ادب الطّفّ الجزء الخامس ::: 91 ـ 105
(91)
    الشيخ محمود الطريحي كان حياً سنة 1030
    هو الشيخ محمود بن احمد بن علي بن احمد بن طريح بن خفاجي بن فياض ابن حيمة بن خميس بن جمعة المسلمي الشهير بالطريحي ، ومن أعلام هذه الاسرة التي رسخت قواعدها في هذا البلد منذ قرون عديدة.
    وكما يظهر من نظم المترجم له أنه غير عالم كما لم نقف على ذكر له بين طبقات العلماء وفي كتب الرجال ، غير أن الشيخ فخر الدين ذكر له في المنتخب عدة قصائد وهي من النوع الذي لم يرتفع سبكه ، وإنما يصور لنا أن المترجم له قويّ العقيدة ذائب في حب آل البيت (ع) وقد وقفت على شعر له في بعض المجاميع وهو مما لم يذكر في المنتخب. ذكره الاستاذ عبد المولى الطريحي في كتابه ( أعلام الأسرة ) وسجّل له بعض الشعر الذي حصّل عليه من مختلف المجاميع ومنه قوله مخمساً ، والأصل للشاعر محمد بن المتريض البغدادي في مدح الامام علي (ع) قوله :
رعى الله ليلة بـتنا سهارى فلما رسى البدر والنجم غارا خلعنا بحب العـذارى العذارا أماطت ذوات الخمار الخمارا
فصيرت الليل منها نهارا
وكنّ بجنح دجى أدعج فقامت بساقٍ لها مدمج فبعض الى بعضا ملتجي وجاءت تشمر عن أبلج
كما طلع البدر حين استنارا
تبدت بـنور لها لائح وخدٍ بماء الحيا ناضح بوجه لبدر الدجى فاضح وتبسم عن أشلب واضح
كزهر الاقاح اذا ما استنارا


(92)
وبي غـادة رنحته قدّها وقد صبغت مقلتي خدها حميا الصبا ونفت صدها فلم أنـس مجلسنا عندها
جلسنا صحاوى وقمنا سكارى
نعمنا على الروض دون الانام ولـم ترنا إذ هجـرنا المـنام بتلك الربوع وتلك الخيام تميل بـنا عذبات المدام
فنحن نميس كلانا حيارى
ولله مـجـلسـنا بـاللـوى اذا انتبهت من رسيس الجوى لكل المنى والهوى قد حوى وقامت وقد عاث فينا الهوى
تستّر بالعَنَم الجُلنارا
    ومنها :
امام لـه اختـص رب السما ومأوى الطريد وحامي الحما وفي يده الحوض يوم الظما أبى أن يبـاح حمـاه كـما
أبى إذ يلاقي الحروب الفرارا
إمـام تحـنّ المـطايا اليه أرجّي غداً شربة من يديه وتشكو الذنوب البرايا اليه ولست أعـوّلُ إلا عـليه
ولا غيره في البَلا يستجارا
وما خاب من يشتكي حاله إله السـما وارتـضاها له لمنه في الوصية أوصى له وان الـذي نـاط أثـقالـه
به قلّها ووقاها العثارا (1)

    اقول وفي ( تاريخ الاسرة الطريحية ) مخطوط البحاثة المعاصر الشيخ عبد المولى الطريحي ، قال : هو العالم الفقيه والشاعر المعروف في عصره الشيخ
1 ـ عن شعراء الغري ج 11 ص 181.

(93)

محمود بن الشيخ احمد عالم من علماء القرن الحادي شعر وفقيه معروف اشتهر بعلمه وفضله وتقواه وهو والد الشيخ محي الدين الذي ذكره صاحب السلاقة كما ذكره قبله صاحب امل الآمل ، ورياض العلماء لميرزا عبد الله افندي. أما ولادته ووفاته فلم نتوفق لضبطهما سوى أنه كان من رجال القرن الحادي عشر.
    وله من قصيدة يرثي بها الامام الحسين (ع) قوله :
صبّ يفصل من عناه المجملا حرق المصاب فؤاده فتبادرت إذ لم يجد مما عناه تحملا عبراته فهو الكئيب المبتلى (1)
    وترجم له صاحب ( ماضي النجف ) في الجزء الثاني فقال : كان يتعاطى حرفة الصاغة كما يظهر من شعره ، وهو محمود بن احمد الطريحي اخو محمد علي والد الشيخ فخر الدين ووالد الشيخ محي الدين المترجم في نشوة السلافة.
    شعره يدل على رسوخ عقيدة وحسن سريرة فهو من المخلصين والموالين لأهل البيت له شعر كثير في مجموع الشيخ الجليل الشيخ راضي آل ياسين.
1 ـ القصيدة بكاملها وهي 65 بيتاً في مخطوطة الشيخ حسان الربعي المتوفى سنة 1198 هـ.


(94)
المتوفى 1031
    قال يرثي الحسين عليه السلام :
مصابك يا مولاي أورث حرقة فلو لم يكن رب السماء مـنزّها وأمطر من أجفاننا هـاطل المزنِ عن الحزن قلنا انه لك في الحزن

عن منن الرحمن في شرح وسيلة الفوز والامان في مدح صاحب العصر والزمان للشيخ جعفر النقدي ج 1 ص 30.

(95)
    بهاء الدين العاملي
    هو شيخ الفقهاء وأستاذ الحكماء ورئيس الأدباء محمد بن الحسين المعروف ببهاء الدين العاملي ، ساح ثلاثين سنة وأتاه ربه كل حسنة.
    قال صاحب أعلام العرب ما نصه : بهاء الدين محمد بن عز الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي صاحب التصانيف والتحقيقات وأحد جهابذة العلم وعباقرته ونوابغ العلم وأفذاذه في العلوم والفنون.
    ولد ببعلبك سنة 953 هـ وانتقل به أبوه الى فارس وأخذ عن والده وغيره من علماء كثيرين حتى أذعن له كل مناظر ومنابذ فلما اشتد كاهله وصفت من العلم مناهله ولي بها مشيخة الاسلام ثم رغب في السياحة ومحالفة الأسفار فحج وزار قبر النبي (ص) وقضى نحو ثلاثين سنة في الأسفار : واجتمع في أثناء ذلك بكثير من أهل الفضل والعلم ، ومن البلاد التي جابها مصر وألّف بها كتاب الكشكول المشهور ، وكان مدة إقامته بمصر يجتمع بالعلامة محمد بن أبي الحسن البكري وكان البكري يبالغ في تعظيم البهائي فقال له البهائي مرة : يا مولانا أنا درويش فقير كيف تعظمنا هذا التعظيم ؟ » فأجابه البكري : شممت منك رائحة الفضل .. ثم قدم القدس فكان فيها مبخلاً مقدراً ودرس هناك ثم سار الى دمشق ونزل هناك واجتمع به الحافظ الحسيني الكربلائي القزويني نزيل دمشق صاحب الروضات والحسن البوريني العلامة الكبير وقد طار البوريني إعجاباً به وإكباراً له بعد أن عرفه وكان يسمع به وذهب الى حلب وهناك توارد عليه أهل جبل عامل أفواجا أفواجا وذلك في زمن السلطان مراد بن سليم وهو في كل ذلك متكتم متنكّر يحاول إخفاء أمره ثم خرج من حلب مسرعاً واستقرّ أخيراً في اصفهان في حاشية الشاه عباس


(96)
وغالت الدولة في قيمته في عهد الشاه فكان لا يفارق السلطان سفراً وحضراً وقصدته علماء الامصار وكانت له دار مشيّدة البناء رحبة الفِناء يلجأ إليها الأيتام والفقراء فيقوم بالانفاق عليهم مع تمسّك من التقى بالعروة الوثقى وهو في كل ذلك يرجو أن يعود الى سياحته فلم تسمح له الايام حتى توفي سنة 1031 في 12 شوال بأصفهان ونقل الى طوس فدفن بها في داره قريباً من الحضرة الرضوية.
    قال المحبي في الخلاصة : « ... وهو أحق من كل حقيق بذكر أخباره ونشر مزاياه واتحاف العالم بفضائله وبدائعه وكان أمة مستقلة في الأخذ بأطراف العلوم والتضلّع بدقائق الفنون وما أظن الزمان سمح بمثله ولا جاد بندّه. » وقد ألّف مؤلفات جليلة في التفسير والحديث والفقه وأصول الدين والفلك والحساب واللغة وغيرها ومؤلفات بالعشرات في سائر أنواع العلوم والفنون ، ومن هذه المؤلفات.
    1 ـ الكشكول : وهو كتاب مشهور طبع في مصر وايران مراراً ويعدّ من الكتب المهمة فيما احتواه من نبذ في علوم مختلفة حتى الهندسة والجبر والنجوم والطب والاحصاء وفيه شذرات من التاريخ والشعر والأمثال والعلوم الاسلامية والابحاث الفلسفية والتصوف وعلم الكلام وما وراء الطبيعة وغير ذلك وقد طبع أخيراً في مصر ـ دار احياء الكتب العربية للحلبي بتحقيق طاهر أحمد الزاوي سنة 1380 / 1961 في مجلدين الاول في 464 ص والثاني في 502 ص عدا الفهارس. ثم في بيروت بمطابع الوطن ـ دون تاريخ ـ في خمسة أجزاء بمجلد واحد محذوفة منه الاشعار والعبارات الفارسية !!
    2 ـ شرح ( او تعليقات ) على كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) أحد الاصول الاربعة التي عليها معتمد الامامية : قال البهائي في مقدمة هذا الشرح : « .. هذا ما لم يعق عنه عوائق الزمان ولم تصد عن تحريره علائق


(97)
الدهر الخوان من تعليقات حسان كأنهن اللؤلؤ والمرجان يكشف عن كتاب من لا يحضره الفقيه نقابُها .. » قال صاحب الذريعة : رأيت نسخة عصر المصنف في خزانة شيخنا الشيرازي ورأيت في النجف نسخة أخرى بخط الشيخ محمد بن علي الجزائري في 1098 عليها صورة إجازة المجلسي للمحدث الجزائري عند السيد مصطفى بن أبي القاسم بن أحمد بن الحسين بن السيد عبد الكريم الجزائري.
    3 ـ المخلاة : وهو من قبيل الكشكول وفيه كثير من الأمثال والحكم والمواعظ والاشعار طبع بمصر سنة 1317 ومعه ( أسرار البلاغة ) منسوباً اليه وطبع في القاهرة ـ الحلبي سنة 1377 / 1957 ومعه أسرار البلاغة.
    4 ـ خلاصة الحساب : والهندسة وقد طبعت الخلاصة مراراً في الاستانة وكشمير ومصر وترجمت الى الفارسية وطبعت في كلكته والى الالمانية وطبعت سنة 1843 في برلين والى الفرنسية وطبعت في رومة 1864 وعليها شروح وتعليقات كثيرة وقد اختصر الخلاصة البهائي من كتابه الكبير ( بحر الحساب.
    5 ـ زبدة الأصول : وبهامشه حاشية عليه ، العجم 1302 وفي سنة 1267 طبع أيضاً بالعجم كتاب الأصول وهو مختصر وعلى زبدة الاصول جملة من الحواشي لنخبة من العلماء ومنهم البهائي نفسه فإن له حاشية كبيرة ونسختها في مكتبة سبهسالار كما في فهرسها.
    6 ـ أسرار البلاغة في الأدب طبع بمصر سنة 1317 مع المخلاة ثم سنة 1377 هـ.
    7 ـ الحبل المتين في الحديث والفقه منه نسخة في الخزانة التيمورية والنجف وغيرهما وقد طبع في طهران سنة 1321.
    8 ـ أربعون حديثاً من طرق أهل بيت النبوة والولاية فرغ من تأليفه سنة 977 هـ طبع حجر ايران.


(98)
    9 ـ وسيلة الفوز والامان في مدح صاحب الزمان : قصيدة منها نسخة بخط السماوي سنة 1362 في مكتبة الحكيم.
    10 ـ الأنوار الإلهية : من هذا الكتاب نسخة في مكتبة راغب باستنبول كما في فهرس المكتبة.
    11 ـ الاثنا عشريات الخمس : منها نسخ متعددة على انفراد في مكتبات كثيرة ويوجد مجموع هذه الكتب بخط تلميذ البهائي الشيخ محمد هاشم بن أحمد ابن عصام الدين وعليها اجازة البهائي بخطه في رجب سنة 1030 في الخزانة الرضوية وأخرى بخط تلميذه المجاز منه الشيخ علي بن أحمد النبطي العاملي سنة 1012 وعليها اجازة البهائي له في جمادي الاولى سنة 1012 وتوجد في المدرسة الفاضلية بالمشهد الرضوي ( الذريعة 1 / 113) ومنها نسخة في مكتبة آية الله الحكيم في النجف بخط السماوي.
    12 ـ توضيح المقاصد : رسالة صغيرة مطبوعة بايران سنة 1315 وهي في وفيات الأئمة والعلماء.
    13 ـ حاشية على البيضاوي بخط 1073 رأيت نسختها في مكتبة السماوي بخط محمد شفيع بن محمود بن علي وانتقلت النسخة الى مكتبة الحكيم.
    14 ـ الحديقة الهلالية ضمن مجموعة كتب في المكتبة السابقة كتبت سنة 1082 هـ.
    15 ـ حاشية على القواعد بخط سنة 1200 هـ في المكتبة السابقة.
    16 ـ الدراية فيما يحتاج اليه أهل الرواية طبعت في ايران ضمن مجموعة. وهي مقدمة كتاب الحبل المتين.
    17 ـ حاشية على القواعد الكلية الاصولية والفرعية لأبي عبد الله محمد ابن مكي الشهيد طبعت على هامش القواعد المطبوع في ايران سنة 1308 هـ.


(99)
    18 ـ تشريح الافلاك في الهيئة وهو من الكتب المشهورة المتداولة طبع بكلناو والهند وغيرهما رتّب على مقدمة وخمسة فصول ويعتبر متناً دقيقاً في موضوعه وعليه شروح كثيرة بعضها مطبوع وربما بلغت هذه الشروح الثلاثين.
    19 ـ التحفة الحاتمية في الاسطرلاب ألفه للوزير اعتماد الدولة حاتم حين قرأته للاسطرلاب على البهائي ورتبه على سبعين باباً ويقال له باللغة الفارسية « هفتاد باب » طبع في ايران سنة 1316 هـ.
    20 ـ تهذيب البيان ـ رسالة 65في النحو منها عدة نسخ وطبعت ضمن مجموعة في الهند وشرحها جماعة من العلماء.
    21 ـ الجامع العباسي : في الفقه ألفه بإسم الشاه عباس ورتبه على عشرين باباً. وفي مكتبة الحسن الصدر نسخة كتبت سنة 19 هـ.
    22 ـ الاعتقادية : فيها بيان عقائد الإمامية وتمييزهم عن سائر الفرق طبعت سنة 1326 هـ ومنها نسخ كثيرة.
    23 ـ الفوائد الرجالية : منها نسخة مخطوطة في مكتبة الحكيم في النجف ضمن مجموعة بخط الشيخ محمد السماوي سنة 1341 هـ.
    24 ـ مشجرة الرجال : منها نسخة خطية في مكتبة الحكيم وهي في صفحة واحدة كبيرة مغلفة بالقماش كتبت الاسماء بالاسود والخطوط بالاحمر ـ دون تاريخ ـ والمحتمل أنها بخط البهائي.
    25 ـ الوجيزة : ـ ولعلها دراية الحديث ـ منها نسخة في مكتبات النجف وطبعت في ايران على الحجر سنة 1311 وملحقة برجال العلامة الحلي ايران 1312 هـ.
    26 ـ الذبيحية : رسالة في حرمة ذبيحة أهل الكتاب طبعت في


(100)
مجموعة ( كلمات المحققين ) ايران وكان قد ألف الرسالة بأمر الشاه عباس الحسيني الصفوي بعد ورود ملك الروم اليه.
    27 ـ شرح قصيدة البردة : منه نسخة في بعلبك عند بعض آل السيد مرتضى وهو شرح كبير. ( الذريعة 14 / ص 6).
    28 ـ رسالة في القصر والتخيير في السفر كتبت سنة 1132 بخط ابن مهر علي محمد محفوظة في مكتبة الحكيم.
    29 ـ لغز في لفظ قانون بخط سنة 1131 في المكتبة السابقة.
    30 ـ مشرق الشمسين من الكتب المهمة في الفقه طبع في طهران سنة 1321 هـ.
    وللبهائي ـ عدا ذلك ـ كتب ورسائل أخرى كثيرة.
    قال الشيخ محمد رضا الشبيبي في محاضرته عن الشيخ البهائي : تعدّ آثاره في الشعر والادب حوالي العشرين. وعدّ منها ( ديوان شعره ) الذي عنى بجمعه أحد أبناء الحر العاملي صاحب كتاب ( أمل الآمل ) وقد جاء في ترجمة الإمام العاملي من أمل الآمل ما نصه : له شعر حسن بالعربية والفارسية متفرق وقد جمعه ولدي محمد رضا الحر فصار ديواناً لطيفاً.
    وقال الشيخ محمد رضا الشبيبي في محاضرته.
    لقد استرعى نظري وأنا أتصفح مختلف الأسفار والتصانيف لتقييد ما يتصل منها بتاريخ الفلسفة الاسلامية. ان جملة من كتب الشيخ بهاء الدين العاملي رحمه الله حافلة بفوائد وشوارد فلسفية مضافاً الى بحوثه الاخرى في الرياضيات والفلكيات ، ولقد شارك مشاركة عجيبة في جميع العلوم والفنون المعروفة في زمانه عقلية ونقلية ووفق في التاليف فيها وفي جملتها الفقه والأصول والحديث والتفسير واللغة وعلومها والحكمة والفنون الرياضية والفلكية.


(101)
    وقال الشيخ القمي في الكنى والألقاب : شيخ الاسلام والمسلمين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الجبعي العاملي الحارثي ، قال صاحب السلافة في حقه ما ملخصه : هو علامة البشر ومجدد دين الأئمة عليهم السلام على رأس القرن الحادي عشر اليه انتهت رياسة المذهب والملة وبه قامت قواطع البراهين والأدلة وجمع فنون العلم فانعقد عليه الاجماع وتفرد بصنوف الفضل فبهر النواظر والاسماع فما من فن إلا وله فيه القدح المعلى ، والمورد العذب المحلّى ، ان قال لم يدع قولاً لقائل ، او طال لم يأت غيره بطائل ، مولده بعلبك عند غروب الشمس يوم الاربعاء لثلاث عشر بقين من ذي الحجة سنة 953 وانتقل به والده وهو صغير الى الديار العجمية فنشأ في حجره بتلك الاقطار المحمية وأخذ عن والده وغيره من الجهابذ حتى أذعن له كل مناضل ومنابذ فلما اشتد كاهله وصفت له من العلم مناهله ولي بها شيخ الاسلام وفوضت اليه أمور الشريعة على صاحبها الصلاة والسلام ولم يزل آنفاً من الانحياش الى السلطان راغباً في العزلة عازفاً عن الاوطان يؤمل العود الى السياحة. ويرجو الاقلاع عن تلك الساحة فلم يقدر له حتى وافاه حمامه وترنم على أفنان الجنان حمامه وأخبرني بعض ثقات الأصحاب ان الشيخ قصد قبل وفاته زيارة المقابر في جميع من الأجلاء الأكابر فما استقر بهم الجلوس حتى قال لمن معه اني سمعت شيئاً فهل فيكم من سمعه ؟ فأنكروا سؤاله واستغربوا مقاله وسألوه عما سمعه فأوهم وعمّى في جوابه ثم رجع الى داره فأغلق بابه فلم يلبث أن أصاب داعي الردى فأجابه وكانت وفاته لاثنتي عشرة خلون من شوال ا لمكرم سنة 1031 باصبهان ونقل قبل دفنه الى طوس فدفن بها في داره قريباً من الحضرة الرضوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والتحية انتهى.
    أقول وترجم له الخفاجي في ريحانة الالباء وذكر له شعراً كثيراً وروائع جميلة والبهائي نادرة من نوادر الزمان ، فقيه أصولي ، وفيلسوف حكيم ، وطبيب نطاسي ، ومهندس رياضي ، وفلكي نحوي ، وصوفي زاهد ، وسائح


(102)
مؤرخ ، وأديب شاعر ، وباحث ماهر ، ولغوي مبدع ، وبحاثة محقق. جامع كل فنٍ غريب وحاوي كل علم عجيب.
    وترجمه السيد عباس المكي في الجزء الاول من نزهة الجليس وعدد مؤلفاته وجوانب حياته وقال : كان مقبول الهيئة سمح الكف حسن المنظر عالي الهمة فمن شعره ارجوزته الوعظية :
ألا يا خائـضـاً بحـر الأماني أضعتَ العـمر عصياناً وجهلاً مضى عمر الشباب وأنت غافل الى كـم كالبـهائم أنت هـائم وطرفك لا يـرى إلا طمـوحاً وقـلبك لا يفـيق من المعاصي بلال الشيب نـادى في المفارق ببحر الجهل لا تـصغى لواعظ على تحـصيل دنـياك الـدنية وجهد المـرء في الـدنيا شديد وكيف ينال في الاخرى مرامه هـداك الله مـا هـذا التـواني فمهـلاً أيـها المغـرور مـهلاً وفي ثـوب العمى والجهل رافل وفـي وقت الغنـائم أنت نـائم ونفسك لم تـزل أبـداً جـموحا فويلك يـوم يـؤخذ بالنـواصي بحيّيّ على الذهاب وأنت غارق ولو أطرى وأطنب في المواعظ مجدّاً في الصباح وفي العـشية ولـيس يـنال مـنها مـا يريد ولـم يجـهد لمطـلبها قـلامه
    وقوله :
يا نديمي بمهجتي أفديك هاتـها هاتـها مشعشعة خمرة ان ضللت ساحتها يا كليـم الفـؤاد داوِ بها قم وهـت الكؤس من هاتيك أفسدت نسك ذا التقى والنسيك فسنا نـور كاسـها يهـديك قلبك المبـتلى لكي تشفيــك


(103)
هـي نار الكـليم فـأجتـلها صـاح ناهـيك بالمـدام فدم عمرك الله قـل لـنا كرمـاً أترى غاب عنك أهـل منىً ان لي بـين ربعـهـم رشأ لـست أنساه اذ أتى سـحراً طرق الـباب خـائـفاً وجلاً قلت صرّح فقال تجـهل من بـات يسـقي وبـتّ أشربها ثـم جـاذبتـه الـرداء وقـد ثـم وسـّدتـه اليــمين الى قـال ماذا تـريد قـلت لـه قال خـذها فقد ظـفرت بها قلت مهـلاً فقال قـم فـلقد واخـلع الـنعل واترك التشكيك فـي احتـساهـا مخالفاً نـاهيك يـا حَمـام الأراك مـا يبـكيك بعـدمـا قـد توطنـوا واديـك طـرفـه ان تـمت أساً يحـييك وحـده وحـده بـغير شـريـك قلت : مَن قال : كل مَن يرضيك سـيف ألحـاظـه يمكّـن فـيك خمـرة تـترك المـقـلّ ملـيك خـامر الخـمر طـرفـه الفتـّيك ان دنى الصبح قـال ليَ يكفـيك يا مـنى الـقلب قبـلةً في فـيك قلـت زدنـي فقـال لا وابـيك فاح نشر الصـَبا وصاح الديـك
    وقوله :
للشـوق الى طيبة جفني بـاك استنكفُ ان مشيت في روضتها لو صار مقامي فلك الأفلاك ألمشي على أجنـحة الاملاك
    وقوله :
من أربعة وعشرة إمدادي في طيبة والغرى وسامراء في ست بقاع سكنوا يا حادي في طوس وكربلا وفي بغداد
    وقوله في الإمامين الجوادين عليهما السلام :


(104)
ألا يا قاصـد الزوراء عـرّج ونعليك اخلعن واسجد خضوعاً فتحتهما لعـمرك نـار موسى على الغربيّ من تلك المغاني إذا لاحـت لـديك القبّـتان ونـور مـحـمد متـقارنان
    وقوله كما رواه الخفاجي في ريحانة الألباء :
هذا النبأ العظيم ما فيه كلام مَـن يمّم بـابَه يَنل مطلبه هـذا لمـلائك السمـاوات إمـام مَن طاف به فهو على النار حرام
    وللشيخ البهائي كما رواه السيد الأمين في الأعيان :
يـا رب إنـي مـذنب خاطئ وليس لـي مـن عـمل صالح غير اعتقادي حبّ خير الورى مقـصّر في صالحات القرب أرجوه في الحشر لدفع الكرب وإلـه ، والمرء مع مَن أحب
    وقوله ـ وقد رأى النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في المنام وتمتع بالنظر الى جماله :
ولـيلة كـان بـهـا طـالعي قصّر طيب الوصل من عمرها واتـصل الفجر بهـا بالـعشا إذ أخـذت عيـناي فـي نومها فـزرته فـي الليل مستعطـفاً واشـتكي مـا أنبا فيه من الـ فأظهر العـطف علـى عبـده فيـا لها مـن ليـلة نـلتُ في امست خفيـفات مطايا الرجـا سيقـت في ظلـمآئـها خمرة في ذروة السعـد وأوج الكمال فلـم تـكن إلا كـحلّ الـعقال وهـكذا عـمر لـيالي الوصال وانتبه الطـالـع بعـد الـوبال أفـديه بالنـفس وأهلي ومـال ـبلوى وما ألقاه من سوء حال بمنطـق يزري بعـقد اللـئال ظلامـها ما لـم يكن في خيال بها واضـحت بالأمـاني ثقال صافية صـرفاً طهـوراً حلال


(105)
وابتهج القلب بأهل الحمى ونلتُ ما نلت على أنـني وقـرّت العين بـذاك الجمال ما كنت استوجب ذاك النوال
    وذكر السيد في السلافة للشيخ البهائي قوله :
بالـذي ألهـم تعذيبي ما الذي قالته عيناك ثـنايـاك الـعِذابـا لـقـلبي فـأجـابـا
    وقوله وهو من الشعر القصصي ـ من سوانح الحجاز :
كان في الاكراد شخص ذو سداد لـم تخيّب مـن نـوالٍ طـالباً دارهـا مفـتوحـة الـداخليـن فهـي مفـعول بها في كل حال كان ظـرفاً مستقـراً وكـرها جـاءها بعض الليالـي ذو أمل شـق بالسكين فـوراً صـدرها مكّـن الغـيلان من أحشـائها قال بعض القوم من أهل الملام كان قتل الشخـص أولى يا فتى قال يا قوم اتركوا هـذا العتاب كنـت لو أبقيـتـها فيـما تريد انها لـو لم تـذق حدّ الحـسام أيـها المأسور فـي قيد الذنوب أنت في أسر الكـلاب العاويـة أُمّـه ذات اشـتهار بـالفساد لم تمانـع عـن وصال راغباً رجلـها مـرفوعة للفاعلـين فعلها تمييز أفعـال الـرجال جاء زيد قـام عمـر ذكرها فاعتراها الابن في ذاك العمل في محاق الموت أخفى بدرها خلـص الجيران من فحشائها لـم قتلت الأم يا هـذا الغلام إن قـتل الأم شيء مـا أتى إن قـتل الأم أدنى للصواب كل يوم قاتلاً شـخصاً جديد كان شغلي دائـماً قتل الأنام أيها المحروم من سرّ الغيوب من قوى النفس الكفور العاتية
ادب الطّفّ الجزء الخامس ::: فهرس