المكتبة الاسلامية ::: شعر

ادب الطف الجزء التاسع ::: 286 ـ 300

(286)

سممتـم الأفكـار وهـي صحيحـة يا حقـب أيـام « الرشيـد » ذواهبـاً يهنيك انـك قـد ذهبـت ولم تـرى حق يضـاع وأمـة نكصـت علـى ولقـد سألـت مواطنـي بمـدامعـي هـل حرمـة بـك للعلـوم وأهلهـا فـمـدارس الأسـلاف لا لفـوائـد فاستعبرت بـدم الفؤاد وقـد رمـت فصمت عرى الرحم القريبة عصبتي فـبـأي سـابغـة ارد سهـامهـم زعمـوا حمايتنـا بهـم وتوهمـوا ماذا السكوت هـو الخضـوع وإنـه أعـدوة الانصـاف اذنـك مـالهـا كـم قـد نفيت المدعيـن بحـقهـم ومـن القضاء على البلاد خصومها بـليـت بـآفـات البحـار بلادنـا رقطـا حوينَ المال في وجـه الثرى لـم نـام ثائركـم وواتركـم مشـت أنـسـيتـم الآراء أجـمـع أمـرهـا ارفـعتـم عـقبـانهـم وجـعـلتـم وأطـار أسـرابـاً عليكـم حـوّمـاً بيضـاً تـناذرهـا النسـور بجوّهـا فـصعـدتـم والمـوت منهـا نـازل

وخنـقتـم الأقطـار بـالغـازات بمحاسـن الآصـال والبـكـرات نوبـاً جريـن بهـذه الـسنـوات الأعقـاب بعـد بلوغهـا الغايات عـن هذه الحركـات والسكنـات أنّـى ودهـرك هاتـك الحرمات ومـساجـد الاسـلام لا لصـلاة بالجمـر تخرجـه مـع الكلمـات واستـمسـكـت إيمانهـا بعداتـي و النبـلُ نبلـي والرمـاةُ رماتـي ان تـستـظـل حماتـنـا بحمـاة لـو يعـلمـون تربـص الوثبـات رتقـت عـن الاصغـاء والانصات والنفـي آيتـهـم علـى الاثبـات لـو رافعـوهـا منـهـم لقـضـاة وشـبابهـا مـن أكـبـر الآفـات فمـتـى يتـاح لقبـضهـا بحـواة خيـلاؤه منـكـم علـى الهامـات أن لا يـظلكـم سـوى الـرايـات الأوكان منهـا فـي جسـوم عتـاة شبـه البـزاة ولـم تـكـن ببـزاة وتخافهـا الآسـاد فـي الأجمـات ووقفتـم فـي أرفـع الـدرجـات

(287)

بيّتموهـم فـاستفذّهـم الـردى وضربتم شـرك الحصار عليهم واستقتم مثـل الربـائق منهـم حتى أتوا لحمى الوصي فرنجة ⁽¹⁾ شادت بعاصمة العراق سيوفكم بلـطتمـوه فاستقـرّ قـراره

وتنقلوا مـن ظلمـة لسبـات فارتدّ هاربهم عـن الافـلات اسرى يدار بهم على الجبهات سحبتهـم الأغـلال للذكـوات عرشاً قواعـده مـن الهمـات واعـدتمـوه أبلـج الـجنبـات

توجع وحنين ..

كتم الهوى والدمع أعلـن عانى الصبابة من صبـا تبكي الحمامـة إن بكـى ذكـر الذيـن تـريفـوا والعيـس أطربهـا الحدا والروض ألبسـه الحيـا وسري هذا الحي سيطره هـزّ النـَديّ حـديثُـه يكفي من التاريـخ مـا داعـي الصلاة بجنبـه يترسل البطـل الفصيح بنـصائـح لبـلاغهـا ورق الأراك غطاؤهـم الطاعنـون ومـا يهـم والـجاعلـون بيوتهـم لا يتبعـون عطـاءهـم

صبٌ بأهل الريف يفتـن ه وداؤها في القلب أزمن وتئن فوق الغصن إن أن والسحب حول الحي هتّن ء وخيلهم للسبـق تعتـن حللاً مـن الورد الملـوّن الإبـا فـيهـم وهيـمـن عن محتـد العرب المعنعن مـلأ القلـوب بـه ودوّن داعي صلات الوفـد أذن وصوته في الجوّ قـد رَن قلبُ العلند الصلب أذعـن ومهادُهـم شيـحٌ وسَوسَن لأسنة الوصمـات مطعـن للخائـف المطرود مـأمن وصنايع المعروف في من

1 ـ يشير إلى وصول قسم من اسرى الانكليز الى النجف بعد ثورة سنة 1920 م.

(288)

غالـوا بقيـمـة جـارهـم لـو أعطـى الـدنيـا لمـا من أيـن أقبل مـا وعـت كـم أحسنـوا وسكوتهـم والمـرء يرجـح فضلـه أنفق حطامك ما استطععت ربـح الصفـا متـريـف إن المدائـن أصبـحـت ومـن الغرائـب سائـحٌ هَنّـا البـلادَ بـرغدهـا هل ترغـد الامـم التـي مـا للسياسـة مـا لهـا تبنى علـى متـن الهبـا وعلى الخُـداع تمرنـت فسحت مياديـن الرهـان وبرأيها الفـرس الكريـم الله بـالـوطـن الــذي يـا ما ضغيـن خراجـه أتلـفـتـمـوه وقـلتـم فسلـوا البواخر هل غدت وسلـوا القوافـل ما على وسلـوا المناصب هل بها وسلـوا المراسيـم التـي يا ذا الأجم انكـص فقـد أو فاتخـذ لـك في دمـا

والـجـار عقـد لا يُثمـّن جذبتـه زينتهـا فيظـعـن أذن له ، أو قـول مـمـن عن ذكريـات المـنّ أحسن ما دام بـالحسنـات يـوزن تجـده فـي الآثـار يُخـزن لا مـَن تمصـر أو تمـدين لنـتـائـج الآمـال مدفـن وصف العراق الرحب بالظن ولـو اهتـدى للحـق أبـّن بديـارها الأخطـار تستـن لمراسـم الأوهـام تـركـن في سحرها الصرح المحصن حقبـاً ففـاتـت مـن تمرن وعنـدها القصبـات تـرهن به هجيـن الأصـل يقـرن فيـه الذيـاب عـلا وطنطن من مغـرسي زاكٍ ومعـدن منا الـدمار وأنـت تضمـن من غيـر هـذا النهب تُشحن تلك الظـهـور ومـا تبطـن مـن أهلـهـا أحـد تعنـون أقـلامهـا للحـق تطـعـن لاقـاك كبـش النطح أقـرن غك من نسيج الصبر جوشن

(289)

لا تـركـدن كهـضـبـة حاجـج مجـاورك الـذي ماذا انتفـاعك بالـدخيـل متـصـاغـراً حتـى إذا كم فتـنـة حمـراء فـي فانشر له النسب الصريح ما خانـك النائي الغريب لكنمـا الأدنـى القـريب

فالمـاء إن لـم يجـر يأسن خلط الجدال المحـض بالفن إذا تقحـطـن أو تعـدنن ثنيـت وسـادتـه تفـرعن إيـقـاد شعلـتـهـا تفنـن وقل لأ لكـنـه : تـرطـّن أتـاك مهـزولاً ليسـمـن لحقـك المنصوص أخـون

وللشيخ الشبيبي ديوان ضخم عدا ما ضاع من شعره ، أما شعره في أهل البيت عليهم السلام فكثير ، وبعد بحث وتنقيب عثرت له على ثلاث قصائد في الإمام الحسين (ع) يبتدء بحرف من حروف الهجاء في أوائل أبيات القصائد الثلاث : فواحدة منهن جعلناها في صدر الترجمة ، والقصيدتان نذكر المطلع منهما فقط ، قال يخاطب حجة آل محمد صاحب الزمان عليه السلام :

أما هاجتك للوتر الطفوف

فيدمي الأرض منصلك الرعوف

والثانية أولها :

أمقيم قاعدة الهدى والدين

حان انهزاع قواعد التكوين

وله تخميس وتشطير لأبيات السيد حسين القزويني في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. كما له تخميس لقصيدة السيد المذكور في مدح الإمامين الكاظمين عليهما السلام ، ذكر التخميس الشيخ السماوي في ترجمته في كتابه ( الطليعة من شعراء الشيعة ) ج 1 / 75.
ومن روائعه رثاؤه للسيد محمد سعيد الحبوبي بطل العلم والأدب والجهاد ، ومطلع القصيدة :

(290)

لواء الدين لـفّ فـلا جهادُ تخارست المقاول والمواضي بكيت معسكـر الإسـلام لما

وباب العلم سُدّ فلا اجتهادُ فليس لها جدال أو جـلاد أُتيح عميدها وهوى العماد

ورائعته التي عنوانها ( قمرية الدوح ) وقد نظمها بمناسبة وصول ام كلثوم إلى العراق وعلى أثر الاحتفال الذي أقيم لها في بغداد ، وأولها :

قمرية الدوح يا ذات الترانيم

مع النسور على ورد الندى حومي

توفى رحمه الله في بغداد عام 1363 ه‍. ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في مقبرة بجنب داره ، وأُقيمت له ذكرى أربعينية في مدرسة الصدر من أضخم الذكريات تبارى فيها فحول الشعراء.

(291)

السيد مضر الحلي
المتوفى 1363

قال في قصيدة حسينية :

إلى مَ أغض الطرف والهم لازم إذا لم أقدهـا ضـابحات بقفرها فلا عرّفت بي من لوي عصابة

ولي عزم صدق عنه تنبو الصوارم عليهـا من الفتيـان غلب عواصم ولا كان لي من غالب الغلب هاشم

إلى أن يقول :

ألا أيها الساري بحرف لدى السرى إذا أنـت أبصـرت الغري فعج به أبا حسن إنـي تـركـت بكـربلا قضى ضامياً دامي الوريـد وبعدذا

تزف زفيفـاً لم تخنهـا القوائم ونادع عليا والـدموع سواجـم حسيناً صريعاً وزعته الصوارم عقائلكـم سـارت بهن الرواسم

الخطيب الأديب السيد مضر ابن السيد مرزة ـ المتقدمة ترجمته في الجزء الثامن من هذه الموسوعة ـ ابن السيد عباس بن علي المعروف بالسيد علاوي ابن الحسين بن سليمان الكبير من اسرة الشعر والأدب والاباء والشمم تمثل السيادة حق تمثيلها وتطفح على شمائلها الشمائل العلوية تعرف هذه النفسية من شعرهم وقد قيل : الشعر شعور.
ولد شاعرنا في قرية ( الحصين ) قرب الحلة 22 شعبان من سنة 1319 ه‍. وأرخ أبوه عام ولادته بأبيات والتاريخ منها جملة :

(292)

أعوامه أرخت ( غرٌ حسان ). ونشأ مطبوعاً بطابع الاسرة الشريفة ، وكما رباه أبوه ( ومن يشابه أبه فما ظلم ) وشعره يعطيك صورة عن نفسه وما جبل عليه من فخر وكرم وإباء وشمم وذلك ما حبب هذه الاسرة في الأوساط فكان ناديهم في ( الحصين ) محط الادباء والمتأدبين ، ومن شعره قصيدته التي عارض بها قصيدة البارودي التي أولها :

سواي بتحنان الأغاريد يطرب

وغيري باللذات يلهو ويلعب

فقال :

إلى مَ التمـنـي والأمانيّ خـلـّب من العار تغضي راغماً غير راكبٍ عجبت لعمرو المجد تـرضخ للتي ألست الـذي لـم يكتـرث لملمـة سـواء لديـه ان رنا طرف عينه حرام إلى غيـر المعالي محاجري ولولا العلى لم أرتض العيش والبقا ولسـت بمن إن حيل دون مرامه فان أنا لـم أبلـغ بجـدى مساعيا فلا ضمنى من هاشـم بيت سؤدد ولا وخدت بي للوغى بنت أعوج فما أنا ممن همه صـر خديـة وخود تغنّيـه وتسقـيـه نشـوة ولكننـي ممـن تقـرّ لـه العدا وما الفخر في لهـو وعودٍ وقينة

فليس بغيـر العضـب ما أنت تطلب من العزم طـرقاً للمهـمـات يركب تشين وترك الخصم جـذلان أعجب وأنـت لدى الجُلّى عـذيـق مُرجّب ⁽¹⁾ إلى غايـة شـرق البـلاد ومغرب تصدّ ولا فـي غـيـرها لي مأرب ولكن سبيـل المجـد مـا أنا أدأب يصعّد لا يدري الهـدى ويصـوّب لنا سنّهـا قـدماً نـزار ويعـرب سما شرفاً فوق الضـراح مطنـب ولا اهتزّ في كفي الحسام المشطب وعـود إذا ما ينتشي فيه يضرب ويصبح لا يدري إلى أيـن يذهب لدى الهول لا ألـوي ولا أتنصّب وكاس بها يطفو الحباب ويرسب

1 ـ العذيق مصغر عذق. والمرجب : المحفوف بالشوك.

(293)

بل الفخر في ضرب وطعن ونائل ولي شيمة تأبى الدنايـا وعزمـة ⁽¹⁾ وقول كوخـز السمهـري مسدد قبيح لعمري ان أكـون مخاتـلا فخاطـر بنفس إنمـا أنت واحدٌ فلم أرَ خلاً فـي المـودة صادقاً

وحلم رزين لا يطيش ويشعب وقلب بأفواج الآبـاء محجـب وقلب جرئ ثابت ليس يرهب وأقبح من ذا أن يقـال مذبـذب فاما حيـاة أو حـمـام محبـب إذا قلب هذا كـاذب ذاك أكـذب

وقال من قصيدة يرثي بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :

أبا حسن في فقدك اليوم أصبحـت وجار على أطرافـه كـل ظالـم فما زلت ترعـاه بعيـن بصيـرة لتبـك اليتـامى والأرامـل مطعماً وتبـك معـدٌ ليثهـا وعمـادهـا وتبـك الجياد القبّ أعظـم فارس وتبك غمار الحرب خواض بحرها فقد قوّض المعروف وانطمس التقى وبالافـق نادى جبرئيـل تهدمـت فيا نفـس مهـلاً ان للثـار قائمـاً فيدرك ثـار المرتضـى ووصيـه لقد منعوا يوم الطفـوف مضاربـاً وأجروا بحاراً من دمـاء تلاطمت

ربوع الهدى والدين قفر الجوانب وغـار على أبياتـه كـل ناهـب كما كنت تحميه بماضي المضارب لها والندى والدين أصـدق صاحب وتبك نـزار غوثهـا في النـوائب يقحمهـا في الروع مـن آل غالب وتبك الضبا والسمر مردي الكتائب ولم يبق بحر للنـدى غيـر ناضب قواعد أركـان الهـدى والمناقـب عن الدين يجلـو داجيات الغياهـب الزكي وثـار الماجديـن الأطائـب لهم بحدود الماضيـات القواضـب سفائنهـم فيهـا ظهـور الشوازب

وهي طويلة تقع في مائة بيت.

1 ـ صدور البيت لشاعر مصر الكبير محمود سامي البارودي التي كانت هذه القصيدة جواباً لتلك.

(294)

كانت وفاته في القرية التي ولد فيها بالسكتة القلبية ، ليلة الأحد سابع جمادى الاولى من سنة 1363 ه‍. المصادف 30/4/1944 م. وحمل جثمانه إلى الحلة بموكب حافل ومن ثم شيع إلى النجف تشييعاً يليق وكرامته ورثاه جمع من أصدقائه ومواطنيه باللغتين : الفصحى والدارجة ⁽¹⁾ ومنهم أخوه السيد سليمان بقصيدة مطولة جاء فيها :

أبا شاكر لا راق لي بعـدك الدهر أُقلّبُ طرفي في دجى الليل ساهراً ذكرتك لما غصّ بالقوم مجلسـي

ولا لذّ لي عيش وقد ضمك القبر ويقلقني في كـل آن لك الفكـر وكنت تُرى فيه لك النهي والأمر

أقول : وعند الرجوع إلى صحف بغداد ونشراتها نجد للمترجم له بعض النوادر الأدبية والمراسلات الودية أمثال رسالته لصديقه المرحوم ابراهيم صالح شكر ـ الأديب الشهير بقوله من قصيدة :

ما سليمى وما هنـاك سعاد من محب ناءٍ به شطت البين ساهر الليل لم ترَ النوم عيناه

فعليك السلام يا بغداد فأدنى ديـاره الابعـاد نديماه يقظـة وسهـاد

وقال يشكر هاني بن عروة ـ زعيم مذحج ـ على موقفه المشرّف دون سفير الحسين بن علي بن أبي طالب وهو مسلم بن عقيل بن أبي طالب :

جزى الله خيراً هانياً في صنيعه غداة دعـوه أن يسلـّم مسلمـا اسلّم ضيفي وابن عـم محمـد سأدفع عنه ما حييت بمرهـف

مع ابن عقيل نعـم شيخ المكارم فقال بعيد منك نيـل ابن هاشـم ولم ترتوي مني حدود الصـوارم وقومي لدى الهيجا طوال المعاصم

1 ـ نشرت نبأ وفاته صحف بغداد وأبنته وكتبت عنه جريدة الأهالي كلمة مؤثرة.

(295)

كلمة في هاني بن عروة :
كان هاني بن عروة بن نمراذ المذحجي الغطيفي صحابيا كأبيه عروة وكان معمّراً ، وهو وأبوه من وجوه الشيعة ، وحضر مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حروبه الثلاث وهو القائل يوم وقعة الجمل :

يا لكِ حرباً حثّها جمالها

يقودها لنقصها ضلالها

هذا عليٌ حوله أقيالُها

قال ابن سعد في الطبقات كان عمره يوم قتل بضعا وتسعين سنة وكان يتوكأ على عصى بها زجّ وهي التي ضربه ابن زياد بها ، وهو شيخ مراد وزعيمها يركب في أربعة آلاف دارع ، فإذا تلاها أحلافها من كنده ركب في ثلاثين ألفاً. ولسيدنا بحر العلوم الطباطبائي كلام ضاف في ترجمته في ( رجاله ) وقد أغرق نزعاً في اثبات جلالته والدفاع عنه والجواب عما قيل فيه وتابعه على رأيه السديد السيد المحقق الأعرجي في ( عدة الرجال ) وبالغ شيخنا الحجة المامقاني في ( تنقيح المقال ) بترجمته في مدحه والثناء عليه.
قال أهل السير لما دخل ابن زياد الكوفة وتفرق الناس عن مسلم بن عقيل بعدما بايعوه خرج مسلم من دار المختار التي كان قد نزلها إلى دار هاني بن عروة وفهم ابن زياد بذلك أرسل محمد بن الأشعث وأسما بن خارجة وقال لهما : ائتياني بهاني آمناً ، فقالا وهل أحدث حدثاً حتى تقول آمناً قال لا ، فأتياه به فلما رآه ابن زياد قال : أتتك بخائن رجلاه تسعى. قال هاني وما ذاك أيها الأمير ، قال يا هاني أما تعلم ان أبي قتل هذه الشيعة غير أبيك وأحسن صحبته فكان جزائي منك أن خبأت رجلاً في بيتك ليقتلني ـ وطال الكلام بينهما إلى أن أخذ المعكزة من يد هاني وضرب بها وجه هاني حتى ندر الزج واتزّ بالجدار ثم ضرب وجهه حتى هشم أنفه وجبينه وسمع الناس الهيعة فأطافت مذحج بالقصر ، فخرج اليهم شريح القاضي فقال لهم إن أميركم حي وقد حبسه الأمير ، فقالوا لا بأس بحبس الأمير وتفرقوا.

(296)

قال أهل السير ولما قتل مسلم بن عقيل ورمي من أعلا القصر أمر ابن زياد باخراج هاني وقتله ، فأخرج إلى السوق التي يباع فيها الغنم مكتوفاً فجعل يقول : وامذحجاه وأين مني مذحج ، فلما رأى أن لا أحداً ينصره نزع يده من الكتاف وقال أما من عصى أو سكين يدافع به رجل عن نفسه ، فتواثبوا عليه وشدوه كتافاً ثم قيل له : مدّ عنقك ، فقال : ما انابها بسخي فضربه رشيد التركي على رأسه فلم تعمل به شيئاً ، فقال هاني : إلى الله المعاد اللهم إلى رحمتك ورضوانك ثم ضربه ثانياً فقتله ، فقام أهل الكوفة وربطوا الحبال في رجلي مسلم وهاني وجعلوا يسحبونهما في الأسواق. وفي ذلك يقول عبدالله ابن الزبَير الأسدي كما روى ابن الأثير في الكامل :

فان كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري إلى بطل قـد هشـم السيـف أنفـه

إلى هاني في السوق وابن عقيل وآخر يهوي من طمـار قتيـل

(297)

السيد عباس آل سليمان
المتوفى 1363

بـوادر دمـع لا يجـف انسكابهـا خليلي ما هاجت على الشوق لوعتي ولكن عرتني من جوى الطف لوعة غداة انتضت أبناء حرب مواضبـاً وقد أودعت في مهجة الدين حرقة لقـد غصبـت آل الرسالـة حقهـا تجاذب أيديهـا إلـى صفقـة بهـا فقل للعدى امناً قضى الضيغم الذي وأصبـح ذاك الليـث بيـن اميـة أصبراً وآل الله تمسى على الظمـا أصبراً وأمـن الخائفيـن بكربـلا إمام الهـدى نهضـا فإن دمـاءكم أصبراً وفي الطف الحسين تناهبت أصبراً وتلك الفاطميات أصبحـت كما شاءت الأعداء تسبى حواسراً

ونيران حزن ليس يطفى التهـابهـا ولا اسهرت مني العيـون كعـابهـا يشبّ بأحنـاء الضلـوع التهـابهـا أراق دم الإسـلام هـدراً ضرابـها فلم يلتئـم طول الزمـان انشعـابها بكفٍ مدى الدهر استمـرّ اغتصابها يعـزّ على الهادي الرسـول انجذابها يردّ الكمـاة الغلـب تُـدمـى رقابها تنـاهـشـه ذؤبـانهـا وكـلابهـا ذعـاف المنايا في الطفـوف شرابها يـروّع حتـى فيـه ضاقـت رحابها علـى الأرض هـدرا يستباح انصبابها قـواضـبهـا اشـلاءه وحـرابـهـا يبـاح جهـاراً سبيـهـا وانتهـابهـا تطـوف بها البيـداء وخـداً ركابهـا

(298)

فمن مبلغ المختار عني ألوكة شفت حقد بدر في بنيك بوقعة

على نشر رزء الطف يطوى كتابها أصاب جميع المسلميـن مصابهـا

السيد عباس ابن السيد حسين ابن الشاعر الذائع الصيت السيد حيدر الحلي المشهور بآل السيد سليمان. ولد في الحلة حوالي سنة 1299 ه‍. وكان عمره يوم وفاة جده خمس سنوات ، أوفده أبوه إلى النجف وهو دون العشرين فمكث أربع سنين مكباً على الدراسة والتحصيل ولما توفي أبوه سنة 1339 ه‍. قام مقامه في مهماته الزراعية يقول الشيخ اليعقوبي : وكانت ترى آثار النجابة على أسارير وجهه مزيجة بالأريحية والنبل وكرم الطباع وخفة الروح ، وله شغف شديد وولع عظيم بمطالعة الكتب الأدبية ودواوين الشعراء ، ولقد ساهم في نشر ( العقد المفصل ) أحد آثار جده السيد حيدر حين طبع ببغداد سنة 1331 ه‍. ومن روائعه العصماء قصيدته في تأبين العلامة السيد حسين القزويني المتوفى سنة 1325 ه‍.

قم ما على مضض المصاب مقام وانظم سـويداء الفـؤاد مراثيـاً علم الهـدى الراسي تدكدك بعدما سار تخـف به الرجـال وقبلـه بحر الندى الزخار غاض عبابـه أدرى ( المفيد ) فلا مفيد ( مرتضى ) ذهب الحمام ( بعـدّة الداعي ) التي يا مبرماً تقضى الحلوم بفقـد مَن في ليلة صبغـت بحـالك لونهـا ولدت فلا لقحـت بها الأعـوام قد أنكرت سـود الليـالي وقعـه رزء له جبـريل أصبـح ناديـاً

قد حان من يـوم القيـام قيـام فالدين منه اليـوم حـلّ نظـام منه توقّر فـي النـدي شمـام مـا خلت أن تتدكدك الأعلام فلتغتدِ الآمـال وهي حيـام بنداه ( لابن نما ) الرجاء قوام هي كالصوارم للعـدو حمام قد كان منه النقض والابرام وجه النهار فعاد وهو ظلام رزءً يشيب الدهر وهو غلام وتبرأت عـن مثلـه الأيـام بمـآثم فـوق السمـاء تقـام

(299)

بجوى كمنقـدح الشـواظ زفيـره لا غرو إن بكـت الملائك شجوها فالميّت الإسلام و المفجـوع فيـه والنادب التوحيـد والناعـي الهدى أأبـا محمـد العـلـيّ فـخـاره من حط ذاك الطـود وهو ممنـعٌ أبذلـك العـاديّ طحـن طوائـح أم حلّـت الأقـدار حبـوة ماجـد كم أنفس غاليـت فـي إعزازهـا وأخا وما ضمنت برودك من حجى ما زالـت الأحلام فيـك رواجحـاً حملـوا سريرك والملائـك خشـّعٌ يتمسكـون بفضـل بـردك وقّعـاً حتـى أتـوا جدثـاً تقـدّس تربـة جدث يموج البحـر تحـت صفيحه

قد كاد يورى الشمس منه ضرام في أدمـع تنهـلّ وهي سجـام الديـن والثكلـى هـي الإحكام وبـه الفضائــل كلهـا أيتـام لا راع قلـبـك حـادث مقـدام وأبـاد ذاك العضب وهـو حسام وبنـا بـذاك المشـرفـيّ كهـام في بردتيه الطـود والصمصـام أضحت رخـاصاً في الهوان تسام خفّـت لـوزن ثقـيلـه الاعـلام حتى حملـت فطاشـت الأحـلام فبهـم تسـاوت تحتــه الأقـدام فلهـم قـعـود حـولـه وقيـام فيها تـوارى مـنـك أمس إمـام ويصـوب فيـه الغيث وهو ركام

والقصيدة كلها بهذه المتانة والروعة واكتفينا ببعضها.
وله في مدح والده السيد حسين ابن السيد حيدر قصيدة في مطلعها :

بادر بنا نتعاطى أكؤوس الطرب

عن ثغر أغيد معسول اللمى شنب

واخرى في مدح والده اولها :

محياك ام بدر على الافق اشرقا

ورياك ام نشر من المسك عبقا

وله في الإمام الحسين مرثية جاء فيها :

غداة استهاج الرجس جيش ضلالة اراع قلـوب المسلميـن بمدهـش أصبراً وقـد آلت اميـة لا تـرى

على ابن هداها بالطفوف تهاجمه تجـدد حزنـاً كـل آن مآثمـه لآل الهـدى عـزاً تشاد دعائمه

(300)

فيا مقلة الإسلام دونك والبكا فان ابن بنت الوحي بين امية له الله دام بالطفوف مجـرداً

بدمع من الأحشاء ينهل ساجمه بحدّ المواضي تستحل محارمه كسته بابـراد الثنـاء مكـارم

وقال اخرى في رثاء الحسين (ع) :

طرقت تزلزل أرضها وسماءها الله أكبـر يـا لها مـن نكبـة عمّت جميع المسلميـن بقرحـة وبها اقتدى التوحيـد يشكو لوعة سامته إمـا ان يسـالم فـي يـد أو أن يمـوت على ظماً في كربلا

نكباء تقـدح بالحشـا إيراءها أسدت على افق الهدى ظلماءها للحشر لا زالت تعالـج داءهـا طول الليالي لا يـرى إبراءهـا ما سالمت في ذلـة أعـداءهـا تروي الضبـا من نحره إظماءها

وقال يفتخر بنسبه ويمدح أهل البيت :

خليليّ ما هاج اشتياقي صبا نجـد وإني فتى بي يشهد الفضل والعلى وإني فتى ليسـت تليـن جوانبي ولي عزماتٌ يحجـم الليث دونها فتى يقطر المـوت الزوام حسامه هو البطل الفتاك عزمـة بأسـه حمى حوزة الإسلام خائض دونها

ولا طربت نفسي لشيء سوى المجد بأنـي فريـد بالمفاخـر والحمـد لداهية دهمـاء توهي قـوى الصلد تورثتها عـن حيـدر الأسد الوردي إذا استلـّه يوم الكفـاح من الغمـد تغـل بيوم الحرب حد ضبا الهندي كفاحـاً بنار الحـرب تلفح بالوقد

وله في الحسين من قصيدة اخرى :

ما لفهر هجرت ماضي ضباها أتناست فعـل حرب أم علـى

فلتصل بالموت أرواح عداها حسك الضيـم أقرّت مقلتاها

وفاته بالحلة الفيحاء سنة 1363 ه‍. ونقل إلى النجف ودفن بها ورثاه أخوه السيد محمد وارخ عام وفاته.

ادب الطف الجزء التاسع ::: فهرس