ادب الطف الجزء التاسع ::: 256 ـ 270
(256)
    ومن براعته الشعرية النادرة الأدبية وذلك أن بعض الادباء كتب اليه :
لأن فـارقتكـم جـسماً فاني سلوت حشاشتي أن أسلُ منكم تركت لديكـم قلبي رهينا شموس هدايتي دنيا ودينا
    فقال السيد ملحقاً متضمناً كل شطر منهما بكلمات في أول البيت وآخره بحيث يكون بيتاً من بحر الكامل وهو مما لم يعهد لغيره مثل ذلك :
قسماً بمجدك ( لأن فارقتكم ولأن بقيت ( فلقد تركت لديكم هيهات أسلوكم ( سلوت حشاشتي كم حين غبتم يا ( شموس هدايتي جسماً فإني ) لا أزال متيما قلبي رهينا ) للصبابة مغرما إن أسلُ منكم ) عهدنا المتقدما دنياً وديناً ) بتّ أرعى الأنجما
    وقال ملغزاً في القلم :
ما رهيف إذا أسروا اليـه قد جزاهم عن الاساءة لما بعض أمر لم يستطع كتمانه قطعوا رأسه وشقّوا لسانـه
    وقال في الدواة :
ما أداة عجمـاء لكـن روت لـي راضـع مـن لـُبانهـا فـارسيٌ مسـتمـدّ من درّهـا كلما قـال لم يزل ساعياً على الراس يمشي من حديث القرون ما قد تقادم آدم اللون لـيس يـنمـيه آدم ( بده ) قلب درّها قال ( دادم ) (1) إن سعى بان فيه شجٌ بـلا دم
    وقال ملغزاً في ابريق الشاي والمسمى ب‍ ( قوري ) :
ما آلة ان تـشك نفسي علّـةً في قلبها ما يشتهيه من المنى أو غلة يوماً ففيهـا طبّهـا قلبي فليس ( يروق ) إلا قلبها
    فإذا عكسنا الأحرف من ( يروق ) تكون ( قوري )
1 ـ بده : أي أعطني. دادم : أي أعطيتك باللغة الفارسية.

(257)
    ورأيت في الجزء الرابع من ( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) مخطوط العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء ـ ص 242 قال : حلّ عندنا في ( البصيرة ) جناب السيد رضا الموسوي الهندي فقال :
نزلنا في البصيرة عند مولى فقل للدهر كـفّ أذاك عني سما الجوزاء بالفخر الجليّ فإني قد نزلت حمي علـيّ
    ومن رقيق غزله قوله وذلك عام 1344 ه‍.
يا نديـمي وللشراب حقـوقٌ اترع الكأس خمـرة واسقنيها عاطنيهـا حتى تثقّل بالسكـر فالصبا هبّ والقماريّ غنّـت وحبانا بوصله قمـر يصـبو يوسفـيٌ لـه بديـع معـان عـاجـز عن أدائها المتوانـي وابتدر للصبـوح قـبل الأذانِ لـساني فـلا أقـول : كفانـي بفنـون الـغنا عـلى الأفنـان إلى حسـن وجهـه القمـران ضاق عن وصفها نطاق البيان
    وقال :
مدّ الربيع مطـارف الزهـر فترى السحاب يطيل عبرته وكسى الصعيد بسندس خضر وترى الأقاحي باسـم الثغـر
    وحدّث ولده الأديب الشاعر السيد أحمد قال : اقترح أحد الادباء تشطير بيتين لأبي نؤاس فشطرهما جماعة من الشعراء ومرّ السيد الوالد فطللب منه النظر في هذه المسابقة فجلس عند أقرب مكان واقف إلى جنبه ونظر فيها فلم تعجبه ثم ارتجل مشطراً وذلك في سنة 1344 ه‍.
( ورايته في الطرس يكتب مرة ) وتباهت الكلمات حيـث يخطّها ( فوددت لو أني أكون صحيفة ) ووددت أني أحـرف قدخطّـها فيكاد يزهو الطرس من إعجابه ( غلطاً فيمحو خطّه برضابـه ) ليعيد لي رمقي بشـمّ خضابـه ( ووددت أن لا يهتدي لصوابه )


(258)
    ومن نوادره أيضاً قوله :
بمـا حـوَت أعـينُكَ السـودُ يا مُتقنَ الصنعة مـا لي سوى دخلتُ في حبك طوعاً ، فـهل ردّ فـؤاداً عبـتَـه بالجـفـا أيـقـنـتُ أن الله مـوجـودُ مُتقـنِ هـذا الصنـع معبـودُ من رجعةٍ ، والبـابُ مسـدودُ والهجر ، ( والمعيوب مردودُ ) !
    دخل رحمه الله إلى مقبرة السيد نور الياسري رحمه الله وبعد قراءة الفاتحة رأى صورة الفقيد على الجدار فارتجل :
النور لا يخفى وإن طمع العدى انظر إلى هـذا المثال فكل ذي جهلاً بأن ترخي عليه ستور بصرٍ يراه يقول هذا ( نور )
    ومن تواريخه قوله في المرحوم السيد حسين ابن السيد مهدي القزويني المتوفى سنة 1325 ه‍. والتاريخ من قصيدة :
عذرتك إذ ينهـل دمـعك جاريـا سأبكي حسيناً ثاوياً في ثرى الحمى وأبكي حسيناً في قميصيه مـدرجا ويا قلمي أمسك فقـد أبـرم القضا لمثل حسين فأبك إن كنت باكيـا بكائي حسيناً في ثرى الطف ثاويا بكائي حسيناً من قميصيه عـاريا وأرخ عظيـم بالحسين مصابيـا


(259)
في الدار بين الغميـم والسنـد ضاع بها القلـب وهي آهـلة جرى علينا جـور الزمان كما طال عنائي بين الرسوم وهل ألا ترى ابن النبي مضطـهداً يوم بقي ابـن النبي منفـرداً بـماضـي سيفـه ومقولـه لما قعـدتم عن نصر دينكـم بقائـم السيف قمت أنصـره ولسـت أعطـي مقادة بيدي واليوم وصل الحبيب موعـده واصنع اليوم في الطفوف كما أفديه من وارد حيـاض ردى فيـا مطايـا الآمال واخـدة ويا جفون العدى الا اغتمضي أيام وصل مضـت ولـم تعـد وضاع مذ أقفرت بهـا جلـدي من قبلها قـد جرى عـلى لُـبد للحـرّ غيـر الـعناء والـنكـد في الطف أضحى لشر مضطهد وهـو من العـزم غير منفـرد فرق بيـن الضـلال والرشـد وآل شمل الـهدى إلـى الـبدد مـقـومـاً ما دهـاه مـن أود وقائـم السيـف ثابـت بـيدي فكـيف أرضى تأخيـره لغـد صنعـت في خيبـر وفي أحـد علـى ظمـأ للفـرات لم يـرد قفـي وبعـد الحسين لا تخـدي فطالمـا قـد كحلـت بالسهـد

* ـ الحصون المنيعة ج 1 / 489 مكتبة كاشف الغطاء ـ قسم المخطوطات.

(260)
    الشيخ أبو المجد الآقا رضا ابن الشيخ محمد حسين ابن الشيخ محمد باقر ابن الشيخ محمد تقي صاحب حاشية المعالم الأصفهاني النجفي. ولد في النجف في 20 محرم الحرام سنة 1287 ه‍. وتوفي بأصفهان سنة 1362 ه‍. وأقام له مجلس الفاتحة السيد أبو الحسن الأصفهاني في النجف ، درس على السيد كاظم اليزدي والشيخ ملا كاظم الخراساني ودرس العلوم الرياضية بأجمعها على الميرزا حبيب الله العراقي ، وكانت له صداقة مع الشاعر السيد جعفر الحلي وله مساجلات ومطارحات مع شعراء عصره كالسيد ابراهيم الطباطبائي والشيخ جواد الشبيبي.
    ومن مؤلفاته نقض فلسفة داروين في مجلدين مطبوع وملفاته تزيد على 16 مؤلفاً ، ترجم له صاحب ( الحصون ) وقال في بعض ما قال : فهو سلمه الله عالم فاضل فقيه اصولي رياضي فلسفي شاعر ناثر وهو حي موجود ، وفي هذه السنة وهي سنة 1333 ه‍. رجع قافلاً إلى أصفهان بسبب اغتشاش العراق ، وهو أحد أقاربنا من قبل جدنا الشيخ جعفر وهو من ذريته من طرف البنات وكم له فينا من مدائح وتهاني متعنا الله والمسلمين بطول بقائه ، وترجم له الشيخ السماوي فقال : الرضا بن محمد الحسين بن محمد باقر الأصفهاني النجفي أبو المجد فاضل تلقى الفضل عن أبٍ فجد ونشأ بحجر العلم ولم يكفه ذلك حتى سعى في تحصيله فجد ، إلى ذكاء ثاقب ونظر صائب وروح خفيفة ، أتى النجف فارتقى معارج الكمال حتى بلغ الآمال فمن نظمه :
سلطان حسن طرفه عامل أدرك في عامـل أجفانـه بالكسر في قلبي فكيف الحذار ضعفاً فقـوّاه بـلام العـذار
    وله في الساعة :
وذات لهو رغناء معاً لها فـؤاد خافق دائماً وما درت للقصف أوضاعه ولم تكن بالبين مرتاعــه


(261)
تحمل بالرغم على وجهها جاهلة بالوقت كم عرّفت وان تكن تحملها ساعـة عقاربـا ليست بلساعـه أثلاثه الوقـت وأرباعـه يسألك الناس عن الساعه
    وله مساجلات شعرية ومراسلات أدبية مع الشاعر الشهير السيد جعفر الحلي والشيخ جواد الشبيبي والسيد ابراهيم الطباطبائي والشيخ هادي كاشف الغطاء وغيرهم ومن روائعه وبدائع غزله قوله :
قـلبي بـشرع الهوى تنصر كـنيسة تـلك أم كـنـاس وكم بهم مـن مـليك حسن لـه بأجـفـانـه جـنـود ورب وعـد بـلثـم خـد سقاه مـاء الشباب حتـى عـرّفـه لام عـارضيـه هويت أحـوى اللثاث ألمي كالليث والظبي حين يسطو عنـاي مـنه ومن عذولٍ هل ريقه الشهد قلت أحلى صغّره عـاذلـي ولمـا شوقاً إلى خصره المزنـر وغلمة أم قطيـع جـؤدر جار على الناس إذ تأمـر تظفر بالفتح حـين تكسر جـاد بـه بـعدما تعـذر أينع نبت العذار وأخضـر عليّ لـم بعـدهـا تنكّـر أهيف ساجي الجفون أحور وحين يعطو وحين ينظـر يهجر هـذا وذاك يهجـر أو وجهه البدر قلت أنـور شاهد ذاك الـجمال كبّـر
    والقصيدة كلها على هذا الروي والرقة. وقال في فتاة اسمها ( شريعة ).
هذي شريعة في تـدللها يا ليت شعري أين قولهم ظنّت على العشاق في قُبله إن الشريعة سمحة سهلـه
    وله مداعباً بعض الشيوخ :
تزوج الشيخ على سنّة قلت له دعني افتضّها جـاريةً عـذراء تحكي الهلال ما يفتح الباب سوى ابن الحلال


(262)
    وقال ملغزاً باسم أمين :
وبمهجتي من قد تسلّم مهجتي عجباً لقلبي كيف ضاع وإنني نقداً وألوى بالوصال ديـوني أودعته في الحب عند ( أمين )
    ومن نوادره :
تولّى أصفهان أمير جـور فأظهر في الولاية كل جور ولم يعزله إكثار الشكاية إلهي لا تمته على الولايه
    وله غير هذا كثير وقد كتب بقلمه ترجمته بطلب من العلامة الشيخ محمد علي الأورد بادي وفصّل فيها مراحل حياته بصورة مقتضبة وذكر فيها أنه سيفرد كتاب عن حياته وذكرياته بعنوان : أنا والأيام.

(263)
غـلـيـل فـؤادي لا يـبـردُ وقلبي من الوجـد لا يستريـح لذكرى مصاب رمى العالميـن مصاب الحسين ابن بنـت النبي مصاب اصيبت بـه المكرمات أصيب به الديـن ديـن الالـه اصيب بـه المرتضـى حيـدر اصيـب بـه الأنبيـاء الكـرام فـمـن سـائل دمعـه بغتـة ونار الجوى منه لا تخمـدُ وعيشي ما عشت لا يرغد بحزن مدى الدهر لا ينفـد ومن هو في العالم الـمرشد أصيب به المجد والسـؤدد اصيب به المصطفى أحمد وفاطـم والحسن والامجد قديـماً فحزنهـم سرمـد ومـن واجدٍ قلبـه مكمـد
    الشيخ عبدالله بن معتوق القطيفي ، هو العلامة الحجة المتولد في بلاد آبائه وأجداده ( تاروت ) حدود سنة 1274 ه‍. من قرى القطيف. تتلمذ على والده ثم هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1295 ه‍. فدرس على فطاحل العلم حتى حصل على اجازة اجتهاد من الحجة السيد الكبير السيد أبو تراب وهناك اجازات من علماء آخرين.
    كانت بلاد القطيف طوال رحلته إلى النجف تنتظره بفارغ الصبر ليكون المرشد والموجّه فطلع عليها كطلعة الهلال فساسها بخلقه وسماحة نفسه وأصبح


(264)
الأب الروحي لذلك القطر عنده تحل المشاكل وعلى يده تنتهي المنازعات ثم هو القدوة لهم في الأخلاق والآداب والكمالات وعلى درجة عالية من العبادة والتقوى. ترجم له في شعراء القطيف وذكر نماذج من أشعاره.
    آثاره العلمية ، كتب في الفقه حاشية على العروة الوثقى ، ورسالة في علم الهيئة. كانت وفاته غرة جمادى الاولى ليلة الخميس سنة الثانية والستين بعد الثلثمائة والألف من الهجرة عن عمر قارب التسعين عاماً. اقيمت له الفواتح وأبّنه الشعراء والخطباء.
    جاء في أنوار البدرين : ومن شعراء القطيف العالم الفاضل التقي الصدوق الأواه الشيخ عبدالله ابن المرحوم معتوق التاروتي ، من الأتقياء الورعين الأزكياء ، زاهداً عابداً تقياً ذكياً ، قرأ رحمه الله في القطيف عند الفقير لله صاحب الكتاب علمي النحو والصرف ، كما قرأ عند شيخنا العلامة ثم سافر إلى النجف الأشرف للاشتغال في العلوم وبقي فيها مدة من الزمان ثم انتقل إلى كربلاء واستقل بها وهو من العلوم ملآن إلى هذا الآن ، له بعض التصانيف ، على ما سمعت ـ ومن جملتها رسالة في الشك اسمها ( سفينة المساكين ) وهو كثير المكاتبة والمراسلة لنا كل آن ، وقد اجازه كثير من علماء النجف الأشرف وغيرها من العرب والعجم ، أدام الله توفيقه وسلامته وأفاض عليه أمداده ورعايته ، ومن شعره في الرثاء :
لا مرحباً بك يا محـرم مقبـلا فلقد فجعـت المصطفى وأسأت وتركت في قلب الزكية فاطـم لله يـومـك يـا محـرم أنـه وأماط أثواب الهنـا مـن آدم حيث الحسين به استقل بكربلا من عصبة قدماً دعته لنصره فهناك جاد بفتية جـادت بـأ بك يا محـرم مقبـلا لا مرحبـا قلب المرتضى والمجتبى بالمجتبى ناراً تزيد مـدى الزمـان تلهـبا أبكى الملائك في السماء وأرعـبا فغـدا بابـراد الأسى متـجلببـا فـرداً تناهبـه الأسنـة والظبـا فعدت عليـه عـداوة وتعصبـا نفسها وجالدت العدى لن تذهـبا


(265)
فترى إذا حمى الوطـيس قلوبهـا فالوعد أعرب عن طراد عرابهـا وغـدت تـنثر من اميـة أرؤساً وتعانق البيض الصفاح ولم تـرد حتى إذا حان القضاء وغودرت أمسى الحسين بلا نصير بعدهـا ساموه ان يرد المنيـة او بـأن فغدا يريهم في النـزال مواقفـاً لله صارمـه لـعـمـرك أنـه من ضربه عجبت ملائكة السماء بالله لـو بالشم هـمّ تهـايلـت أقسى من الصخر الأصم وأصلبا والبرق عن لمع البوارق أعـربا ولها السما رعبـاً تنثـر أشهبـا منها سـوى ورد المنيـة مطلبـا صرعى على تلك المفاوز والربى والقـوم قد سدوا عليـه المذهبـا يعطـي الدنيـة والابي بذا ابـى من حيـدر بمهـند ماضي الشبـا ما كل يوماً في الكفـاح ولا نبـا مـن فوقـه ويحـق أن تتعجبـا دكـاً وصيرهـا بهمتـه هـبـا (1)
    ومن شعره في الرثاء :
يا ذوي العـزم والحميـة حزمـا فـلـقد أصبحـت أميمـة سـوء جدعـت منكم الانـوف جـهاراً فانهضوا من ثراكم وامـلأوا الأر وأبـعثوا السابحـات تسحب ذيلا وامتـطـوا قُـبّها ليـوم نـزال لستُ أدري لمَ القعـود وبالطـف ألـجـبـنِ عـراكـم أم لــذلٍ لا وحـاشاكـم وأنـتـم إذا مـا إن زجرتم بأرضها العرب غضباً أو تـشاؤن خسفـهـا لجعـلتـم لخـطـوب دهـاكـم أدهاهـا ثوبها البغـي والـرداء رداهـا فاشتفت إذ بـذاك كـان شفاهـا ض جياد العتاق تطـوي فلاهـا من دلاصٍ لكم برحـب فضاهـا وانتضوا من سيوفكـم أمضاهـا حسـيـنٌ أقـام فـي مثـواهـا أم لخوفٍ مـن الحـروب لقاهـا ازدحمت في النزال قطـب رحاها أعربت عن زجير رعـد سماهـا بـالمـواضـي علوّهـا أدناهـا

1 ـ عن الديوان المطبوع في النجف الأشرف.

(266)
أفـيهنـا الرقـاد يومـاً الـيكـم فلعـمر الـورى لقـد جرّعتكـم يـوم أمسى زعيمكـم مستضامـاً حـولـه فـتيـة تخـال المنايـا وترى الحرب حين تـدعى عروساً ولـها الـروس إذ تناثـر مـهـر ما ثنـت عطفهـا مخافـة مـوت لم تـزل هكـذا إلـى أن دعتهـا فثـوت كالبـدور يتبـع بـعضـاً وبـقـي مفـرداً يكـابـد ضربـاً بأبـي عــلة الـوجـود وحيـداً إن غـدا فـي العـدا يكـر تخـال حـالـف المشـرفـيّ أن لا يـراه وحـمـى دينـه فـلـمـا أتـتـه فرمـاه الضـلال سهمـاً ولـكـن فهوت مـذ هـوى سماء المعالـي أد لهـمّ النهـار وانخسـف البـدر بأبي ثاويا على الأرض قـد ظـلّ ما لـه ساتر سـوى الريـح منهـا وبنفسـي حرائـراً ادهشـت مـن بـرزت والـفـؤاد يخفـق شجـواً بيـدٍ وجـههـا تغـطيّـه صونـاً وامـي أتـت بـظلـم تـناهـا كـربـلا كـأس كربهـا وبلاها يصفـق الكـف حائـراً بفلاهـا دونـه كـالـرحيـق أُذبـلّ فاها خطبتها الصفـاح ممـن دعاهـا وخضاب الأكـف سيـل دماهـا لا ولا استسلمـت إلـى أعداهـا حـكمـة شـاء ربّهـا أمضاهـا بعضهـا أُفـلا فغـاب ضياهـا بعـدها من أمـية شبل طـاهـا يصطلي فـي الحروب نار لظاها المـوت يسعى أمامـه ووراهـا في سوى الروس مغمداً إذ يراهـا دعـوة الـحـق طائعـاً لبّاهـا حل في أعيـن الهـدى فعماهـا وجـبـال المهـاد هـدّ ذراهـا ونال الكسوف شمـس ضحاهـا لهيـب الفـؤاد فـي رمضاهـا قـد كسـاه دبورهـا وصباهـا هجمـة الخيل بعد فقـد حماهـا حسـرها بعـد خدرهـا وخباهـا وبأخـرى تروم دفـع عداهـا (1)

1 ـ رياض المدح والرثاء.

(267)
الشيخ جواد الشبيبي
المتوفى 1363

    قال يرثي الإمام الحسين عليه السلام ، وأوائل الأبيات على حروف الهجاء :
أمـا آن أن تجـري الـجياد السوابـق بعيدات مهـوى اللجـم يحملـن فتيـة تطلّع فـيـهــا قائـم بشـروطهـا ثوابـت يجريهـا شـوارق بـالدمـا جرى الأمـر أن تبقـى لأمر حبائسـاً حرام عليها السبـق إن هـي أزمنـت خفـاءً ولـيّ الأمـر مـا إن موقـف دع البيض تُنشي الموت اسود في الوغى ذوابـح إلا أنــهــن أهــلــّـة رقـاق تـعلّقـن الطلـى فـكـأنـما زهت ظلمات الحـرب منهـا بأنجـم سقت شفق الهيجاء أحمـر أمـرعـت فتندك منهـا الراسيـات الشواهـق عليهم لواء النصر بالفتـح خافـق إذا عارضتهـا بالوشيـج الفيالـق وكـيف تسير الثـابتات الشـوارق إلى أمدٍ إن يقـض فهـي طلائـق رباطاً وصدر الدهر بالجور ضائق تسلّ به مـنك السيـوف الـبوارق بها من دم القتلى المـراق طرائـق صوائـح إلا أنـهـن صـواعـق لها عـند أعنـاق الكـماة علائـق يشق بها فجر مـن الضرب صادق به مـن رؤوس الناكثيـن شقائـق


(268)
شقائقها في منبـر الهـام أفصحـت صِـل النصل بالنصل المذرب مدركاً ضحى وقعة بالطف جلّت ودكدكـت طوائـحهـا قـد طـوّحـت بملمـةٍ ظـلام مثـار النقـع فيهـا سحابـة عفت صاحب الخطب الطروق منازلاً غدت ابن حرب شبّ حربـاً تسجّرت فجاء بها تستمـطر الصخـر عبـرة قضى ظمـأ فيهـا الحسيـن وسيفـه كفى الطيـر أن ترتـاد طعماً وكفّهـا له الصعدة السمـرا فقل قلـم القض‍ مضى ومضى أصحـابه عاطري الثنا نحـو وجهـة المـوت الزؤام بأوجـه هموا مـذ قضوا عادت بنـات محمـد ينُحـنَ ولا حـامٍ ويعطـفـن هتـّفـاً وما أفصحت عند الهدير الشقاشـق تراثٍ لهـا بيضاً تعـود المفـارق مغاربها مـن هولهـا والمشـارق على مثلها تقذى العيـون الروامـق دجت وحراب السمهريـات بـارق لآل علـيٍّ لـم تطـأها الطـوارق به حرمـات الوحـي وهي حدائـق ومن وقعها يلوي الشبـاب الغرانـق بـدا بـارق مـنـه وأرسـل وادق بأسـرابهـا أنـى استـدار خوافـق جرى بالمنايـا والصـدور المهـارق ومصرعهم بالحمـد لا النـدّ عابـق وضاحٍ لها تصبو النبـال الرواشـق قـلائـدهـا مبتـزّةً والمـنـاطـق بكل محـام فيـه تحمـى الحقائـق
    الشيخ جواد الشبيبي شيخ الأدب ومفخرة العرب الشاعر الخالد وجامع الشوارد ، الشيخ جواد ابن الشيخ محمد بن شبيب بن ابراهيم بن صقر البطايحي الشهير بالشبيبي الكبير من أفذاذ الزمان في أدبه وكماله وظرفه وأريحيته.
    ولد ببغداد في شهر شعبان عام 1284 ه‍. (1) وتوفي أبوه وعمره اسبوع وكان والده من الشخصيات المرموقة ببغداد ، فانتقلت امه بمولودها إلى النجف بجنب الاسرة وهي بنت الشيخ صادق أطيمش وهو من المشهورين بالفضل والعلم وله ضياع في قضاء الشطرة ويقضي أكثر أيامه هناك فكان ينتقل بسبطه
1 ـ ويقول الشيخ السماوي في الطليعة انه ولد سنة 1280 ه‍. كما أخبره المترجم له نفسه.

(269)
إلى هناك في كل سفراته ويحدب عليه ويغذيه ، وساعدته مواهبه الفياظة فبرع بالشعر والأدب ومختلف العلوم العربية والإسلامية إلى أن توفي جده عام 1296 ه‍. وقد قارب المائة عام في العمر فعاد المترجم له إلى النجف وواصل دراسته وتميز بالإنشاء والكتابة حتى عدّه البعض بأنه أكتب عصره قال عنه الشيخ السماوي في ( الطليعة ) فقال : قبلة الأدب التي تحج وريحانته التي تشم ولا تزج ، وجواده السابق في مضماري النثر والنظم ، عاشرته فوجدته حسن العِشرة مليح النادرة صافي النية حلو الفكاهة قوي العارضة مع تمسك بالدين والتزام بالشرع ، وذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) فقال : عالم فاضل وأديب كامل ، شاعر ماهر فصيح بليغ لغوي مؤرخ حسن المحاورة جيد المحاظرة ، فطن ذكي ذو ذهن وقاد وفكر نقاد ، وألّف كتاباً في المراسلات بينه وبين أحبابه سماه ( اللؤلؤ المنثور ) وديوان شعره ، وهو مكثر من الشعر والنثر سريع البديهة في كليهما وترجم له كل من كتب عن الشعر والأدب في العراق إذ أن الكثير من المتأدبين تخرجوا على مدرسته وما زالت النوادي تتندّر علمه وأدبه وقد عمّر طويلاً فأدرك الدورين : التركي والوطني وشعره مقبول في الدورين وكأنه يتجدد مع الزمن ففي رسائله ومقاماته يجاري مقامات الهمداني والخوارزمي وبشعره السياسي ونقده اللاذع كشاب يحس بمتطلبات البلاد واستقلالها والعجيب أنه مكثر في الشعر ومجيد في كل ما يقول ، وقد داعب جماعة من أعضاء ندوته منهم الشيخ ابراهيم أطيمش لما تزوج زوجة بالإضافة إلى زوجاته السالفات وكان في السبعين من عمره ، بعث الشيخ له قصيدة أولها :
صواهل ما بلغن مدى الرهان فدى لك أولٌ منها وثان
    وتلاه الحجة الكبرى السيد أبو الحسن الأصفهاني الموسوي حيث قد تزوج وهو ابن السبعين وتلاهما زعيم النجف الديني الشيخ جواد الجواهري ثم الشيخ جواد عليوي وكلهم قد تجاوزوا السبعين في أعمارهم فكتب المترجم له إلى الأخير منهم وقال :


(270)
( جوادك ) من بعد الثمانين صاهل وسائلـة مـاذا تحـاول نفسـه فقالت أبا السيف الذي هو حامل ثقيل حديد العضب تبكى لضعفه ومن عجب أن الصياقل لم تكن فمن ذا يجاريه ومن ذا يطاول فقلتُ لها فتح الحصون تحاول وما سيفه في الروع إلا حمائل حراب العوالي والحداد المناصـل تعالجه بل عالجتـه الصيـادل
    وعند اقتران الثاني من هؤلاء الاعلام كتب لسماحة الشيخ عبد الرضا آل راضي :
أتاك الصاهل الثانـي كلا الطِرفين لم يعثـر ولكن طرفنا استعصى أردنـا منـه إمهـالاً يباري الصاهـل الأول وإن خبّ على الجنـدل على السائس فاسترسـل عن الوثبـة فاستعجـل
    وقال يداعب الآخر منهم :
أُهنّي الشرع والشارع ثـلاثـون لتسعيـن بهذا الصاهل الرابع فأين القدر الجامـع
    ومن مداعباته لأحد زملائه وكان في رأسه قرع وهو الشيخ عبد الحسين الجواهري والد محمد مهدي الجواهري قال :
لـك رأس مرضـع ومدبّـج روضة تنبت الشقائـق فيهـا قد قرأنا حديثـه مـن قديـم خطّ ياقوت فيـه جدول تبـر فوق كافوره من الشعر مسك فيه بحر للقار مـن ظلمـات أرضه عسجـد وحصبـاه درٌ دوحة الجسم أنبتت فيه بستج جلنـاراً وسوسنـاً وبنفسـج فوجدناه عن جعـود مخـرّج نقطوه مـن قيحـه بزبـردج كل مـن شـمّ نشـره يتبنّـج ضرب الشـف يمـّة فتمـوج لو أُزيلـت أصدافـه لتدحـرج
ادب الطف الجزء التاسع ::: فهرس