ادب الطف الجزء الثامن ::: 91 ـ 105
(91)
فشغفت من طربي وقلت لصاحبي أنت المصلي فـي العـلوم جميعها ما عاقـني عـن أن أراك منادمي ذاك الـذي جبريـل خـادم جـده إن لم يكن شعر الرجال كذا فلا عند الحسود وإن سبـقت الأولا إلا عـزائي للشـهيد بكـربلا والمدح فيه كالحصاة من الفلا
    وفي أعيان الشيعة ج 42 ترجمة للشيخ علي عز الدين ابن الشيخ محمد عز الدين المتوفى 1304 الذي كان يقطن في صور ـ لبنان قال :
    وكان رجل من المسيحيين اسمه ابراهيم الصولي شاعراً أديباً ، قد أرسلته الدولة العثمانية الى صور موظفاً في بعض الدوائر ، فكانت بينه وبين الشيخ علاقة أدب وشعر فما كاد يمر يوم حتى يجتمعان. وفي يوم العاشر من المحرم انقطع الشيخ للعزاء والمأتم فأرسل له الصولي الأبيات ( لا فارق الكرب المؤبد والبلا ) فأجابه الشيخ على البديهة ( قد جمعت فيك البلاغة والعلى ) الأبيات وقال : والشيخ علي عز الدين كان ذكياً حاذقاً نسابة عارفاً بأشعار العرب حافظاً للتواريخ ترجم له في ( منية الراغبين في طبقات النسابين ).


(92)
ألا أن خـطبا هـائـلا جـلّ وقـعه بافلاذ قلـب المصـطفى قـد تنشبَت وقارع سبط المصـطفى في صروفه عشية جاءتـه يغـصّ بـها الفـضا فشـمّر للـحـرب الزبـون طـليقة تحـوط بـه فتيان صـدق تـشوقهم تعـوم بهم في مـوج مشـتجر القنا إذا رفعـت للنـقع ظلـمة غيـهب تتابع في الضرب الطـعان فلا ترى تهاووا على الرمضاء صرعى تلفّهم إلى أن قضوا حـقّ المعالي وشيدت فـقام باعـباء الـحروب مشـمراً يخـوض غمار الموت وهي زواخرٌ بعـزم يذيـب الصـم وهي صياخد ولـولا قـضاء الله لـم يـبق واحدٌ ولكـنـما أيـدي المـقادير سـددت لـه تنـثنى الأيام وهـي غياهـب مـخالـبه والمـدمـيات المـخالب وأقراع خـطيّ الخـطوب غـوالب عـصائب شرك تقـتفيها عـصائب نواجـذه كاللـيث واللـيث غاضب حسان المعالي لا الحـسان الكواعب عـراب من الخيل العـتاق سلاهب فـأسيافـهم في جانبـيها الـكواكب سوى طاعن يقفوه في الطعن ضارب عن العين من نسـج السوافي جلابب لهم في ذرى سامـي الثناء مضارب أخـو هـمة تنحط عنـها الـثواقب وتلك التي عـن وردها اللـيث ناكب وما كـل عـزم واري الـزند ثاقب على الأرض مـمن قارعوه وحاربوا إلى قلبه سهـم الردى وهـو صائب


(93)
قضى فالمـعالي الغرّ تنـعى ثواكلا قضى فاستـشاط الدين حزناً وأقذيت قضى وهو مطوي الضلوع على ظما فليت عباب الـماء غـاض ولم تكن وإن أنـسَ لا أنـسى عـقائـل أحمد تقاد برغم المـجد أسـرى حـواسراً يجاذبها في مشـرق الشـمس جانب تحـنّ حنـين النيب وهـي ثـواكل ومـا بينها مقـروحة القـلب زينب وتدعو فتشجـي الصم زيـنب حسرة أيا ثـاوياً لـم تـرو غـلّة صـدره أبعـدك أجـفاني يـمرّ بها الـكرى علـيه وغـرّ المكرمات نـوادب لـه مقـل أجـفانهنّ سـواكـب له شعـلٌ في حـرّها القلب لاهب تـدرّ بمنهـل القـطار السـحائب وقـد نهـبت أحشاءهـن النوائب وتطوى بـها أدم الفـلاة النجائب ويقذفها من مـغرب الشمس جانب تنازع منـهن القـلوب المصائب تنادى ومـا غـير السياط مجاوب بسافح دمع عنه تـروى السحائب وقد نهـلت منه القـنا والقواضب ويهنأ لي عيـش وتصفو مشارب (1)
    وقال متوسلاً بالامام الحسين عليه السلام :
اليك ابن طه لا إلى غيرك انتحت أتتك تـؤم البيد تستـعجل السرى عليك لها حق الضـيافة والقرى ركائـب قصدي والرجاء يسوقها وما عاقها عن قصدها ما يعوقها وأي ضـيوف لا توفـى حقوقها
    الشيخ عباس الأعسم بن عبد السادة النجفي الحيري ولد في النجف الأشرف عم 1253 ه‍ وهاجر منها إلى الحيرة حوالي سنة 1290 ولما كانت سنة 1298 بلغه وهو في الحيرة وفاة طفلين له في النجف اصيبا بالطاعون الذي عم العراق تلك السنة. عاد الى وطنه النجف سنة 1307 وبقي فيها إلى أن توفي في شهر
1 ـ الدر المنظوم في الحسين المظلوم مخطوط الخطيب السيد حسن البغدادي.

(94)
ذي القعدة من سنة 1313 وعمره ستون كانت له قريحة وقّادة وبديهة سريعة في النظم فعكف على العلم والأدب ولازم الحوزات العلمية والأوساط الأدبية ويقضي ايام الراحة والاستجمام في الحيرة عند السادة آل زوين.
    قال السيد الأمين في الأعيان : رأينا له في النجف ديوان شعر مجموع بخطه. أقول ونسخة من ديوانه بمكتبة الشيخ السماوي واخرى عند ولده الشيخ محمد الذي كان قاضي الجعفرية في النجف والمتوفى 1366 أما نسخة خط الناظم عند ولده الآخر الشيخ عبد الحسين تقرب من ثلاثة آلاف بيت وقد رتّبه بنفسه على الحروف ، وسلسلة نسبه : فهو ابن الحاج عبد السادة ابن الحاج عبد ابن الحاج مرتضى بن الحاج قاسم بن ابراهيم بن موسى بن الحاج محمد الذي هاجر من ( خليص ) احدى ضواحي المدينة إلى النجف الأشرف.
    فمن قوله في الغزل :
بكّر إلى الروض بصرف الطلا واجل دياجـي الهم في ضوئها لا سيـما مـن كف مجـدولة تفـتـك بالأكـباد أجـفانـها فكـل قلب مـن سهامـاتـها يـا بأبي المسـكر من ريـقها وامزج بها رضاب ريق الملاح تقشع اللـيل بضـوء الصـباح مالئة الحجـلين غرثى الـوشاح كأنـها تسـتلّ بيض الصـفاح مسـهّم أو مثـخن بالـجـراج عند اغتباقي مـنه والاصـطباح
    وله :
ولـما تجـلّت بيننا كسـرويـة حـكت أدمعي في لـونها فكأنها من الزنجبيل العذب كان مزاجها من الحبب الدري تعقد تاجـها عصارة خدي مَن أدار مزاجها ويا ما أحيلاها وأحلى مزاجها

عن مجلة الغرى السنة السادسة العدد 2.

(95)
    وللشيخ عباس الأعسم مشطرا والاصل للقطامي :
يقتلـننا بحـديث ليـس يعـلمه وما الهوى غير سر ليس يفهمه فـهن ينبذن من قول يصبن به وهن يسخرن في قول يقعن به من هنّ عـنه بواد وهو في واد مـن يتقـين ولا مكـنونه بـاد قـلب الشـجي بتـبريح وإيـقاد مواقع الماء من ذي الغلّة الصادي
    وله أيضاً مخمساً والاصل للشيخ كاظم الازري :
أما والبـيت والسـبع المثاني وفي برج الجمال من الحسان لقد حكم الغرام على جناني لنا قـمرٌ سماوي المـعاني
تشكل للعيون بشكل ريم
تملّك بالجـمال على البرايا به اختلفت عناوين القضايا وأصبحت القلوب له رعايا على عيـنيه عنوان المنايا
وفي خديه ترجمة النعيم


(96)
    من أكابر الفقهاء والمجتهدين. ولد سنة 1226 في قصبة خونسار ونشأ نشأة علمية روحية درس ودرّس وكتب وألّف فمن مؤلفاته كتابه الجليل المسمى ب‍ ( روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات ) موسوعة قيّمة نافعة وغيره مما يقارب العشرين مؤلفاً في مختلف العلوم والفنون.
    توفي رحمه الله ببلدة اصفهان سنة 1313 كذا ذكر الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) وله ديوان شعر ذكره عندما ترجم نفسه وقال يشتمل على قصائد في مدائح المعصومين ، سمى كل قصيدة باسم خاص ( التحفة المحمودية ) عنبة عسكرية ( شعشة قمرية ) هدية فيروزجية ) وهكذا ، وكتب له مقدمة خالية من الحروف المعجمة أولها : الحمد لله الملك المالك المحمود والواحد الصمد ... يوجد عند حفيديه السيد محمد علي الروضاتي والسيد أحمد باصفهان ، وقد طبع لصاحب الروضات منظومة ( قرة العين في اصول الدين ) باصفهان وذلك سنة 1320 ه‍. انتهى عن ( الذريعة ج 9 قسم الديوان صفحة 575 ).


(97)
    جاء في مجموع الخطيب السيد عباس الموسوي قصيدة للسيد أحمد النواب قد نظمها في شهر المحرم سنة 1311 ه‍.
الـدمـع لا يـرقـى مـدى الازمان هـذي المـدامـع سيلـها مـتواصل لهـفي عـلى العـباس وهـو مجدلٌ ظهري انحنى من عظم ما قد حلّ بي ثـم انـثـنى نحـو الخـيام منـادياً نـادتـه زيـنب والجـوى بفـؤادها أأخـي كيف أراك فـي حـرّ الثرى يا ويلـتا ، يا حـسرتا ، يا لهـفـتا جئـنا مـن الحـرم المنـيع بـعزّة ثـم انثـنينا راجعـين بـلا حـمى والسـبط مطروح ثـلاثا بـالعـرى لرزيـة المذبـوح والعطـشان من كـل قاص في الأنام ودان والسبط يدعو في رحى الميدان يا أوصل الأصحاب والاخوان هـذا الـوداع ولا وداع ثـاني روحـي الفـدا يا سيد الأكوان دامي الوريد مـضرج الجثمان تبدو السبايا مـن بـني عدنان وحماية الـفرسان والشـجعان غير اليتامـا والأسير الـعاني ملـقى بـلا غسل ولا أكـفان
    السيد أحمد النواب ، ينتهي نسبه إلى ادريس بن جعفر التواب بن الإمام علي الهادي عليه السلام ، وكانت هذه الاسرة قبل هذا تتصل بزيد النار ابن الإمام موسى الكاظم (ع). وآل النواب اسرة كبيرة ، وهم طائفتان : إحداهما علوية ومنها المترجم له والاخرى هندية ، وبين الاسرتين مصاهرة قديمة


(98)
ومن الصعب التمييز بين المنتمين اليهما.
    والمترجم لم نعثر له على ترجمة سوى أن الخطيب السيد عباس البغدادي ، خطيب بغداد ذكر له في مجموعة قصيدتين في رثاء الإمام الحسين عليه السلام نقلهما من مجموع للشاعر المترجم له ، وقد كتب السيد عباس فوق القصيدتين ما نصه : مما قاله حضرة النواب الأكرم السيد أحمد اغا النواب أدام الله وجوده ، وذلك في أيام عاشوراء سنة 1312 ه‍.
    أقول وذكر الشاب المعاصر السيد جودت السيد كاظم القزويني في مخطوطاته ان بين السيد أحمد النواب وبين السيد عباس صاحب المخطوطة نسبة قرابة من جهة النساء حتى أن في ديوان السيد عباس المخطوط قصيدة في تهنئة النواب المذكور بقران أحد أولاده. ويظهر من مجموعة الخطيب أن النواب كان حياً سنة 1312 ه‍ كما هو مؤرخ في تاريخ نظم القصيدتين.
    ومما قاله السيد احمد النواب :
تحـية تغـتدى من ربنـا الداني هو ابن مَن مِن رسول الله مكانته هـو الذي فيه بل في والديه غدا هـو ابن حيدرة الكرار يوم وغى هو ابن من نـزلت في حقه سور هو ابن مَن أنـزل الباري ولايته أوحى الاله لخير الـرسل قاطبة هـو الأمير الـذي كانت ولايته خير الورى بعد خير الأنبياء عُلاً مهما نسـيت فلا أنسـى مواقفه هو الذي قال فيه المصطفى شرفاً عـلى الحسين عظيم القدر والشأن مكان هارون من موسى بن عمران مـباهـلاً جـده أحـبار نـجران مبـيد شرك وفـرسان وشجـعان الـذكر المبين بايـضاح وتبـيان يـوم الغـديـر بتبـليغ وبـرهان إن لـم تبلّغ فـما بلـّغت قـرآني مـن الالـه بأفـضال وإحـسان وسـيد الخلق من إنـس ومن جان ما بين شرّ الورى مـن آل كوفان مـني حسـين ومـن آذاه آذانـي


(99)
سـادة نـحـن والأنـام عبـيـد فبايـماننا اهـتدى النـاس طـراً وأبـونا محـمد سـيـد الـكـل ماعشقنا غير الوغى وهـي تدري تتـفانـى شـبـابـنا بـلـقاهـا لو ترانا بالحـرب نلـتف بالسمر ونحـيي البـيـض الصـقال بلثم وإذا قـرّت الـمـلاحـم قـلـنا نحشر الخـيل كالـوحـوش ولكن كـيف لم تقـفها الطـيور وفيـها كـل ملمـومة إذا مـا ارجـحنت غـررٌ فـي خيـولنا واضـحات ولنا فـي الطـفوف أعـظم يـوم يـوم وافى الحسـين يـرشد قوماً خـاف أن ينقـضوا بناء رسـول وأبـى الله أن يحـكّم فـي الدين ولنـا طارف العـلى والتـليد وبـايـماننا اسـتقام الـوجود وأجـدر بـولـده أن يسـودوا انـها سـلـوة لـنا لا الـخود وعلـيها يشـب مـنا الـوليـد عـنـاقـاً كـأنـهـن قـدود فـكأن الـحـدود فيها خـدود يا منى القلب طال منك الصدود خلفها الطـير سـائق وشهـيد كـل يـوم لهن نـحر وعيـد جـلـلتـها بـوارق ورعـود كنـجـوم يلـوح فيـها السعود هـو للحـشر ذكـره مشـهود من بني حرب ليس فيـهم رشيد الله في الدين وهو غـض جديد طلـيق مستـعبـد وطـريـد


(100)
كيـف يرضى بأن يرى العدل فغـدا السبط يوقظ الناس للرشد ولقد كـذبتـه أبـنـاء حـرب فـدعـا آله الكـرام إلى الحـر علويـون والشـجاعـة فيـهم لم يهابوا جمع العدى يوم صالوا أفرغوهـن كالسـبائك بيـضاً ملأتها الأعطاف طولاً وعرضاً وأقاموا قـيامة الـحرب حـتى يشرعـون الـرماح وهي ظوام وضباهـم بيض الخـدود ولكن ما نضوها بيض المـضارب إلا كـم ينابيع مـن دم فـجّروها قضب فلت الحـدود وعـادت لست أدري من أين صيغ شباها موقف منه رجت الأرض رجا وسـكنّ الريـاح خـوفاً ولولا فركود الأحـلام فيـهن طيش لا خـبت مرهفـات آل علي عـقـدوا بينها وبيـن المـنايا ملـؤا بالـعدى جهـنم حـتى ومذ الله جـل نـادى هلـموا نـزلوا عن خـيولهم للـمنايا النقص والـجائر المـضل يزيد وهم في كـرى الضـلال رقود مثل ما كـذب المسـيح اليهود ب فهـبوا كـما تهـب الاسود ورثتـها آبـاؤهـم والـجـدود وان أستـنزروا وقـل الـعديد ضافـيات ضيقن منـها الزرود فـكان صاغـها لـهـم داوود حسب الحاضـرون جاء الوعيد ما لها في سوى الصدور ورود زانـها من دم الـطلا تـوريد صبغوهـا بـما حباها الـوريد فارتـوى عاطش وأورق عـود جـدداً مـا فللن منـها الحـدود أكـذا يقـطع الحـديد حـديـد والجبال اضـطربن فهي تمـيد نفـس الخيل ما خـفقن البـنود وعـروق الحـياة فيـها ركـود فهـي الـنار والأعـادي وقود ودعوا هـا هنا تـوفّى العـقود قنعت ما تقـول هل لي مـزيد وهـم المسرعـون مهما نودوا وقصارى هذا النـزول صعـود


(101)
فقضوا والصدور منهم تلظى سلـبوهم بـرودهم وعلـيهم تركوهم على الصعـيد ثلاثاً فوقه لو درى هيا كـل قدس تربـة تعكف الملائـك فيها وعلى العـيس من بنات علي سلبتها أيـدي الجفات حلاها وعليـها السـياط لـما تلوّت ووراها كم غرد الركب حدواً أتـجد السـرى وهـنّ نساء أسعدتها النـيب الفواقـد لما عجباً لـم تلن قلوب الأعادي وقسوا حـيث لم يعضّوا بناناً ولـه حنت الفـصيل ولـكن ينظر الـروس حوله زاهرات بضرام ومـا ابيـح الورود يوم ماتـوا من الحفاظ برود يا بنفسي ماذا يقـل الصعيد هو للحـشر فيـهم محـسود فـركوع لهم بـها وسـجود نـوّح كـل لفـظها تـعديد فخـلا معصم وعـطل جيد خـلفـتها أسـاور وعـقود لثرى فـوك أيـها الغـريد ليس يدرين ما السرى والبيد نحـن وجـداً وللثرى ترديد لحنين يلـين مـنه الحـديد لعليل عـضت عليه القـيود هـيـمته امـية لا ثـمـود تتـثنى بـها العـوالي المـيد
    السيد جعفر كمال الدين الحلي النجفي. عرفت هذه الاسرة بالانتماء الى الجد السادس لصاحب هذه الترجمة ، وهو السيد كمال الدين بن منصور فهو جد الاسرة الكمالية المنتشرة في الحلة وضواحيها والنجف والكوفة وقد كتب عنها مفصلاً الخطيب اليعقوبي في ( البابليات ) كما أقام الشواهد على شاعريته وسرعة البديهة عنده وديوانه أصدق شاهد على سموّ شعوره وكان من حقه أن يطلق اسم ( سحر بابل وسجع البلابل ) على ديوانه قبل أن يجمع والذي جمعه أخوه السيد هاشم بعد وفاة الشاعر. توفي فجأة في شعبان لسبع بقين من سنة 1315 هـ


(102)
    ودفن في وادي السلام بالنجف الأشرف عند قبر والده على مقربة من مقام المهدي ورثاه جماعة من ذوي العلم والأدب منهم العلامة الشيخ عبد الحسين صادق العاملي والشيخ محمد حسن سميسم والأديبان الشيخ محمد الملا وولده الشيخ قاسم وأخوه السيد هاشم بقصيدتين واقتطفنا من ترجمته ما جاء في مقدمة ديوانه المطبوع في صيدا وهي بقلم المصلح الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ومنها : الشريف أبو يحيى جعفر بن الشريف حمد الحلي منشئاً ، النجفي مسكناً ومدفنا الشاعر المفوه الأديب يتصل نسبه بيحيى بن الحسين بن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين ، ولد رحمه الله يوم النصف من شهر شعبان المعظم من السنة السابعة والسبعين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية في احدى القرى اللصيقة بالحلة الفيحاء على شاطيء الفرات وتسمى بقرية السادة من رساتيقها الجنوبية التي تعرف بالعذار وأبوه السيد حمد سيدها في الفضل والصلاح وأحد المتخرجين على العلامة السيد مهدي القزويني طاب ثراه وكان له عدة أولاد أكبر من السيد جعفر كلهم أهل فضل وعلم وتقى ولما ترعرع السيد جعفر وبلغ أو كاد اقتفى أثر اخوته الكرام فهاجر إلى النجف من العذار قبل أن ينبت بعارضه العذار وكانت قد ساءت الحال على أهل تلك النواحي وذهبت مادة حياتهم وانقطعت أسباب رفاهيتهم بانقطاع ماء الفرات الذي عادت مجاري سيوله الذهبية سيل رمال وسلسلة تلال ومساحب أذيال مما ألجأ الحكومة العثمانية حينئذ للاهتمام بانفاق مبالغ من الأموال في عشرات من السنين حتى أعادت الماء إلى مجراه بواسطة هذا السدّ العظيم المهم في الفرات ويُدعى اليوم بسدة الهندية ، طفق ذلك السيد الحدث يطلب العلم في النجف وهو يستظل سماء القناعة ويلتحف أبراد الفقر والفاقة وما أحرّها من أبراد ولكن بين جنبيه تلك النفس الشريفة والروح اللطيفة والجذوة الوقادة والشيم الهاشمية والشمائل العربية فجعل يختلف إلى مجالس العلم ويحضر أندية الفضل ويتردد إلى محافل الأدب وناهيك بالنجف يوم ذاك وما ادراك ما النجف ـ البلدة تتجلى


(103)
لك بها الفضيلة بأتم مجاليها بل بتمام حقائقها ومعانيها هي تلك الدائرة التي جعلت مركزها باب مدينة العلم فاستقت من ينبوعه واستمدت من روحانيته وحلّقت في سماء المعارف الدينية والأخلاق الأدبية حتى بلغت ما شاءت هي وشاءت لها العناية.
    نشأ السيد جعفر فاستطرف قدر حاجته من المباديء النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان ، وصار يختلف إلى مدارس العلماء وحوزاتها الحافلة بالفقه وهو في كل ذلك حلو المحاضرة سريع البداهة حسن الجواب نبيه الخاطر متوقد القريحة جريّ اللسان فهو يسير إلى النباهة والاشتهار بسرعة ويتقدم إلى النبوغ والظهور بقوة وبينا هو في خلال اشتغاله بطلب العلم كان يسنح على خاطره فيجري دفعاً على لسانه من دون أعمال فكر ومراجعة روية البيتان والثلاث والنتف والمقاطيع حسب ما يقتضيه المقام ويناسبه الوضع فيتلوها على الحضور أياًما كانوا قلة أو كثرة ضعة أو رفعة غير هيّاب ولا نكل فتستحسن منه وتستجاد وتستزاد وتستعاد ولكن نحو ما قال أحد الشعراء :
كلما قلت قال أحسنتَ زدني وبأحسنتَ لا يباع الدقيق
    برع في نظم الشعر وهو دون الثلاثين وأصبح من الشعراء المعدودين الذين تلهج الألسن بذكرهم وتتغنى بشعرهم ، واقترن بأحد كرائم قومه وعاد ذا عيلة فاشتدت وطأة الدهر عليه وصارت تعتصره كل يوم عصّارة الحدثان وتكتظه صبّارة الصرفان وهو يتلوّم تارة ويتبرّم واخرى يصبر أو يتصبر وطوراً يضج في أشعاره ويتضجر وأعظم ما هنالك رزية أنه يجتلب مسكة رمقه ودرّة عيشه من ضرع قلمه وشق قصبته. وإذا كان الشعر مرآة الشعور ومظهر حقيقة قائلة وتمثال شمائله ومخائله فاقرأ ما شئت من ألوان شعره لتراه محلّقاً في جميع ضروب الشعر وآفاقه سباقاً إلى اختراق معانيه ومثالا لمصداقه سيما في الرثاء فقد قال من قصيدة عصماء يرثي المرحوم الميرزا حسن الشيرازي :


(104)
يا شعلة الطور قد طار الحِمام بها الـيوم نـمك طوى الإسلام قبلته تحـركوا بـك إرقالا ولو علموا وآية النور عفّى رسمها الزمنُ فالله يـحفظ من أن يعبد الوثن أن السكينة في تابوتـهم سكنوا
    والقصيدة كلها بهذا اللون وهذه القوة ، وهكذا كان السيد جعفر من قوة العاطفة وصدق الاحساس وشدة الانفعال ، كما أنه على جانب كبير أيضاً من سعة الخيال وعمق التفكير وجودة التصوير وبلاغة التعبير ويرى البعض أنه يزاحم السيد حيدر في شهرته وشاعريته وكثيراً ما اشترك في حلبات شعرية فحاز قصب السبق.
    ذكر الشيخ محمد السماوي في كتابه ( ظرافة الأحلام ) قال : أخبرني السيد الشريف العلامة السيد حسين بن معز الدين السيد مهدي القزويني رحمه الله قال : رأيت الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في المنام ذات ليلة مباركة من ليالي رجب سنة 1312 جالساً في مقبرة والدي بالنجف على كرسي ، ووالدي بين يديه متأدب أمامه ، وكأن المقبرة روضة متسعة فسلّمت وأردت تقبيل يد الإمام فقال أبي امدحه أولاً ثم قبّل يده فأنشدته :
أبا حسن أنـت عين الاله وأنت مدير رحى الكائنات وأنت الذي امـم الأنبياء فمـن بك قد تـمّ ايمانه وأما الذين تولـوا سواك فهل عنك تعزب من خافية وإن شئت تسـفع بالناصيه لديك إذا حـشرت جـاثية يسـاق جـنـة عـالـيـه يساقون دعّـاً إلى الـهاويه
    قال فتبسم عليه السلام وقال لي أبي أحسنتَ ، فدنوت منه وقبّلت يديه ، وانتبهت وأنا أحفظ الأبيات ولما أصبحت حضر المجلس على العادة جماعة من فضلاء الادباء فذكرت ما رأيت وقلت :
من كان يهوى قلبه فليـنتدب لـمدحه ثاني أصحاب الكسا مشـطراً مخمـسا


(105)
    فانتدب جماعة للتشطير والتخميس ، فممن شطر الشيخ جواد الشبيبي والسيد عدنان ابن السيد شبر الحسيني الغريفي البحراني البصري المتوفى 1336 ومنهم السيد علي ابن السيد محمود الأمين العاملي الحسيني المتوفى 1328 في جبل عامل وقد نقل المدح إلى رثاء الحسين عليه السلام إذ وافق تخميسه أيام المحرم ، وممن شطر فقط العلامة السيد محسن الأمين كما نظم الشيخ محمد السماوي تشطيراً للابيات أقول والذي حلّق في هذه الحلبة هو الشاعر السيد جعفر السيد حمد الحلي فقال في التشطير ـ وهذا مما لم ينشر في ديوانه :
أبـا حـسن أنت عين الالـه تراهـم وتسـمع نجـواهـم وأنت مـدير رحى الكائـنات فإن شئت تشفع يوم الحساب وأنـت الـذي امـم الأنبياء وكـل الخلائق يـوم النشور فمـن بك قـد تـمّ إيـمانه بحوضك يسقى ومن بـعد ذا وأمـا الذين تـولّوا سـواك يجيئون للحشر سـود الوجوه على الخلق والاذن الواعيه فهل عنك تعزب من خافيه وقطـبٌ لأفلاكـها الجاريه وإن شئت تسـفع بالناصيه تولتك في الأعصر الخاليه لديـك إذا حـشرت جاثيه فبشـراه في عيشة راضيه يسـاق إلى جـنة عـاليه فما هم من الفرقة الـناجية يساقون دعّاً إلى الـهاويه
    ثم خمس الاصل والتشطير فقال : وهذا مما لم ينشر في ديوانه ايضا
براك المهـيمن إذ لا سـواه فكنت ترى الغيب لا بإشتباه وبيّن باسمك معنى علاه أبا حسن أنت عين الاله
على الخلق والاذن الواعية
ترى الناس طراً وترعاهم ومهـما أسروا خـفاياهم وأقصى الورى منك أدناهم تراهـم وتسـمع نجـواهم
فهل عنك تعزب من خافيه
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس