ادب الطف الجزء الثامن ::: 46 ـ 60
(46)
مشاهيرها وذاع صيته في الشعر فكان من أعلام الشعراء فيها وكان مرموق الشخصية نابه الذكر حميد الخصال يحترمه الكبير والصغير ويعظمه العالم والجاهل ويهواه الأعيان والوجوه مستقيم السيرة طيب السريرة كريم الطبع طاهر القلب مرح الروح من اعلام النساك وبارزي الثقاة ولقد اعرب عن منزلته الشاعر الخالد السيد حيدر الحلي عند تقدمته لتقرضيه كتابه ( العقد المفصل ) فقال : هو الذي تقتبس أشعة الفضل من نار قريحته وترتوي حائمة ؟ والعقل من ري رويته.
    وذكره أيضاً في كتابه ( الاشجان ) عند تقديمه مرثيته للسيد ميرزا جعفر فقال : حسنة العصر وانسان الدهر الكامل الألمعي الشيخ حسين بن عبدالله الحلي.
    وذكره الشيخ النقدي في الروض النضير صفحة 246 فقال : كان ( ره ) أديباً شاعراً فاضلاً خطيباً له شهرة واسعة بين الذاكرين وسيرة محمودة بين العلماء والمتعلمين لم يتكسب بشعره ولم يتاجر ببنات فكره ، أكثر نظمه في آل البيت وقد رأيت له قصائد طوالاً في رثاء الامام الحسين وأولاده المعصومين « ع » اتصل بالسادة الكرام آل المعز فكان في مقدمة أحبائهم وأودائهم.
    وذكره الحجة الأميني في الجزء 13 من كتابه « الغدير » المخطوط فقال : كان خطيب الفيحاء الفذ على كثرة ما بها من الخطباء جهوري الصوت حلو النبرات وكان يسحر بمنطقة وعذوبة كلمه ، ولد عام 1250 ه‍ وتوفي عام 1305 ه‍ في الحلة ونقل الى النجف فدفن فيها ورثته عامة الشعراء. والشيخ حسون إذا ما قرأناه من شعره فإنه يبدو انساناً حرّ الضمير قوي القلب ذو مبدء واضح وشخصية قوية يعرب لك من خلاله أنه معتمد على نفسه غني عما في أيدي الناس ولعل ما ستقرؤه من شعره كاف لأن يوصلك إلى هذا الرأي فهو ان تحمس أفهمك أنه العربي الذي امتد نجاره الى أبعد حدود العروبة وأن تغزل فهو من اولئك العرب الذين كانت تستعبدهم العيون السود وأن لرقة طبعه أثر بارز في رقة ألفاظه وانسجام اسلوبه.


(47)
    توفي رحمه الله بالحلة في العشر الأواخر من شهر رمضان عام 1305 ه‍ ونقل جثمانه الى النجف ودفن بها وخلف ولداً اسمه الشيخ علي توفي بعده بثلاثين عاماً. ورثاه فريق من شعراء عصره بقصائد مؤثرة دلّت على سمو مكانته في نفوسهم ، منهم الشيخ حسن مصبح والسيد عبد المطلب الحلي والشيخ علي عوض والحاج حسن القيم. وربما رثاه بعضهم بقصيدتين أو ثلاث ، ولقد وقفت على مجموع عند أحد أحفاد أخيه اقتطفت منه ما سيجي من شعره وقد عرفني به صديقنا الشاعر عبود بن الحاج مهدي الفلوجي انتهى. أقول وممن تخرّج على يده الخطيب الكبير الشيخ جاسم الملا ابن الشيخ محمد الملا وكلاهما شاعران ناثران ، والمترجم له أروي له عدة قصائد في الامام الحسين عليه السلام منها قصيدته العامرة المشتملة على الوعظ والتحذير وأولها :
أشاقك من آرام يبرين ربرب فأصبحت صبّاً في هواه تعذبُ
    والمرثية الثانية التي مطلعها :
نشدتك ان جئت خبت النقا فعرّج به واحبس الاينقا
    مضافاً إلى انه طرق جميع أبواب الشعر ، واليكم نموذجاً من شعره في الإمام الحسين.
إلـى مَ فـؤادي كـل يـوم مـروعُ وحـتام طرفي يرقـب النجم ساهراً أزيـد التـياعا كلـما هـبّت الـصبا وأطوي ظلوعي فوق نار من الجوى أكـاد لـما بـي أن أذوب صـبابة تنوح ولـم تفـقد أليفـاً وبيـن مَن وفـي كل آن لي حبيـبٌ مودع حلـيف بـكاء والخلـيون هـجّع أو البرق من سفح الحمى لاح يلمع إذا ما سحيراً راحت الورق تسجع متـى هـي باتت للحنـين ترجّع أودّ وبيـني مهـمه حال هـجرع (1)

1 ـ هو الطويل.

(48)
فلهفي وهل يجـدي الشجـي تلهـف فيا قـلب دع عهـد الشباب وشرخه ومـن يك مثلـي لـم تشقه كواعب لئن راح غيـري بالـعذارى مـولعاً وان يك غيري فخـره جمـع وفره سمـوت بفضلي هـامة النسر راقياً ولم أرض بالجوزاء داراً وان سمت وكـم لائـمٍ جهـلاً أطال مـلامتي يظـن حنيني للـعذيـب ولـعلـع فقلـت لـه والوجد يلهب في الحشا كأنك ما تدري لدى الطف ما جرى غـداة بنـو حرب لحرب ابن أحمد بكثرتهـا ضاق الـفضاء فلا يرى هنالـك ثـارت للكفـاح ضراغـم تزيـد ابتهاجاً كلما الحـرب قطّبت تعـد الفنا في العـزّ خير من البقا سطت لا تهاب الموت دون عميدها تعـرّض للسمـر اللدان صدورهـا إذا مـا بنو الهيجـاء فيها تسربلت تـراهم اليهـا حاسريـن تـواثبوا فكم روعوا في حومة الحرب أروعا وراح الفتـى المقـدام يطلب مهربا مناجيد في الجلّى عجـالا الى الندى لعيش تقضّى بالـحمى وهو مسرع فليـس لأيـام نـأت عنـك مرجـع ولـم يصبـه طـرف كـحيل وأربع فهـا انـا في كسب العـلاء مـولـع فإنـي لمـا يبقى لي الفـخر أجمـع سـرادق عـزّهـنّ أعـلى وأمـنـع لأن مقـامي فـي الحـقيقـة أرفـع غـداة رآنـي مــدنفـاً أتـفـجـع وهيـهات يشجينـي الـعذيب ولعلـع وللـهم أفـعى في الـجـوانـح تلسع ومن بثراها ـ لا أبـاً لكَ صرعـوا أتت من أقاصي الأرض تترى وتهرع سـوى صارم ينضى وأسمـر يشرع لهـا مـنذ كانت لـم تـزل تـتسرع وذلك طــبـع فـيهـم لا تـطبـّع وما ضرّهـا في حومة الحـرب ينفع ولا مـن قـراع في الكريهة تـجزع وهاماتـها شوقـاً الى البـيض تتـلع حديـداً تـقي الأبـدان فيـه وتـدفع عزائمـها الأسـياف والصـبر أدرع وكم فـرقاً للأرض يهـوى سمـيدع ولا مـهرب يـغـني هـناك ويدفـع ثقالا لـدى النـادي خـفافا إذا دعـوا


(49)
إذا هـتف المـظلوم يـا آل غـالب أجابـوه مـن بعـدٍ بلبّـيك وارتقوا ولـم يسألوه إذ دعـاهـم تـكرمـا فـما بالـهم قـرّوا وتلك نسـاؤهم عطاشـى قضت بالعلقـمي ولم تكن وأبقـت لها الذكر الجميل متى جرى يحامـون عن خـدر لهـيبة مَن به فـأصبح شمر فـيه يـسلب زينـباً تـديـر بعينـيها فلـم تـرَ كـافلا فكم ذات صون مارأت ظلّ شخصها محـجبة بـيـن الصـوارم والقـنا فأضحت وعنها قـد أماطوا خمارها واعظم خطب لو عـلى الشم بعضه غـداة تـنادوا للرحـيل وأحضرت ومرت عـلى مثوى الحـماة إذا بهم فـكم مـن جبـين بالرغـام مرمل وكم مـن أكفٍّ قطعت بـشبا الضبا وكم من رؤوس رامت القوم حفظها فحنّت وألقت نفـسها فـوق صدره تناديـه مـن قلب خـفوق ومهجة أخي كيف أمشي في السباء مضامة وكيف اصطباري ان عدانا ترحلت وحـولك صرعى من ذويك أكارمٌ ولا منـجد يلفـى لـديه ومفـزع جياداً تجاري الريح بل هي أسرع إلى أين بل قالوا أمنـت وأسرعوا لصرختـها صمّ الصـفا يتصدع لغلـتها فـي بارد المـاء تنـقع بشرقٍ فمـنه غربـها يتـضوع ـ ولا عجب غرّ الملائك تخضع ولم تـرَ من عنـها يـذبّ ويدفع سـوى خفـرات بالسـياط تقـنع ولا صوتها كانت من الغض تسمع عليـها من النـور الإلهي بـرقع وبالقـسر عنها بردهـا راح ينزع يحـط لراحـت كالهـبا تتـصدع نيـاق لهاتـيـك العـقائـل ضلّع ضحايا فمرضـوض قرىً ومبضع ومن نوره بـدر السما كـان يسطع وكانـت على الـوفاد بالتـبر تهمع فراحـت على السمر العواسل ترفع وأحـنت علـيه والنـواظر همـّع لعـظم شجاهـا أوشـكت تتـقطع وأنـت بأسـياف الأعـادي موزع وجسمك في قفر من الأرض مودع شباب تسـامت للمـعالي ورضـّع


(50)
لهـا نسجت أيدي الرياح مطارفا لمـن منـكم أنـعى وكـل أعزةً أجيل بطرفي لم أجد مَـن يجيرني أترضـى بأني اليـوم أهدى ذليلة وحولي صفايا لم تكن تعرف السبا من الـترب فانصاعـت بها تتلفع عـليَّ ومن عنـد الرحـيل اودّع تحيّرت ما أدري أخي كيف أصنع ووجـهي بادٍ لا يـواريـه بـرقع ولا عرفت يـوماً تـذل وتضرع
    وقال يرثي العباس بن أمير المؤمنين (ع) :
لـو كنت تعلم مـا في القلب من شجن ولـو رأيـت غـداة البـين وقفـتنـا ناديت مـذ طـوّح الحـادي بظعـنهم يا راحلـين بـصـبري والفؤاد مـعاً كـم ليـلة بتّ مسـروراً بـكم طرباً أخـفي محـبـتكم كـيـلا ينـمّ بـنا ظـللت فـي ربـعـكم أبكي لبعـدكم طـوراً أشـمّ الثـرى شـوقـاً وآونة دع عنك يا سـعد ذكر الغـانيات ودع واسمع بخطـب جرى في كربلاء على لم أنـسَ سبـط رسـول الله منفـرداً يرنو إلى الصحب فـوق الترب تحسبها لهـفي لـه إذ رأى العـباس منـجدلا نادى بصوت يذيب الصخر يا عضدي عباس قـد كنتَ لي عضـباً أصول به عباس هـذي جيوش الكـفر قد زحفت ما ذاق طـرفك يوماً طيّب الوسنِ أذلتَ قلـبكَ دمـعاً كالحـيا الهتن وراح يطوي فيافي الأرض بالبدن رفـقاً بقلب محـبٍّ ناحـل البدن طرفي قرير وعيشي بالوصال هني واشٍ ولكنّ دمع العـين يفضحني كما بكـين حمـاماتٌ عـلى فـنن أدعـو ولا أحد بـالـردّ يسعـفني عنك البـكاء على الاطلال والدمن آل النـبي ونح في الـسر والعلن وفيه أحـدق أهل الحـقد والاحن بدور تـمّ بدت في الـحالك الدجن فـوق الصعيد سليـبا عافر البدن ويا معيـني ويا كهـفي ومؤتمني وكنتَ لـي جنّة من أعـظم الجنن نحوي بثارات يوم الـدار تطلبني


(51)
ومخمد النـار إن شبـّت لواهبها بقيت بعـدك بين القـوم منفرداً نصبت نفسك دوني للقنا غرضا كسرتَ ظهري وقلّت حيلتي وبما تموت ظامي الحشا لم ترو غلّتها ومن بصارمه جيش الضلال فني أُقلّـب الطرف لا حـام فيسعدني حتى مضيتَ نقيّ الثوب من درن قاسيتُ سرت ذوو الأحقاد والظغن في الحرب ريّاً فليت الكون لم يكن


(52)
    قال في جده الحسين (ع) :
نـبا نـزار مـن ضباك الشبا أم عـقرت خـيلك أم جززت ما كان عهدي بك أن تحمـلي فـهـذه حـرب وقـد أنشبت فأيـن عنكم يـا ليوث الوغى وفي الوغى لم تنشري رايـة فـحربـك الـيوم خبت نارها أتـدخـل الخـيل خباء الأولى نـساؤهـا تسبى جـهاراً ولا لـهـفـي لآل الله إذ أبـرزت تؤم هـذي ولّها مشرق الشمس وزيـنب تـهتـف بالمصطفى يا غـائـباً لا يـرتجى عوده ترضى بأن أسلب بيـن العدى فـأيها الـموت أرحـني فـما أم سمـرك اليوم غدت أكعبا منـها نـواصيها فـلن تركبا الضيم وفي يمناك سيف الإبا فيك على رغم العـلى المخلبا مخالب السمـر وبيض الظبا ولـم تجيلي خـيلك الـشزّبا ونـار حـرب لهبت في الخبا خباؤها فـوق السمـا طـنبا مـن سيفهـا البتار يدمى شبا من الخـبا ولـم تجد مـهربا وهـذي تـقـصد الـمغـربا والمـرتضى والحسن المجتبى ولـن تـراه أبـداً آئـبــا حـاشاك أن ترضى بأن أسلبا أهـنأك الـيـوم ومـا أطـيبا


(53)
    السيد الميرزا أبو الحسين اسماعيل بن السيد رضا الحسيني الشيرازي : نزيل سامراء ابن عم الميرزا المجدد السيد محمد حسن الشيرازي المشهور وخال أولاده. توفي في 11 شعبان سنة 1305 في الكاظمية وكان قد جاء اليها من سامراء قبل شهرين وحمل الى النجف الأشرف فدفن هناك. كان عالماً فاضلاً جليلاً شاعراً ، قرأ على ابن عمه الميرزا الشيرازي في سامراء وكان من أفضل تلامذته وله اشعار في مدح أمير المؤمنين ورثاء الحسين عليهما السلام.
    أقول وهذه القصيدة مقتبسة من بائية السيد حيدر الحلي :
يا آل فهر اين ذاك الشبا ليست ضباك اليوم تلك الظبا
    وجاء في ترجمته أن الشيخ حمادي نوح الحلي رثاه بقصيدة أثبتها السيد الأمين في الاعيان ، ولا بأس بالاشارة الى قصيدته في مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فمنها.
هـذه فـاطمة بـنت اسـد فاسجدوا طراً له فيمن سجد أقبلت تحمل لاهوت الأبد فله الأملاك خرّت سجدا
مذ تجلّى نوره في آدم
إن تكن تجـعل لله البـنون فوليد البيت أحرى أن يكون ـ تعالى الله عما يصفون ـ لـولـيّ البيت طـراً ولـدا
لا عزير ، لا ولا ابن مريم
حـبذا آنـاء أنس أقبلت ولدت أمّ العلى ما حملت أدركت نفسي بها ما أملّت طاب أصلاً وتعالى محتدا
حاملاً ثقل ولاء الامم


(54)
    قال في الحسين :
فار تـنـور مـقـلـتيَّ فـسـالا وطفـت فـوقـه سـفينـة وجدي عصفت في شـراعهـا وهـو نار فهي تجـري بمزبـد غـير ساج فسمعت الضوضاء في كـل فـج قلت ماذا عـرى ـ اميم ـ فقالت قلـت ماذا عـليَّ فـيـه فقالـت لا أرى كـربـلا يـسكنها الـيوم سـميـت كربـلاء كي لا يـروم فاتـخـذهـا للـحـزن داراً وإلا مـن عـذيري من معـشر تخذوا سمـعوا ناعـي الحسين فقـاموا أيهـا الحـزن لا عـدمتك زدني لست ممـن تراه يـوماً جـزوعاً أنـا والله لـو طحنـتُ عظامـي فـغطى السهل موجه والجبالا تحـمل الهـمّ والأسى أشكالا عاصفات الضنا صباً وشمالا ترسل الحزن والأسى ارسالاً كل لحـن يهيـج الاعـوالا جاء عاشور واستهل الـهلالا ويك جـدد لـحزنـه سربالا سوى من يرى السرور محالا الكرب منها إلى سواها ارتحالا فارتـحل لا كفيت داء عضالا اللهو شعـاراً ولقـبوه كمـالا مثل من للصلوة قـاموا كسالا حرقـة في مـصابه واشتعالا تشتكي عـينه الـبكاء مـلالا واتخذت العمى لعيني اكتحـالا


(55)
ما كفـاني ولـيس إلا شفـائي فتكة الدهر بالحسين الى الحشر لك يـا دهـر مـثلها لاوربي سيم فيها عقـد الكمال انفصاماً سيم فيـها دم الـنبي انـسفاكاً نفـر من بنيه أكرم مـن تحت ضاق منها رحب الفضاء ولما ركبـت أظهـر الـحمام وآلت ما اكتفت بالنـفوس بذلاً إلى أن ملكـوا المـاء حـين لم يك إلا ثم لم يطـعمـوه علمـاً بأن الله ليتـهم بعدمـا الـوغـى أكلتهم ليـروا بعـدهـم كرائـم عـز أصبحـت والـعدو أصبح يدعو ذهـب الـمانعون عنك فقومي كـم تـرجّين وثبـة من رجال أنت مهتوكـة عـلى كل حال لك بيـت عالي الـبناء هدمناه أين من أنزلـوك باحـة عـز صـوّتي باسـم من أردتِ فإنا وكسوناهـم الـرمال ثـيابـاً وهي لا تستطيع مما عـراهـا غيـر تـردادهـا الحنين وإلا هـزة تـجفل الـعدى اجفالا عـلـينا شـرارهـا يـتوالا انهـا الـعثرة الـتي لن تقالا ذي لئالـيه فـي الثرى تتلالا ليت شعري مـن ذا رآه حلالا السما رفعـة وأعـلا جـلالا لـم تجـد للكـمال فيه مجالا لا تعـد الـحـيوة إلا وبـالا اتـبعتـها الـنساء والأطفـالا من نـجوم السماء أقصى منالا يسقيهـم الـرحيـق الـزلالا أرسلوا نـظرة وقـاموا عجالا زلـزل الـدهـر عزها زلزالا اسحـبـي الـيوم للـسبا أذيالا والـبسي بـعد عـزك الاذلالا لك كانـوا لا يـرهبون الرجالا فانزعي الـعز والبسي الاغلالا وحُـزنـا خـفـافـه والثـقالا لا تـرا كالـعـيون إلا خـيالا قـد أبـدناهـم جـميعاً قـتالا وسقـيناهـم الـمنون سجـالا من دهى الخطب أن ترد مـقالا زفـرة تنسف الـرواسي الثقالا


(56)
    وقال في قصيدة متضمناً للرواية التي تقول أن سبايا الحسين عليه السلام لما قاربوا دخول الشام دنت أمّ كلثوم بنت علي عليه السلام من شمر بن ذي الجوشن وقالت : يا بن ذي الجوشن لي اليك حاجة ، قال ما حاجتك قالت إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في طريق قليل نظاره وتقدم إلى حاملي الرؤوس أن يخرجوها من بين المحامل فقد خزينا من كثرة النظر الينا ، فأمر بعكس سؤالها بأن تجعل الرؤوس في أوساط المحامل ويُسلك بهم بين النظارة :
وأعـظم شيء أن ربـة خـدرها تقـول لـشمر والـرؤس أمامها فلو شئت تأخير الرؤوس عن النسا ليـشتغل الـنظّار عـنا فـإنـنا تمـدّ إلـى أعدائـها كفّ سائل وقد أحدقت بالسبي أهل المنازل وإخراجها من بين تلك المحامل خـزينا مـن النظار بين القبائل
    ويقول في مفاداة أبي الفضل العباس لأخيه الحسين (ع) وكأن الحسين يخاطبه :
أبـوك كان لـجدي مـثل كونك لي أبوك ساقي الورى في الحشر كوثره كلاهما قصب العلياء حاويها وأنت أطفالنا بالطـف ساقيها
    الشيخ محسن خطيب بارع وشاعر واسع الافاق خصب الخيال ، ولد سنة 1235 ه‍ ونشأ بعناية أبيه وتربيته وتحدر من اسرة عربية تعرف بآل أبي الحب ، وتمتُّ بنسبها إلى قبيلة خثعم ، وتدرج على نظم الشعر ومحافل الأدب وندوات العلم ، ولا سيما ومجالس أبي الشهداء مدارس سيارة وهي من أقوى الوسائل لنشر الأدب وقرض الشعر فلقد جاء في يوم الحسين عليه السلام من الشعر والخطب ما يتعذر على الأدباء والمعنين بالأدب جمعه أو الاحاطة به ، وشاعرنا الشيخ محسن نظم فاجاد وأكثر من النوح والبكاء على سيد الشهداء (ع) وصوّر بطولة شهداء الطف تصويراً شعرياً لا زالت الادباء ومجالس العلماء تترشفه وتستعيده وتتذوقه.
    وفي أيام حداثتي وأول تدرجي على الخطابة استعرتُ ديوان الشاعر المترجم


(57)
له من حفيده وسميّه الخطيب الشيخ محسن وانتخبت منه عدة قصائد وهي مدونة في الجزء الثاني من مخطوطي ( سوانح الأفكار ) وكتب عنه الشيخ السماوي في ( الطليعة ) فقال : محسن بن محمد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب كان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرفاً في فنون الكلام إذا ارتقى الأعواد تنقّل في المناسبات ، إلى أن يقول : وله ديوان كبير مخطوط كله في الأئمة. توفي بكربلاء سنة 1305 ودفن بها ، وترجم له صاحب ( معارف الرجال ) فقال في بعض ما قال :
    كان فاضلاً أديباً بحاثة ثقة جليلاً ومن عيون الحفاظ المشهورين والخطباء البارعين ، له القوة الواسعة في الرثاء والوعظ والتاريخ وكان راثياً لآل رسول الله (ع) وشاعراً مجيداً ، حضرتُ مجلس قراءته فلم أر أفصح منه لساناً ولا أبلغ منه أدباً وشعراً. وكتب عنه صديقنا الأديب السيد سلمان هادي الطعمة في كتابه ( شعراء من كربلاء ) وجاء بنماذج من نظمه وقال : توفي ليلة الاثنين 20 ذي القعدة عام 1305 ه‍ ودفن في الروضة الحسينية المقدسة إلى جوار مرقد السيد ابراهيم المجاب.
    أقول ويسألني الكثير عن إبراهيم المجاب ، فهو إبراهيم بن محمد العابد ابن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وإنما سمي بالمجاب لأنه سلّم على جدّه الإمام فخرج رد الجواب من داخل القبر ، وأبوه محمد العابد مدفون في ( شيراز ) وسمي بالعابد لتقواه وعبادته ، وهكذا كل أولاد الإمام عليه السلام.


(58)
    من شعره في الحسين :
قلـب يـذوب اسى ووجدٌ مُعنف ماكنتُ أحسب قبل طرفك سافحا فكأنمـا بـمذاب قلبك قد جرت أفهل ترى أصما فؤادك أهيـفٌ بل قد دهاك مصاب آل محمـد تالله لا أنسى الحسين بـكربـلا يدعو وليس يرى له مـن ناصر والصائبات من السهـام كـأنها لهفي على آل الرسول وحرمـةٍ وعـلى الشفاه الـذابلات وأضلع لهفي على جثث تركـن تزورها تالله لا أنسى الحسين وقـد دنـا قـال انسبوني في أبي ومحمـد وكـأن معجـزة الكـليم بكفـه وجوانح تذكى وعـينٌ تذرفُ (1) حمر الدما أن النواظـر ترعف تلك الدموع فبلّ منك الموقـف حاشاك أن يصمي فؤادك أهيف فعـلـتك مـنها زفـرة وتلهّف وعـليه أجـناد العراق تعطّفوا إلا المثقف والـحسام المرهـف الاقـدار لا تـنبو ولا تـتخلّف هتـكـت ورأس قد علاه مثقّف عجف يطير لهنّ نصلُ أعجـف وحش الفلا وتحوزهنّ الصفصف بـين الجـحافل راكباً يستعرف جـدي وفاطمة البتول وانصِفوا ما تلتقي من قوم موسى تلـقف

1 ـ اخذناها عن كتاب القمقام لمؤلفه المرحوم فرهاد ميرزا.

(59)
لما تـنزّل نـصر رب مـحمد لـم يـرضه إلا الـوفاء بعهده لهفي لزينب إذ رأتـه مـرملا نادت بأعـلى صوتـها أمحمدٌ عجباً لهذي الشمس لما أشرقت صمّت حيارى والملائك وقّف ولقاء مَن هو وعده لا يخلف وبـه جـنود الأدعياء تكنّفوا هـذا حسينك بـالعراء مدفف تلك الشموس حواسراً لا تكسف
* * *
يا أهل ذي البيت المقدس إنكم ( فرهاد ) آنس حبـكم فبحبكم كم كان عظّم من شعائر فيكم وبنى لموسى والجواد شعائراً اليوم الّف ذا الكتاب بحبكـم خضعت جبابرة الملوك لأمره تنسوه أو تردوه أو تقصوه أو صلى الاله عليكم ما ناحـت نـور العوالـم والسنام الأشرف لا زال يـذكـر فضلكم ويؤلف بـمناقـب ومأثـر لا تـوصف تبنى بتلك له القصور ورفـرف يرجـو غـداً بيمينـه يتـخطّف لكنـه بـولائـكـم يـتشـرف تحـموه فهـو بحبـكم يتعـرف الورقاء أو نعب الغراب الأسدف
    معتمد الدولة فرهاد ميرزا ابن ولي العهد عباس ميرزا ابن فتحعلي شاه القاجاري ، توفي سنة 1305 ه‍ في ايران وحمل إلى الكاظمية ودفن فيها عالم فاضل له كتاب ( زنبيل ) في فوائد متفرقة بالعربية والفارسية جمعه الميرزا محمد حسين المنشي العلي آبادي المازندراني من خطوط المذكور أيام ولايته على فارس سنة 1293 « مطبوع » وله ( القمقام الزخار ) و ( الصمصام البتار ) في مقتل الحسين (ع) وأحواله ، فارسي في مجلدين « مطبوع » وله ( جام جم ) في الجغرافيا مترجم عن الانكليزية مع زيارات فارسي « مطبوع ».
    وفي الكنى والالقاب : الحاج فرهاد ميرزا بن نائب السلطنة عباس بن فتح


(60)
علي شاه القاجار ، كان فاضلاً كاملاً أديباً مؤرخاً جامعاً للفنون له مصنفات كثيرة شهيرة منها ( القمقام ) و ( جام جم ) و ( هداية السبيل ) وغير ذلك. ذكره صاحب الذريعة وقال : من آثاره الخيرية تعمير صحن الكاظمين عليهما السلام وتذهيب مناراته في سنة 1298 وتوفي سنة 1305 وبعد سنة حمل إلى مقبرته المشهورة بالمقبرة الفرهادية في سنة 1306 أقول : مقبرته في الباب الشرقي من أبواب صحن الكاظمين (ع) مدفون بجنب الباب المعروف باسمه في حجرة عن يمين الداخل إلى الصحن الشريف.
    ذكر الشيخ الطهراني في الذريعة فقال : جام جم في الجغرافية لتمام الكرة الأرضية وتواريخها في ماية واربعين بابا. والقمقام الزخار فارسي في سيرة الإمام الحسين عليه السلام وشهادته وفرهنك جغرافياي ايران.
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس