ادب الطف الجزء الثامن ::: 256 ـ 270
(256)
هـي صعدة سمـراء أم قد وافـى بـهـنّ غـزيـّل مـتـقلّـد مـن لحـظـه كـالــبـــدر إلا أنـه شفـتـاه قـالـت للـعذار وافـتـرّ مبسمـه فـلاح فـضح الـضباء بـأتلـع ما مـرّ إلا والـجـمـال عـاتـبتـه يـوماً وقـلت أيحـلّ قـتـلُ مـتـيـم أدنى هـواك لـه الـسقام فـأجـاب هـل لك شاهد فأزور من قولي واعرض فـزجـرت قـلبي قائلاً ما آن أن تثـني عـنان فاعـدل بنا نـحو الغري هي وردة حمراء أم خـد غـنج خفيف الطبع أغيد سيفاً يـفوق عـلى المهند أبهـى وأسنى بل وأسعد فما العقيق وما الـزبرجد خـلالـه الـدرّ المنضد من جيده ، والغصن بالقد يصيح : صلوا على محمد إلى متى التعذيب والصـد غـادرتـه قـلـقاً مسهد ومنه صفو العيش نـكّـد في ذاك قلت الحال يشهد مغضبـاً عـني وعربـد أرأيت كيف أساء بالـرد الغـيّ عنه عساك ترشد وعُـد بنا فـالعود أحمد


(257)
وامـدح بـه سـرّ الآءلـه مَـن مهّد الايمان صارمه لـولا صـلـيل حسامـه مـن خـاض غـمرتـها إلا أبو حسنٍ أمـير النحل أم مَن تصـدّى لابـن ودّ وبابـه والـعيـن والـيـد ولــلاسـلام شــيــّد لـرأيـت لات الـقوم يعبد غداة حنين والهامات تحصد والـتـنـزيـل يـشـهـد ومَـن لشمـل الـقوم بـدد
    ومنها :
وأهـتـف بـخير الخلق وأطلق له العتب الممض فعـلت بـنو الطلقاء في قــد جـمّعـوا لقتالهم جيشاً تغضّ به البسيطة وقفـت لـدفـعهم كماةٌ مـن كـل قـرم لا يرى فيهـم أبو السجاد يقدمهم إن عارض الأبطال قطّ فـرماه أشقى الأشقـياء فـاغـبرّت الأكوان منه وتجاوبـت بالنوح أملاك وغـدت بـنات الوحـي عـبراتها تنهلّ والأحشاء تتصفـح القتلى وتـدعو بعد المصطفى المولى المؤيد وقل له أعـلمـتَ مـا قـد أبنـاء فـاطـمـة وأحمـد مـن كل أشئم إثـر أنـكـد مستحـيل الـحصر والعـد ـ لا تهاب الموت ـ كالسد للـسيـف إلا الـهام مغمد عـلـى طـِرفٍ مـعـوّد وإن عـلاهـم سيفـه قـد هـناك بالسهـم الـمحـدد وعاد طرف الشمس أرمـد السمـاء علـى ابن أحمـد حسرى فوق مصرعه تردد مـن حـزن تـوقـــّد حـرّة الأكـبـاد يـا جـد


(258)
هذا حسينك في عراص أنصاره مثل الأضاحي الطـف مقتول مجرد أصيد في جنب أصيد (1)
    الحاج عبد المهدي بن صالح بن حبيب بن حافظ الحائري المتوفى بكربلاء سنة 1334 ودفن بها ، كان أديباً من أعيان تجار كربلاء وملاكهم يعرف التركية والفارسية والفرنسية ، انتخب مبعوثاً في زمن الدولة التركية كما انتخب رئيساً لبلدية كربلاء ، ترجم له السيد الأمين في الأعيان والأديب المعاصر سلمان هادي الطعمة وقال : إنه من ألمع شخصيات الأدب والسياسة في مطلع قرن العشرين ، ولد بكربلاء ونشأ في اسرة عربية تعرف ب‍ آل الحافظ تنتسب إلى قبيلة خفاجة ، هاجر جدها الأعلى ـ حافظ ـ من قضاء الشطرة واستوطن كربلاء في مطلع القرن الثالث عشر الهجري ولمع منها في الأوساط التجارية والأدبية رجال عديدون منهم شاعرنا المترجم له.
    درس شاعرنا في معاهد كربلاء العلمية وتلمذ في العروض على الشاعر الشيخ كاظم الهر وساعده ذكاؤه وفطنته فحفظ عيون الشعر وكان مجلسه المطل على الروضة الحسينية المقدسة محط أنظار رجالات البلد وملتقى أهل الأدب ، وشعره يمتاز بالرقة ودقة الفكر فمن ذلك قوله :
إلى الله أشكو ما أُقاسي من الجوى وأقفـر ربـع طـالما كان خالياً فـبتّ أُقـاسي لـيلة مـكفهـرة اكفكف فيها الدمع والدمع مرسل وأذكـر داراً طالـما بـتّ آنساً غريراً إذا ما قصّر الليل وصله أهمّ بلثم الغصن من ورد خـده غـداة استقلـّت بالـحبيب ركائـبه بـه فخلـت اكـنافـه ومـلاعـبه وليس سوى الشعرى بها مَن اخاطبه كـغيث هـمى لـما ارجحنّت كتائبه بهـا بأغـنٍّ ما طـل الـوعد كاذبه أمـدّت ليـالينا الـقصار ذوائـبـه فيـمنعني مـن عقرب الصدغ لاسبه

1 ـ سوانح الأفكار في منتخب الاشعار ج 2 / 193.

(259)
    وهناك مراسلات أدبية من شعر ونثر مع الأديب الكبير الحاج محمد حسن أبو المحاسن فقد كتب للمترجم له يستدعيه لحضور مجلس انس يضم نخبة من الادباء فقال :
مـن مبلغ عني أبا صـالح ما بال مشتاق إلـى وصله لا يهتدي الانس إلى مجلس ونحن كالعقد إنتظمنا فهـل قـول محـب صادق الودّ مـعذّب بالهـجر والصـد تغيب عنه طلعة ( المهدي ) يزينـه واسطـة الـعقـد
    كتب عنه الخاقاني في شعراء الغري وذكر مراسلة الشيخ محمد جواد الشبيبي له.

(260)
    الشيخ مهدي ابن الشيخ عبود الحائري الشهير ب‍ الخاموش وهي كلمة فارسية تعني خفوت الصوت فيقال : خاموش شد (1).
    ولد بكربلاء حدود سنة 1260 وتوفي بها سنة 1332 وتدرج على مجالس العلم وأندية الأدب فبرع في الخطابة بحسن التعبير وجميل الاسلوب ونظم في كثير من المناسبات من مدح ورثاء وتهان وأعظم حسنة له أن تخرّج على يده السيد جواد الهندي خطيب كربلاء ، وعمّر المترجم له حتى تجاوز السبعين من العمر ومن قصائده المشهورة قصيدته في الإمام الحسين عليه السلام ـ وأكثر شعره في أهل البيت :
أما والهوى والغانيات الكواعب بغير ذوات الدل لستُ براغب
    وفي آخرها يصف ندبة عيال الحسين على مصارع القتلى :
تناديه مذ ألفته في الطف عارياً فمن لليتامى يابـن امّ وللنسـا بأهلي مرضوض القرى والجوانب إذا طـوّحت فـيها حداة الركائب

1 ـ يقال أنه عرضت له بحّة في صوته فصار إذا تحدث للناس لا يسمع صوته كاملاً ، فكان بعض الايرانيين يقول عنه : خاموش شد ـ أي خفي صوته ، وسلاح الخطيب نبرات الصوت ، ولذا نجد الناجح من الخطباء هو ذو الصوت الجهوري. يقول ايليا أبو ماضي :
الصوت من نعم الآءله ولم تكن ترضى السما إلا عن الصداح

(261)
رحلـتم ومـا بـيننا موعد وبتّ بداري غـريب الديار وفارق طـرفيَ طيب الرقاد أُعللّه نـظـرة في النـجوم أقـوم اشـتياقـاً لكـم تارة بكفي اكفكف دمعي الـغزير يطارح بالنـوح ورق الحمام وما كان ينشد مـن قبلكـم سوى من بقلبي لـه مضجع ومـن رزؤه ملأ الخافقـين فمـن يسأل الطف عن حاله بـأن الحـسين وفـتـيانـه أبـا حسن يا قـوام الوجـود دريت وأنت نزيل الـغـري بأن بـنيك بـرغـم الـعلى مضوا بشبا ماضيات السيوف وإثـركـم قـلبيَ المكـمد فلا مـونس لـي ولا مسعد وفي سهـده يشهـد المرقد وشهب النجـوم لـه تشهـد واخرى على بعدكـم أقعـد فـيرسلـه طـرفي الأرمد بـتذكاركـم قـلبي الـمنشد فقـيداً فـلا والـذي يعـبد ومن بالطفـوف له مشهـد وان نـفـد الـدهر لا ينفد يقـصّ علـيه ولا يجحـد ظـمايا بأكنافـه استشهدوا ويا من به الرسل قد سددوا وفوق السما قطبها الأمجـد على خطة الخسف قد بددوا وما مُـدّ للـذلّ منهـم يـد


(262)
    السيد جواد بن السيد محمد علي الحسيني الأصفهاني الحائري الشهير بالهندي الخطيب. ولد سنة 1270. وتوفي بعد مجيئه من الحج في كربلاء سنة 1333 ودفن فيها كان فاضلاً تلمذ على الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري في الفقه وكان من مشاهير الخطباء طلق اللسان أديباً شاعراً. نقرأ شعره فنحسّ منه بموالاة لأهل البيت وتفجّع ينبع من قلب جريح ينبض بالألم لما أصاب أجداده وأسياده ، حدثني الخطيب المرحوم الشيخ محمد علي قسام ـ وهو استاذ الفن (1) ـ قال : كانت له القدرة التامة على جلب القلوب وإثارة العواطف وانتباه السامعين سيما إذا تحدث عن فاجعة كربلاء فلا يكاد يملك السامع دمعته ، ونقل لي شواهد على ذلك وكيف كان يصوّر الفاجعة أمام السامع حتى كأنه يراها رأي العين ، والخطيب قسام كان متأثراً به كل التأثر ويتعجب أن يكون مثل هذا من خطيب لم تزل اللكنة ظاهرة على لسانه.
    رأيت له عدة مراثي لأهل البيت فاخترتُ منها ما وقع نظري عليه يقول الأخ السيد سلمان هادي الطعمة في ( شعراء من كربلاء ) كان مولد المترجم له في كربلاء في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ، ونشأ وترعرع في ظل اسرة علوية تنتسب للامام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، بدأ تحصيله العلمي بدراسة الفقه على العالم الكبير الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري وغيره من علماء عصره ، وحين ما وجد في نفسه الكفاءة والقدرة على الخطابة تخصص بها وأعانه صوته الجهوري مضافاً إلى معلوماته التاريخية وجودة الالقاء فدعته بيوت العلماء للخطابة فيها واعتزّت به وأكرمته ، قال الشيخ السماوي في إرجوزته المسماة ( مجالي اللطف بأرض الطف ) :
وكالخطـيب الـسيد الجواد فكم له شعـر رثى الحسينا بكى وأبكى وحوى الصفات والصارم الهنـدي في النجـاد أورى الحشى فيه وأبكى العينا فـأرخـوه ( أكـمل الخيرات )

1 ـ خطيب شهير خدم المنبر الإسلامي ردحاً من الزمن كما خدم المبدأ وهو من شعراء الحسين عليه السلام.

(263)
    وذكره السيد الأمين في الأعيان ، قال : رايته في كربلاء وحضرت مجالسه ، وجاء إلى دمشق ونحن فيها في طريقه إلى الحجاز لاداء فريضة الحج ومن شعره قوله :
الا هل ليلة فيها اجتمعنا ثقال حيثما جلسوا تراهم وما إن جاءنا فيهـا ثقالُ جبالا ، بل ودونهم الجبال
    ترجم له الخطيب اليعقوبي في حاشية ديوان أبي المحاسن وقال في بعض ما قال : وما رأيتُ ولا سمعت أحداً من الخطباء أملك منه لعنان الفنون المنبرية على كثرة ما رأيت منهم وسمعت ، فقد حاز قصب السبق بطول الباع وسعة الاطلاع في التفسير والحديث والأدب واللغة والأخلاق والتاريخ إلى غير ذلك ، توفي ليلة الأحد عاشر ربيع الأول 1333 وعمره يربو على الستين ، له ديوان شعر حاوياً لجميع أنواع الشعر وخير ما فيه رثاؤه لأهل البيت فاستمع إلى قوله في سيد الشهداء ابي عبد الله من قصيدة مطوّلة :
غريـب بأرض الطف لاقى حمامـه أُفـدّيـه خـواض المنايا غمارهـا كماة مشوا حرّى القلوب إلى الـردى فمـن كـل طلاع الثنايـا شمـردل ومن كل قرم خائض الـموت حاسراً تفانوا ولما يبق منهـم أخـو وغـىً فلم أنس لما أُبرزت مـن خدورهـا سوافـر ما أبقـوا لـهـن سواتـراً وسيقـت إلى الشامات نـحو طليقها وكافلـها السجـاد بـيـن عـداتـه تلـوح لـه فـوق الـعواسل أرؤسٌ فـواصله بين الـرماح الشوارع بكـل فـتى نحو المنون مسارع فلم يردوا غير الردى من مشارع طلوب المنايا في الثنايا الـطوالع ومن كـل لـيث بالحفيظة دارع على حومة الهيجا لحفظ الودائـع حرائر بيت الوحى حسرى المقانع تـسترّ بالأردان دون الـبراقـع نكابـد أقـتاب النياق الـظوالـع يصفّد فـي أغلالـهم والجوامـع تعـير ضياها للنـجوم الطوالـع


(264)
    وله جملة من المراثي يجمعها ديوانه المخطوط ، وحين وافاه الأجل رثاه جملة من شعراء عصره منهم الشاعر الكبير محمد حسن أبو المحاسن ومطلع قصيدته :
ليومك في الأحشاء وجدٌ مبرّح برحت ولكن الأسى ليس يبرح
    سبب اشتهاره بالهندي لسمرة في لونه أو لأنه ينحدر من سلالة كانت تسكن الهند والله أعلم ، وكان يجيد الخطابة باللغتين العربية والفارسية ، وأعقب ولداً وهو السيد كاظم المتوفى 1349 ه‍ وهو أيضاً من خطباء المنبر الحسيني وقد شاهدته بكربلاء.
    وللسيد جواد الهندي في الحسين :
اقاسي مـن الـدهر الخـؤن الدواهيا لمن أظهر الشكوى ولم أرَ في الورى وإني لأن أُغضي الجفون على القذى لأجدر من أن أشتكى الـدهر ضارعاً ويا ليـت شعري أيّ يـوميه اشتكى تـغـالبني أيـامـه بصـروفـهـا إباءً به أسـمو علـى كـل شاهـق وإنـي مـن الأمجـاد أبناء غـالب أبـاة أبـوا للضيم تـُلوى رقابـهم غـداة حـسين حـاربتـه عبيـده لقـد سيـرتهـا آل حـرب كتائـباً فنـاجزهـا حلـف المنايـا بفتـيةٍ فـثاروا لـهـم شمّ الأنوف تخالـهم ولـفّوا صفوفـاً للـعدو بـمثـلهـا ولـم ترني يوماً من الدهر شاكيا صديقـاً يـواسي أو حميماً محاميا وأمسي وجيش الهم يغزو فؤاديـا لقـوم بهم يشـتد في القلـب دائيا أيوماً مضى أم ما يكـون أمامـيا وسـوف أرى أيـامـه واللـياليا وعزماً يدك الشامخات الـرواسيا سلالـة فهـر قـد ورثـت إبائيا وقد صافحوا بيض الضبا والعواليا ورب عـبيـد قـد أعـقت مواليا بقسطلهـا تحكي اللـيالي الدياجيا كـرام يـعـدون المنـايا أمانيـا غـداة جـثوا للموت شماً رواسيا بحـدّ ظـبى تثني الخيول العواديا


(265)
بحـيث غدت بيض الظبا في أكفهـم واعطـوا رماح الخط مـا تستحقهـا إلى أن ثووا صـرعى ملبين داعيـاً وعافـوا ضحى دون الحسين نفوسهم وماتـوا كراماً بالـطفوف وخلّفـوا وراح أخو الهيجا وقطـب رجائهـا وصال عليهـم ثابت الجأش ظاميـاً فردت على أعقـابهـا منـه خيفـة وأورد فـي مـاء الطلى حـدّ سيفه إلى أن رُمي سهمـاً فأصمى فـؤادَه فخـرّ علـى وجـه الصعيد لوجهه وكادت له الأفلاك تهوي على الثرى تنازع فيـه السمـر هنـدية الظبـا ومـا زال يستسقـي ويشكو غليلـه قضى وانثنى جبريل ينعـاه معـولاً فلهفـي عليه دامـي النحر قد ثوى وقد عاد منه الرأس في ذروة القنـا بقاني دم الأبطـال حمـراً قـوانيـا فتشكر حتى الشحـر منهـم مساعيا مـن الله في حـرّ الهـجير أضاحيا ألا أفـتدي تـلك النفـوس الزواكيا مكـارم تـرويهـا الورى ومـعاليا بأبيـض ماضي الحد يلقـى الأعاديا كما صال لـيثٌ في البهائم ضاريـا وقـد بلغـت منها النفوس التراقـيا وأحشاه مـن حـرّ الظماء كما هـيا ويـا ليـت ذاك السهم أصمى فؤاديا تريـب الـمحيا لـلالـه مناجـيـا بأملاكهـا إذ خـرّ في الأرض هاويا ومن حـوله تجـري الخيول الأعاديا إلى أن قضى في جانب النهر ضامياً ألا قـد قضى مـن كان للدين حاميا ثـلاث ليال فـي البسيطـة عـاريا منيـراً كبـد التـمّ يجلـو الدياجيـا
    وللسيد جواد الحائري مرثية مطولة اخترنا منها :
أيّ طـرف يـلذّ طيب الرقاد ما أرى للكـرام أذكى لهـيب ولـذا منهـم النفـوس الزاكي سيما المصطفيـن فتيان فهـر في مصاب أقرّ طرف الأعادي في الحشا مـن شماتة الحسـاد طـربت للجـلاد يـوم الجلاد سادة الخلـق حاظراً بعد بادي


(266)
المـلاقـون بـابـتسـام وبـشر وأولـوا العـزم والبسالة والحزم ، إن ريب المنون شتتهم في الأرض مـن طـريح على المصلى شهيد يا بـن عـمّ النبي يا واحـد الدهر أنـت كفـؤ البـتول بين البـرايا عـجباً للسماء كيـف استقـرت والـثرى كيف مـا تصدّع شجواً وقـلـوب الأنام لـم لا أُذيـبت هـدّ ركن الهـدى وأعلام ديـن واصيب الإسلام والعروة الوثقى إن أتقى الأنام أرداه أشقى الخلق فلـتبكّيـه عيـن كـل يـتيـم يا لـرزء قـد هدّ ركن المعالي عدّه الشامـتون في الشـام عيداً ومصـاب أبكـى الأنـام حقيق وقتيل بالسيف ملقـى ثـلاثـاً لسـتُ أنسـاه إذ أتتـه جنـود فغدا يحصـد الرؤوس ويؤتـي كاد أن يهلـك البـريـة لـولا بأبي ثاويـا طـريحـاً جريحاً وبأهليَ من قد غدا رأسه للشام ونساء تطـارح الـورق نوحاً وابتهـاج ركـائـب الـوفـاد وحلـم أرسـى مـن الأطـواد بـيـن الأغـوار والأنـجـاد قد بكتـه أمـلاك سبع شـداد وكهف الورى ويا خير هـادي يا عـديـم الأشبـاه والأنـداد ولها قـد أُميـل أقوى عمـاد وبـه خـرّ أعـظـم الأطواد حين جبريل قـام فيـهم ينادي الله قد نكسـت بسيف المرادي وروح التقـى وزين العـبـاد ثانـي أخـي ( ثمـودَ وعـاد ) وعيون الأضيـاف والـوفـاد حيث سرّ العداة فـي كل نادي أموياً مـن أعظـم الأعـيـاد فيه شـق الأكـبـاد لا الأبراد عافر الجسم فـي الربى والوهاد قد دعاها لحربـه ابـن زيـاد سيفـه حقـه بـيـوم حصـاد أن دعاه الآءله فـي خيـر نادي فوق أشـلائـه تجـول العوادي يهـدى علـى رؤوس الصعـاد فوق عجف النياق حسرى بوادي


(267)
أفـدي قتيـلاً بالعرى يـا أكـرم النـاس أباً رزؤك يا بـن النُجبـا أوهى عُرى الدين وقد لم يجـدنـي فيه الجَلد وأعظم الرزء كـمـد تُسبى لـذي كـلّ أحد لا كافـلٌ ، ولا ولـي تندبُ نوحـاً يا ( علي ) هاتيـك يـا رب الابا أفناهـم حـزّ الضبـا لهنّ ما بنـي العـدى تدعو إذا الصبـح بَدا مُلقـى علـى وجه الثرى وواحــد الـدهـر إبـا أوهـى مـن الدين عُرى هزّ من العـرش العـَمـد فكيـف والـدمـع جرى نساء خيـر الخلـق جـد تُهدى إلى شـرّ الـورى قـد سلبـوهـنّ الحلـي هـذا حسيـنٌ بالـعـرى عترة أصـحـاب العَبـا يا ليت عينـيـك تـرى نَوحٌ يُذيـبُ الجلـمـدا يا صبح لا عـُدتَ تُرى
    وله هذا البند في الإمام الحسين (ع) وقد قرئ في دارهم بالحلة والهندية في العشرة الاولى من المحرم في مجلس عامر بمختلف الطبقات.


(268)
    ألا يا أيها الراكب يفري كبد البيد ، بتصويب وتصعيد ، على متن جواد أتلع الجيد ، نجيب تخجل الريح بل البرق لدى الجري ، إلى الحلبة في السبق ذراعاه مغاراً ، عج على جيرة أرض الطف ، وأسكب مزن الطرف ، سيولاً تبهر السحب لدى الوكف ، وعفر في ثراها المندل الرطب بل العنبر خديك ، ولجها بخضوع وخشوع بادي الحزن قد ابيضت من الأدمع عيناك ، فلو شاهدت من حلّ بها يا سعد منحوراً شهيداً لتلظيت أُوارا ، فهل تعلم أم لا يا بن خير الخلق سبط المصطفى الطهر ، عليه ضاق برّ الأرض والبحر ، أتى كوفان يحدو نحوها النجب ، وقد كانوا اليه كتبوا الكتب ، وقد أمّهم يرجو بمسراه إلى نحوهم الأمن ، فخفّت أهلها بابن زياد وحداها سالف الضغن ، وأمّت خيرة الناس ضحى بالضرب والطعن ، هناك ابتدرت للحرب أمجاد بهاليل ، تخال البيض في أيديهم طيراً ابابيل ، فدارت بهم دائرة الحرب وبانت لهم فيها أفاعيل ، وقد أقبلت الأبطال من آل علي لعناق الطعن والضرب ، ونالت آل حرب بهم الشؤم بل الحرب ، كما قد غبروا في أوجه القوم وغصت منهم بالسمر والبيض رحى الحرب ، كرام نقباء نجباء نبلاء فضلاء حلماء حكماء علماء ، وليوث غالبية ، وحماة هاشمية ، بل شموس فاطمية وبدور طالبية ، فلقد حاموا خدورا ، ولقد أشفوا صدورا ، ولقد طابوا نجاراً أسد مذ دافعوا عن حرم الرحمن أرجاس ، فما تسمع إلا رنة السيف على الطاس ، من الداعين للدين هداة الخلق لا بل سادة الناس ، ولو تبصر شيئاً لرأيت البيض قد غاصت على الرأس ، ففرت فرق الشرك ثباً من شدة البأس ، ولا تعرف ملجى لا ولا تعقل منجى ، لا ولا تدري إلى أين تولي وجهها منهم فرارا ولم يرتفع العثير إلا وهم صرعى مطاعين ، على الرمضاء ثاوين ، بلا دفن وتكفين تدوس الخيل منهم عقرت أفئدة المجد ، ومجّت منهم البوغا دماً عزّ على المختار أحمد ، ففازوا بعناق الحور إذ حازوا علاءً وفخارا ، ولم يبق سوى السبط وحيداً بين


(269)
أعداه ، فريداً يا بنفسي ما من يتفداه ، وإذ قد علم السبط بأن لا ينفع الأقوام إنذار ، ولا وعظ وتحذير وإزجار ، تلقاهم بقلب ثابت لا يعرف الرعب وسيف طالما عن وجه خير الخلق طراً كشف الكرب ، وناداهم إلى أين عبيد الامة اليوم تولون ، وقد أفنيتم صحبي وأهلي فإلى أين تفرون.
    وقد ذكرهم فعل علي يوم صفين ، وفي جمعهم قد نعبت أغربة البين ، وما تنظر أن صال على الجمع سوى كف كميٍّ نادر أو رأس ليث طائر في حومة البيد ، ترى أفئدة الفرسان والشجعان والأقران من صولته في قلب رعديد ولما خطّ في اللوح يراع القدر المحتوم أن السبط منحور ، هوى قطب رحى العالم للارض كما قد خرّ موسى من ذرى الطور ، صريعاً ضامياً والعجب الأعجب أن يظمى وقد سال حشاه بالدم المهراق حتى بلغ السيل زبى الطف ، لقىً ينظر طوراً عسكر الشرك وطوراً لبنات المصطفى يرمق بالطرف ، هناك الشمر قد أقبل ينحو موضع اللثم لخير الخلق يا شلت يدا شمر ، فكان القدر المقدور واصطك جبين المجد إذ شال على الرمح محيّا الشمس والبدر ، وداست خيلهم يا عرقبت من معدن العلم فقار الظهر والصدر ، طريحاً بربى الطف ثلاثاً يا بنفسي لن يوارى ، وأدهى كل دهماء بقلب المصطفى الطاهر توري شرر الوجد ، هجوم الخيل والجند ، على هتك خدور الفاطميات وإضرام لهيب النار في الرحل بلا منع ولا صدّ ، وقد نادى المنادى يا لحاه الله بالنهب ، وقد جاذبت الأعداء أبراد بنات الوحي بالسلب ، فيا لله للمعشر من هاشم كيف استوطنوا الترب ، وقرّت فوق ظهر الذل والهون وقد أبدت نساهم حاسرات بربى البيد بنو حرب ، على عجف المطايا بهم تهتف بالعتب ، أفتيان لوي كيف نسري معهم ليس لنا ستر ، ومنا تصهر الشمس وجوها بكم لم تبرح الخدر ، ألا أين الحفاظ اليوم والغيرة والباس ، ألا أين أخو النخوة والغيرة عباس ، أتسبى لكم مثل سبايا الترك والديلم ربات خدور ما عهدنا لكم عن مثله صبر ،


(270)
ونستاق أُسارى حسراً بين عداكم ليزيد شارب الخمر ، لقد خابت فغضّت بصراً عن عتبهم إذ حال ما بينهم الموت ، ونادت بعلي هتفاً مبحوحة الصوت ، على مثل بني المختار يا عين فجودي واسكبي أدمعك اليوم غزارا ، ويا قلب لآل المرتضى ويحك فاسعدني أوارا ، فعليهم عدد الرمل سلام ليس يحصى وثناء لا يُجارى.
    هو السيد باقر ابن السيد هادي ابن السيد ميرزا صالح ابن السيد مهدي القزويني. ودوحة آل القزويني كل أغصانها شعراء وعلماء وادباء فكلهم أهل فضل وأدب وكرم. أرسله والده مع اخوته في عنفوان صباه إلى النجف لتحصيل العلم وما كانوا يفارقونها إلا في شهور التعطيل ، وقد برع المترجم له فأتقن العلوم العربية بمدة وجيزة على جماعة من الأساتذة وكان آية في الذكاء مؤهلاً لنيل المقامات العالية التي بلغها أسلافه الكرام ، وجلّ ما حصل عليه من الأدب هو من عمه السيد أحمد وعم أبيه السيد محمد ، ولما اقترن بإحدى كرائم خاله السيد موسى بن جعفر عقدت له مهرجانات أدبية ألقيت فيها القصائد والتهاني.
    ولد في ربيع الاول سنة 1304 وتوفي في جمادى الثانية سنة 1333. قال عنه أخوه العلامة السيد مهدي القزويني في مقدمة ديوانه المخطوط الذي سماه ب‍ اللؤلؤ النظيم والدر اليتيم ـ كان عالماً فاضلاً مهذباً كاملاً ، حديد الذهن جيد الفهم ، حلو التعبير وسل مَن به خبير : له منظومة في الصرف محلاة بأحلى بيان ، ومتن مختصر في المعاني والبيان ومنظومة في نسبه الشريف. قال الشاب البحاثة السيد جودت القزويني : وقفت على نسخة بالية طمست أكثر أوراقها من منظومته في الصرف وهي تنيف على 500 بيتِ ، أولها :
قال فقير الزاد للمعاد محمد الباقر نجل الهادي
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس