ادب الطف الجزء الثامن ::: 286 ـ 300
(286)
لها الله من مذعورة حين اضرموا فما بال قومي لا عدمت انعطافهم أعاروني الصما فلم يسمعوا النـدا أعيـذكم أن تستباح حـريمـكـم أيرضى إباكـم أن تساق حواسراً خباها ففـرت كالحمام الحـوائـم وكانوا أباة الضيم شحـذ العزائـم ألـم يعلمـوا أني بقيـت بلاحمي وتسبى نساكم فوق عجف الرواسم كمـا شاءت الأعدا إلى شرّ غاشم
    جاء في شعراء القطيف : هو العلامة الحجة الشيخ عبد الله بن محمد بن علي ابن عيسى بن بدر القطيفي كان مولده سنة 1278 في النجف الأشرف ونشأ بها وترعرع وتفيأ ظل والده المغفور له فقد كان من مشاهير عصره علماً وفقهاً وتحقيقاً ومن هذا النمير الصافي نهل مترجمنا ثم فوجيء بفقده في أيام صباه وسافر إلى وطنه القطيف وتلمذ على يد أعلامها كالشيخ علي القديحي وأمثاله ولم يزل حتى بلغ الغاية القصوى وإذا هو ذلك المجتهد الكبير والمصلح العام ثم كرّ راجعاً إلى النجف الأشرف وبقي مدة مواصلاً للطلب بين درس وتدريس وتأليف حتى طلبه عمّه إلى القطيف وبعد أن تزوج بأحد أكفائه توجه إلى مكة لاداء فريضة الحج وبعده أبحر من مكة المكرمة إلى النجف الأشرف من طريق جدّه ولا زال موئلاً لرواد العلم والحقائق مستقلاً بحوزة علمية لما عليه من النضوج العلمي والورع والتقى والصلاح وقد ارتوى من نمير علمه الصافي كثيرون من رواد العلم والحقائق كوالدنا المرحوم والشيخ حسين القديحي وأمثالهما.
    توفي رحمه الله بالكاظمية سنة 1334 ودفن في جوار الكاظميين عليهما السلام وكان رحمه الله يقول الشعر بالمناسبات وأكثره في أهل البيت ومنه هذه المرثية :
متى فقدت أبنا لوي بن غالب إباها فلم ينهض بها عتب عاتب


(287)
أمـا قرعـت أسمـاعهـا حنـّة النسـا فكـم نظمـت جمـر العتـاب قـلائداً وكـم نثــرت كالجمر في صحن خدها وضجـت اليهـا بـالشـكايـة ضجـة أيـا إخوتـي هـل يرتضـي لكـم الإبا أيـا إخـوتي لانـت قناتي على العـدى أيا إخـوتـي هـل هنـت قدراً عليكـم أيـا إخـوتي تـدرون قد هجـم العدى أيـا إخـوتي تـدرون أنـي غنـيمـة أهـان علـى أبنـاء فهـر مسيـرنـا أهـان عليكـم أن نكـون حـواســراً أهـان علـى أبنـاء فـهـر دخـولنـا أتغضي على هضمي ، ألست الذي حمى اتغضـي علـى سبـي وسلبي وهتكهم أأسبـى ولا سمـر الـرماح شـوارع أأسبـى ولا فتيـان قومـي عـوابس بهـا مـن بني عـدنان كل ابن غابة كمـيٌ يـردّ المـوت من شزر لحظه همـام إذا مـا هـمّ بالكر في الوغى فتأتي بهـا شعـث النواصي ضوابحاً يجيـؤون كـي يستنقـذوني وصبيتي اليهـا بمـا يرمى الغيـور بثـاقـب على السمـع من قلب من الوجد ذائب مـذاب حشا مـن زفرة الغيظ لاهـب تميـل بأرجـاء الجبـال الأهـاضب بـأن تعـرضوا عتـى بأيدي الأجانب فلـم يخش بطش الانتقـام محاربـي فهانـت عليكم ـ لا حييت ـ مصائبي علـي خبائـي واستباحـوا مضاربي غـدوت ورحلـي راح نهبـة ناهـب إلى الشام حسرى فوق خوص الركائب كما شـاءت الأعـدا بأيدي الأجانب علـى مجلس الطاغـي بغير جلابـب بسمـر القنا خدري وبيـض القواضب حمـاي كأني ليـس حامي الحمى أبي أمـامي ولا البيـض الرقـاق بجانبي يـرف لـواها في متـون السلاهـب يرى الصارم الهندي أصدق صاحـب مروع حشى من شدة الخـوف ذائب تدكدكـت الأبطـال تحت الشـوازب تـقلّ بها مثـل الجبال الأهاضـب مـن الأسـر أو واذل أبناء غالـب


(288)
    ( وله في رثاء أبي الفضل العباس عن لسان الحسين عليهما السلام ) :
طـويت على مثـل وخـز الرماح ورحـت كمـا بـي تمنّى الحسـود وبـتّ علـى مثـل شـوك القتـاد تغـيبـت فاظـلـمّ وجـه النهـار فـقــدتـك درعـاً بـه أتـقـي أبـا الفضل رحـت فـروح التقى عـجيـب مقيـلك فـوق الثـرى مـن العدل تمسي ببطــن اللحود مـن العـدل يألف جفني الكـرى مـن العـدل يـألف قلبي السلـو تـرانيَ إن أقـض وجـدا عليك تـرانـي إن أحتـرق بالـزفيـر أأصغي وقد شل عضب الخطوب أأصغـي وقـد فـلّ مني الزمان خلـعـت سلـويّ لمـا سـطـا سـأسكـب مـاء عيوني عليك ضلوعـي أو مثـل حزّ الصفاح وقـد لان للدهـر مني الجمـاح أردد أنـفـاس دامـي الجـراح بعينـي واسـود وجـه الصباح مـن الـدهر طعن القنا والرماح عقيبـك قـد آذنـت بالـرواح ألـيس مقيلك فـوق الضـراح وانشـق بعـدك عـذب الرياح وبـالتـرب إنسـان عينيّ طاح وأنـت الفقيـد وأنـت المنـاح علـيّ بـذا حـرج أو جـنـاح عـليـك ألامُ وتلـحـو اللـواح كـلا ساعـديّ ، إلـى قول لاح صفـيحة عـزم تفـلّ الصفـاح على صبري الدهر شاكي السلاح لـميـت صبـري مـاءً قـراح


(289)
أحلمـا وكادت تمـوت السنـن وأوشــك ديـن أبيـك النبـي وهـذي رعاياك تشكـو اليـك تناديـك معـلنـة بالنـحيـب وتـذري لمـا نالـهـا أدمعـاً ولـم تـرم طرفـك في رأفـةٍ لقـد غـرّ إمهالك المستطيـل تـوانيـت فاغتنمـوا فرصـة وعـادوا على فيئكـم غائريـن فطبـّق ظـلمهـم الخـافقيـن ولـم يغتـدوا منـك في رهبة فمـذ عمّنا الجـور واستحكموا شخصنا اليـك بـأبصارنــا وفيـك استغثنـا فإن لـم تكن إلـى مَ تغضّ علـى ما دهاك أتغضي الجفـون وعهـدي بها ثناك القضـا أو لسـت الـذي أم الـوهن أخـرّ عنك النهوض لطـول انتظارك يابن الحسن يمـحى ويرجع ديـن الـوثن مـا نالها مـن عظيم المحن اليـك ومبـديـة للشـجـن جريـن فلـم تحكهنّ المـزن اليها ولـم تصغِ منـك الاذن عـداك فباتوا على مطمئـن وأبدوا من الضغن ما قد كمن وأظهـرت اليـوم منها إلاحن وعـمّ على سهلهـا والحـزَن كأنـك يا ابن الهـدى لم تكن بأمـوالنا واستباحـوا الوطـن شخـوص الغريق لمـرّ السفن مـغـيثـاً مجيـراً وإلا فمـن جـفنا وتنـظـر وقـع الفتـن على الضيم لا يعتريهـا الوسن يكون لك الشيء إن قلـت كـن أحاشيـك أن يعتريـك الوهـن


(290)
أم الجبـن كهـم ماضيك مـذ أتنـسى مـصائـب آبـائـك مصاب النبي وغصب الوصي ولكـنّ لا مثـل يوم الطفوف غـداة قضى السبط في فتيـة تغسّـل أجسـامهـم بالنجيـع تفانـوا عطاشا فليـت الفرات وأعظـم ما نالـكـم حـادث هجـوم العـدو على رحلكـم فغودرن ما بينهـم في الهجير تـدافع بالساعـدين السيـاط ولـم تـرَ دافـع ضيـم ولا فتـذري الدمـوع لمـا نالـه تراخيت حاشا علاك الجبـن التـي هـدّ مما دهاها الركن وذبـح الحسين وسـمّ الحسن فـي يـوم نائبـة في الزمن مصابيح نــور إذا الليل جن وتسـدي لها الـذاريات الكفن لما نالهـم مـاؤه قـد أجـن لـه الدمع ينهـلّ غيثـاً هتن وسلـب العقايـل أبرادهـن وركبنّ من فوق عجف البدن وتستر وجهـاً بفضل الردن مغيثاً لها غير مضنى يحـن ويـذري الدموع لما نالهـن
    السيد محمد القزويني نجل الحجة الكبير السيد مهدي القزويني ، ينتهي نسبه الشريف إلى محمد بن زيد بن علي بن الحسين ، وأمه كريمة الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير. كان رحمه الله موسوعة علم وأدب فإذا تحدث فحديثه كمحاضرة وافية تجمع الفقه والتفسير والأدب واللغة والنقد والتاريخ مضافاً إلى الفصاحة واللباقة وعذوبة الحديث وقوة الذاكرة ، تزينه سمات العبادة والورع فمن مميزاته أن يأمر بتقسيم الحقوق وهي عند أهلها دون أن يتسلّمها بيده ، يحرص كل الحرص على مصلحة الامة والرأفة بالضعيف فلا تأخذه في الله لومة لائم. كتب عنه الشيخ محمد علي اليعقوبي في ( البابليات ) وباعتباره تتلمذ عليه ولازمه مدة لا تقل عن عشر سنوات فقد أعطى صورة صادقة عنه وهو متأثر به كل التأثر فذكر أنه ولد في الحلة سنة 1262 وفيها نشأ وحين راهق البلوغ


(291)
هاجر للنجف الأشرف مع أخويه الكبيرين السيد ميرزا جعفر والسيد ميرزا صالح فدرس المعاني والبيان والمنطق على الكبير منهما وشطراً من الاصول عى الفاضلين الشيخ محمد والشيخ حسن الكاظميين والشيخ علي حيدر ثم رجع للحلة واشتغل بالتدريس فهذّب جملة من شباب الفيحاء وأعاد الكرّة للنجف لاستكمال الفضيلة مع أخويه المذكورين فاغترف من منهل الشريعة ما به ارتوى حتى أصبح معقد الأمل ونال رتبة الاجتهاد بشهادة المجتهدين وزعماء الدين وبعد وفاة والده السيد المهدي قدس الله نفسه وأخويه الكبيرين قام باعباء الزعامة الدينية في الحلة الفيحاء فكان المرجع في الأحكام الشرعية وموئلاً للمرافعات وفصل الخصومات وصلاة الجماعة في المسجد العام مواضباً على التدريس في الفقه والاصول وتربية النشء التربية الصالحة وقام باصلاحات عامة من تشييد مراقد علماء الحلة التي كادت أن تنطمس معالمها كمراقد آل طاووس في داخل البلد وخارجه ومرقد الشيخ المحقق أبي القاسم الهذلي ، وابن ادريس صاحب السرائر وابن فهد والشيخ ورام المالكي النجفي ، وآل نما ومقام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في آخر بساتين ( الجامعين ) على طريق ( الكفل ) وتاريخ الفراغ منه جملة ( ظهر المقام ) سنة 1317 وبالقرب منه مرقد السيد عبد الكريم ابن طاووس صاحب ( فرحة الغري ) ، ومنها تجديد عمارة مشهد الشمس وكان السيد المترجم له يقيم فيه الجماعة منتصف شوال من كل عام وتعطل الأسواق والأعمال بأمره للحضور والصلاة هناك إحتفاء بذكري ذلك اليوم الذي ردّت الشمس فيه للامام عليه السلام ، وخلّف كثيراً من الآثار العلمية منها منظومة في المواريث ، ورسالة في علم التجويد والقراءات ، ورسالة في مناسك الحج وغيرها وفي الترجمة ألوان من أدبه نثراً ونظماً تدلّنا على مواهبه ، اختاره الله ودعاه اليه فلبّى النداء فجر يوم الخميس خامس محرم الحرام أول سنة 1335 ه‍ في مسقط رأسه ـ الحلة ـ ونار الحرب العالمية الاولى مستعرة في وادي الرافدين بين الانكليز والأتراك ـ حُمل إلى النجف ودفن مع اسرته في مقبرتهم الواقعة في محلة العمارة. وترجم له صاحب الحصون المنيعة ترجمة وافية


(292)
استقى منها كل من تأخر عنه ، وكتب البحاثة علي الخاقاني في شعراء الحلة ملماً بالشارد والوارد عن حياته ومما قال : وكتب المترجم له إلى أخيه الميرزا صالح يطلب منه ( راوية ماء ) على أثر انقطاع الماء عن النجف وقد وعده أن يبعثها مع غلام اسمه ( منصور ) ليحمل بها الماء من شريعة الكوفة فقال :
فديناك إن البـركة اليـوم ماؤها وليس سوى البحر الذي تعهدونه فـان لم تغثنـا من نداك عجالة بحيث بها منصور نحوي يستقي وإلا فإني قـد هلكت مـن الظما لقد غاض حتى مسّ من أجله الضرّ علـى أنـه والله لا يشـرب البحر بـراوية مـلأى ويحملهـا المهـر من الجسر ماءً ، ليت لا بَعُد الجسر ( وإن متّ عطشانا فلا نزل القطر )
    واستمع إلى رقة عاطفته حيث يرثي أخاه الميرزا جعفر ـ وهو ممن يستحق الرثاء ـ إنه كتب بهذه القطعة إلى أخيه الآخر وهو الميرزا صالح ، واليك بعضها :
ومـن عجـب أنـي أبيـتُ ببلدة أحـاول أن أستاف تربتـه التـي وينهـض لي وجدي لمرقده الذي لكيما أُطيل العتب لو كان مصغياً فلما نشقت الطيب من أيمن الحمى يخيّـل لي كل ( الغري ) له ثـرى بهـا لشقيق الروح قد خط مضجع (1) هي المسك ، لا والله بل هي أضوع بـه ضمّ بـدر التم ، بل هو أرفع وأشكـو لـه بلواي لو كان يسمـع كبـوت فـلا أدنـو ولا أنا أرجـع وفـي كل نادٍ منـه للعين مـوضع
    وقال في جده الحسين (ع) :
بنفسي بنـات المصطفى بعد منعـة وتسلـب حتـى بالأنامـل يغتـدي ومذ أبصرت فوق الثرى لحماتهـا فعارٍ عليـه الخيـل تعدو وعافـر غـدت في أعاديها تهـان وتضـرب لها عـن عيـون الناظريـن التنقـّب جسـومـاً بأطـراف الأسنـة تنهـب على الأرض من فيض النجيع مخضب

1 ـ يقصد بلد النجف الأشرف حيث دفن أخوه فيه.

(293)
غدت تمزج الشكوى اليهم بعتبها ( أحباي لـو غير الحمام أصابكم عليهـم وتنعى ما عراها وتنـدب عتبتُ ولكن ما على الموت معتب )
    وحضر السيد أبو المعز المترجم له في مجلس السيد عبد الرحمن النقيب ببغداد عام 1322 ه‍ فجرى حديث ردّ الشمس لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأورد النقيب شكوكه حول صحة الحديث ، وأبو المعز يدلي بالبراهين الجلية والأخبار المتواترة من طرق الفريقين ، وعلى الأثر قال السيد أبو المعز :
قـد قلتُ للعلوي المحض كيف ترى فقال في النفس شيء منـه قلت لـه فقال قـد قلـت تقليـداً فقلـت لـه وقـل لـه يا عـديم المثل مجتهـداً وكـلما صحّ أن تلـقـاه مـكرمـة ومشهـد الشمس في الفيحاء إن تـره وما رواه الطحاوي (1) وابن مندة من حـديـث ردّ ذكاءٍ للامام علـي الأمر في ذاك ما بين الرواة جلي أنت المقلـّد في علـم وفي عمل فيـوشع قبله في الأعصر الأول للانبيـاء عـدا اكرومـة لولي كأنه فـي العلى نـار على جبل حديث ( أسما ) شِفاً فيه من العلل
    وعند وصول هذه الأبيات أجابه النقيب برسالة يقول فيها :
    قسماً بشرفك يا شمس المعارف والعلوم التي أنارت بنورها الفجاج واهتدى بها السالكون في كل منهاج ، لقد أعجبني بل أطربني وأنعشني بل أهزني ما أحكمه فكرك من الآيات البينات والأبيات الأبيّات ، التي تعجز الفصحاء عن مباراتها والبلغاء عن الاتيان بمثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، ولله درك لقد أقمت على المدعى عليه برهاناً حتى صار لدى الداعي عياناً ، لا شك فيه واطمأنت له النفس بلا ريب يعتريه ولا بدع ، فحضرة مولانا أمير المؤمنين
1 ـ الطحاوي هو الفقيه الحنفي أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي. وطحا قرية بصعيد مصر. وابن مندة أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن محمد ولد باصبهان سنة 434 وتوفي سنة 513 وهو محدث إلى خمسة آباء كلهم علماء.

(294)
باب مدينة علم الرسول واسد الله الغالب في ميدان تحجم من الدخول فيه الأبطال الفحول ، فمن أجل ذلك لا يستبعد ردّ ذكاء له بعد الافول ولا سيما وهو في طاعة مولاها ومَن كان في طاعة مولاه لا بدّ أن يخصه ويتولاه. والسلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته (1) ومن روائعه قوله ناظماً حديث الكساء وهو من الأحاديث الشريفة المروية في كتب الفريقين والصحاح المعتبرة ، وأوله :
روت لنا فاطمـة خيـر النسا تقــول إن سـيــد الأنـام فقـال لي إنـي أرى في بدني قـومي ، علي بـالكسا اليماني قالـت فجـئتـه وقـد لبّيتـه حديث أهل الفضل أصحاب الكسا قـد جائنـي يـوماً مـن الأيـام ضعفـا أراه اليـوم قـد أنحلني وفيـه غطينـي بـلا تـوانـي مسرعـة وبـالكسـا غطيتـه

1 ـ وحديث ردّ الشمس من المتواتر ، ذكره الفريقان في كتبهم ونظمه الشعراء في قصائدهم يقول عبد الحميد بن أبي الحديد في إحدى علوياته الشهيرة :
يا من له ردّت ذكاء ولم يفز بنضيرها من قبل إلا يوشع
    ويقول عبد الباقي العمري :
وتضيق الأرقام عن خارقات لك يا من ردّت اليه الذكاء
    ويقول الشيخ ابن نما في اطعام أهل البيت لليتيم والمسكين والأسير ومنهم علي عليهم السلام :
جـاد بالقرص والطوى ملأ جنبيه فاعاد القرص المنيرَ عليه القرص وعاف الطعام وهو سغوبُ ، والمقرض الكرام كسوب
    وقال بعض شعرائهم :
بحـب علي غلا معشر فحاميم في مدحه أُنزلت وقالـوا مقالاً بـه لا يـلي وردت له الشمس في ( بابل )
    وقال حسان بن ثابت :
يا قوم مَـن مثل علي وقد أخو رسول الله بل صهره ردّت عليه الشمس من غائب والأخ لا يعـدل بالصاحب

(295)
وكنـت أرنـو وجهه كالبـدر فما مضى الا يسيـر من زمن فقـال يـا أُمـاه إنـي أجـدُ بـأنهـا رائـحـة النـبـي قلت نعم ها هو ذا تحت الكسا فجـاء نحـوه ابنـه مسلّمـاً فمـا مـضى إلا القليـل إلا فقـال يـا ام أشـمّ عنـدك وحق مـن أولاك منـه شرفاً قلـت نعـم تحت الكسا هـذا فـأقبل السبـط لـه مستأذنـاً وما مضى من ساعـة إلا وقد أبـو الأئمـة الهـداة النجبـا فـقـال يـا سيـدة النسـاء إنـي أشـمّ في حماك رائحه يحكي شذاها عرف سيد البشر قلـت نعم تحت الكساء التحفا فجـاء يستأذن منـه سائـلاً قالت فجئـت نحوهـم مسلّمه فعندما بهـم أضاء المـوضع نادى اله الخـق جـلّ وعـلا أقسـم بـالـعـزة والجـلال مـا مـن سمـا رفعتها مبنيّه ولا خلقـتُ قمـراً منـيـراً وليس بحـر في المياه يجري فـي أربـع بعـده ليال عشـر حتـى أتـى أبـو محمد الحسن رائـحـة طـيـبة أعـتـقـدُ أخـي الوصي المـرتضى علي مدثـّر بـه تغطـى واكتسـى مستـأذناً قال له ادخـل مكرما جـاء الحسيـن السبط مستقـلا رائحـة كأنهـا المسـك الذكي أظنهـا ريـح النبي المصطفى بـجـنبـه أخـوك فيـه لاذا مسلّمـاً قـال لـه ادخـل معنا جـاء أبـوهما الغضنفر الأسد المـرتضى رابع أصحاب العبا ومَن بها زوجـتُ في السمـاء كأنهـا الـورد النديّ فايحـه وخير من لبّى وطاف واعتمر وضـمّ شبليـك وفيـه اكتنفا منه الدخول قال فادخل عاجلا قـال ادخلي محبـوّة مكرّمـه وكلهـم تحت الكساء اجتمعـوا يُسمـع أملاك السموات العلـى وبـارتفاعـي فـوق كل عالي وليس أرض في الثـرى مدحيّه كلا ولا شمسـاً أضاءت نـورا كـلا ولا فلـك البحار تسـري


(296)
إلا لأجل من هم تحت الكسا قال الأمين قلت يا رب ومن فقال لي هم معـدن الرساله وقال هـم فاطمـة وبعلهـا فقلـت يا رباه هل تأذن لي فأغتدي تحت الكساء سادسا قـال نعـم فجـاءهم مسلّماً يقـول إن الله خصكم بهـا أقرأكم رب العـلا سلامـه وهـو يقـول معلناً ومفهما قـال عليٌ قلـت يا حبيبي قال النبي والذي اصطفاني ما إن جرى ذكر لهذا الخبر إلا وأنـزل الاله الـرحمه مـن الملائك الذين صدقوا كـلا وليـس فيهم مهموم كلا ولا طالب جاجة يرى إلى قضى الله الكريم حاجته قال عليٌ نـحن والأحباب فـزنا بما نلنا ورب الكعبه مـن لـم يكن أمرهم ملتبسـا تحـت الكسا بحقهم لنـا أبن ومهبـط التنزيـل والجـلاله والمصطفى والحسنان نسلهـا أن أهبط الأرض لذاك المنزل كمـا جُعلـت خادماً وحارسا مسلّمـاً يتلـو عليهـم ( إنما ) (1) معجـزة لمـن غـدا منتبها وخصكـم بغايـة الكرامـه أمـلاكه الغـر بـما تقدمـا مـا لجلوسنـا من النصيـب وخصني بالـوحي واجتبانـي في محفل الإشياع خير معشر وفيهم حفـت جنـود جـمـّه تحرسهـم في الدهر ما تفرقوا إلا وعـنـه كشفـت همـومُ قضاءهـا عليـه قـد تعسرا وأنزل الرضوان فضلاً ساحته أشياعنا الذيـن قدمـاً طابـوا فليشـكـرنّ كل فـرد ربـّه
* * *
يا عجباً يستأذن الأميـن قال سليم قلت يا سلمان فقال إي وعزّة الجبـار عليهــم ويهجـم الخـؤن هل دخلوا ولم يك استأذانُ ..........

1 ـ آية « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ».

(297)
حـقّ أن تسكبـي الدمـوع دماء زاد كـرب البـلا بـهـم فكـأن شـدّ مـا قـد لقـي بها آل طـه مزقتهـم بهـا الحـوادث حتـى جمعت شملهم ضحى فعدا الخطب وأبـوا لــذّة الـحيـاة بــذلٍّ يتهـادون تحـت ظـل العـوالي أوجب المصطفـى عليهـم حقوقاً وقضوا تشرب القنا السمر والبيض يـا بنفسي لهـم وجـوهـا يـودّ يـا جفـوني وأن تسيلي بكاء القلـب فيهـم مشاهـد كربلاء مـن رزايـا تهـوّن الأرزاء عـاد أبنـاء أحمـد أنـبـاء عليهـم ففـرقتـهـم مسـاء ورأوا عـزة الفـنـاء بقـاء كالنشاوى قد عاقروا الصهباء أحسنـوها دون الحسيـن أداء دماهـم حـول الفرات ظِمـاء البـدر منهـا لو استمد السناء
    الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ عبد علي ابن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ولد في النجف سنة 1282 وتوفي فيها سنة 1335 ودفن بمقبرة آبائه. وكان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً مشاركاً في الفنون له شهرته العلمية والأدبية متبحراً في الفقه والاصول قوي الذهن حادّ الفكر حلو اللفظ ، حضر على الحاج ميرزا حسين الخليلي وعلى الملا كاظم صاحب الكفاية وكان أخص أصحابه به. أعقب أربعة أولاد أشهرهم الشاعر الكبير ـ اليوم ـ محمد مهدي الجواهري أما الثلاثة فهم : عبد العزيز ، هادي ، جعفر.


(298)
    وهذه قطعة من شعره هنأ بها الشيخ عباس بن الشيخ حسن بزفاف ولده الشيخ مرتضى :
غناً عن الراح لي في ريقك الخصر وفـي خـدودك ما ماج الجمال بها يـانبعـة البـان لا تجنى نضارتها لي منك لفتة ريم عن هلال دجـى يهتزّ غصن نقاً يعطـو بجيـد رشاً تـوقّـدت كفـؤاد الصـب وجنته وأطلـع السعـد بدراً مـن محاسنه مـا أسفـر الصبح من لألاء غرته أو سلّ صـارم غنج مـن لواحظه وفي محياك عن شمس وعن قمر للطـرف أبهج روض يانع نضر للعاشقين سوى الأشجان من ثمر بغيهـب من فروع الجعـد مستتر يـرنو بـذي حَوَر يفترّ عن درر فمـاج مـاء الصبا منها بمستعر بجنـح ليـل جعود منـه معتكـر إلا وهـمّ هـزيع الليـل بالسفـر إلا احتقرت مضاء الصارم الذكر
    والقصيدة مطولة ، وقال في المناسبات كثيرة من الشعر والنثر ما تحتفظ به مجاميع الادباء وخمس قصيدة السيد حسين القزويني في مدح الامامين الكاظمين عليهما السلام. وآل الجواهري من مشاهير الاسر العلمية في النجف واشتهرت بهذا اللقب بموسوعة ضخمة من أضخم الموسوعات الفقهية سميت ب‍ ( جواهر الكلام ) الفقيه الكبير الشيخ محمد حسن ، اجتمعت فيه زعامة روحية وزمنية (1) ونبغ علماء وشعراء فطاحل بهذه الاسرة وما زالت تحتفظ بمجدها وتراثها العلمي وشخصياتٍ هي قدوة في الورع والتقوى والسلوك الطيب.
1 ـ هو ابن الشيخ باقر ابن الشيخ عبد الرحيم ابن العالم العامل الاغا محمد الصغير ابن الاغا عبد الرحيم المعروف بالشريف الكبير ، ولما شرع بتأليف ( جواهر الكلام ) كان عمره 25 سنة. طبعت هذه الموسوعة عدة طبعات ، كان مولد المؤلف سنة 1202 تقريباً ووفاته غرة شعبان 1266 ه‍ ورثاه كثير من الشعراء منهم السيد حيدر الحلي وعمه السيد مهدي والشيخ صالح الكواز والشيخ ابراهيم صادق اوالشيخ عباس الملا علي والسيد حسين الطباطبائي وغيرهم من شعراء العراق ودفن بمقبرته الخاصة المجاورة لمسجده المعروف وذكر تفصيل ترجمته الشيخ اغا بزرك الطهراني في طبقات أعلام الشيعة.

(299)
    قال السيد الأمين في الأعيان وكتب المترجم له إلى صاحب سمير الحاظر وأنيس المسافر (1) :
أوضحت لي بهواك عـذرا وشرعـت لي نهجاً سلكت وأذاقـنـي طعـم الهيـام وجلـوت لي كأس الغـرام كـم عبـرة أطلقتها فغدت ميـل النـزيف أميـل من تذكي لواعج صبوتي ذكرى وزمـان أنس مرّ ما أمرى ولياليا شـقّ السـرور على مـع كل منكسر الجنون اليه قـد أطلعـت شمس الطـلا لـو استطيع عليه صبرا مـن الصبابة فيه وعـرا هـواك فاستحليت مـرا فلـن أفيـق الدهر سُكرا بـأسر الشـوق أسـرى شغفي وما عاقرت خمرا الحمـى والشـوق ذكرا زمــان فـيـه مـَرّا النـدامـى مـنك فجرا أهـدى الغنـج كسـرا منـه بليل الجعـد بدرا

1 ـ هو العلامة البحاثة الشيخ علي الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء وكتابه ( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) ست مجلدات ضخمة بالقطع الكبير مخطوط بخطه ، فيه من كل ما لذّ وطاب ، طالعته ورويت عنه ، فيه من التفسير والحديث والمسائل الفقهية والمنطقية والكلامية والنوادر الأدبية والقصائد الشعرية وقد ملأ بالعلم والأدب.

(300)
وأكبداً كظها حرّ الظمـا فغـدت مـا مسّهـا بارد ساغـت موارده كم حرة لك يابن المصطفى هتكت مـذهولة من عظيم الخطب حائرة وكم رؤوس لكم فـوق القنا رفعت وكـم رضيع لكـم يا ليت تنظـره بالسهـم منفطـم بالخيـل منحطم تغلي بقفـر بحرّ الشمس مستعر للجن والانس بين الورد والصدر بين المضلين من بدو ومن حضر لم تبق كفّ الجوى منها ولم تذر مـثل الأهلة تتلو محكم السـور يُغني محياه عن شمس وعن قمر بالسمر منتظـم بالبيض منتثـر
    الشيخ محمد حسن ابن الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، ولد في حدود 1293 وتوفي سنة 1335 في النجف الأشرف ودفن إلى جنب جده الشيخ محمد حسن في مقبرتهم. كان عالماً فاضلاً تقياً ورعاً شديد الذكاء سريع الفطنة بهي الصورة رائق الحديث له خط رائق وشعر رصين في شتى المناسبات خصوصاً في مراثي الأئمة الأطهار وله ارجوزتان الاولى في الكلام سماها ( جواهر الكلام ) والثانية في اصول الفقه. تتلمذ على الشيخ اغا رضا الهمداني والملا كاظم الخراساني قدس الله روحيهما ومنح اجارات عديدة تنص باجتهاده وأهليته لمجلس الفتوى من أساتذته وغيرهم بالرغم من عمره القصير فقد ودع الحياة في العقد الرابع من عمره ، نظم فأبدع في النظم. قال في مطلع إحدى قصائده :
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس