ادب الطف الجزء الثامن ::: 211 ـ 225
(211)
وأقـام الديـن فيـهـم فـابـى أوردوهـم كـدر العيـش إلـى وأجالـوا الخيـل حتـى طحنت طحنت صدر ابن بنت المصطفى بـأبي الثـاوين لا ينـدبـهـم وثـوت والديـن يدعو حـولها تلك أعلام الهدى سحب النـدى ومـغـاويـر الحفيظـات إذا عـانقت من دونه بيض الظبى ووقتـه الطعـن حتى قطـّرت فـي مـراضي أغلب أوردهـا بأبـي الفـادي سنـا حـوبائه واقـرّوه على الرمـضا لقـى نسـج الريـح عـليـه كفنـاً ونـواع حـوله تـدعو أسـىً قـومه فـي آله إلا الجـفـاءا أن أعـدّوهم دم النحـر ظماءا خامس الغر الالى حلّوا الكساءا يـوم في غرّ الهدى سنّ الأباءا غير برح الحرب صبراً وبلاءا هكـذا مـن لبس الفخر رداءا وليـوث الحـرب عزماً ولقاءا قذفـوا الرعب المغاوير وراءا لم يعانق رغدها البيض الظباءا والقنـا فيهـا اعتدالاً وانحناءا مـورد العـزة بـدءاً وانتهاءا دون ايضاح الهدى حتى أضاءا يتـردى من ثرى الطف كساءا فاكتسـى الرمـل بمثواه بهاءا بقتيـل لـم يجب منها الدعاءا
    وله :
يـا راقداً عـن بعثه بطـراً بـولاء آل محمـد علقـت بالطيبيـن ولـم يطب أبـداً تأمين أقصى الصبر يوردهم مـا بين منفطر الحشا حرقاً ودفينـة سـراً أبت سحـراً دفنـت وغصتهـا بمهجتها أرأيت بعث معاشر رقدوا لك يا رهين الموبقات يد من في سواهم قط يعتقد محناً يزول لبعضها أحد أودى فغيّب جسمه الكمد من أن يشيّع نعشها أحد تغلي الفؤاد فينضج الكبد


(212)
وصـريـع محـراب يعمـمه وبسـمّ جعـدة قطعت كبـد وبكـربلا نُحـرت على ظمأ من كل بدر تقى إذا انتصبت وركيـن معـركة إذا رجفت ولـجَ القـتـام كأنـه قمـر يـرد الردى مـن دون سيده صبـروا نفوس أكارم سلبت بفنـاء منقطـع القرين ثووا وبجنب مصرع قدسه نحروا حشـدت عليـه ألوفهم فأتى في جحفـل من نفسه شرق مـن معشر لم يخلفـوا أبداً أودى ولا فـي سيفـه كلل سيف ابن ملجم بالردى يفد يـرنو اليها الواحـد الصمد فئـة عليها الماء قد رصدوا خيـم الهـدى فبه لها عمد فـكأنـه فـي قلبهـا وتـد ونحـا الصـدام كأنه أسـد فكأنـه صافـي الروى يرد تحت العجاجة والقنا قصدوا وبحفظ عـزة مجده انفردوا فلذاك في درجاتـه صعدوا يفنـي القبائـل وهو منفرد بـالسيف لا يحصى له عدد لله مـا عهـدوا وما وعدوا وهـوى ولا بقـوامـه أوَد
    وقال :
وأقمـار رشـد لوعدا البغي تمّها سليبـة أبـراد الشهادة فـي ثرى يـرمّلها فـيض الدماء فتكتسـي لـدى جسد صكّ الصناديد فانثنت ألا قد قضى ابن المصطفى متلافياً وسلّ سيـوف الرشد ساخطة على وينظـر صرعى يعلم المجد أنهم صريعـاً تـواريه الأسنـة لمّعـاً لما عولجت في كربلا بخسوف يمـور عليها في هجير صيوف بسـورة نكباء الرياح عصوف ألـوف توقـّى بأسـه بألـوف بقايـا الهـدى صبراً بشمّ انوف بغاة على الشرك القديم عكوف معاقلـه مـن تالد وطـريـف بـأطراف مـرّان عليه قصيف


(213)
    وله :
قـد خفـروا مـن محمد ذمماً وجـرعوا آله ببيـض ظبـى كأن جـاري دمـا نحورهـم مـن كل ذي غـرة له جلبت بادي المحيا إذا الوغى التهبت يستعرض البيض في سنا قمر قـد قلّـد الدين من صنائعه ما خفـروها لغيـر محمـود كأس الردى في المواقف السود فيـض نداهـم بموطن الجود كل المـعالي بحشـد محشود خاض لظاهـا ببـأس صنديد مـن وجـه باديه غير رعديد يـوم الـوغى أشرف المقاليد


(214)
    قال مخمساً أبيات السيد حسين ابن السيد مهدي القزويني المتوفى سنة 1325 وأصل الأبيات في مدح أمير المؤمنين علي :
بنفسي الحسين سقته عداه فقل للوصي وحامي حماه كؤوس المنون وساقت نساه أبا حسن أنت عين الاله
فهل عنك تعزب من خافيه
أما هتفت بك بين الطغاة وأنت المرجّى لدى النائبات نساك وأنت حمى الضائعات وأنت مدير رحى الكائنات
وإن شئت تسفع بالناصيه
أتقعد يا سيد الأوصياء وتجثو وذا الكرب يقفو البلاء ووترك بين بني الأدعياء وأنت الذي امم الأنبياء
لديك إذا حشرت جاثية (1)
    السيد علي السيد محمود الأمين كان عالماً محققاً مدققاً فقيهاً اصولياً قوي الحجة. ترجم له السيد الأمين في الأعيان فقال : كان ورعاً شاعراً أديباً نقاداً للشعر مهيباً مطاعاً نافذ الكلمة محمود النقيبة اتفقت على حبه وتعظيمه
1 ـ ظرافة الأحلام في النظام المتلو في المنام ، للشيخ محمد السماوي ، مرّ في صفحة 104 قصة هذه الابيات والحلبة الشعرية حولها ومنهم السيد المترجم له.

(215)
جيمع الناس من جميع المذاهب. ولد في شقرا من قرى جبل عامل ـ لبنان في حدود سنة 1276 وتوفي ليلة السبت 11 شوال 1328 ه‍ فيكون عمره نحواً من اثنين وخمسين سنة قضاها في خدمة العلم إفادة واستفادة وتأييد الدين وقضاء حوائج المؤمنين. وبعدما حفظ القرآن في مدة يسيرة ولما يبلغ السبع تفرغ لطلب العلم وتوجه للنجف في حدود سنة 1290 وعمره نحو 14 سنة وكان يقول : بلغت الحلم في النجف فقرأ علوم العربية والاصول على الشيخ احمد ابن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ـ الذي كان وحيداً في توقد الذهن وطيب الأخلاق ، كما قرأ على الشيخ محمود ذهب ، هذا في السطوح وأما درس الخارج فقرأ في الفقه والاصول على الفقيه الشيخ اغا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه وغيره من المصنفات وعلى الشيخ محمد حسين الكاظمي صاحب هداية الأنام في شرح شرائع الاسلام ، وفي الاصول على ا لشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب الكفاية وغيرها ، وتخرج على يده في العراق ولبنان عدد كثير من العلماء والفضلاء وكان يقول : باحثتُ المطول للتفتا زاني أربع عشرة مرة ، وبقي في النجف الأشرف في خدمة العلم نحواً من إحدى وعشرين سنة ، وهذه ألوان من شعره ، قال مخمساً بيتين لبعض المتقدمين في مشهد الحوراء زينب بنت امير المؤمنين (ع) بقرية راوية من دمشق الشام :
لبنت خير الورى طراً وبضعته فقلت مذ فزت في تقبيل تربته قبرٌ ملوك الورى تعنو لهيبته مَن سره أن يرى قبرا برؤيته
يفرج الله عمن زاده كربه
فذا إذا الطرف من بُعد تبيّنه ومن يرم إن دهاه الخوف مأمنه رأى من العالم العلوي أحسنه فليأت ذا القبر إن الله أسكنه
سلالة من رسول الله منتجبه
    روى السيد الأمين في الأعيان جملة من مراسلاته وما قيل في رثائه من النظم تغمده الله برحماته.


(216)
    الشيخ عبود الحاج سالم الطريحي شاعراً أديباً ظريفاً حاضر النكتة فكه الحديث ، ولد بالنجف عام 1285 وشبّ ونمى بين أديب وعالم ومؤرخ وتدرج على الخطابة مضافاً إلى الكسب ويلازم ديوان أبيه الشاعر الكبير الحاج سالم وهو حافل كل ليلة بالادباء والعلماء فمن حيث يريد ولا يريد نظم الشعر وبرع فيه ، فمن مرتجلاته في شهر رمضان :
أقبـل شهـر الله قم واستعد شهـر به الرحمة قد أنزلت دع الملاهي عنك وادعو به لصـومه مـع التقى والصلاح فأطلب به الرحمة وأرج السماح دعـا لنهـار ، ودعـا الافتتاح
    ومرّ يحمل كمية من ( الخيار ) وذلك في تموز فجاء به لأهله وارتجل :
قد ذاب قلبي مـن هوى تموز في السوق ( رقيٌ ) وإني مفلس من حرّه قد جفّ ماء الكوز بـردته بخيارة العطـروز
    نظم في الغزل قصيدة مطلعها :
رق ماء الحسن في الخدّ الأسيل من غزال ناعس الطرف كحيل
    ترجم له عبد المولى الطريحي في ( الاسرة الطريحية ) والخاقاني في شعراء الغري وذكر له مقطوعة شعرية في الإمام الحسين (ع) أولها :
إذا شئت النجاة من العقاب فبادر للحسين وقف وسلّم ومن هول القيامة والحساب عليه بانكسـار وانتحـاب


(217)
    قال من قصيدة في رثاء الامام الحسين عليه السلام مطلعها :
ألا مَن مجيري من عيون فواتر لعبن بألباب الكماة القساور
    إلى أن يتخلص لفاجعة كربلاء فيقول :
قضى ضامياً في الطف سبط محمد بأهلـي ونفسي صادي القلب طاوياً رمتـه بنـو حـرب بأسهـم بغيها نسوا جـده الهادي النبي وضيعـوا بعتبـة جـاؤا يطلبـون بثـأرهـم خميص الحشا تحت القنا المتشاجر ومـن دمـه تروى شفار البواتر وليـس لـديه مـن محام وناصر ـ بقتلهم السبط ـ قربى الأواصر مـن الله لا مـن حيدر يوم عاشر
    ترجم له صديقنا الأديب سلمان هادي الطعمة وذكر له جملة من النوادر وشيئاً من الشعر في الغزل ويكفينا أن أشرنا اليها ، كما ترجم له الشاب الاستاذ موسى الكرباسي في مؤلفه : البيوتات الأدبية في كربلاء ، ويؤسفنا أن هذا الكتاب لا تكاد تخلو صفحة من صفحاته من أغلاط مطبعية أما الشعر فيكاد أن يكون ممسوخاً. أملنا العناية بالكتاب في الطبعة الثانية بعون الله.


(218)
    شاهد هلال المحرم فقال :
تنهـلّ أدمـع مقلتي ما إن ذكرت مصيبة إن قيل لي هلّ المحرم لكنمـا ذكـراه مـأتم
    وشاهد مأتما لعزاء الإمام الحسين قد أقامه أحد العلويين وضرب خيمة على المأتم فقال :
ضرب الرواق يقيم مأتم جده متصدراً فـي دستـه فكأنه وهو الحقيق بأن يقيم المأتما شخص النبي مخاطباً ومكلما
    السيد مهدي البغدادي النجفي الشهير بأبي الطابو ينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم (ع). ولد ببغداد عام 1277 ه‍ وهاجر أبوه إلى النجف فحمله معه ونشأ بها فدرس المقدمات من نحو وصرف ومنطق وبلاغة ، ذكره جمع من الاعلام منهم ( صاحب الحصون ) ومال إلى قرض الشعر ، وكان رحمه الله رقيق الروح خفيف الطبع ، ولع آخر حياته بالزراعة ، ومن آثاره الأدبية منظومة في المعاني والبيان أسماها ( اللؤلؤ والمرجان ) ومن ملحه ونوادره أن الخطيب الشيخ كاظم سبتي لما هاجر من النجف إلى بغداد حصلت منافسة بينه وبين خطيب بغداد السيد عباس الموسوي وانقسم البغداديون شطرين بين هذين الخطيبين واحتكموا إلى المترجم له فقال :


(219)
أترجوا الخير من همج رعاع فكانـوا يسجـدون إذا رأوه قد ابتدلوا بعباس ( ابن سبتي ) ولا عجـب فهم أبناء سبت
    ومن مرتجلاته أن السلطان ناصر الدين شاه لما زار النجف أهدى ( عصى ) إلى بعض العلماء فقال السيد مهدي :
عصاً كعصى موسى ولكن تقلها وقـد قال قوم إنها سحر ساحر يـدٌ طالما أحيت مكارمها الخضرا فقلت اخسؤا هذي التي تلقف السحرا
    ترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري فذكر جملة من بنوده ورسائله ومحاسن تواريخه التي نظمها في مناسبات تاريخية وحوادث ذات شأن وألواناً من شعره في الغزل والفخر والحماسة فهو يتحمس في قصيدة جاء في أولها :
بماضي رهيف العزم أقتحم الصعبا عليّ أثام العرب إن ضلّ صارمي وبالهمة القعساء أقتلع الهضبا ولم يحتلب غلب الرقاب له شربا
    وله الكثير من أدب المراسلات وأكثرها مع المرحوم السيد حسين القزويني ، فقد قال في مراسلة عام 1320 هذا أولها :
صنت سمعي عن عاذل فيك لاحي تـربـت كفـه فـقـد رام أمـراً أيـن حال الخليّ مـن ذي صبـا قـد رمته يـد الغـرام سهـامـاً لا تلمنـي فـلسـت أول صـبٍّ إن صبا فهو لا إلى المقـل النجل عمـرك الله هـل تعـود ليـال وأمـا والهـوى وخمـر ثناياك ظـن بالعـذل يستلين جماحـي دونـه وقـع داميـات الصفاح بات بـرت جسمه كبري القداح بـات منها علـى أمضّ جراح دنف القلب وهو في جسم صاح وإن هـام لا بـذات الـوشاح هي أصفى من الزلال القراح ولالاء جـيـدك الـوضـاح


(220)
مـا بأرض الغري بعـدك يحلـو أرقـب الثـاقبـات والليـل داج وإذا نـاحت الحمامـات في فرع أتـرى أجلـب الليالـي صفـاءاً ذهبـت بهجـة الـزمان وولـّت أيهـا الممتطي جسـوراً من النيب لا يشـق النسيـم منهـا غبـاراً خض بها غامض السرى واقتعدها بـربـوع شقـيقـهـن خـدود جـدّ قلـب المشوق فيها ولوعاً علـم الصبر أننـي فيـه حـرٌ ولـو أنـي جزعت مـا غلبتني إن قلبـي مـن الزمان جريـح سل ربوع الغري هل لاح فيهـا أيـن شملي أم أين مجمع أُنسي في عبوقي ولا يلذّ اصطباحي لـم أخلـه ينشق عن إصباح أراك شـاطـرتهـا بـالنياح ومـن الهـم أتـرعت أقداحي جدّة العمر وانطـفى مصباحي تـلفّ الحـزون لـفّ البطاح بـغـدوٍّ إن أدلجــت ورواح وأقمـهـا بـالمنـدل النفـاح بغـوان يبسمـن لا عن أُقاح بنفـور لا بـالحسان المـلاح لم أدع ما عليه ضمت جناحي ببـكاء حـمامـة أو نـيـاح وجريح الزمان صعب الجراح بعد فقد الحبيب ضوء الصباح فكأني قد كنت في ضحضاح
    تعليق :
    أقول والضحضاح هو القليل من الماء الذي لا يغمر القدم ، فلا تطلق العرب كلمة : ضحضاح إلا على الماء القليل ، ولكن المغيرة بن شعبة وهو المعروف ببغضه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، اختلق حديثاً كاذباً فزعم أن النبي (ع) قال : إن عمي أبا طالب في ضحضاح من نار. أبو طالب هو المحامي الأول عن بيضة الاسلام وهو الكافل للنبي والمدافع عنه بالنفس والمال والأهل والعشيرة وهو القائل كما رواه الالوسي في شرح القصيدة المطولة :
كذبتم وبيت الله نخلي محمداً ولما نطاعن دونه ونناضل


(221)
لعمـري لقد كلّفتُ وجداً بأحمد وأبيض يستسقـى الغمام بوجهه تطوف به الهلاك من آل هاشم وأحببته حب الحبيب المواصل ثمال اليتامى عصمة للأرامل فهم عنـده في نعمة وفواضل
    ويقول :
إصدع بأمرك ما عليك غضاضة والله لـن يصلـوا اليك بجمعهم ولقد علمـت بـأن ديـن محمد ودعوتني ، وعلمت أنك صادق وافرح وقرّ بذاك منك عيونا حتى أُوسـدّ في التراب دفينا مـن خير أديان البـرية دينا فيما تقـول ، وكنتَ ثمّ أمينا
    ويقول ـ كما رواه البخاري في تاريخه الصغير :
لقـد أكـرم الله النبي محمداً وشـقّ له مـن اسمه ليجلّه فاكرم خلق الله في الناس احمد فذو العرش محمود وهذا محمد
    ثم يخاطب أخاه الحمزة بن عبد المطلب ويقول :
صبوراً أبا يعلى على دين احمد فقد سرني إذ قيل أنك مؤمن وكن مظهراً للدين وفّقتَ صابرا فكن لرسول الله في الله ناصرا
    ثم يخاطب ولديه ، علي وجعفر :
إن عـليـا وجعفـراً ثقتـي والله لا أخـذل النـبـي ولا لا تخذلا وانصرا ابن عمكما عند ملمّ الخطوب والنوب يخـذله من بنيّ ذو حسبِ أخي لامي من بينهم وأبي
    تتمة ترجمة الشاعر :
    الظاهر من شعره ـ والشعر مرآة قاله ـ انه كان قوي الشخصية صارم الارادة يقول الخاقاني في شعراء الغري : وله قصص تعرب عن ذلك ، ومن العجيب صلته بالعلامة السيد حسين ابن السيد مهدي القزويني فان أكثر بنوده


(222)
ورسائله وشعره ومراسلاته هي في السيد حسين ولكن يخفف العجب أن هذه الاسرة الكريمة أعني آل القزويني تتحلى بالظرف والأدب وسماحة النفس وطيب السريرة وحسن السيرة. مضافاً إلى أن المترجم له كان تلميذاً للسيد العلامة السيد حسين فهو يحفظ له هذا الحق وهو حق التلمذة. ذكر الخاقاني للمترجم له ثمانية بنود وجملة من الرسائل وعشرات من التواريخ والمراسلات ولنستمع اليه يؤرخ حبيبه وأليفه العلامة السيد حسين القزويني بقوله :
مـررت على قبـر الحسين وإنني ومَـن وسـع الدنيا علـوما ونائلا تضمن هذا القبر بحرين : من ندى فمـا إن تغشـاه التـراب وإنـما لفـي عجب كيـف التراب يـواريه فكيف استطاعت هذه الأرض تحويه وعلـم وكـل مـنهمـا مـدّه فيـه بـأنواره بـاريـه أرخ ( يغـشيـه )
    وأورد نماذج من رجزه ومنظومته في ( الشطرنج ) ومدح ورثاء وغزل يتكون منها ديوان قائم بنفسه ، ومن ثنائياته قوله في مقام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمسجد الكوفة ، وهو المكان الذي استشهد فيه عليه السلام :
وعجبت من قوم قد ادعت الولا أن لا تسيل نفوسهم في موضع أو لـم تكن تـدري بأن إمامها للمـرتضى صنو النبي محمد سـالت عليه دمـاء أكرم سيد لاقى الحمام هنا بسيف الملحد


(223)
    قال يرثي مسلم بن عقيل بن أبي طالب :
بـكتك دمـاً يابن عمّ الحسين ولا بـرحت هاطلات العيون لأنـك لـم تـرو مـن شربة رموك من القصر إذ أوثقوك وسحبـا تجـرّ بـأسـواقهم قُتلتَ ولـم تبكـك الباكيـات قُتلتَ ولـم تدرِ كم في زرود مـدامع شيعـتك السفـاحه تحييـك غـاديـة رائحه ثنـاياك فيهـا غدت طائحة فهل سلمت فيك من جارحه ألسـتَ أميرهـم البـارحه أمالك في المصر من نائحه عليك العشية مـن صائحه
    وصدرها الخطيب الأديب الشيخ قاسم ابن الشيخ محمد الملا ب‍ 14 بيتاً ، وذيّلها ب‍ 4 أبيات ، وأتمها الشاعر الشيخ محمد رضا الخزاعي ب‍ 9 أبيات على الوزن وهذا تصدير الشيخ قاسم :
لحيّكـم مهجـتي جـانحه واستنشـق الريح إن نسّمت وكم لـي على حيكم وقفـة تعايـن أشباح تلك الوجوه وكم ضبيات بها قد رعت ونحوكـم مقلتي طامـحه فبالأنف مـن نشركم فائحه وعينيَ فـي دمعها سابحه فـلا برحت نحوكم شابحه بقيصوم قلبي غدت سارحه


(224)
وكـم ليلة بسمار الحبيـب تقضّت ومن لي بها لو تعود وعـدت غـريباً بتلك الديار كما عـاد مسلـم بين العدا رسول حسين ونعم الرسول لقـد بايعـوا رغبة منهـم وقـد خذلـوه وقد أسلموه فيا بن عقيل فدتك النفوس لنبـك لها بمذاب القلـوب شـؤون الغرام لها شارحه فكيـف وقد ذهبت رائحـه أرى صفقتي لم تكن رابحه غـريباً وكابـدهـا جائحه اليهم مـن العترة الصالحه فيـا بؤس للبيعـة الكاشحه وغـدرتهم لم تزل واضحه لعظـم رزيتـك الفـادحه فمـا قـدر أدمعنا المالحه
    والتذييل :
وكم طفلـة لك قد أعولت يعززها السبـط في حجره فـأوجعهـا قلبها لـوعة تقول مضى عمّ مني أبي وجمرتها في الحشى قادحه لتغـدو فـي قـربه فارحه وحسـت بنكبتها القـارحه فـمـن ليتيمـته النـائحه
    السيد باقر ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الهندي الموسوي النقوي الرضوي النجفي ، عالم فاضل وأديب شاعر ظريف لطيف حسن الأخلاق حلو المعاشرة ذكي لامع نظم فأبدع وسابق فحلّق وله مراثي كثيرة في أهل البيت لا زالت تقرأ وتعاد في مجالس العزاء ويحفظها الجمّ الكثير من رواد المجالس حتى العوام ، سمعت من علماء النجف أنه كان إذا حدّث لا يملّ حديثه وينظم الشعر باللغتين الفصحى والدارجة ، فمن شعره قوله :
بزغت فلاح البشر من طلعاتها بيض كواعب في شتيت ثغورها والسعد مكتوب على جبهاتها قد كان للعشاق جمع شتاتها


(225)
وافـت كأمثال الظبـاء وبـينها نجـديـة بـدويـة أجفـانـهـا نشـرت علـى أكتافهـا وفراتها كالبيض في سطواتها والسحر في سلّـت صحيفـة مقلـة وسنانة ذات الـدلال دلالها مـن ذاتها سـرقت من ألارام لحظ مهاتها شمسِ سمات الحس دون سماتها وخـزاتها والـريم فـي لفتاتها حتى رأينا الحتف في صفحاتها
    وترجم له الخاقاني في شعراء الغري فقال : هو أبو صادق ينتهي نسبه إلى الإمام علي الهادي عليه السلام ، شاعر شهير وأديب كبير وعالم مرموق. ولد في النجف الأشرف 1284 ونشأ بها على أبيه وفي عام 1298 سافر بصحبة والده إلى سامراء لتلقى العلم من الإمام الشيرازي ثم رجع مع أبيه سنة 1311 وعندما حلّ في سامراء أخذ الفقه والاصول من بعض الأساتذة.
    ذكره فريق من الباحثين منهم صاحب الحصون المنيعة ونعته بالعالم الفاضل الأديب الكامل ، المنشيء الشاعر وذكر جملة من أساتذته ، أقول وأعطاني المرحوم السيد حسين ولد المترجم له ورقة فيها ترجمة شاعرنا وقال لي : إني كتبتها بخطي وحسب ما أعرف عن المترجم له وفيها : العلامة الفقيه الحكيم المتكلم السيد باقر نجل آية الله السيد محمد الهندي. ولد في غرة شعبان 1284 ونشأ منشأ طيباً في زمن صالح وتعلّم القرآن والكتابة في مدة يسيرة وكان مولعاً بالامور الاصلاحية وله في ذلك مواقف مشهودة وله مؤلفات لم تزل مخطوطة نحتفظ بها ، منها رسالة في ( حوادث المشروطة ) فيها ما يهم رجال الاصلاح والدعاة المصلحين كما كتب في الأخلاق. وكان شديد الولاء لأهل البيت عليهم السلام عظيم التعلّق بمودتهم ، وفي الليلة الثالثة من جمادى الثانية في سني إقامتنا بسر من رأي ، رأى في المنام كأنه جالس بحضرة وليّ الأمر وصاحب العصر وهو في قصر مشيد فجعل يخاطبه قائلاً : سيدي هل يغيب عنك ما حلّ باسرتك الطاهرة ولو لم يكن إلا ما جرى على امك الزهراء ، فحنّ الإمام عليه السلام والتفت اليه قائلاً :
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس