ادب الطف الجزء الثامن ::: 226 ـ 240
(226)
لا تراني اتخذتُ لا وعلاها بعد بيت الأحزان بيت سرور
    ثم بكيا معاً حتى انتبهنا من النوم بصوت بكائه ونبهناه فقص علينا الرؤيا فاستشعر الوالد من ذلك صحة هذه الرواية ( يعني وفاة الصديقة في الثالث من جمادى الثانية ) لذا نظم على وزن هذا البيت قصيدته الشهيرة والتي أولها :
كل غدر وقول إفك وزور هو فرع عن جحد نص الغدير
    واشار الى ذلك بقوله :
أفصبراً يا صاحب الأمر والخطب كيف مـن بعـد حمرة العين منها فـكأنـي بـه يـقـول ويبـكي لا تـراني اتخـذت لا وعلاهـا جليـل يـذيب قلب الصبور يا بن طه تهنأ بطرف قرير بسلـوٍّ نـزر ودمـع غزير بعد بيت الاحزان بيت سرور
    واليك المقطع الأول من القصيدة :
كـل غـدر ، وقول إفك وزور فتبصّر تُبصر هداك إلى الحـق ليس تعمـى العيون لكنما تعمى يـوم أوحـى الجليـل يأمر طه حطّ رحل السرى على غير ماء ثـم بلّغهـم وإلا فـما بـلّغـتَ أقـم المرتضى إماماً على الخلق فـرقـى آخـذاً بكـفّ علـي ودعـا والمـلا حضور جميعاً إن هـذا أميـركـم وولـيّ الأ هـو مولىً لكل مَن كنت مولاه هـو فرع عن جحد نصّ الغدير فـليس الأعمـى بـه كالبصير القلوب التي انطوت في الصدور وهـو سار أن مُر بترك المسير وكلا فـي الفلى بحـرّ الهجيـر وحيـاً عـن اللطـيف الخبيـر ونـوراً يجلـو دجـى الديجور منبـراً كـان من حدوج وكور غيـّب الله رشدهم من حضور مـر بعـدي ووارثي ووزيري مـن الله فـي جميع الامـور


(227)
فأجابوا بألسن تظهر الطاعة بايعـوه وبعدها طلبوا البيعة والغدر مضمر في الصدور منـه ، لله ريـب الدهـور
    وقوله في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من رائعة تتكون من 90 بيتاً وهذا المقطع الأول :
لـيس يـدري بكنه ذاتك ما هو ممكن واجـب حـديث قـديـم لك معنى أجلى مـن الشمس لكن أنـت فـي منتهى الظهور خفيّ قلـت للقائليـن فـي أنـك الله هـو مشكاة نـوره والتـجلـّي قـد براه مـن نوره قبل خلـق وحبـاه بكـل فضـل عظـيم أظهـر الله ديـنـه بـعلـي كانت الناس قبله تعبد الطاغوت ونبيّ الهـدى إلى الله يـدعـو سله لما هـاجت طغاة قـريش مَـن جلا كـربه ومَن ردّ عنه مَـن سـواه لكل وجـه شديد لـو رأى مـثلـه النبـي لمـا قام يوم الغدير يدعو ، ألا مـن ما ارتضاه النبي من قِبلِ النفس غير أن النفوس مرضى ويأبى يـا بـن عـمّ النبي إلا الله عنك تنفـى الأنـداد والأشباه خبـط العارفـون فيه فتاهوا جـلّ معنى عـلاك ما أخفاه أفيـقـوا فـالله قـد سـوّاه سـرّ قـدس جهلتـم معناه الخلـق طـراً وباسمه سماه وبمقـدار مـا حبـاه ابتلاه أيـن لا أيـن دينـه لـولاه ربـاً ، والجبـتُ فيهـم اله هـم ولا يسمعون منه دعاه مَـن وقـاه بـنفسه وفـداه يوم فرّ الأصحاب عنه عَداه عنه مَـن ردّ ناكلا أعـداه وآخاه حيـاً وبعـده وصّاه كنت مـولى له فـذا مولاه ولكـنمـا الالـه ارتضـاه ذو السقـام الدوا وفيه شفاه


(228)
    وقوله مفتخراً من قصيدة ضاع أكثرها وهذا مطلعها :
لو لم تكن جُمّعت كل العلى فينا يوم نهضنا كأمثال الأسود به جاؤا بسبعين ألف سل بقيتهم لكان ما كان يوم الطف يكفينا وأقبلت كالدبى زحفاً أعادينا هل قاومونا وقد جئنا بسبعينا
    وقال في إحدى روائعه رائياً آية الله العظمى الميرزا حسن الشيرازي وأولها :
خلا العصر ممن كان يصدع بالأمر أيحسـن أن يبقـى كذا شرع أحمد عَفاً لكِ سامـراء كـم فيك غيبـة ففي الغيبة الاولى ذعـرنا ولم نقم فـدونك دين الله يا صاحب العصر بـلا نهـي ذي نهيٍ مطاع ولا أمر تغضّ جفـون الدين منها على جمر وفي الغيبة الاخرى أقمنا على الذعر
    مرض في أواخر شهر ذي الحجة الحرام من سنة ثمان وعشرون بعد الثلثمائة والألف من الهجرة وانتقل إلى جوار ربه أول يوم من المحرم من السنة التاسعة والعشرين بعد الثلثمائة والألف ودفن بجوار والده في دارنا التي نحن فيها الآن (1) وإلى ذلك أشرتُ بقولي في رثائه :
نفسي فداؤك من قريب نازح أوحشتني إذ صرتَ من جيراني
    أعقب من الأولاد : العلامة السيد صادق والعلامة السيد حسين وهذان السيدان عاصرتهما وزاملتهما وهما من أطيب الناس سيرة وأسلمهم سريرة سألتهما عن عمر أبيهما فقالا : قضى وعمره 45 عاماً ورثاه الشيخ محمد رضا الشبيبي بقصيدة أولها :
أتى الافق مبرياً فقيل هلاله ولو قيل قوس صدّقته نباله
    ورثاه شقيقه العلامة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهندي بقصيدة أولها :
ما كا ضرّ طوارق الحدثان يا ليت أخطاك الردى أو أنه لو كان قبلك سهمهن رماني لما أصابك لم يكن أخطاني

1 ـ أقول وتقع بمحلة الحويش إحدى محالّ النجف الأشرف.

(229)
    ومنها :
يـا أولاً فـي المكرمات فما لـه يـا واحـداً فيـه اتفقـن مكارم يـا لهجة المـداح بل يـا بهجة بمَ يشمت الأعداء بعدك لا غفوا ببقـاء ذكرك في الزمان مخلّداً فليشمتـوا فمصاب آل محمـد فـارقتنا فـي شهـر عاشوراء نبكي المغسـّـل بالقراح وتارة وننـوح للمطـويّ فـي أكفانه فيها وعنها في البريـة ثانـي لـم يختلف فـي نقلهن اثنان الارواح بـل يا مهجة الايمان إلا علـى حسـك من السعدان أم بالفنـاء ، وكـل حيٍ فان ممـا يسـرّ بـه بنو مروان فاتصلت به الأحزان بالأحزان نبكي المغسـلَ بالنجيع القاني أو للطريح لقىً بـلا أكفـان
    ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة قال : كان فاضلاً في جملة من العلوم حسن المعاشرة مع طبقات الناس فمن قوله :
أُحدّث نفسي إنني إن لقيته فلما تلاقينا دهشت فلم أجد أبثّ اليه ما أُلاقي من الضرّ عتاباً فأبدلت المعاتيب بالعذر
    وأرخ وفاة والده الحجة السيد محمد بقوله :
يا زائراً خير مرقد سلـم وصلّ وأرخ له الكـواكب حُسّد وزر ضريح محمد 1323


(230)
    من شعره في الحسين :
لقـد ضربـت فوق السماء قبابهـا فكانت لعلياهـا الثـريا هـي الثرى وثارت لنيل العـز والمجد وامتطت لقـد أفرغت فوق الجسوم دلاصها وقـد جـردت بيض الصفاح أكفها أعدت صدور الشوس مركز سمرها سطت وبها ارتجت بأطباقها الثرى ولما طمت في الحرب للموت أبحرٌ وحيـن عدت منقضة فـي عداتها فكم أطعمت أرماحها مهـج العـدا إلى أن بقـرع الهام فلّت شبا الظبا هوت وبرغم الدين راحت نحورها قضت عطشـاً ما بـلّ حرّ غليلها ألا يا برغم الـدين تنشب ظفرهـا فما عـذرهـا عنـد النبـي وآله فيـا بـأبـي أشـلاء آل محمـد بنـو مَـن سما فخـراً لقوسين قابها غـداة أناخـت بالطفـوف ركابهـا مـن العاديـات الضابحات عـرابها كـأن المنايـا ألبسـتهـا إهـابهـا وهـزت مـن السمر الصعاد كعابها طعـانـاً وأجفاـن السيـوف رقابها وكادت رواسي الأرض تبدي انقلابها غـدت خيلهـا منها تخوض عبـابها تـولّت كطيـر حيـن لاقـى عُقابها فمـا كان أقـرى طعنها وضرابهـا ودقـت مـن الأرماح طعناً حـرابها تعـدّ الأسيـاف الظـلال قـرابهـا شـراب وفيض النحـر كان شرابها أميـة فـي أحشـاء طـه ونابهـا وقـد صرعتهـم شيبها وشبـابهـا عـوار نسجـن الذاريـات ثيابهـا


(231)
فتلك بأرض الطف صرعى جسومها ورأس ابـن بنت الوحي سار أمامها يميـل بـه الميـاد يمنـى ويسـرة وأعظـم خطـب للعيـون أسـالها ركـوب النسـاء الفاطميات حسـراً إذا هتفـت تدعـو بفتيـان قـومها تعـاتبهـم والعيـن تهمي دمـوعها بني غـالب هـلا تـرون نسـاءكم فيـا ليتكم كنتـم تـرون خـدورها أتـرضون بعد الخـدر تسبى كأنكم وهـاتيكم مـن آل أحمـد صبيـة مصائبكـم جـذت سـواعد هاشـم فهل يصبرن قلب على حمل بعضها بنـي أحمـد يا من بهم شرعة الهدى ومـا الناس يـوم الحشر إلا بأمركم ألا فـأغيـثـوني هنـاك فـانـكم وارؤسهـا بالميـد تتلو كتابهـا وشيبتـه صار النجيع خضابهـا فقـل للـويّ فيه تلـوي رقابها كمـا سال يـمٌ ، والقلوب أذابها على النيب إذ ركبن منها صعابها فبالضرب زجـر بالسياط أجابها فيـا ليـت كانوا يسمعون عتابها وقـد هتكـت آل الدعي حجابها غـداة أبـاح الظالمـون انتهابها بتلك المـواضي لم تحوطوا قبابها رأت مـن عداها بعدكم ما أشابها وقـد دكدكت لمـا أطلّت هضابها ولـو أنـه مـسّ الصفا لأذابـها أقيمـت وأوتـوا فصلها وخطابها تنـال ثـوابـاً أو تنـال عقابها غيـاث البـرايا كلما الدهر نابها
    الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر ابن الشيخ حسين ابن الحاج ابراهيم النجفي الأصل والمولد والنشأة. ولد في النجف سنة 1270 ه‍ وكان سادس اخوته وأصغرهم سناً وأقربهم إلى أبيه مكانة ، توسم أبوه فيه الذكاء والرغبة بطلب العلم فسهر على تربيته ، ويرجع الفضل للعلامة الحجة السيد مهدي القزويني في تنمية ملكاته العلمية والأدبية ثم لازم حضور منبر الواعظ الشهير والعلامة الكبير الشيخ جعفر الشوشتري فقد كان من النفر الذين دونوا الكثير من إملاته


(232)
وارشاداته ومن المنتفعين بفوائده وفرائده وهو الذي شجعه على تعاطي الخطابة وممارسة الوعظ لما لمسه فيه من تضلعه في علمي الحديث والفقه وأخبار أهل البيت. ترجم له ولده الخطيب الأديب الشيخ محمد علي في مؤلفه ( البابليات ) وذكر مراحل حياته كما ترجم له صاحب الحصون وقال : هو من خيار الوعاظ في العراق ومن شيوخ قرائها وادبائها ، نجفي المولد والنشأة والمدفن. كان شاعراً بليغاً وأديباً لبيباً ، تخرج في الوعظ على يد العلامة الشهير الشيخ جعفر الشوشتري ، وفي الأخلاق على الملا حسين قلي الهمداني. وترجم له العلامة السماوي في ( الطليعة ) وقال فيما قال : رأيته واجتمعت به وطارحته ، ونظم في الإمام الحسين عليه السلام ( روضة ) مرتبة على الحروف تناهز كل قصيدة منها مائتي بيتاً وتنيف. وفي ( البابليات ) أن للمترجم له ثلاث روضات الاولى في اللغة الفصحى وهي التي أشار اليها السماوي والثانية باللغة الدارجة والثالثة في النوحيات وهي أيضا باللغة الدارجة ، وقد عنيت بنشرهما مطابع النجف ، وأشار شاعرنا للروضة الاولى بقوله من أبيات :
إن تسمـو بالمال رجال فقـد نشـأت في حجر المعالي إلى حسبـي نظمي فهو لي شاهد إنـي تنبـأت بشعـري فمـا فليغـرفـوا من أبحري كلهم سمـت لأوج الفخـر بي همتي أن لاح وخـط الشيب في لمتي عـدلٌ وقـد قامـت به حجتي مـن شاعـر لـم يك من امتي وليقطفوا الأزهار من ( روضتي )
    قام بجمع ديوانه ولده الخطيب الشهير الشيخ محمد علي ورتبه على الحروف حتى إذا ما وقف على حرف الدال حدثت وقعة عاكف وذلك في الحلة أوائل محرم من سنة 1335 فتلف ما جمع وما لم يجمع. توفي المترجم له بالنجف الأشرف عشية الأربعاء ليلة الخميس رابع عشر ربيع الثاني من سنة 1329 ودفن في وادي السلام ، وهذه طائفة من أشعاره. قال في الموعظة وذم الدنيا.


(233)
مـن بات في غفلة والموت طالبه جانب هواك لتحضى بالنعيم فهـل إن رمـتَ مَنـّاً فـإن الله منـزله أو شئـت تأمن من يوم المعاد فبت ففي غد ليس ينجو غير من صحب فكيـف يلهـو امـرءٌ عما يراد به هل يؤمن الدهر من مكر ومن خدع وليـس يصرفـه عمـا يـحـاوله فكـن مـن الله في خوف وفي حذر فهـل يفـوت وينجو منه هاربه يصلى الجحيم سوى مَن لا يجانبه أو رمت صفحاً جميلاً فهو واهبه والجفـن كالغيـث إذ ينهل ساكبه التقوى ومن غدت التقوى تصاحبه وللمنيـة قـد سـارت ركـائبـه وتلك طبقـت الـدنيـا مصائبـه عـذل ويثنيـه عنه مـن يعاتبـه إذ لـم ينـل عفـوه إلا مـراقبه
    وأرخ جملة من الحوادث المهمة فأجاد وأُبدع منها تاريخه لانتصار الجيوش العثمانية علىا ليونان بقيادة المشير أدهم باشا في عهد السلطان عبد الحميد سنة 1314 ، قال :
سلطاننـا عبـد الحميد الذي أعـزّ ديـن الله فـي موقف حرب بها اليونان قد شاهدت فيـهـا أعـان الله أجنـاده أوحى له الذكـر بتاريخهـا صان حمى الاسلام والمسلمين أذل فيـه الشـرك والمشركين عاقبـة الطغيـان عين اليقين على العـدا والله نعم المعيـن لقـد فتحنا لك فتحـاً مبيـن
    وقال في صورة للامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وجدت في متحف من متاحف اليونان ، أهديت للعلامة السيد محمد القزويني :
ملأ العوالم منه حيـدر هيبة عجباً لمن ملأ البسيطة نـوره وبوصفه حارت عقـول الناس وتراه في التصوير في قرطاس (1)

1 ـ لقد نظم جماعة من الشعراء في هذه الصورة تجدون بعضها في ترجمة السيد باقر القزويني المتوفى 1333 في ترجمته الآتية في هذا الكتاب.

(234)
    وقال مؤرخاً وفاة استاذ العلامة الكبير الشيخ جعفر الشوشتري سنة 1303 :
قضى جعفر فالعلم يبكيه والتقى بكت رزءه شهب السما فتناثرت إلى الـواحد الفرد التجأنا فجعفرٌ ويـرثيه محـراب ويندب منبـر وحـق علـى أمثاله الشهب تنثر قضى شرعه أرخت مذ راح جعفر (1)
    وله :
تجـود عيـوني بالدمـوع فتغرقُ لركب سروا والقلب قد سار إثرهم وظـل فـؤادي مـن نواهـم كأنه وقـد راح يهفو حيث يستاقه الهوى وسيان وجدي في الأحبة إن مضوا لئـن عـاد شمل الهمّ مجتمعاً بهم فبـتّ ولـي قلـبٌ يقطّع بـالنوى ونـار جـوى قلبي تشب فتحرقُ فيا ركبهم مهلاً عسى القلب يلحق جناح حمام إذ يـرفّ ويـخفـق اليهم وشـوقاً كادت النفس تزهق بهم شحطت عين الديار وإن بقوا فقد راح شمل الصبر وهو مفرق وطرف على الأحباب دام مؤرق

1 ـ الشيخ جعفر الشوشتري عالم كبير وواعظ شهير ، طبق العلم على العمل وهو أول من لقب ب‍ ( العالم الرباني ) كان يعظ في صحن الامام أمير المؤمنين عليه السلام فتحضر لاستماع مواعظه مختلف الطبقات حتى الحكام والولاة والقضاء في العهد العثماني وما زال العلماء والوعاظ والخطباء يستشهدون بأقواله ، وله جملة من المؤلفات أشهرها ( الخصائص الحسينية ) يذكر فيه مميزات الامام الحسين وأثر نهضته وفيه من الفلسفة حول ذلك ما لا يوجد في غيره من الكتب التي أُلّفت في الحسين.
    ولقد تخرج على منبره جماعات من فطاحل العلماء وأكابر الوعاظ وكتبوا مؤلفات واسعة عن منابره وتأثيرها على المجتمع ولا عجب فما خرج من القلب دخل في القلب وما خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان ، وقد قيل : ما أحسن الدر ولكن على نحر الفتاة أحسن وما أحسن الموعظة ولكن من المتعظ أحـسن وفـي الآيـة الشـريفة « وما اريد أن اخالفكم إلى ما أنهاكم عنه » وفي الآية الاخرى « يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ».


(235)
وطلّـق جفني النوم من غيـر رجعة ووارق عـودي يـوم فـرقتنا ذوى ومـدّ دموعي عـن دم ذوب مهجتي لذا احمرّ مني الدمع وابيض مفـرقي أحـنّ وإن بانوا وأحنوا وإن جفـوا وأهوى الحمى إذ كان معهدهـم بـه فإن أشأمـوا وخـداً فـاني مشئـم فلا المـاء يحلـو بعدهم ويلذّ لـي أقـول لدهـري يـوم فرّق بيننـا فهـل لخليط أسهر الجفن إذ نـأى فقـال ألا للناس طـول زمانهـم فقلـت لعينيّ اسكبـا أدمعاً دمـاً ومَن لي بصحب كم هنا لي سائغاً فيـا عاذلـي فيهم ألـم تدرِ أنني فبان ولـو عادوا يعود المطلـق فما هـو من بعد التفرق مـورق وكيـف يمـدّ العين ما هو يحرق أسى وبعيني اسودّ غربٌ ومشرق وأبكي وإن نامـوا وللصب أرقوا وأقلوا النقا إذا منه ساروا وأعنقوا وإن أعرقـوا شوقاً بهم أنا معرق ولا العيش مهما عشت وهو منمق أيـا دهـر للاحباب أنـت المفرق إياب وهـل للنوم في العين مخفق لكل اجتـماع بعـد حيـن تفـرق على جيرة مني صفا العـيش رنقوا بهـم مصبح قبـل الثنائي ومغبق بهـم واليهـم مستهـام وشيــق


(236)
    الشيخ أحمد درويش علي. برع في مختلف الفنون الأدبية وألّف وصنّف وأصبح أحد أقطاب الأدب في الأوساط العلمية ترجم له السيد الأمين في الأعيان والأديب سلمان هادي الطعمة قال عنه أنه بغدادي الأصل وكان أديباً فاضلاً له كتاب ( كنز الأديب في كل فن عجيب ) (1) وله ارشاد الطالبين في معرفة النبي والأئمة الطاهرين ، وأثنى عليه الشيخ اغا بزرك الطهراني فقال : هو الشيخ أحمد بن الشيخ درويش علي بن الحسين بن علي بن محمد البغدادي الحائري ، عالم متبحر وخبير ضليع ، ولد في كربلاء عصر عاشوراء 1262 كما رأيته بخطه نقلاً عن خط والده. نشأ محبا للعلم والأدب فجدّ في طلبهما حتى حصل على الشيء الكثير وكان الغالب عليه حبّ العزلة والانزواء وأصبح على أثرهما مصنفاً مكثراً في أبواب المنقول من السير والتواريخ والأحاديث والمواعظ مما يبهج النفوس ويبهر العقول فمن تصانيفه كتابه الكبير ( كنز الأديب في كل فنٍّ عجيب ) سبع مجلدات ضخام ذكر أنه ألّفه في مدة ثلاثين سنة رأيته بخطه الجيد عند ابن اخته وله الدرة البهية في هداية البرية جزئين أحدهما في المواعظ والثاني في الأخلاق وهما بخطه أيضاً عند ابن اخته أيضاً. وكتب عنه البحاثة خير الدين الزركلي في الاعلام. وجاء له من الشعر سواء في رثاء أهل البيت أو في أغراض أُخر أعرضنا عن ذكره أما قصيدته في الإمام الحسين (ع) التي رواها الكثير فنكتفي بذكر مطلعها وهي تزيد على الثلاثين بيتاً :
عجباً لعين فيكم لا تدمع عجباً لقلب كيف لا يتصدع

1 ـ أقول ورأيت من هذا الكتاب في مكتبة الآثار ببغداد عدة مجلدات ضخام ، وفي الجزء الأول منه ـ ترجمة لجدنا الأكبر السيد عبد الله شبر صاحب المؤلفات الكثيرة.

(237)
الشيخ كاظم الهر
المتوفى 1330
لكـن يـوم الطـف أشجى فـادح لم أنسَ في أرض الطفوف مصائبا تفنى الليالـي وهـي باق ذكرهـا يـوم بـه سبـط النبـي محمـد يـوم بـه نادى الحسين ولم يجـد يـوم به شمـر الخنا يـرقى على يـوم بـه قـد زلـزلت زلزالها لا غرو إن مطرت سحائب مقلتي وبقيـة الله الـذي ينمـى الـى يبقـى ثلاثـاً بالتـراب معفـراً ملقـى ولكن نسج أنفاس الصبـا وأمضّ يـوم بالأسى مشحـون بقيـت وأفنـت سالفات قرون فـي كل وقت لا تزال وحين تـبكي له حـزناً عيون الدين بيـن العـدا من ناصر ومعين صـدر إلى علم النبي مكيـن سبق الطباق ودك كل رصين بـدم كمنهل السحاب هتـون جـدٍّ لأسـرار الكتاب مبيـن دام بحـدّ حسامها المسنـون أضحى له بـدلاً مـن التكفين
    آل الهر اسرة ادبية علمية لها شهرتها ومكانتها (1) ولعل أشهرهم هو الشيخ كاظم المولود في كربلاء عام 1257 ه‍ شب وترعرع على حب العلم والكمال فقد درس المقدمات وسهر على علمي الفقه والاصول بالدراسة على أفذاذ عصره فكان مثالاً صالحاً ومفخرة تعتز به كربلاء ، يقول الشيخ السماوي في إرجوزته :
1 ـ تنحدر من اسرة عربية عريقة بعروبتها تعرف ب‍ ( آل عيسى ).

(238)
وكالأديب الكاظم بن الصادق فشعـره كان لأهـل البيت ظريف آل الهر في الحقائق مشتهـر كغـرّة الكميـت
    كان عالماً فقيهاً وكانت له حوزة للتدريس في مدرسة حسن خان ، وله ديوان شعر جلّه في مدح آل البيت صلوات الله عليهم ، لم يزل مخطوطاً ، كتب عنه الشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ) والسيد الأمين في ( الأعيان ) وترجم له أخيراً الأديب سلمان هادي الطعمة في مؤلفه ( شعراء من كربلاء ) واستشهد بشيء من غزله ورثائه ومراسلاته وقال : توفي سنة 1330 عن عمر يقدّر بالستين ودفن بكربلاء.
    أقول رأيت له قصائد مطولة ومنها مرثية في الإمام الحسن السبط ، وثانية في الامام السجاد علي بن الحسين ، وثالثة في رثاء الامام جعفر بن محمد الصادق ، ورابعة في الامام باب الحوائج موسى بن جعفر ، وخامسة في الامام محمد الجواد عليه السلام مما جعلني أعتقد أنه رثى جميع أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم. وهذه قطعة غزلية من شعره :
وسيتك مـن خـود الغواني غادة تختـال مـن مرح الدلال بقدّها نشوانة الأعطاف من خمر الصبا للكاعـب النهديـن شوقي وافـر ريحان الصب المشـوق وروحه رقّـت شمايلهـا وراقت منظراً مالت كغصن البان رنحه الصبا نشـرت ذوائـب جعدها وكأنما فيهـا دمـاء العاشقين تبـاح ويروق في ذات الدلال وشاح رجراجة الأرداف فهي رداح ومـديد طرفي نحوها طماح سيان عـذب رضابها والراح وزها بروض خدودها التفاح قلبـي عليـه طائـر صداح نشـر العبير بنشرهـا فياح


(239)
يـا منـزل الأحباب والمعهـدا وانهـلّ منك الروض عن ناظر وافترّ ثغر الروض واسترجعت أنـى وسلمـى قرّبـت للنـوى مـا بالها لا رُوّعـت روعـت بـانت فمـا ألفيت في عهـدها هلا رعت عهد الصبا وارعوت صـدّت وظنـي أنها أنكـرت لـم تدر أن الشيـب في مفرقي بـانوا ولي قلـب أقام الجوى كـم أعقبوا لي يـوم ترحالهم إن لـم أمت حزناً فلي مـدمع يهمـي ربـابـاً في ربا زينب كـم صبية حامت بها لا ترى يـا قلـب هلا ذبت في لوعة فـاجزع لما لاقت بنـو أحمد حيّاك وكـافّ الحيـا مـرعدا إن ظلّ يبكـي يُضحك المعهدا فيـك ليالـي الملتقـى عـوّدا عيسـاً وللتـوديع مـدّت يـدا قلبي لدى المسرى برجع الحـدا إلا فتيـت المسـك والمـرودا كيـلا تجـوب البيـد والفد فدا منـى بيـاض الشيـب لما بدا قـد بان مـذ بـانت بنو أحمدا فيـه وجنبـي جانـب المرقدا وجـداً بـأكناف الحشا مـوقدا يحي الثـرى لـو لم أكن مكمدا يـروي شعاب الطف أو يجمدا إلا مـقـامـاة الظمـا مـوردا قـد كابدوهـا تقـرح الأكبـدا بـالطف إن الصبـر لن يحمدا


(240)
حيـث ابـن هنـد أمّ أن تنثنـي فاستأثـرت بالعـز فـي نخـوة قامـت لـدفع الضيم في موقف شبـوا لظـى الهيجاء في قضبهم يمشـون فـي ظل القنا للـوغى مـن كـل غطـريف له نجـدة يختـال نشـوانـاً كـأن القنـا سلـوا الضبا بيضاً وقد راودوا حتـى قضوا نهب القنا والضبا أفـدي جسـوماً بالفلا وزعت أفديهم صرعـى وأشـلاؤهـم هـذي عليهـا تنحنـي ركعـاً وانصاع فـرد الدين من بعدهم يستقبـل الأقـران فـي مرهف أضحت رجال الحرب من بعده مـا كلّ من ضـرب ولا سيفه يهنيـك ياغوث الورى أروع لا يـرهب الأبطال في موقف مـا بارح الهيجاء حتى قضى ولـو تـراه حـامـلاً طفـله مخضبـاً مـن فيـض أوداجه تحسـب أن السهـم في نحره ومـذ رنـت ليلى اليه غـدت للمـوت أو تلقـي له مقـودا كم أوقـدت نار الوغى والندا كادت له الأبطـال أن تقعـدا لمـا تـداعوا أصيداً أصيـدا تيهـاً متى طيـر الفنا غـرد يـدعو بمـن يلقـاه لا منجدا هيـف تعاطيه الـدما صرخدا فيهـا المنايا السـود لا الخرّدا مـا بيـن كهـل أو فتى امردا تحكي نجومـاً في الثرى ركّدا للسمر والبيض غدت مسجـدا وتلك تهـوى فـوقهـا سجدا يسطو على جمع العدى مفردا مـاض بغيـر الهام لن يغمدا تـروي حديثاً في الطلا مسندا ينبـو ولـو كان اللقا سرمـدا غيـران يوم الروع فيك اقتدى كلا ولا يعبـأ بصرف الـردى فيها نقـيّ الثـوب غمر الردى رأيـت بـدراً يحمـل الفرقدا ألبسه سهـم الـردى مجسـدا طـوق يحلـّي جيـده عسجدا تدعـو بصوت يصدع الجلمدا
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس