الغدير ـ الجزء العاشر ::: 71 ـ 80
(71)
فقال : أجل والله إني لمنهم ، قال : فاستمع مني ثم اردد علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بايع الناس تحت الشجرة كان بعث عثمان في سرية وكان في حاجة الله وحاجة رسوله و حاجة المؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إن يميني يدي وشمالي يد عثمان ، فضرب شماله على يمينه وقال : هذه يد عثمان وإني قد بايعت له ، ثم كان من شأن عثمان في البيعة الثانية : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عثمان إلى علي فكان أمير اليمن فصنع به مثل ذلك.
    إلى آخر الرواية وهي طويلة أخرجها المحب الطبري في الرياض النضرة 2 : 94 وقد حذف إسنادها تحفظا عليها ، وفي متنها شواهد تدل على وضعها وانها مكذوبة مختلقة وهي تغنينا عن عرفان رجال السند.
    وأخرج الحاكم في المستدرك 3 : 98 من طريق حبيب بن أبي مليكة ، قال : جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال : أشهد عثمان بيعة الرضوان ؟ قال : لا.
    قال : فشهد بدرا ؟ قال : لا.
    قال : فكان ممن استزله الشيطان قال : نعم.
    فقام الرجل ، فقال له بعض القوم : إن هذا يزعم الآن إنك وقعت في عثمان.
    قال : كذلك يقول ؟ قال : ردوا علي الرجل ، فقال : عقلت ما قلت لك ؟ قال : نعم سألتك هل شهد عثمان بيعة الرضوان ؟ قلت : لا.
    وسألتك هل شهد بدرا ؟ فقلت : لا.
    وسألتك هل كان ممن استزله الشيطان ؟ فقلت : نعم.
    فقال : أما بيعة الرضوان فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قام فقال : إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله.
    فضرب له بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره ، وأما الذين تولوا يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفى الله عنهم إن الله غفور حليم.
    ألا تعجب من هذه الأعذار المفتعلة الباردة وقد خفيت على الصحابة الحضور يوم بدر البالغ جمعهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا (1) وعلى الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر (2) لم يك يعلم بها إلا رجلين أحدهما ابن عمر الذي كان
1 ـ صحيح البخاري 6 : 74 في المغازي ، تاريخ الطبري 2 : 272 ، سيرة ابن هشام 2 : 354.
2 ـ صحيح البخاري 7 : 223 في تفسير سورة الفتح ، تفسير القرطبي 16 : 276.


(72)
يوم بدر واحد صبيا لم يبلغ الحلم وقد استصغره رسول الله في اليومين وكان له يوم بيعة الرضوان ست عشر سنة (1) وثانيهما نفس عثمان الغائب عن هاتيك المواقف ، فالرواية مدبرة بين اثنين بين صبي وغايب يوم حوصر عثمان وتبعهما في بعضها أنس فحسب ، ومن الغريب جدا أن عبد الرحمن بن عوف أخا عثمان (2) وصاحبه الذي أقعده دست الخلافة ، وكان حاضرا في بدر واحد لم يكن قرع سمعه شيء من تلكم الأعذار إلى يوم حوصر عثمان ، ولو كانت بمقربة من الصحة لكانت الألسن تتداولها ، والأندية لا تخلو عن ذكرها ، فجاء عبد الرحمن ينتقد الرجل بعدم حضوره في الغزوتين وتركه سنة عمر فبلغ ذلك عثمان فتخلص عنه بما خلق له ابن عمر أو اختلق هو ، أخرج أحمد في مسنده 1 : 68 من طريق شقيق قال : لقي عبد الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد : مالي أراك قد جفوت أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ؟ فقال له عبد الرحمن : أبلغه : إني لم أفر يوم عينين ـ قال عاصم : يقول : يوم أحد ـ ولم أتخلف يوم بدر ، ولم أترك سنة عمر رضي الله عنه قال : فانطلق فخبر ذلك عثمان رضي الله عنه فقال : أما قوله : إني لم أفر يوم عينين فكيف بذنب ؟ وقد عفا الله عنه ، فقال : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ، وأما قوله : إني تخلفت يوم بدر ، فإني كنت أمرض رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ماتت و قد ضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمي ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه فقد شهد.
    وأما قوله : إني لم أترك سنة عمر رضي الله عنه ، فإني لا أطيقها ولا هو ، فأته و حدثه بذلك.
    دع ابن عمر يصور لبعث عثمان إلى مكة صورة مكبرة من أنه لم يبعثه إلا لأنه أعز من في بطن مكة (3) فإن الواقف على القصة جد عليم بأن تلك البعثة ما كانت لها صلة بالعزة والذلة فإنها كانت إلى أبي سفيان يريد بها التخفيف من وطئته في استهواء قريش واستهدائه على استثارتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وكان طبع الحال يستدعي
1 ـ راجع صفحة 4 من هذا الجزء.
2 ـ آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما يوم المؤاخاة الأولى :
3 ـ كما مر في ص 70.


(73)
أن يبعث إليه رجلا من حامته يأمن من بطشه ويؤمل تنازله له لما بينهما من واشجة الرحم والقرابة ، ولذلك انتخب لها عثمان ، إن لم يقل القائل : إنه صلى الله عليه وآله إنما بعثه ليغيب عن بيعة الرضوان وفضلها حتى لا يقال غدا : إن عدول الصحابة قد أجمعت على قتل رجل من أهل بيعة الرضوان.
    هاهنا ننهي البحث عن حديث المفاضلة ـ الذي جاء به ابن عمر وصححه البخاري ـ وإنه باطل لا يعتمد عليه ، يخالف الكتاب والسنة والعقل والقياس والاجماع والمنطق ونرجع إلى بقية ما جاء في المناقب : 5 ـ عن أنس : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان على حراء وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أثبت حراء فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان.
    قال الأميني : أخرجه الخطيب في تاريخه 5 : 365 من طريق محمد بن يونس الكديمي ذلك الكذاب الوضاع الذي وضع على رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر من ألف حديث كما مر في الجزء الخامس في سلسلة الكذابين ص 230 ، وفي هذا الجزء فيما يأتي. عن قريش بن أنس الأموي البصري.
    قال ابن حبان : اختلط فظهر في حديثه مناكير فلم يجز الاحتجاج بأفراده.
    وقال البخاري : إختلط ست سنين (1) عن سعيد بن أبي عروبة البصري قال ابن سعد : اختلط في آخر عمره.
    وقال ابن حبان بقي في اختلاطه خمس سنين ، ولا يحتج إلا بما روى القدماء مثل يزيد بن زريع وابن المبارك.
    وقال الذهلي : عاش بعد ما خولط تسع سنين.
    وقال غيرهم : اختلط سنين لم يجز الاحتجاج بحديثه فيما انفرد (2).
    هذا ما في إسناد هذه الأكذوبة من العلل غير أن الخطيب مر بها كريما ، لا تسمع منه حولها ركزا ، ولم ينبس فيها ببنت شفة ، عادته في فضائل من أعماه حبه وأصمه.
    6 ـ أخرج الدارقطني في سننه عن إسماعيل بن العباس الوراق عن عباد بن الوليد أبي بدر عن الوليد بن الفضل عن عبد الجبار بن الحجاج الخراساني عن مكرم بن حكيم عن سيف بن منير عن أبي الدرداء قال : أربع سمعتهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1 ـ تهذيب التهذيب 8 : 375.
2 ـ تهذيب التهذيب 4 : 63 ـ 66.


(74)
لا تكفروا أحدا من أهل قبلتي بذنب وإن عملوا الكبائر ، وصلوا خلف كل إمام ، وجاهدوا أو قال : قاتلوا ، ولا تقولوا في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إلا خيرا قولوا : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت (1).
    رجال الاسناد : 1 ـ الوليد بن الفضل المقبري.
    قال ابن حبان : يروي الموضوعات لا يجوز الاحتجاج به بحال ، وقال الذهبي : هو الذي حديثه في جزء ابن عرفة عن إسماعيل بن عبيد الله : إن عمر حسنة من حسنات أبي بكر رضي الله عنه.
    وإسماعيل هالك ، والخبر باطل ، وفي سنن الدارقطني : حدثنا إسماعيل بن العباس الوراق ثنا عباد بن الوليد أبو بدر ( وذكر الحديث بالإسناد المذكور ) فقال : قال الدارقطني : من بعد عباد ضعفاء ( يعني الوليد وعبد الجبار ومكرم وسيف ).
    وقال ابن حجر : لفظ الدارقطني بين عباد وأبي الدرداء ضعفاء ، فدخل فيهم عبد الجبار كما دخل في قول العقيلي : إسناد مجهول ، ووقع هنا سيف بن منير وفي الرواية الأخرى : منير بن سيف ، فلعله انقلب.
    وقال ابن أبي حاتم عن أبيه مجهول ، وقال الحاكم وأبو نعيم وأبو سعيد النقاش : روى عن الكوفيين الموضوعات.
    ( ميزان الاعتدال 3 : 273 ، لسان الميزان 6 : 225 ) 2 ـ عبد الجبار بن الحجاج الخراساني ، ذكره ابن حجر في لسان الميزان 3 : 387 وذكر شطرا من الحديث بالإسناد وقال : هذا غير محفوظ ، وليس في هذا المتن إسناد ثبت ، وضعفه الدارقطني فإنه ساق في السنن الحديث المذكور من الطريق المذكور لكنه من رواية عباد بن الوليد الغبري (2) ، عن الوليد بن الفضل وقال : من بعد عباد ضعيف فدخل عبد الجبار فيهم كما دخل ابن منير. [ لسان الميزان 3 : 388 ].
    3 ـ مكرم بن حكيم الخثعمي : قال الذهبي في الميزان : روى خبرا باطلا ( يعني هذا الحديث ) وقال : قال الأزدي : ليس حديثه بشيء.
1 ـ ميزان الاعتدال 3 : 273 و ج 6 : 226.
2 ـ بضم المعجمة وفتح الموحدة المخففة.


(75)
    وقال ابن حجر : وزاد ( يعني الأزدي ) إنه مجهول ، والحديث مذكور في ترجمة الوليد بن الفضل ، وقد ضعفه الدارقطني أيضا. [ الميزان 3 : 198 ، لسان الميزان 6 : 85 ].
    4 ـ سيف بن منير : قال الذهبي : يجهل وضعفه الدارقطني لكونه أتى بأمر معضل عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعا : لا تكفروا أهل ملتي وإن عملوا الكبائر.
    لكنه من رواية مكرم بن حكيم أحد الضعفاء عنه.
    وقال ابن حجر : وذكره الأزدي فقال : ضعيف مجهول يكتب حديثه ، وإسناد حديثه ليس بالقايم.
    وقال صاحب الحافل : رواه عنه مكرم بن حكيم وليس بشيء ، والحديث في سنن الدارقطني.
    ميزان الاعتدال 1 : 439 : لسان الميزان 3 : 133.
    7 ـ عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما من نبي إلا وله نظير في أمتي فأبو بكر نظير إبراهيم ، وعمر نظير موسى ، وعثمان نظير هارون ، وعلي بن أبي طالب نظيري.
    قال الأميني : أخرجه ابن الأعرابي عن محمد بن زكريا الغلابي البصري عن أحمد ابن غسان الهجيمي عن أحمد بن عطاء أبي عمر. والهجيمي عن عبد الحكم عن أنس. قال الذهبي في الميزان 1 : 56 : أخاف أن يكون الغلابي كذبه ، وقال في 3 : 58 : هو ضعيف. وقال ابن مندة : تكلم فيه. وقال الدارقطني : يضع الحديث.
    وذكر الحاكم في تاريخه حديثا من طريق محمد بن زكريا الغلابي فقال : رواته ثقات إلا محمد بن زكريا وهو الغلابي فهو آفته.
    وفي الاسناد أحمد بن عطاء ، قال الدارقطني : متروك.
    وقال الأزدي : كان داعية إلى القدر متعبدا مغفلا يحدث بما لم يسمع ، وقال زكريا الساجي قبله مثله ، وقال ابن المديني : أتيته يوما فجلست إليه فرأيت معه درجا يحدث به فلما تفرقوا عنه قلت له : هذا سمعته ؟ قال : لا ، ولكنه اشتريته وفيه أحاديث حسان أحدث بها هؤلاء ليعملوا بها وأرغبهم وأقربهم إلى الله ، ليس فيه حكم ولا تبديل سنة ، قلت له : أما تخاف الله تقرب العباد إلى الله بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟.
    ميزان الاعتدال 1 : 56 ، ج 3 : 58 ، لسان الميزان 1 : 221 ، و ج 5 : 168.


(76)
    8 ـ ذكر المحب الطبري في الرياض النضرة 1 : 30 عن محمد بن إدريس الشافعي قال : بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : كنت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أنوارا على يمين العرش قبل أن يخلق آدم بألف عام ، فلما خلق أسكنا ظهره ، ولم نزل ننتقل في الأصلاب الطاهرة إلى أن نقلني الله صلب عبد الله ، ونقل أبا بكر إلى صلب أبي قحافة ، ونقل عمر إلى صلب الخطاب ، ونقل عثمان إلى صلب عفان ، ونقل عليا إلى صلب أبي طالب ثم اختارهم لي أصحابا فجعل أبا بكر صديقا ، وعمر فاروقا ، وعثمان ذا النورين ، وعليا وصيا ، فمن سب أصحابي فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله ، ومن سب الله أكبه في النار على منخره ، أخرجه الملا في سيرته.
    قال الأميني : نحن في إبطال هذا الحديث في غنى عن النظرة إلى إسناده المحذوف لكنا مهما ذهلنا عن شيء فلا يفوتنا العلم بأن الأصلاب الأموية غير طاهرة وإنما هي الشجرة الملعونة في القرآن راجع الجزء الثامن ص 254 ، 255 ط 1.
إن الخيار من البرية هاشم وبنو أمية عدوهم من خروع أما الـدعاة إلى الجنان فهاشم وبهاشم زكـت البلاد وأعشبت وبنو أمية أرذل الأشرار ولها شم في المجد عود نضار وبنو أمية من دعاة النار وبنو أمية كالسراب الجاري
    ذكرها الزمخشري في ربيع الأبرار باب 66 لأبي عطاء أفلح السندي.
    وتجد في غضون أجزاء كتابنا هذا نبذا وافية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وبقية الصحابة مما فيه غنى وكفاية في سقوط الأمويين عن مستوى الاعتبار والنزاهة في الجاهلية والاسلام ، على ما يؤثر عنهم في العهدين من المخازي والمخاريق المؤكدة لذلك كله ، فنحن نحاشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يصف تلكم الأصلاب بالطهارة في عداد الأصلاب الطاهرة التي تنقل فيها الرسول الأطهر ووصيه المطهر أمير المؤمنين علي عليهما وآلهما السلام.
    وهي الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين.
    على أنا لم نجد في أبي قحافة والخطاب وأسلافهما ما يمكن أن يعد من المآثر البشرية فضلا عن المآثر الدينية التي نقطع بعدم تحليهما بها فقد أسلفنا الكلام حول


(77)
إسلام أبي قحافة في الجزء السابع ص 312 ـ 321 ط 1 وأما الخطاب فمن المقطوع به أنه لم يسلم وقد ثبت عن عمر قوله لعباس عم النبي صلى الله عليه وآله يوم أسلم : يا عباس ! فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم (1).
    وأما عفان فسل عنه الكلبي والبلاذري فإن لهما في ( المثالب ) و ( الأنساب ) جمل تعرب عن مجمل حقيقة الرجل دون تفصيلها.
    وإنا أسلفنا القول حول الألقاب في ج 2 : 312 ـ 314 و ج 3 : 187 ط 2 : وإن الصديق والفاروق من الألقاب الثابتة الخاصة بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وإنما تداولتهما الناس للرجلين وعند ذلك وضعوا مثل هذه المفتعلات.
    ونحن لا نسترسل في بيان حكم سب الصحابة لكنا لو أخذنا بإطلاق هذه الرواية وقلنا : أن المخاطبين منهم كانوا مكلفين بمفادها لأشكل الأمر في أكثر الصحابة الذين اطرد بينهم السباب المقذع ، والوقيعة الفاضحة ، والعداء المحتدم حتى أنه كان قد يؤل الأمر من جراء ذلك إلى المقاتلة ، فهل هؤلاء كلهم يكبون في النار على مناخرهم ؟ أنا لا أدري.
    9 ـ قال المحب الطبري في الرياض النضرة 1 : 24 : عن ابن يخامر السكسكي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم صل على أبي بكر فإنه يحبك ويحب رسولك ، اللهم صل على عمر فإنه يحبك ويحب رسولك ، اللهم صل على عثمان فإنه يحبك ويحب رسولك ، اللهم صل على أبي عبيدة بن الجراح فإنه يحبك ويحب رسولك ، اللهم صل على عمرو بن العاص فإنه يحبك ويحب رسولك. أخرجه الخلعي.
    قال الأميني : ليت المحب الطبري أوقفنا على إسناد هذا الحديث المبتور حتى نعرف عدد من فيه من الوضاعين ، وليته بعد أن موه الأمر في ذلك عرفنا ابن يخامر السكسكي من هو أمن الصحابة ؟ أم من التابعين ؟ أم ممن بعدهم من طبقات الرجال ؟ وهل سمع هو من رسول الله صلى الله عليه وآله أو أنه موه ودلس ؟ أو أنه بشر لم يخلق بعد ؟ وإن تعجب فعجب أنه حذف بين الأسماء من يقطع بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كمولانا أمير المؤمنين عليه السلام الذي استفاض النقل الصحيح بذلك عن
1 ـ سيرة ابن هشام 4 : 21 ، عيون الأثر 2 : 169 ، الشفاء للقاضي 2 ص 18.

(78)
النبي الأعظم صلى الله عليه وآله راجع ج 3 ص 21 ـ 23 ط 2 وتقدم في الجزء السابع 199 ط 1 وفي صفحات هذا الجزء أحاديث جمة تدل على أنه أحب الناس إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وآله ، ومن المعلوم إذن أن هذه المرتبة من الحب متبادل بينه سلام الله عليه وبينهما ويدل على هذا التبادل بنحو الإطلاق قوله تعالى : إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.
    وكان في الصحابة أناس آخرون يتهالكون في المحبة لله ولرسوله لا يفوقهم من ذكر وإن كنا نعتقد أنهم دون أولئك المنسيين بمنازل كثيرة كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار والعباس عم النبي صلى الله عليه وآله إلى كثيرين من نظرائهم.
    لكن نوبة الحب وصلت إلى الأبتر ابن الشائن الأبتر ، إلى ابن النابغة ، إلى ابن الأمة السوداء المجنونة الحمقاء التي كانت تبول من قيام ، ويعلوها اللئام ، ركبها في يوم واحد أربعون رجلا ، إلى ابن العاصي ، إلى ابن الجزار ، إلى ابن دعي ستة ، إلى المدافع عن نفسه في معترك القتال بإسته ، إلى من رأى فحل زوجته على فراشه فلم يغر ولم ينكر ، إلى الوغد اللئيم ، إلى النكد الذميم ، إلى الوضيع الزنيم (1) إلى مناوئي الحق ونصير الباطل ، إلى إلى..
    نعم : وصلت نوبة الحب إليه ولم تصل إلى من ذكرناهم من رجال الدين وأفذاذ الاسلام وأعاظم الأمة وصلحاء الصحابة.
إن دام هذا ولم يحدث به غير لم يبك ميت ولم يفرح بمولود
    نعم : راق ذلك السكسكي أو من قبله من الوضاعين ولم يرقهم غيره.
    وكم في صفحات تاريخ عمرو بن العاصي وقرناءه الأربعة شواهد دالة على ما عزاهم إليه مختلق الرواية من حب الله وحب رسوله ، نكل الوقوف عليها إلى سعة باع الباحث.
    10 ـ أخرج ابن عدي عن أحمد بن محمد الضبيعي عن الحسين بن يوسف عن أبي هاشم أصرم بن حوشب عن قرة بن خالد البصري عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا : أنا الأول وأبو بكر الثاني ، وعمر الثالث ، والناس بعدنا على السبق الأول فالأول.
    قال الأميني : قال السيوطي في اللئالي 1 : 311 : موضوع آفته أصرم.
1 ـ تجد تفصيل هذه الجمل إلى أمثالها الكثيرة المعربة عن حقيقة ابن العاصي في الجزء الثاني 120 ـ 170 ط 2.

(79)
    وقال الذهبي : أصرم هالك ، قال يحيي : كذاب خبيث ، وقال البخاري ومسلم والنسائي : متروك الحديث ، وقال الدارقطني : منكر الحديث ، وقال السعدي : كتبت عنه بهمدان سنة اثنتين ومائتين وهو ضعيف ، وقال ابن حبان : كان يضع الحديث على الثقات ، وقال ابن المديني : كتبت عنه بهمدان وضربت على حديثه.
    وقال الفلاس : متروك يرى الإرجاء.
    وقال ابن حجر : أورد له العقيلي حديثا عن زياد بن سعد وقال : لا يتابع عليه و لا يعرف به ، وليس له أصل من جهة يثبت. وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : هو متروك الحديث. وتكلم فيه يحيي بن معين.
    وقال ابن المديني : لقيناه بهمدان ثم حدث بعدنا بعجائب وضعفه جدا ، وقال الحاكم والنقاش : يروي الموضوعات.
    وقال الخليلي : روى عن نهشل عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما مناكير ، وروى الأئمة عنه ثم رأوا ضعفه فتركوه.
    ميزان الاعتدال 1 : 126 ، لسان الميزان 1 : 461.
    على أن الضحاك لم يسمع من ابن عباس كما في تاريخ ابن عساكر 5 : 142 ، و كان شعبة لا يحدث عن الضحاك وينكر أن يكون لقي ابن عباس ، وقال : يحيي بن سعيد : الضحاك عندنا ضعيف.
    ( تاريخ ابن عساكر 5 : 160 ) 11 ـ أخرج ابن عساكر في تاريخه 6 : 405 عن ابن عباس مرفوعا : إن أحب أصهاري إلي ، وأعظمهم عندي منزلة ، وأقربهم من الله وسيلة ، وأنجح أهل الجنة أبو بكر.
    والثاني عمر يعطيه الله قصرا من لؤلؤة ألف فرسخ في ألف فرسخ قصورها ودورها ومجانبها وجهاتها وسررها وأكوابها وطيرها من هذه اللؤلؤة الواحدة ، وله الرضا بعد الرضا.
    والثالث عثمان بن عفان وله في الجنة ما لا أقدر على وصفه ، يعطيه الله ثواب عبادة الملائكة أولهم وآخرهم.
    والرابع علي بن أبي طالب ، بخ بخ من مثل علي ؟ وزيري عند [ ] (1) وأنيسي عند كربتي ، وخليفتي في أمتي ، وهو مني على دعاي ومن مثل أبي سفيان ؟ لم يزل الدين به مؤيدا قبل أن يسلم وبعد ما أسلم ، ومن مثل أبي سفيان إذا أقبلت من عند ذي العرش أريد الحساب فإذا أنا بأبي سفيان معه كأس
1 ـ بياض في الأصل.

(80)
من ياقوتة حمراء يقول : اشرب يا خليلي ، أعار بأبي سفيان ، وله الرضا بعد الرضا رحمه الله.
    قال الأميني : لقد أعرب عن بعض الحقيقة الحافظ ابن عساكر نفسه بقوله : هذا حديث منكر.
    أي منكر هذا يعد أبا سفيان ممن لم يزل الدين به مؤيدا قبل إسلامه وبعده ؟ فكأنه غير رأس المشركين يوم أحد ، وغير مجهز جيش الأحزاب والمجلب على رسول الله صلى الله عليه وآله والرافع عقيرته وهو يرتجز بقوله : اعل هبل ، اعل هبل.
    فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا تجيبونه ؟ قالوا : يا رسول الله ؟ ما نقول ؟ قال : قولوا : الله أعلى وأجل.
    فقال أبو سفيان إن لنا العزى لا عزى لكم ، فقال رسول الله ألا تجيبونه ؟ فقالوا : يا رسول الله ! ما نقول ؟ قال : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم (1) وكأنه ليس من أئمة الكفر الذين نزل فيهم قوله تعالى : فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون.
    سورة التوبة 12 (2) وكأنه غير من أريد بقوله عزوجل : إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله. سورة الأنفال : 36.
    أخرج نزوله فيه ابن مردويه من طريق ابن عباس ، وعبد بن حميد وابن جرير و أبو الشيخ من طريق مجاهد ، وهؤلاء وغيرهم من طريق سعيد بن جبير ، وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق الحكم بن عتيبة (3). وكأنه غير المعني هو وأصحابه بقوله تعالى : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين. سورة الأنفال (4).
    وكأنه غير من مشى مع جمع من رجال قريش إلى أبي طالب قائلين له : إن ابن
1 ـ سيرة ابن هشام 3 : 45 ، تاريخ ابن عساكر 6 : 396 ، عيون الأثر 2 : 18 ، تفسير القرطبي 4 : 234.
2 ـ تفسير الطبري 10 : 262 ، تاريخ ابن عساكر 6 : 393 ، تفسير ابن جزي 2 : 71 ، تفسير السيوطي ، تفسير الخازن 2 : 218 ، تفسير الآلوسي 10 : 59.
3 ـ تفسير الطبري 9 : 159 ، تاريخ ابن عساكر 6 : 393 ، الكشاف 2 : 13 ، تفسير الرازي 4 : 379 ، تفسير ابن جزي 2 : 65 ، تفسير ابن كثير 4 : 37 ، تفسير الخازن 2 : 192 ، تفسير الشوكاني 2 : 293 ، تفسير الآلوسي 9 : 204.
4 ـ تفسير النسفي هامش تفسير الخازن 2 : 193 ، تفسير الآلوسي 9 : 206.
الغدير ـ الجزء العاشر ::: فهرس