ادب الطف الجزء التاسع ::: 316 ـ 330
(316)
يـعانـي علـى يـده طفلـه فلله نفسك يـا علـة الوجـود وتلـك الفطـائـم لـم تثنهـا تـدرع بالصبـر في موقـف وشدّ علـى جمعهـم مفـرداً فأروى الظبا من دمـاء الكماة وأطعمهـا مهـج الدار عيـن فلم ترَ في الأرض غير الجسوم يحي الضبـا والقنـا والسهـام ذبيحـاً بأسهـم وغدانهـا ويـا قـطـب أكـوانهـا عن الفكر في أمر رحمانها يزلزل موقـف تهـلانهـا كمـا شـدّ ليثٌ على ضانها ولـفّ الرجـال بفرسانهـا فخـرّت سجـوداً لأذقانهـا وخيـل تجـرّ بأرسـانهـا طروبـاً بمهجـة ظمـآنهـا
* * *
أصابوا الشريعةً لمّا اصيـبَ وطـاح فأظلـمت النيـرات وكم طفـلة بهجـوم العـدى فررن النساء كـرب اهيـج حيـارى تعـجّ بأكبـادهـا تقـوم فتكبـو لمـا نـالهـا وتهتف باسم أبيها النبي (ص) وسيقت بـرغـم الله حسـراً وهُدّت قواعد أركانهـا والأرض مادت بسكانها وطفل يـراع بحرانهـا مروعاً بعـدوة ذؤبانهـا اذيبـت بالهـب نيرانهـا وتعثـر فـي ذيل أحزانها وطـوراً بأسمتاء فتيانهـا تلـفُ النجـودَ بغيطـانها (1)
    الشيخ حسن ابن الشيخ محسن ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الله الدجيلي النجفي ، عالم مرموق مشهور بالتحصيل ومن المعدودين من الفقهاء ، ولد في النجف الأشرف عام 1309 ه‍. نشأ على الدرس والتدريس وحلقات
1 ـ أنشدت في مأتم الحسين (ع) المقام من قبل الهيئة العلمية بالنجف الأشرف في 23 محرم الحرام سنة 1359 ه‍.

(317)
الفقهاء مضافاً إلى شهرة والده العالم الشهير على تدريسه والاعتناء به ، كنت كثيراً ما اشاهده مسرعاً قاصداً جامع الهندي ـ وهو أكبر مسجد في النجف وكان المرحوم الميرزا حسين النائيني يلقي دروسه على تلامذته هناك ومنهم المترجم له ، وكان إذا حضر في المحافل تكون له صدارة المجلس وتطرح المسألة العلمية ويشتدّ النقاش حوله فكان من المجلّين في تحقيقه وخبرته وممن يؤخذ برأيه ويحترم قوله ، طلب مني أن أسهر على ولده الشيخ صالح ليكون منبرياً مرموقاً بين الخطباء فلازمني هذا الولد حرسه الله ملازمة الظل مدة لا تقل عن عشر سنوات فكان كما أراد أبوه فهو اليوم من خطباء النجف اللامعين وبحكم هذه الصلة فقد كانت المودة أكيدة مع الوالد والثقة أصيلة فعرفت منه طيب القلب وسلامة الذات وحسن المعاشرة والنصح لكل أحد من قريب وبعيد ويحب الخير لكل مخلوق مع رجاحة عقل واتزان كامل وربما تذاكرنا ما بيننا بمسألة نحوية وهو يصغي فيفيض علينا من معارفه وكأنه قد راجعها وأتقنها في تلك الآونة ، كان يخرج في السنة مرة واحدة إلى الريف حول النجف والمسماة بمنطقة ( المشخاب ) بطلب من أهالي تلك المنطقة لأجل التعليم الديني والارشاد والوعظ وصادف مرة ان كنتُ هناك فرأيت من تواضعه ولطف أخلاقه ما جذبني إليه وجعلني أثق به كل الوثوق سيما وقد دار البحث بيني وبينه حول معنى بيت من الشعر للسيد مير علي أبو طبيخ قاله في رثاء المرحوم الشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي من قصيدة وهو :
ولم لا تعذب الأخلاق منه وكان ابن العراق هوىً وماءا
    وهل ان الضمير يعود على الممدوح بنصب ( ابن ) أو أنها جملة مستأنفة فتكون ( ابن ) مرفوعة لأنها اسم لكان. وقد كرر الذهاب إلى تلك المنطقة حتى توفي بها فجأة سنة 1366 ه‍. ونقل إلى النجف فدفن بها فرثاه جمع من الشعراء لا زلت أتذكر مطلع قصيدة أكبر أولاده وهو العلامة الشيخ أحمد سلمه الله قال :


(318)
أبي لست أدري كيف أرثيك في نظمي وأعلـم أن المـوت لـفـّك بغـتـة وقد سامني من بعدك الدهر باليتم وغيّض ينبوع الفضيـلة والعلـم
    آثاره : 1 ـ حاشية على ( كفاية الأصول ).
    2 ـ منظومة في المنطق.
    3 ـ ديوان شعره مضافاً إلى رسائله من منثور ومنظوم.
    أصارحة الغصنِ الأخضر ..
    أنشأها على ضفة دجلة في حديقة غناء ذات أشجار يانعة وأطيار صارحة في ( قلعة سكر ) على شط الفرات ، وفيها يمدح الغري ( النجف ) ومرقد الإمام علي عليه السلام :
أصارحةَ الغصنِ الأخضر تسيرين سابحةً في الفضاء فإن شئت تقتطفين الورود ملكت الهواء ملكت الفضاء وليس لـذي سلطة امـرة ولم تسمعي أنةً من ضعيف وقلبك من قبح هـذا الزمان فمـا للمحاسنِ مـن آمـرٍ تبيتيـن رافلـةً في النعيـم أحاطت به حالكات الهمـوم بضفة دجلـة جسمي مقيـم محل سما ذروة الفرقـدين تضمـن مرقـد سـرّ الإله وباب مدينة علم النبي (ص) وحامـل رايتـه فـي غـدٍ هنـاك نعيمـك فاستبشري ووكرك في الشجر المثمر وان شئت سنبلـة البيـدر ملكت الجنان مـع الأنهـر عليك ولا نهـيُ مستهتـر يضام ولا صوت مستنصر وأهليه فـي مهمـهٍ مقفـر ولا للـقبائـح مـن منكـر وقلبـي يبيت علـى مجمـر فكان لهـا نقطـة المحـور وقلبي يرفرف فوق الغـري عـلاً وسما ذروة المشتـري ومطلع شمس الهـدى حيـدر وساقي العطاشا فـي الكوثـر إذا سيقـت النـاس للمحشـر


(319)
وقـد شيّد الدين فـي سيفـه ومن حارب الجن يـوم القليب ومن ناطح الشرك حتى انجلى ومن لم ترد الشمس إلا اليـه ومن طهّـر البيت لما ارتقى فتـمّ ولـولاه لـم يذكـر ومن قلـع الباب في خيبر الضلال بنور الهدى المسفر ويوشع فـي سالف الأعصر على كتف المصطفى الأطهر
* * *
امام يقول لنـار الجحيـم ولم أخشَ بعـدَ ولائي لـه به أكمل الدين ( يوم الغدير ) وقال فمن كنت مولىً لـه وقدك كان ذلك فـي مسمـعٍ فتباً لهـم خالفوا المصطفى وقـد عدلوا بعد عرفانهـم لبيعـة تيـم ومـن بعـده خذي ذا اليك وهذا ذري سؤال نكيـرٍ ولا منكـر وأعلن طه على المنبـر فمولاه بعـدي أبو شبـّر من الحاضرين وفي منظر وجثمانه بعـدُ لـم يقبـر مـن مورد العلم والمصدر اديلت ضـلالاً الى حبتـر
* * *
    وله أيضاً في رثاء سيد الشهداء وقد اشتملت على مدح العترة الهداة عليهم السلام ، وقد تليت في محفل الملائية الذي اقيم لعزاء الحسين عليه السلام في العشرة الثالثة من المحرم سنة 1360 ه‍. وكان انشاد القصيدة يوم 26 محرم من السنة المذكورة :
هي النفسُ رصنها بالقناعة والزهد وجانب بها المرعى الوبيل ترفقـاً فما هـي إلا آية فيـك اودعـت ومـا علمـت إلا يـدُ الله كنههـا ففجـّر ينابيـع العلـوم وغـذّها وقصّر خطاها بالوعيـد وبالوعـد عن الذل واحملها على منهج الرشد لترقى بها أعلى ذرى الحمدِ والمجد وان وصفت بالقول بالجوهر الفرد من المهـدِ بالعلم الصحيح إلى اللحد


(320)
وحبّ الهداة الغرّ مـن آل أحمـدٍ هم عصمة اللاجي وهم باب حطةٍ هـم سفـراء الله بيـن عـبـاده فأولهـم شمـسُ الحقيقـةِ حيـدر هم الأمن في الاخرى من الفزع المردي وهـم أبحـر الجدوى لمستمطر الرفـد ولاؤهـم فرضٌ علـى الحـرّ والعبـد وآخرهـم بـدر الهدى القائم المهـدي
* * *
فـلا تقـبل الأعمـال إلـى بـحبهـم وليس لهذا الخلـق عـن حبهـم غنـىً عمىً لعيون لا تـرى شمـس فضلهـم تعيب لهم فضلاً هو الشمس في الضحى ويـكفـي مـن التنزيل آيـة ( إنـما ) وذا خبر الثقلـين يكفـيـك شاهــداً رمتهـم يـد الدهـر الخؤون بحـادثٍ وقامـت عليهـم بعدما غـاب أحمـد وقـد نقضت عهـد النبي (ص) بآلـه وبغض معاديهـم على القـرب والبعـد كما لا غنىً في الفرض عن سورة الحمدِ فضلت بليـل الجهل عـن سنن القصـد وكيف تعاب الشمـس بالمشعـل الرمـد و ( قـل لا ) لاثبـات الـولايـة والـودّ وبـرهان حـق قامعـاً شبهـة الجحـد جسيـم ألا شلـت يـد الـزمـن النكـد عصائب غـي أظهـرت كامـن الحقـد الهـداة وقـلّ التائبـون علـى العهـد
* * *
وأعظم خطب زلزل العرشَ وقعـه غداة ابن هنـدٍ أظهر الكفر طالبـاً ورام بأن يقضي على دين أحمـدٍ فقـام الهدى يستنجد السبط فاغتدى وهبّ رحيب الصدر في خير فتيةٍ يشـب على حـبّ الكفـاح وليدهم ولو يرتقي المجدُ السماكين لارتقوا وأذهل لبّ المرضعات عن الوُلـد بثارات قتـلاه ببـدرٍ وفي أُحـد ويرجـع ديـن الجاهليـة والـوأد يلبّيه في عـزم لـه ماضي الحـدّ لها النسب الوضاح من شيبة الحمدِ ولم يبد ريحانُ العذار على الخـد اليـه بـأطـراف المثقفـة الخُلـدِ
* * *
إذا شبّت الحـرب العوان تباشـروا اسودُ وغىً فيض النجيع خضابهـم رجال يرون الموتَ تحت شبا الظبا وصالوا علـى أعدائهم صولة الأسـد وطيبهـم نقـع الوغى لا شـذا النَـدّ ودون ابن بنت الوحي أحلى من الشهد


(321)
فراحـوا يحيونَ المواضي بأنفسٍ وقـد أفرغوا فوق الجسوم قلوبهم ولما قضوا حـق المكارم والعلى وخطّوا لهم في جبهة الدهر غُرةً تهاووا على وجـه الصعيد كواكباً ضحىً قبّلتهم فـي النحور و قبّلوا صفت فسمت مجداً على كل ذي مجد دروعـاً بيـومٍ للقيـامـة مـحـتـدّ ببيض المواضـي والمطهمـة الجـردِ من الفخر في يـوم من النفـع مسـودِ وقـد أكلتهم فـي الوغى قضـب الهُندِ عشياً نحور الحـور فـي جنـة الخلـد
* * *
ولم يبق إلا قطـب دائـره العُلـى وحيـداً أحاطت فيـه من كل جانب فدىً لـك فرداً لـم يكن لـك ناصرٌ وقفـت لنصر الدين في الطف موقفاً وأرخصت نفسـاً لا تـوازن قيمـة تـرد سيول الجحفل المجر والحشى بعضب الشبـا مـاضٍ كأنّ فرنـده وتحسب فـي الهامات وقـع صليله فيكسـو جسـومَ الدارعيـن مطارفاً ولما دنا منـه القضا شـام سيفـَه هـوى للثـرى نهبَ الأسنـة والظبا هوى فهـوى ركـن الهداية للثـرى وقـام عليه الديـن يندب صارخـاً يدير رحـى الهيجاء كالأسد الـورد جحافل لا تحصـى بحصـرٍ ولا عدّ سوى العزم والبتـار والسلهـب النهد يشيب لـه الطفل الذي هو في المهدِ بجملـة هـذا الكون للواحـدِ الفـردِ لقرط الظما والحـرّ والحرب في وقد سَنا البـرق في قـط الكتائب والغـدِ بكـل كـمـيّ دارعٍ زجـل الرعـد من الضرب حمزاً ان تعرّى من الغمد وليس لمـا قـد خطـه الله مـن ردّ بغلـة قلـب لـم تـذق بـارد الورد وأمسى عمـاد المجـد منفطـم العقد ويلطم فـي كلتا يديـه علـى الخـدّ
* * *
تحامتـه ان تدنـو عليـه عـداته فيا غيـرة الإسـلام أيـن حماتـه تجول بوادي الطـف لم تلف مفزعاً وتستعطـف الأنذال فـي عبراتهـا برغم العُلـى والديـن تُهـدى أذلـةً صريعـاً فعادوا عنه مرتعش الأيدي وذي خفراتُ الـوحي مسلوبة البرد تلـوذ به من شـدة الضرب والطرد فتـجبـهُ يـا لله بـالسـبّ والـردّ فمن ظالمٍ وغـدٍ إلـى ظالـمٍ وغـدِ


(322)
يا قلب زينب ما لاقيت مـن محن لو أنّ ما فيك من حزن ومن كمد يكفيك فخـراً قلـوب الناس كلهم فيك الرزايا وكـل الصبـر قد جُمعا في قلب أقوى جبال الأرض لأنصدعا تقـطعـت للـذي لاقيتـه جـزعـا
وكل رضيع يغتـذي درّ أمـه سوى أن عبد الله كان رضاعه تبسّم لمـا جاءه سهـم حتفـه تخيّلـه مـاء ليـروي غليلـه ويرضع من ألبانها ثم يُفطَم دماه وغذّته عن الـدرّ أسهم وكل رضيـع للحلوبة يبسم ففاض عليه الغمـر لكنه دم
    السيد حسن ابن السيد عباس ابن السيد علي بن حسين بن درويش بن أحمد ابن قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد بن نصر الله بن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف بن علي ابن محمد بن جعفر ( الذي يقال له الطويل وبه عرف بنوه ببني الطويل ) ابن علي بن الحسين شيتي ويُكنى بأبي عبد بن محمد الحائري ( وقبره في واسط وهو المعروف بالعكار ابن الإمام محمد الباقر إبن الإمام زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن علي بن أبي طالب (ع).


(323)
    نظم والده السيد عباس المتوفى سنة 1331 ه‍. هذا النسب في ارجوزة له وهي مذكورة في ترجمته. ولد المترجم له سنة 1298 ه‍. ونشأ في ظل والده حيث وجهه للخطابة والخدمة الروحية من طريق المنبر الحسيني ، وكان كريم الطلعة بهي المنظر تنمّ عليه السيادة وتزدهيه الشمائل العلوية قد أوتي بسطة في العلم والجسم واسع الاطلاع ملماً بالتاريخ العربي والإسلامي بل والتاريخ الاممي وعقيدتي انه بزّ اقرانه فكان منبره من أغزر المنابر مادةً ، استمعتُ اليه اكثر من مرة فرأيته متثبتاً كل التثبّت فيما يقول وكلامه كاللؤلؤ المنظوم فإنه يذكر الآية الشريفة ثم يأتي بما يناسبها من الأحاديث النبوية والأقوال الحكمية والشواهد الشعرية ، وكان يحفظ الكثير من شعر العرب اما ديوان المهيار الديلمي فيكاد ان يستظهره حفظاً وقال لي مرة ان هذا الديوان الذي طبعته دار الكتب بمصر وزعمت انها شرحته وحققته ودققته فإني سجّلت أغلاطها والمؤاخذات عليها ولعله في كل صفحة من الصفحات عشر مؤاخذات ، واستمعتُ اليه يتكلم منبرياً في موضوع الإمامة وإذا ممن اشبع الموضوع بحثاً ، وصادف مرة أن قصد زيارة الإمامين العسكريين بسامراء وكان هناك المرجع الديني الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني وأكثر الحوزة العلمية بخدمته ، فجاء خطيبنا للسلام عليه فطلب منه التحدث منبرياً فاستجاب وتحدث أكثر من ساعة بما لذّ وطاب عن الآل الأطياب وسلالة داحي الباب وشنف الأسماع والألباب وهكذا استمر كل يوم صباحاً يحضر ويرقى المنبر حتى أكمل شهراً كاملاً كله حول أهل بيت الرحمة السادة الأئمة وفي كل يوم يزداد السيد ابو الحسن اعجاباً به أكثر من سابقه.
    مؤلفاته :
    1 ـ الدر المنظوم في الحسين المظلوم وهو مقتل الحسين وما يدور حول فاجعة الطف والشعر الذي قيل فيها ب‍ 1500 صفحة رويتُ عنه في الجزء السابق من هذه الموسوعة ، فرغ من تأليفه 15 جمادى الأولى سنة 1339 ه‍.


(324)
    2 ـ المطالب النفيسة. اخبرني هو عنها وقال تجمع تراجم عظماء الإسلام.
    3 ـ سفينة النجاة في الأئمة الهداة ، ابتدأ بجمعه في 15 شهر رمضان 1325 ه‍. وانتهى منه في 5 ذي القعدة سنة 1334 ه‍.
    4 ـ الدر النضيد في رثاء الشهيد يشتمل على مجموعة كبيرة من القصائد في الإمام الحسين (ع).
    5 ـ كنانة العلم اشبه بالكشكول يضم النوادر الأدبية والتاريخية بدأ به بتاريخ 11 صفر 1346 ه‍. وانتهى منه 26 رمضان سنة 1351 ه‍.
    6 ـ مجموع كبير يجمع الشعر والنثر وفيه ( انجيل برنابا ) المطبوع والممنوع قد كتبه بخطه بالرغم من ان ايطاليا قد جمعت هذا الانجيل ومنعت نشره.
    وله مخطوطات تقارب 12 مخطوط كلها علم وادب وشعر ونثر محفوظة عند ولده السيد شمس الدين الخطيب.
    توفي ببغداد يوم الجمعة 19 صفر سنة 1367 ه‍. على أثر انفجار في الدماغ وكان موته في مستشفى المجيدية ونقل إلى كربلاء وذلك ليلة زيارة الأربعين وكانت هناك مواكب الزائرين من جميع العراق فاشتركت جميع المواكب بتشييعه وشيّعه ما لا يقل عن ربع مليون نسمة ، وقد أظهر البصريون في تلك الليلة حبهم وولاءهم له فكانوا في طليعة المشيعين لانه كان خطيبهم في محرم الحرام لمدة 36 عاماً ثم نقل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن عند رأس الإمام أمير المؤمنين (ع) تحت الساباط من جهة يمين الداخل إلى المسجد هناك بقرب قبر الشاعر السيد حيدر الحلي رحمهما الله. كتب عنه البحاثة السيد الشريف المعاصر السيد جودت القزويني وجمع أكثر شعره ونثره قال : وله في وصف ( نهج البلاغة ) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
نهجٌ له كل الأنام قد غدت فلم نجـد أفصح منه منطقاً فذا كـلام قاله المولى العلي خرساً وأهدى للطـريق الأعـدل سوى لئالى المصحف الغض الجلي وذا كـلام قالـه المـولى علـي


(325)
    ومن رثائه للإمام الحسين عليه السلام :
تبسم باللوى ثغـر الأقـاح وقد نسج الربيع لـه رداءً قد اعتنق البشام به الخزامى ومنه الأرض ضاحكة النواحي تفوّق وشيـه أيـدي الريـاح معـانـقـة المتيـم للمـلاح
    إلى أن يقول :
لعمرو أبيك ما جزعي لركب ولكن للاولى جزروا عطاشا بيـوم ليـس استأ منـه يوم لقد صبروا بذاك اليوم صبراً تأسوا فـي أبيّ الضيم مَن قد ولما أن دنـا المقـدار منهم وعـاد ابن النبي هناك فرداً جـلا ليل القتـام بحـرّ وجه ومـذ نـور الإله لـه تجلّـى بوادي الطـف آنس نار قدس وبـات معانقاً سمـر العـوالي أغذّ على ذرى النيب الطـلاح بعرصة كربلا جزر الاضاحي علا فيه الفساد على الصـلاح بـه ظفـروا بجامحة النجـاح أقـام الدين حيّ على الفـلاح هووا ما بين مشتبـك الرمـاح يعالجهـا ابـن معتلج البطـاح كأن جـبينـه فلـق الصبـاح ونـاداه فـلـبـّى بـالـرواح فخـرّ مكلّمـاً دامـي الجـراح وبيـض الهنـد فـي ليل الكفاح
    وقال مذيلاً أبيات ابنة حجر بن عدي الكندي في رثاء أبيها والتي رواها المسعودي :
تُرفّـع ايهـا القمـر المنيـر يسير إلى معاوية بـن حرب ترفّعت الجبابر بعـد حجـر وأصبحـت البلاد لـه محلاً ألا يا حجر حجـر بني عديٍّ فان تهلك فكل زعيـم قـوم ألا يـا ليت حجراً مات موتاً لعلك أن ترى حجراً يسيـر ليقتله كمـا زعـم الأمـير وطاب لها الخورنق والسدير كأن لم يغنها مـزنٌ مطيـر تلقتك السلامـة والسـرور عـن الدنيا إلى هلك يصـير ولم يُنحر كما نحـر البعيـر


(326)
    فقال :
وذبح السبط شابه ذبح حجـر ولكن اين حجرٌ مـن حسيـن وهل سلبوا إلى حجر نسـاءً وهل ذبحوا له طفلاً صغيـراً وهل تركوه في الرمضا ثلاثاً وهـل حملوا له رأساً قطيعـاً وهل قادوا لـه مضنى عليـلاً وهـل نكثوا لـه بالعود ثغـراً وكـلٌ ذبـحـه إثـمٌ كبيـر وهل رضت لمن معه صدور وهـل هتكت لنسوته خـدور ألا بأبي وبـي الطفل الصغير تريب الجسم يصهره الهجيـر كـأن جبينـه القمـر المنيـر على الأقتاب فـي غلٍّ يسيـر وهل سكبت بجانبه الخمـور
    حجر بن عدي الكندي رحمة الله عليه من فضلاء الصحابة ويُعدّ من الأبدال وكان صاحب راية رسول الله (ص) وهو رئيس زاهد محب وإخلاصه لأمير المؤمنين أكثر مما يذكر ، وله مواقف مشرفة في مغازي المسلمين وقائد مظفر في الفتح الإسلامي ومن أكبر قواد المسلمين يوم حرب المسلمين مع الروم وهو الذي فتح مرج عذراء (1) جعله أمير المؤمنين علي (ع) يوم صفين على كندة وفي يوم النهروان على ميسرة الأجمع. وقد قُتل حجر وأصحابه بمرج عذراء صبراً بأمر من معاوية بن أبي سفيان حيث لم يتبرأوا من علي بن أبي طالب عليه السلام ودفنوا هناك. وقد أوثر عنه في ساعة شهادته قوله : أما والله لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين سلك في واديها ، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها.
1 ـ عذراء بفتح المهملة وسكون المعجة. قرية بغوطة الشام.

(327)
الشيخ محمد حسن دِكسن
المتوفى 1368

حتـامَ يـا دنيـا التصبـر للكـرب كأنك مـن أعدى العـدى لابن حـرة طبعت علـى البلوى إلـى أن ألفتهـا تجـرعـتُ للدنيـا مـرارة كأسهـا فقابلتُ فـي صبري جهـات ثلاثـة ففـرقـة أوطـان وفـقـد أحـبـة فطرتُ على الضراء ما ريع لي حشى فلله يـوم طبـق الـدهـر شجـوه فذلك يـوم قـام فيـه ابـن أحمـد أبـوه عـلـي لا يـقـاس بغـيـره فلـولاه قـضاء الله يمسكـه قضـى فلـم تـره إلا علـى ظهـر سابـح إلى أن اتاه السهم مـن كـف كافـر فكـوّر نـور الشمـس حزناً لفقـده وانت على البغضا أقمت على حربي فكيف تواخيني وما أنت من صحبي وقلـت لصحبـي لا يهولنكم كربـي إلى أن حلى عندي ولذّ بـه شربـي رغبن باتلافي تشاركن فـي سلبـي وجور زمان حار منـه ذوو اللـب ولكن يـوم الطف روّع لـي قلبـي وأجرى دماً فيه لـه أعين السحـب خطيباً بدرع الصبر واللدن القضـب بحرب وهذا الندب من ذلك النـدب بحرب علـى كوفانها وبني حـرب يشق غبار الحرب في صدره الرحب فخرّ به مـن صهوة المهر للتـرب وأعولت الأملاك ندباً علـى نـدب


(328)
وقل ليتامى المسلمين ألا اعولي ويا زعماء الديـن لا تتفيئـوا عطوفاً عليـك حلؤه عـن الشرب ظِلالاً وفي الشمس الحسين بلا ثوب
    الخطيب الأديب الورع التقي الشيخ محمد حسن بن عيسى بن مال الله بن طاهر بن أحمد بن محسن بن حبيب بن ياسين الأسدي البصري نال شهرة واسعة في الخطابة. ولد في النجف سنة 1296 ه‍. ونشأ بها على أبيه ودرس المقدمات وأخذ الخطابة عن الشيخ علي المعروف ب‍ ( ابن عياش ) فكان من ألمع أقرانه وتوالى عليه الطلب من البصرة والمحمرة للخطابة هناك وإحياء مآتم سيد الشهداء وعلى منبره مسحة من قبول فلا يكاد يخطب ويتخلص للمصيبة حتى تجري دمعته ، وألّف مجالس العلماء هناك كالسيد ناصر ابن السيد عبد الصمد البحراني ومن بعده السيد عدنان الغريفي ولمع نجم الشيخ دكسن وطلبه أمير المحمرة وحاكمها المرحوم الشيخ خزعل الكعبي فكانت له المنزلة السامية عنده وفي أيام التحصيل يكون النجف الأشرف مقره مهاجراً اليها بعياله وينكب على الدراسة إلى جنب الخطابة وكنت استمع اليه يقرأ القصائد الطوال في رثاء الحسين عليه السلام واكثر ما يقرأ من المراثي للحاج هاشم الكعبي فكان يحتفظ بديوانه المخطوط الذي يحتوي على المراثي والغزل والمديح والتهاني ، أما أساتذته في الدراسة فهم كما يلي :
    1 ـ العلامة السيد مهدي البحراني في النحو والمنطق.
    2 ـ العلامة السيد محمد علي الصائغ في الفقه.
    3 ـ العلامة الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء معالم الاصول.
    4 ـ العلامة الشيخ نعمة الله الدامغاني الأسفار والحكمة.
    مضافاً إلى انضمامه في حوزة المجتهد الكبير الشيخ علي الشيخ باقر الجواهري. وله آثار مخطوطة منه : شرح الصحيفة السجادية ، مخطوط جمع فيه النوادر والأدب والعلم والذي طبع له ( الروضة الدكسنية ) وهو ديوانه


(329)
باللغة الدارجة وكله في مراثي أهل البيت من أرقّ الشعر وأعذبه نستشهد به في مجالسنا الحسينية فيهزّ العواطف ويثير الدمعة ، وله ديوان باللغة للفصحى ومنه قوله في النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم :
عـج بالنياق ليثـرب يا حـادي وأذرى الدموع وخلّني ولواعـج ما لي أرى الدار التي قد أشرقت فأجاب بالدمـع الهطول لحـادث فاليك عني لا تسل عمـا جـرى وأمضّ ما لاقى الحمى يومٌ بـه ما مـرّ يوم مثـل يـوم محمـد يـوم بـه جبريل أعلـن قائـلاً ويح الزمان ويا له مـن غـادر وأمض شيء في الحشي صدع الحشا ابتاه مـن لي بعـد فقدك سلـوة كيف اصطباري أن أراك مفارقي لله صبـر المـرتضى ممـا رأى لـم أدري أي رزيـة أبكي لهـا الله أكبـر يـا لهـا مـن فجعـة وبـقبـره قـد أُلحـدت أكبادنـا نبك الاولى من أهل ذاك النادي وحشاشتـي وزفيرهـا الوقـاد بالبشـر دهـراً جلببت بسـواد أهل الحمـى و بنفثـة الأكبـاد فالأمر صعب والخطوب عوادي طرقته طارقة النـوى بالهـادي أشجى الأنام اسى إلـى الميعـاد الله أكبر أكبر و الدموع بـوادي أبكى الأمين وفـتّ بالأعضـاد صوت البتولة من حشي وقاد فلأبكينـك يقظتـي و رقـادي فالعين عبرى والأسى بفـؤادي فقـد النبـي وفرحـة الحسـاد ألغصب حقـي أم لفقد الهـادي قامـت نوادبهـا بسبـع شـداد وتراجعت ثكلـى بـلا أكبـاد
    توفاه الله يوم الأحد في قرية الدعيجي من لواء البصرة سنة 1368 ه‍. ونقل جثمانه إلى النجف وارخ وفاته الخطيب الشيخ علي البازي بقوله :
ومنبر السبط بكى تاريخه لما توفي الخطيب الحسن
    وسبب تلقيبه با ( الدكسن ) يقول هو رحمه الله عندما سئل عن ذلك قال : لما كنتُ قصير القامة جهوري الصوت شبهني الناس بالبندقية المعروفة ب‍ ( الدكسن ) لامتيازها بالقصر وقوة الصوت.


(330)
    قال يصف شهداء الطف :
وردوا علـى الهيجـا ورود الهيـم وتنازعوا كـأس المنيـة بينهــم يتسابقون إلـى الهجـوم وكأنهـم وكأنهـم والحرب تـزفـر نارهـا و كأنما بيض الظبـا بيض الدمـى تروي حديث الموت عـن عزماتهم مـن كل أصيـد قـد نماه أصيـد يستعجلـون البـذل قـبـل أوانـه نثروا كما نظمـوا الجماجم والطلى وجـدوا الحياة مـع الهـوان ذميمة وتقـدمـوا للمـوت قبـل إمامهـم ورأوا عظيم الخطب غيـر عظيم فـي غيـر مـا لغـوٍ ولا تأثيـم خلقـوا ليـوم تسابـق وهجـوم مـن انسهـم فـي جنـة ونعيـم لاقتهـم بـرحيقـهـا المـختـوم بيض الصفاح على القضا المحتوم وكـريـم قـوم ينتمـي لكـريـم ويسـارعـون لدعـوة المظلـوم فتشـابـه المـنثـور بـالمنظـوم والموت فـي العليـاء غيـر ذميـم ولقـد يجـوز تـقـدّم المـأمـوم
    السيد حسن بن محمود بن علي بن محمد الأمين بن أبي الحسن موسى بن حيدر بن إبراهيم بن أحمد الحسيني الشقرائي العاملي المعروف ب‍ ( قشاقش ) والشهير بالأمين وينتهي نسبه إلى الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد بن علي بن
ادب الطف الجزء التاسع ::: فهرس