ادب الطف الجزء التاسع ::: 61 ـ 75
(61)
أمست جـسومـهم لقى لا تنشئي يا سحب غي‍ فلـقد قضى سبط النبي أدمـع الـمدامع رزؤه فلتلطم الأقوام حـزنـاً ولتـدرع حـلل الأسى ساموه إما الموت تح‍ عـدمـت أمية رشدها فمتى درت أن الحسي‍ ورؤوسهـم فـوق الـرمـاح ‍ثاً تـرتوي مـنـه الـنواحي بكـربـلا صـديـان ضاحي ورمـى الأضالـع بـالـبراح حُــرّ أوجـهـهـا بــراح أبـداً ولا تـصـغـي للاحي ‍ت البيض أو خفـض الجناح وتـنكـبـت نـهـج الفـلاح ‍ن تـقـوده سـلس الـجماح
    وقال يرثي الحسين عليه السلام أيضاً :
أيـدري الـدهـر أي دم أصابـا فهـلا قـطـعت أيدي الأعـادي وكم خدر لفـاطـمـة مـصون وكـم رزء تـهـون لـه الرزايا وهـيج فـي الحشى مكنون وجدٍ وأرسل مـن أكـف البغي سهما أصاب حشى البتول فلهف نفسي قضى فالشـمس كاسـفه عـليه وكـم مـن مـوقف جمّ الرزايا بـه وقـف الحسين ربيط جأش يصـول بأسـمر لـدن سـنـاه وبارقـه يلـوح الـموت منـها وأي فـؤاد مـولـعــةٍ أذابــا فـكـم أردت لـفـاطـمـة شبابا أبـاحـته وكـم هـتكت حجـابـا ألـمّ فالـبس الـدنـيـا مـصابـا لـه الـعبـرات تـنسـكب انسكـابا أصـاب مـن الـهـداية ما أصابا لظـام لـم يـذق يـومـاً شـرابا وبـدرالـتم في مـثـواه غـابـا لـو أن الـطفـل شاهـده لـشابا وشوس الحرب تضطرب اضطرابا كومـض الـبرق يلـتهب التهـابا إذا ما هـزهـا مطـرت عـذابـا


(62)
    السيد جواد مرتضى ، ينتهي نسبه الشريف إلى الشهيد زين بن علي بن الحسين (ع). ولد في قرية عيتا من أعمال صور ـ لبنان سنة 1266 ه‍. ودرس مبادئ العلوم على علماء لبنان وارتحل إلى النجف الأشرف لطلب العلوم الدينية والمعارف الربانية فاقام بها ثمانية عشرة سنة كلها بين مفيد ومستفيد ، درس الفقه والاصول على أساطين العلماء كالشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف ، وكان يقضي جلّ أوقاته في الدرس والتدريس ثم سار إلى دمشق ـ الشام لما تكاملت فيه الكفاءة ولحاجة الناس إلى أمثاله ومنها توجه إلى مسقط رأسه ( عيتا ) فكانت عنده حوزة تدريس حتى تخرّج الكثير من علماء جبل عامل على يده ، ولما رأى حاجة أهالي بعلبك إلى أمثاله سار بطلب منهم حتى أقام فيهم مدرساً ومصلحاً ومرشداً وألّف كتاب ( مفتاح الجنات ) وبمساعيه أسس الجامع الكبير المعروف ب‍ جامع النهر ومدرسة بالقرب منه ثم رجع إلى عيتا.
    توفي ضحوة يوم الخميس ثاني جمادى الأول سنة 1341 ه‍. ودفن هناك إلى جنب أخيه المرحوم العلامة السيد حيدر مرتضى المتوفى سنة 1336 ه‍. كان لوفاته رنة أسى وحزن عميق وقد اقيمت له مجالس التعزية وذكريات التأبين ورثاء جمع من شعراء عصره.
    وقد جمع الاستاذ العلامة السيد عبد المطلب مرتضى جميع ما أُلقي من الشعر في تأبينه وما قاله المؤبنون في مجالس ذكراه وأسماه ب‍ ( شجى العباد في رثاء الجواد ) وطبع في مطبعة العرفان ـ صيدا سنة 1341 ه‍.


(63)
    قال يمدح السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليه السلام في دمشق سنة 1330 ه‍.
حـرم لـزيـنب مشرق الاعلام حـرم عـليه مـن الجلال مهابة فـي طـيه سـر الالـه محجب بادي السنا كالبدر في افـق السما فـإذا حلـلت بـذلك النادي فقم في روضة ضربـت عليها قـبة يحـوي مـن الدر الثمين جمانة صـنو النبي المصطفى ووصيه أسنى السلام عليه ما هبّت صبا وعلى بنـيه الـغر أعلام الهدى سـام حـباه الله بـالإعـظـام تدع الرؤوس مـواضع الاقـدام عـن كـل رائـدة من الأوهام متجلـياً يـزهـو بأرض الشام لله مـبتـهـلاً بـخـير مـقام كبـرت عـن التشبيه بالاعلام لمّـاعـة تـعـزى لخير إمام وأبـو الـهداة القـادة الأعلام وشدا على الأغصان ورق حمام ما أنهـل قطر من متون غمام


(64)
شهـر المحـرم فاتك العذر فكأن شيمتك الخـلاف على يا شهر هل لك عندهـم ترة لا ايبضّ يومك بعـد نازلة غشيت هلالك مـنه غاشية سلب الأهلة بشرهـا فغـدا أيطيب عيش وابـن فاطمة تـالله لا أنساه مضطهـداً ومشرداً ضاق الفضاء بـه منع الـمناسك أن يوديـها أفـديـه مستلماً بجـبهتـه أو فاتـه رمي الجمار فقـد يسعى لاخـوان الصفا وهم ويطوف حول جسومهم وبه حتى إذا فقـد النصير وقـد سئم الـدنية أن يـقيم بـها أوجعت قلب الدين يا شهر آل النبي وشانـك الغـدر أنى وعندك كـم لهم وتر منها يكاد الدمـع يحمـرّ بالطف يكسف عندها البدر أيامـها الأعـياد والـبشر نهبت حشاه البيض والسمر حتى يضم عظامي الـقبر فـكأن لا بـلد ولا مصر بمنى فكان قضاءها النحر حجراً إذا هو فاته الحجر أذكى لهيب فؤاده الجـمر فوق الصعيد نسائك جزر انتظم المصاب ودمعه نثر نـزل البلاء وأُبـرم الأمر لـوث الإزار وعيشها نكر


(65)
وعـظ الكتائب بالكتاب وفي فانصـاع يـسمعهـم مهنده فأبـوا سوى مـا سنّه لـهم حتى جرى قلـم القضاء بما الله أكـبــر أي حـادثـة يا فهر حيّ على الردى فلقد هـذا حسين بالطـفوف لقى حفّـت بـه أجـساد فـتيته أمـن الـمروءة أن أُسرتَكم أمـن الـمروءة أن أرؤسهم أين الأباء وذي حرائـركـم أسـرى على الأكوار حاسرة آذانهـم مـن وعظه وقر آيات فصل دونها العـذر الأحزاب يوم تتابع الكفـر بلغ المرام بفتكـه شمـر عظمى تحير عندها الفكر ذهب الردى بعلاك يا فهر بلـغت بـه آمالها صخر كالبدر حين تحفها الزهر دمهـم لآل اميـة هـدر مثل البدور تقلّها السمـر بالطف لا سجف ولا خدر بعد الحجال يروعها الأسر (1)
    هو الحاج عبد المجيد بن محمد بن ملا أمين البغدادي الحلي الشهير بالعطار ، ولد ببغداد في شهر ذي القعدة عام 1282 ه‍. في محلة صبابيغ الآل ، وهاجر به وبأبيه جده ملا أمين وهو طفل صغير ، فنشأ في الحلة.
    وبعد وفاة والده ، وبلوغه سن الرشد فتح حانوتاً في سوق العطارين في الحلة ، وصار يمتهن بيع العقاقير اليونانية حتى غلب عليه لقب ( العطار ) وقد اتصل بأهل العلم والأدب وأكثر من مطالعة دواوين الشعر وكتب الأدب ، حتى استقامت سليقته وتقوّمت ملكته الأدبية ، وكانت الحلة آنذاك سوق عكاظ كبير ، ومجمع الادباء والشعراء في تلك الحقبة الزاهية من تاريخها ، يختلف اليها النابهون والمتأدبون.
1 ـ سوانح الافكار ج 3 / 196.

(66)
    قال اليعقوبي : « سألته يوماً وقلت له : عن أي شيخ أخذت ، وعلى أي استاذ تخرجت. فقال : على الله » (1).
    ولكن ابنه المرحوم الحاج عبد الحسين أخبرني يوماً ، قال : « ان أباه كان قد درس في المدارس الحكومية أيام الحكم العثماني ، وانه تخرج فيها ، كما أنه كان قد أتقن اللغة التركية والفارسية وتأدب بهما ، كما أتقن الفرنسية والعبرية إضافة إلى اللغة العربية ، وكان أن عُرضت عليه وظيفة حكومية بدرجة عالية ، إبان الحكم العثماني بناءً على ثقافته ودراسته ، إلا أنه امتنع عن اشغالها لاعتقاده بعدم جواز التعاون مع حكومة لا تقوم على أساس الإسلام الصحيح ، وان ما سيتسلمه من مرتب هو غير حلال ».
    وقد كان المترجم له « فائق الذكاء ، سريع الخاطر ، متوقد الذهن ، حاضر البديهة ، أجاد في النظم ، وأتقن الفارسية والتركية ، وترجم عنهما كثيراً (2) كما ترجم كثيراً من مفردات ومثنيات الشعر الفارسي والتركي ، إلى العربية شعراً.
    وقد امتاز ( رحمه الله ) بسمو أخلاقه وعفه نفسه ، ووفائه لأصدقائه ، لذا كان حانوته ندوة أدب ، ومنتدى فكر ، ومدرسة شعر ، يختلف اليه الادباء والعلماء ، كما يؤمّه الشعراء والمتأدبون ...
    ولما ثار الحليون على السلطة التركية 1334 ه‍. وسادت الفوضى فيها خشي المترجم له سوء العاقبة ، وخشي هجوم الأتراك لارجاع سلطتهم ثانية ، وفتكهم فيها ( كما وقع فعلاً بعد ذلك في واقعة عاكف ) انتقل بأهله الي الكوفة التي كان قد « بنى فيها داراً وعقاراً قبل هذه الحوادث » (3) وأقام فيها حتى
1 و 3 ـ البابليات ج 3 / القسم الثاني / ص 69.
2 ـ طبقات اعلام الشيعة : اغا بزرك الطهراني. وهو « للكرام البررة في القرن الرابع بعد العشرة » ج 1 / ق 3 / 1226.


(67)
توفي فيها في السادس عشر من ذي القعدة سنة 1342 ه‍. ودفن في النجف الأشرف.
    كان ( رحمه الله ) قد تضلع في فن التاريخ ، وأتقن منه ألواناً ، كان ينظمه ارتجالاً ، مما كان يثير استغراب أهل الفن.
    قال اليعقوبي : « ولم اشاهد أبرع من المترجم له ولا أبدع منه في هذا الفن ، فقد كان ينظم التاريخ الذي يقترح عليه مع ما يناسبه من الأبيات قبله دون اشغال فكرة ، أو إعمال روية ، كأنه من كلامه المألوف وقوله المتعارف ، وله فيه اختراعات لم يسبقه اليها أحد » (1) ، « وقد برع في نظم التواريخ الشعرية وتفوّق في هذا الفن على معاصريه » (2).
    وأكثر شعره ( رحمه الله ) في رثاء آل البيت ومدحهم ( عليهم السلام ) مما كان يتناقله الخطباء والقراء والذاكرون ، لجزالته وسلاسته ، وقليل ما يتجاوز ذلك في مناسبات خاصة في تهنئة أو مديح بعض الفضلاء من العلماء ، أو ممن تربطه بهم وشائج الاخوة والوفاء.
    أما تواريخه الشعرية ، فانها لو جمعت كلها لكانت ديواناً مستقلاً ، وسجلاً تاريخياً تؤرخ تلك الحقبة من ذلك الزمن.
    فمن ذلك البيتان اللذان ضمنهما ( 28 ) تاريخاً في الحساب الأبجدي يؤرخ فيها عمارة تجديد مقام الإمام علي (ع) في الحلة سنة 1316 ه‍ :
بباب مقام الصهر مـرتقبا نحا مقام برب البيت في منبر الدعا أخو طلب بالبر من علمٍ بـرا أبو قاسم جرّ الثنا عمها أجرا
    وله مثلهما أيضاً في تاريخ زفاف المرحوم السيد أحمد إبن السيد ميرزا صالح القزويني وفيهما ( 28 ) تاريخاً وذلك سنة 1318 ه‍ :
1 ـ البابليات ج 3 ـ ق 2 ـ ص 70.
2 ـ طبقات اعلام الشيعة : « الكرام البررة في القرن الرابع بعد العشرة » ج 1 / ق 3 / 1226.


(68)
أكـرم بخـزّان علم أمّ وارده زفت إلى القمر الأسنى بداركم منكم لزاخـر بـحر مد آمله شمس لوار وزان البشر حامله (1)
    « وعلى أثر هذه التواريخ سماه العلامه السيد محمد القزويني ب‍ ( ناسخ التواريخ ) » وقد سماه الآخرون ( شيخ المؤرخين ).
    قال اليعقوبي في البابليات : وله مثلهما في السنة نفسها يؤرخ عمارة مقام المهدي في الحلة المعروف بالغيبة ، وفيهما ( 28 ) تاريخاً :
توقع جميل الأجـر في حرم البنا بصاحب عصر ثاقب باسمه السنا بفتحك بالنصر العزيز رواقا نجـد اقترابا ما أجار وراقا
    وقال يؤرخ الشباك الفضي الذي عمل بنفقة المرحوم الشيخ خزعل أمير المحمّرة على قبر القاسم ابن الإمام موسى الكاظم عليهما السلام :
للامام القاسم الطهر خزعل خـير أمير الذي قدس روحـا أرخوا شاد ضريحا
    وله مؤرخاً وفاة العالم الزاهد السيد ياسين ابن السيد طه سنة 1341 ه‍ :
يا لسان الذكر ردد أسفا وانع ياسين وارخ من له وأبك عن دمع من القلب مذاب فقـدت ياسـيـنها ام الـكتاب

1 ـ البيتان على النمط التالي :
    صدر الأول. عجزه. صدر الثاني. عجزه. مهمل البيت الاول. معجمه. مهمل صدر الأول مع معجم عجزه. معجم صدر الأول مع مهمل عجزه. مهمل البيت الثاني. معجمه. مهمل صدره مع معجم عجزه. معجم صدره. مع مهمل عجزه. مهمل الصدرين. معجم الصدرين. مهمل صدر الأول. مع معجم صدر الثاني. معجم صدر الأول مع مهمل صدر الثاني. مهمل العجزين.
مهمل عجز الأول مع معجم عجز الثاني. معجم عجز الأول مع مهمل عجز الثاني
معجم صدر الأول مع معجم عجز الثاني. مهمل صدر الأول مع معجم عجز الثاني
معجم صدر الأول مع مهمل عجز الثاني. مهمل عجز الأول مع مهمل صدر الثاني
معجم عجز الأول مع معجم صدر الثاني. مهمل عجز الأول مع معجم صدر الثاني
معجم عجز الأول مع مهمل صدر الثاني.

(69)
    وقال يؤرخ موت بعض المعاندين بقوله :
وناع تحمّل إثما كبيرا وقد أحكم الله تاريخه غـداة نعى آثـما أو كفورا ليصلى سعيرا ويدعو ثبورا
    وله في عصا من عوسج اهديت للسيد الجليل السيد محمد القزويني :
وإن عصا من عوسج تورق الندى لتـلك الـتي يـوم القـيامة جده وتثمـر معروفاً بيـمنى محمد يذود بها عن حوضه كل ملحد
    ومن روائعه ما قاله في احدى زياراته للإمام الحسين (ع) عندما تعلق بضريحه الشريف :
يدي وجناحا فطرس قد تعلـقا فلا عجب أن يكشف الله ما بنا بجاه ذبيح الله وابن ذبيحه لأنا عتيقاً مهده وضريحه
    وقال مخاطباً للإمام عليه السلام :
لمـهدك آيات ظهرن لفطرس لئن ساد في أُمٍّ فأنت ابن فاطم وآيـة عيسى أن تـكلّم في المهدِ وان ساد في مهد فأنت أبو المهدي
    وفطرس اسم ملك من ملائكة الله قيل قد جاء به جبرائيل إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله عندما بعثه الله لتهنئة النبي بالحسين ليلة ولادته ، فتبرك الملك بمهد الحسين عليه السلام ومضى يفتخر بأنه عتيق الحسين كما ورد في الدعاء يوم الولادة : وعاذ فطرس بمهده ونحن عائذون بقبره.
    وقوله ( وإن ساد في مهدٍ فأنت أبو المهدي ) لئن كان عيسى قد تكلم في المهد صبياً فالحسين أبو أئمة تسع آخرهم المهدي حجة آل محمد والذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
    وقد ضاع أكثر شعره ، حيث أنه كان ممن لا يعنون بجمع أشعاره أو تدوينها ، مما نُسيَ أكثره ولم يبق منه غير ما حفظته الصدور ، ومما سُجّل


(70)
له في بعض المجاميع الشعرية الخاصة ممن كانوا يعنون بجمع أدب تلك الفترة مما هو مبعثر الآن في النجف والحلة والهندية وبغداد وكربلاء.
    وقد ترجم للحاج مجيد ( رحمه الله ) في الآثار المطبوعة كثيرون ، أشهرهم : الشيخ محمد علي اليعقوبي في ( البابليات ) في ج 3 / القسم الثاني / ص 69 ـ 82. والشيخ علي الخاقاني في ( شعراء الحلة ) في ج 4 / ص 283 ـ 299 ، والشيخ اغا بزرك الطهراني في ( طبقات أعلام الشيعة ) في ج 1 / ق 3 / ص 1226 ، وقد دوّن هؤلاء نماذج لا بأس بها من شعره يمكن مراجعتها والاغتراف منها. توفي رحمه الله في 17 ذي القعدة سنة 1342 في النجف الأشرف ودفن بها.
    ويقول الخاقاني في ( شعراء الحلة ) كان رحمه الله معتدل القامة عريض المنكبين أبيض الوجه مستطيله ، اختلط سواد لحيته بالبياض ، شعار رأسه ( الكشيدة ) مهيب الطلعة وقوراً له شخصية محبوبة لدى الرأي العام يحب الخير ويبتعد عن الشر يتردد إلى مجالس العلماء ويألف أهل التقوى ويستعمل صدقة السر.
    وروى له جملة من تواريخه البديعة وأشعاره الرقيقة منها قصيدته في الإمام موسى الكاظم عليه السلام وأولها :
سل عن الحي ربعه المأنوسا هل عليه أبقى الزمان أنيسا
    واخرى يرثي بها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ويصف مصرعه بسيف ابن ملجم ليلة 19 من شهر رمضان وأولها :
شهر الصيام به الإسلام قد فجعا وفي رزيته قلب الهدى انصدعا
    وثالثة في الإمام الحسين عليه السلام وأولها :
هلّ المحرم والشجا بهلاله قد أرقّ الهادي بغصة آله
    ومن نوادره قوله :
عليٌ من الـهادي كشقي يـراعـة فما كان من غطش على الخط لايح هما واحد لا ينبغـي عـدّه اثنين فمن شعرات قد توسطن في البين


(71)
    وقال مخمساً والأصل للخليعي ـ وقد مرت ترجمته :
اراك بحيرة ملأتك رينا فلا تحزن وقر بالله عينا وشتتك الهـوى بيـناً فبينا إذا شئت النجاة فزر حسينا
لكي تلقى الاله قرير عين
إذا علم الملائك منك عزما وحرمت الجحيم عليك حتما تروم مزاره كتبوك رسما لأن النار ليس تمسّ جسما
عليه غبار زوار الحسين
    وله في استجارته بحامي الجار قسيم الجنة والنار حيدر الكرار :
من حمى المرتضى التجأت لحصنٍ فـحـيانا أمـنـاً وجـاد بـمـنٍّ قد حمى منه جانب العز ليث فهو في الحالتين غوث وغيث
    مما لم ينشر من شعر العطار :
    ومن تواريخه التي لم تُنشر ما قاله مؤرخاً ولادة السيد محمد طه ابن العلامة السيد حسين السيد راضي القزويني :
يُهني الحسين فتىً زكى ميلادُه عـمّ الوجود ببشرهِ في ساعةٍ مَـن قـد أنـابَ لدى الثناء وأخلصا ارختُ « بالتنزيل ـ طه ـ خُصّصا »
    وقوله في الجوادين ( عليهما السلام ) ، ( وقد التزم الجناس في القافية ) :
لي بالإمامين ( موسى ) و ( الجواد ) غنىً الذاكـرين جـمـيل الصُنع إن وعدا إن أعوزَ الناس حاجاتٍ إلى الناس والناسُ للوعد ما فيهم سوى الناسي
    وقد شطّرهما العلامة أبو المعز السيد محمد القزويني ارتجالاً بقوله :
( لي بالإمامين ( موسى ) و ( الجود ) غنىً ) وفـيهـما تـكمل الحـاجات من كثبٍ ( الذاكـريـن جـميل الصنع إن وعدا ) والمـنجزيـن مـواعـيـداً لـفضلهم إن لم يجد لي زماني عـند افلاسي ( ان أعوزَ الناس حاجاتٍ إلى الناس ) والـنافـيين جـميـع الذل واليأسِ ( والناس للوعد ما فيهم سوى الناسي )


(72)
    ومن تواريخه أيضاً قوله مقرضاً ومؤرخاً « بغية المستفيد في علم التجويد » لأبي المعز السيد محمد القزويني وذلك سنة 1327 ه‍. ( وقد أحسن وأجاد ) :
فـضّ نـجـلُ المُعزّ لا فضّ فوهُ ( عاصمُ ) الذهن في مراعاته مِـن ( مدّ ) كفاً مِن لينها في الندى ( تش‍ فصـلـت للـتنزيـل أبهى برودٍ قُلـتُ مـُذ أرخـوا « مقاصدَ كلمٍ عـن رحـيق مـِن لفظه المختومِ خطـأ الـفكر ، ( نافـعُ ) الـتعليمِ ‍بعُ ) ( بالوصل ) ( لازم ) ( التفخيمِ ) من معانـي الـترتيل لا من أديمِ فُصّـلت مـن لدن حكيمٍ عليمِ » (1)
    وله مُؤرخاً ولادة المحروس ( هادي ) ابن السيد ( حمد ) آل كمال الدين الحلي سنة ( 1326 ه‍ ) :
( حمد ) بن ( فاضل ) أنتَ أعظم عالمٍ غـذتـك مـِن درّ الـمعارف فطنةٌ هـي لـيلة فـيها أتـتك بـشارةٌ قد عـمّت البشرى بها كل الورى فيـه الـمكارم قد أنارَ سبيلُها وعليك من غرر العُلى اكليلها بولادة ( الهـادي ) فعـزّ مثيلُها فلذاك يُحسن أرخوا « تفضيلها »

1 ـ نقلاً عن كتاب « الرجال » ـ المجلد الرابع ـ مخطوط للسيد جودت القزويني.

(73)
الشيخ كاظم سبتي
المتوفى 1342

برغـم المجد من مضر سراةُ سرت تطوي الفلا بجبال حلم كـرام قـوضت فـلها ربوع وبانـت فالمنازل يوم بانـت تحـنّ لهـا وفي الأحشاء نار أطيـبة بعـدها لا طبت عيشاً وكنـت سما العلى وبنو علي أُباة سامـهـا الحدثان ضيماً أتهـجر دار هجـرتها فتقوى بـدت فـتأججت حرباً لحرب يخوض بها ابن فاطمة غماراً أُصيب وما مضى للحتف حتى وقـد ألـوى عن الدنيا فظلت تعـجّ الـكائنات علـيه حزناً سـرت تـحدو بعيسهم الحـداةُ تـخـفّ لهـا الجبال الراسيات خلـت فغدت تنـوح المكرمات طـوامس والـمدارس دارسات تـأجـج والـمدامـع واكـفات وكنت حمى الورى وهي الحماة بـدور هـدى بافقـك ساطعات ولـم تهـدأ عـلى الضيم الأباة وتأنـس بالطفوف لـهـم فـلاة ضغـائـن في الضمائر كامنات تظـل بهـا تعـوم السابحـات تـثلمـت الصفـاح الـماضيات تـنوح بهـا عــليه النائحـات وحـق بـأن تـعـج الكائنـات


(74)
إلى جـنـب الفـرات بنو علي تسيل دمـاؤهـا هـدراً وتمسي وتنبذ في هجير الصيف ، عنها قضت عطشا ألا غاض الفرات تغـسّلـها الـدماء الـسائلات سل الرمضاء وهي بها عـراة
* * *
أهاشم طاولتك اميّ حتـى فأنتم للمخوف حمى ومنكم أحقاً أن بين القوم جـهراً بلوعة ذات خدر لو وعتها تسل عليك منها المرهفات تروع في الخدور مخدرات كريمات النبي مهـتكـات لصدعت الجبال الشامخات
    الشيخ كاظم سبتي هو أول شاعر ادركته ولا أقول عاصرته فاني لا أتصوره ولم أرَ شخصه لكني أتصور جيداً أني مضيت بصحبة أبي ـ وكنت في العقد الأول من عمري ـ إلى مأتم حسيني عقد في دار الخطيب السيد سعيد الفحام بمناسبة تجديد داره الواقعة في محلة المشراق في النجف الأشرف وكان الوقت عصراً ، ولما دخلنا الدار وجدناها تغصّ بالوافدين فقال لي أبي : إصعد أنت إلى الطابق العلوي ، فكنت في مكان لا يمكنني من الاطلالة على الطابق الأرضي المنعقد فيه المحفل فسمعت خطيباً ابتدأ يهدر بصوته الجهوري ونبراته المتزنة قائلاً : ومن خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة ، لا تدوم أحوالها ولا يسلم نُزّالها ، أحوال مختلفة وثارات متصرفة ، العيش فيها مذموم والأمان منها معدوم ... إلى آخر الخطبة. ثم حانت مني التفاتة وإذا بصاحب الدار الخطيب الفحام جالس معنا مذهولاً يضرب على فخذه ويردد : ما هذا الافتتاح يا شيخ كاظم ، ما هذا الفأل يا شيخ كاظم ، وإلى جنبه أحد أقاربه يُهدّء عليه. ولما أتمّ الشيخ خطابه لاموه على هذا الافتتاح والتشاؤم وفعلاً هو معيب ، فاعتذر قائلاً : شيء جرى على لساني وكأن كل شيء غاب عني إلا هذه الخطبة فافتتحت بها. وكأن تفؤّله وتشؤمه


(75)
حقاً فلقد أُصيب الخطيب الفحام بمرض عضّال عجز عنه الأطباء حتى قضى عليه وعمت النكبة جميع من في الدار وأصبحوا كأمس الدابر ، ويظهر لي أن الخطيب سبتي كان مؤمناً تتمثل فيه صفات المؤمن الكامل الايمان إذ اني لا أكاد استشهد منبرياً بشيء من شعره إلا ويترحم عليه السامعون ، هذا ما حدث أكثر من مرة ليس في محافل النجف خاصة بل في سائر البلدان ، وهذا ما يجعلني أعتقد أن له مع الله سريرة صالحة ونية خالصة كما يظهر أن الرجل كان واسع الاطلاع فكثيراً ما كنت أجلس مع ولده الخطيب الأديب الشيخ حسن سبتي واسأله عن مصدر لبعض الأحاديث والروايات فكان أول ما يجبيني به قوله : كان أبي يروي هذا منبرياً. وحفظت له شعراً ورددته مراراً فمنه قوله في التمسك بأهل البيت والحسين خاصة :
يا غافـلاً عـما يـراد به غداً خذ بالبكاء على الحسين ففي غد ويؤول مقترف الذنوب اليه تلقـى ثـوابك بالبكاء عليه
    ترجم له ولده الشيخ حسن في صدر الديوان الموسوم ب‍ ( منتقى الدرر في النبي وآله الغرر ) كما ترجم له الشيخ المصلح كاشف الغطاء وغيرهما وهذا ما جاء في سيرته على قلم مترجميه :
    الخطيب الأديب الشيخ كاظم ابن الشيخ حسن ابن الشيخ علي ابن الشيخ سبتي السهلاني الحميري. توفي عنه والده وهو صغير فأودعته امه عند السيد حسن السلطاني الصائغ ليحترف الصياغة ولكنه رغب عن صياغة الذهب والفضة إلى صياغة الكلام ومجلوّ النظام وسرعان ما مالت به نفسه لطلب العلم فأخذ ينتهل منه برغبة وشوق فدرس المقدمات وساعدته لباقته وحسن نبراته على تعاهد الخطابة وارتقاء الأعواد ، وكان المنبري ذلك اليوم لا يتعدى غير رواية قصة الحسين عليه السلام ومقتله يوم عاشوراء ، وإذا بهذا المتكلم يروي خطب الإمام أمير المؤمنين (ع) عن ظهر غيب فعجب الناس واعتبروه فتحاً كبيراً في عالم الخطابة ثم قام يروي السيرة النبوية وسير أهل البيت وربما روى
ادب الطف الجزء التاسع ::: فهرس