ادب الطّفّ الجزء الخامس ::: 241 ـ 255
(241)
حسن العمري الموصلي الفاروقي
    حسن بن عبد الباقي بن ابي بكر الموصلي الملقب بعبد الجمال ، ولد في حدود 1100 هـ وتوفي ببغداد عام 1157 هـ ، وكان من أشهر شعراء الموصل في عصره وله ترجمة وافية في ديوانه المطبوع في الموصل سنة 1386 هـ بمطبعة الجمهورية وتحقيق محمد صديق الجليلي كما ترجمه الأدباء الذين كتبوا عن أدباء الموصل.
    قال السيد الأمين في الأعيان ج 21 ص 92 ، هو ابن أخ عبد الباقي العمري الموصلي الشاعر المشهور ، ونظم حسن قصيدة في رثاء الحسين عليه السلام أولها :
    قد فرشنا لوطئ تلك النياق ..
    ولم يتيسر لنا الاطلاع عليها. فقال السيد حسن ابن السيد باقر ابن السيد ابراهيم ابن السيد محمد الحسني البغدادي المعروف بالسيد حسن الاصم المعروف بالعطار المتوفى 1241. مقرضاً لها بقصيدة أولها :
حبذا واخدات تلك النياق حيث وافت بكتبكم بالعراق
    إلى أن يقول :
حيث زفت إلى إمام همام وسليل البتول بضعة طه سبط خير الـورى على الاطلاق صاحب الحوض واللوى والبراق
    اقول وفي ج 25 من الأعيان ص 223 نسب هذه القصيدة للسيد حسين البغدادي من أواسط أو أوائل المائة الثانية عشرة.


(242)
    واليكم قصيدة للمترجم له ، كما جاء في الديوان ما نصه :
    ما أنشأه الأديب حسن بن عبد الباقي بن أبي بكر الموصلي يمتدح سيدنا ومولانا أمير المؤمنين ويعسوب الدين الامام عليا ابن ابي طالب كرم الله وجهه وذلك لما قادته السعادة الازلية من غلالة التوفيق لزيارة المشهدين الشريفين في سلخ جمادىالآخرة من سنة 1143 ، وكتبها على باب الحضرة المنورة :
نعم بلغت يـا صاحِ نفـسي سؤالها فزمـزم ودع ذكر الحطـيم وزمزم مقام هـو الفـردوس نعـتاً ومشهداً فـيا قبـة الأفـلاك لسـت كـقبة فـكم هبطت للأرض مـنك كواكب وكم ودّ بدر التم حـيـن حجبـتها فتلك سـمـاء بـالمصـابيح زينت وتأمن عين الشـمس كسفاً ولا ترى فهاتيك في وجـه الـوجود كوجنة وصيٌ وصهر وابـن عـمّ وناصرٌ عليّ أمير المؤمنين ومـن حـوى فمن يـوم اسمـعيل بعـد محـمدٍ وضرغامـها والمرتضى وأمـامها واكـرمـها والـمرتجى ويمـينها فكـيف تـرى مثلاً لأكـرم عصبة فلا تسم الأعصاب مـن صلب آدم لها السؤدد الأعلى على كـل عصبة وليس علـيها كالنفـوس ولا لهـا فقد جعـلت ذكـر المقـام مـقالها وجـنة خلد قـد سقـيت زلالـها المقام مـقاماً بـل ولست ظلالـها لتلـثم حصباء بـها ورمـالـهـا رجـال حفـاة أن يكـون نـعالها وان فـخرت كان الهلال هـلالها إذا اكتـحلت ذاك الـتراب زوالها وقبر ابن عمّ المصطفى كان خالها وحامي الورى طراً وماحي ضلالها مـقاماً محا قـيل الظـنون وقالها إذا عـدّت الاحـساب كـان كمالها وحـيدرهـا والمرتضى وجلالهـا وأعلـمهـا والملـتجى وشـمالـها إذا كنت تـدرى بالوصيّ اتـصالها وان سُمت لا تسـوى جميعا عقالها ولـم تـر بـين العالـمين مـثالها


(243)
لقـد حازت السبطيـن بدري محمد فيا خيـر مـن أرخت أزمّة نـوقها ويا خير من حجّت اليه من الـورى ويا خـير مأوى للنزيـل وملتجـى ألا أيهـا المـمتاز مـن آل هاشـم ألا يا أبا السبطين يـا خير مَن رقى أزلـتَ ظلام الـشرك يا آية الهدى وأطلعت شمس الحق والكفر قد دجى اتيـناك نسعى والـذنوب بضائـع ولمّا تــنافسنا بـبـذل نـفائـس عفـا الله عني لم أجـد غير مهجة فو الله مهـما حـلّ حضـرتك التي اغثني اغثني من هوى النفس علنّي اجرني اجرني مـن ذنوب تراكمت أعـني أعني مـن عـناء وأزمـة فـدهـم الليالي الـعاديـات مغيرة وضاق فسيح الأرض حـتى كأنني كأن الـدواهي حـرة قـد تزوجت بذلت لها عـمري صـداقاً ولم تلد وسـوف أراهـا طالـقاً بـثلاثـة أبـا الحسنـين المرتضى وحسـينه فمن مطلعي حتـى الختام بمـدحهم وبضعته الـزهراء نـوراً وآلهـا اليه حـداة زاجـرات جـمالهـا بنـو آمـل ألقـت اليه رحـالها إذا أزمـة أبـدى الزمان عضالها ومـن كان فيهم عـزّها واكتمالها لمنزلة حـاشا الـورى أن يـنالها وأفنـيتَ أصنام العـدى ورجالها ولولاك يا فخر الـوجود أزالهـا وقـد حمـلت منّا الظهـور ثقالها وانفـسنا أهـدت اليـك ابتـهالها وادرى إذا مـا قد رضيت امتثالها تحـج بنـو الآمـال نال نـوالها أرى للتـقى بعـد الشـفاء مـآلها فما لي سوى الألطاف منك ومالها أزلها أبا السبطين واصـرم حبالها وقـد أوسعت أيّام عسـري مجالها حملـت على ضعفي الفلا وجبالها بقلبي ولـم تبذل لغـيري وصالها سوى حرقـة قد أرضعتها اشتعالها على يـدهـم اني اعتقـدت زوالها وفاطـمة هبـني لمـدحي عيالـها نعم بلـغت يا صاح نفـسي سؤالها


(244)
    تقاريض للقصيدة الحسينية :
    قال السيد حسين المشهدي (1) مقرضاً قصيدة الحسن بن عبد الباقي الموصلي ـ ابن اخت عبد الباقي العمري ـ التي رثى فيها الحسين عليه السلام وأولها : قد فرشنا لوطئ تلك النياق ـ فقال :
أمنـتجع المـولى الشهيد لك البشرى لقـد سـرت مـن دار السلام ميمماً وخضـت ظـلام الليل شـوقاً لقربه وشنـفت اسـماع الـورى بـلآلـئ ودبجـت مـن نسج الخيال مـطارفا يطـرزها مـدح الحسيـن بـن أحمد فـجاءت بالفاظ هـي الخـمر رقـةً تنوب عـن الشمس المنيرة في الضحى وقفـنا عـلى تشبيـبها ورثـائـهـا فيالك مـن نظم رقـيق صغت له الـ ولا غرو إن بكت مـعاني نظامها الـ هـي الـروضة الغـناءُ أينع زهرها فيا حسـن الأخـلاق والاسـم من له هنيـئاً لك الفـخر الذي قـد حـويته فـقد شكر الـرحمن سعـيك فيـهم فـمدحـهـم للمـرء خيـر تجـارة وكـن واثقاً بـالله فـي دفـع شـدة فقد عـظم الله الكريـم لك الاجـرا إلى حرم زاكٍ فـسبحان من أسرى كذاك يغوص البحر مـن طلب الدرا لجيد مـديح السـبط نظّمـتها شعرا ممسـكة الأذيال قـد عبقت نـشرا عماد الهدى عين العلى بضعة الزهرا وفـرط صفا لكن لـها نشأة اخـرى سناءاً وان جنّ الـدجى تخلف البدرا فألـبابـنا سكـرى وأجفاننا عبـرى ـقلوب فاذكـت مـن توقدها جمرا ـعيون بالفاظ قد ابــتسمت ثـغرا فلا عدمت من فيـض أعشابه قطرا محاسن فاقت في السنا الانجم الزهرا بشعر بمدح الآل قـد زاحم الشعـرى وعوضكم عـن كل بـيت بهم قصرا مدى الدهـر لا يخشى بها تاجر خسرا شـكوت اليهـم مـن مقاماتها ضـُرا

1 ـ ترجمة السيد الأمين في الأعيان ج 27 ص 276 ونقل هذه الترجمة البحاثة علي الخاقاني في الجزء الثاني من شعراء الحلة ص 237.

(245)
ولا تضجرن من حادث الدهر ان عرا وجـد لنظامـي بـالقبـول تفـضلاً فسوف يعيد الله عسركم يسـرا وبالعذر ان الحرّ من عذر الحرا
    وقال الحاج جواد بن الحاج عبد الرضا بن عواد البغدادي مقرضاً :
ألا يا ذوي الألباب والفـهم والفـطن خـذوا للاديب المـوصلي قصـيدة تسير بهـا الركـبان شرقـاً ومغرباً غلت في مـديـح الآل قـدراً وقيمة تفـنن في تشبيـهـها ورثـائـهـا فاعـظم بمـمدوح وأكـرم بـمادح فلـو رام أن يـأتي أديـب بمـثلها فكـيف وقـد أضحى يقـلـد جيدها سليل البـتول الطـهر سبط محـمد شهيد لـه الـسبع الطباق بـكت دماً وشمس الضحى والشهب أمسين ثكلا على مثل ذا يستحسن النـوح والبكا فلله حـبرٌ حـاذق بـات نـاسـجا حسيـنـية أوصـافـهـا حسنـية فلا غرو إن أربى على البدر حسنها جزاء آله الـعرش عـن آل أحمـد ويا مالـكي رقّ الفـصاحـة واللسن بـدرّ المعاني قلـّدت جيد ذا الـزمن فتـبلغها مـصراً وشـاماً إلى عـدن فـأنى لمـستام يوفّـي لـها الثـمن تفـنن قـمـريّ ينـوح على فـنـن صـفا قلبه للـمدح في السـر والعلن لأخطأ في المرمى وضاق بـه العطن بـدر رثاء السبـط ذي الهـم والمحن ونجل الامام المـرتضى وأخي الحسن ودكّت رواسي الأرض من شدّة الحزن ووحش الفلا والانس والجـن في شجن وسـحّ الـمآقي لا على دارس الـدمن بديـع بـرود لـم تحك مثلها اليمـن بتـقريظـها غالـى ذوو الفهم والفطن فعنصرهـا يُـعزي إلى والـد حـسن أتمّ جـزاء فهـو ذو الفـضل والمنن


(246)
    الشيخ محي الدين بن محمود الطريحي المتوفى 1158
جاد ما جاد من دموعي السجام قلّ صبري وزاد حزني ووجدي إنما حـسرتي وهـمي وحزني لسليل البتول سبـط رسول الله لمصاب الكـريم نجل الكرام فدموعي كأسي ودمعي مدامي ونحيبي وزفرتي واضطرامي نـور الإلـه خـيـر الانـام (1)


1- أوردها السيد الامين وقال : هي شيخ محي الدين . اقول وقد تقدم في ترجمة الشيخ محمد علي الطريحي انها من شعره

(247)
     الشيخ محي الدين بن محمود بن أحمد بن طريح الطريحي المسلمي الرماحي من أبناء عم فخر الدين الطريحي صاحب مجمع البحرين ومعاصر له توفي في النجف الأشرف سنة 1158. كذا ذكر السيد الامين ، والصحيح 1130.
    كان فاضلاً تقياً مصنفاً أديباً شاعراً له شعر كثير في الحسين (ع) وله ديوان شعر مجموع. وفي الطليعة : كان فاضلاً تقياً مصنفاً أديباً شاعراً ، له شعر كثير في الحسين (ع) وشعره في الطبقة الوسطى. وقال في نشوة السلافة : كان في العلم قدوة وصدرا وأجرى من ينبوعه بتحقيقه نهرا ، ان نثر فالدر نثاره أو نظم فاقت العقود أشعاره.
    توفي في النجف الأشرف سنة 1130 ودفن في وادي السلام كما في ( الطليعة ) وفي كتاب ( ماضي النجف ) ساق نسبه هكذا : الشيخ محي الدين بن محمود ابن أحمد بن طريح ، وجد نسبه بهذه الصورة بخطه على ظهر الفخرية مؤرخ سنة 1116 وكتب ولده الشيخ أمين الدين والد الشيخ علاء الدين تملكه للنسخة قال الشيخ الطهراني في الذريعة ـ قسم الديوان : ديوانه موجود في النجف وقد كتب هو بخطه تمام نسبه على ظهر ( الفخرية ) تأليف الشيخ الطريحي سنة 1116 وترجم له في ( نجوم السماء ) ص 127.
    وللسيد نصر الله الحائري قصيدة مثبتة في ديوانه المطبوع ص 195 يراسل بها الشيخ محي الدين ـ مطلعها :
عتبتم لكن بلا جرمِ على مشوق ناحل الجسمِ
    وله فيه أيضاً :
مولاي محي الدين مذ قد غبتَ عن عياني


(248)
أقـلام هـدبي كتبت في طرس خدي كلما بحبر دمعي القاني أخفيت من أشجاني
    وذكره السيد الامين بقوله :
    هو أحد رجال العلم وفرسان الأدب وذكر له شعراً في المدح والوصف فمن شعره قوله يمدح والي البصرة حسين باشا ابن افراسياب السلجوقي :
هي الشمـس أم نار عـلى علم تبدو وذلك بــرق لامـع أم مـباســم وتلك رماح الخـط تـلوي متونـها وذا عطـرها قدفاح أم نـشر عنبر هو الدهر لـم يبلغ به السؤل مـاجد سيفري أديم الأرض في خطو شيظم إلى حلّة فيـها حسين أخـو الـندى نتـيجة اقـيـال سـرات أمـاجـد وجارى السـحاب الجون كفيه فانثنى بمدحك عـاد الشـعر غـضاً كأنما أم البدر أم عـن وجهها أسفرت هند تبـدّت لنا أم لاح فـي نحرها العقد يد الـريح أم تيـهاً يمـيس بها القد أم اهتاج من حزوى العرار أو الرند وكـم نال مـنه فوق بغـيته الوغد هـو الماء إذ يمشي أو النار إذ يعدو أبو المجد خدن الفـضل والعلم الفرد غيوث اذا استندوا لـيوث اذا استعدوا مقـراً بفـضل لا يطـاق لـه جحد غذته بمضغ الشـيح عـرفاء أو نهد
    وله في وصف فانوس ـ المصباح ـ
كأنـما الفانـوس فـي حلّة والشمعة البيضاء في وسطه صعـدة بلـور لها حـربة أو كاعـب بيضاء عـريانة حمراء مـن نسج رفيع رقيق ذات اعتدال مثل سهم رشيق من ذهب في خيمة من عقيق قائمـة في كلّة مـن شقيـق
    وقال في أمل الآمل :
    الشيخ الفقيه محي الدين بن محمودبن أحمد بن طريح النجفي
    عالم فاضل محقق عابد صالح أديب شاعر ، له رسائل ومراثي للحسين


(249)
عليه السلام ، وديوان شعر. وهو من المعاصرين.
    والشيخ محي الدين بن كمال الدين هو سبط شيخنا المترجم له ولهذا السبط ترجمة وافية توفي سنة 1148 ورثاه الشيخ أحمد النحوي بقصيدة وعدد عشرة علماء من آل طريح في بيت واحد وأرخ عام وفاته ، ومطلعها :
لا غرو إن فاضـت عيون عيوني وتصاعدت حرقي ودام على المدى وعلت بسح دم شجون شجوني قلقى وطـال لما اجـنّ حنيني
    إلى ان قال :
أودى بعـضب للنوائـب قاطـع أودى بترب المجد حلف المفـخر العالـم القـدسي والحـبر الـذي محي رسوم فروض شرعة أحمد الشامـخ العـرنين نجل الشامـخ يفري مـن الأعـداء كل وتيـن السامى مميت الجهل ( محي الدين ) لم يرض من نيل العلى بالـدون الهادي وشاهـر عضبها المسنون العرنين نجـل الشـامخ العـرنين
    إلى ان قال :
من نسل آل طريح القوم الاولى علـماء علامون بـان علاهُـم تتلى مـآثرهم ليـوم الدين بالذات واستغنى عن التبيين
    إلى ان قال مؤرخاً :
والدهر أعلن بالنداء مؤرخاً المجد مات لموت محي الدين


(250)
المتوفى 1168
يا بقاع الطـفوف طاب ثراك وحماك الإلـه من كل خطب ووجوه الملـوك تحسـد فرشا حيث قد صرت مـرقداً لإمام الحسين الشهـيد روحي فـداه شنف عرش الإله مولى نـداه افتك الناس يوم طعن وضرب ذو سمـاح كالبحر عمّ البرايا كل ما شئت من مديح فقل فيه نجل خير النـساء بضـعة كه مـن عليـه فليندب الخلق طراً ما كفاهـم قتل المطـهر حتى كان ضيـفا لـديهـم فـقروه وسقـى الـوابل المـلث حماك فلقـد أخـجـل النجوم حصاك تـحـت اقـدام زائـر وافـاك واطـئ نعـلـه لفـرق السماك نجـل مخـدوم سائـر الافلاك طـوق جيد الاقيـال والاملاك وهـو مـع ذاك أنسـك النساك وحديث كـالـدرّ في الاسـلاك وجانـب مـزالـق الاشـراك من سـمت ذاتها عـن الادراك وعلـيه فلتبـك عيـن البواكي أوطؤا الصدر منه جُرد المذاكي ـ لا سقاهم حياً ـ بطعن دراك


(251)
    السيد أبو الفتح عز الدين نصر الله بن الحسين بن علي الحائري الموسوي الفائزي (1) المدرس في الروضة الشريفة الحسينية المعروف بالمدرس وفي كلام عبد الله السويدي البغدادي انه يعرف بابن بطة وكذا في نشوة السلافة.
    استشهد بقسطنطينية على التشيع سنة 1168 عن عمر يقارب الخمسين ، عالم جليل محدث أديب شاعر خطيب كان من أفاضل أهل العلم بالحديث متبحراً في الأدب والتاريخ حسن المحاضرة جيد البيان طلق اللسان ماهراً في العربية له مؤلفات مذكورة مشهورة وديوان شعر جمعه السيد حسين رشيد ، ولما ذهّب نادر شاه قبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام سنة 1155 قال المترجم له قصيدة بهذه المناسبة ويؤرخ تذهيب القبة وقدخمّس هذه القصيدة تلميذه الشيخ أحمد النحوي وأولها :
إذا ضامك الدهر يوماً وجارا علي العـليّ وصـنو النـبي هـزبر النزال وبحر النـوال فلـذ بحمى أمنـع الخلق جارا وغيث الورى ثم غيث الحيارى وشمس الكمال التي لا تـوارى
    كان شخصية لامعة في عصره ، له مجلس تدريس في الحضرة الحسينية المطهرة يحضره طائفة كبيرة من أفاضل أهل العلم العراقيين والمهاجرين ، سافر إلى إيران عدة مرات منها في عصر السلطان نادر شاه. وعندما هاجم هذا
1 ـ أقول وسلسلة نسبه هكذا : نصر الله بن الحسين بن علي بن يونس بن جميل بن علم الدين ابن طعمة بن شرف الدين بن نعمة الله بن أبي جعفر أحمد بن ضياء الدين يحيى بن أبي جعفر محمد بن شرف الدين أحمد المدفون في عين التمر ـ شفاثة ابن أبي الفائز بن محمد بن أب الحسن علي بن أبي جعفر محمد خير العمال ابن أبي فويرة علي المجدور بن أبي عاتقة أبي الطيب أحمد ابن محمد الحائري بن ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم (ع).

(252)
السلطان حدود العراق وحاصر بغداد حوالي ثمانية أشهر ، ولذلك حديث مشهور في تاريخ العراق مما اضطر الدولة العثمانية ان تعقد الصلح مع نادر على ان يكف عن غاراته هذه من جانب نادر ، وأما العثمانيين فعليهم ان يعترفوا بمذهب الشيعة رسمياً وان يكون لهم محراب خامس في مكة المكرمة ، وإمام للصلاة في الحرم وان يكون أمير الحاج للشيعة من قبله على الطريق البري العراقي.
    ان السلطان بذل سياسة كبرى من أجل توحيد كلمة المسلمين واماتة الخصومات والعنعنات الطائفية وتوجه للنجف لزيارة الإمام امير المؤمنين عليه السلام وقام يتذهيب القبة العلوية والمأذنتين والايوان الشرقي ـ وهي أول قبّة كسيت بالذهب في العراق ، وكان من أعظم أهدافه ان يجمع علماء الاسلام على الوثام وهكذا كان فقد أحضر الشيخ علي أكبر الطالقاني ـ من علماء دار السلطنة ومفتيها وشيوخ الاسلام من إيران والافغان وأحضر الشيخ عبد الله الالوسي من بغداد ، فكتبوا الحكم والمحضر ووقعوه وأقاموا الجمعة جيمعاً بجامع الكوفة وكانوا في حدود خمسة آلاف وخطيبهم نصر الله الحائري وختم السلطان نادر بتوقيعه ، وكانت كتابتها بالفارسية ، وأشهد عليهم صاحب المرقد الشريف أمير المؤمنين وإمام المتقين.
    كان رحمه الله كثير الاعتكاف في روضة سيدنا العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام مشغولاً بالدراسة والتدريس ، وسافر إلى الاستانة بمهمة رسمية من قبل نادر شاه وهناك وشى مفتي صيدا عليه عند السلطان العثماني فأمر بقتله فاستشهد في ( اسطنبول ) 1168 هـ.
    وكتب الشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلة الاعتدال النجفية عنه فقال :
    يُعد الاستاذ المحدث الأديب السيد نصر الله الحائري رحمه الله من أئمة الأدب في منتصف القرن الثاني عشر ، شدت اليه الرحال وكانت له في الحائر


(253)
مدرسة مشهورة وخزانة من أنفس خزانات الكتب في عصره جلب اليها النسخ المختارة من الأقطار البعيدة فقد كان الاستاذ المشار اليه رحالة كثير الأسفار وقد زار القسطنطينية وعواصم البلاد الايرانية وسواها غير مرة. وقد روى عنه وقرأ عليه أشهر أدباء العصر الذي يلي عصره أو الطبقة التي تلي طبقته ومنهم بعض آل النحوي ومنهم على الغالب الاستاذ اللغوي الأديب السيد صادق الفحام النجفي وهذا من أشهر أدباء العصر المذكورين الذين تخرجوا على الحائري والسيد مير حسين الرضوي النجفي صاحب الديوان.
    وللسيد نصر الله يتشوق إلى كربلاء المقدسة :
يا تـربة شـرفـت بالسيـد الـزاكي زرنـاك شوقاً ولـو أن النوى فرشت وكيف لا ولقـد فقـتٍ السـماء عـلاً وفـاق مـاؤك أمــواه الحياة وقـد رام الهـلال وان جـلـّت مـطالـعه وودت الكـعبة الغـراء لـو قـدرت أقدام مـن زار مثواك الشـريف غدت ولا تـخاف العمى عيـن قـد اكتحلت فـانـت جـنـّتـنا ديـنـا وآخـرة وليس غير الـفرات العـذب فيـك لنا وسورة المنتهى في الصحف منك زهت كم خـضت بحر سراب زادنـي ظمأ كـم قد ركبت اليك السفن من شـغف لله أيـام انــس فيـك قـد سـلـفت فكـم سقـيت بها العاني كـؤوس منى وكـم قـطـفنا بـها زهـر المـسرّة سـقاك دمع الحيا الهـامي وحياك عرض الـفلاة لنا جمراً لـزرناك وفاق شهب الدراري الغر حصباك أزرى بنشر الكبـا والـمسك رياك أن يغتدي نعل من يسعى لمـغناك على المـسير لكي تحـظى بمرآك تفـاخر الرأس منه ، طاب مثواك أجـفانها بغبـار مـن صحـاراك لـو كان خلّد فيـك المـغرم الباكي من كوثر طاب حتى الحشر مرعاك طـوبى لصب تملّى مـن محـياك سفينه العـيس مـن شوقي للـقياك فقلـت يا سفـن بسـم الله مجراك حيث السعـادة من أدنى عطـاياك ممـزوجة بالهـنا سقيـاً لسقـياك وصال قـوم كرام الأصل نسّـاك


(254)
كأنـهم أبحـر جـوداً ولفظـهم فالآن تنهلّ سحب الدمع من كمد حياك ربي وحـيّا سادة نـزلوا ولا برحت ملاذاً للأنام ومصـ كأنـه درر مـن غير أسـلاك مـهما تبدت بـروق من ثناياك في القلب مني وان لاحوا بمغناك ـباح الظلام وبرء المدنف الشاكي (1)
    وقال :
يا شموساً في الترب غارت وكانت يـا جـبالاً شـواهـقاً للمعـالـي يا بحـاراً في عرصة الطف جفت يا غصـونـاً ذوت وكان جـناها آه لا يطـفئ الـبكـا غـليـلـي كيف يطفى والسبـط نصب لعيني لسـت أنساه في الطفـوف فريدا فـإذا كـرّ فـرّ جيش الأعـادي فـرمـوه بـأسهـم الغدر بغـيا ومن الجد قـد دنـا قاب قوسيـ فـاتاه سهـم رماه عـن السـر فبـكته السما دمـا وعـلـيه الـ يـا بنـي أحـمد سـلام عليكـم طينتي خـُمـّرت بـماء ولاكـم وانا العبـد ذو الجرائم نصر اللـ ارتـجي مـنكم شرابـا طهـورا فاسـمحوا لي به وكونـوا ملاذي وعـليكم مـن ربكـم صلـوات تبهـر الخـلق بالسنا والـسناء كـيف وارتـك تربـة الغبراء بعـدما أروت الـورى بالعطاء دانـياً للعـفـاة فـي الـلأواء ولو أني اغـت رفت من داماء وهـو في كربـة وفـرط عناء بعـد قـتل الأصحاب والأقرباء وهـم كـثرة كقـطر السـماء عن قسي الشـحناء والبغـضاء ـن مـن الله ليـلـة الاسـراء ج صريـعاً مخضـباً بـالدماء ـجن ناحت في صبحها والمساء مـن حـزيـن مقلقل الاحـشاء وأبـونـا مـا بني طيـن وماء ـه نجل الـحسين حلـف البكاء يثلج الصدر يـوم فصل القضاء من خطوب الـزمان ذي الاعتداء تـتهادى مـا فـاح نـشر الكباء

1 ـ ديوانه المطبوع بالنجف الأشرف سنة 1373.
(255)
حتـى مَ تسأل عـن هـواك الأرسما وألام تسأل دمـنـة لـم تـلـف في خلتِ الديار من الأنيـس فما القطين سفـه وقـوفـك بين أطـلال خلت ضـحك المشيب بعارضيك فنح أساً فـالعـمر أنفس فايـت فـتلاف ما وإذا أطـلّ علـيك شهـر مـحـرم قـلبي يـذوب إذا ذكـرت مصابه ا والله لا أنـسـاه فـرداً يلـتـقـي والسّمر والبـيض الـرقاقـة تنوشه فهوى صـريعاً في الرغـام مجدّلاً ومضى الجـواد الى الخيام محمحماً فخـرجـن نسوتـه الكرائـم حسّراً فبصرن بالشـمر الخبيث مسـارعاً فـدعتـه زيـنب والأسى فـي قلبها غيـاً وتسـتهدي الجماد الابكما (1) أرجـائهـا إلا الأثـافي جثـّما بها القطين ولا الحما ذاك الحما وعفت وغيّـرها البلاء وأعدما أسفاً على عمر مضى وتصرّما ضيّعت منه وخـذ لنفسك مغنما فابك القتيل بكـربلاء على ظما لمرّ المذاق ومقلـتي تجري دما بالرغم جيشاً للضـلال عرمرما حتى أصيب بسـهم حتفٍ فارتما يـرنو الخـيام مودّعاً ومـسلّما دامي النـواصي بالقـضيّة معلما ينثـرن دمـعاً في الخدود منظّما بالسيف في النحر الشريف محكّما يـبدو المجنّ ويظهر المسـتكتما

1 ـ عن مجموعة قديمة يرجع تاريخها الى عصر الناظم ، ورأيتها في مجموعة خطية للشيخ محمد علي اليعقوبي وهي اليوم في مكتبة ولده الخطيب الشيخ موسى اليعقوبي.
ادب الطّفّ الجزء الخامس ::: فهرس