ادب الطف الجزء الثامن ::: 301 ـ 315
(301)
لي بين تلك الضعون أغيـد غصن نقاً فوق دعص رمل مهفهف القدّ ناعم الخد على رهيـف يكاد ينقد
    وله في اهل البيت عليهم السلام وما نالهم من حيف :
أبا صـالـح كلّـت الألسـنُ نعـجّ اليـك وأنـت العليـم أتغضي وقد عزّ أنف الضلال ويـملك أمـر الهـدى كافـر وأهـل التقى لـم تجـد مأمناً فهـذي البقيـة مـن معشـر هـم القـوم قد غصبوا فيئكم أزاحـوكم عـن مقـام بـه أفي الله يظعن عنه الـوصي تداعوا لنقض عهـود الألـى فأيـن إلى أيـن نصّ الغدير فيـا بئسمـا خلفـوا أحمـداً لقـد كتمـوه شقاق النفـوس كأن لم يكونوا أجابـوا دعـاه وأعظم خطب يطيش الحلـوم وقـوف ابنة المصطفى بينهم وقد أنكروا ما ادعت غاصبين وتقضي فـداها نفوس الورى وقد شخصت نحوك الأعين فيـما نُسـرّ ومـا نُعلـن وأنـف الـرشاد له مذعن فيغـدو وفي حكمه المؤمن وأهـل الشقا ضمها المأمن قديماً لكـم بغيهـم أكمنـوا وغيـركم منـه قـد أمكنوا بـرغم الهدى شرهم اسكنوا وشـرّ دعـيٍّ بـه يقطـن أسـروا النفـاق ولم يؤمنوا ألـم يغنهـم ذلك الموطـن بعتـرتـه وهـو المحسـن فلما قضـى نحبـه أعلنـوا ولـم يرعوا الحق إذ يذعنوا وكـل شجـى دونـه هيـّن وفي القلـب نار الأسى تكمن وكـل بمـا تدعـي موقـن وتـدفن فـي الليل إذ تدفن (1)

1 ـ سوانح الأفكار في منتخب الأشعار ج 3 / 173.

(302)
الشيخ علي شرارة
المتوفى 1335
    قال يرثي علي الاكبر ابن الحسين وقد استشهد مع أبيه بكربلاء
إذا ما صفاك الدهـر عيشاً مـروّـ قا فـلا تأمـن الدهـر الخؤون صروفـه وجـار على سـبـط النبـي بنـكبـة علـى الديـن والدنيا العفا بعـد سيـدٍ وخـُلـقـاً كـأن الله أودع حسـنـه حـوى نعتـه والمكرمـات بأسرهـا تخطى ذرى العلياء مذ طال في الخطى ومـن دوحـة منها النبـوة أورقـت فمـن ذا يدانيـه إذا انتسـب الـورى ولـم أنس شبـل السبط حيـن أجالها يصـول عليهـم مثلمـا صال حيـدر كـأن قضـاء الله يـجـري بـكفـه ولمـا دعـاه الله لـبـّاه مسـرعـاً فخـرّ عـلى وجـه الصعيـد كأنـه فنـادى أبـاه رافـع الصوت معلنـاً أصابـك سهم الدهـر سهمـاً مفوّقا حـذاراً وان يصفو لك الدهـر رونقا فـأردى لـه ذاك الشباب المـؤنقـا شبيـه رسـول الله خَلقـا ومنطقـا اليـه انتهـى وصـلا وفيه تعرّقـا فحـاز فخاراً والمكـارم والتـقـى فحـاز سما العليـاء سمتاً ومرتقى فطاهـا لها أصـل وذامنه أورقـا لـه المجـد ذلاً لاوي الجيد مطرقا فـقـرّب آجـالاً وفـرّق فيلـقـا فكـم لهـم بالسيف قد شجّ مفـرقا ومـن سيفـه يجري النجيـع تدفقا فسـارع فيما قـد دعـاه تشـوقا هـلال أضاء الافق غرباً ومشرقا أرى جدّي الطهرَ الرسولَ المصدّقا


(303)
سقانـي بكأس لسـت أظمـأ بعـدها فجـاء اليه السبـط وهـو بـرجـوة رآه ضـريبـاً للسـيـوف ورأسـه فخـرّ عليـه مثلمـا انقـضّ أجـدلٌ فقـال علـى الـدنيا العفـا بتلهـف أرى الدهر أضحى بعدك اليوم مظلما فأبعـدت عـن عيني الكرى وتركتني وأودعتنـي نـاراً تـؤجج في الحشا مضيت إلى الفردوس حـُزتَ نعيمها سقانـي زلالاً كـوثـريـاً معبّقـا يـرى إبنـه ذاك الشباب المـؤنقـا كـرأس عليٍّ شقـّه السيف مفـرقا وأجـرى عليـه دمعـه متـرقـرقا لمـن بعدك اخترتُ الرحيلَ على البقا وقـد كان دهـري فيك أزهر مشرقا فريـداً وجفـن العيـن منـي مؤرقا لهـا شعـلٌ بيـن الشغـاف تعلّقـا وملكاً رقيـت اليوم أعظـمُ مرتقـى
    الشيخ علي شرارة ابن الشيخ حسن كان عالماً فاضلاً ملمّاً بكثير من العلوم ، ومن اسرة علمية دينية أصلها من جنوب لبنان ـ بنت جبيل ـ ولهم هناك أثر كبير على توجيه الناس نحو الخير ، والمترجم له أحد أعلام هذه الاسرة وصفة أحد المعاصرين فقال : أدركت أواخر أيامه وهو شيخ كبير معتدل القامة ، يقيم في إحدى حجرات الصحن العلوي الشريف وفي الزاوية الشرقية من جهة باب القبلة ويجتمع عنده العلماء والادباء كالسيد الحبوبي والشيخ محمد جواد الشبيبي وأمثالهما وكانت حجرته ندوة العلم والأدب وهو من الشعراء المكثرين طرق أبواب الشعر ونظم في الأئمة عليهم السلام ورثى أعلام عصره. قال الشيخ الطهراني في نقباء البشر : رأيت بخطه شرحاَ على اللمعة. وترجم له صاحب ( ماضي النجف وحاضرها ) وذكر جملة من شعره وقال : توفي حدود سنة 1330 في النجف وترجم له المعاصر علي الخاقاني في ( شعراء الغري ) وذكر مرثيته المرحوم المجدد الميرزا حسن الشيرازي واخرى في مراسلاته مع السيد المجدد وجملة من رثائه لأهل البيت عليهم السلام.


(304)
عجبـاً وتـلك مـن العجائب ويـل الــزمـان وقـلّمـا مــا أنـــت إلا آبــقٌ فلكـم وكـم مـن غــدرة أفهـل تـراتـك عنـد حـا إن الشهـيـد غــداة يـوم لــم أنـس ساعـة أفردوه قــرم رأى مـرّ المنـون فبـرى الـرؤوس بسيفـه فـالأرض مـن وثـباتـه حيـث التـلاع الـبيـض فردٌ يروع الجمع ليـس له والـدهـر شيمتـه الغـرائـب يصفـو الزمان مـن الشـوائب يـا ذا الزمـان فمـن أُعاتـب أوليـتـهـا الشـمّ الأطـائـب ميـة الذمـار بهـا تطـالـب الطـف أنسـانـا المصائــب يصـول كالـليـث المحـارب لدى الـوغى حلـو المشـارب بـريَ اليـراع لخـطّ كاتـب مـادت بهـم مـن كل جانب من فيض الدما حمرٌ خواضب سـوى الصمصـام صاحـب
    منها :
مَن للرعيل إذا تزاحمت مَـن ذا يردّ إلى الحمى من يطلق العاني الأسير أين الغطارفة الجحاجح الكتائـب بـالكتـائـب تلك المصونات الغرائب مكبـلاً فـوق النجائب والخضارمة الهواضب


(305)
أيـن الالى بوجوههـا أم أيـن لا أيـن السراة وسيوفها انجلت الغياهب المنتمـون عـلاً لغالب
    منها :
سـرت الركائب حيث لا تسـري بهـنّ اليعملات وغـرائب بيـن العـدى هتفـت بخيـر قـبيلـة قومـوا عجالا فالحسيـن قـطعـوا له كفـاً عـلى منعـوه مـن ماء الفرات لا أضحـك الله الـزمان تدري بمن سرت الركائب حواسراً والصـون حاجب بشجـونهن بـدت غرائب من تحت أخمصها الكواكب ورهطـه صرعى ضرائب العافين تمطـر بالرغائـب وقـد أُبيـح لكل شـارب ووجـه ديـن الله قاطـب
    الحاج محمد حسن بن الحاج محمد صالح كبة البغدادي. ولد في شهر رمضان سنة 1269 في الكاظمية هو ابن القصر والثروة والنعمة فأصبح ابن العلم والشعر والأدب والثقافة. كان مثالاً للبر والاحسان والعطف والحنان وهو تلميذ الميرزا حسن الشيرازي (1) ثم الميرزا محمد تقي الشيرازي ، له أكثر من عشرة آلاف بيت شعر وقد نشر أكثره في ( العقد المفصل ) تأليف السيد حيدر الحلي وفي ديوان السيد محمد سعيد الحبوبي وفي ديوان السيد حيدر الحي.
1 ـ السيد ميرزا حسن الشيرازي مرجع الطائفة الامامية في عصره ، أذعنت له الملوك هيبة وإجلالا ، مولده 1230 ه‍ بشيراز وهاجر إلى النجف عام 1259 ه‍ ودرس على الشيخ مرتضى الأنصاري فكان اللامع من تلامذته على كثرتهم وعند وفاة الشيخ رشح للرياسة. وانتقل إلى سامراء حيث اتخذها مقراً فازدهت به ازدهاء لم يسبق لها أن شاهدت مثله. وانتقل إلى جوار ربه سنة 1312 وكان يومه يوماً مشهوداً ارتجت له أرجاء العالم الاسلامي وحمل نعشه على الأكتاف من سامراء إلى النجف يتسلّمه فريق بعد آخر من عشائر العراق وبلدانه ودفن بجوار مشهد الامام أمير المؤمنين في مدرسته الواقعة في الجهة الشمالية وقبره لا يزال يزار.

(306)
    توفي سنة 1336 ، كان مجلس آل كبة ندوة العلم والأدب وملتقى الأشراف وأرباب الفكر مضافاً إلى أنه مجتمع التجار فكان الحاج مصطفى ممن تدور عليه رحى التجارة في بغداد ورئاسة الجاه والمال وهو أخو المترجم له.
    كتب رسالة للسيد ميرزا جعفر القزويني جمع فيها بين المنظوم والمنثور ، يتشوق بها اليه ويتقاضاه وعداً سبق منه في زيارته لبغداد ، واليك قسم المنظوم منها :
لـوعة الوجـد أحرقت أحشائي خامرتني الأشواق في مجلس الذ أنـا لـم يصفُ لي الهنا بهواء ومـحال صفـاء دجلـة مـالم فعليـك السـلام ما سجع الورق مـن مشـوق إلى علا علـوىٍّ وفـؤادي في الحلـة الفيحاء كـر فكان السهاد من ندمائي مـذ تناءيتـم ولا عذب ماء يجرِ ماء الفرات في الزوراء سحيراً في بانـة الجرعـاء جاز هـام السماك والجوزاء
    وفي نفس تلك الرسالة قوله :
فسل دراري الافق عن محاجري وسل مغاني الكرخ عن مدامعي تلك مغانـي لـم تزل مزهـرة وسـل حمامات تئـن لـوعـةً ومـن غـداة راعني يوم النوى هـل غير بُعد نورها أرقهـا هـل غير قاني مزنها أغرقها لو لم يكن حرّ الجوى أحرقها في الدوح بالهديل من أنطقها بـذائب مـن الحشا طوّقهـا
    فأجابه السيد علي روي مقطوعتيه وقافيتيهما ضمن رسالة تركنا نشر المنثور منها ، جاء في الاولى قوله :
أرجٌ مـن مـعاهــد الـزوراء أم عروس زفّت من الكرخ تمشي نشـره فاح في حمى الفيحاء لي على الدل لا على استحياء


(307)
ونجـوم مـن الرصافة أُلبسن أم سطـور بهـا حباني حبيب أسكـرتني ألفاظـهـا ومعـا وسبتنـي صـدورهـا وقـوا هيجت لي شوقاً بها كان قدماً لفتىً ينتمي إذا انتسـب النـا حـمـى بابـل بـرود ضيـاء هـو مـن مهجتي قريب نـائي نيها فقل في الكؤوس والصهباء فيها فقل في المشـوق والحسناء كامـناً فـي ضمائـر الأحشاء س فـخـاراً لأكــرم الآبـاء
    وفي الثانية :
فكم أهاجـت في الأسى لي مهجة وكـم أذالـت في الهوى لي مقلة وكـم روت لي عنك في أسنادها وكم دعت بالفضل من ذي لهجة إلى حمى الزوراء ما أشوقها إلى مغاني الكرخ ما أرمقها مـودّةً في الدهر ما اصدقها عليـك بالثنـاء ما أنطقهـا
    استوطنت هذه الاسرة مدينة بغداد منذ العهد العباسي ، وتنسب اسرتهم إلى قبيلة ( ربيعة ) قال الشيخ حمادي نوح فيهم :
مسحت ربيعة في خصال زعيمها في الافق ناصية السماك الأعزل
    ويقول الشيخ يعقوب من قصيدة فيهم :
من القوم قد نالت ربيعة فيهم علا نحوها طرف الكواكب يطمح
    ولهم يد بيضاء في تشجيع الحركة العلمية والأدبية ، وكانت مواسم أفراحها وأتراحهم مضامير تتبارى بها شعراء العراق ، ومن مشاهيرهم في القرن الثالث عشر الحاج مصطفى الكبير المتوفى سنة 1232 ه‍ واشتهر بعده ولده الحاج محمد صالح المولود سنة 1201 ه‍ وكان على جانب عظيم من الورع والنسك ، له حظ وافر من العلوم العربية وقسط من علوم الدين غير أن مزاولته للتجارة صرفه عن مواصلة الدراسة ، وكان محباً للعلم والأدب والعلماء والشعراء لهم


(308)
عليه عِدات يتقاضونها شهرياً وسنوياً ، ومن أعماله الخالدة الحصون والمعاقل والملاجئ التي بناها للزائرين وقوافل المسافرين بين بغداد وكربلاء ، وبين كربلاء والنجف ، وبين بغداد والحلة ، وبين بغداد وسامراء ، وكانت وفاته سنة 1287 ه‍ وحمل باحتفال عظيم إلى النجف ودفن مع ابيه المصطفى في مقبرة لهم قرب باب الطوسي ، وهذه دواوين معاصري آل كبة تطفح بمديحهم والثناء عليهم ، كديوان السيد حيدر والشيخ صالح الكواز والشيخ حمادي نوح والسيد مهدي السيد داود والملا محمد القيم والشيخ عباس الملا علي النجفي وأمثالهم ، فهذا الشيخ صالح الكواز يهنيء الحاج محمد صالح كبة بقدوم ولديه : الحاج محمد رضا والحاج مصطفى من الحج سنة 1286 بقوله من قصيدة :
طـربت فعـمّ الكرام الطرب كأن سـرورك في العالميـن إلـى قـول قائلهـم صادقاً فمن كان ذا شأنه في الزمان ومَـن شاطـر الناس أمواله ليهنِ ابا المصطفى والرضا وقـد شكـر الله سعييهمـا وضوء ذكاء يمـدّ الشهـب يجاري نـوالك أنـّى ذهـب كأنا ريـاض ومنـك السحب كان حقيقـاً على أن يحـب فقد شاطرته الرضا والغضب رضا الله والمصطفين النجب وأعطاهما منـه نيل الارب
    وقد ألّف السيد حيدر الحلي كتاباً جمع فيه ما قيل في هذه الاسرة لحدّ سنة 1275 ه‍ وسماه ( دمية القصر ) وهذا الشيخ حمادي نوح يقول من قصيدة وهي في ختان العلامة الحاج محمد حسن كبة :
فتورة اللحظ تتلو آية الوسن وقرطك انتثرت دلاً سلاسله يبين فيه صفاء الخد منطبعاً إن الظبا أنحلتها سورة الفتن أم اتخذت الثريا حلية الاذن ومن سنا الخد إن عاينته يبن


(309)
بالصالح العمل ابيضّ الدجى ورعاً وفيـه أشـرقت الـدار التي لبست أبـا الرضا ونفيس الـذكر ينحـته واحـرّ قلبـاه كـم أحني على كمدٍ يـدي مـن المال صفر لم تنل إرباً وفيـه أشـرقت الأيـام بالمـنن صنيع أخلاقه لا صنعـة اليمـن مـن الحشا لك حباً جهـد مفتتن هذي الضلوع وأطويها على شجن وهـذه فضلاء العصر تحسـدني
    ومن شعر السيد حيدر يخاطب المترجم له الحاج محمد حسن كبة :
ودار عـلاً لـم يكن غيرها بها قد تضمّن صـدر النديّ صليب الصفاة صليب القناة أرى المدح يقصر عن شأوه فلست تحيط بـوصف امرء ربيب المكارم ترب السماح تـراه خبيـراً بلحن المقال نسجـن المكـارم أبـراده لدائـرة الفخر من مركز فتى ليـديه الندى يعتزي عـود معاليـه لم يُغمـز فاطنب إذا شئت أو أوجز نشا هـو والمجد في حيّز قرى المعتفي ثروة المعوز بصيـراً بتعميـة المُلغـز وقلنا لأيدي الثنا : طرزي
    وقال يخاطبه في اخرى ، مطلعها :
قل لأم العلى ولدت كريما بـدر مجـد مدحته فكأني رقّ خُلقا وراقَ خلقـا وسيمـا من مساعيه قد نظمت النجوما
    وقال فيه :
كـم مقامات نُهى حـررها وأنيقـات بهى لـو شاهها ليس فيهـا للحريريّ مقامـه جوهريّ الشعر ما سام نظامه


(310)
    وقال في مدحه :
بـاتـت تعاطينـي حُمـياهـا جاءت مـن الفردوس تهدي لنا لـو لم تكن من حورها لم يكن بـتّ كما شئـت بهـا ناعمـا في روضة تَروي صباها الشذا مـن لـم يدع الفخر من غاية تنميـه مـن حيّ العلا اسـرة هـم أنجـم الأرض بأنوارهم بيـضاء كالبـدر محيـاها نفحـة كافـور بـمسراهـا رحيقهـا بيـن ثنـايـاهـا مـعانقـاً مـرتشفـاَ فاهـا عن ( حسن ) لا عن خزاماها إلا وقـد أحـرز أقصاهـا أحلى مـن الشهـد سجاياها أضـاء أقصاهـا وأدناهـا
    وخمس قصيدة الحاج محمد حسن التي اولها :
ناديتُ مَن سلب الكرى عن ناظري مـن أخجل الغزلان في لفتاتـه وتجلـدي بقطيعـة وفراق والشمس من خدّيه بالاشراق
    وللسيد حيدر في المترجم له مدائح على عدد حروف الهجاء 28 قصيدة عدا ما قاله في أفراد آل كبة من القصائد المطولة فانه لصلته الوثيقة بهم وبالحاج محمد حسن خاصة فقدم قدّم له من شعره بكل مناسبة تكون.
    والحاج محمد حسن ابن الحاج محمد صالح عالم كبير ومجتهد يؤخذ عنه الرأي الفقهي هذا بالاضافة إلى النماذج الأدبية التي قدمناها ، نشأ ببغداد ورباه والده تربية عالية ولما هاجر إلى النجف انكبّ على التحصيل واتصل بالشيخ اغا رضا الهمداني والشيخ عباس الجصاني وأخذ عنهما ثم هاجر إلى سامراء يحضر حوزة السيد المجدد الشيرازي وبعد وفاة السيد لازم أبحاث الشيخ ميرزا محمد تقي الشيرازي وهو مثال عالٍ في التقى والورع والتضلع في الفقه والاصول وعلى جانب كبير من رياضة النفس حتى قال معاصروه ومعاشروه أنه لم يكلّف


(311)
كل أحد بأي أمر حتى الزوجة والخادم وكان يتولى اموره بنفسه ، ففي كل ليلة يستمر في مراجعة دروسه إلى منتصف الليل فكانت عجوز إيرانية تقصد وجه الله في خدمته فاذا رأته قام ليحضر طعام العشاء قالت : اجلس فأنا آتيك بطعامك ، فيجلس. وبعد فهو صاحب الثورة العراقية التي أكسبت العراق إستقلاله ، وبفتواه المباركة نهض العراق واستبسلت العشائر حتى أرغموا الانكليز على إعطاء العراق استقلاله ، لقد كان تلميذه ومرافقه الحاج محمد حسن كبة يتلقى منه دروساً عملية تزيد وتنمو معه كلما ازداد تعلقاً باستاذه هذا وأخذ منه سيرة صالحة وسريرة طيبة وقد أجاز بالفتوى ورواية الحديث. له مؤلفات تبلغ الستين.
    فقد كتب رسالة في الطهارة وفي الصلاة والصوم وشرح كتاب الحج من دروسه التي تلقاها وله حاشية على المكاسب وحاشية على المعالم والفوائد الرجالية والرحلة المكية أُرجوزة نظمها لما سافر للحج سنة 1292.
    وفاته بالنجف الأشرف في أواخر شعبان ومدفنه بمقبرتهم الشهيرة بباب الطوسي. خلف أولاداً ثلاثة : محمد صالح ، رشيد ، معالي محمد مهدي كبة ، وأربعة عشر بنتاً.


(312)
أتقـعد مـوتوراً بـرأيـك حـازم مـتى تـملأ الدنيا بهـاءً وبهجـة فلله يـوم الـطف لا غـرو بعـده غـداة أبـيّ الضيم جهـّز للوغـى بـدور هـدى قد لاح في صفحاتها وخرّوا على وجه الثرى سغب الحشا عطـاشا يبـلّ الأرض فيض دمائهم وأضحى فريـداً في الجموع شمردل وروى الضبا من جسمه وهو عاطش شـديد القوى ما روعت عزمه العدا وفي يـدك العـليا من السيف قائم وعدلاً ولا يبقى على الأرض ظالم مـدى الدهـر حزناً أن تقام المآتم كـراماً اليـها الدهر تنمى المكارم مـن الـنور وسم للهـدى وعلائم وأجسادهـم لـلمرهـفات مطاعم وقـد يبسـت أكبادها والغلاصـم بـصارمه الوهاج تطفـى الملاحم وأطعـمها من لحمـه وهو صائم وقـد وهنت مـنه القوى والعزائم
    آل شعبان من البيوت القديمة في النجف ، ومن الاسر التي كانت لها نيابة سدانة الروضة الحيدرية في عهد ( آل الملا ) أما اليوم فلهم الحق في خدمة الحرم الحيدري فقط وفي أيديهم صكوك ووثائق رسمية ( فرامين عثمانية ) هي التي تخولهم الحق في تلك الخدمة.
    أما المترجم له فقد كان أبوه بزازاً فمالت نفسه هو إلى طلب العلم فاشتغل


(313)
به ودرس وتأدب في النجف وكان فاضلاً كاملاً شاعراً أديباً وانتقل إلى كربلاء فقرأ على السيد محمد باقر الطباطبائي في الفقه مدة ، وكان من أخص ملازميه ثم سافر إلى الهند وذلك حوالي سنة 1325 وانقطعت أخباره إلى سنة 1336 فوردت كتب من رامبور تنبيء بوفاته هناك وكانت له هناك منزلة سامية عند أهلها.
    أما ولادته كانت في حدود 1290 بالنجف. ترجم له صاحب الحصون فقال : فاضل ذكي وشاعر معاصر ، وأديب حسن المعاشرة ظريف المحاورة ، وترجم له السيد الأمين في الأعيان والشيخ السماوي في ( الطليعة ) وبعد الثناء عليه قال : وهو اليوم في الهند وقد انقطع عني خبره وكان أليفاً لي في النجف وشريكاً في بعض الدروس وله شعر في الطبقة الوسطى ولا يمدح غير أهل البيت عليهم السلام.
فمن شعره قوله يعدد فضائل الصديقة فاطمة الزهراء :
هـي الغيد تسقي من لواحظها خمرا ضعايف لا تقوى قلوب ذوي الهوى ومـا أنا ممـن يـستليـن فـؤاده ولا بالـذي يشجيـه دارس مـربع أأبـكي لرسم دارس حـكم الـبلـى وأصفي ودادي للـديـار وأهـلهـا وقد فرض الرحمن في الذكر ودّهـا وزوّجها فـوق السمـا مـن أمينـه وكان شهـود العقـد سكان عـرشه فلم تـرضَ إلا أن يشفـّعهـا بـمن لـذلك لا تنفـك عشاقهـا سكـرى على هجـرها حتى تموت به صبرا وينفثـن بالألحاظ في عقله سحـرا فيسقيـه مـن أجفانـه أدمعا حمرا عليـه ودار بعـد سكـانهـا قفـرا فيسلـو فـؤادي ودّ فاطمـة الزهرا وللمصطفـى كانـت مودتهـا أجرا علـي فـزادت فوق مفخرها فخرا وكانـت جنان الخلـد منه لها مهرا تحبّ فاعطاها الشفاعة في الاخرى


(314)
حبيبة خيـر الرسل مـا بيـن أهـله ومهمـا لريـح الجنة اشتاق شمّهـا إذا هـي في المحراب قامت فنورها وإنسيــة حـوراء فالحـور كلّهـا وإن نسـاء العـالميـن إمـاؤهــا فلـم يـك لـولاها نصيب من العلى لقـد خصّهـا الباري بغـرّ مناقـب وكيـف تحيط اللسن وصفاً بكنه مَن ومـا خفيـت فضلاً على كل مسلم ومـا شيّـع الأصحاب سامي نعشها بلـى جحـد القوم النبي وأضمـروا لقد دحـرجوا مـذ كان حياً دبابهـم فلما قضى ارتدوا وصدّوا عن الهدى وحادوا عن النهج القـويـم ضلالـة وطـأطـأ لا جبناً ولو شاء لانتضى ولـكـنّ حـكـم الله جـارٍ وإنـه يقبّلهـا شـوقا ويـوسعهـا بشـرا فينشق منهـا ذلك العطـر والنشـرا بـزهرته يحكي لأهـل السما الزهرا وصائفهـا يعـددن خـدمتها فخـرا بهـا شرّفـت منهن مَن شرفت قدرا لأنثـى ولا كانت خـديجـة الكبرى تجلّـت وجلـّت أن نطيق لها حصرا أحاطـت بما يأتي وما قد مضى خبرا فيا ليـت شعري كيف قد خفيت قبرا وما ضرّهم أن يغنموا الفضل والأجرا لـه حيـن يقضـي في بقيته المكرا وقـد نسبوا عنـد الوفـاة له الهجرا وهـدّوا ـ على علم ـ شريعته الغرا وقـادوا عليا فـي حمايلـه قهـرا الحسام الذي من قبل فيه محا الكفرا لأصبر مَن في الله يستعذب الصبرا
    ومن قوله :
يـا أمـّة نبذت وراء ظهورها ماذا نقمتِ من الوصي ألم يكن أم هل سواه أخ لأحمد مرتضى بعـد النبـي إمامهـا وكتابهـا لمـدينة العلم الحصينـة بابهـا من دونه قاسى الكروب صعابها (1)

1 ـ عن أعيان الشيعة ج 20 صفحة 83.

(315)
    ومن روائعه قصيدته الشهيرة التي لا زالت تتلى في المحافل الفاطمية والمقطع الأول منها :
سقاك الحيا الهطال يا معهـد الإلف فكم مرّ لي عيش حلا فيك طعمـه بسطنا أحاديث الهوى وانطـوت لنا فشتتنـا صـرف الـزمان وإنـه كأن لم تدر ما بيننا أكؤوس الهوى ولـم نقض أيام الصبا وبها الصبا أيا منزل الأحباب مالك مـوحشـاً تعفيـت يـا ربـع الأحبة بعـدهم رمتهـا سهام الدهر وهي صوائب ويا جنـة الفـردوس دانيـة القطف ليالي أصفى الـودّ فيها لمـن يصفى قلـوب على صافي المـودة والعطف لمنتقـد شـمـل الأحبـّة بالصـرف ونحن نشاوى لا نمـلّ مـن الرشـف تمـرّ علينـا وهـي طيبـة العـرف بـزهـرتك الأرياح أودت بما تسفـي فـذكرتنـي قبـر البتـولة إذ عُفـيّ بشجو إلى أن جُرّعت غصص الحتف
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس