ادب الطف الجزء التاسع ::: 226 ـ 240
(226)
الجنة والنار أقسمهما قسما صحاحا ، أقول هذا وليّ وهذا عدوّي ، ونظم السيد الحميري في ذلك فقال :
قـول عـلي لـحارث عـجب يا حار همدان مَـن يـمت يرني يعـرفـني طـرفـه وأعـرفه وأنت عند الصـراط تعـرفنـي أقول للنار حين تعرض للعرض ذريـه لا تـقـبلـيـه إن لــه كـم ثـَمّ أعجوبة له حملا من مؤمن أو منافق قبـلا بنعته وإسمه ومـا فعـلا فلا تخف عثـرة ولا زللا ذريـة لا تـقبلي الرجـلا حبلاً بحبل الوصي متصلا
    وتوهم إبن أبي الحديد حيث نسب هذا الشعر للإمام أمير المؤمنين (ع) ، أقول قد نطقت صحاح الأخبار بأن الإمام علي عليه السلام يشاهده شيعته في خمسة مواطن : عند خروج الروح ، ,عند سؤال القبر ، وعند الحوض ، وعند الحساب ، وعند الصراط.
    وقد روى الهيتمي في معجمه وأبو نعيم في حلية الأولياء والخطيب البغدادي والمحب الطبري في الرياض النظرة والمتقي الهندي في كنز العمال وإبن حجر في الصواعق والمناوي في كنوز الحقائق وغيرهم علماء السنّة أن الإمام عليه السلام يُرى عند الحوض وعند الحساب وعند الصراط فيكون الاتفاق حاصلاً من الفريقين على هذه الرؤى الثلاث ، وأما ما يخص الرؤية عند خروج الروح وعند سؤال القبر فقد حصل فيها بعض الأخذ والرد من علماء الفريقين.


(227)
    قال يرثي علي بن الحسين شهيد كربلاء عليه السلام :
عهدي بربعهم أغـنّ المعهَـد ما باله درس الجديـدُ جديـدَه أفلّت أهلّتـه وغـابت شهبـه زمّت ركاب قطينـه أيدي سَبا وندّيه يفتر بالروض الندي ومحا محاسن خدّه المتورد في رائح للنائبات ومُغتدي تفلي الفلاة بمتهِـم وبمنجد
* * *
ولقد وقفت به ومعتلـج الجـوى فتخالني لضناي بعض رسومـه أرنـوا الـيه وناظـري مُتقسّـم مـا أن أرى إلا الحمائـم هُتّفـاً ناحت ونحت وأيـن مني نوحُهـا لي لا لها العين المرقرق دمعهـا حجر على عيني يمر بها الكـرى أقمار تـمٍّ غالها خسـف الـردى شتـى مصائبهـم فبيـن مكابـدٍ سل كربلا كـم مُهجَـة ( لمحمدٍ ) بجوانحي عن حبس دمعي مقعدي ولحـرّ أحشائي أثـافـي مَوقَـد بطـلـولـه لمصـوب ومُصعّـد ما بين غِـرّيد وصيـداح شَـدي شتان نَـوح شجٍ وسجـع مُغـرّد والمهجة الحراء والقلب الصَـدي مـن بعـد نازلـة بعترة ( أحمد ) واغتالها بصروفه الزمن الـردي سُمـّا ومنحـور وبيـن مُصفّـد نُهبت بها وكم إستجذت من يـد


(228)
ولكـم دم زاكٍ أُريـق بها وكـم وبها على صبر الحسين ترقرقت جثمان قُدسٍ بالسيوف مُبدّد عبراتـه حـُزناً لأكرم سيّد
* * *
وعلّي قـدر من ذوابـة هاشـم أفـديـه مـن ريحانـة رَيّانـة بكر الذبول على نَضارة غُصنه ماء الصبا ودم الوريد تجاريـا عبقت شمائله بطيب المحـتد جفّت بحر ظَما وحـرّ مُهنـد إن الذبول لآفة الغصن الـندي فيه ولاهب قلبـه لـم يخمـد
* * *
لـم أنسـه متعمـّما بثـبا الضيا يَلـقى ذوابلهـا بـذابل معـطفٍ خضبت ولكن مـن دم وفـراتـه جمع الصفات الغُرو هـي تراثـه في بأس حمزة في شجاعة حيـدر وتراه في خلق وطـيب خلائـق يرمي الكتائب والفلا غصّت بهـا فيـردّها قَسـرا علـى أعقابهـا ويـؤب للتوديـع وهـو مجاهـدٌ بين الكماة وبالأسنّـة مرتـدي ويشيم أنصلهـا بجيـد أجـيَد فاحمرّ ريحان العِذار الأسـود من كل غطريف وشهم أصـيد بإبا الحسين وفي مهابة ( أحمد ) وبليغ نطق كالـنبي ( محـمد ) في مثلها من عزمـه المتوقـد في بأسٍ عِرّيس العرينة مُلبـد لظمـا الفـؤاد وللحديد المجهد
* * *
صادي الحشى وحسامه ريّان من يشكو لخير أب ظمآه وما اشتكى فـانصاع يُؤثـره عليه بريقـه كـل حـشاشة كصاليـة الغضا مـاء الطـلا وغـراره لـم يبـرد ظماء الحشى إلا إلى الضامي الصدي لـو كـان ثَمّة ريقـة لـم تـجمـد ولـسانـه ظـماء كشـقـة مبـرد


(229)
ومـذ انـثنى يلـقى الكريهة باسما لفّ الوغى وأجالها جـول الرحـا عـثر الـزمان بـه فغـادر جسمه ومحى الردى يا بئس ما غال الردى يا نجعـة الحييـن هاشـم والعُلـى كيف ارتقت هم الردى لك صعـدة فلتذهب الدنيا عـلى الـدنيا العفـا والمـوت منه بمسمَع وبمشهـد بمـثقّـفٍ مـن بأسـه ومُهنّـد نهب القواضب والقنا المتقـصد منه هِلال دُجاً وغـرة فـرقـد وحِـمى الذمارين العُلى والسودد مطـرورة الكعبيـن لـم تتـأود ما بعد يومك مـن زمانٍ أرغـد
    الشيخ عبد الحسين إبن الشيخ إبراهيم إبن الشيخ صادق العاملي والمتقدم ذكر جملة من اسرته. ولد في النجف الأشرف في حدود سنة 1282 ه‍. وفيها نشأ ثم خرج إلى جبل عامل وعاد إلى النجف الأشرف بعد وفاة أبيه فأخذ عن علمائها مثل الشيخ ميرزا حسين إبن ميرزا خليل ، وهو في الطبقة الأولى من الشعراء. قال السماوي في الطليعة : رأيته يتفجر فضلاً ويتوقد ذكاء إلى أخلاق كريمة. توفي في أوائل ذي الحجة سنة 1361 ه‍. في النبطية ودفن فيها.
    قال ولده الشيخ حسن رأى أبي ليلة أحد الصادقين عليهما السلام ـ الشك منه ـ فقال لأبي أجز هذا البيت :
لا عذر للعين إن لم تنفجر علقا وللحشاشة إن لم تنفطر حرقا
    فنظم القصيدة الحسينية الآتية في الترجمة وشهرته العلمية وملكته الأدبية مما لا ينازع فيه وشهد العالمان الكبيران الملا كاظم الآخوند صاحب الكفاية والحاج ميرزا حسين ميرزا خليل له بالاجتهاد ، وأدبه عريق أخذه عن أب عن جد وهذه دواوينه المطبوعة بلبنان وهي ( سقط المتاع ) ( عرف الولاء ) ( عقر الظباء ) وكلها من الشعر العالي وولاؤه أهل البيت (ع) يذكر فيشكر ونجد بلدة النبطية ـ اليوم ـ ونواحيها كالنجف الأشرف في شعائر أهل


(230)
البيت (ع) ، فالمأتم والمواكب التي تقيمها مؤسسته التي تسمى ب‍ ( الحسينية ) هي ركن من أركان التشيع ولا عجب فهو من اسرة شعارها الولاء وأنجبت الشعراء والعلماء وهذه باقة فواحة من شعره في الإمام الحسين أما باقي ألوان شعره فحسبك أن ترجع إلى دواوينه التي ذكرت أسماءها وترى خياله الواسع وأفقه النيّر أمثال قصيدته التي يصف بها الباخرة وأولها :
روت الفلك في متون البحار نبأ البرق عن صحيح البخار ( ي )
    وأخرى في وصف ( التلغراف ) وثالثة في صفة ( القطار ) ورابعة في وصف ( السيارة ) أو تقرأ له ( البدويات والأعاريب ) وملحمته الكبرى ( الشمس وبنو عبد شمس ) ففيها الوصف الكامل للشمس وخواصها وآثارها في الكون ثم يأتي على ذكر بني عبد شمس وأتباعهم في الجاهلية والإسلام وما جروه على الإسلام والأمة الاسلامية من المنكرات والفظايع ، ومن غرر أشعاره مدائحه النبوية ومطارحاته ورثاؤه لجملة من أعلام معاصريه.
    توفي بالنبطية في 12 ذي الحجة الحرام عام 1361 ه‍. ودفن هناك ورثاه الشعراء بقصائد كثيرة تعرب عن مقامه الرفيع وأبّنته الصحافة العربية ومن مخلفاته العلمية كتاب ( سيماء الصالحين ) وهو على صغر حجمه موفق في اسلوبه كل التوفيق.
    ومن روائعه التي سارت مسير الأمثال قصيدته التي عنوانها ( عمّ الفساد ) :
بدعٌ تشب فتلهبُ المحنُ وثلاثةٌ غمر البسيطُ بها وهوىً يهب فتُطفأ السُنن فـتنٌ وفـتّانٌ ومُفتَتـن
    ومنها :
القومُ سرّهم معاويةٌ وقميص عثمان لهم عَلَن
    ويظهر أن نظم الشعر لدى المترجم له أسهل عليه من النثر فإنه لما أسّس الحسينية بالنبطية سنة 1329 ه‍. وأراد إجراء صيغة الوقف قال :


(231)
أنا عبد الحسين والصادق الودّ لآل النبي ثبت الولاء أمروا بالعزا لهم فبذلت الجهد حتى أقمت بيت العزاء فهو وقفٌ مؤبد أنا واليه وبعدي ذو الفضل من أبنائي ولدى الانقراض منا يناط الأمر فيه لأورع العلماء

    وقال في رثاء الحسين عليه السلام :
سل كربلا والوغى والبيضَ والأسلا أحلّقت نفسه الكبرى بقادمتي غفرانك الله هل يرضى الدنية مَن يأبى له الشرف المعقود غاربه ساموه إما هواناً أو ورود ردىً خطا لمزدحم الهيجاء خطوته ال‍ يختال من جده طه ببرد بهاً فالكاتبان له في لوح حومتها يمحو بهذين من ألواحها صوراً يحيكُ فيها على نولي بسالته ما عَضبه غير فصّال يداً وطلا هما معاً نشرا من أرجوانها تقلّ يمناه مشحوذ الغرار مضاً ما بين مضطرب منه ومضطرم طوراً يقدّ وأحياناً يقط وفي فهو المقيم صلاة الحرب جامعة تأتمّ فيه صفوف من عزائمه بالنحر كبّر ماضيه وعامله مستحفياً عن أبيّ الضيم ما فعلا إبائه أم على حكم العدا نزلا لقاب قوسين أو أدنا رقى نزلا بذروة العرش عن كرسيه حولا فساغ في فمه صاب الردى وحلا ‍فسحاء لا وانياً عزما ولا كسلا ومن أبيه عليٍّ في بجاد علا ذا ناظم مهجاً ذا ناثر قللا أجل ويثبت في قرطاسها الأجلا من الحمام إلى أعدائه حللا ولدنه غير خياط حشاً وكلا ما جلل الأرحبين السهل والجبلا مواجه علقاً وهاجة شعلا نار تلظّى وماء للمنون غلى حاليهما يقسم الأجسام معتدلا لم يبق مفترضاً منها ومنتفلا تستغرق الكون ما استعلا وما سفلا بالصدر فاتحة الطعن الدراك تلا


(232)
فالسيف يركع والهامات تسجد والخــطي أقـام سـوق وغى راجت بضائعها تعطيه صفقتها بيض الصفاح وسمر والـنبـل تنقـده ما فـي كنانتهـا والـبيعـان جـلاد صـادق وردى قضى منيع القفا من طـعن لائمـة قضى تريب المحيا وهو شمس هدى قضى ذبول الحشا يبس اللهى ظـمأ قضى ولو شاء أن تمحى العدا محيت لـكـن ولله فـي أحـكامـه حكـم لله ما انفصلـت أوصالـه قـطعـاً لله مـا حـمـلـت حوبـاؤه محنـاً أفديه من مصحـر للحـرب منشئـة والصافنات المذاكي فوقـه ضربـت بيتاً من النقع عـلويـاً بـه شـرف ضافته بيض الظبا والسمر ساغـبـة لله ماشـرب الـخـطي مـن دمـه أحيا ابن فاطمـة فـي قتلـه أُممـاً تنبهت مـن سبات الجـهل عالمـة لولـم تكن لـم تقـم للديـن قائمـة ولا استبان ضلال الناكثين عن المثـ ولا تجسـم نصـب الـعين جعلهـم ولا درى خلفٌ مـاذا جنـى سلـفٌ في كل قلب أخلص العمـلا فابتـاع لله منهـا ما عـلا وغلا الخط تربح منـه الـعلّ والنهـلا والقوس تسلفه عـن نفسـه بـدلا فـذاك أنـشـأ إيجابـاً وذا قـبلا مذ للقنا والـمواضي وجـهه بذلا من نوره كم تجلّى الكون بابن جلا من بعد ما أنهـل العسالـة الذبـلا أو يخليَ الله منـها كونـه لخـلا كبابه القـدر الجاري فخـرّ إلـى لله مـا انتهبـت أحشـاؤه غلـلا بثقلها تنهض النسـرين والحمـلا عليه عوج المواضي والقنا طلـلا سرادقا ضافي السجفين منـسدلا وكل بيت حواه فهـو بيت عـلا عطشى فألفته بذال القرى جـذلا لله ما لحمه الهـندي مـا أكـلا لولا شهادته كانـت رميـم بـلا ضلال كل امرء عن نهجه عدلا ولا اهتدى للهدى من أخطأ السبلا ـلى ولا ضربوا في غيهم مثلا خلافة المصطفى ما بينهـم دولا في رفضـه أولاً ساداتـه الأولا


(233)
ولا تحـرر مـن رق الـجهالـة وثـا سـن الأبـا لإبـاة الـضيـم منتحـراً لله وقـفـتـه فـي كـربـلا وسطـا يعطي النسا والعـدا من وفـر نجدتـه عـبّ الأمـرّيـن فقـدان الأعـزة وا ورب ظـام رضــيـع ذابـل شفـة أدناه مـن صـدره رفقـاً ومرحمـة فاستغرق النزع رامي الطفل فانبجست فـاضـت دمـاً فتـلقـاه بـراحتـه وهـوّن الخـطـب إن الله يـنـظـره ونـسـوة بـعـده جلـت مصيبتهـا عـلى النبـي عزيـز سبيهـا علـناً تدافع القـوم عنهـا وهـي حاسـرة مـا حـال دافعـة مـبتزهـا بـيـد رأت فصيلتها صـرعـى وصبيتهـا رأت نجوم سما عمرو العلى غـربت با إلى العلم يأبى خطـة الجهـلا وتلك شنشنـة للسـادة الفضـلا بين الوغى والخبا يحمي به الثقلا حظيهما الأوفرين الأمن والوجلا لصبر الجميل ومج الوهن والقشلا وفاغـر لهـوات غائـر مقـلا لحاله وهي حال تدهـش العقـلا أوداجه مذ له السهم المراش غلا وللسماء رمى فيـه فـما نـزلا وفي سبيل رضاه خفّ ما ثقـلا وإن يكن كل خطب بعده جلـلا وسلبها الزينتين الحلي والحلـلا مصفرّة وجلا محمـرّة خجـلا تود مفصلها من قبل ذا فـصلا من الظما بين من أشفى ومن قتلا عنها وبدر سماء المصطفى أفـلا
    وقال يرثي قمر الهاشميين أبا الفضل العباس شهيد كربلا :
بكر الردى فاجتاح في نكبائـه ودهى الرشاد بناسفٍ لأشمّـه ورمى فأصمى الدين في نفاذة يوماً به قمر الغطارف هاشـم سيم الهوان بكربلاء فطار للعز أنّى يلين إلى الدنيـة مَلمَسـا هو ذلك البسّام في الهيجاء وا نور الهدى ومحا سَنا سيمائه وبخاسفٍ لأتمّ بـدر سمائـه وارحمتاه لمنتهـى أحشائـه صكّت يد الجُلّى جبين بهائـه الـرفيع بـه جنـاح إبـائـه أو تنحت الأقدار من ملسائـه لعباس نازله عـلى أعـدائـه


(234)
هو بضعة من حيدر وصفيحـة وأسى أخاه بموقف العـزّ الـذي ملك الفرات على ظماه وأسـوة لم أنسهُ مذ كـرّ منعطفـاً وقـد ولوى عنان جواده سرعان نحو فاعتاقه السَدّان من بيض ومـن فانصاع يخترق الصوارم والقنا يفري الطلا ويخيط أفلاذ الكِـلا مـن عـزمه مشحوذة بمضائـه وقفت سواري الشهب دون علائه بأخيه مات ولم يـذق من مائـه عطف الوكاء على مَعين سقائـه أخيـه كي يُطـفـي أوار ظمائه سُمر وكل سـدّ رَحـب فضائـه لا يَرعوي كالسهم فـي غلوائـه بشباة أبيضـه وفـي سـمرائـه
* * *
ويجول جولة حيدرٍ بكتائـب حتى إذا ما حان حين شهادة حسم الحسام مُقلـة لسقائـه آمن العدى فتكاته فـدنا لـه وعلاه في عَمد فخرّ لوجهـه نادى أخاه فكان عـند لقائـه وافى اليه مُفرّقاً عنه العـدى وهوى يُقبّله وما من موضـع خضراؤها كالليل في ظـلمائـه رُقمت له في لوح فصل قضائه فـي ضربـة ومُجيلـة للوائـه مَن كان هيّابـاً مهـيب لقائـه ويميـنـه ويسـاره بـإزائـه كالكوكب المنقض من جوزائـه ومجمّعاً ما انبتّ من أعضائـه لـلثـم إلا غـارق بـدمـائـه
* * *
يا مبكياً عيـن الإمـام علـيك ومقوّساً منـه القـوام وحانيـا فلتنحني حـزناً علـيك تأسيـا أنت الحري بأن تقيم بنو الورى فلـتـبك الأنام تأسّياً لبـكائـه منه الضلوع على جوى بُرحائه بالسبط في تقـويسـه وحنائـه طُراً ليوم الحشر سـوق عَزائـه


(235)
    ومن حسينياته :
أذا غـرب سيف أم هـلال المحـرم أهذي السما أم كـربـلا وبـروجهـا أشهـبٌ بها تنقـض أم آل ( أحـمـد ) أأقمار تـم غالهـا الخسف أم هـي ا أبدر الدياجى أم مـحيّا ابـن فاطـم أجل هـو سبط المصطفى شبل حيدر فـما نـابـه إلا مثـقّـف صعـدة لـه لُبَـدٌ مـن نجـدة وبـسـالـة تضرج منه الشرق في علق الدم القباب وبرج الليث ظهر المطهم تهادت تباعاً عن مِطا كل شيضَم لمصابيح سادات الحطيم وزمزم تبلج في ديجور جيش عرمـرم وناهيك منه ضيغم شبل ضيغـم ولا ظفـره إلا محـدّب مخـذم تخرّ له الأبطال للأنـف والفـم
* * *
هو السيف مطبوع الشَبا من صرامة تثلـم مـن قـرع الكتائـب حـدّه تـزوّد مملـوء المـزاد حـفيظـة وهـبّ إلى عـزّ الممـات محلّقـاً تـعانـق منـه السمـر أعدل قامة وتـشـبك أوتـار القسـي نبالهـا تقـلبه صـدراً ونحـراً وجـبهـة سقته الظبـا نـهلاً وعـلا نطافهـا مـجـفّـفـة ماء الحيـاة بجسمـه الوصي ومن صبر النبي المعظم وما آفة الأسياف غيـر التثلـم وحزماً سما فيـه سـموّ يلملـم بـخافقـتـيه مـن إباً وتكـرّم وتثلم مـنه البيض أشنب مبسـم مُروقاً به شبك المسـدّى بملحم وما موضع التقبيل غير المقـدم على ظماء أفديه من ناهلٍ ظمي ومجرية فـيه جـداول مـن دم
* * *
أبـاذلـهـا لله نـفـسـاً أبـيّـة ترى الخدرِ خدر الفاطميات عرضة ترى الخفرات الهاشميات غـودرت تصعّر خداً عن مذلّة مُرغم لمقتلـعيه محـرق ومهـدِم مقانعها نهباً وسلباً لمجـرم


(236)
أهاشم إن لم تمتطي الخيل ضمـرا وإن لم تفه بالطعـن ألسنـة القنـا وإن لم تخض منك الضبا بدم الطلا لئن قعدت سـود الليالي بمرصـد فصولي بمصقول الشبا حيثما هوى إذا لعلعت في القاصفـات بروقـه أو انتثرت مـنه الجماجـم خلتهـا لجوجٌ فلولا الغمـد يمسـك بأسـه أخـو نجـدة يبـدو بهيئـة راكـع يتيه به زهـو الملـوك إذا انثنـى عسى تدركي الثار الذي ملـؤه دم وتستأصلي من عبد شمس طغاتـها تمـرّ كأمـثـال الـبروق جيـاده مؤللة الأطـراف ناحلـة الشـوى إذا اقتعدت حمس الوغى صهواتها تمثل صولان ابن حيدر مذ غـدوا فكل حديث فـي معالـيك مفتـرى فلا فرعت مـنك الخطابـة منبـرا فيا لا طـمى وادي نداك ولا جـرى فهذي الليالي البيض أحمـد للسـرى يفلّق مصقـول الجوانـب مرمـرا فصيد الأعادي الصيد وهو لها قرى كُرىً يلطم اللاهي بها أوجه الـثرى لسالت به شتـى المدائـن والقـرى فـإن هـو أهـوى للضريبة كـبّرا يـمـجّ بفيـاض النجيـع مظفـرا متى عصفت فيه المنـايـا تفجـرا بذي لجب لم يبـق ظفـراً ومنسرا يلوح على أعرافها الـموت أحمـرا مـوقـرة الأرداف محبوكة القـرا أرتك الكميّ الليث والصهوة الشرى يظنون في صدر الكتائـب حـيدرا


(237)
جـرى والقضاء الحتم دون يمينه عـلى سابح راقته في السلم ميعة يعـوم بـهـاد أماء مـاء لعابـه فطافت به أمـواجه وهـي أنصلٌ ولم أدري ما خرّت صحيفة بجدل رأى الليث أشلاء فهـان ابـتزازه وبالصفـا يا هـاشم مـذ تناوبت بضرب تروع الجامدات سياطـه ولولا جلال الله لم يبـق حاجـب بنفسي مرهوب الحمى شبه أحمد يُروي شبا ماضيـه لكـن قلبـه ولم أنس مـذ أرداه سهـم منيـة هو البدر قد أخني عليه محاقه وغرة شمس غيبتها دجى الوغـى يفـصل أبـراد المنايـا إذا جـرى فلاح بها يوم الـوغـى متبخــترا إذا ما طغى غـير الأسنة معـبـرا ترامت فألقتـه بضاحيـة العـرى أكان وريد المجد أم كان خنصـرا وهل يسلب الضرغام إلا معفــرا عليها الرزايا وهـي تندب حسّـرى وسير على الأقتاب تُبرى به الـبُرا به يرتدين الصون عن أعين الورى سطا ضيغماً والحرب مشبوبة الذرى من الطعـن أوراه الظـما فتسعّـرا هوى وهو باب الله منفصم العُـرى وإقبال دهر ناضوه فأدبر وآية قدس أغفلت عين مـَن قـرا (1)
    السيد مير علي ابن السيد عباس ابن السيد راضي بن الحسن بن مهدي بن عبد الله بن محمد إبن العلامة السيد هاشم ، يرجع نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام. وهو من اسرة البوطبيخ المعروفة بمحتدها ومكانتها في الشرف. ولد في النجف في غضون العشرة الاولى من القرن الرابع عشر الهجري ، وتوفي في شهر شوال من سنة 1361 ه‍. وهو لم يتجاوز الخمسين إلا قليلاً. تدرجت على المنبر والخطابة وأنا ابن اثنتي عشرة سنة فكنت أرى السيد المترجم له ملازماً لدارنا فلا يمر يوم إلا وهو عندنا يتذاكر مع والدي
1 ـ عن سوانح الأفكار للمؤلف وهي من الشعر الذي لم ينشر في الديوان.

(238)
وتجمعهما وحدة الدرس وربما جاءنا صبحاً وعصراً ، وأذكر أن تقريرات المجتهد الكبير السيد محمد تقي البغدادي قد كتبها والدي بخطه فاستعارها السيد مير علي وكتبها أيضاً وبحكم هذه الصلة فقد كنت أعيد عليه ما أحفظه من شعر في الإمام الحسين وأستوضح منه معناه وأطلب منه تشكيل القصيدة فلقد كانت ملكته الأدبية أقوى منها عند أبي ، وكان رحمه الله على جانب عظيم من الورع والتقى وعفة اللسان فما سمعته ذكر مخلوقاً بسوء ويحفظ للمجلس وللجليس كرامته فقد كان يقول : إني لأعجب ممن يجالس الناس وهو حاسر الراس وكنت أشاهده لا ينطق إلا إذا سُئل فإذا أجاب عن المسألة يكون جوابه قدر الحاجة خالياً من الفضول ، ولا زلت أتصوره جيداً عندما يترنم بالشعر على الطريقة المعروفة ب‍ ( المثكل ) وهي من الشجاء بمكان وكثيراً ما سأل المغنون والملحنون عنها إذ أنها لم تنتزع من الأطوار المعروفة عند الملحنين وكان يجيدها فكنت أصغي اليه بكلّي ، أما نظمه للشعر فلم يزاوله إلا عندما أصبح مقعداً في بيته بمرض ( الروماتيزم ) فكان يتسلى به ولم أكن أسمع له من الشعر قبل ذلك إلا نادراً فقد عزم والدي على طبع مؤلف جدنا الأكبر السيد عبدالله شبّر في العقائد وهو كتاب ( حق اليقين في معرفة أصول الدين ) فنظم السيد بيتين فكانا على صدر الكتاب الذي طبع بلبنان بمطبعة العرفان ، صيدا سنة 1356 ه‍. وهما :
إذا ما خفت تسقط فـي عثار وجدتَ به الدلائل واضحات بمزلق هوّة وضلال دين إذا شاهدته حـق اليقيـن
    وإني أحتفظ برسالتين قيمتين كتبهما لوالدي عندما سافر إلى ( حيدر آباد دكن ) وفي الرسالتين من النظم الرائق والنثر الفائق ما يعجب وقد نشر شيء من إحداهما في الديوان أما الثانية فقد صدّرها بقطعة من روائعه جاء فيها :
إلى الهند أصبو كلما طلع النجم نحيلا تحداني السقام فراعنـي لعلّ لـه فيمـا ألـمّ بكـم علـم فلا كيف يضوبني ولم يحوني كمّ


(239)
نزحت فشاقتني اليك نوازعي تضاءل مني كل معنى لبينكم يردد ذكراكم لساني فينتشـي ويكحل عيني منك نور ألوكة وقد بنتَ فاستولى على كبدي الهـمّ فلم يبق لي في صفحة الكون إلا اسم فؤادي ولا خـمرٌ لـديّ ولا كـرم تنمّقـها مـنك البـراعـة والفهـم
    وهذا ديوانه الأنواء الذي أصدرته مطبعة الراعي في النجف بعد وفاته بعام واحد ، وقد قدّم له الاستاذ الكبير جعفر الخليلي ، ورتبه إلى ثلاثة أبواب وهي :
    1 ـ خواطر وأحلام ضمّت جميع شعره الإجتماعي ورأيه الأدبي.
    2 ـ عواطف وأنغام متضمنة تقاريضه وتهانيه وعواطفه الأخوية.
    3 ـ شجون وآلام وقدضمت مراثيه ومنظوم دموعه الحارة.
    أما ما احتفظ به بخطه الجميل فهي القطعة التي يرثي بها نفسه وهي أيضاً مما لم ينشر :
أهوت به علّته فانـتدب الحيلـة قالـوا النطاسـي فألقى فخــّه حـتى إذا استفرغ ما ظـنّ بـه تعاظـم الـداء عليـه فالتـوى وللـرفـاق حـولـه ولـولـة يلطـم هـذا وجهـه تـوجّعـاً فـلا حـميـم لحـماه يلتجـي وهو على بصيرة مـن أمـره ينظـر فيـمـا ذهبـت أيامـه طغت عليه لجـج الموت فمـا فاستكّ مـنه سمعه وأخرسـت وأغمضت أجفانه لا عن كرىً يثـنـيـهـا فأعـيـاه السبـب مقتنصاً جاء لـيصطاد النشـب من فضة يكنـزها ومـن ذهـب واستعضل النازل فيه فانسحـب وللبـنين والـبـنات مصطخـب وذاك حانٍ فـوق جسمه حـدب ولا ابـن أمٍ نافـع ولا ابـن أب منتبهاً يـرنـو لسـوء المنقلـب وما اكتسى من عمل وما اكتسب أقـام في تيارها حـتى رسـب شقشقة تزري بفصحاء العـرب وأسبل الأيدي من غير وصـب


(240)
وسيقت النـفس عـلى علاتهـا إنـي أعـوذ بـولاء حـيـدر من فزع الموت وشرّ ما اعتقب هم الـرعاة لا عدمـت فيئهـم هم عرفات الحج هـم شعـاره يا بأبي السبط غـداة وزّعـت إلى الـجنان أو إلى النار حطـب وصفوة الطف البهالـيل النجـب وشـرّ كـل غاسـق إذا وقـب وهم سفائن النجـاة في الـعبب هم كعبة البيت وهم أسنى القرب أشلاؤه ما بين أشفـار القضـب
    وقد تضمن ديوانه جملة من الرثاء للإمام الحسين عليه السلام منها قصيدته التي ختمها بقوله :
يا بن النبي وخيـر مَـن وابن الحطيـم وزمـزم لا قلـت رأسك في القنا كلا ولا هو في الضحى بل أنت وجـه الله فـي أضحوا لفقدك آسفين بما أهـدى وحـلّ مني وخيّف وابن المشاعـر والمعـرّف بدر فرأسك منـه أشـرف شمس فعين الشمس تكسف أفق الوجود غداة توصـف جـنـوه ولات مـأسـف
    ولا زلت أتذكر أني يوم فقدته رأيت نفسي كأني فقدت أباً عطوفاً وعبّرتُ عن ألمي بقصيدة نشرتها جريدة الهاتف النجفية في سنتها الثامنة عدد 318 ومطلعها :
فمي وطرفي علـى تأبيـنك استبقـا ما هـذه قطــع شعريـة سبكـت طوارق الدهـر أظـنتني وأعظمهـا هل نافعي فرط وجدي أو جوى كبدي بالنثر والنظم كلٌ منهما اندفقـا هذي شظايا فؤادي قطّعت حرقا هذي التي علمتني بالرثا طـرقا هيهات فيك قضاء الله قد سبقـا
    وهي تزيد على العشرين بيتاً. تغمده الله برحماته وأسكنه فسيح جناته.
ادب الطف الجزء التاسع ::: فهرس