ادب الطّفّ الجزء الخامس ::: 271 ـ 285
(271)
إذا صاح شحرور على غصن بانة عسى نحوها يلوي الـزمان مطيتي لقـد كان لي فـيها معاهـد لـذة أحـنّ الـى تلك المـعاهـد كلـما اما والقـدود المائسـات بسفـحها وما في رباها مـن قوام مهفـهف لئن عـاد لي ذاك السرور بأرضها لأعتـنقن اللهـو فـي عـرصاتها رعى الله مـرعاها وحـيّا رياضها مـنازل فيـها للقـلـوب مـنازه يذكرني ريـح الصبا لـذة الـصِبا على نيلها شوقاً أصـبّ مدامـعي كساها مـديد النـيل ثوباً معصفراً وصافح أغصان الرياض فأصبحت وأودع فـي أجـفان منـتزهاتـها اذا حـذّرتني بـلـدة عن تشـوّقي وان حـدثوني عـن فـرات ودجلة سأعـرض عن ذكر الـبلاد وأهلها وكم لـي الى مجـرى الخليج التفاتة جـداول كالحيات يـلتف بعـضها وكـم قلت للقـلب الـولوع بذكرها أما والهـوى العذري والعصبة التي تذكرت فيها اللحظ والصعدة السمرا وأشهد بعـد الكسر مـن نيلها جبرا تقضت وأبقت بعدها أنـفساً حسرى يجدد لي مـرّ النسـيم بـها ذكرى وألحاظ غـادات قـد امتلأت سحرا علا وغلا عـن ان يباع وان يشرى وقـرّت بمـن أهواه مقلـتي العبرا وأسجد في مـحراب لـذاتها شكرا وصب على أرجائها المزن والقطرا فلله مـا أحـلـى ولله مـا أمـرا بروضـتها الغنّا وقد تنفع الـذكرى وأصبوا الى غدران روضتها الغرّا وألبسـها من بعـده حـلّة خضرا تمدّ لـه كفاً وتـهدي لـه زهـرا نسـيماً اذا وافـاه ذو عـلـة تبرا الى نيل مصر كان تحذيرها أغرى وجدت حديث النيل أحلـى اذا مرّا وأروى بمـاء النـيل مهجتي الحرّا يسل بها دمعي على ذلك المـجرى ولست ترى بطناً وليست ترى ظهرا تصبّر فقال القلب لـم استطع صبرا أقام لهـا العشاق في فنـهم عـذرا


(272)
لئن كنت مشغوفاً بمصر فليس لي أجل بين الـدنيا وأشـرف أهلها هم القوم ان قابلت نور وجوههم وان سمعت اذناك حسن صنيعهم لهـم أوجهٌ نـور النـبوة زانها هم النعمة العظـمى لأمة جدهم اذا فاخـرتهم عصـبة قـرشية ملوك على التحقيق ليس لغيرهم بهـا حاجـة إلا لقـاء بنـي الزهرا وأنـداهُـم كفـاً وأعـلاهـم قـدرا رأيت وجوهاً تخـجل الشمس والبدرا وجئت حماهـم صدّق الخـبرُ الخبرا بلطف سرى فيهم فسـبحان من أسرى فيا فـوز من كانوا لـه في غدٍ ذخرا فـجدهـم المخـتار حـسبهم فـخرا سوى الاسم وانظرهم تجدهم به أحرى (1)

1 ـ عن الديوان.

(273)
المتوفى 1178
خليليّ ربع الانـس منـي أمـحلا وهانت على قلبي الرزايا فصار إن فبالله عـوجـا في الحمى بمطـيّكم فـان جزتـماه فاعمـدا لرحالـكم من الدمـن الادراس أيـن أنيسهـا تـناؤا فما للجفـن بالسـكب فترة وكم لي لفقد الإلف من ألف حسرة ولي حـَزَن يعـقوبُ حـاز أقـلّه وكـلّ بلآءٍ سـوف يبلى ادّكـاره فياويـح قوم قـد رأوا في محـرم هم استقـدموه مـن مدينة يثـرب وشنّوا علـيه إذ أتـى كـلّ غارةٍ رموه بسهـم لم يـراعوا انـتسابه فاصبح بعـد التِرب والأهـل شلوه فلسـت أبالـي مرّ عيشـي أم حلا دعاه البلا والخطب يـوماً يقل بلى وان رمتما خوض الفلا فـوقها فلا وحلا وحُلا واسبلا الـدمـع واسئلا عسى عندها ردّ على ذي صدى علا ولكنّ مـنه الدمع مـازال مـرسلا وشـجو إذا أظـهرتـه ملاء الـملا وبـي سقم أيـوب في بعـضه ابتلا سوى مصرع المقتول في طف كربلا ببغيـهـم قتـل الحـسـين محـلّلا بكتبـهم واستـمـردوا حـين أقبـلا وشبّوا ضراماً بـات بالحقـد مشعلا لمن قد دنـى من قاب قوسين واعتلا عـلى التراب محزوز الوريـد مجدّلا


(274)
أبانـوا لـه أضغان بـدر فغـيّبوا فما زال يـردي منـهم كـل مارق فـاذكـرهـم أفعـال حيدر سالـفاً فمـذ لفظ الشهّـم الجـواد جـواده دعاهم دعيّ أوطـئوا الخـيل ظهره وشمرّ شمـرٌ ثـم حـزّ بسيـفـه وعلا سـنان الرأس فـوق سـنانه وسـاروا بـزين العابديـن مـذلّلا فـاصبح مـن ذلّ الأسـار معـلّلا فـيا لك من رزءٍ جـليـل بكت له وشمس الضحى أضحت عليه كئيبة فـيا عتـرة المخـتار انّ مصابكم مـصاب لقـد أبـكى النبي محمّداً فأجرِ الـدما سفاح دمعـي كجعفر ويا وجـد قلبي دمت مفتاح أدمعي فلا زال ربـي يا يـزيد ورهـطه ويصلـيكم نـاراً تلظـّى بوقدهـا بما قـد قـتلتم سـبط آل محـمّدٍ لقد بؤتـم في عـارها وشنـارها ففـي أي عـذر تلتـقون نبـيّكم برئـت إلـى الله المهيـمن منكـُم شموساً ببـطن الأرض أمـسين أُفـّلا فيـصلى جحــيماً يلتـقـيه معـجلا بـاسلافهم إذ جـال فيـهم وجـنـدلا على الـرمل في قاني النجـيع مرمّلا ووجهاً لـه يـبدوا اغــرّ مبـجـّلا وريـداً لـه ثغـر التهـامـيّ قـبـّلا فـيالك رأساً ليـس ينـفك ذا اعـتلا لـديهـم وقـد كان الـكريم المـدلّلا وفـي اسـر أبـنـاء الدعـاة مـغلّلا السموات والارضون والوحش في الفلا وبدر الـدجى والشـهب أمسـين ثكلا جليل وفي الاحـشاء ان حـلّ انـحلا وفـاطـمـةً والانــزع الـمتـبتـّلا علـى مصرع الهادين الأمين أخي العلا ولا زلت فـي تلخـيص حزني مطوّلا يـزيـدكـم لعـنـاً ويحـشركـم إلى علـيكم لقـد ساءت مـقامـاً ومـنزلا وجـرّعتـموه من أذى الـقتل حنـظلا وخـزي مـدى الأيام لـن يتـحـولا وقـد سـؤتم قربـاه بالـغدر والقـلا واخلص قلبي في بني المصطفى الـولا


(275)
فيا صاح قف وابك الحسين بن فاطم فان قلـيلاً فـي عظـيم مـصابـه سابكيـكم ما إن بـدا البرق في الدجا اليك سلـيل المرتضى مـن عبيدكم قـريض لـه يعنو جـرير وطرفة وما قدر نظمي عند وصـف علاكم عليكم سـلام الله ما انقـضّ كوكب ولا تبك من ذكرى حبيب ترحلا بكاؤك فامطر وابل الدمع مسبلا وما سـحّ ودقٌ في الربى وتهللا بديع نـظام بالمعـاني مجـمّلا ويغدر لديه أمرؤ القيس أخـطلا وقد جاء في الذكر الحكيم منزّلا وما انفض يـوماً موكب وتزيّلا (1)

1 ـ عن الديوان المخطوط في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف برقم 30 قسم المخطوطات.

(276)
     هو الحاج جواد بن الحاج عبد الرضا بن عواد البغدادي من معاصري السيد نصر الله الحائري ومن الشعراء المرموقين في عصره ينحدر من أسرة عربية من قبيلة شمر هبطت بغداد قبل أربعة قرون وعميد هذه الاسرة قبل قرنين في بغداد كان الحاج محمد علي عواد من الأعيان وأرباب الخير.
    احتفظت اسرة الشاعر بتأريخ مجيد سجل لها المكارم والمآثر ولو لم يكن إلا هذا الشاعر لكان وحدة أمة وتأريخاً ، اتصل باكابر الشعراء وساجلهم فكان من الأقران السباقين في كافة الحلبات وقد اعتزّ به كافة أصدقائه فاعربوا عن حبهم له وتقديرهم اياه واليك ما قاله فيه صديقه السيد حسين بن مير رشيد الرضوي الحائري وقد أثبتت هذه القصيدة في ديوانه :
أشـهى سلام كنـسيم الصباح ونشوة الراح وعـصر الصبا يهدى إلى حضرة مـولى سما من اسـمه للـوفد فـالاً أتى أعني الجواد الندب كهف النجا وبعد فالبعـد لعظـمي بـرى ومن عوادي الدهر يا ما جدي فهل محيّا القرب منكم يَـرى وقاكـم الله صـروف الردى وما انـتحاكم مـن محبٍ صبا قد صافح الـزهـر قبيل الصباح وغفلة الواشي ووصـل الصباح على الـبرايا بـالنـدى والسماح فكم لـهم بالـجـود يـسراً أتاح دام حليـفاً للـهـنا والـنـجاح فمالـه عن فرط ظلـمي بـراح من نـوب أثخـن قـلبي جراح والقنّ من جـور الليالي يُـراح ما خطرت في الوشي غيد رداح أشهى سـلام كنسيـم الصـباح


(277)
    ذكره الشيخ محمد علي بشارة الخاقاني في كتابه ( نشوة السلافة ) فقال : أديب أحلّه الأدب صدر المجالس ونجيب طابت منه الفروع والمغارس فهو الجواد الذي لا يكبو والصارم الذي لا ينبو نشره يزري بمنثور الحدائق ونظمه يفوق العقد الرائق.
    وذكره المحقق الطهراني في الكرام البررة ص 87 فقال : الشاعر الأديب والكامل الأريب رأيت ديوان شعره اللطيف الصغير في خزانة كتب آل السيد عيسى العطار ببغداد وفيه قصائد ومقاطيع وتواريخ إلى سنة 1142 هـ وأدركه السيد حسين مير رشيد تلميذ السيد نصر الله الشهيد في حدود 1168 هـ ، وأورد له السيد حسين المذكور في ديوانه ( ذخائر المآل ) بعض قصائده في مدحه ومنها قوله :
اهدي لحضرتكم سلامه بالسعد خصت والسلامه
    إلى قوله مورّيا :
في ظل مولانا الجواد المقتدى السامي مقامه
    وذكره السماوي في الطليعة ص 67 فقال : كان فاضلاً سرياً أديباً شاعراً وكان ذا يسر ممدّحاً تقصده الشعراء وللسيد حسين مير رشيد فيه مدايح جيدة ضمنها ديوانه وكان المترجم قوي العارضة ويعرف أحياناً باسم الحاج محمد جواد.
    وذكره السيد الأمين في أعيانه ج 17 ص 155 فقال : كان حياً سنة 1128 هـ وهو شاعر أديب له ديوان شعر صغير جمعه في حياته رأينا منه نسخة في العراق سنة 1352 هـ وهو معاصر للسيد نصر الله الحائري وبينهما مراسلات ، وابن عواد من بارزي شعراء عصره وممن مرّ عليه الثناء من أعلام المترجمين والشعراء وهو كما يبدو من شعره أديب له ديباجة طيبة شأن


(278)
شعراء عصره الذين كافحوا في سبيل المحافظة على لغة الضاد واليك نماذج من قوله يقرظ كتاب ( نشوة السلافة ) :
قـم نزّه الطـرف بهـذا الكتاب هـذا كـتاب أم رضـاب حـلا أم خـمرة صـهبـاء عـاديـة أم روضـة بـكـرّها عـارض ما شاهدت مـرآة شمس الضحى ولا رأتـه عــذبـات النـقـا والبـدر لـو عـاينـه لاختـفى والغيـد لـو تبـصره لاستـحت فاسـتغن عـن كـل كـتاب به واقطـف من الـروض أزاهيره ورد شـراب الانس مـن حوضه واحسوا الحميا منـه صرفـاً ولا فطـلـعة الـبدر بـاشـراقـها والـقـرم إذ أنـكـر آيــاتـه فــأيــد الله بـتـوفـيـقـه فهو الذي أشعـاره تخـجل الـ كنـغمة الـعـود إذا انـشـدت مولى عـلا هـام العلى رفـعة مـدحته نظـماً ونـثراً عـسى فحسنه قـد جاز حـدّ النصاب أم نفث سـحرٍ أم نضارٌ مذاب قلّـدها المـزج بـدر الحبـاب فازهرت بطحاؤها والهـضاب الا توارت خجلاً فـي الحجاب إلا اغتدت من حسـد في عذاب من الحيا تحت سجوف السحاب وأصبـحت في نكـدٍ واكـتئاب فغـيره القــشر وهـذا اللباب واملأ من الـدر النظـيم الحقاب ودع طماع العين نحـو السراب تكن كمـن يمزج شهـداً بصاب تغني الورى عن لمـعان الشهاب فـاتل عليـه : ان شر الـدواب مؤلـفاً أوضـح نهـج الصواب ـدر بـالـفاظ رشـاق عـذاب وما سـواهـا كطنـين الـذباب فهو عليّ الاسـم عالي الجـناب يمنـحني فضلاً بـرد الجـواب


(279)
لا زال رحب الصدر رحب الذرا يحصد مـن مـدحي لـه المنتقى هطـلت بارقـة في الـرُبى منوّه القدر خصيـب الرحاب حسـن ثناء ودعـاء مجاب وزمزم الحادي لسوق الركاب
    فأجابه صاحب النشوة بقوله :
يا فـارس النـظم ومغـواره أنت الجـواد المـرتجى نيله كم أمّك الراجـون في سيرهم اثنى عليك الـوفد مع أنهـم ومن غـدا في العلم بـرهانه تقريظكم مـن ذهـب صغته كأنـما النشرة مـن طـرزه أسكـرتني من خمر ألفاظكم حتى عـرتني نشـوة نـلتها سألتـني ردّ جـواب لـكـم لو رمت أن احصي أوصافكم لا زلت يا بحر الندى وافـرا وصاحب النـثر الذي لا يعاب وكم ملأنا مـن عطاك العباب حتى أناخوا في حماك الركاب لو سكتوا أثـنت عليك الحقاب والعلم الهادي لطـرق الصواب بـل فاق للـدر وتبر مـذاب وللـثريا شـبـهٌ وانـتسـاب ما لم يـنله عارف من شراب وباسمـها سميت هـذا الكتاب وفي الذي قلت أتـاك الجواب في مِدَحي يوما لطال الخطاب ما طـلع النجم بليل وغـاب (1)
    وقوله متوسلاً بالنبي (ص) :
ألا يا رسول الله ان مدنف شكا إلى الناس هماً حلّ من نوب الدهر

1 ـ عن شعراء بغداد للخاقاني.

(280)
فـاني امـرؤ أشكـو إليك نوازلا وأنت المـرجى يا مـلاذي لدفعها فكم مبتلى مـذ حط عـندي رحله ولما رأيت الركب شـدوا رحالهم تجاذبنـي شـوقي إليـك لـو أنّه فكن لي شفيعاً في معادي فليس لي ألمت فضاق اليوم عن وسعها صدري فاني لديها قد وهت بي عرى صبري ترحلّ عنـه قاطـن البـؤس والضر وقد أخـذت عيس المطي بهم تسري بذا الصبح لم يـشرق وبالليل لم يسر سواك شفيع فـي معادي وفي حشري
    وقال يصف نارجيلة :
ان عاب قليوننا المائي ذو حمقٍ أنى يعاب وفي تـركيبه جمعت نار وماء وصلصال كذاك هوى تـأتمّ شرابـه مستأنسـين به فليس يلحقـنا من ذمه عـار عناصر كم بها للحسن اسرار ترتاح منهن عند الشرب سمار ( كـأنه علم فـي رأسـه نار )
    وكتب للشاعر الحاج محمد العطار عندما أهدى اليه ( يتيمة الدهر ) للثعالبي :
اليك أخا العـلياء مني يتيمة إذا بلغت يوماً حماك تحققت بديعة حسن أشرقت في بزوغها يقيناً بـأن لا يـتم بعـد بلوغها
    ودخل يوما دار صديق له فلم يجده ووجد عبداً أسوداً يقلي حبّ البن على النار فلما رآه ارتجل قائلاً :
قَلَوا للبن فوق النار حباً اليه لحبّة القلب انجذاب فمال القلـب منعطفاً عليه ( وشبه الشيء منجذب اليه )


(281)
    وله معاتباً صديقه الحاج صالح بن لطف الله بقوله :
أخي صالح اني عهـدتك صالحاً وسيفي الذي فيه أصـول وجنتي فـمالك أبديـت التغـيّـر والقلى ومالي ذنـب استـحق بـه الجفا فان اقترف ذنباً فـكن خير غافرٍ صدود وإعراض وهـجرٌ وجفوة أسـرك اني مـن ودادك انثـني وان يرجف الحسـاد عنا بريـبة عهدتك طوداً لا تمليك في الهوى وخلتك لا تلوي عـلى طـعـن اعيذك أن تـدعى خلـيلاً مماذقاً كما نسـبوا قدمـاً جميل بثـينة فقالوا وقـد جاءوا عليـها بتهمة ( رمى الله في عيني بثينة بالقذى فقد عابه أهـل الغرام جـميعهم ولا عـجب أنـا بلـينا بحاسـد ففي ترك ابلـيس السجـود لآدم وفي قتل قابـيل أخاه بصـيرة ودع كـل ودٍ غير ودي فانمـا فما كل من يدعى جواداً بجـائدٍ ولا كل سعدٍ في النجوم بـذابح لديّ وعوني في الـورى ومناصحي إذا فـوقت نحـوي سهـام الفوادح لصبٍ إلى نحو الـقلى غيـر جانح ولا العذر في الهجران منك بواضح وان اجترح جرمـاً فكن خير صافح اتقـوى على ذا مهجـتي وجوارحي بصفقة حـر خـاسر غيـر رابـح تكـون حـديثاً بيـن غـادٍ ورائـح نمـيمة واش أو سعـايـة كـاشـح مريـب ولا تـصغي إلى نبـح نابح يـرى أنـه فـي ودّه شبـه مـازح إلـى انـه في وده غيـر نـاصـح وما كاتـم سرّ الهـدى مـثل بائـح وفي الغـرّ مـن أنيابـها بالفـوادح ) فمـن طاعن يـزري عـليه وقادح نمـوم بالـقـاء الـعـداوة كـادح أدل دلـيـل للتـحـاسـد واضـح لـمن كان عـنه العقل ليس بـنازح سواي الصدى الحاكي لترجيع صائح ولا كل مـن يسمى جـواداً بقـارح ولا كلـما يـدعى سـماكا برامـح


(282)
ولا كـل بـرق إذ يشـام بماطـر ولا كل طير في الغـصون بساجع ولا كل من يـبدي الـولاء بصادق فكم ضاحك بالـوجه والصدر منطوٍ فان تبد هجراً فأجن وصلاً وكن إذاً ولا كـل زنـد بالأكـف بقادح ولا كل زهر في الرياض بنافح ولا كل خـلٍ للـوداد بصالـح على وجـه قلب بالعـداوة كالح كمـثل إناء بالـذي فيه ناضـح
    اقول : اختصرنا الترجمة عن ( شعراء بغداد ) للخاقاني ج 2 ص 377.
    وهناك مَن يعده من شعراء كربلاء ولقّبه بالحائري ، ومدفنه كان بكربلاء ، وقد توفي ولا عقب له.


(283)
المتوفى حدود سنة 1180
     هو من أعلام القرن الثاني عشر قدم إلى كربلاء في عام 1131 هـ وكان نادرة عصره وألمعي دهره ممن صاغ النظم والنثر أحسن صياغة ويعرف بالرحالة عباس بن علي بن حيدر بن نور الدين المكي الموسوي الحسيني صاحب التصانيف القيمة ومنها ( نزهة الجليس ومنية الأدب الأنيس ) كان جوالاً في الآفاق في طلب العلم ، أخذ الرواية عن أستاذه أبي الفتح السيد نصر الله الحائري أثناء أدائه فريضة الحج بصحبة والده عام 1130 هـ.
    وجاء في سلسلة نسبه : فهو السيد عباس ابن السيد علي بن نور الدين علي ابن علي بن نور الدين بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن تاج الدين المعروف بأبي الحسن العاملي الموسوي بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن حمزة ابن سعد الله بن حمزة بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن محمد بن طاهر بن الحسين بن موسى بن ابراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام.
    ولد السيد المكي بمكة سنة 1110 هـ ونشأ بها ونال حظوة في العلم والكمال ودرجة قصوى بالأدب وها هو كتابه ( نزهة الجليس ) يعطي صورة عنه.


(284)
    وكان يحسن عدة لغات كالتركية والفارسية والهندية وهي التي أجادها بحكم أسفاره ، ولم يكن يقتصر في نظمه على اللغة العربية بل كان ينظم باللغة الدارجة ، فقد روى السيد الامين في الاعيان وقبله الشرواني في الحديقة بيتاً على طريقة ( المواليا ) العراقي :
دموع عيني بـما تخفي الجوانح وشن وأنت يا من شحذ أسياف لحظه وسن وعلي غار الهوى من كل جانب وشن تـروم قتـلي بهـا بـالله بيـّن إلـي
من جوّز القتل في شرع المحبة وسن
    ترجم له السيد الامين في الاعيان وذكر جملة من أشعاره وقال : توفي في جبشيت من جبل عامل في حدود سنة 1179 وقد قارب السبعين ، وكان جده نور الدين هاجر إلى مكة فولد أبوه فيها وولد هو فيها أيضا. ذكره صاحب حديقة الأفراح فقال : فصيح ألبسه الله حلّة الكمال وبليغ نسج القريض على أبدع منوال.
    وقال السيد عباس المكي في كتابه ( نزهة الجليس ) يصف رحلته :
    فلما أسفر الصباح عن وجه الهنا والانشراح رابع ربيع الأول عام ألف ومائة وواحد وثلاثين من هجرة النبي المرسل ، توكلنا على الرب العلي ورحلنا من مشهد علي ، قاصدين زيارة الشهيد المبتلى المدفون بكربلا ، الحسين بن علي ومن معه من الشهداء الصابرين رضوان الله عليهم أجمعين ، ففي خامس الشهر المذكور أتينا على الموضع الذي يسمى بالخان الأخير ، ومررنا في طريقنا بقبر النبي ذي الكفل عليه السلام فزرنا وبلغنا المرام ، وفي سادس الشهر دخلنا أرض الحائر مشهد الحسين الطاهر سلام الله عليه وعلى أخيه وعلى جده وأبيه وأمه وبنيه وسائر مواليه ومحبيه.
لله أيـام مضـت بـكـربـلا بمشهد الطهر الحسين ذي العلا فحفـّني بـجـوده تفـضّـلا محروسة مـن كل كرب وبلا ونسل خير الخلق في كل الملا ونلتُ مـا كنـتُ لـه مـؤملا


(285)
مـن زاره بالـصدق فيه والـولا فاسمع لما قد قال ذو الفعل الحسن قـد أرخ المـولـد فـي رجيـزه فقـال في ذكـر الحسين بن علي وكيف لا وهـو الامـام الرحـله خادم شرع المصطـفى والمذهب من ذكره في العرب سار والعجم بالفضل والتـقوى مـع العـفاف عـليه مـن رب العبـاد الرحمه فـاسمـع فـهذا قـوله المفـيد واسمع وقيت صولـة الحـوادث روحي الفـداء للحسـين بن علي مـولده في عـام أربعٍ مضـت يـوم الخميس سيـدي قـد ولدا وقـيل في عـام ثلاث فاعـقل يكنـى بعـبد الله وهـو السـبط نسـبه مـن أشـرف الأنسـاب نـصّ علـيه بـالامـامة النبي وبــعــده أبــوه وأخــوه خير الـورى في العـلم والزهاده كـرمـه وجـوده قـد بـلـغا ولـذّة الـكـرام في الاطــعام فاق الورى في الجـود والسماحة يعـود محـبوراً بـلا شك ولا محمد الحر الأصيل ابن الحسن مفـيـدة جـلـيلـة وجـيـزه نظماً بديع القول كالصبح الجلي نجـل ثـقـات قـادة أجـلـّه الطيب من الطـيب بـن الطيب والشام والـروم إلى أقصى إرم والبر والاحـسـان والالطـاف تعـمّـه ولـجـمـيـع الأمـه قد قال وهـو الفاضل المجـيد نظمـي تاريـخ الإمام الثالـث ذي المجد والسؤدد والقدر العلي في شهر شعبان لخمس انقضت قـيل بـل السابـع كان المولدا آخـر يـوم مـن ربيـع الأول لـم يك مثـلـه كـريـم قـط حَسَـبُه مـن أكـرم الاحـساب فياله من فـضل مجـد عجـب ونـال ذاك بـعــده بـنـوه والفضل والحلم وفي الـعبـادة ما لم يحـط بـه مقـام الـبلغا ولـذّة اللـئـام فـي الطـعـام والمجد والكـمال والفـصاحـه
ادب الطّفّ الجزء الخامس ::: فهرس