ادب الطف الجزء التاسع ::: 181 ـ 195
(181)
هـلا تـعـود بوادي لعلع وقبـا أيام لهو مضت فيمن أحـب وقـد تعذبت مهجتي يوم الرحيـل بهـم لا تحسبوا أعيني تجري مدامعهـا أبكيهم يوم حلّوا بالطفوف ضحـى وأقبلـت آل حـرب في كتائبهـا ساموه إما كؤوس الحتف يجرعها نفسي الفداء لظامي القلب منفـرداً لهفي له مذ أحاطت فـيه محدقـة رموه في سهم حقد من عداوتهـم من بعده هجمت خيل الضلال على أبدوا عقائـل آل الوحي حاسـرة الله كم قطعت لابن النبـي حشـى وكم دم قد أراقـوا فـوق تربتهـا سروا بهن على الأقتـاب حاسـرة مرابع ذكـرها في الـقلب قـد وقبا أبقت معنى إلى تلك العهود صبــا كأن طـعم عذابي عندهم عذبـــا عـليك بل لآل المصطفى النجبــا وشـيدوا في محافي كربلا الطنبـا تجرّ حرباً لرحب السبـط واخربـا أو أن يـذل ولـكـن الابـاء أبـى وغير صارمة في الحرب ما صحبا أهل الضلال وفيـه نالـت الإربـا مـثلثـاً في شظـايـا قلبـه نشبـا خـدر الـنـبـوة بـالله فانـتهبـا لم يتركوا فوقها ستـراً ولا حجبـا في كربلاء وكم رحـل بهـا نهبـا وكم يتيم بكعب الـرمح قد ضربـا إلى ابن هند تقاسي الوخد والنصبـا


(182)
    الجواد بن الهادي ابن السيد ميرزا صالح ابن الحجة الكبير السيد مهدي القزويني :
هداة اباة في سما المجد أشرقت وحسبك من هادٍ بشير إلى هادي
    ولد سنة 1297 ه‍. في قضاء الهندية قبل وفاة جده الكبير بثلاث سنوات نشأ على حب العلم والكمال ودرس مبادئ العلوم على عمه السيد أحمد ثم أرسله أبوه إلى النجف وألحقه بأخويه : السيد محيي والسيد باقر وهما أصغر منه سناً فنالوا قسطاً كبيراً من الفقه على جملة من اعلام النجف كالحاج ميرزا حسين الحاج خليل والشيخ مهدي المازندراني وآية الله الخراساني والملا كاظم إلى أن حدثت الحرب العالمية الاولى سنة 1332 ه‍. عاد المترجم له إلى الهندية مزوّداً بجملة من شهادات مشايخه الاعلام التي تخوله نشر الأحكام. وكانت أيام العطل الصيفية هي مواسم المطارحات الأدبية والمبارات الشعرية مضافاً إلى ولعه الشديد بمطالعة كتب الأدب والشعر والأخبار وسيرة أهل البيت حتى ألّف من ذلك مجاميع تضم النوادر والفوائد والشواهد. رأيت بخط الخطيب الشهير الشيخ محمد علي قسام جملة من الرسائل الأدبية والمقاطيع الشعرية والذوق الأدبي ، أبرق للسيد محمد علي القزويني بمناسبة تعيينه عضواً في مجلس الأعيان :
تفرست الملوك بك المعالـي فلا عجب إذا أصبحت ( عينا ) وقد أحرزتها بعلوّ شان لأنك عين انسان الزمان
    وله مفردات ومقاطيع قالها في مناسبات شتى وقصائد رثى بها سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين عليه السلام منها قصيدة التي مطلعها :
هلا دروا بمحبٍّ عندما ذهبوا تجري مدامعه دمعاً وتنسكب


(183)
    واخرى أولها :
أحباي لا أصغي للومة لائم ولا انثني عن ودكم باللوائم
    وقوله :
ما للأحبة لا يأوون خلانا هلا دروا أننا حانت منايانا
    وديوانه المخطوط معظمه في الإمام الشهيد كما كتبَ وخلّف من الآثار كتاب ( لواعج الزفرة لمصائب العترة ) يقع في ثلثمائة صفحة استعاره بعض المتأدبين ولم يُرجعه ، وكتاب « الفوادح الملمة في مصائب الأئمة » حققه حفيده السيد جودت القزويني ، توفي السيد جواد أوائل شعبان سنة 1358 ه‍. في الهندية وحمل نعشه على الأعناق مسافة أميال ثم حمل إلى النجف حيث دفن في مقبرة آبائه الخاصة بالاسرة ورثاه فريق من الشعراء كالشيخ قاسم الملا والسيد محمد رضا الخطيب والشيخ عبد الحسين الحويزي وغيرهم.


(184)
أنـختُ بباب باب الله رحلـي وقد يممت بحـر ندى وجـود ولذت بظل كهف حمى حسين بنائلـه الظمـا يـروى وروداً وفدت عليك يـحدوني اشتياقي رجـاءً أن تحط الثـقل عنـي وغوثك فيه يكشف كل خطـب وغـفران الذنـوب وكـل وزر ونصري يا ملاذ على الأعـادي محط رحـال كل رجا وسؤلِ ومعـروفاً بمعروف وفضـل لجى اللاجين في حرم وحِـلّ وغـيث نـداه منـهل كوبـل وأحشائي بنار جـواي تغلـي فأنت القصد في تخفيف ثقلـي وغيثك فيه يخصب كل محـل بـدا مـني بقـولٍ أو بفعـلِ وإعزازي على ما رام ذلّـي (1)
    الشيخ عبد الغني الحر المتوفى سنة 1358 ه‍. ترجم له البحاثة الطهراني في نقباء البشر فقال : هو الشيخ عبد الغني ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ علي بن أحمد بن محمد بن محمود بن محمد الحر العاملي.
    عالم فاضل وأديب شاعر. كان في النجف الأشرف من أهل العلم والفضلاء
1 ـ عن مجموع خطي يحتوي على اربعين قصيدة كلها في رثاء الامام الحسين وأخيه العباس ابن علي عليهم السلام وهي بخط الناظم.

(185)
الأجلاء وكان على طريقة الاخيارية ، وهو شاعر مكثر لا سيما في مدح أهل البيت ورثائهم وهو سريع البديهة جداً وشعره متوسط ، طبع له ( منتظم الدرر في مدح الإمام المنتظر ) طبع بالمطبع الحيدرية بالنجف سنة 1339 ه‍. يحتوي على 72 صفحة. توفي يوم الثلاثاء منتصف محرم الحرام سنة 1358 ه‍. ودفن في الايوان الذهبي في الصحن العلوي الشريف. وله شعر كثير وله تخميس التائية الشهيرة لدعبل بن علي الخزاعي والتي أولها :
تجاوبن بالأرنان والزفرات نوائح عجم اللفظ والنطقات
    وله تخميس قصيدة السيد جعفر كمال الدين الحلي والتي أولها :
يا قمر التمّ إلى مَ السرار ذاب محبّوك من الانتظار
    ومن ذكرياتي عن المترجم له أني كنت أجتمع بجملة من اللبنانيين الأفاضل ورجال العلم في الاسبوع مرة في دار العلامة المرحوم الشيخ عبد الكريم الحر وهو صهر الشيخ المترجم له فكنا نقضي ساعات من الليل في الاستماع إلى شعره الذي كان يحفظه ويردده بانشودته ونبراته ولا أنسى أن كل ما ينظم ويقرأ هو في مدح حجة آل محمد صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن سلام الله عليهما. أمّا ما رواه لي ولده العلامة الشيخ محمد الحر سلمه الله عن سيرة والده رحمه الله قال : كان لا يمرّ يوم من الأيام إلا ونظم من الشعر عشرات الأبيات وقد ألزم نفسه بنظم كل يوم قصيدة كاملة وملكته الشعرية وحافظته القوية وسرعة البديهة مضرب المثل ، يقول ما كنت أسمع بديوان شعر إلا واقتنيته وحفظت أكثره عنه أخدانه ومعاصروه كنا نقرأ عليه القصيدة الكاملة مرة واحدة فيحفظها ويقول ولده سلمه الله : أما الذي أدركته منه في أواخر عمره فقد قرأتُ عليه قصيدة تتكون من ستين بيتاً وهو يرغب أن يحفظها قال : إقرأ عليّ منها ثلاثين بيتاً فقط ، فقرأتُ فأعادها عليّ حفظاً ، ثم قرأت عليه ثلاثين بيتاً بعدها فأعادها عليّ حفظاً ، ويقول ولده ان مجموع ما نظمه لا يقل عن أربعة آلاف قصيدة وأكثرها في صاحب الأمر حجة آل


(186)
محمد وحدّث العلامة الجليل السيد عبد الرؤوف فضل الله أنه قد سمع من المرجع الديني الورع السيد عبد الهادي الشيرازي رحمه الله كان يتحدث عن المترجم له ويقول : إن ولاء الشيخ عبد الغني الحر وحبّه لآل محمد لو وزّع على جميع أهل البلد لما دخل أحد منهم النار.
    وحدّث أحد تلاميذه عن سرعة البديهة وقوة الحافظة عند الشيخ الغني فقال : كان يدرّسنا رسائل الشيخ الأنصاري عن ظهر غيب وحفظ العبارة بنصّها ، كما كان يحفظ أحاديث الكتب الأربعة ويستظهرها تماماً كما كان يحفظ القرآن الكريم ونهج البلاغة ومقامات الحريري ومقامات بديع الزمان الهمداني. وعندما يتلو بعض الفصول يهتز لها إعجاباً بها ، واذكر صوته الجهوري مضافاً إلى بسطته في العلم والجسم ونقل لي ولده بعض الاكتشافات والتجليات والكرامات التي تدل على روحانيته وشدة ولائه وعقيدته ومنها يظهر إيمانه الراسخ بالفكرة والمبدأ.

(187)
هذي مضاجع فهر أم مغانيها فحط رحل السرى فيها وحي بما ودع قلوصك فيها غير موثقة ولا تلمها إذا ألوت معاطفها فما دهاك دهاها من أسى وجوى كلا كما ذو فؤاد بالهوى كلف قوم على هامة العلياء قد بنيت ومعشر للمعاني الغر قد شرعوا وأسره قد سمت كل الورى شرفاً لووا عن العيش أعطافاً أبين لهم فقاربت بين آجال لهم شيم رأوا حياتهم في بذل أنفسهم ولا يعاب امرؤ يحمي مكارمه في الهام أمست تغني بيضهم طرباً والخيل من تحتهم فلك جرى بهم والنقع قام سماءً فوق أرؤسهم لكن أجرامهم قامت بها شهباً أم السماء تجلت في معانيها يجري من العين دانيها وقاصيها وخلّ عنها عساها أن تحييها يوماً لتقبيل باديها وخافيها وما دعاك لسكب الدمع داعيها وأنتما شركا في ودّ مَن فيها لهم بيوت تعالى الله بانيها طرقاً بأخلاقهم ما ضلّ ساريها فلم يكن أحد فيه يدانيها مسّ الدنية تكريماً وتنزيها إذ المنايا طلاب العز يدنيها في موقف فيه حفظ العز يحييها بنفسه فهو حر حيث يحميها وسمرهم تتثنى في الحشا تيها في موج بحر دم والله مجريها آفاقها أظلمت منه نواحيها لولا ضياء شباها ضل ساريها


(188)
ترمي العدى بشواظ من صواعقها رووا بماء الطلا بيض الظبى ولهم حتى إذا ما أقام الدين واتضحـت وشيدوا للهـدى ركناً بـه أمنـت وشاء أن يجزي الباري فعـالهـم دعاهـم فاستجابوا إذ قضوا ظمـأ فصرعوا في الوغى يتلو مآثرهـم فلا ترى مهربـاً منـه أعاديهـا أحشاء ما ذاق طعم الماء ظاميها آياته وسمـت فيهـم معـانيهـا أهل الـرشاد فلا لافى مساعيهـا من الجزاء بأوفى ما يجـازيهـا بأنفس لم تفـارق أمـر باريهـا في كل آن مـدى الأيام تاليهـا (1)
    حجة الإسلام السيد ناصر الاحسائي ، مولده في الاحساء سنة 1291 ه‍. ووفاته سنة 1358 ه‍. نشأ نشأة صالحة وتربى على يد أبيه الفقيه الكبير ، وبعد وفاة أبيه هاجر إلى النجف الأشرف موطن العلم والعلماء وأكبر جامعة في الفقه فدرس على المرحوم الشيخ محمد طه نجف والشيخ محمود ذهب والشيخ هادي الطهراني ثم عاد إلى الاحساء مرشداً عالماً تقياً ورعاً ثم عاد إلى النجف مرة ثانية فدرس على الشيخ ملا كاظم الأخوند وشيخ الشريعة الأصفهاني والسيد أبو تراب ولما كثر الطلب عليه من أهالي الاحساء لحاجتهم اليه وجعلوا مراجع الطائفة وسائط له عاد ومكث بينهم يفيض من معارفه ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم حتى وافاه الأجل ليلة الاربعاء ثالث شهر شوال سنة 1358 ه‍.
    تشرفت برؤية محياه الأنور واستمعت إلى حديثه الشهي وتزودت من نصائحه ومعارفه ، صباحته ونور أساريره يشهدان له بأنه من ذرية الرسول ومن حَمَلة علومهم ، مثالاً للورع والتقى والعبادة والزهادة كنتُ كلما ارتقيت الأعواد أصغى إلى بكله ويستجيد ويستحسن فضائل أهل البيت ومآثرهم ويرتاح لسماع مناقبهم ، يعظم الكبير والصغير ولا يستخف بأحد وأذكر أني فرغتُ
1 ـ عن الذكرى التي قام بتأليفها الخطيب السيد محمد حسن الشخص.

(189)
من خطابي مرةً فجلست ـ وكان حديثي عن سيرة الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام. فقال السيد رحمه الله ما نصه :
    ومن أقوال الإمام الصادق عليه السلام : العاقل لا يستخف بأحد وأحق من لا يستخف به ثلاثة : العالم والسلطان والإخوان فمن استخف بالعالم أفسد دينه ، ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه ، ومن استخف بالإخوان أفسد مروأته. وكان موضع تجلّة واحترام من جميع الطبقات وكان لوفاته رنة حزن وأسف وقد أبّنته بقصيدة نشرت في ( الذكرى ) التي قام بطبعها وتحقيقها الخطيب الجرئ السيد محمد حسن الشخص سلمه الله وكان مطلع قصيدتي في رثائه :
نعى البرق رمز التقى والهدى فقلنا لقد طاح ركن الهدى
    ومن رثائه للامام الحسين (ع) :
كـم قـد تـؤمل نفسي نـيل منيتها كما تؤمل أن تحظـى بـرؤية مـن ويملأ الأرض عدلاً مـثل ما ملئـت يا غائبـاً لـم تغـب عـنا عنايتـه حتى مَ تقعد والإسلام قـد نقضـت ويرتجـيك القـنا العـسال تـورده والبيض تغـمدهـا أعـناق طائفـة وتوعـد الخيل يـوماً فـيه عثيرها تهمى بماء الطـلا مـن كل ناحيـة فانهض فديتك ما في الصبر من ظفر أما أتـاك حـديـث الطـف إن بـه غداة رامـت أمـي أن يـروح لهـا ويركب الضيم مطبـوع علـى همـم من المعالي وما ترجـو مـن الاربِ يزيح عنها عظيـم الضـر والكـرب بالظلم والجـور والابـداع والكـذب كالشمس يسترها داج مـن السحـب عهـوده بسيوف الشـرك والنصـب مـن العـداء دماءً فهـو ذو سغـب منهم مواليك نالـوا أعظـم العطـب سحائب برقهـا من بـارق القضـب حتى تـروي منـه عاطـش الثـوب فقد يفوت بـه المطلـوب ذا الطلـب آباءك الـغر قاسـوا أعظـم النـوب طوع اليمين أبـيٌ واضـح الحسـب أمضى من السيف مطبوعاً من اللهب


(190)
فأقـبلـت بـجنود لا عـداد لهـا من كل وغدٍ لئيم الأصل قد حملت وكـل رجس خبيث قـد نماه إلـى حتى تضايق منها الطف وامـتلأت فشمـرت للوغـى إذ ذاك طائفـة قوم هـم القوم لم تفلـل عزائمهـم مـن كل قـرم كأن الشمس غرتـه وكل طـود إذا ما هاج يوم وغـى وكل ليث شرى لـم ينـج منـه إذا مشوا إلى الحرب من شوق لغايتهـا فأضرموها على الأعداء نار وغـى وأرسلوهـا بميـدان الوغى عربـاً وجردوها من الأغـماد بيض ضبـاً وأشرعوها رماحاً ليس مـركـزهـا صالوا فرادى على جمع العدى فغدت وعـاد لـيلهـم يمحـونـه بضبـى حتى إذا ما قضوا حق العلا ووفـوا وجاهدوا في رضى الباري بأنفسهـم دعـاهم القـدر الـجاري لمـا لهـم فغودروا في الوغـى ما بين منعفـر ظامين من دمهم بـيض الضبى نهلت لهفي لهم بالعرى أضحـى يكفنهــم وفـوق أطراف منصـوب القنا لهـم ونسوة المصـطفى مـذ عدن بعدهـم وسيّـرت ثكـلا أسـرى تقـاذفهـا تترى كسيل جرى من شامخ الهضب به العـواهـر لا ينمـى إلى نسـب شـر الـخلائـق والأنساب شـرأب رحابه بجيـوش الشـرك والنصـب لم تدر غير المواضي والقنا الرطـب في موقف فل فيه عـزم كـل أبـي لو لم يحل بهـا خسـف ولـم تغـب فالوحش في فرح والموت في نصب ما صـال قـرم باقـدام ولا هـرب مشي الـظماة لورد الـبارد العـذب تأتي علـى كل مـن تلقاه بالعطـب كالبرق تختطف الأرواح بـالرهـب تطوي الجموع كطـي السجل للكتـب سوى الصدور من الأعـداء واللبـب صـحاحه ذات كسر غيـر مـنأرب لا يتقـى حدهـا بالبـيض واليلـب عهد الولى وحموا عن دين خير نبـي جـهـاد ملتمـس للأجر محتســب أعد من مـنزل في أشـرف الرتـب دامـى ومنجـدل بالبيـض منتهـب من بعـد ما أنهلوها من دم النصـب غـادى الرياح بما يسفى من التـرب مرفوعة أرؤس تعلـو على الشهـب بين الملا قد بدت أسرى من الحجـب الأمصار تهدى على المهزول والنقب


(191)
ان تبكي اخـوتها فالسوط واعظهـا وبينها السيـد السجاد قـد وثقــت يبكي على ما بها قد حلّ من نـوب واحـر قلباه أن تـدعُ عـشيرتهـا تدع الأولى لم يحلّ الضيم ساحتهـم تدعوهم بفؤاد صيرته لظى الأحزان تقول ما لكم نمتـم وقـد شهـرت حتى متى في عناق الضيم همتكـم ونومكم في ظلال العز عن دمكـم ما أنتم أنتـم إن لـم يضـق بكـم وتوقدوها علـى الأعـداء لاهـبة فكم لكم في قفـار الأرض من فئـة وفي كعـوب القنا إن تدعهـم تجـب رجلاه بالقيـد يشكـو نهشـة القتـب وتبكـي ممـا عليـه حلّ من كـرب غوث الصريخ وكهف الخائف السغـب من لـم يضـع بينهـم ندب لمنتـدب نـاراً فأذكـى شـعـلـة الـعـتـب نساؤكم حـسراً تـدعـو بـخيـر أب وللمواضي عـناق الـماجـد الحسـب والنوم تـحت القنا أولـى بكـل أبـي رحب الفضاء على المهريـة العـرب حتى يكون بها من أضعـف الحطـب صرعى ومن نسوة أسرى على القتب (1)

1 ـ عن ذكرى السيد الاحسائي.

(192)
السيد مهدي الأعرجي
المتوفى 1359

سقـت ربـعـاً بسلـع فالغميـم وقفتُ به أُجـيل الطـرف فيـه أُكـلّمـه ولـيس يــردّ قـولاً فكم لي فيـه من زمـن تقضّـى بحـيث العـيش للأحباب رغـدٌ وشمس الراح فـي يمنى هـلال رشاً رقّـت محاسنـه فأضحـى فكـم مـن ليلـة مـرّت علينـا أريـه الـدمـع منثـوراً إذا مـا أرخّـم دمـع عــينـي إذ أراه فـياربع الأحبـة طبـت ربعـاً محاك الدهر يـا ربـع التصابي وفيك الدهر لـم يحفـظ ذمامـي كـما لـم يـرع للـهادي ذماماً رماهـم بالخطـوب فمن شـريد ومقتـول بجنـب النهـر ظـام غوادي الدمع لا الغيث العميم على تلك المعالـم والرسـوم فأصدر عنه في قـلب كليـم بشرب سلافـة وعناق ريـم ووجه الأرض مخضرّ الأديم يطوف بها على مثل النجـوم يـؤلـم خـدّه مـرّ النسيـم إلى الاصباح وهو بها نديمي أرانـي درّ مبسـمه النظـيم كحيل الطرف كالظبي الرخيم وطاب ثراكِ يـا دار النعيـم وخانك حادث الزمـن المشوم لـحاه الله مـن دهـر ذميـم بأهلـيه ذوي الشرف القـديم نأى عمّن يحب ومن سميـم سليب الثوب مسبيّ الحريـم


(193)
تساق نساه أسرى من ظلـوم تحفّ بها العداة فمـن لئيـم وإن يبكي اليتيم أباه شجـواً وليس لها حميّ يـوم سارت براه السقم حتى صار ممـا ورأس ابن النبي على قنـاةٍ وينذر في النهار القوم وعظاً فلـم أرَ قبلـه بـدراً تجلّـى وأعظـم ما تـسحّ له المآقي وقوف بنات خير الخلق طراً على عجف النياق إلى ظلـوم يـعـنّـفـهـا وأفـّاكٍ أثيـم مسحن سياطهـم رأس اليتيـم يلاحظـها سوى مضنى سقيـم به سقماً يـمـيل مـع النسيـم يـرتّلُ آي أصـحاب الرقيـم ويهدي الركب في الليل البهيـم له برج مـن الرمـح القويـم بـدمـع دونه وكـف الغيـوم أمام طلـيقها الـرجس الزنيـم
    السيد مهدي الأعرجي ابن السيد راضي ابن السيد حسين ابن السيد علي الحسيني الأعرجي البغدادي. ولد السيد مهدي في النجف الأشرف سنة 1322 ه‍. درس فن الخطابة على خاله الخطيب الشهير الشيخ قاسم الحلي زاول نظم الشعر وعمره أربعة عشر سنة. وأول قصيدة نظمها هي قصيدته في رثاء الإمام الحسن السبط (ع).
قضى الزكي فنوحوا يا محبيه وابكوا عليه فذى الأملاك تبكيه
    درس العربية والعروض على العلامة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهندي رحمه الله. توفي السيد مهدي سنة 1359 ه‍. غريقاً بشطّ الفرات في الحلة يوم الخامس من شهر رجب. جمع ديوانه شقيقه الخطيب السيد حبيب وتزيد صفحاته على الثلثمائة وله مخطوطات كتبها بيده وخطه الجميل في المراسلات والتواريخ وغيرها وأرجوزة في تواريخ المعصومين أكبر من أرجوزة الشيخ الحر العاملي ، أصيب بانحلال في الأعصاب تعتريه غفوات مع سكتة لكنه يقظ


(194)
حي الشعور ، فطن يقوم بواجبه أحسن قيام متدين ورع لم يعبأ بالعسر الذي لازمه وألح عليه ومن شعره في ذلك :
وكأن دهري سيبويه فكم له وكأنني إسم مضاف دائـماً بالعالمين تحرك وسكـون ودراهمي بين الورى تنوين
    أتصوره جيداً وأتمثله نصب عيني ، طيب القلب إلى أبعد حدود الطيب ولم يك في البشر ممن رآه ولم يهواه ويحبه لصفائه إذ هو لا يستخف بأحد ولا يحقد على مخلوق مازحته مرة وأكثرت فتألم وتبرّم وفي لقاء آخر إعتذرت اليه فأجابني : أنا راضي بن راضي. لأن أباه هو السيد راضي الأعرجي ، وداعبه الشيخ ضياء الدخيلي فاستاء منه وارتجل :
طبعي يقول بأني وقد يهون ثقـيل أمـجّ كل ثقـيل إلا ضياء الدخيل
    كانت محافل الأدب مستمرة في النجف فلا يكاد يقترن أحد الادباء إلا وتقام له المحافل الشعرية كل يوم عصراً لمدة ربما استمرت شهراً واحداً أو أكثر لذا تجد الكثير من الأدباء يحتفظ بمجموع أدبي شعري وكان الأعرجي خصب القريحة يشارك في أكثر الحلبات مجلٍّ في مواقفه ومن مميزاته سرعة البديهة والقدرة على نظم الشعر بسرعة فإذا طالبته بنظم قصيدة إعتزل ساعة ثم أخذ يطبق جفنيه ويفتحهما ويكتب ، وكثيراً ما يسبق شعوره قلمه. لقد رويت للأخ الخاقاني مرة عن نبوغ هذا الشاعر وسجّل ما رويت له في شعراء الغري.
    ذلك أن جلس مرة في الصحن العلوي وجلس إليه الشاعر محمود الحبوبي وجواد قسّام ومَن لا يحضرني اسمه وذلك في فصل الربيع ففاجأتنا غمامة بعزاليها فالتجأنا إلى إحدى غرف الصحن فاقترح أحدهم أن يشترك الجميع بنظم قطعة بوصف الغيث وقال : هطل السحاب على الربى ملثانا
فأجازه السيد الأعرجي بقوله : فغدت حبال المحل منه رثاثا


(195)
وقال أحدهم : أنظر إلى لطف الكريم ومنّه وقالوا : الأرض تبسم والزهو تضاحكـت فقال : يوليك غيثاها جـلاً وغياثـا فقال : فكأن ذي عطشى وتلك غراثا
    وهكذا استمرّ حتى تضاحكوا وشهدوا له بالتفوق. وحضرت معه في مجلس وكان يقرأ احد الحاضرين موضوعاً للمنفلوطي مصطفى في كتابه ( النظرات ) وعنوان المقال ( الغد ) وعندما فرغ أخذ السيد الأعرجي مضمون المقال وحوّله إلى شعر فقال :
يا ناسج الرداء أنت آمنٌ ولابس الثوب لتختال به من أن يكون كفناً لك الـردا قل لي متى أمنتَ نزعه غدا
...
يا صاح إن المرء لا يعلم ما من داره يخرج لا يدرى إلى ويغـرس البستان لا علم لـه ويجمع الـمال ولكـن كلـه يجيء فيه غـده كأمسـه العتبة أم إلى شفير رمسه (1) أن لا يكون آكلاً من غرسه يكون بعده لزوج عـرسـه
...
كانني بالغد وهو رابضٌ يرى على الدنيا تكالباً لنا ثم يرانا لم نزل في غفلة فينثني يصفق راح كفـه ينظر بالهزء إلـى آمالنـا فينثني يضحك من أحـوالنا لـيس نفيق قط من إغفالنا تعجباً للسوء مـن أفعالـنا

1 ـ إذ أن من قول المنفلوطي : لقد غمض الغد عن العقول حتى لو أن انساناً رفع قدمه ليضعها في خروجه من باب قصره لا يدري أيضعها على عتبة القصر أم على حافة القبر.
ادب الطف الجزء التاسع ::: فهرس