ادب الطف الجزء الثامن ::: 61 ـ 75
(61)
    هو الشيخ أحمد بن مهدي بن أحمد بن نصر الله آل السعود الخطي البحراني القطيفي عالم أديب. عقد الشيخ علي آل حاجي البحراني في كتابه ( أنوار البدرين ) فصلاً خاصاً لذكره ، وترجمه ترجمة مفصلة قال فيها : هو أحد أركان الدهر ونبلاء العصر وفصحاء المصر ، أفضل ما يكون في الأدب وأبصر ما يكون بسياسة الملك ، كان لأهل بلاده سيفاً وسناناً وظهراً ولساناً من أحسن حسنات زمانه وأفخر أبناء عصره وأوانه له ( السبع العلويات ) التي جارى بها ابن أبي الحديد ففاقه ، وله السبع التي جارى بها ( المعلقات السبع ) وله مائة قصيدة في رثاء الحسين عليه السلام ، وله مدائح كثيرة في آل الله ومثالب أعداء الله ، وديوان شعره يقع في أربعة أجزاء. توفي في ربيع الأول سنة 1306 ه‍ ودفن بالحباكة وهي مقبرة معروفة بالقطب انتهى ملخصاً عن ( التكملة ).
    وقال صاحب أنوار البدرين عند ذكره لعلماء الخط والقطيف ما يلي مختصراً : ومن ادبائها الفخام وبلغائها العظام ورؤسائها الحكام الشيخ أحمد بن الشيخ مهدي بن أحمد بن نصر الله أبو السعود الخطي ، له من الشعر والأدب الحظ الوافر عاصرناه مدة من الزمان فلم نرَ مثله في الرؤساء والأعيان ، إن جلس مع العلماء فهو كأحدهم في اللهجة واللسان أو مع الشعراء المجيدين والادباء الكاملين كانت له التقدمة عليهم ، أو مع الرؤساء والحكام فهر المشار اليه بالبنان ، قد سلّم الله بسببه كثيراً من المؤمنين من القتل. وإلى الآن لم نقف


(62)
لأحد من الشعراء والأدباء مع كثرة تتبعنا واطلاعنا بمثل ما وقفنا له من كثرة الأدب والشعر البليغ المتين ولا سيما في المدائح والمرائي لمحمد وآله الطاهرين ، بالرغم من كثرة النكبات التي لاقاها بعد وفاة والده من حكام الوهابية حتى نهبت أمواله وأملاكه حتى نفي عن البلاد فهاجر للبحرين عن طريق قطر ثم إلى ( أبو شهر ) ثم اتصل بالدولة العثمانية وحرّضها على طرد الوهابية وهكذا كان ثم رجع إلى بلاده بالعز والهيبة والعظمة والسطوة إلى أن أجاب داعي ربه.
    وهذه إشارة الى علوياته التي ذكرها صاحب أنوار البدرين. قال من قصيدة طويلة عدّد فيها فضائل الإمام أمير المؤمنين وتخلّص إلى رثاء الإمام الحسين عليه السلام :
فلله ظام حـيـل والـماء دونـه قضى ضامئاً ما بلّ بالماء ريقـه فقل للمـعالـى أسلسي وتنـكبـي وللـعـربيات الـجـياد تـنبـّدي فـمـا للمعالي في عـلاهنّ باذخ فهذي انوف المجد جـذعاً وهـذه تنـوء الـعوالـي مـنهـم بأهـلّة وتجري عليهم كل جرداء هل درت وسيق لـه بالـزاخرات الشوادر ولا عـلّ إلا بالـرماح القواطر هل انكفأت إلا بصفـقة خـاسر ظلال العوالي واقتحام المغـاور ولا للعـوادي قـائد للمضامـر أكـفّ المعالي داميات الخناصر من الهام والأجساد رهن المعافر بأن وطأت في جريها جسم طاهر
    وفي آخرها :
اليك أمـير المؤمنين مـدائحي وأنـت معاذي في المعاد وإنما هل المدح إلا في معاليك رائق وفيك وإن لجّ اللواحي بضائري اليك مصير الأمر يوم المصائر وهل راق بالأشعار مثل المأثر
    وقال في مطلع قصيدة :
في كل يوم للحشاشة مصدع أرقٌ يلم وظا عـن لا يرجع


(63)
وإلـى أمـير الـمؤمنين تـجملّي ملك تصور كيف شاء إلى الورى وتحلّـقت عـذباتـه بـمعاقـد كـم تستمد السـحب منه سماحة ولـكم يـمرّ بـه الغـمام فينثني سل عند يوم الخنـدقين ومصرع وإلـى عـلاه معاذنـا والمفزع يعطي بـه هـذا وهـذا يمنـع يهوي لاخمصها المـحل الأرفع فـتلثّ مـنها ديـمة ما تـقشع وطـفا يـسحّ ركامـه يـتدفع العمرين ذا عـانٍ وذاك مصرّع
والقصيدة تربو على المائة بيتاً.
    له ما يقرب من مائة قصيدة في رثاء الحسين (ع) وله شعر في أغراض أُخر وله ديوان يقع في مجلدين كبيرين كله في المدائح والمراثي ذكر جملة من شعره في أعيان الشيعة. توفي رحمه الله في شهر ربيع الأول سنة 1306 ه‍ وصلّينا عليه مع شيخنا الوالد الروحاني ، وجاء في جملة أحواله أنه كان ينظم في عشر محرم الحرام كل ليلة قصيدة ويعطيها فتنشد في المأتم.


(64)
    قال من قصيدة مطوّلة في رثاء الحسين (ع) :
لله آل الله تـسـرع بـالـسرى منعوا الفـرات وقد طـما متدفعا أتـرى يسوغ بـه الورود ودونه أم كـيف تـنقـع غـلة بنميره ترحـا لنـهر الـعـلقمي فـانه وردوا على الظماء الفرات ودونه أسـد تدافـع عن حقـايق أحمد حفـظوا وصـية أحـمد في آله واستقبلوا بيض الصفاح وعانقوا فكأنما لهم الـرماح عـرائـس يمشون في ظلل القـنا لم تثنهـم تنقـض من أُفـق القتام كأنهـا أجسادهـم للسمـهرية مـنهـل وجسومهم بالـغاضرية جـثـم لله سبط محـمد ظـامى الحـشا وإلـى الجنان بـها المنايا تسرع يا لـيت غـاض عبابه الـمتدفع آل الهدى كاس المنون يجرعـوا والسبـط غـلتـه بـه لا تنقـع نهـر بأمـواج الـنوائب مـترع البيض القـواطع والرماح الشرع والـحرب مـن لجج الدما تتدفع طوبى لهم حفظوا به ما استودعوا سمر الـرماح وبالقلوب تدرعـوا تجلـى وهـم فيهـا هـيام ولـع وقع القنا والبيض حتى صرعـوا فـوق الـرغام نجـوم افق وقـع ونحـورهـم للمشرفيـة مـرتـع ورؤسهـم فـوق الأسنـّة تـرفع فـرداً يحوم عـلى الفرات ويمنع


(65)
ما انقض كوكب سيفه إلا انطوى يرتـاح ان ثار الـقتام وللـقنا ما أحدث الحدثان خطبا فاضعا دمه يباح ورأسه فوق الـرماح بالمـائدات مـرضض بالمائسا يا كوكب العرش الذي من نوره كيف اتخذت الغاضرية مضجعا لهفـي لآلك كـلما دمعت لـها تـدمى جوانبها وتضرم فوقـها وإلى يزيد حواسراً تهدى علـى للنقـع ثوب بالسيوف مجزع مرح وورقاء الحمام ترجـع إلا وخطب السبط منه أفضع وشلـوه بشبا الصفاح موزع ت مـظلل بنجيعـه متلفـع الكرسي والسبع العلى تتشعشع والعرش ودّ بأنه لك مضجع عين بأطراف الأسنة تـقرع أبياتها ويماط عـنها البرقـع الأقتاب تحـملها النياق الضلع
    السيد صالح القزويني النجفي البغدادي ولد في النجف الأشرف 17 رجب سنة 1208 ه‍ وتوفي 5 ربيع الأول سنة 1306 ه‍ وبها نشأ وترعرع ودرس العلوم الدينية على جماعة من العلماء أكبرهم وأعمقهم أثراً في نفسه استاذه الشيخ محمد حسن صاحب جواهر الكلام. وشاعرنا من أعلام العلماء والشعراء نشأ على حبّ العلم إلا أنه اشتهر بمقارضة الشعر ، وكان وقوراً جميل الهيئة قوي العارضة حسن المعاشرة لطيف المحاظرة ولاجتماع الفضائل فيه صاهره مرجع الشيعة واستاذه صاحب جواهر الكلام وانتقل إلى بغداد سنة 1259 وتوفي بها ونقل جثمانه للنجف الأشرف فدفن في المقبرة المعدة لهم في وادي السلام وأعقب خمسة بنين وست بنات اشتهر من أولاده بالشعر اثنان : السيد راضي والسيد حسين المشهور بالسيد حسون ، كما اشتهر بالفضل والعلم ولده السيد مهدي. ولشاعرنا ديوان مخطوط في شتى المقاصد من مدح ورثاء وتهنئة ووصف وله كتاب ( تاريخ أحوال سيد الوصيين ). وهذه الاسرة عريقة في العراق نبغ فيها العلماء الأعلام والشعراء العظام واليكم سلسلة النسب : السيد صالح بن المهدي


(66)
ابن الرضا بن مير محمد علي بن أبي القاسم محمد بن محمد علي بن مير قبا بن أبي القاسم محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسن بن ابي الحسن علي بن أبي الحسين بن علي بن زيد بن أبي الحسن علي الغراب بن يحيى المدعو عنبر بن أبي القاسم علي بن ابي البركات محمد بن أبي جعفر احمد بن محمد صاحب دار الصخرة في الكوفة بن زيد بن علي الحماني الشاعر بن محمد الخطيب بن جعفر الملقب بالشاعر ابن محمد بن زيد الشهيد بن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).
    وشاعرنا المترجم له هو ناظم ( الدرر الغروية في مدح ورثاء العترة المصطفوية ) تحتوي على أربعة عشر قصيدة مطولة في المعصومين الأربعة عشر ، أما ديوانه الكبير فقد جمعه العالم الشاعر الشيخ ابراهيم صادق العاملي وكتبه بخطه وترجم للشاعر ترجمة مُفصلة ، وهذه النسخة اشتراها الأب انستاس الكرملي ثم انتقلت بعد موته إلى مكتبة دار الاثار العامة ببغداد مع الف وخمسمائة ونيف من مخطوطات كتب انستاس ، رأيته في مكتبة دار الاثار برقم 1220 لعله يحتوي على عشرة آلاف بيت ، هذا وقد جمع ديوانه البحاثة الشيخ محمد السماوي أيضاً ، كما جمع ديوان السيد راضي ابن السيد صالح المتوفى في حياة أبيه سنة 1281 في جملة ما جمع من عشرات الدواوين.
    وأخيراً طبعت خمس قصائد من شعره وهي التي تخص الخمسة أهل الكساء صلوات الله عليهم.


(67)
    قال في الحسين :
حـيّ أطـلالا بـنعـمان رمـاما وإلى سلـع ، سقـى سلـع الـحيا عـرب مـن يـعـرب لكنـهـا هــل درت تلك الدرارى أنـني وغـدت بعـد نـواهـم أدمـعي ساهـر الأجفـان من شـجو فما دام وجـدي أمـد الـعـمر لـها كيف أردتهم يـد الدهــر وقـد هـل هـمت عبـرتها مـن نوب يوم أضـحى سبطهـا بين العدى مـا عـدى آحـاد قوم ان عدت بـذلـت أنـفسهـا حـتى لقـت مـن كـرام لـم تـلد امّ الـعلا كـم بذاك الـيـوم من أعدائـها وشفـت أحشاءها حـتى قـضت فثوت في الأرض صرعى بعدما واسـتلم فيـه مقامـا فمقاما عـج وبلـّغ لأحبائي السلاما لشجاها كاد لم تعرب كلامـا أجرع الصاب لها جاما فجاما كغـوادي المزن تنهلّ سجاما ذاق عيني ، لا وعينيها المناما وإذا ما جلّ وجـد المرء داما ملكت أيـديهـم منه الـزماما نابـت الـغرّ الميامين الكراما مفرداً لم يلف حام عنـه حامى هدمت في بأسها الجيش اللهاما دون حامي حومة الدين الحماما مثلها في سرمد الدهـر كـراما جدّلت بالرغـم أقـواما طغاما في سبـيل الله يا لـهفي هياما وزعتها أسهـم البغي سهـاما


(68)
كم عليها الدهر قد جار فلـم وغـدا السبط فـريداً بـعدها فأجال الطرف في أطـرافها فأبت منعـته الضـيم ومـن ودعـاه بأرئى الـخلق إلـى خـرّ للـموت وتـرعى عينه عجبا يقضي سليلُ المرتضى أجـرو الخيل على جثمانـه رجّت الأرض له بل مـلئت واكتست امّ العلى ثوب الأسى فـلـعمـرُ الله لـولا شبلـه لست أنسى خفرات المصطفى ساكبات الـدمع ثكلى اتخذت يبـق منهـا الدهر شيخا وغلاما بأبـي ذاك الـفريـد المستظامـا فـرآهـا مـلئت جـيشا ركـاما كـان للـكرار شبـلا لن يضاما جنبـه الأسنى مـحلا ومقـامـا خـفرات عــينها تهمى انسجاما وهـو من حر الظما يشكو الأواما ويح خيل رضضت مـنه العظاما بعـد ذاك الـظلم أرجـاها ظلاما وغـدت أبنـاؤهـا الغـر يـتامى علة الـكون لما الـكون استـقاما تشـتكي في الطـف أقواما لـئاما دمعـها الجاري شـرابا وطـعاما
    السيد حسين بحر العلوم هو ابن السيد رضا ابن آية الله بحر العلوم. ولد في النجف سنة 1221 ه‍ ونشأ فيها وكان آية في العلم وروعة في الأدب ومثالاً في الزهد والتقوى. قال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء رحمه الله في ( الحصون المنيعة ) : كان علامة زمانه وفهّامة أوانه ، محققاً مدققاً فقيهاً اصولياً لغوياً ، أديباً لبيباً ، شاعراً ماهراً حسن النظم والنثر.
    وقال السيد الصدر في ( تكملة أمل الأمل ) : كان من أكبر فقهاء عصره وأعلمهم ، وأحد أركان الطائفة تفقه على صاحب الجواهر وصار من صدور تلامذته مرشحاً للتدريس العام ، وترجم له كثير من الباحثين وذكروا تلامذته من فطاحل العلماء.


(69)
    وفي مقدمة الجزء الأول من ( رجال السيد بحر العلوم ) قال : وقد أصيب بعد وفاة استاذه ـ صاحب الجواهر ـ بوجع في عينيه أدى بهما الى ( الكفاف ) فأيس من معالجة أطباء العراق وذكر له أطباء ايران فسافر الى طهران سنة 1284 ه‍ وآيسه أيضاً أطباء طهران فعرّج إلى خراسان للاستشفاء ببركة الإمام الرضا (ع) ، فمنذ أن وصل إلى خراسان انطلق بدوره إلى الحرم الشريف ووقف قبالة القبر المطهر وأنشأ قصيدته المشهورة ـ وهو في حالة حزن وانكسار ـ وهي طويلة مثبتة في ديوانه المخطوط ، ومطلعها :
كم أنحلتك ـ على رغم ـ يد الغير فلم تدع لك من رسم ولا أثر
    إلى قوله :
يا نيـّراً فـاق كـل النيـرات سـنى قصدت قبـرك من أقـصى البلاد ولا رجـوتُ منك شـفا عيـني وصحتها حتى م أشكو ـ سليل الأكرمين ـ أذىً صلى الالـه عليـك الدهـر متـصلا فمن سناه ضـياء الشـمس والقمر يخيب ـ تالله ـ راجي قبرك العطر فأمنن عليّ بها واكشف قذى بصري أذاب جسمي وأوهى ركن مصطبري ما إن يسح سـحاب المزن بالمـطر
    وما ان أنهى انشاء القصيدة حتى انجلى بصره وأخذ بالشفاء قليلاً قليلاً فخرج من الحرم الشريف إلى بيت اعدّ لاستقراره وصار يبصر الأشياء الدقيقة بشكل يستعصي على كثير من المبصرين وذلك ببركة ثامن الأئمة الإمام الرضا عليه السلام. وبقي مدة في خراسان ثم قفل راجعاً إلى العراق ـ مسقط رأسه وجعل طريقه على بلاد ( بروجرد ) وبقي هناك ينتهل أرباب العلم من فيوضاته مدة لا تقل عن السنتين وخرج منها الى العراق فوصل النجف الاشرف سنة 1287 ه‍ وظل مواظبا على التدريس وإقامة الجماعة حتى ودّع الحياة يوم الجمعة 25 ذي الحجة الحرام 1306 ودفن بمقبرة جده السيد بحر العلوم. له من المؤلفات رسائل في الفقه والاصول ، وشرح منظومة جده بحر العلوم وديوان


(70)
شعر كبير أكثره في مدح ورثاء أهل البيت (1).
    مدحه شعراء عصره كعبد الباقي العمري ، والشيخ عباس الملا علي ، والشيخ موسى شريف آل محي الدين ، والسيد صالح القزويني البغدادي ، والشيخ حسن قفطان ، والشيخ أحمد قفطان وغيرهم. كما رثاه جملة من الشعراء كالشيخ كاظم الهر ، والسيد محمد سعيد الحبوبي ، ورثاه ولده السيد ابراهيم الطباطبائي وحفيده السيد حسن بحر العلوم.
    ترجم له البحاثة علي الخاقاني في شعراء الغرى وذكر جملة من أشعاره.
1 ـ رأيت ديوانه بمكتبة الإمام أمير المؤمنين في النجف الأشرف ـ قسم المخطوطات تسلسل 1088 خزانة 4 وقد كتب بأجمل خط على أحسن ورق.

(71)
    السيد الأمير حامد حسين ابن الأمير المفتي السيد محمد قلي بن محمد حسين ابن حامد بن زين العابدين الموسوي النيسابوري الكنتوري الهندي اللكهنوئي. توفي في 18 صفر 1306 في لكهنوء من بلاد الهند ودفن بها في حسينية غفران مآب. قال السيد الأمين في الاعيان. كان من أكابر المتكلمين الباحثين عن أسرار الديانة والذابين عن بيضة الشريعة وحوزة الدين الحنيف علامة نحريراً ماهراً بصناعة الكلام والجدل محيطاً بالأخبار والآثار واسع الاطلاع كثير التتبع دائم المطالعة لم يرَ مثله في صناعة الكلام والإحاطة بالأخبار والآثار في عصره بل وقبل عصره بزمان طويل وبعد عصره حتى اليوم ، ولو قلنا أنه لم ينبغ مثله في ذلك بين الإمامية بعد عصر المفيد والمرتضى لم نكن مبالغين يعلم ذلك من مطالعة كتابه العبقات ، وساعده على ذلك ما في بلاده من حرية الفكر والقول والتأليف والنشر وقد طار صيته في الشرق والغرب وأذعن لفضله عظماء العلماء ، وكان جامعاً لكثير من فنون العلم متكلماً محدثاً رجالياً أديباً قضى عمره في الدرس والتصنيف والتأليف والمطالعة ، ومكتبته في لكهنؤ وحيدة في كثرة العدد من صنوف الكتب ولا سيما كتب غير الشيعة ، وكل من طالع كتابه عبقات الأنوار يعلم أنه لم يكتب مثله في الإمامة ، انتهى.
    أقول وكتاب العبقات في إمامة الأئمة الأطهار بالفارسية في الرد على باب الإمامة من التحفة الاثنى عشرية للشاه عبد العزيز الدهلوي ، أثبت من طريق


(72)
أبناء السنة والجماعة إمامة أمير المؤمنين على ترتيب القرون والطبقات فكان المجلد الأول في حديث الطائر ومجلدان في الغدير ومجلد في الولاية ومجلد في مدينة العلم ومجلد في حديث التشبيه ـ حديث المنزلة ـ ومجلد في حديث الثقلين ومجلدات أُخر ، طبعت كلها ببلاد الهند.
    وله موسوعة ( استقصاء الافحام واستيفاء الانتقام ) عشر مجلدات بالفارسية استقصى للبحث عن تحريف الكتاب وفي اثبات وجود المهدي عليه السلام.
    وله شمع المجالس ، قصائد عربية وفارسية في مراثي الحسين عليه السلام من إنشائه مطبوع ، أما خزائن كتبه فهي من المكتبات المعدودة في الشرق مخطوطة ومطبوعة تحتوي على النفائس القديمة ولم تزل اليوم بيد أولاده.


(73)
السيد مير محمّد
المتوفى 1306
    قال يرثي الحسين :
أتى شهر تسكاب الدموع محرم تنعّـم فيه آل مـروان فـرحة لآل أبـي سفـيان دور مـسرّة وسـبط نـبيّ الله يُـنكت ثغره وكان لـه آيات فضل وسـؤدد وان لـذيذ العـيش فيه محـرم وآل رسـول الله لـم يتنـعموا وفي بيت أهل البيت قد قام مأتم وأولاد حـرب ثغـرها يتبـسم رأوها عيانا ثم من بعـدها عموا
    هذه الأبيات من قصيدة في الإمام الحسين عليه السلام ، تشتمل على 110 بيتاً من نظم السيد المفتى المير محمد عباس التستري الكهنوئي المتوفى 1306 ه‍ له ديوان مطبوع بالهند بمطبعة الجعفري مرتباً على الحروف الهجائية يشتمل على النصائح والمواعظ ومدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبنائه المعصومين وفيه كثير من مدح العلماء والصلحاء يحتوي 430 صفحة وقد أسماه ( رطب العرب ) يشتمل على ثلاثة أبواب أطلق على كل مجموعة من الشعر اسم ( نخلة ) فكانت النخلة الثالثة ارجوزة في الإمام الحسين يعدد فيها مناقبه ومقتله وسماها ب‍ ( شمع المجالس ) والشاعر يسكن ( كلكته ).


(74)
الشيخ محمد شرع الاسلام
المتوفى حدود 1307
    يرثى الحسين :
أما ومـَن نوّر الأكوان في الظلم إني وان بكـيت عيـني بعبرتها أو سال منحدراً في الخد يجرحه فلم أكـن لحسين قـد وفيت ولم لحرب أهـل عنادٍ كان شـأنهم ولست أنسى حسينا حين راسله ان سر الينا وعجّل يابن بجدتها فسوف تلحـض منا حال متـبع نوالي كـل فـتى والـي وليّكم نريد بالبيض ضربا ليس يحسبه وأخرج الزهـر من سفح ومن أكم دمعاً جرى شبه سيل سال من عرم حتى غـدى لونه المبيـض لون دم أكن كمـن بايعوه عـند مـصطدم بغض الذي كان أوفى الخلق بالذمم أهـل النفاق وأهـل الغدر والـنمم ويا بن حيدرة المخصوص بالعصم وسوف تنـظرنا مـن أطوع الخدم ومن أبى حبكم أو كـان عنه عمي إلا زلازل قـد صيـغت من النقم
    واستمر ينظم الوقعة كما جاءت بها كتب المقاتل وفي آخرها قال :
ومنشيِ الشعر راثيكم له أمل هو الملقب بالإسـلام عبدكم بأن تزيدوه من علم ومن حكم ( محمد ) فهـبوه أرفـع الهمم


(75)
فإن قبلتم فيا طوبى لمنشئها وإن رددتم فقل يا زلة القدم (1)
    قال الشيخ محمد حرز الدين في كتابه ( معارف الرجال ) : الشيخ محمد ابن الشيخ جعفر ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ محسن الحلفي الحويزي النجفي المعاصر ، ولد ونشأ في النجف وكان من العلماء والفقهاء الأجلاء ، اشتهر بالأدب الواسع والظرافة وحسن الأخلاق والسيرة الجميلة بين الاخوان ، وكان شاعراً فقد رثى العلماء والوجوه وهنأهم ، وأرخ كثيراً من الحوادث والوقائع بشعره ، ويروى أنه أرخ باب الصحن الغروي ـ المعروف بباب الفرج ـ باسم السلطان ناصر الدين شاه بقوله :
قـد فتح السلـطان من يمنه باب حمى حامي الجوار الذي أن تدخـلوها فادخـلوا سجداً أكمل نظـمي الفـرد تاريخها لدى البرايا باب حصن أمين من حـلّه كان من الآمنـين فـتلك باب حـطة المذنبـين ذا باب سلطان الورى أجمعين
    اساتذته ، مؤلفاته :
    تتلمذ على علماء منهم اليشخ مهدي ابن الشيخ علي نجل كاشف الغطاء كما حضر على صاحب التأليف والتصنيف السيد مهدي القزويني المتوفى سنة 1300 ألّف في الفقه والأصول كتباً ، وله الرحلة المحمدية والنقلة الإسلامية ابتدأ بها عام 1275 وفرغ منها 14 محرم الحرام 1276 ، ومن مؤلفاته مجموع أدبي علمي يشبه الكشكول بجزئين حدود 800 صفحة وقد اشتمل على نظمه وحكاياته في الحويزة والنجف في التهاني والمديح والرثاء والتواريخ والطرائف. هذه
1 ـ عن الرحلة من مخطوطات الشاعر نفسه توجد بمكتبة كاشف الغطاء العامة رقم 875 قسم المخطوطات.
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس