ادب الطف الجزء التاسع ::: 76 ـ 90
(76)
سيرة الأنبياء السابقين وقصصهم فكان بهذه الخطوة يراه الناس مجدداً حيث حفظ وقرأ وهكذا من يحفظ ويقرأ يرونه مجدداً لأنهم كانوا لا يحسنون اكثر من قراءة المقاتل في ذلك الحين سمّي كل من يقوم بقراءة كتاب ( روضة الشهداء ) للشيخ الكاشفي ( روضة خون ) ان يقرأ الروضة ، ويمتاز الخطيب المترجم له انه لا يروي إلا الصحيح فلا يروي الأخبار غير المسندة او الضعيفة السند.
    وكان المنبريون قبله لا يحسنون اكثر من أن يتناول الواحد منهم كتاب ( روضة الشهداء ) ويقرأه نصاً ثم تطوّرت إلى حفظ ذلك الكتاب ورواية ما فيه فقط كالسيد حسين آل طعمة المتوفى سنة 1270 ه‍. وهو ممن ولد ونشأ ومات بكربلاء المقدسة ، وسلسلة نسبه رحمه الله هكذا : حسين بن درويش ابن احمد بن يحيى بن خليفة نقيب الاشراف ، ويتصل نسبه بالسيد ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى بن جعفر. وهكذا كان من معاصريه وهو السيد هاشم الفائزي المتوفي سنة 1270 ه‍. ايضا ولد ونشأ وتوفي بكربلاء وهو ابن السيد سلمان ابن السيد درويش ابن السيد احمد ابن السيد يحيى آل طعمة ، وكان في اسلوبه لا يخرج عن قصة الحسين عليه السلام ومصرعه ومصارع اهل بيته. فجاء خطيبنا الشيخ كاظم وقد تطور منبره إلى رواية سيرة النبي والأئمة وحفظ خطب الإمام فكان انفتاحاً جديداً في المنبر الحسيني.
    ولهذه الشهرة التي حازها ، طلبه جماعة من وجهاء بغداد وأكابرهم ليسكن هناك ، فهاجر اليها سنة 1308 ه‍. وبقي سبع سنين يرقى الأعواد في المحافل الحسينية ويومئذ كانت المحافل تغص بالسامعين فلا اذاعة تشغلهم ولا تلفزيون يلهيهم ، وفي سنة 1315 ه‍. ألزمه جماعة من علماء النجف بالعودة للنجف فكان خطيب العلماء وعالم الخطباء يلتذ السامعون بحديثه ويقبلون عليه بلهفةوتشوق ولهم كلمات بحقه تدل على فضله ونبله. ترجم له معاصروه فقالوا : كان مولده في النجف عام 1258 ه‍. والمصادف 1842 م. وشبّ ، وهوايته العلم فدرس على الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ ملا لطف الله المازندراني وأمثالهما.


(77)
قال صاحب الحصون : فاضل معاصر وأديب محاضر ، وشاعر ذاكر ، تزهو بوعظه المنابر ، إن صعد المنبر خطيباً ضمخ منه طيباً (1) حسن المحاورة ، وله ديوان كبير في مراثي الأئمة وفي غير ذلك كثير.
    وقال السيد صالح الحلي خطيب الأعواد ـ وهو المعاصر للمترجم له : الشيخ كاظم هو الرجل الوحيد الذي يقول ويفهم ما يقول.
    ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة وذكر طائفة من أشعاره ومنها قوله :
أما والحمى يا ساكني حوزة الحمى فـان أمـير الـمؤمنين مجـيركم ومن يك أدنى الناس يحمي جواره وحاميه إن أخنى الزمان وإن جارا وان كنـتـم حـمّلتم النفس أوزارا فكيف لحامي الجار أن يسلم الجارا
    وقوله مشطراً البيتين المشهورين :
بزوار الحسين خلـطت نفسي وصرتُ بركبهم أطوى الفيافي فـان عـدّت فقد سعدت وإلا وإن ذا لـم يـعـدّ لـها ثوابا ليشفع لي غداً يوم المعاد لتحسب منهم عند العـداد فقد أدّت حقـوقاً للـوداد فقد فازت بتـكثير السواد
    وقال مخمساً :
زكا بالمصطفى والآل غرسي لحشري قـد ذخرتهم ورمسي وحبّهـم غـدا دأبي وانسي بزوار الحسين خلطت نفسي
لتحسب منهم عند العداد
نظرت إلى القوافل حيث تتلى تبعتُ الركب شوقاً حيث حلا حثثتُ مطيتي والقلـب سلا فان عدت فقد سعدت والا
فقد فازت بتكثير السواد

1 ـ اشار الشيخ الى قول محمد بن نصر المعروف بابن القيسراني المتوفى 548 ه‍. يمدح خطيباً :
فتح المنبر صدراً أترى ضم خطيبا لتلقيك رحيبا منك ام ضمخ طيبا

(78)
    وقوله في كرامة للامام موسى الكاظم سنة 1325 ه‍. وقد سقط عامل كان ينقش في أعلى الصحن بقبة الإمام الكاظم عليه السلام ، وقد شاهدها الشيخ بعينيه :
إلهـي بحـب الـكاظـمين حبوتني بجـودك فاحـلل مـن لساني عقدة هوى إذ أضاء النور من طوره امرء ولكـن هـوى موسى فخرّ إلى الثرى فقـويت نفسي وهـي واهـية الـقوى لأنشر من مدح الإماميـن ما انطـوى كما أن موسى من ذرى الطور قد هوى ولما هـوى هـذا تـعلـّق بالـهـوى
    أقول : كنتُ في سنة 1377 ه‍. قد دعيت للخطابة في بغداد بالكرادة الشرقية في حسينية الحاج عبد الرسول علي ، وفي ليلة خصصتها للامام الكاظم فتحدثت منبرياً بهذه الكرامة وإذا بأحد المستمعين يبادرني فيقول : انها حدثت معي هذه الكرامة فقلت له : أرجو أن ترويها لي كما جرت ، قال : كنت في سنّ العشرين وأنا شغيل واسمي داود النقاش فكنت مع استاذي في أعلى مكان من الصحن الكاظمي ننقش بقبة الامام الكاظم والبرد قارس وقد وقفت على خشبة شُدّ طرفاها بحبلين فمالت بي فهويت فتعلق طرف قبائي بمسمار فانقلع وفقدت احساسي فما أفقتُ إلا والصحن على سعته مملوء بالناس والتصفيق والهتاف يشق الفضاء وخَدَمَة الروضة يحامون عني ويدفعون الناس لئلا تمزق ثيابي وقمت فلم أجد أي ألم وضرر ، أقول ونظمها الشيخ السماوي في أرجوزته ( صدى الفؤاد إلى حمى الكاظم والجواد ) وآخرها قوله :
قالوا وقد زيّنت البلادُ من فرح وابتدأت بغدادُ
    طبع ديوانه في النجف عام 1372 ه‍. وعليه تقاريض لجماعة من الفضلاء ، كما طبع له ديوان آخر باللغة الدارجة وكله في أهل البيت عليهم السلام ولا زال يحفظ ويردد على ألسنة ذاكري الحسين وتعرض نسخة في أسواق الكتب باسم ( الروضة الكاظمية ) أما ديوانه المتقدم ذكره فهو ( منتقى الدرر في النبي وآله الغرر ). أجاب داعي ربه يوم الخميس آخر ربيع الأول سنة 1342 ه‍. ودفن في الصحن الحيدري قرب ايوان العلامة الشيخ الشريعة.


(79)
هـواك أثار العـيس تـقتادهـا نـجـد تجـافـى عـن الـورد الذميم صدورها تـمـرّ عـلى الـبطحاء وهي نـطاقها عـليـها مـن الـركب الـيمانيّ فـتية أعـدّوا إلـى داعـي الـمسير ركـابهم تـقـرّب منـهـم كـل بـعد شـملـّة ومـا الـمـرء بالانـساب إلا ابن عزمه يـردّ الـخصوم اللـد حـتى زمـانـه ويغـدو فاما ان يـروح مـع الـعلـى ويغضى ولا يرضى القذى بل عن الكرى ويحدو بها من ثائر الشوق ما يحدو لها السير مـرعىً واللغام لها ورد وتعلو على جـيد الربى وهي العقد ينكّـر منهـا الليل ما عرف الـودّ وأعجلهم داعي الغـرام فما اعتدوا عليها فتىً لم يثن مـن عزمه البعد إذا جـدّ أنسى ذكـر آبائـه الـجد على أن هـذا الـدهر ليس لـه ردّ عـزيـز حـياة أو إلى موته يغدو جـفوناً عـن التهويم أشغلها السهد
    الى قوله :
وهل قصرت كف تطول إلى العلى لها ساعد من شيبة الحمد يمتدّ (1)

1 ـ عن شعراء الغري يرويها عن الخطيب الشيخ سلمان الانباري قال : وهي في الامام الحسين (ع).

(80)
    الشيخ حمزة ابن الشيخ مهدي الشهير بقفطان شاعر مطبوع وشخصية مرموقة ، ولد بحي واسط سنة 1307 ه‍. ونشأ بها ودرس المقدمات على أخيه الشيخ محمد صالح الذي كفله منذ الصغر ولما وجد في نفسه القابلية هاجر إلى النجف وأكبّ على دراسة العلوم الإسلامية ولازم العلامة الشيخ عبد الحسين الحياوي ينتهل من علومه حتى فرغ من دراسة كفاية الاصول وكتب الفقه الاستدلالي ، وفي أثناء تلقي العلوم كان يتعاهد ملكته الشعرية كما درس علمي الحكمة والكلام على السيد عدنان الغريفي فبرع فيهما وساجل جماعة من العلماء الفضلاء أمثال الشيخ جعفر النقدي والشيخ عيسى البصري والسيد عدنان الغريفي فكان لديهم موضع التقدير والاجلال أما الذي استفاد منه فهو الخطيب الشيخ سلمان الأنباري وهو الذي يروي عنه المقطع الأول من القصيدة الحسينية التي هي في صدر الترجمة ، وقد جمع له أخوه الشيخ محمد صالح ديواناً حافلاً بروائع الشعر الذي كان قد نشر قسماً منه في الصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك ومنها مجلة اليقين البغدادية فقد نشرت له عدة قصائد في سنتها الاولى بتاريخ 1341 ه‍. ومنها قصيدة عنوانها : العلم والحجاب ، وله اخرى عنوانها راية العز قال فيها :
رايـة الـعـز شأنـهـا الارتفاع رايـة يقـرأ الـمفكـر فـيـهـا حـيّ أعـلامـنا وحـيّ قـناهـا يـوم كانت بـنو مـعـدّ بن يـوم كـان الـعقاب يخفق في يـوم أردى كـسرى وقـيصر منه ما اكتسى لـون خضرة النصر إلا ذاك عـصرٌ بـنوره مـلأ الأرض ذاك عـصر النبي والامـناء الغرّ تتسامى منـصـورة إذ تُطاع ما روى مجدنا القديم المضاع يوم كانت تندك منها الـقلاع عــدنان مهيباً جهادهـا والدفاع الــجوّ ومنه نسر الأعادي يراع زجـلٌ لا تـطيـقه الاسماع بعدما احمرّ بالـدماء اليفـاع التي ضاء في دجاها الشعـاع إذ أمـرهـم مـهيب مـطاع


(81)
ثـم عـمّ الـسلام والـعدل ظلٌ ثم وافى عـصر العلـوم بفضل فاستطاعـوا بسيرهـم للـمعـالي واستطاعوا بـوحدة العزم والآراء أبّهـذا الـمذكري مـجـد قـومي تلك أعلامهم بألـوانهـا الأربـع أين لا أين هم ، وأيـن عـلاهـم فـبرغـمى أن الــديار طـلول طمـعـت فـيهم الأعادي لـوهنٍ رقـدوا والـمخاتـلـون قـيـام رُب ظلـم بـالحـزم أشبه حقـاً لـم يـكـدّر به الصفاء نزاع أشـرقت من سناه تلك البقاع في المساعي ونعم ذاك الزماع من حفظ مجدهم ما استطاعوا حين فاض الونى وجفّ اليراع مـرفـوعـة وهـذي الرباع أسـلامٌ ذكــراهـم أم وداع حين راحوا ومنتدى الحيّ قاع فـأذاعـوا ما بينهم ما أذاعوا وتوانـوا والـحادثات سـراع وحقـوقاً أضاعـهـا الانخداع
* * *
أيها الغـرب هـل تصورت يوماً سترى الضغـط كيف يضرم ناراً لـم تـزل تـظهر التلطف حـتى قـف مـعي نـنظر الحياة بعـين لنرى ما الذي ملكـت بـه الشرق أنـت والشرق في الـوجود سواء لكـما في الحـياة حـرية العـيش فـلماذا تـمتاز بالـحـكـم فـيه الـفـضل أضـحـت تـدار لديه كـل مـا تـدعـيه أنـك أقـوى ما لهذي النفوس تضرى مع القسوة فـيخـال القـويّ أن لـه الحـق كيف تعلو على الهضاب التلاع يصطلى حرّها الكـمّي الشجاع شفّ عن سوء ما نويت القناع لا تـغشى جفونـها الأطمـاع فأضحى يشرى لكـم ويبـاع لـم يـميـزك دونـه الابداع سـواء لـكـم بـهـا الانتفاع وعـليـه لأمـرك الاسـتماع بيـديـك الـشؤون والأوضاع وبـذا تـدعي الوحوش السباع فـي ظـلمهـا وتجفوا الطباع ومـن واجـباتـه الاخـضاع


(82)
أفـدي الحسين سري لعـرصة كربلا ان جردت بيض الصفاح أكفهم وعدوا على الأعداء اسداً مالهم فكأنهم تحت العجاج لدى الوغى بذلـوا نفوسهـم لسبط محـمد في اسرة شادوا العلاء وقوموا تلقـى بهـا هـام العدو يحطم من منجد إلا الصقيل المخـذم شمـس طوالع والرماح الأنجم فسموا غداة على المنية أقدموا
    ومنها في مصرع الحسين عليه السلام :
مـن مـبلغـنّ بـني لوى أنه من مبلغـن بني نزار وهاشماً أعلمتم أن الحسين على الثرى أعـلمتـم أن الحسين بكربلا والرأس في رأس السنان كأنه ونساؤه أسرى يشفهم الطوى هبوا من الأجداث إن بناتكم في كربلا جسم الحسين مهشم جـذّت أكفـهم وشلّ المعصم للبيض والسمر الخوارق مطعم أكفـانه الـبوغاء والغسل الدم بـدر تجـلّى عـنه أفق مظلم فوق الهزال تساق أم لم تعلموا بين الأعـادي تستـهان وتشتم
    الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد ( أبي المكارم ) العوامي. ترجم له حفيده البحاثة الشيخ سعيد الشيخ علي آل أبي المكارم في كتابه ( أعلام العوامية في


(83)
القطيف ) ونعته بوحيد العصر وعلامة الزمن ، ولد سنة 1281 ه‍. 15 جمادي الاولى في العوامية. وتوفي عشية ليلة الاثنين 13 محرم 1342 ه‍. في البحرين ودفن مع الشيخ ميثم البحراني في صحن مسجده. نشأ في ظل أبيه أبي المكارم وورث منه السماحة والفصاحة والكمال والجلال وهاجر إلى النجف ودرس على أساتذة ، وهجرته كانت في سن مبكر وبقي في النجف 18 عاماً وعندما عاد كان ابن 32 سنة فاعتزت به القطيف وافتخرت وأقبلت عليه تغترف من علومه وتنهل من فيوضاته ، وعدّد صاحب الاعلام العوامية مؤلفاته في مختلف العلوم فذكر من مؤلفاته في الفقه 19 كتاباً وأربعة كتب في الاصول وثلاثة في البيان وأربعة في الاستدلال وكتابين في المنطق وسبعة كتب في أهل البيت عليهم السلام ودواوين شعره التي أسماها ب‍ ( جرائد الأفكار ) وآخر باسم ( نهاية الادراك ) على حسب حروف الهجاء إلى غير ذلك من مناظراته ومحاججاته عن المبدأ والمذهب وخطبه ومواقفه الاصلاحية.
    أقول وأورد نماذج من مناظراته وأتى على أقوال معاصريه في حق هذا العالم الجليل من شعر ونثر كما ذكر منظومة له في العقائد وجملة من القصائد جزاء الله خير جزاء العاملين ، وترجم له صديقنا المعاصر الشيخ علي المرهون في شعراء القطيف وذكر ما اختاره من شعره في رثاء الامام الحسين (ع).


(84)
    الشيخ سليمان ابن الحاج أحمد بن عباس آل نشرة البحراني المتوفى 1342 ه‍.
مشـوا وفـؤادي إثـر ظـعنهم مشى ومازلت أخفى الشوق والوجد والجوى واكتـم شـيباً فـي فـؤادي شعـلته وظـلت امـيم تستـطـيب ملامـتي فـقلـت دعـي عـني الـملام فأنني فقالت على من سال دمعك في الثـرى فقالـت وماذا بـعد ذلك قـد جـرى فقـلت لهـا أخـشى عليك من الأسى فقـلت سأتلـو مـنه أفـجـع حادث أتاهـا وفيها حـرب قـد حشدت له وسامـته إما أن يـبايـع ضارعـاً وشـد عـليهم بعد صحب تصرعت وصال مكـراً طـعنـه ورد مهـلك وأوردهـم مكـراً صولـة حـيدرية ولا غـرو ان فـل الجـموع ولفـها فـفي كـل عضو منه جيش عرمرم فلـم يـصح قلب بالغرام قد انتشى ولكن سقمي بالهـوى والجوى فشى عن الناس لكن شيب فودي به وشى واكـره مـنهـا لـومها والتحرشا على غير حب الآل جسمي ما نشى فقلت على من في ثرى الطف عرشا علـيه فـلا تـكتم وقل فيه ما تشا فقالـت لـي أفصح ان قلبي تشوشا عليك فشقي الجيب أو مـزقي الحشا من الجيش ما سد الفلا والفضا حشا أو الموت فاختار الردى دون ما تشا له كـهـزبر شـد فـي غـنم وشا سقى فـيه بالقاني من السمر عطشا غشتهم بها في الصبح قارعـة العشا بأمثالها أو طـال فـيهـا وابطـشا مـن البأس يقفو إثره حيث ما مشى


(85)
وما زال يحـمي خـدر بنت محمد فـكيف ولا يشكـو العشاء بعينـه ورام بأن يـرتاح في أخـذ فاقـة فـسددت الأعــدا بحـبة قـلـبه فخر به يهـوى إلى الأرض ساجداً عجبت لشمر كيف شمـر ساعـداً فان ضحـكـت سن الـيه فأنـما وان سلبـت منـه الثـياب امـيـة وان فتـشت مـا فـي خباه فأنـما وان قتـلته وهـو لـم يطف غـلة وان نصـبت فـوق السنان كريـمه فيا بأبي أفدي عـلى الأرض جسمه ويـا بأبي أفـدي نـساء ثـواكـلاً كأن يـدهـا إذ كفكفت دمع عينـها كأن سيـاط الـمارقين وقد مشـت مشين بها للشام عجـف وفي الـبكا فزعن لضوء الصبح وارتحن من حياً فأخرجـن من خـدر وداخلن مجلساً وظل يـزيد يقـرع الـرأس شامـتاً وإن زجـرته بالـمواعـظ غـاضها الى ان وهت منه القوى واشتكى العشا ومن ظمـأ مـنه الـفـؤاد تحـمشـا له وأبـى فـيه القـضا غـير ما يشا فـلا سـددت سهـماً مشـوماً مريشا كـبـدر كـسا قاني الـدما وجهه غشا لـذبـح الحسين السبط والله ما اختشى لتبكي لـه عـين الـجوائـز والـرشا فقـد الـبست ثـوباً مـن العار مدهشا بـه كـل وغـد عـن مـساويه فتشا بماء فـمن قـال لـها الأرض رششا لخـفـض فان الله يـرفـع مـن يشا ورأساً بـرمـح بالـبها الـعقل ادهشا علـى فـقده في الـدمع أرسلت الحشا دلاء وأهـداب الـجفـون لـها رشـا عـلى مـتنها كانـت أفـاعـيَ رقشا عـليهـا لما قـد نالـها الركب أجهشا إلـى ساتـر يـحمى إذا الليل أغطشا بـه الفسق والفـحشاء باضا وعشعشا بها بقـضيب فـيـه للـنفس أنعـشا وكيف يرى في الشمس من كان أعمشا


(86)
    العلوية اسماء بنت العلامة السيد الميرزا صالح ابن العلامة الفقيه الحجة السيد مهدي القزويني ، قالت في رثاء جدها الحسين عليه السلام من قصيدة :
وإن قتيلا قد قضى حق دينه فذاك لعمري لا توفّيه أعيني وزاحـم في شـماء همته نسرا وإن أصبحت للرزء باكية عبرى
    اسمها الذي اشتهرت به ( سومة ) للتحبب ، وكان عمها أبو المعز السيد محمد المتوفى سنة 1335 ه‍. يخاطبها ب‍ ( اسماء ) وعرفت بعدئذٍ بالحبابة تكريماً لمقامها.
    ولدت في الحلة الفيحاء حدود سنة 1283 ه‍. ونشأت في كنف والدها ، وكان للبيئة في نفسها أثر في بلوره ذهنيتها ، فالأجواء العلمية التي كانت تعيشها والمجالس الأدبية التي تعقد في مناسبات كانت تؤثر أثرها وتدفع بهذه الحرة للشعر والأدب فلا تفوتها النادرة الأدبية أو الشاردة المستملحة فهي تكتب هذه وتحفظ تلك وتتحدث بالكثير منها.
    وقد اقترنت بابن عمها الميرزا موسى ابن الميرزا جعفر القزويني وأنجبت منه. وابنتها ( ملوك (1) ) وهي لم تزل في قيد الحياة ولا زالت تتحدث عن
1 ـ والعلوية ملوك اقترنت بابن خالها السيد باقر السيد هادي القزويني المتوفى سنة 1333 ه‍. وهي أديبة فاضلة ، ووجه اجتماعي محبب لا زال مجلسها العامر في الحلة موئلاً للقاصدين على أنّ السن قد تقدم بها حفظها الله.

(87)
امها وكيف كانت واسطة لحل النزاعات العائلية ، فكثيراً ما قصدت العوائل المتنافرة ولطّفت الجو وأماتت النزاع والخصام حتى ساد الوئام ، وتتحدث عن امها وملكتها الأدبية وتروى شعرها باللغتين : الفصحى والدارجة.
    واشتهر عن اسماء أنها تميزت بشخصية قوية وباسلوب جميل في الحديث وكان مجلسها في الحلة عامراً بالمتأدبات وذوات المعرفة. أُصيبت بمرض لازمها شهوراً متعددة وتوفيت بعده سنة 1342 ه‍. ونقلت بموكب كبير إلى النجف الأشرف لمقرها الأخير واقيمت الفاتحة على روحها الطاهرة صباح مساء وسارع الشعراء إلى رثائها وللتدليل على ما روينا نثبت نموذجاً من رسائلها الأدبية وهي كثيرة. كتبت على صديقة لها تعزيها بوفاة والدتها :
صبراً على نوب الزمان وإنما لا تجـزعي مما رزيت بفادح شيم الكرام الصبر عند المعضل فالله عـوّدك الجـميل فأجـملي
    خطب نازل ومصاب هائل ورزية ترعد منها المفاصل وتذرف منها الدموع الهوامل ، وينفطر منها الصخر ولا يحمد عندها الصبر ، ويشيب منها الوليد ولا يفتدى فيها بالطارف والتليد وعمّت كل قريب وبعيد ، ويشيب منها الوليد ولا يفتدى فيها بالطارف والتليد وعمّت كل قريب وبعيد ، غير ان الذي أطفى لهيبها وسكن وجيبها التسليم للقدر والقضاء ، وأنك الخلف عمن مضى ، فلم تفتقد مَن انت البقية ولم تذهب مَن فيك شمائلها والسجية ، فذكراها بك لم تزل مذكورة وكأنها حيةٌ غير مقبورة ، فلا طرقت بيتك الطوارق ولا حلت بساحة ربعك البوائق ، ودُمتِ برغم أنف كل حقود لا نرى فيك إلا ما يغيظ الحسود.
1 رجب المرجب 1322 هجرية الداعية العلوية
اسماء


(88)
    الرسالة الثانية كتبتها إلى شقيقها السيد هادي لنجاته من حادثة رعناء سنة 1328 ه‍. وكانت يومئذ في الحلة وهو في ( الهندية ) :
أ ( هادي ) دجى الظلما بنور جبينه لقد أضرم الأعـداء نار حقودهم وأحسا بـه يجـلوه ان أظلم الخطب وما علموا في رشح جودك قد يخبو
    غمام جود الواقدين إذا أمحل النادي وشمس صباح السارين وبدرها ( الهادي ) حفظك الرحمن من طوارق الأسواء بمحمد صلى الله عليه واله النجباء.
    أما بعد فنحن بحمد الله المتعال وما زلنا في السرور ولا نزال ، سيما بورود حديث فرح من ذوي شرف قديم وخصوص مسرود من ذوي فضل عميم يشعر أن الله قد حياك بنعمته الوافية وخصّك بسلامته الكافية ونجاك من هذه الرائعة فيا لها من قارعة ، فحمدنا الله على ذلك وشكرناه على ما هنالك ، وإلا لتركت مقلة المجد عبرى ومهجة الفخر حَرّا ، وأحنيت على وجد منا الضلوع ومنعت من عيوننا طيب الهجود والهجوع فتمثلنا بقول من قال :
فُديت با ( لمحصول ) كي يغتدي أصـلك محفوظاً لآل الرسول
    اقول وسبب كتابة هذه الرسالة كما روى الخطيب السيد محمد رضا في مؤلفه ( الخبر والعيان في أحوال الأفاضل والأعيان ) ص 64 في ترجمة السيد باقر ابن السيد هادي المذكور ما نصه :
    ان السيد هادي دعاه بعض رؤساء العشائر إلى وليمة ليلاً ، فخرج على فرسه تحدق به جريدة من الخيل منهم ولده الباقر وجماعة من خاصته وخدمه وأخوه المرحوم السيد الحسن وكان الوقت صيفاً فانعقد المجلس في الفضاء بجنب ( مضيف ) من قصب فبينا الناس قد شغلوا بنصب الموائد واذا بصوت الرصاص يلعلع من فئة لها تراث مع صاحب المضيف ، ففزع القوم واضطربوا ، وكان


(89)
على رأس السيد الهادي خادم واقف يقال له ( محصول ) فأصابته رصاصة سقط على أثرها جديلاً كما قتل ساقي الماء وأُصيب آخرون ثم ثار الحي ومَن كان مدعواً للوليمة فانهزم الغزاة راجعين ، أما السيد الهادي فقد ثبت بمكانه لم يتحرك ولم ينذعر ، وعندما رجع السيد إلى البلد سجد ولده الباقر شكراً لله على سلامة والده وكتب من فوره إلى عمَ أبيه في الفيحاء أبي المعز السيد محمد هذين البيتين :
بشراك في فاجعة أخطأت فـدت مقـادير إله الورى وما سوى جدك خطّاها أبي ، ومحصول تلقّاها
    فأجابه السيد يخاطب السيد الهادي :
فُديت بالمحصول كي يغتدي والمـثل الـسائر بين الورى اصـلك محفـوظاً لآل الـرسول خير من المحصول حفظ الاصول


(90)
    يرثي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة المرادي المذحجي رحمة الله عليهما :
لو كان غيرك يا بن عروة مسلما اويته وحميته وفديته ان لم تكن من ال عدنان فقد قد فقدت من يحمي الضعائن شيمة ما بال بارقة العراق تقاعست لم لا تسربلت الدماء كأميرها بايعت مسلم بيعة علويه فلذا عيون بني النبي تفجرت بشراكم طلب ابن فاطم ثاركم خرج الحسين من الحجاز بعزة ونحا العراق بفتية مضرية قوم اكفهم لمن فوق الثري قوم بيوم نزولهم ونزالهم رام ابن هند ان يسود معاشرا هبت هناك بنو علي وامتطت في مصر كوفان لاوي مسلما في مهجة ابت الحياة تكرما ادركت فخر الخافقين وان سما حتي ربيعة بل اباه مكدما عن نصر من نال الفخار الاعظما كاميرها لم لا تسربلت الدما ابدا فلم تنكث ولن تنندما لما اتي الناعي اليه عليكما طلب ابن فاطم ثاركم بشراكما رغم العدا لا خائفا متكتما كل تراه باسمه مترنما كرما تكلفت الروى والمطعما لم يكسبوا غير المكارم مغنما ضربوا علي هام السماك مخيما من كل مفتول الذراع مطهما
ادب الطف الجزء التاسع ::: فهرس