ادب الطف الجزء الثامن ::: 106 ـ 120
(106)
أقلّ مـعاجزك الـخارقات فأنت المحيط بستّ الجهات حضورك للشخص حين الوفاة وأنت مديـر رحـى الكائنات
وقطبٌ لأفلاكها الجاريه
لك الناس تحشر يوم المأب فمنك الثواب ومنك العقاب مطأطأة الروس خوف العذاب فإن شئت تشفع يوم الحساب
وإن شئت تسفع بالناصيه
بك الحشر مهّد للاستواء فأنت المحكّم يوم الجزاء وباسمك قامت طباق السماء وأنـت الـذي امـم الأنبياء
تولتك في الأعصر الخالية
إذا بعث الله مَن في القبور فأنـت الأمير بكل الامور ومن سفر الموت أضحوا حضور وكـل الخلائـق يـوم النـشور
لديك إذا حشرت جاثيه
محبـك تـثقـل ميـزانه وهب فرضه بان نقصانه ويعلو بيوم الجزا شأنه فمن بك قـد تمّ إيمانه
فبشراه في عيشة راضيه
ينال الكرامة غبّ الأذى فما بعد يشكو ظماه إذا وعـن ناظريه يماط القذى بحوضك يسقى ومن بعد ذا
يساق إلى جنة عاليه
أبا حسـن بك أنـجو هناك فلم يُنج في الحشر إلا ولاك وأرجو رضا خالقي في رضاك وأمـا الـذين تـولـوا سـواك
فما هم من الفرقة الناجيه
سيأتي الشقي ومن تابعوه جفاةٌ لحـقك قد ضـيّعوه بجمع عن الحوض قد حُلّؤه يجيئون للحشر سود الوجوه
يساقون دعّاً إلى الهاويه


(107)
    فإذا ضممت إلى ذلك أن السيد جعفر ما كان يملك كتاباً من الأدب ولا كان يحفظ ولا مقدار مائة بيت ولو متفرقة من شعر العرب أو من بعدهم الى عصره قلتَ هذا أعجب وأغرب ، ولسهولة قول الشعر عليه على ما عرفت من شدة محنه وابتلائه كان مكثراً منه فكان لا يجلس ولا يقوم على الأكثر إلا وقد قال الأبيات أو البيتين فما فوقها حسبما سنح في تلك المحاضرة والمحادثة من الدواعي وكان ربما طلب ماءً أو قهوة أو دخاناً أو داعب جليساً أو غير ذلك فيورد غرضه ببيتين من الشعر هما أجلا في أداء مراده من الكلام المألوف والقول المتعارف ، وربما كان يأتي إلى بيت من يريد فلا يجد ربّه فيكتب على الجدار حاجته أو سلامه ويذهب وهذا كثير له فمن ذلك بيتان كتبهما في دار السيد السند ثقة الإسلام وقدوة الاعلام السيد حسن الصدر يشفّعه عند استاده حجة الإسلام الشيرازي طاب ثراه وهما :
لقد بقـيت بسـامراء منفرداً والدهر لما رماني في فوادحه مثل انفراد سهيل كوكب اليمن آليتُ لا أشتكي إلا إلى الحسن
    وحدثني سماحة المغفور له الشيخ هادي نجل الشيخ عباس كاشف الغطاء أن السيد جعفر طلب منه الخروج إلى النزهة خارج النجف في أيام الربيع وهناك تكثر أغادير الماء ، فاعتذر إليه الشيخ فكتب له :
عذيري منك أن تأبى اتباعي ومن عجب وانـك جعفري على حـقٍ ومَن لي بالعذير وترغب عن أحاديث الغدير
    فالتورية ب‍ ( جعفري ) انه جعفري المذهب وينتسب للشيخ جعفر الكبير جدّ الاسرة ، وفي كلمة الغدير تورية بيوم غدير خم الذي عقدت فيه البيعة للامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقال مداعباً أستاذه الشيخ الشربياني.
أشيخ الكل قد أكثرت بحثاً بأصل براءة وباحتياط


(108)
وهذا وقت زوار و ( نوطٍ ) فباحثنا بتنقيح المناط
    ومن نوادره قوله :
تسمّى بالقريض اليوم أتـونا بالمـقاطيـع مَن ليس لـه أهلا وكلٌ يدّعى وصلا
    وقال يداعب الشربياني :
للشربيانيّ أصـحاب وتلمذةٌ ما فيهم مَن له بالعلم معرفة تجمّعوا فرقاً مـن هاهـنا وهنا يكفيك أفضل كل الحاضرين أنا
    وقال ممازحاً الخطيب الاديب ... لما تزوّج بامرأة ثيبة بعد ان تزوّج بامرأتين قبلها :
بشراك في لؤلؤة قـد ثقبت ومهرة وطّأ شخص ظهرها ومنهج قد سلكت فيه الخطا وقد وجـدنا في الكتاب آية اسم العجوز في المقال طيب مرت عليها أربعون حـجة عـرّفها الـدهر تقلـباتـه ومَن يسبّ الثيبات سـائني خديـجة بنت خـويلد على بك الاثـافي كمـلت ثلاثة أنفع من لؤلؤة لـم تثـقب أحسن من جامحة لم تركب أحسن من نهجٍ جديد متعب قدّم فيـها الله ذكـر الثـيّب لأنـه وصف لبنت العـنب فـهي إذاً كالصارم المجرب فساتـصفها عـارفة التقلب لأنه قـد سبّ ظلـماً مذهبي ما نقـلوا أعـزّ أزواج النبي (1) ففز بـها كالمرجل المنصّب

1 ـ لا شك أن خديجة بنت خويلد هي أفضل زوجات النبي وام المؤمنين حقاً. إذ هي أول امرأة آمنت برسول الله وبيتها أول بيت بني في الاسلام وكان النبي (ص) كلما ذكرها بكى فقالت له السيدة عائشة : ما لك يا رسول الله وقد أبدلك الله بخير منها ، قال : والله ما أبدلني بخير منها ، آوتني إذ طردني الناس وصدقتني إذ كذبني الناس ، ورزقني منها الولد إذ حرمني من غيرها. وعلى ما يقول النسابة الشهير ابن أعثم الكوفي أن خديجة لم تتزوج بغير رسول الله ، وهي سيدة نساء قريش ولمكانتها في نفس رسول الله (ص) أنه لم يتزوج بغيرها ما دامت هي في قيد الحياة ، ولما ماتت خديجة وأبو طالب في عام واحد حزن النبي (ص) وسمى ذلك العام ب‍ عام الحزن.

(109)
    أضف إلى ذلك رقة غزله وخفة روحه فحينما تدرس غزله وتشبيبه تراه يسيل رقة وعاطفة ويبدع ما شاء له الابداع في الخيال والتصوير فاستمع اليه في حائيته الرائعة والتي تناهز التسعين بيتاً ـ وهذا مقطع منها :
هـزوا معـاطفـهم وهـنّ رماح شاكين ما حمـلوا السـلاح وإنما ونشـرن ألـوية الشعـور عليهم وتعمّـدونا باللـحاظ فـلا تـرى آرام وجـرة لا يـدون قـتـيلهم فتح الجـمال لهم وفـي وجناتهم بشراك يا من ذاق بـرد ثغورهم ونعمت يامن شـمّ طيب خدودهم لا تحـسبن لـئالـئاً فـي خـده قدحت خـدودك في فؤادي جذوة وأضيق ذرعـاً من خلاخلك التي وحشاء أخـفق مـن جناحي طائر ماذا يعيب بـك النصـوح ثكلته الطرف سـاج ، والسوالف صلتة يا يـوسف الحـسن البديع جماله إن أوعـدت بالصدّ فهـي جهينة ونضوا لواحـظهم وهـنّ صفاح منهـم عليهـم أهـبـة وسـلاح سـوداً وكـل طـرفـه السـفاح مـن عاشـق مـا أثخنـته جراح وأسـيرهـم لم يرج فـيه سراح كتب ابن مقـلـتها هـو الفـتاح أعرفـت ماروح الهـوى والراح أرأيت كـيـف الـورد والتـفاح لكـنه عـرق الـحـيا الـرشاح والورد خيـر صـنوفـه الـقداح ضاقـت على ساقيك وهي فساح إن يخفـقا لك قرطـق ووشـاح حـاشـاك بـل غشـتني النصاح والجـيد أتلـع والجـفون مـلاح لي مـثل يعـقـوب علـيك نياح أو واعـدت بالوصل فهي سجاح
    وقال :
أخذ الريم منك سحر العيون واستفاد الهلال منك ضياءاً وروت عنك مائسات الغصون حـين قابـلته بشـمس الجبين


(110)
وسرت من لماك نفحة سكر ومـن اللؤلؤ الـذي بثناياك أخذت بعضها ابنة الزرجون صـفاء بـاللؤلؤ المكـنون
    أجل ، وإن شعره رحمه الله يبلغ ـ ولا شك ـ أضعاف ما نشر في ديوانه المطبوع وذلك لأن مثل تلك المقاطيع والنتف التي تتفق عرضاً وتجري سنوحاً مما لا يمكن تقييد شواردها ورهن أوابدها ، واهتم بجمع ديوانه شيخنا المصلح الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء وأخذه بنفسه في سنة 1331 ه‍ حين سافر إلى لبنان والديار المصرية ووقف على طبعه في صيدا بمطبعة العرفان وصدره بمقدمة نفيسة وعلّق على الديوان حواشي هامة تتضمن بالإيجاز تراجم مَن جاءت أسماؤهم في الديوان مع تهذيب الديوان وتنقيحه.
    وبعد أن يكن السيد جعفر أبدع في نواحي كثيرة من شعره فإن روائعه في شهداء الطف تمتاز على باقي أدبه ، فكأن ذكرى أولئك الشهداء الذين كرهوا الذل وأنفوا من الضيم وجادوا بنفوسهم الزكية ودمائهم الطاهرة في سبيل الحق والكرامة توقظ بين جوانحه شعلة الثورة الهاشمية وهل تدري أن إحدى هذه القصائد الحسينية بل أجودها وأشهرها نظمها بساعتين ، وهي رائعته التي مطلعها :
وجه الصباح عليّ ليل مظلم وربيع أيامي عليّ محرم
    وكان ذلك في شهر المحرم فلا تسمع إلا ناع وناعية ونادب لسيد الشهداء ونادبة ، فمرّ الشاعر في هذا الجوّ وتمشى في الصحن العلوي واسترسل بنظم هذه القصيدة التي تزيد على السبعين بيتاً وكلها من الشعر المنسجم أمثال قوله في أصحاب الحسين :
متقـلـدين صـوارمـا هنـديـة إن أبرقت رعدت فرائص كل ذي من عزمهم طبعت فليس تكهم بأس وأمطر من جوانبها الدم
    ويصف بطولة أبي الفضل العباس حامل راية الحسين والأخ المواسي بأسمى ما تكون من أنواع المواساة ، ففي زيارته : أشهد أنك نعم الأخ المواسي لأخيه :


(111)
عبست وجوه القوم خوف الموت و قلب اليمين على الشمال وغاص في وثنى أبـو الفضل الفـوارس نكّصاً مـاكـرّ ذو بـأس لـه متـقـدماً العباس فيـهم ضاحـك يتـبسم الأوساط يحصد بالرؤوس ويحطم فرأوا أشدّ ثباتهـم أن يهـزموا إلا وفـرّ رأسـه الـمـتـقـدم
    ثم يشير إلى فارس العرب ربيعة بن مكدم المعروف بحامي الضعينة فيقول :
حامي الضعينة أين منه ربيعة قسماً بصارمه الصقيل، وإنني لولا القضا لمحا الوجود بسيفه أم أين مـن علـيا أبيه مـكدّم في غير صاعقة السما لا أقسم والله يقـضي ما يـشاء ويحكم
    ثم ينحدر إلى شجاء مصرع هذا البطل وفجيعة الحسين بهذا الأخ المحامي فيقول عن لسان الحسين :
أأخي يهـنيـك النعيـم ولـم أخـل أأخي من يحـمـي بنـات محـمـد لسـواك يلـطـم بـالأكـف وهـذه ما بين مصرعك الفظيع ومصـرعي هـذا حسامـك مـن يـذلّ به العدا هوّنـتَ يابـن أبـي مصارع فتيتي يا مالكاً صـدر الشـريعـة إننـي ترضـى بأن أُرزى وأنت منعّـم إن صرن يسترحمن مَن لا يرحم بيض الضبا لك في جبيني تلطـم إلا كمـا أدعـوك قبـل فتنعـم ولـواك هـذا مـن بـه يتقـدم والجرح يسكنـه الـذي هـو أألم لقليل عمري فـي بكـاك متمـم
    مشيراً إلى مالك بن نويره وحزن أخيه متمم عليه ورثائه له.
    وهذه احدى روائعه في سيد الشهداء :
أدرك تراتك أيهـا المـوتـور عذبت دماؤكـم لشـارب علّها ولسانها بك يا ابن أحمد هاتف فلكم بكـل يـد دم مهدور وصفت فلا رنق ولا تكدير أفهكذا تغضي وأنت غيور


(112)
ما صــارم إلا وفـي شـفـراتـه أنـت الـولـي لـمـن بظلـم قتّلوا ولو أنك استـأصلت كـل قبـيـلـة خذهـم فسـنـة جـدكـم مـا بينهم ان تحتـقـر قـدر العـدى فلربمـا أو انهـم صغـروا بجنـبـك همـة غصبوا الخـلافـة من أبيك وأعلنوا والبضعـة الزهراء امـك قد قضت وأبـوا على الحسن الزكي بأن يرى واسـأل بيـوم الطف سيفـك إنـه يـوم أبوك السـبـط شمـّر غيرة وقد استغاثـت فـيـه ملـة جـده وبغـير أمـر الله قـام محكـّمـاً نفسـي الفـداء لثـائـر فـي حقه أضحـى يقي العـدل وهـو مهدم ويذكر الأعـداء بطشـة ربـهـم وعلى قلوبهـم قـد انطبـع الشقـا فنضى ابن حيدر صارمـاً ما سله فكـأن عـزرائيـل خـط فـرنده دارت حمالـيـق الكـمـاه لخوفـه واستيقـن القـوم الـبـوار كـأن فهوى عليهم مثل صاعقـة السمـا شاكي السلاح لدى ابن حيدر أعزل نحـر لآل محـمـد منـحـور وعلى العدى سلطانـك المنصور قتـلا فـلا سـرف ولا تبـذير منسيـة وكتـابكـم مهـجـور قد قـارف الذنـب الجليل حقير فالقـوم جـرمهـم علـيك كبير ان النبوة سـحـرهـا مـأثـور قرحـى الفـؤاد وضلعها مكسور مثـواه حيـث محـمـد مقبـور قد كلـم الأبطـال فهـو خبـير للديـن لـمـا أن عنـاه دثـور لما تـداعـى بيتهـا المعـمـور بالمسلميـن يـزيـد وهـو أمير كالليث ذي الوثبـات حيـن يثور ويجبّـر الاسـلام وهـو كسيـر لو كـان ثمـة ينفـع التـذكيـر لا الوعـظ يبلغهـا ولا التحـذير إلا وسلـن مـن الـدمـاء بحور وبـه أحاديـث الحمـام سطـور فيدور شخص الموت حيـث يدور أسرأفيل جاء وفي يـديـه الصور فالروس تسقط والنفـوس تطـيـر واللابس الـدرع الـدلاص حسيـر


(113)
غيران ينفـض لبدتـيـه كـأنـه ولصوتـه زجل الرعود تطير بالأ قد طـار قلـب الجيش خيفة بأسه بأبي أبـي الضيـم صـال وماله وبقلبه الهـم الـذي لـو بعضـه حزن على الدين الحنيـف وعربة حتى إذا نفـذ القـضـاء وقـدّرا زجت لـه الأقـدار سهـم منـية وتعطل الفلـك الـمـدار كـأنما وهوين ألويـة الشـريعـة نكصاً والشمس ناشـرة الـذوائب ثاكل بأبي القتيل وغسلـه علـق الدما ظمآن يعتلـج الغليـل بصـدره وتحكمت بيض السـيوف بجسمه وغدت تدوس الخيل منه أضالعا في فتية قد أرخـصـوا لفـدائه ثاوين قد زهـت الـربى بدمائهم هم فتية خـطبوا العـلا بسيوفهم فرحوا وقـد نعيت نفـوسهم لهم فاسـتنشقوا النقع المثـار كـأنه واسـتيقنوا بالموت نيل مـرامهم فكـأنما بيـض الحـدود بواسماً وكأنما سـمر الرمـاح مـوائلا اسـدُ بآجـام الرماح هـصور لـباب دمـدمة لـه وهـديـر وانهاض منه جـناحه المكسور إلا المثـقف والحـسام نصـير بثبير لـم يـثبت علـيه ثبـير وظـماً وفقـد أحـبة وهجـير لمحـتوم فـيه وحـتم المـقدور فـهوى لقى فانـدك منه الطور هو قطـبه وعـليه كان يـدور وتعـطل التهـلـيل والتـكبـير والأرض ترجـف والسماء تمور وعلـيه مـن أرج الثـنا كافور وتبـلّ للخـطيّ مـنه صـدور ويح السـيوف فحكمهن يـجور سـر النـبـي بطـيها مسـتور أرواح قـدس سـومـهن خطير فـكأنهـا نـوارهـا الممـطور ولها النـفوس الـغاليات مـهور فكان لهم ناعي النفـوس بشـير ندّ المجامـر مـنه فـاح عبـير فالكـل منـهم ضاحـك مسرور بيض الخدود لها ابتسـمن ثغور سمر المـلاح يزينـهن سفـور


(114)
كسروا جفـون سيوفهـم وتقحموا من كـل شهم ليـس يحـذر قتله عـاثـوا بآل امـية فـكأنـهـم حـتى إذا شـاء المهيـمن قـربهم ركضوا بأرجلهم إلى شرك الردى فزهت بهم تلك العـراص كـأنما عاريـن طـرزت الـدماء عليهم وثواكل يشـجي الغـيور حنـينها حرم لأحمد قد هتـكن ستـورها كم حـرة لما أحـاط بـها العدى والشمس توقـد بالهـواجر نارها هتفت غداة الروع باسـم كفيلها كانت بحيث سـجافها يُبنى على يحمين بالـبيض البـواتر والقنا ما لاحظت عـين الهلال خيالها حتى النسيـم إذا تخـطى نحوها فـبدا بيـوم الغاظـرية وجهها فيـعود عنها الوهـم وهو مقيدٌ فغدت تـود لو انّها نعـيت ولم بالخـيل حيث تراكـم الجمهور إن لـم يكن بنجاتـه المـحذور سرب البغاث يعـثن فيه صقور لجواره وجرى القضا المسطور وسعوا وكـل سعـيه مشـكور فيـهـا ركـدن أهـلة وبـدور حمر البـرود كـأنـهن حـرير لـو كان ما بيـن العـداة غيور فهـتكن مـن حرم الالـه ستور هربت تـخف العـد ووهي وقور والأرض يغـلـي رملـها ويفور وكفيلها بثـرى الطـفـوف عفير نهـر المـجرة ما لـهن عـبور السـمر الشواجر والحماة حضور والشهب تخطف دونـها وتـغور ألـقاه في ظل الـرماح عـثور كالشـمس يسترها الـسنا والنور ويردّ عنها الطرف وهـو حسير ينـظر اليـها شـامت وكـفور
    أما قصائده الخاصة بسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع) والتي يتعذر ذكرها كاملة فنكتفي بالاشارة اليها ، وأوائلها :
1 ـ ألا لا سقت كفى عطاشا العواسل إذا أنا لم أنهض بثار الأوائل


(115)
2 ـ فـي طـلب العـز يـهـون الفـنا 3 ـ يـا قـمر الـتم إلـى م الـسـرار 4 ـ يغرّ الفـتى بالدهـر والـدهر خائن 5 ـ ذكـر الــمـنـازل وإلا حـبـه 6 ـ الله أي دم فـي كـربـلا سـفـكا 7 ـ مـا بال عيـنك لا تـملّ هيـامها 8 ـ أتغضي فداك الخلق عن أعين عبرا ولا يــروم الـعــزّ إلا أنــا ذاب محـبوك مـن الانـتـظـار ويصـبح في أمـن وما هـو آمن صـبٌ أذاب الـوجـد قــلـبـه لم يجر في الأرض حتى أوقف الفلكا وعصت بمـبرح وجـدها لـوّامها تـودّ بأن تحـضى بطلعـتك الغرّا


(116)
    قال في الحسين مرثية ، مطلعها :
إذا لم أنل وترى با ـ المناصل فلا سار مهري تحت ظل العواسل (1)
    هو الشيخ عباس كاشف الغطاء ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء النجفي المولد والمنشأ والمسكن والمدفن ، ذكره صاحب الحصون فقال : كان عالماً فاضلاً مجتهداً فقيهاً ، أصولياً محققاً مدققاً أديباً لبيباً بليغاً شاعراً ماهراً وجيهاً رئيساً عظيماً جليل القدر عظيم المنزلة مهيب المنظر حسن المخبر ، طلق اللسان فصيح البيان. إلى آخر ما قال. له مؤلفات : منها موارد الأنام شرح مبسوط على شرايع الإسلام ، رسالة في الشروط ، رسائل متفرقة في الاصول ، رسالة عملية في الطهارة والصلاة. توفي أول الغروب عندما قام لاداء الصلاة في طريقه الى كربلاء بقصد الزيارة للامام الشهيد الحسين سلام الله عليه وذلك على نهر الفرات ليلة الاثنين ثاني ربيع الأول عام 1315 ونقلت جنازته الى النجف في زورق مائي ودفن بمقبرة الاسرة ، ولم يخلف سوى ولده الهادي. رثاه فريق من الشعراء منهم : السيد رضا الهندي والشيخ عبد الحسين صادق ، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، والسيد جعفر الحلي ، والشيخ جواد الشبيبي بقصيدتين. وذكره الحجة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في هامشه على ( سحر بابل ) فقال : هو أحد الأساطين الأعاظم والععد والدعائم ، من الطائفة الجعفرية الذين نهضوا باعباء الزعامة والتحفوا بأبراد المجد والكرامة. ويسترسل شيخنا بالاطراء والثناء بما هو حق وصدق.
1 ـ عن شعراء الغري.

(117)
    قال في الحسين (ع) :
إلى كـم مـداراة الـعدى مـن مذاهبي أما آن للـوقـت الـذي تـوعـدونـنا ويظـهـر أمـر الله مـا بـين أهـله نـرى الشموس في شرق البلاد وغربها يحـفّ بـهـم مـن آل أحـمـد أصيدٌ إذا ما سطا خـلـت الـبسيطة والسـما يطالـب فـي ثـار الـحسين وفـتيـة وقـد خـلّفت فـي الـغاضـرية نسوة إذا رفعـت رأسـاً إلـى الله أبـصرت وإن طأطأت راساً إلى الأرض أبصرت أو التفتت مـن شجـوهـا عن يـمينها رأت صبية للـمرتـضى فـوق هـزّل فـيا راكـباً كـوراً مـعـوّدة عـلـى إذا أدلجـت في الـسير تـحسب نـبلة إذا لاحـت الأعـلام من سرّ مـن رأى ألا أيـن قـوم لـو تلاقـت جموعهـم وحتـى م سلطـان الهمـوم مـصاحبي بـه أن نـرى فيـه علـوّ المـراتـب وتـخفى أمـور سنّـهـا كـل ناصـب تجـوب الفيافي في ظهـور النجـائـب تحـفّ بـه الأمـلاك مـن كل جانـب طـواهـا وعبّـا شرقهـا بـالمغـارب قضت عـطشا بالطـف مـن آل غالب خماص الحشى وآهـاً لها مـن سواغب رؤسـاً تعـلّى كـالنجـوم الثـواقـب جسـوماً كساهـا البـين ثوب المصائب ويسرتهـا أو بعـض تـلك الجـوانب مـن العـيس تسبى مـع نساء نـوادب اقتطاع الفيافي فـي القفـار السباسـب قد انتزعت في القوس عن قوس حاجب فنادِ بـأعلى الصـوت يـا آل غالـب لمـا رجعـت إلا بجـزر الكتـائـب


(118)
حسينكـم أمسـى وحيـداً وحـوله ينادى ألا هل مـن نصير فلا يرى ويـدعوهم حامـوا بنـات محمـد فقوموا غضابا وأدفعوا عن نسائكم متى تملأون الأرض قسطا بعدلكم بنو هاشـم والصحب كلٌ بجانـب له ناصراً دون السيوف القواضب فليس يـرى غير القنا من مجاوب فقد أصبحت اسرى بأيدي الأجانب كما ملئت من جور ظلم النواصب (1)
    الملا عباس الصفار الزيوري ابن القاسم بن ابراهيم بن زكريا بن حسين بن كريم بن علي بن كريم بن علي ابن الشيخ عُقلَه الزَيوري البغدادي المنشأ ، الحلي المسكن المتوفى سنة 1316 مولده بغداد مات أبوه وهو طفل صغير وكانت أُمّه حلية الأصل فانتقلت بولدها هذا إلى الحلة ونشأ في حجور أخواله وتعلّم الشعر عندهم ويزعم بعض أقاربه في بغداد وسوق الشيوخ أن أصلهم يرجع إلى المقداد بن الأسود الكندي الصحابي المشهور ، وفي أواخر العقد التاسع من القرن الثالث عشر استوطن كربلاء على عهد السيد أحمد بن السيد كاظم الرشتي المقتول سنة 1294 وله فيه مدائح وتهاني كثيرة ، وحج المترجم له مكة المكرمة مع السيد المذكور سنة 1290 وقام بنفقاته ذهاباً وإياباً ولما عرج السيد بعد حجه نحو الاستانة كان المترجم له في صحبته ثم جاب البلاد اليمانية للسياحة وفي ( عدن ) شرع بتخميس علويات ابن أبي الحديد. قال الشيخ اليعقوبي في البابليات : وسمعت من جماعة ممن عاصره من البغداديين والحليين أنه كان من الذاكرين الخطباء ولكن شهرته الأدبية تغلبت على شهرته المنبرية. وإن له تخميساً لقصيدة العلامة الفقيه الشيخ حسين نجف التي جارى فيها الهائية الأزرية الشهيرة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام. وله تخميس لقصائد الكميت ـ الهاشميات ـ وسافر في آخر أيام حياته إلى ايران لزيارة المشهد الرضوي ولطبع منظوماته المذكورة هناك ففاجأه الأجل في طهران ودفن في بلدة ( قم )
1 ـ عن الدر المنظوم في الحسين المظلوم مخطوط الخطيب السيد حسن الموسوي البغدادي.

(119)
عند الشاه عبد العظيم ، وقيل في خراسان وذهبت قصائده بذهابه وقد تجاوز عمره الستين عاماً ، ومن شعره قوله :
سمتك أُمـك ( نجما ) فأكفف سهامك عني لأن خـدك ثاقـب وارع الاله وراقب
    وذكره الشيخ النوري في ( جنة المأوى ) وعبّر عنه بالفاضل اللبيب مادح أهل البيت وأثبت له أبياتاً من قصيدة طويلة يمدح بها الإمام المهدي ويذكر كرامة له اتفقت في 10 جمادى الاخرة سنة 1299 مع أخرس من أهالي ( برمة ) اسمه اغا محمد مهدي اطلق لسانه في ( مقام الغيبة ) بسامراء واحتفل في الصحن الشريف بأمر الإمام السيد ميرزا حسن الشيرازي بمناسبة ظهور تلك الكرامة ، وكان الزيوري مع الأخرس في الباخرة حين توجه من بغداد إلى سامراء وأشار إلى ذلك من الأبيات :
وفي عامها جئتُ والزائرين رأيت من الصين فيها فتى وقـد قيّد السقم منه الكلام إلى بلدة سرّ مَن قد رأها وكان سميّ إمـام هداها وأطلق من مقلتيه دماها
    وفي هذه الكرامة نظم السيد حيدر الحلي قصيدته العامرة التي مطلعها
كذا يظهر المعجز الباهر ويشهده البرّ والفاجـر
    وشاعرنا المترجم له ذكره الشيخ النوري في أول كتابه ( دار السلام ) وأثبت له أبياتاً يقرّض فيها ويؤرخ كتابه المذكور فيها :
الجهـبذ النوري حسين ومَن أشـرق نور العلم عن فكره خيـر كتاب جـامع كاشف يعبّـر الرؤيا وينبيك عـن تالله لـو أن ابن سيرين قد شـرّفه الله ببيـت الحـرام فجاء في تصنيف دار السلام فيه عن الرؤيا حجاب الظلام رؤيـا نبيٍ صادق أو إمـام طالعـه رأى لـه الاحتـرام


(120)
وكان عـنه آخذاً ما بـه وخاطب النوري تاريخه قـد عبّر الرؤيا لكل الأنام إرقَ لقد فزتَ بدار السلام
    ومن شعره تقريظه لكتاب ( العقد المفصل ) للسيد حيدر الحلي ، أثبته السيد حيدر في آخر الكتاب نظماً ونثراً :
كتابك تحـت كتاب الاله أقول وعيناي ترنـو اليه وأهتف إن قيس فيه سواه وفـوق كتابة كـل الورى لقد جمع الصيد جوف الفرا أيـن الثـرَيّا وأين الثري
    وقال أيضاً تقريض للكتاب المذكور :
وافى مـذ وافاني غده رشاً بسيوف لـواحظه يشدو فيـرق لنغمتـه يـا ليلاً بـتّ اسامره تركيٌ نـاشٍ في عجم بتنـا بقميصي عفّتنـا ولهيـب فؤاد أضرمه ويميت القلب وينشره زمن تجب النعماء له عجباً للخدّ بنار الورد أيعود زمان الفوز به كمشاهدتي لكتابة من هو حيدر أهل العلم له وله مـن خالقه نظرٌ ووفى لي فيما أقصده شمـل العشاق يبـدده اسحاق اللحن ومعبـده ما أسرع ما وافى غده وصفاء اللون يبغـدده والحيّ تـولّت حسـّده بزلال الريـق أبـرده سيـف عيناه تجـرده جحد الباري من يجحده جـلا الأبصار تـوقده ويشاهـدني وأُشاهـده هو فـرد الدهر وسيده ملك بـالنظـم يسـدده ما بيـن الخلـق يؤيده
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس