ادب الطف الجزء الثامن ::: 241 ـ 255
(241)
تقـول عبـد الله مـا ذنبه لم يمنحوه الورد إذ صيروا أفـديه من مرتضع ظامياً فطر مـن فرط الصدا قلبه منفطمـاً آب بسهـم الردى فيـض وريديه له مـوردا بمهجتـي لـو أنه يفتـدى يا ليت قد فطر قلبي الصدا
    الشيخ محمد رضا بن ادريس بن محمد بن جنقال بن عبد المنعم بن سعدون ابن حمد بن حمود الخزاعي النجفي ، ولد بالنجف عام 1298 ونشأ بها وتوفي سنة 1331 عن عمر يناهز الثلاثين سنة. وجده حمد هذا هو شيخ خزاعة المشهور المعروف ب‍ ( حمد ال حمود ) ترجم له صاحب ( الحصون المنيعة ) وجاء في الطليعة : كان فاضلاً مكباً على الاشتغال في النجف لتحصيل العلم ملتزماً بالتقى وكان أديباً مقلّ الشعر في جميع أحواله فمن شعره :
سقتني الأماني الهنا والسرورا وأزهـر كوكب روض الفخار فكان شـرابي شـراباً طهـورا وغصن العلى عاد غضّاً نضيرا
    والقصيدة محبوكة القوافي على هذا النفس العالي رواها الخاقاني في شعراء الغري وروى له غيرها في التشبيب والغزل والفخر والحماسة والمراسلات ، ويقول إن والد المترجم له كان من ذوي الفضل وترجم له السيد الأمين في ( أعيان الشيعة ) ج 44 / 343 وذكر من مراثيه للحسين قصيدته التي أولها :
مشيـن يلئن الأزر فوق قنا الخط ويسحبن في وجه الثرى فاضل المرط


(242)
    يرثي الحسين (ع) عام 1297 :
دهـى الدين خطب فادح هـدّ ركنه غـداة بأرض الطف حرب تجمعت لتـنحر أبـناء الـنبـي مـحمـد أمـا كان يـوم الفتح آمنها وقـد فكيـف جـزته في بنـيه بغدرهـا كأنـي باسد الـغاب من آل غالـب فيامـا أُحيلاهـم غـداة تقـلـدوا فايمانهـم تحكي ندىً سحب السمـا فـثاروا وأيـم الله لـولا قضـاؤه فسل كـربلا تنبيك عما جرى بهـا نعـم ثبتوا فيها إلى أن ثووا بـهـا وعاد فريد الدهر فـرداً يرى العدى فصال بسيف ثاقـب مثل عـزمه فتعـدوا فـراراً حين يعدو وراءها وقـد ملأ الغبرا دما مـن جسومهم فوافاه منهم في الحشى سهـم كافر ودكّ مـن الشم الـرعان ثقالهـا وحثّت على الحرب العوان رجالها بأسيافهـا مـا للنبـي ومـا لـها أعـزّ ببيض الـمرهفات حجالهـا عشية جـاءتهـم تقـود ضلالهـا وقد تخـذت مـر المنون زلالهـا من البيض بيض المرهفات صقالها وأوجههم في الحرب تحكي هلالها لمـا نالـت الأعـداء منهم منالها فحين التقـى الجمعان كانوا جبالها فعـطّر نشـر الأكـرمين رمالها تجـول وقـد سلّـت عليه نصالها ورمـح ردينـيٍّ يشـبّ نـزالهـا وتنثـال حيـث السيف منه أمالها وضيّـق بالكفـر الطغـام مجالها فليـت بقـلبي يـال قومي نبالها


(243)
ألا منـجد ينحـو البقـيع بـمقـلـة فيحثـو الثرى مستنهضاً أسـد الثرى ومـَن ضربت فـوق الضراح قبابها بني مضر الغـرّ التي سادت الـورى ألستم بها ليل الوغـى يـوم معـرك فـكيف قعـدتم والفـواطـم حسـراً فـوالله لا أنـسى المصـونـة زينباً لها الله مـن ولـهانـة بيـن نسوة تجوب بها شـرق البـلاد وغربهـا تـحنّ فيجـري من دم القلب دمعها وأعظـم رزء صدّع الصخر رزؤه وقوف بنات الوحي حسرى بمجلس تهل كغيث المـزن منها إنهلالهـا مـن اتخذت نقع الـجياد اكتحالها فمرّت على شهـب السماء ظلالها وقـد ملأت ستّ الجهات نوالـها وفرسانها عنـد اللقا ورجالـهـا وأنتـم إذا جار العـدو حمىًٍ لها غـداة استباح الظالمـون رحالها ركبن مـن النيب العجاف هزالها وتنحـو بـها سهل الفلا وجبالها حنين نياق قـد فقـدن فصالهـا وأخمد من شمس الوجود اشتعالها بـه سمعـت آل الطليـق مقالها
    السيد عباس الموسوي البغدادي ، ابن علي بن حسين بن درويش بن أحمد بن قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد نصر الله بن ربيع ابن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف بن علي بن محمد بن جعفر ( الذي يقال له الطويل وبه عرف بنوه بنو الطويل ) ابن علي بن الحسين شيتي ( ويكنى بأبي عبد الله ) ابن محمد الحائري وقبره في واسط وهو المعروف ب‍ ( العكار ) ابن ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم بن الامام جعفر الصادق بن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدين عليهم السلام.
    كان من خطباء بغداد البارزين بل خطيبها الأول ، اشتهر بالفضل والصلاح. ولد سنة احدى وسبعين ومائتين بعد الألف هجرية 1271 بمدينة بغداد ونشأ


(244)
فيها. درس النحو والمنطق وقد سجل المترجم له مبدأ تدرجه على الخطابة في كتابه ( المآتم المشجية لمن رام التعزية ) فقال :
    كنت في عنفوان الشباب شديد الاشتياق إلى استماع المراثي الحسينية وأتطلب المجالس التي تعقد لمصابه فتبيّن أبي مني ذلك فقال : أتحب أن تكون ذاكراً لمصاب سيد الشهداء فأطرقت براسي حياءً منه ، وعرف مني الرغبة فجعلني عند سلطان الذاكرين وعز المحدثين الملّه محمد بن ملّه يوسف الحلي الشهير بآل القيم وذلك سنة 1284 ه‍ فبذل إلى الجد والجهد والقصائد الغرر وأفاض من بحر تلك الدرر ، وكان عندنا يومئذ ببغداد فبقيت ملازماً له حتى بلغت من العمر سبعة عشر سنة فزوجني أبي من ابنة معلمي المزبور وذلك سنة الف ومائتين وسبع وثمانين 1287 ه‍ (1) وبقيت معه التقط من نائله ست سنوات ، ثم مضى بعدها للحلة الفيحاء وفيها قومه وعشيرته ، وهم يعدون من اشرافها فمكث فيها ستة أشهر وتوفي فيها سنة الف ومائتين وثلاث وتسعين 1293 ه‍ تغمده الله برحمته.
    أقول كتب الشاب المهذب السيد جودت السيد كاظم القزويني ترجمة وافية للسيد عباس الخطيب وعدد فيها مآثره وذلك في مخطوطه ( الروض الخميل ) وأن وفاته عصر السبت 14 شعبان سنة 1331.
1 ـ وهي شقيقة الشاعر الشيخ حسن القيّم ، فكان القيّم يعتزّ بهذه المصاهرة فلما توفي السيد علي والد السيد عباس نظم في رثائه وذلك سنة 1316 فقال :
تخطّى الـردى في فيلق منه جرار وفـلّ شبا عضب يصمم في العدا أبا أحمـد جاورت في ذلك الحمى لقـد حملوا بالأمس نعشك والتقى اليه فأخلى أُجمـة الأسـد الضـاري بأقطـع مـن ماضي الغرارين بتـار أخا المصطفى غوث الندا حامي الجار فيا لك نـعشاً والتقـى معـه ساري

(245)
    ورثاه جمع من الادباء منهم السيد حسون ابن السيد صالح القزويني البغدادي بقصيدة مطلعها :
مصاب عرا قد أرعب الكون هائله به المجد عمداً قد أُصيبت مقاتلة
    ورثاه الشيخ قاسم الحلي نجل المرحوم الشيخ محمد الملا بقصيدة عامرة في 35 بيتاً ، مطلعها :
عصفت على الدنيا بأشأم أنكد صرّ بها نسفت جبال تجلـدي
    ورثاه ولده السيد حسن بقوله :
تزلزلت الدنيا وساخت هضابها غداة انطوى تحت التراب كتابها
    وهذه المراثي موجودة في ديوانه المخطوط الذي جمعه ولده السيد حسن وفرغ منه في آخر صفر سنة 1345 ه‍ ومعها قصائد في مدائحه وخاصة ما قيل فيه عند رجوعه من حج بيت الله مع والده السيد علي.
    مؤلفاته :
    ترك المترجم له من الاثار : 1 ـ المجالس المنظمة في مقاتل العترة المحترمة.
ووسـدت فيـها حفرة جاء نشرها أبـا حسن صبراً وإن مـضّ داؤها فكم حازم في الخطب يبـدي تجـلّداً تسـيء الليالي للـكـرام كأنـمـا بقيـت برغـم الحاسـديـن بنعمة فكم أفـوه أخـرسن مـنك لسانـه دعـوه وغايـات الفخـار فـإنـه تطيب بـك الأفـواه ذكـراً كأنما فلا زال نوء اللطف يسقي ضريحه بمسكيّة مـن نافح الطيـب معطار رزايا سقاكم صـرفها رنق أكدار وزند الجوى من نار مهجته واري تطالبهـم فـي النـائبات بـأوتار يوفـرها عمـر الزمان لك الباري شقـاشق فحـل بالفصاحة هـدار جرى سابقـاً كم يكبُ قط بمضمار بكل فـم أودعـت جـونة عـطار بمنسكب من هاطل العفـو مـدرار

(246)
2 ـ ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين 3 ـ معاجز الائمة 4 ـ مقتل الحسين عليه السلام 5 ـ سلسلة الأنوار في النبي المختار 6 ـ الرحلة الرضية ـ منظومة تبلغ الألف بيتاً نظمها عند زيارته للامام الرضا (ع) سنة 1300 ه‍.
    أقول وله قصيدة تنشد في المجالس الحسينية ومنها :
فيا راكباً مهرية شأت الصبا كأن لها خيط الخيال زمام
    كنت أرويها كثيراً وأنشدها.
    وهو أبو الأشبال الأربعة : 1 ـ السيد حسين ، 2 ـ السيد حسن ، 3 ـ السيد صالح ، 4 ـ السيد هاشم ، رأيتهم واستمعت إلى خطبهم وأحاديثهم. وبعد لقد قضى السيد عباس عمراً في خدمة المنبر الحسيني واعظاً ومرشداً ومحدثاً وناصحاً ، ومنابر بغداد تشهد له ومحافلها تذكره بكل إعزاز وفخر.

(247)
إن جزتَ نـعمان الاراك فيـمـم فالروض فـي مغناه يضحك نوره قـد رصعـته بقطـرهـا فكأنمـا واسأل بجـرعاء اللوى عن جيرة بانوا فأبقـوا لـوعـة مـن بينهم وارحمتاه لتـائـق كتـم الهـوى تتصاعد الزفـرات مـن أنفـاسه نضح الحشى مـن ناضريه أدمعا يا بعـد دارهم على ابـن صبابة فكأنهـم مـذ شـطّ عنه مزارهم لـم ينسـه عهـد الديار وأهلهـا بالطف كـم معها أريـق دم وكم يوم أتت حرب لحرب بني الهدى فـاستقبـلته فتـية مـن هـاشم منه يـراع المـوت بابن حفيظة قـوم إذا سلّـوا السيوف مواضياً حيـي بـه الحيّ النزيل وسلّـم ببكاء غادية السحـاب الـمرزم نثـرت عليـه لآلئاً لـم تنظـم رحـلوا ولـم يـروا ذمام متيم قد أرقصت قلب المشوق المغرم فأذاعـه رجاف دمـع مسجـم عـن حـرّ نار في الفؤاد مكتّم يـوم النوى لكنما هـي من دم قـد زودتـه أمضّ داء مسقـم تركـوا حشـاه بين نابي أرقـم إلا مـصاب بنـي النبي الأكرم منهـا استحـلّ محـرّم بمحرم فـي فيلـق جـمّ العديد عرمرم مـن كل ليـث للقـراع مصمم حامي الحقيقـة باللـواء مـعمم صقلـوا شباهـا بالقضاء المبرم


(248)
لـو قارعت يومـاً بقارعة الوغى لتقـاصرت منـه خطـاه رهبـة لـم تدرّع مـا كان أحكـم نسجها لكنها أدرعـت بملحمـة الـوغى في مـوقف ضنكٍ يـكاد لهـوله يمشون تحـت ظلال أطراف القنا يتسارعـون إلى الحتـوف ودونه وهـووا على حرّ الصعيد بكربلا فكأنما نجـم السماء بـهـا هوى وبقـي ابن امّ الموت فرداً لم يجد فنضا حساماً أومـضـت شفراته وتكشفت ظلـمات غاشية الـوغى وسقى العدى مـن حرّ طعنة كفه وعـن الدنيـة أقعـدتـه حـمية شكـرت له الهيجاء نجـدته التي حمدت مواقفـه الكريمة مذ بهـا ومعـرّض للطعـن ثغـرة نحره فهوى صريعاً والهدى في مصرع منه ارتوت عطشى السيوف وقلبه وعليه كالأضلاع بـين ضلـوعه وأمض خطب قد تحكمـت العدى من كل محصنة قعيـدة خدرهـا صعب القياد ربيعة بن مكدم (1) وانصـاع منقـاداً بأنف مرغم داود مـن حلق الدلاص المحكم حلـق الحفـاظ بموقف لم يذمم ينـهـدّ ركـنا يـذبل ويلملـم نحو الردى مشي العطاش الهوّم جعلـوا القلـوب دريّة للاسهـم صرعى مضرجة الجوارح بالدم وكأنها كانـت بـروج الأنجـم فـي الـروع غير مهند ومطهم ومضَ البروق بعارض متجهم عـن وجـه أبلج بالهـلال ملثم كأساً مـن السم المـداف بعلقم نهضت بـه مـن عـزة وتكرم تردي من الأقران كـل غشمشم لفّ الصفـوف مـؤخـراً بمقدم ليس الكـريم على الـقنا بمحرم أبكى بـه عين السـماء بعنـدم مـن لفح نيران الظما بتضـرم مما انحنين مـن القنا المتحطـم بكرائـم التنزيـل أي تـحـكم لا تـستبيـن لناظـر متـوسم

1 ـ ربيعة بن مكدّم يضرب به المثل في الجاهلية في حمايته للظعن بعد مقلته.

(249)
قـد أصبحت بعـد الخفارة تتقـي ومروعة جمعت على حرق الأسى تدعـو ودفاع الحـريق بقـلبهـا وتقـول للحـادي رويـدك فاتـئد قف بي أُقيـم على مصارع إخوتي أنعاهم فـرسان صـدق لـم تكن وتعج تنفـث عـن حشى حـرانةٍ هتفـت بعليا هاشم مـن قـومهـا لا عذر أو تزجي الجياد إلى الوغى حتى تجـول بها على هام العـدى أتسـومـها ضيماً اميـة بعـدمـا أكلت ضباها البيض شلـو زعيمها قومـوا فكـم ولجـت ذئاب امية كم حـرمة بالطف قـد هتكت لكم كم منكـم مـن ثاكـل عبرى ولا ومخـدرات الـوحي بيـن اميـة ضـرب السياط بكفها والمعصم منهـا شظـايا قلبهـا المتألـم من حرّ ساعرة الجوى المتضرم هـذي معاهـد كـربلاء فيـمم نـوحاً كنوح الثاكـلات بمـأتم هيابة عنـد اللقـا فـي المقدم عتباً نـوافذة كوخـز الأسهـم شمّ الانـوف لها المكارم تنتمي مـن كل أشقـر سابح أو أدهم وتعـوم مـن دمها ببحر مفعم كانت لها قـدماً مـواطئ منسم مـا آن تهتف هاشم بالصيلم (1) لكم غـداة الطف أُجمة ضيغـم مـن سلـب أبراد وحرق مخيم مـن ثاكل منهـم ولا مـن أيّم تسبى بـرغمكـم كسبي الديلـم
    الشيخ علي بن قاسم الأسدي ولد سنة 1240 بالحلة وامتد عمره إلى 93 سنة وكان في ريعان شبابه وعنفوان كهولته معدوداً في جملة قراء الحلة وذاكريها في المحافل الحسينية وله في انشاد الشعر من الرثاء وغيره تلحين خاص وطريقة معروفة امتاز برقة نغمتها على غيره ، وتعرف حتى اليوم ب‍ ( الطريقة القاسمية )
1 ـ الصيلم هو الهقاف بحلف الفضول أشرف حلف أُسس في الجاهلية لنصرة المظلوم وردع الظالم ، ولما جاء الاسلام أيّده وأقرّه ، وسمي بالفضول لفضله أو لأن الذين قاموا به أسماؤهم فضل وفضيل وفاضل وكان الذي دعى لتأسيسه الزبير بن عبد المطلب لقصة حدثت في مكة

(250)
وكان هو المنشد الوحيد يومئذ لأكثر قصائد معاصريه في الحلة والنجف وبصورة خاصة لشعر السيد حيدر الحلي (1).
    لم يكن مكثراً من نظم الشعر وتوجد من شعره في الغزل والمدح والنسيب والرثاء جملة في مجموعة عند ابن اخت له في الحلة يعرف بالشيخ أحمد الراضي ، لأن المترجم له لم تك له ذرية حيث لم يتزوج قط وتوفي في جمادى الأولى سنة 1332 ونقل إلى النجف ودفن في وادي السلام ، نقل الشيخ اليعقوبي عن مجموعته طائفة من غزله ومديحه ورثائه واليكم هذه القطعة في الغزل وهي من قصيدة :
لله مـن رشأ قـد زارنا سحراً إذا رنا ينفث السحر الحلال فلم فيا له قمـراً تسبيـك طلعتـه فهـزّ أعـطافه دلاً على نغـم وطاف فـي أُخت خديه موردة ما راق للعين شيء مثل منظره لو أن إكليله المعقوص من شعر كأنما فـرعه مـن جنحه الداجـي يترك لهاروت سحراً طرفه الساجي يـغشى العيـون بنور منه وهـاج واختال يخطـر مـن زهو بديباج ممـزوجة بملـّث القطـر ثجـاج في الحسن إي وسماء ذات أبـراج يـراه كسرى قـد تاه فـي التاج
    وللشاعر عدة قصائد في رثاء أهل البيت عليهم السلام رأيتها في مخطوطة الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي والتي هي اليوم في حيازة ولده الخطيب الشيخ موسى اليعقوبي واليك مطالعها :
1 ـ يــا غــاديـاً يــطــوي 2 ـ أيها الممتـطي الشملـة يطـوي 3 ـ أبا الفضل يا ليث الكريهة إن سطا 4 ـ أقـم المطـي بساحـة البطـحاء 5 ـ مـا بال هـاشم عن بني الطلقاء 6 ـ انتثري يـا شهـب أبـراج السما بـمسراه السهـولة والوعورة في سراه أديـم تلك النواحـي يُراع الردى منه بضنك الملاحم في خير حـيٍّ مـن بني العلياء قعـدت ولـم توقد لظى الهيجاء لقـد أطـلّ فادح قـد عـظما

1 ـ البابليات للشيخ اليعقوبي.

(251)
لـم لا نجيـب وقـد وافى لنا الطـلب ماذا الـذي عن طـلاب العـز يقعـدنا تأبى عـن الـذل أعـراق لنا طهـرت هي الـمعالي فمـن لم يـرق غاربهـا أكرم ببطن الثـرى عن وجهـه بـدلاً كفاك فـي تـرك عـيش الذل موعظة قطب الحروب أتى يطوي السابسب من يحمي حـمى الديـن لا يلوي عزيـمته وكيـف تثني صروف الدهـر عزمته أخـلق بمن تشـرق الـدنيا بـطلعتـه ركـن الـعبـادة فيهـا قـام يبعـثه قـد ذاق كاس حـميا الحـبّ مترعة لم أنسـه لمحاني الطـف مـرتحـلاً حتـى أناخ علـيها في جـحاجحـة أسـود غاب يـروع المـوت بأسهم الـضارب الهام لا يـأدي قـتيلهـم وكـم نولّي ومنا الأمـر مقتـرب والخيـل فينا وفينا السمـر واليلب فـلا تلـمّ علـى ساحاتها الريـب لم يجـده النسب الوضاح والحسب إن لـم تنل رتبة من دونها الرتب يوم الطفـوف ففي أبنائه العـجب فـوق النجائب أدنى سيرها الخبب فـقد النصيـر ولا تـعتاقه النوب وهي التي من سناها تكشف الكرب ومـن لعلياه دان العجـم والعـرب داعي المحبة لا خوف ولا رغـب وعنه زال الغطا وانـزاحت الحجب تسري بـه القـود والمهرية النجب تهـون عندهـم الجلّى إذا غضبـوا ولا تقوم لهم اسـد الوغـى الغـلب والسالب الشـوس لا يـرتدّ ما سلبوا


(252)
أيمانهـم في الوغى ترمي بصاعقة واسـوا حسيناً وباعـوا فيه أنفسهم حتى تولـوا وولّى الدهـر خلفهـم وظل سبـط رسـول الله منفـرداً يا سيداً سمـت الأرض السماء به إن تبق ملقى على البوغاء منجدلاً فـربّ جـلاء قـد جلّيت كربتها فيك المدايح طـابت مثلما حسنت أرى المعالي بعـد السبط شاحبـة وكيـف لا تنـزع العلياء جـدّتها وفي الندى من حياها تخجل السحب ووازروه وأدّوا فيـه مـا يـجـب ومـا بقي للعلى حبـل ولا سبـب لا إخـوة دونه تحمي ولا صحـب وأصبحت تغبط الحصبا بها الشهب مبضع الجسم تسفي فوقك التـرب ورب هيجا خبا منها بـك اللهـب فيك المراثي وفاهت باسمك الندب منها الوجوه ومنها الحسـن مستلب ومفخـر الدين قد أودى به العطب
    السيد ناصر السيد أحمد ابن السد عبد الصمد البحراني البصري. يتصل نسبه بالسادة آل شبانه وينتهون بنسبهم غلى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام. كان من العلماء الأعلام هاجر إلى النجف وحضر بحث الشيخ مرتضى الانصاري رحمه الله فاعجب الشيخ به وطلب من أبيه إبقاءه في النجف الأشرف للاشتغال ولو مقدار سنتين ثم سافر للبصرة وكان الطلب من أهلها بالبقاء عندهم إذ كانت مؤهلات رجل الاصلاح متوفرة فيه وهكذا أصبحت شخصيته الوحيدة في البصرة ونال بها زعامة الدين والدنيا وخضع له الامراء والوزراء وهابه الملوك والسلاطين وامتثل أمره القاصي والداني ، وكان قاعدة رصينة للفضيلة وتحقيق الحق وان صدى احاديثه وسيرته حديث الأندية وسيبقى لأنه مثال من أمثلة الاستقامة والعدالة.
    قال صاحب أنوار البدرين : للسيد من المصنفات كتاب في التوحيد على قواعد الحكماء والمتكلمين ، استعرته منه وطالعته في بعض أسفاري ولا أنسى


(253)
أني قرضته بخطي ، وله منظومة في الإمامة ولا سيما في يوم الغدير ، قرأ عليّ سلمه الله جملة منها وله قصائد جيدة في رثاء الحسين عليه السلام بليغة. انتهى
    ولد بالبحرين سنة 1260 ه‍. وتوفي يوم الجمعة 22 رجب سنة 1331 في البصرة وعمره أكثر من سبعين سنة ونقل إلى النجف الأشرف في الفرات (1) وقال فيه السيد جعفر الحلي عدة قصائد مثبتة مشهورة. ومن شعره ما أجاب به السيد جعفر معتذراً عن تأخير رسالة :
يا جيرة الحي وأهـل الصفا قد لاح لي من أرضكم بارق فقلـت أهـلاً بأهيـل النقـا هيهـات أجفـوهم وقلبي لهم جـاء كتاب منـك تشكو به لـكنما جشـمتـنـي خطـة فحيـث أدليـت بعـذر لـنا جرحت جـرحاً ثـم آسيتـه قـد برح الوجـد بنا والخفا ذكرني رسماً لسلـمى عـفا وإن بدا منهـم أشـدّ الجفـا لم يـر عنهـم أبداً مصرفا جفاه خـلٍّ عنك لـم يصدفا كلفتـني فيها خـلاف الوفا قلنا عفا الرحمـن عمن عفا فأنت منك الدا ، وأنت الشفا
    وقال أحد مترجميه : عالم البصرة والرئيس المطاع فيها وفي نواحيها ، حكي عنه أن كل آبائه إلى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام علماء فضلاء ادباء. وقد تخرج في النجف على الشيخ مهدي الجعفري والشيخ راضي النجفي ثم انتقل إلى البصرة وأقام فيها علماً ومرجعاً ، وكان آية في الذكاء وقوة الحافظة والملح والنوادر مع الجلالة والعظمة والوقار والهيبة وحسن المعاشرة لا يمل جليسه ، محمود السيرة محسناً إلى الفقراء والغرباء والمترددين شاعراً أديباً لم يعقب. وكان مولده رحمه الله بالبحرين ومن أجمل ما أروي له من الشعر قوله :
1 ـ دفن في أحدى غرف الساباط في الصحن الحيدري الشريف ، وهي حجرة السيد محمد خليفة.

(254)
مني تعلمـت السحائب وكفهـا أنّى لها ببلوغ شأوي في الهوى وبي اقتدت في نوحها الورقاء وأنا الفصيح وها هي العجماء
    رأيتها في كتاب ( أحسن الوديعة ) ويتناقل الناس باعجاب عظمته وحسن سيرته وخشونته بذات الله وكيف كان لا تأخذه في الله لومة لائم حتى نقل لي بعض المؤمنين أن فلاحاً فقيراً ضربه أكبر اقطاعي بالبصرة وصدفة جاء هذا الثري لزيارة السيد فانتفض السيد غاضباً واقتص منه لذلك الفقير ، فما كان من هذا الثري المختال إلا أن يعتذر ويقبل يد السيد.
    وعندما نقرأ ما دار من المراسلة بينه وبين الشيخ محمد جواد الشبيبي نعرف عظمة هذه الشخصية ونفوذها الاجتماعي. ذكره الشيخ النقدي في الروض النضير فقال : عالم علامة في علوم شتى من الرياضية والطبيعية والأدبية والدينية وكانت له حافظة غريبة قلّ ما توجد في مثله من أهل هذا العصر ، وكان على جلالته يباحث حتى المبتدئين من طلاب العلم ، ملك أزمّة قلوب الشرق عموماً حتى الملوك والحكام ، وكانت الدولة التركية تحترمه غاية الاحترام ، وكان لكلامه نفوذ تام لديهم ، وكان له توفيق غريب في الزعامة مع ديانة وأمانة ورصانة وعبادة وتقوى لإظهار أبهة العلم ، حسن الملبس والمأكل والمشرب ، يكره التقشف وأهله. وذكره السيد الصدر في ( التكملة ) فقال : حكي عن السيد ناصر أن كل آبائه إلى الامام موسى بن جعفر عليه السلام علماء فضلاء ادباء. وذكره المصلح الكبير الشيخ كاشف الغطاء في هامش ديوان ( سحر بابل ) فاطراه بما هو أهله.
    وذكره صاحب الدرر البهية فقال : نزيل البصرة وعالمها والرئيس المطاع فيها وفي نواحيها ، وهو من آل شبانة ـ بيت كبير من بيوت الشرف والعلم والرياسة قديم في البحرين ذكر صاحب ( السلافة ) جماعة منهم.
    وله خزانة كتب كبيرة ولكن لم يبق لها أثر حيت كان عقيما ومات ولم يعقب. توفي في رجب بالبصرة. أرخ وفاته السيد حسن بحر العلوم بقوله :


(255)
اليوم ناصر آل بيت محمد أرخ بجنات النعيم مخلد
    وقال الشاعر الكبير مفخرة الحلة الفيحاء الشيخ حمادي نوح يمدح السيد بهذه القصيدة الغراء وقد أهداها له ، وهذا ما وجدناه منها :
أيسحرني عن غاية الشرف الهوى عليّ لنعـت الـدار فياضة العـلا إذا غـاب عن آفاق بابل ناصري لـه سطعـت أفعال أروع ماجـد وأرقلـت الركبان في أمـر رشده وإن جاهدتني في القريض عصابة تصـوّر أتقـاني فـردّ مـقالهـا كأن مـعاليه على الدهـر أنجـم ويقمـرني عـن مركز الفخر قامر فرائـد ذكـر دونهـن الجـواهـر فلي من أعالي البصرة اليوم ( ناصر ) إذا غيبت شهـب المنى فهو حاضر إذا عاج مـنها وارد هـاج صادر تبـادرني في جـهـدهـا وأُبـادر حميـداً بذكري وهو جذلان شاكـر بسـود الأماني ناصعـات زواهـر
    وذكر اليعقوبي في البابليات أن مقطعاً من هذه القصيدة يخصّ الإمام الحسين (ع) ومنه :
ليومك يابن المصطفى انصدع الهدى ومَـن لسماء العـلياء يرفع سمكها عفاءً على الـدنيا إذا مـاد عرشها تـراق دمـاء الأصفيـاء عـداوة وتُنحـر قسـراً في الطفوف كأنها وتهـدى بأطراف الرماح رؤوسها ويقـدمها رأس ابن بـنت مـحمد منيـراً يـراعي نسـوة بعد قتلـه محجبـة قبـل الـزوال بـسيفـه فما لصدوع الفخر بعـدك جابـر ودارت بقطـب الكائنات الـدوائر وقـد ثلّه سيـف مـن البغي باتر ودينهـم عـن كل فحشاء زاجـر أضاع عراها في منى النسك جازر ليمـرح مأفـون ويفـرح فاجـر بــه تتـجلـّى للسـراة دياجـر بـه لـذن حسرى ما لهنّ معاجر فمـا زال إلا والصفايا حـواسـر
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس