علي بن اسماعيل بن علي بن اسماعيل. أخ السيدين الشريفين المرتضى والرضي ابنا الحسين بن موسى بن ابراهيم بن الإمام الكاظم (ع) البحراني أحد الأكابر والأعيان المشار اليهم بالبنان ، جمع بين علو


(69)
الهمة والأدب ، وشفع سمّو الأصل بسمو الحسب ، فهو غرة جبين الدهر ، وله شعر يحبب العقول بسحره ونثر يزري بنظم الدر ونثره ، جمع فيه بين الجزالة والرقة وأعطى كل ذي حق حقه ، كان مولده سنة 1013 هـ وتوفى سنة 1060 ، الله أعلم وله رحمه الله من العمر سبعة وأربعون سنة تغمده الله برحمته ورضوانه (1).
    وللسيد أحمد بن السيد عبد الرؤوف بن السيد حسين الجدحفصي طاب ثراه
عيون المنايا للامانـي حـواجـب وكـل امرء يبكي سيبكى وهكـذا فكم من لبيب غـرّ منه بمـوعـد هو الـدهر طوراً للنفائس واهـبٌ فلا تأمنن الـدهر في حال سلـمه فكـم راعني من صرفـه بروائع ولكننـي مهـما ذكرت بـكربـلا نسيت الـذي قد نالني من خطوبه وقدغارفي أرض الطفوف من الندا وأضحى حسين مفرداً بعـد جمعه ودون المنى سـهم المـنية صائب صبابـة ماء نحن والـدهر شارب فصـدّقه في قـولـه وهـو كاذب الـيك وطـوراً للنفـيسة نـاهـب فكـم علقـت بالآمنـين المخـالب تهـدّ لهـا مـني القـوى والمناكب مصاباً إذا مـا قصّ تنسى المصائب ولم تصف لي مهما حييت المشارب بحور وغارت فـي ثراها كواكـب يذود عـن الأهل العـدا ويحـارب (2)

1 ـ عن تتمة أمل الآمل.
2 ـ عن مجموعة الشيخ لطف الله الجدحفصي.


(70)
المتوفي 1024
    قال المحبي في خلاصة الاثر في أعيان القرن الحادي عشر ص 218 من الجزء الثالث وللعرضي شعر قليل أنشد له بعض الأدباء قوله. وهو معنى حسن
لم اكتحل في صباح يوم إلا لأنـي لفـرط حزني اريق فيـه دم الحسيـن سوّدتُ فيه بياض عيني
    قال وأصله قول بعضهم
وقائل : لم كحلت عيناً فقلت كفوا أحـق شيء يوم استباحوا دم الحسين يلبس فيه السواد عيـني
    قال ومثله لأبي بكر العمري الدمشقي :
في يوم عاشوراء لم أكتحل لكن على من فيه حينا قضى ولم أزيّن ناظري بالسواد ألبستُ عينيّ ثياب الحداد
    أقول : سبق وان ذكر هذا الشعر لأحمد بن عيسى الهاشمي من رجال القرن السادس الهجري. ذكرناه في الجزء الثالث من « أدب الطف » ص 245 مع ترجمته ، ولعله توارد خاطر.


(71)
    عمر بن عبد الوهاب بن ابراهيم بن محمود بن علي بن محمد بن محمد بن محمد ابن الحسين العرضي الحلبي الشافعي القادري المحدث الفقيه الكبير مفتي حلب وواعظ تلك الدائرة ، كان أوحد وقته في فنون الحديث والفقه والأدب وشهرته تغني عن الاطراء في وصفه ، اشتغل بالطلب على والده ثم لزم الشيخ الإمام محمود بن محمد بن محمد بن حسن البابي الحلبي المعروف بابن البيلوني وكان عمره إذ ذاك أربع عشرة سنة فقرأ عليه الجزرية ومقدمة للتصريف وتجويد القرآن.
    أقول واستمر يذكر مراحل الدراسة التي قضاها المترجم له إلى ان قال : والف تآليف كثيرة منها شرح شرح الجامي وكان شديد الاعتناء بالجامي حريصاً على مطالعته وإقرائه وفيه يقول :
لله درّ إمـام طالما سطـعت ألفاظه أسكرت أسماعنا طربا أنوار افـضاله مـن علمه السامي كأنها الخمر تسقى من صفا الجامي
    اقول وذكر المحبي باقي مؤلفاته ورسائله وتحقيقاته وأورد جملة من ذلك وقال المحبي وكانت ولادته بحلب بقاعة العشائرية الملاصقة لزاويتهم دار القرآن شمالي جامع حلب في صبيحة يوم الجمعة منتصف جمادى الآخرة سنة خمسين وتسعمائة ، وجاء تاريخ مولده ( شيخ حلب ). ومات يوم الثلاثاء خامس عشر أو سادس عشر شعبان سنة أربع وعشرين والف وقال الصلاح الكوراني مؤرخاً وفاته :
إمام العلـوم وزيـن العلا تولّى فارخ سراج بها الـعلوم سراج الهدى عمر ذو الوفا هـدى فرقا فانطفى
    انتهى عن الجزء الثالث من خلاصة الاثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي ص 215.


(72)
المتوفى 1028
    قال يرثي سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام :
معاهـدهم بالابرقـين هـوامـدُ ولولا احمرار الدمع لانبعـثت بها وقفت بها والوحش حـولي كأنني أسرّح في اكنافها الطرف لا أرى وإلا ثـلاثاً كـالحـمايـم جـثماً وأسألها عن أهلها وهي لـم تحر لك الخير لا تذهـب بحلمك دمنة فما هـي ان خاطبـتها بمجـيبة ولكن هـلم الخطب في رزء سيدٍ كـأني بـه فـي ثلّة من رجاله يخـوض بهم بحر الوغى وكأنه اذا اعتقلوا سمر الرماح وجرّدوا فليس لـها إلا الصدور مـراكزاً رزقن عهاد المـزن تلك المعـاهد سحـائب دمـع بـالحنين رواعـد بهـنّ مليك حـوله الجند حـاشـد سوى أشعث شجـته أمـس الولائد ونـؤباً عفـته الذامـيات الـعوائد جواباً وهـل يستنطق العـجم ناشد محاهـا البلى واستـوطنتها الأوابد (1) وان جاوبت لم يشف ما أنت واجد قضى ظـمأ والماء جـار وراكد كما حفّ بـالليث الأسـود اللوابد لواردهـم عـذب المـجاجة بارد سيوفاً أعارتها البـطـون الاساود وليس لـها إلا الـرؤس مـغامـد

1 ـ الاوابد : الطير المقيمة بأرض شتاء وصيفاً ، أو الوحش.

(73)
يـلاقون شــدّات الكـمـاة بـأنفس إلى أن ثووا في الأرض صرعى كأنهم أولئك أربـاب الحـفاظ سـمت بهـم ولم يـبق إلا واحـد الـناس واحـداً يكـرّ فيـنـثالـون عـنـه كأنـهـم يحـامي وراء الـطاهـرات مـجاهداً فما الليث ذو الاشبال هيـج على طوى ولا سمـعت أذنـي ولا أذن سـامـع إلى أن أسال الطعن والضرب نـفسه فلهفي لـه والخـيل منـهن صـادرٌ فأيّ فـتـى ظـلـّت خيـول أمـية وأعظـم شيء أنّ شمـراً لـه عـلى فشلّت يداه حـين يـفـري بسـيفـه وان قـتيلا أحرز الشـمـر شـلـوه لقى بمحـاني الطـف شلواً ورأسـه ولهـفـي عـلى أنـصاره وحـماتِه مضـمـخة أجـسادهـم فـكأنـمـا تضـيء بـه أكناف عـرضة كربلا فيا كـربـلا طلـتِ الـسماء وربـما لأنـت وإن كنت الـوضيعة نلتٍ من سررتِ بهـم إذ آنسـوك وسـاءنـي بـذا قـضت الأيـام ما بـين أهلـها ليهـنك أن أمسـى ثــراك بطيـبه إذا غضبت هانت عليها الشـدائـد نخـيل أمالـتهن أيـدٍ عـواضـد الى الغاية القصوى النفوس المواجد يكابد مـن أعـدائـه ما يـكابـد مهىً خلفهنّ الضاريـات شـوارد بأهلي وبي ذاك المـحامي المجاهد بأشجـع منه حين قـلّ الـمساعد بـأثبت منه في اللـقا وهـو واحد فخرّ كما أهوى إلى الأرض سـاجد خضيب الحوامي من دمـاه ووارد تعـادى عـلى جـثمانه وتـطارد جنـاجن صـدر ابـن النبي مقاعد مقلّـد مـن تلقـى إلـيه المـقالـد لأكــرم مفـقـود يبـكّيه فاقـد ينوء بـه لـدن مـن الخـطّ وارد وهـم لسـراحيـن الفـلاة مـوائد عليهنّ من حمـر الـدماء مجاسـد وتـظـلم مـنه أربـع ومشاهــد تناول عفـواً حظ ذي السعـي قاعد جـواره ما لـم تـنلـه الفـراقـد محاريب منهم أوحـشت ومساجـد مصائب قـوم عـند قـوم فـوائد تعـطر منـه في الجنان الخرائـد (1)

1 ـ الخرائد جمع خريدة : البكر التي لم تمس قط.

(74)
وان أنس لا أنسى النساء كأنها سوافر بعد الصون ما لوجوهها إذا هنهّ سلّبن الـقلائد جـددت وتلوى على أعضادهن معاضدٌ نـوادب لو أن الجبال سمعنها إذا هـنّ أبصرن الجسوم كأنها وشمن رؤوساً كالبـدور تقلّبها تداعين يلطمن الخـدود بعولةٍ ويخمشن بالأيدي الوجوه كأنها وظلن يـرددن المناح كـأنما فما الورق بزتها البزاة فراخها ولا رزحٌ هـيمٌ تـكاد قلوبها تهـمّ بـورد الماء ثـم يردها يدافعها عن ورده وهي لا تني فيرجعها حـرى القلوب كأنما بأكثر منـها تلك نوحـاً وهذه فيا وقعة ما أحدث الدهر مثلها لألبست هـذا الدين أثواب ذلة لحى الله قيساً قيس عيلان إنني لأمهم الويـلات ما ذنب هاشم قطاً ريع عن أوكـاره وهو هاجد بــراقـع إلا أذرع وسـواعـد مـن الضـرب في أعناقهن قلائد من الضرب إذ تبتزّ منها المعاضد تداعـت أعالـيهن فـهي سواجد نجوم على ظهر الفـلاة رواكـد رماح كأشطـان الـركي مـوائد (1) تصـدع منـها القاسيات الجلامد دنانير أبلاهـنّ بـالـحك ناقـد تعلم منـهن الـحمام الفـواقـد وحلأهـا عن حومة الوكر صائد تطير إذا عنـّت لهـن المـوارد (2) أخيرق مرهـوب الـبسالة ذائد تدافعـه وهـو الألد المـعانـد يؤجج في أحشـائـها النار واقد حنيـناً وأنـى والعـيون جوامد يبيد الليالي ذكـرهـا وهو خالد تـرث لها الأيـام وهي جـدائد عليهم لمسجـور الحشاشة حاقد عليهم أما كفواً إذا لـم يساعدوا

1 ـ الركي بفتح الراء مفردها ركية. والاشطان جمع شطن : الحبل. وصف الرماح لميدانها بحبال الابار.
2 ـ رزح جمع رازح : الجمل الذي لم يستطع النهوض هزالاً وتعباً.


(75)
أغـرتم فحـللتم أواصـر بيـنكم وأبكيتـم جـفـن الـنبي محـمد أمية هبّـي من كراك فـما جنى لأغرقـتم في رمـي هاشم بعدما على غـير شيء غـير أنكم معاً خـلا أنـه أولى بكم من نفوسكم أنـالـهم مـا لـم ينلـكم إلههم أما وأبي لـولا تـأخر مـدتـي لا لفـيتموني فـي رجـال كأنهم بـأيماننا بـيض كـأن متـونها وخـطية ملـس البـطون كأنما نطاعنكم عنـهم بهذي فأن نبـت لعمر أبي الخطي ان عز نصركم من اللائي يدنين الخلي من الأسى فـدونكـم آل النـبي فـرائـداً يـزيركمـوها من فـروع ربيعة يمـدّ بضبـعيه إلى أمـد الـعلا إذا شئت جاراني بمضمار مدحكم إذا ركضا كـان الـمصلي منهما هما أرضـعاني درة الرشد يافعاً لها مضرٌ في سالف الدهر عاقد لـيضحك كلب مـن أمية عاقد كفعلك جان وهـو مثلك راقـد أحلوكم حيث السهى والفراقـد إذا حصل الانساب كفّ وساعد بنصّ من التنزيل والله شاهـد فكلـكم بادي الـعداوة حاسـد وأن الذي لـم يقضه الله كـايد ليوث بـمستنّ الـنزال حوارد إذا اطـردت أمـواههن مبارد أسنتها مـما شـحذن مناصـد عـواملـها مـلنا بتلك نجـالد عليـه فلم تعـزز علـيه القائد ويتركن مثلوج الحشا وهو واجد تـذلّ لها في سلكهـن الـفرائد فتى عرقت فيه الرجال الأماجد (1) إذا مـا انتمى جدّ كـريم ووالد جوادان لا يشآهما الـدهر طارد (2) الفتى حسن والسابق الفحل ماجد فها أنـا ذا والحـمد لله راشـد (3)

1 ـ يزيركموها أي يهيئكم لها.
2 ـ يشآهما : يسابقهما.
3 ـ عن ديوانه المطبوع في طهران سنة 1373 هـ. تحقيق الخطيب السيد علي الهاشمي.
ادب الطف الجزء الخامس ::: فهرس