ادب الطف الجزء الثامن ::: 316 ـ 330
(316)
قـف على تـلك المغاني والـربا واسـأل الـربع الـذي كنـّا بـه واعقـل الـوجناء في أكفـانـه لا عـدا مـرتبعـاً فـي رامـة مـربع اللـذات قـد عـنّ لنـا وبـنفسـي ظــبيات سنـحت آه مـن بـرق علـى ذي رامة ذهبـوا والصبـر عن ذي لوعة أيهـا المغـرم فـي ذكر الحمى دع مناح الـورق والغصن وخذ واندب الفرسان من عمرو العلى تـلك أشياخكـم فـي كـربـلا ونسـاكـم بعـد ذيـاك الحمـا نـكست راياتكـم فـي مـوقف ثـم تدعو قومهـا مـن غالـب حـرّة الأحشـاء لكـن دمـعها أيهـا الراكـب هيما في للسري نادهـم إن جئـتَ من وادي قبا حـلّ فيكم حادث في كـربـلا واسـك الأدمـع غيثاً صيبـا نسحـب الأذيـال فيـه طربا وانتشق مـن تربه طيب الكبا بالحيا الوسمـيّ أمسى معشبا في حماه ذكـر أيـام الصبا تخـذت بيـن ضلوعي ملعبا هـبّ في جـرعائه ثـم خبا يـا أعـاد الله لي مـَن ذهبا ومـغانيـه وهاتيـك الظبـا بالبكا في رزء أصحاب العبا وابلغ الشكوى لهـم عن زينبا أجـروا الخيـل عليها شزّبا سبيـت لـم تلق خدراً وخبا جـدّلت فيـه الكرام النجبـا جـردوا للثار مصقول الشبا ساكـب يحكي الغمام الصيّبا تقطـع الآكام حثّاً والـربى يـا أُباة الضيم يا أهـل الإبا طبّـق الشرق أسى والمغربا
    اوسطا على البناء الشاعر الأمي البغدادي. جاء في الدر المنتثر في رجال القرن الثاني عشر والثالث عشر للحاج علي علاء الدين الألوسي إن هذا الشاعر


(317)
كان اعجوبة بغداد في هذا العصر فإنه ينظم الشعر مع كونه أُمياً لا يقرأ ولا يكتب ومشغول بصنعة البناء بعمله وهو من أبناء الشيعة ، ومن شعره قوله في الحسين :
لمـن الجنود تقودها امـراؤهـا قد غصت البيدا ببعض خيولهـم وبنـو لـويٍّ للكريهـة شمّرت سقـت المواضي من دماء أمية من بعد ما أردوا قساورة الوغى وبقي حمى الإسلام بين الكفر إذ وحمى شريـعة جده في مرهف لقتال مَـن يـوم اللقا خصماؤها وببعض أجمعهم يضيق فضاؤها عـن ساعد قـد قرّ فيه لواؤها وكبـودها ظمأى يفيض ظماؤها سقطـوا تلفّ جسومهم بوغاؤها همّازهـا فـي رمحـه مشاؤها منـه تشيّـد فـي شباه بناؤهـا
    وأورد له جملة من الشعر وقال : كانت ولادته في سنة 1265 ه‍ وتوفي اوسطا على الشاعر المذكور يوم الاربعاء الثاني عشر من شهر رجب الفرد سنة 1336 ه‍.
    ثم قال في الهامش صفحة 166 من الدر المنتثر ما يلي : جاء في هامش صفحة 57 من مخطوطة الأصل ما نصه : إن هذا الشاعر أوسطا علي المذكور كان لا يجيد النظم إنما كان هناك شخص اسمه الشيخ جاسم بن الملا محمد البصير الذي كان ينظم له ، وهو في الحلة ، انتهى. أقول وروى لي الخطيب المعاصر السيد حبيب الأعرجي أنه سمع من خاله الشيخ جاسم الملة بأنه كان ينظم القصائد وينسبها للمترجم له ـ الاوسطا على البناء ـ ولكني وجدتُ جملة من القصائد الرائعة في رثاء الحسين عليه السلام تنسب لهذا الرجل وكلها في مخطوط المرحوم السيد عباس الموسوي الخطيب المسمى ب‍ ( الدر المنظوم في الحسين المظلوم ) والمنقول لي أيضاً أن المرحوم السيد حسن ـ خطيب بغداد ـ ابن السيد عباس كان يقول : كنا ننظم شعراً في رثاء أهل البيت عليهم السلام وننسبه إلى اوسطا علي البناء ، وكان يبذل المال في سبيل ذلك. وللشاعر المترجم له ديوان شعر يملكه عبد الوهاب ابن الشيخ جاسم الملة خطيب الحلة ـ اليوم.


(318)
محمود سبتي
المتوفى 1336
    قال مخمساً ، والاصل للشيخ محسن أبو الحب :
خيـّب الدهـر فيكـم لي ظنـّا صاح شمر وقد شفى القلب منا يـوم ناديتكم وعنكم ظعنـّا صوّتي باسم من أردتِ فإنّا
قد أبدناهم جميعاً قتالا
قد تركنا الجسوم فوق رمال فاعـولي بعد منعة وجلال ورفعنا الرؤوس فوق عوالي أنت مسبيـة على كل حال
فاخلعي العز والبسي الإذلالا
    وقال مخمساً ، والاصل لعبد الباقي العمري :
يا مـن إذا ذكرت لديه كربلا مهما تمرّ على الفرات فقل ألا لطم الخدود ودمعه قد أسبلا بعداً لشطك يا فرات فمرّ لا
تحلو فإنك لا هنيٌ ولا مري
أيـذاد نسل الطاهـرين أباً وجد لو كنتَ يا ماء الفرات من الشهد عـن ورد ماء قد ابيح لمن ورد أيسوغ لي منك الورود وعنك قد
صدر الإمام سليل ساقي الكوثر
    وقال مخمساً :
بوجد فقد أضحى فؤادي مضرما فنادت وقـد فاضت مدامعها دما لمن أصبحت بعد التخدّر مغنما أقلّب طرفي لا حمىٌ ولا حمى
سوى هفوات السوط من فوق عاتقي


(319)
لقد سيّرت تطوي الضلوع على لظى فنـادت ولكن لا تطيـق تـلفظـا وقد تركت جسم الحسين مرضضا أأسبـى ولا ذاك الحسام بمنتضى
أمامي ولا ذاك اللواء بخافق
    الشاب النابغ محمود ابن الخطيب الشهير الشيخ كاظم سبتي ، ولد بالنجف الأشرف سنة 1311 وقد أرخ أبوه عام ولادته بقوله :
أتاني غلام وضييء أغر حمـدتُ الاله وسميتـه منير به ظلمات الهموم أضاء لعيني ضياء القمر بمحمود أشكر فيمن شكر تجلّـت فأرخ ( بدر ظهر )
    كان ذكياً فطناً حسن الخلق جميل الصورة بهيّ المنظر ، معتدل القد صبيح الوجه ، حلو الكلام لطيف الشمائل خفيف الروح ، أقبلت عليه القلوب وأحبته النفوس لما جبل عليه من لطف المعاشرة وطيب المفاكهة ، وحسن الشكل ، توسم فيه أبوه حدة الفهم والنبوغ وبرع بنظم الشعر باللغتين الفصحى والدارجة ودرس المباديء من النحو والصرف وحفظ الشعر الرصين ولمع بين الذاكرين فكانت محافل خطابته تغصّ بالسامعين لجودة إلقائه وعذوبة حديثه فكان محط آمال أبيه ولكن المنية عاجلته وهو في ريعان الشباب وغضارة العمر فقد توفي ليلة الجمعة 26 جمادى الثانية 1336 وكانت النجف محاصرة بن قبل الانكليز ففتحت الأبواب ودفن في الصحن الحيدري بالقرب من إيوان السيد كاظم اليزدي. ترجم له في ديوان والده المطبوع بالنجف.


(320)
أقيما بـي ولـو حـَلّ العقـال قفا بـي ساعـة في صحن ربعٍ وشـدّا عقـل نضـوكما وحـلا هـو الـربع الـذي لم يبق منـه مضى زمـن عليـه وهـو حال لـو أنـك قـد شهدت به مقامي وقفـتُ بـه ودمعـي كالعـزالي أُسـرّح فـي معاهـده لحاظـي اسـائـلـه وأعـلـم ليـس إلا ذكرت بـه بيوت الوحي أضحت غـدت للـوحش معتكفاً وكانـت نـأى عنها الحسيـن فهـدّ منها سرى ينحـو العراق بأسدِ غابٍ تعـادى للكفـاح علـى جيـاد عجبت لضمّـرٍ تعـدو سراعـاً نعـم لـولا عـزائم مـَن عليها تسابـق ظلّهـا فتثيـر نـقعـاً على ربـع بـذي سلم وضـال محـت آثـاره نـوبُ الليالـي وكاء العيـن بالـدمـع المـذال سـوى رمـم وأطـلالٍ بـوال بـأهليه فأضحى وهـو خالـي إذاً لبكيـت مــن جزع لحالي يصـوبُ دماً وقد عزّ العزا لي وقلبي في لظـى الأحزان صلي صدى صوتي مجيباً عن سؤالي بطيبة مـن بني الهادي خـوالي قــديماً كعبـة لبني السـؤالِ بناء البيـت ذي العمـد الطوالِ تعـدّ المـوت عيداً في النزالِ ضوامـر أنـعلتهـا بـالهلال وفـوق متـونها شـمّ الجبال رماها العجز في ضنك المجال بـه سلك القطا سبل الضلال


(321)
عليهـا غلمـة مـن آل فهـر تمـدّ إلـى الطعان طـوال أيد تسابـق للمنيـة كالـعطاشـى وما بـرحت تحيي البيض حتى تساقط عن متون الخيل صرعى غـدت أشلاؤهم قطعاً وأضحت وأصبح مفـرداً فـرد المعالـي عـدا فأطار قلـب الجيش رعباً يكاد الـرمح يـورق في يديـه فما بـأس ابـن غيلٍ وهو طاوٍ بأشجع من حسين حين أضحى سطـا فاقتضّها بالرمح بـكراً ولما اشتاق للاخـرى ووفـى هوى للترب ظامي القلب نـهباً وثاوٍ في هجيـر الشمس عـارٍ أبى إلا الإبا فقضى عـزيـزاً قضى عطر الثياب يفوح منها وأرخص في فداء الدين نفساً ومـا سلبت عـداه منـه إلا وسيفـاً فـلّ مضربـه قراع لهيف القلـب تُروى من دماه تفطـر قلبه وعـداه ظلـماً صـريعاً والعتاق الجرد تقفو شمـائلهـا أرقّ مـن الشمـال إذا قصرت عـن الطعن العوالي قـد استبقت إلى الـورد الزلال هـوت مثلَ البدور على الرمال كما سقطـت مـن السلك اللئالي صـدورهـم جفـيـراً للنـبال يُثنـي عضبـه جمـع الضلال ثنـى قلـب اليمين على الشمال لما في راحتيـه مـن النـوال رأى شبليه في أيـدي الـرجال بـلا صحب يديـر رحى القتال والقحهـا عـوانـا عـن حيال بحـدّ حسامـه حـق المعالـي لبيـض القضب والأسل الطوال تـظللـه أنـابيـب العـوالـي كريـم العهـد محمـود الفعال أريـج العـزّ لا أرج الغـوالي يـفـدّيها القضاء بـكل غالـي رِداً أبـلتـه غـاشيـة النبـال الطلـى ومحـزّق الدرع المذال ـ برغم الدين ـ صادية النصال تـحلـئه عـن المـاء الحـلال الـرعال بجسمـه إثر الرعـال


(322)
وثـاكلـة تـنـاديـه بصـوت عزيـز يـا بـن امّ عليّ تـبقى أخـي انظـر نساءك حاسـرات سرت أسرى كما اشتهت الأعادي يـزلزل شجـوه شمّ الجبال ثلاثاً في هجير الشمس صال تستّـر باليميـن وبالشمـال حـواسر فوق أقتاب الجمال
    الشيخ حسن الحمود أديب موهوب يتحدر نسبه من اسرة عربية تنتمي إلى قبيلة ( طفيل ) ووالده العالم الجليل والفقيه الكبير الشيخ علي هاجر من الحلة إلى النجف وهو علي بن الحسين بن حمود توجه وهو في سنّ الكهولة وأكبّ على طلب العلم حتى نال درجة الاجتهاد مضافاً الى تقاه وورعه وموضع ثقة المجتمع على اختلاف طبقاته فكان يقيم الصلاة وتأتم به في الصحن العلوي الشريف مختلف الطبقات إلى أن توفي 7 شوال 1344 بعد مرض ألزمه الفراش أعواماً ولقد رزقه الله ولدين فاضلين هما الحسن والحسين أما الثاني وهو الأصغر فكان من المجتهدين العظام وممن يشار اليهم بالبنان وقد توفي قريباً وهو من المعمرين ، وأما الأول وهو المترجم له فقد كان من نوابغ عصره ومولده كان حوالي سنة 1305 في النجف ونشأ بها في كنف والده ، ومن أشهر أساتذته الذين اتصل بهم واستفاد منهم في العربية وآدابها هو الشيخ محمد رضا الخزاعي والشيخ عبد الحسين بن ملا قاسم الحلي والسيد مهدي الغريفي البحراني ثم هو من خلال ذلك شديد الملازمة لحضور نادي العلامة الجليل السيد محمد سعيد الحبوبي وقد كتب بخطه الجميل ديوان الشيخ محمد رضا الخزاعي وهناك مخطوطات أدبية كتبها بخطه ، توفاه الله يوم الثلاثاء 11 ربيع الثاني سنة 1337 الموافق 1 كانون الثاني 1919 ودفن في الصحن الحيدري أمام الإيوان الذهبي وجزع عليه أبوه جزعاً شديداً بان عليه أثره كما أسف عليه عارفوه وأقام له مجلس العزاء الفاضل الأديب السيد علي سليل العلامة الجليل السيد محمد سعيد الحبوبي ورثاه بقصيدة مطلعها :
أو بعد ظعنك تستطاب الدار فيقرّ فيها للنزيل قـرار


(323)
    وظهرت شجاعته الأدبية يوم دعي إلى بغداد لأداء الامتحان في عهد الدولة العثمانية بدل من أن يساق لخدمة الدفاع المصطلح عليها ب‍ ( القرعة ) وكان رئيس اللجنة السيد شكري الألوسي وعندما استجوب بمسائل دينية وعربية نحوية وصرفية أكبره الرئيس الالوسي فمنحه ساعة ذهبية فارتجل المترجم له قصيدة أولها.
يـا فكـر دونك فانظمها لنا دررا ويا لساني فصّلها عيـون ثنـى ويا قريحة جودي في مديح فتى مـن المدائح تتلوها لنا سـورا تزان فيه عيون الشعر والشعرا تجاوز النيرين الشمس والقمرا
    خلف آثاراً منها رسالة في علم الصرف وهي اليوم عند ولده الشيخ أحمد وديوان شعره الذي جمعه ولده المشار اليه يقارب 1500 بيتاً وهو مرتب على حروف الهجاء ومن أشهر قصائد رائعته التي نظمها في الصديقة الطاهرة فاطمة بنت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وملاؤها شجاء وأولها :
سل أربعا فطمت أكنافها السحب عن ساكنيها متى عن افقها غربوا
    وهي مشهورة محفوظة وقد ترجم له الكاتب المعاصر علي الخاقاني في شعراء الحلة ترجمة ضافية وذكر طائفة من أشعاره ونوادره وغزلياته ومراسلاته أما قصائده الحسينية فاليك مطالعها :
1 ـ هنّ المنازل غيّرت آياتها أيدي البلى وطوت حسان صفاتها
69 بيتاً
2 ـ لست ممن قضى بحبّ الملاح لا ولا هائماً بذات الوشاح
54 بيتاً
3 ـ ما شجاني هوى الحسان الغيد لا ولا همتُ في غزال زرود
58 بيتاً
4 ـ من هاشم العلياء جبّ سنامها خطب أحلّ من الوجود نظامها
42 بيتاً


(324)
5 ـ ألا دع عيوني لهتانها وخلّ حشاي لنيرانها
50 بيتاً
    وله من قصيدة في الإمام الحسين (ع) :
خلـت أربع اللـذات واللهـو والانس وقفـت بها والـوجـد ثقّف أضلعي اسـائلها ايـن الذيـن عهـدتـهـم فلـم تطق التعبيـر عمّـا سـألتهـا فأجريـتُ دمـعي في ثـراها تذكراً لقـد أقفرت مذ غاب عنها ابن فاطم سـرى نحـو أرجاء العراق تحوطه أفاعي قناهم تنفث الموت في العـدا وبيض ضباهم يدهش الحتف ومضها تهادى كـأمثال النشاوى إلى الـردى أباحـوا جسوم القـوم بيض سيوفهم ولـما دعاهـم ربـهــم للـقائـه هووا للثرى نهـب الصفاح جسومهم تجـول عليها العـاديات نهـارهـا كـرام تفانوا دون نصر ابـن أحمد ولـم يبق منها غير أطلالها الدرسِ ومن حرقي كادت تفيض بها نفسي تضيئين فيهـم كنت يا دار بالأمس لتخبـرني آثار أطلالهـا الخـرس لأربع طـه سيـد الجـنّ والانـس وأضحت مزار الوحش خاوية الاسّ أسودٌ لورد الموت أظما من الخمس إذا اعتقلـوها وهـي ليّنـة اللمـس ويتـرك أسـد الغاب خافتـة الحسّ إذا غنّـت البيض الرقاق على الترس فلم تر غير الكف في الأرض والرأس هلمـوا أحبائي إلى حضـرة القـدس عـراة على البوغاء تصهر بالشمس وتأتي عليها الـوحش تنحب إذ تمسي وأقصى سخاء المرء أن يسخ بالنفس
    وله في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومصرعه قصيدة مطلعها :
عج بسفح اللوى وحيّ الربوعا وأذل قلبك المعنّى دموعا
    واخرى في الصديقة فاطمة الزهراء (ع) أولها :
لا رعى الله قيلة وعـراها سخط موسى وحلّ منها عراها


(325)
    وله من قصيدة في مدح السيد محمد القزويني وهذا غزلها :
أتـى زائراً والليل شابـت ذوائبه تـزرّ على البـدر المنيـر جيوبه يقابـل ليـلاً صـدره افـق السما على وجنتيه أنبت الحسن روضـة وفـي فمـه ماء الحياة الذي بـه ( ولعـت بـه غضّ الشبيبة ناشئاً ) فغادرنـي ( قـوساً ) مثقـّف قـدّه وقلت له زر. قال يفضحني السنا فقال ظلام الليل لـم يخـف طلعتي فجـاء وقـد مـدّ الظـلام رواقه فبتـنا وأثـواب العفـاف تـلـفّنا ونـروي أحاديـث الصبابة بـيننا إلى أن أغار الصبح في نوره على فـودعني والـدمع يغلـب نطقـه وفارقتـه لكـن قلي مـن جـوى بـديع جمال عـن معانيه قاصـر غـدائره سـودٌ وحمـر خـدوده وخـطّ يـراع الحسن لاماً بخـده رقيـق أديـم الـوجه يجرح خده إذا مرّ فـي وادي الأراك تغارُ من يـرنحه غصـن الصبـا ويـلاعبـه وتضفـو على الغصن النضير جـلاببه فتـرسـم فيـه كالـعقـود كـواكبـه حمـتهـا أفاعـي فرعـه وعقـاربـه يعيش ـ إلى أن ينقضي الدهر ـ شاربه جـرى الماء في خـديه واخضرّ شاربه وصيّـرنـي رهـن الكآبـة ( حاجبـه ) فقلـت لـه ذا ليـل شعـرك حاجبـه فقلـت له أردى الكرى مَـن تـراقبـه تــمانـعـه أردافـه وتـجـاذبــه وسـادتـه زنـدي وطـوقي ذوائـبه فيعـذلني طـوراً وطـوراً اعاتـبـه دجى الليل وانجابت بـرغمي غياهبـه وقـد غمـر الأرض البسيطـة ساربه جـرى أدمعاً مـن غرب عيني ذائبه بياني وقـد ضاقـت عليّ مـذاهبـه وصفـر تـراقيـه وبيض تـرائبـه فسبحـان باريـه ويـا عـزّ كاتبـه إذا ما النسيـم الغضّ هبـّت جنائبـه محـاسنـه أغـصانـه وربـاربـه


(326)
يا راكـب القـود تجوب الفلا عـرّج على الطف وعرّس بها وانـشد بها من كل ترب العلا فكـم ثـوت فيها بدور الدجى وكـم بها للمـجد مـن صارم كـل فتى يعطي الـردى نفسه يخـوض ليل النقع يوم الوغى يـصدع قلب الجيش إما سطا تلقاء مـثل الليث يـوم الوغى إن ركـع الـصارم في كفـه لم يعترض يوم الوغى جحفلاً سامـهم الـذل بهـا معـشر ومــذ رأوا عـيشهـم ذلـة خاضوا لظى الهيجاء مشبوبة وقـبّلوا خـدّ الـظبا أحـمراً وجرّدوا من عزمهـم مرهـفاً يفـدون سبط المصطفى أنفساً وتقـطع الأغـوار والأنـجدا عني وقف في أرضـها مكمدا من هاشم مَـن شئت أن تنشدا وكـم هـوت فيها نجوم الهدى عضبٍ على رغم العـلى أغمدا ولـم يكـن يعـطي لضيم يدا تحـسبه في جـنحه فـرقـدا ويصـدع الـظلماء إمـا بـدا بأساً ومـثل الـغيث يوم الندى خـرّت لـه هام الـعدى سجّدا إلا وثـنّـى جمعـه مـفـردا والـموت أحـلى لهـم موردا والـموت بالـعز غـدا أرغدا واقتحموا بحر الـردى مـزبدا وعـانقـوا قـدّ الـقنا أغـيدا أمـضى من السيف إذا جـرّدا قلّ بأهـل الأرض أن تـفتدى


(327)
عجبت من قوم دعـوه إلى وواعدوه النصر حـتى إذا وأوقدوا النار عـلى خيمة يا بأبـي ظمآن مستـسقياً ويا بروحي جسمه ما الذي وذات خـدر بـرزت بعده وقومـها منها بمـرأىً فما فلتبك عين الدين من وقعة جـند علـيه بذلـه جنـّدا وافى اليهم أخلفـوا الموعدا وتّدها بالشـهب مَـن وتّدا وما سقوه غير كأس الردى جرى عليه من خيول العدا في زفرات تصـدع الأكبدا أقربهـم مـنها ومـا أبعدا أبكت دماً في وقعها الجلمدا
    وقال من قصيدة في الامام الحسين (ع) :
وقـائلة لي عـزّ قلـبك بعـدهـم فقد أرخصت مني الدموع ولم أزل رزية قـوم يمـموا أرض كـربلا أكارم يروي الغيث والليث عنهـم إذا نازلوا الأعـداء أقفـر ربعها تخفّ بهـم يـوم اللقاء خيولهـم إذا انتدبـوا يـوم الكريهة أقبلـوا يـكلفهـم أبنـاء هنـد مـذلـة فيا لهفـة الاسلام مـن آل هاشم فأضحى إمام المسلميـن مجـرداً وظـلّ وليل النقـع داجٍ تحفـه وقـد ولي الهنديّ تفريق جمعهم إلى أن قضى ظمآن والماء دونه بنفسي يـا مـولاي خدك عافـر فقلت أصبت القول لو كان لي قلبُ اغالي بـدمعي كلما استامـه خطب فعـاد عبيـراً منهـم ذلك التـرب إذا وهبـوا مـلأ الحقائب أوهبـّوا وإن نـزلوا في بلدة عمّها الخصب فتحسبها ريـحاً على متنها الهضب يسابـق ندبـاً منهـم ما جد ندب وتوصيهم بالعـزّ هنـدية قضـب ووا حـرباً للدين مما جنت حرب وحيـداً فلا آل لديـه ولا صحب نصول القنا كالبدر حفّت به الشهب فصحّ ( لتقسيم ) الجسوم به الضرب ( مباح على الـرواد منهله العذب ) وجسمك مطروح أضرّ به السلب


(328)
    الشيخ اغا مصطفى ابن الاغا حسن ابن الميرزا جواد ابن الميرزا أحمد التبريزي من اسرة مجتهد الشهيرة بتبريز ، ولد سنة 1295 وتوفي فيها في أواسط شهر رمضان 1337 وجاءت جنازته إلى النجف الاشرف سنة 1338 درس بالنجف مدة حتى نال حظاً وافراً من العلم ورجع لمسقط رأسه.
    كان كما يقول الشيخ الأميني في ( شهداء الفضيلة ) أحد أفذاذ الامة وعباقرة العصر الحاظر. ولد بتبريز سنة 1297 وتخرّج على الخراساني وشيخ الشريعة الأصبهاني وآية الله الطباطبائي اليزدي. له حاشية على الكفاية في الاصول لم تتم. رسالة في اللباس المشكوك ، أرجوزة في علمي العروض والقافية ، رسائل مختلفة في الفلكيات والرياضيات ، اما في الأدب فكان فارس ميدانه ، ولقد قال فيه الحجة المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء :
تركت سيوف الهند دونك في الفتك تبـرّزت مـن تبريز رب فصاحة فكـم لك مـن نثر ونظم تزيّنـت سبكتَ مياه الحسن في حسن سبكها لـو الملك الضليل يهـدى لمثلهـا وتسليه عن ( ذكرى حبيب ومنزل ) إذا رحت تتلوها غـداً وهـو قائل لباب معان يسحـر اللـب لفظهـا ولكـن آي المصطفـى آيـة العلى فتى زاد أيـام الصبا سمـك رفعة وتلقـاه قبـل الاخـتبار مهـذبـاً على العرب العربا وأنت من الترك بـها مـدنياً قـد حسبناك أو مكي بنفسهما المسكيّ كافـورة المسـك فيها لأبيك الخير مـن حسن السبك لظـلّ يفـاديها وإن عـزّ بالمسك ويضحك إعجاباً بها مـن ( قفا نبك ) فـديتك واللسن الأعاريب يا تركي فيحسبـه نظـم اللئالـي بـلا سلك أثارت فآثـرت اليقيـن على الشك تقاصر شأو الشيب عن ذلك السمك مخائله تغني اللـبيب عـن المسك
    وللعلامة الشيخ محمد رضا الأصبهاني هذه الأبيات كتبها اليه :
علوت في الفضل السهى والسماك لاغـرو إن فقـت الثـريا عـلاً ومـذ حللـت القلـب أكـرمتـه فأنت بـدر والمعالي سماك فأنت فـي ذلك تقفـو أباك وكيف لا يكرم مثلي حماك


(329)
    وله من الشعر معارضاً قصيدة الشيخ محمد السماوي التي أولها :
وجهك في حسنه تفنن أنبت حول الشقق سوسن
    قال في أولها :
سبحان من صاغـه وكوّن أحـنّ مـن ثغره ومَن ذا شطـّر بالوجـد بيت قلبي الله كـم مـن دقيق معنى ضمّن قلبي الأسى وعهدي لـولا ثنايـاه مـا حسبنا في غصنٍ وردةً وسوسن رأيتـه لليتيـم ما حـن وفيه كل الغرام ضمـّن للحسن ذاك الوشاح بيّن بمتلف الحب لا يضمّن أن صغار الجمان أثمن
    وكانت بينه وبين الشيخ اغا رضا الأصبهاني والشيخ جواد الشبيبي مراسلات ومما أرسل اليهما قصيدة أولها :
شهـدت ليس الشهد غير ريقها وغيـر أخلاق الرضا فهي التي المـرتدي ببـردة العلـم التي تعـوّدت أنملـه البسـط فلـو يابن الاولى قد وطأت أقدامهم مـا ذاقهـا سواك يا سواكهـا ما أدركت أو لو النهى إدراكها سـدى التقى لحمتهـا وحاكها هـمّ ببخل لـم يطق إمساكها هام السما فشرّفـوا أملاكهـا
    وترجم له في ( الحصون المنيعة ) فقال : كان شاباً ظريفاً حسن الأخلاق طيب الاعراق ، جميل المعاشرة ، عالماً فاضلاً مهذباً كاملاً ، أديباً لبيباً ، شاعراً ماهراً ، وله شعر جيد السبك رائق اللفظ وله مطارحات ومراجعات مع شعراء عصره من شعراء النجف وغيرهم ، وكان من أصدقاء الشيخ اغا رضا الأصفهاني فكم دارت بينهما من مطارحات ومراسلات شعرية وأدبية. انتهى


(330)
قم بنا ننشد العيس الطلاحا عن بلاد الذلّ نأياً وانتزاحا
    الى ان يتخلص لموقف الحسين وبطولته فيقول :
بأبي الثابـت فـي الحـرب على كلما خفــّت بـأطـواد الحجـا مسعـر إن تخبـو نيـران الوغى لـم يـزل يرسي به الحلـم على كلمـا جـدّت بـه الحـرب رأى إن يخنـه السيف والـدرع لـدى لــم يخنـه الصبـر والعزم إذا رب شـهبــاء رداح فـلّهــا كلـما ضاق بــه صدر الفضا فمشى قــدماً لهـا فـي فتيـة يسيقـون الجـرد في الهيجا إذا ويـمــدّون ولـكن أيــديـاً أيـدياً فـي حالة تنشـي الردى فهي طوراً بالندى تحيي الورى بـأبي أفـدي وجـوهاً منهـم قـدم مـا هـزّها الخوف بـراحا زاد حلمـاً خفّ بالطـود ارتجاحا جـرّد العـزم وأوراهـا اقتـداحا جمـرها صبراً وقد شبّت رمـاحا جـدّها في ملتقى المـوت مزاحـا مـلتقى الخيـل إتقـاءً وكفـاحـا صرّت الحـرب إدّراعـاً واتشاحا حيـن لاقـت منه شهباء رداحـا صـدره زاد اتساعـاً وانشـراحا كأسـود الغاب يغشـون الكفاحـا صائح الحي بهم في الروع صاحا للعـدى تسبـق بالطعـن الرماحا وبأخرى تمطـر الجـود سماحـا وهي طـوراً أجـلٌ كان متاحـا صافحوا في كربلا فيها الصفاحا
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس