ادب الطف الجزء التاسع ::: 151 ـ 165
(151)
    شطر بيتين في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال :
( قل لمن والى علي المرتضى ) أيها الـمذنـب إن لـذت بـه ( حبـه الاكـسير لو ذرّ على ) وإذا مـا شمـلـت ألـطافـه نلـت في الـخلد رفيع الدرجات ( لا تـخافـنّ عـظيم السيئات ) رمـم حـلّت بهـا روح الحياة ( سيئات الخلق صارت حسنات )
    ثم ذيلها برثاء الحسين عليه السلام ومدح الإمام علي بن أبي طالب (ع) :
حـبّه فـرض عـلى كل الورى كـل مـن والاه ينجـو في غـد فهـو الغـيث عـطاءً وهـبات وهو نور الشمس في رأد الضحى كـم بـوحي الـذكر في تفضيله آيـة الـتصـديـق مـن آيـاته فهـو بالنـص وصي الـمصطفى وهـو فـي الـحشر أمان ونجاة مـن لـظى النار وهول العقبات وهـو اللـيث وثـوبـاً وثـبات وهـو نبراس الهدى في الظلمات صـدعـت آيات فـضل بيـّنات حين أعطى في الركوع الصدقات وأبـو الغـر الـميامـين الهـداة
    ثم يذكر مصاب الحسين (ع) بقوله :
لهف نفسي حينما استسقاهم خرّ للموت على وجه الثرى جرعـوه مـن أنابيب القناة عينه ترعى النساء الخفرات


(152)
ثم رضّوا حنقاً صدر الذي بأبي مـلقى ثـلاثاً بالعرى ورضيـع يتلظـى عطشا لهـف نفسي لربيبات الابا هجـم الـقوم عليهن الخبا فيه أسرار الهـدى منطويات عارياً تسقي علـيه الذاريات قد رَمى منحره أشقى الرماة أصبحت بعد حماها ثاكلات فغدت بين الأعادي حاسرات
    السيد حسن ابن السيد ابراهيم بن الحسين بن الرضا ابن السيد مهدي الشهير ببحر العلوم أديب معروف وعالم جليل ولد في النجف عام 1282 ونشأ على والده المشهور بأدبه وفضله وعلمه وكماله ، ومن يشابه أبه فما ظلم ، لقد ورت أكثر سجايا أبيه من عزة وإباء وعفة وورع حضر على علماء النجف أمثال شيخ الشريعة الأصفهاني والسيد محمد كاظم اليزدي ذلك إلى جنب براعته الأدبية وديوانه يعطينا صورة عن نبله وفضله وبراعته في التاريخ مشهود بها. ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر ألواناً من شعره من مديح ورثاء وتهان وتواريخ. توفي بالنجف 19 جمادى الاولى سنة 1355 ه‍. ودفن بمقبرة الاسرة وهو والد العلامة التقي الورع السيد محمد تقي بحر العلوم والعلامة الجليل البحاثة السيد محمد صادق بحر العلوم.


(153)
يا رب عوّضتَ الحسين إن الذي مـن تحت قبته يمـمت مـرقـده لـما صُـبّت على قلبي الهموم وتـمثّلـت لـي كـربلا مثل الأضاحي في الثرى مالي دعـوتُ بهـا فلـم والـقلـب مـني لاهـب بكـربلا عـما أصابـه دعـاك لـه اسـتجـابه أيقـنت باب الله بـابـه وناظـري أبـدى انسكابه وحسين مـا بين الصحابه سلـب العـدى حتى ثيابه أرَ منـك يـا رب الإجابه هـلا تسكّـن لي التهـابه
    الحاج محمد ابن الحاج ميرزا حسين الخليلي ، عالم ورع وأديب شاعر ولد في النجف ونشأ بها على أبيه ودرس المقدمات على اساتذة مشهورين فنال حظوة كبيرة من العلم واتصل بحلقة الامام الخراساني مضافاً إلى دراسته عند والده العالم الجليل حتى حصل على إجازة اجتهاد من جملة من اعلام عصره واشتهر بالزهد والورع حتى خلف أباه في إمامة الصلاة بالناس واءتمّ به الأتقياء والأولياء والصلحاء ثم انصرف عن ذلك لأنه خاف الرياء والزهو وعكف على الطاعة في زوايا المساجد وحرم الامام أمير المؤمنين (ع) وحفظ القرآن من كثرة


(154)
تلاوته له ، وإلى جنب ذلك فهو مرح إلى أبعد حدود المرح ولا يكاد جليسه يملّ مجلسه ألّف في الفقه كتاب الطهارة ، والخمس ، وغريب القرآن رتّبه على حروف المعجم وبناه على ثلاثة أعمدة : الأول اسماء السور ، الثاني الكلمات العربية ، الثالث التفسير المستقى من أشهر التفاسير.
    نظم الشعر في صباه وتطرق إلى فنونه وأغراضه وأكثر من النظم في أهل البيت عليهم السلام فمن قوله في الإمام الحسين عليه السلام :
هل بعد ما طرد المشيب شبابي وأروح مرتاحاً بأنديـة الهـوى وتئنّ نفسي للربوع وقـد غـدا بـيت لآل محـمد في كـربلا أصبو لذكر كواعب أتراب ثملاً كأبناء الهوى متصابي بيت الـنبوة مقفر الأطناب قـد قام بين أباطح وروابي
    وقال متوسلاً بالعباس بن علي عليهما السلام :
أبا الفضل هل للفضل غيرك يرتجى قصدتك من أهلي وأهـلي لك الفـدا وهل لذوي الحاجات غـيرك ملتجى وهل يقصد المحتاج إلا ذوي الحجى
    وقال يعاتب بعض أصدقائه في رسالة أرسلها إلى النجف :
لـي بالـغـري أحـبـّةٌ أخـذوا الفـؤاد وخلّفـوا يا دهـر ما أنصفـتنـي حـملتني بُـعـد الـديار قسمـاً بأيـام مـضـت لم يحلُ لي غـير الغري أوّاه هـل لـي للحـمى لأقـبّل الأعـتاب مـن ما أنصفـوني بـالـمحبه جـثـمانه في دار غربه كـلفتني الأهوال صـعبه وبُعـد مـن أشتاق قربه في وصل مَن أهواه عذبه وغـير أنـدية الاحـبـه مـن بعـد بُعد الدار أويه مـولى الورى وأشمّ تربه


(155)
حرمٌ ملائكـة السـما وبه نشاوى العارفون لطوافـها اتخذتـه كعبه قد احتسوا كأس المحبه
    وله مستنهضاً أبناء يعرب :
بني يعرب أنتم أقمتم بعزكم وشيدتـم منه مبانيه بالضبا يهون عليكم ما اشدتم بناءه قواعد دين المصطفى أول الأمر وسجفـتموه بالـمثقـفة السمـر تهدده بالهدم رغما يد الكفر
    وله راثيا ولده
فمن مخبري عن نبعة قد غرستها ومن مخبري عن فلذة من حشاشتي اريحانه الروح التي ان شممتها ومصباح انسي ان علي تراكمت رحلت وقد خلفت بين جوانحي ورحت ولي قلب يقطعه الاسي تمثلك الـذكـرى كأنـك حاظـرٌ بقلبي حتي اينعت جذها القضا برغمي قد حزت وما لي سوي الرضا وبي نزل الهم المبرح قوضا حطوب بعيني سودت سعة الفضا لهيب جوي من دونه لهب الغضا وطرف علي اقذي من الشوك غمضا فانظر بـدراً في الـدياجـر قـد أضا
    وقال من قصيدة :
شاقها الراح فجدّت في سراها قـرّبت كـل بـعيد شاسـع قطعت قلب الفـلا مذ واصلت يعـملات ما جـرت في حلبة يا رعـاهـا الله مـن ساريـة أملا تبـلـغ بالـسير مـناهـا مذ غـدت تذرع في البيد خطاها بالسرى سهـل الـفيافي برباهـا والـصبا إلا الـصبا ظلّ وراهـا كم رعت في سيرها من قد علاها


(156)
    ويتخلص إلى ركب الإمام الحسين عليه السلام :
سادة كادت مصابيح الدجى وولاة الأمر في الخلق ومن غدرت فيهم بنو حرب وهم أخرجتهم عن مباني عزّهم بالـفيافي شـتت شملهـم أنزلوهم كربـلا حتـى إذا بينهـم والماء حالـت ظلمة يهتدي فيها الذي في الغيّ تاها فـرض الله على الخـلق ولاها أقـرب الناس إلى المختار طاها وبـيوت طـهـّر الله فـِناهـا وعليهم ضيقـت رحب فضاها نزلوها منـعوهـم عـذب ماها مـن جـموع عدّها لا يتناهـى
    توفي بالنجف ليلة الخميس 13 ذي الحجة سنة 1355 ه‍. ودفن بمقبرة والده رحمهما الله.


(157)
    قال يصف حالة الإمام الحسين (ع) عند فجيعته بأخيه العباس يوم عاشوراء :
أنست رزيـتك الأطفـال لـهفتها أراك يا بن أبي في الترب مُنجدلاً هـذا حسامـك يشكـو فقد حامله وذا جـوادك ينعى في الخيام وقد شلّت يمين برت يمناك يا عضدي نامت عـيون بني سفيان وافتقدت بعـد الرجاء بأن تأتي وتـرويهـا علـيك عـين العلى تهمي أماقيهـا إذ كنـت فـيه الردى للقوم تسقيها أبكى بنات الـهدى مَن ذا يـسليها وذي يـسارك شـل الله باريـهـا طيب الكرى اعين كانت تراعيها (1)
    الخطيب علي بن حسن بن محمد بن أحمد بن محسن الزاهر المتولد سنة 1298 ه‍. والمتوفى سنة 1355 ه‍. نائحة أهل البيت وداعيتهم وجاذب القلوب نحو واعيتهم فقد اشاد مؤسسة باسم ( الحسينية ) ولم تزل تعرف باسمه في ( العوامية ) نظم باللغتين : الفصحى والدارجة ومن قصائد قوله في مطلع حسينية نظمها من قلب قريح :
يا ليوث الحروب من آل طاها أسرجوا الخيل يا ليوث وغاها
    وديوانه المخطوط يضم جملة من أشعاره ..
1 ـ اعلام العوامية في القطيف.

(158)
    قال في قصيدة حسينية :
أحاطـت به وبسـت الجهـات فخـيرهـا قبل حكـم الضيـا فإمـا يـعـود إلـى يـثـرب واما الـجبال وشعـب الـرمال واما يسـير لـبعـض الثغـور فما رغـبت مـنه فـي واحـد رأت مـنـه قـلّـة أنـصـاره وسامـته يخـضع وهـو الأبي فـناجـزها الحـرب في فـتية بهـا لـيل تحـسب ان الـردى لها الموت يحلو خلال الصفوف سـواء عـليها الفـنا والـحياة لهـم دون مـركزهـم مـوقف أشادوا الهـدى فـوق تاج الأثير أحاط بها الخطر الـمرعـبُ ونقـط الاسنة ما استصوبـوا ومن حيـث جاء لها يطلـب وظهـر الفيافي لهـا يركـب يقيـم بها مـع من يصحـب ولو أنصفت لم تكن ترغـب فظـنت بكـثرتهـا ترعـب وأنـى يقـاد لهـا المصعب لهم باللقا شهـدت يـعـرب إذا جـدّ ما بينهـا مـلعـب وما مرّ من طعمـه يعـذب إذا استرجـع التاج والمنصب إلـى الـحشر ناديـه ينـدب ومبنـى الضلال به خـرّبوا


(159)
فما حزب طالوت ذو البيعتين ولا يـوم احـزابها يـومهـم ولا الـجاهـلية ذات الحروب بسبعين ألفـاً خـلال الـوغى رسـوا كـالجبال وهم واحـد أجالـوا الوغى جولان الـرحى سل الشام عنـها وأهل العراق ولا أهل بدر وإن أنجبوا واحدٍ وما بعدها يعقـب بحربهـم حـربها يحسب تجـول وأمـدادها تلعب وستـين لـكنـهم ذرّب وللحشـر نيـرانها تلهب فهل سلمت منه إذ تهرب
    الشيخ موسى بن محسن بن علي بن حسين بن محمد بن علي بن حماد الشهير بالعصامي نسبة إلى بني عصام بطن من هوازن ، لامعاً في عصره خطيب وشاعر ، ولد في النجف الأشرف سنة 1305 ه‍. ونشأ بها يتعاهد تربيته أعمامه فدرس العربية والمنطق على أساتذة معروفين منهم السيد جواد القزويني كما درس البلاغة على العالم الجليل الشيخ يوسف الفقيه والشيخ عبد الرسول الحلبي والسيد حسين ابن السيد راضي القزويني.
    ودرس الفقه والاصول على الشيخ عبد الكريم شرارة والشيخ صادق الحاج مسعود والشيخ المصلح الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ، وحضر عند الشيخ حسين الدشتي فأخذ عنه علم الحساب والهندسة والكلام والحكمة واشتهر بين أخدانه بالفضل وعرفه جمهور الناس من مواقفه الخطابية إذ كان خطيباً جماهيرياً ومرشداً مصلحاً يخطب ويكتب ويعظ ويرشد أينما حل ، ولكن مجتمعه مصاب بداء الأنانية وأمة كما قيل فيها : لا تعمل ولا تحب أن يعمل أحد ، لذاك ناوأه الكثير ووقفوا في طريق اصلاحه حتى ودع الحياة بكربلاء في آخر يوم من شهر رمضان عام 1355 ه‍. ونقل جثمانه للنجف حيث دفن رحمه الله.


(160)
    آثاره العلمية :
    1 ـ منظومة في الإمامة تناهز الثمانمائة بيتاً.
    2 ـ البراءة والولاية ، بحث دقيق.
    3 ـ تاريخ الثورة العراقية.
    4 ـ الدعوة الحسينية وأثرها.
    5 ـ الضالة المنشودة في الحياة.
    6 ـ الهدى والاتحاد ، أهداه إلى أبطال الدستور في الاستانة بتوسط الصدر الأعظم طلعت باشا.
    7 ـ الدراية في تصحيح الرواية.
    8 ـ بحث في الحجاب ، وغيرها مما يزيد على العشرين مؤلفاً ، وديوانه الحافل بمختلف المواضيع وطرق سائر الأبواب ومن مراسلاته قصيدته التي أرسلها للشيخ خزعل خان أمير المحمرة ومطلعها :
لك الهـنا ولـي الأفـراح والطرب فقل لساقي الطلى نحيّ الكؤوس وإن هـذا لـماك وهذا ثغـرك الـشنب أعطاف قدك تصمي لا القنا السلب ووجهك الصبح لكن فاته وضـحاً ويلاي لا منك يا ريم العذيب فمن مـذ ساعفتني بـك الأيام والأرب انيـط عـني في راحاتها التعـب فما الحميا وما الأقـداح والـحبب وسهم عينيك لا نبـعٌ ولا غـرب وثغرك البـرق لكن فاته الشنـب عينيّ جاء لقلبي في الهوى العطب
    وكلها بهذه القوة والمتانة والرقة والسلاسة ، ومن مشهور غرامياته قوله :
طاف بكاس المـدام أغيد وزفّها في الدجى عروساً تلـهبت فـي يديه لكـن من فضة والسلاف عسجد توجّهـا اللـؤلؤ المنضـد بوجـنتيه الـسنا تـوقـد


(161)
صالـيت نـار الخليل فيه بدرٌ واقراطـه الـثـريـا شقّ لها في الدجى عمـوداً فـأسفر المشرقان افـقـاً وانـصـدع الغيهبان جنح وهـزّ مـن معطفيه لـدنا يـانع غـصن وقد تثنـّى مذ ريّش الهدب قلت قلبـي أدمى فؤادي سلـوه عـما كـيف تصبّرتَ يا فـؤادي أمـرد فـي تيهـه يـرينا قال له الحُسن مذ تنـاهـى لكن عـلى ريقـه المبرّد والراح في راحتيه فرقـد من وجنتيه استنار وامـتد بالنيرين : السلاف والخد الظلام أو شعره المجعـد صوّب حتفي به وصعّـد طائر قلبي عليـه غـرّد دونك يا سهمـه المسـدد في راحتيه الخضاب يشهد عن عذب ريق له تشهـد بلقيس في صرحها الممرد أنـت بجمع الـملاح مفرد


(162)
لأصبر أو تجـري عـلى عاداتها وتقودها شعث الـرؤوس شوائـلا وتثـيرها شهباء تمـلأ جـوّهـا فإلامَ يـقتـدح الـعـدو بزنـده أو مـا دريـتِ بـأن آل أميـة واتت كتائبها يضيق بـها الـفضا جاءت ودون مرامها شـوك القنا عثرت بمدرجـة الهوان فأقلعـت فـهناك أقـبل والحفـاظ بفتيـة بمدربين على الحروب إذا خبـت وثبـت بـمزدلف الهياج كأنهـا هيجت بمخمصة الطـوى ولطالما يـوم بـه الأبطال تعـثر بالـقنا برقت به بيض السيوف مواطـراً فـكأن فـيه الـعاديـات جـآذر وكـأن فيـه البارقـات كواكـب وكـأن فـيه الـذابـلات أراقـمٌ وكـأن فيـه السابـغات جـداول خـيل تشـنّ عـلى العدى غاراتها قـبّ البطون تضج في صهـلاتها نقـعاً يحـط الـطير عـن وكناتها نار الهـوان فتصـطلى جذواتهـا ثـارت لـتدرك مـنكـم ثـاراتها حـشداً تـسدّ الأفـق في راياتهـا كـيما تـسود بجـهـلها ساداتـها نهضاً بعـبء الحـقد من عثراتها ما خـطّ وخط الـشيب في وفراتها للحـرب نار أوقـدوا جمـراتـها الآسـاد فـي وثبـاتهـا وثـباتها اتخـذت أنابـيب القـنا أُجـماتها والمـوت منتصـب بـست جهاتها بـدم الكـماة يفـيض من هاماتها تخـتال مـن مـرح عـلى تلعاتها للـرجم تهـوي في دجـى ظلماتها تنساب من ظـمأ عـلى هضباتهـا أضحى يخوض الموت في غمراتها


(163)
غنّـت لهـم سود المنايا في الوغى فتدافعـت مشي النزيف إلى الردى وتـطلعت بـدجى الـقتام أهـلّـة تجري الطلاقة في بهاء وجـوهها نـزلـت بقارعـة المنون بموقف غـرست بـه شجر الرماح وإنما حتـى إذا نفـذ القـضاء وأقبلت نشرت ذوائب عـزّها وتخايلـت وتـفيأت ظـلل القـنا فـكأنمـا وتعانقـت هـي والسيوف وبعدذا وتناهــبت أشلاءهـا قِصد القنا وانصاع حامـية الـشريعة ظامياً أضحـى وقـد جعلـته آل أميـة حتى قضى عطشاً بمعترك الـوغى وجرت خيول الشرك فوق ضلوعه وصليل بيض الـهند مـن نغماتها حتـى كـأن الـموت من نشواتها لـكن ظـهور الـخيل من هالاتها إن قـطّبت فـرقاً وجـوه كماتها يستوقـف الأفـلاك عن حركاتهـا قطفت نفوس الشوس من ثمراتهـا زمـر العـدى تستنّ في عـدواتها تطـوي عـلى حرّ الظما مهجاتها شجـر الأراك تفـيأت عـذباتهـا ملكـت عـناق الحور في جناتهـا ورؤوسهـا رفعـت على أسلاتهـا ما بـلّ غلـتـه بعـذب فـراتهـا شبـح السهـام رمـيّةً لـرماتهـا والسـمر تصدر منـه في نهلاتهـا عـدواً تجـول عـليه في حـلباتها
* * *
ومخـدرات مـن عقـائل أحمد مـن ثاكـل حرّى الفؤاد مروعة ويتيمـةٍ فـزعـت لجسم كفيلها أهوت على جسم الحسين وقلبهـا وقعت عليه تشمّ مـوضع نحـره تـرتاع من ضرب السياط فتنثني أيـن الحفاظ وفي الطفوف دماؤكم أيـن الحفـاظ وهـذه أشلاؤكـم هجـمت عليها الخيل في أبياتهـا أضحت تجاذبها العـدى جبراتهـا حسرى القناع تعـجّ في أصواتهـا المصـدوع كاد يذوب من حسراتها وعيـونهـا تنـهلّ فـي عبراتـها تـدعـو سـرايا قومها وحـماتها سفكـت بسـيـف أمـية وقناتهـا بقـيت ثلاثـاً في هـجـير فلاتها


(164)
أيـن الحـفاظ وهـذه فتياتكم حملت برغم الدين وهي ثواكل فمن المعزي بعد أحمد فاطمـاً حملت على الأكوار بين عداتها حسرى تـردد بالشجى عبراتها فـي قـتل أبناها وسبي بناتهـا
    السيد محمد حسين ابن السيد كاظم ابن السيد علي بن أحمد الموسوي القزويني الشهير بالكيشوان النجفي. ولد في النجف عام 1295 ه‍. مشهور بعلمه وتحقيقه ، ذو نظر صائب وفكر وقاد ، أديب له الصدارة في المجالس والمكانة السامية عند العلماء وأهل الدين ذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) فقال : فاضل مشارك في العلوم سابق في المنثور والمنظوم له فكرة تخرق الحجب وهمة دونها الشهب ، وشعر يسيل رقة وخط يشبه العذار دقة ، إلى حسن أخلاق وطيب اعراق وحلو محاضرة مع الرفاق ، ونسك وتقى بعيد عن الرياء والنفاق ، وله شعر كثير بديع التركيب.
    لا زلت أتمثله سيداً وقوراً مربوع القامة حسن الهندام بهي المنظر والعمة السوداء متناسبة مع وجهه ومنسجمة معه كل الانسجام رأيته عشرات المرات في عشرات من المجالس الحسينية وقد طلب منه أبي مقابلة نسخة ( مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار ) للجد الأكبر السيد عبدالله شُبّر على نسخة المؤلف وبخطه ، فأجاب في حين لم تكن بينه وبين أبي صلة قوية أو لأبي عليه دالة تستوجب الاجابة لكنه لخلقه العالي وسجاحة أخلاقه تنازل لرغبته فكان يحضر كل يوم عصراً إلى دارنا وتكون بيده نسخة الأصل ومع الوالد نسخة أخرى فيقرأ أحدهما مرة ومرة فلم أسمع صوته ولا أقدر أن أُميّز نبراته ولكني أتصور كلامه ، لقد كان هادئ الطبع وديع النفس إلى أبعد ما تتصور. وقال لي أحد الأذكياء يوماً ونحن في محفل غاص بالمعممين في دار المرحوم الشيخ مرتضى الخوجه ، والسيد المترجم له في صدر المجلس : هل رأيت ذلك السيد ( وأشار عليه ) زجّ نفسه في كلام أو خاض في مسألة دون


(165)
أن يُسأل فيجيب بالرغم من أنه أعلم الموجودين والكل يعلم بذلك ، يقول البحاثة المعاصر علي الخاقاني عنه : لقد أفنى زمناً طويلاً في إحياء كثير من الكتب النادرة بخط جميل وضبط قوي وأتذكر أنه كتب تحرير المجسطي بدوائره وأشكاله فكانت مخطوطته من أروع المخطوطات ، وكتب الأصول الأربعمائة وكثيراً من مؤلفات الشيخ المفيد والصدوق وألّف وصنّف كثيراً منها : تحفة الخليل في العروض والقوافي ورسالة في علم الجبر ، منهج الراغبين في شرح تبصرة المتعلمين في جزئين ، منظومة في علم الحساب تقع في 221 بيتاً وغيرهما مما دوّنها مترجموه ، نشأت وأنا أسمع أساتذة المنبر الحسيني يروون شعره ويعطرون به المحافل ويرون شعره من الطراز العالي ورثاءه من النوع الممتاز على كثرة الراثين للحسين عليه السلام ، وحذراً من أن يقال أن الشاعر لا يحسن إلا الرثاء فاني أروي مقطوعة واحدة من غزله من ديوانه المخطوط الحافل بما لذّ وطاب من مسامرة الأحباب ، قال :
وغادة نادمتها غازلت منها مقلة أحنى عليه الحسن لم أدرِ إذ تكسر خف‍ أمن حياء أم نعا لهوت فيها أجتلي دبجه البهاء مث‍ أرخت عليها صدغها كأنه ورد علي والحسن أذكى خدّها وعنبر الخال به داعبتها وما على حتى اختلست رشفة في غلس الليل الدجى ترنو بعيني أدعج خط حاجب مزجج ‍نيها لكسر المهج س فيهما أم غنج روض محياً بهج ‍ل السندس المدبج منعطفاً ذا عوج ‍ه قطعة من سبج بجمره المؤجج يذكو بطيب الأرج أهل الهوى من حرج من ريقها المثلّج
ادب الطف الجزء التاسع ::: فهرس