وقال صلى الله عليه وآله لعلي : كأن بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس ، وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء وإني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة أخوانا على سرر متقابلين ، أنت معي وشيعتك في الجنة. ( مجمع الزوائد 9 : 173 ).
وقال صلى الله عليه وآله لعلي : أنا أول أربعة يدخلون الجنة : أنا وأنت والحسن والحسين وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا ، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا. ( مجمع الزوائد 9 : 174 ).
وصح عنه صلى الله عليه وآله : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. متفق على صحته.
وجاء عنه صلى الله عليه وآله : الحسن والحسين جدهما في الجنة ، وأبوهما في الجنة ، و أمهما في الجنة ، وعمهما في الجنة ، وعمتهما في الجنة ، وخالاتهما في الجنة ، وهما في الجنة ، ومن أحبهما في الجنة ، أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط.
وصح عنه صلى الله عليه وآله : إن جعفر بن أبي طالب في الجنة له جناحان يطير بهما حيث شاء. مجمع الزوائد 9 ص 272.
وصح عنه صلى الله عليه وآله في عمرو بن ثابت الأصيرم : إنه لمن أهل الجنة. المجمع 9 : 363.
وروي عنه من قوله لعبد الله بن مسعود : أبشر بالجنة. أخرجه الطبراني في ـ الأوسط والكبير.
وقال صلى الله عليه وآله : أنا سابق العرب إلى الجنة ، وصهيب سابق الروم إلى الجنة ، وبلال سابق الحبشة إلى الجنة ، وسلمان سابق الفرس إلى الجنة. أخرجه الطبراني وحسنه الهيثمي.
وبشر صلى الله عليه وآله وسلم عمرو بن الجموح أنه يمشي برجليه صحيحة في الجنة وكانت رجله عرجاء.
أخرجه أحمد ورجاله ثقات.
وبشر صلى الله عليه وآله ثابت بن قيس بأنه يعيش حميدا ، ويقتل شهيدا ، ويدخله الله الجنة. المجمع 9 ص 322.
فما هذا المكاء والتصدية ، والتصعيد والتصويب حول رواية العشرة المبشرة وجعلها عنوان كل كرامة لأولئك الرجال واختصاصها بالعناية وإلحاقها بأسماء العشرة عند ذكرهم ، وقصر البشارة بالجنة على ذلك الرحط فحسب ، والصفح عما ثبت في غيرهم من ـ
(122)
الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ؟! فلماذا حصر التبشير بالعشرة ؟ وعد القول به من الاعتقاد اللازم كما ذكره أحمد إمام الحنابلة في كتاب له إلى مسدد بن مسرهد قال : وأن نشهد للعشرة أنهم في الجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن وأبو عبيدة فمن شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة شهدنا له بالجنة ، ولا تتأتى أن تقول : فلان في الجنة وفلان في النار إلا العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وآله بالجنة [ جلاء العينين 118 ] لماذا هذه كلها ؟ لعلك تدري لماذا ، ونحن لا يفوتنا عرفان ذلك.
ولنا حق النظر في الرواية من ناحيتي الاسناد والمتن.
أما الاسناد فإنه كما ترى ينتهي إلى عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد ولا يرويها غيرهما ، وطريق عبد الرحمن ينحصر بعبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف تارة وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أخرى ، وهذا إسناد باطل لا يتم نظرا إلى وفاة حميد بن عبد الرحمن فإنه لم يكن صحابيا وإنما هو تابعي لم يدرك عبد الرحمن بن عوف لأنه توفي سنة 105 (1) عن 73 عاما فهو وليد سنة 32 عام وفاة عبد الرحمن بن عوف أو بعده بسنة ، ولذلك يرى ابن حجر رواية حميد عن عمر وعثمان منقطعة قطعا (2) وعثمان قد توفي بعد عبد الرحمن بن عوف. فالاسناد هذا لا يصح.
فيبقى طريق الرواية قصرا على سعيد بن زيد الذي عد نفسه من العشرة المبشرة ، وقد رواها في الكوفة ؟ ؟ معاوية كما مر النص على ذلك في صدر الحديث ، ولم تسمع هي منه إلى ذلك الدور المفعم بالهنابث ولا رويت عنه قبل ذلك ، فهلا مسائل هذا الصحابي عن سر إرجاء روايته هذه إلى ؟ معاوية وعدم ذكره إياها في تلكم السنين المتطاولة عهد الخلفاء الراشدين وكانوا هم وبقية الصحابة في أشد الحاجة إلى مثل هذه الرواية لتدعيم الحجة وحقن الدماء وحفظ الحرمات في تلكم الأيام الخالية المظلمة بالشقاق والخلاف ، فكأنها أوحيت إلى سعيد بن زيد فحسب يوم تسنم معاوية عرش الملك العضوض.
1 ـ كما اختاره أحمد ، والفلاس ، والحربي ، وابن أبي عاصم ، وابن خياط ، وابن سفيان ، وابن معين.
2 ـ تهذيب التهذيب 3 : 46.
(123)
وفي ظني الأكبر أن سعيد بن زيد لما كان لا يتحمل من مناوئي علي أمير المؤمنين عليه السلام الوقيعة فيه والتحامل عليه ، ويجابه بذلك من كان ولاه معاوية على الكوفة ، وكان قد تقاعس عن بيعة يزيد عندما استخلفه أبوه ، وأجاب مروان في ذلك بكلمة قارصة (1) أخذته الخيفة على نفسه من بوادر معاوية فاتخذ باختلاقه هذه الرواية ترسا يقيه عن الاتهام بحب علي عليه السلام ، وكان المتهم بتلك النزعة يوم ذاك يعاقب بألوان العذاب ويسجن وينكل به ويقتل تقتيلا ، فأرضي خليفة الوقت بإتحاف الجنة لمخالفي علي عليه السلام والمتقاعسين عن بيعته والخارجين عليه ، وجعل رؤسائهم في صف واحد لا يشاركهم غيرهم كأن الجنة خلقت لهم فحسب ، ولم يذكر معهم أحدا من موالي علي وشيعته وفيهم من فيهم من سادات أهل الجنة كسلمان وأبي ذر وعمار والمقداد ، فنال بذلك رضى الخليفة وكان يعطى لكل باطل مزيف قناطير مقنطرة من الذهب والفضة.
ولولا الصارم المسلول في البين وكان هو الحاكم الفصل يوم ذاك لما كان يخفى على أي سعيد وشقي أن متن الرواية يأبى عن قبولها ، وأن عليا قط لا يجتمع في الجنة مع من خالفه وناوئه وآذاه والضدان لا يجتمعان ، وسيرة علي عليه السلام غير سيرة أولئك الرحط ، وقد تنازل عن الخلافة يوم الشورى حذرا عن اتباع سيرة الشيخين لما اشترط عليه في البيعة وأنكره بملأ فمه ، وبعدهما وقع ما وقع بينه وبين عثمان ، وما ساءه قتله ولم يشهد بأنه قتل مظلوما ، وصحت عنه خطبته الشقشقية ، ونادى في الملأ : ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال (1) وبعده حاربه الناكثان وقاتلاه وقتلا دون مناوئته ، فكيف تجمعهم وعليا الجنة ؟ أنا لا أدري.
أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ؟ كلا.
نظرة في المتن ولنا في متن الرواية نظرات وتأملات يزحزحنا عن الاخبات إلى صحتها.
هل عبد الرحمن بن عوف المعزو إليه الرواية وهو أحد العشرة المبشرة كان يعتقد بها ويصدقها ومع ذلك سل سيفه على علي يوم الشورى قائلا : بايع وإلا تقتل. وقال
1 ـ تاريخ ابن عساكر 6 : 128.
2 ـ راجع الجزء الثامن والتاسع من الغدير فيهما تفصيل ما أوعزنا إليه ههنا.
(124)
لعلي عليه السلام بعد ما تمخضت البلاد على عثمان : إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي ، إنه قد خالف ما أعطاني.
وآلى على نفسه أن لا يكلم عثمان في حياته أبدا. واستعاذ بالله من بيعته. وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان. ومات وهو مهاجر إياه.
وكان عثمان يقذفه بالنفاق ويعده منافقا (1) فهل تلائم هذه كلها مع صحة تلك الرواية وإذعان الرجلين بها ؟.
وهل أبو بكر وعمر المبشران بالجنة هما اللذان ماتت الصديقة بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وهي وجدى عليهما ؟ وهل هما اللذان قالت لهما : إني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه.
وهل هما اللذان تقول أم السبطين فيهما شاكية نادبة باكية بأعلى صوتها : يا أبت ! يا رسول الله ! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة.
وهل هما اللذان نهبا تراث العترة وحق فيهما قول أمير المؤمنين عليه السلام : صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا.
وهل أبو بكر هو الذي أوصت فاطمة سلام الله عليها أن لا يصلي عليها ، وأن لا يحضر جنازتها ، فلم يحضرها هو وصاحبه.
وهل هو الذي قالت له كريمة النبي الأقدس الطاهرة المطهرة لأدعون عليك في كل صلاة أصليها.
وهل هو الذي كشف عن بيت فاطمة وآذى رسول الله فيها (2) والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم.
وهل وهل إلى أن ينقطع النفس وهل كان عمر يصدق هذه الرواية وكان عنده إلمام بها وهو يناشد مع ذلك حذيفة اليماني العالم بأسماء المنافقين ويسأله عن أنه هل هو منهم ؟ وهل سماه رسول الله صلى والله عليه وآله وسلم في زمرتهم ؟ (3) وهلا كان على يقين من هذه البشارة يوم نهى عن التكني بأبي عيسى أيام خلافته وقال له المغيرة : إن رسول الله صلى الله عليه وآله كناه بها فقال : إن النبي غفر له وإنا لا ندري ما يفعل بنا وغير كنيته وكناه أبا عبد الله (4) فكيف كان لم يدر ما يفعل به بعد تلكم البشارة إن صدقت ؟
1 ـ راجع الجزء التاسع ص 87 ط 1 ، و 90 ط 2.
2 ـ مر تفصيل هذه كلها في الجزء السابع.
3 ـ الغدير 6 : 241 ط 2.
4 ـ راجع الغدير 6 : 308 ط 2.
(125)
وهلا كان هو الذي قاد عليا كالجمل المخشوش إلى بيعة أبي بكر وهو يقول : بايع وإلا تقتل ؟ وهلا كان هو الذي أنكر إخوة علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم ذاك ، وهي ثابتة له بالسنة الصحيحة المتسالم عليها ؟ كما أنه أنكر من السنة شيئا كثيرا نبى عن الحصر.
وهلا كان هو الذي أوصى بقتل من خالف البيعة يوم الشورى ؟ وهو جد عليم بأن المخالف الوحيد لذلك الانتخاب المزيف هو علي أمير المؤمنين ( دع هذا ) أو أحد غيره من العشرة المبشرة ؟ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.
وهل كان عثمان يخبت إلى صحة هذه الرواية ويذعن بها وهو يقول بعد لمغيرة ابن شعبة لما كلفه أن يغادر المدينة إلى مكة حينما حوصر به : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب هذه الأمة فلن أكون ذلك الرجل ؟ (1) وكيف كان لم ير عليا أفضل من مروان ؟ ومروان ملعون بلسان رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام هو المبشر بالجنة.
لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون.
وهل طلحة والزبير هما اللذان قتلا عثمان وألبا عليه وكانا كما قال أمير المؤمنين عليه السلام أهون سيرهما فيه الوجيف ، وأرفق حدائهما العنيف ، فأجلبا عليه وضيقا خناقه ، وهما يريدان الأمر لأنفسهما ، وكانا أول من طعن وآخر من أمر حتى أراقا دمه (2) وهل هما اللذان عرفهما الإمام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : كل منهما يرجو الأمر له ويعطف عليه دون صاحبه ، لا يمتان إلى الله بحبل ، ولا يمدان إليه بسبب ، كل واحد منهما حامل ضب لصاحبه ، وعما قليل يكشف قناعه به ؟. إلى آخر ما مر في هذا الجزء ص 58.
وهل هما اللذان خرجا على إمام الوقت المفروضة عليهما طاعته ، ونكثا بيعته ، وأسعرا عليه نار البغي ، وقاتلاه وقتلا وهما أبين مصداق لقول رسول الله صلى الله عليه وآله : من
1 ـ راجع الغدير 9 : 152 ، 153 ط 2.
2 ـ راجع الغدير 9 : 103 ـ 110 ط 2.
(126)
مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ؟.
وهل هما اللذان قادا جيوش النكث على قتال سيد العترة ، وأخرجا حبيسة رسول الله صلى الله عليه وآله من عقر دارها ، وترؤسا الناكثين الذين حث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا والعدول من صحابته على قتالهم ، وحضهم على منابذتهم ؟ أفمن آذن نبي العظمة بحربه وقتاله ورآه من واجب الاسلام يعده صلى الله عيه وآله وسلم بعد من أهل الجنة ؟ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
وهل الزبير هذا هو الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله له : تحارب عليا و أنت ظالم ؟ فهل المحارب عليا وهو ظالم إياه مثواه الجنة ؟ ورسول الله يقول : أنا حرب لمن حاربه ، وسلم لمن سالمه كما جاء في الصحيح الثابت.
فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ، وما الله بغافل عما تعملون.
وهل الزبير هو الذي قال فيه عمر : من يعذرني من أصحاب محمد لولا أني أمسك لفم هذا الشغب لأهلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم (1) وقال له عمر يوم طعن : أما أنت يا زبير ! فوعق لقس مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، يوما إنسان ، ويوما شيطان ، ولعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير ، أفرأيت إن أفضت إليك فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا ؟ ومن يكون يوم تغضب ؟ أما وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمة وأنت على هذه الصفة (2).
وقال له أيضا : أما أنت يا زبير فوالله ما لان قلبك يوما ولا ليلة ، وما زلت جلفا جافيا (3).
1 ـ راجع الغدير 9 : 366.
2 ـ شرح ابن أبي الحديد 1 : 62.
3 ـ شرح ابن أبي الحديد 3 : 170.
(127)
وهل طلحة هذا هو الذي قتل عثمان ، وحال بينه وبين الماء ، ومنعه عن أن يدفن في جبانة المسلمين ، وقتله مروان أخذا بثار عثمان ، وهما بعد من العشرة المبشرة ؟ غفرانك اللهم وإليك المصير.
وهل طلحة هذا هو الذي أقام علي أمير المؤمنين عليه السلام عليه الحجة يوم الجمل باستنشاده إياه حديث الولاية [ من كنت مولاه فعلي مولاه ] فاعتذر بما اعتذر من نسيانه الحديث ، لكنه لم يرتدع بعد عن غيه بمناصرة أمير المؤمنين مع بيعته إياه ، ولا فوض الحق إلى أهله حتى أتى عليه سهم مروان فجرعته منيته وهو الخارج على إمام وقته ! أفهل ترى الإمام والخارج عليه كلا منهما في الجنة ؟ وهل طلحة هذا هو الذي نزل فيه قوله تعالى : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ، إن ذلكم كان عند الله عظيما ؟ ( الأحزاب 53 ) نزلت الآية الشريفة لما قال طلحة : أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ، ويتزوج نساءنا من بعدنا ؟ فإن حدث به حدث لنزوجن نساءه من بعده.
وقال : إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة وهي بنت عمي فبلغ ذلك رسول الله فتأذى به فنزلت.
أقبل عليه عمر يوم طعن وقال له : أقول أم أسكت ؟ قال : قل فإنك لا تقول من الخير شيئا.
قال : أما إني أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد والبا بالذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم نزلت آية الحجاب.
قال أبو عثمان الجاحظ : إن طلحة لما أنزلت آية الحجاب قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ما الذي يغنيه حجابهن اليوم فسيموت غدا فننكحهن.
قال أبو عثمان : لو قال لعمر قائل : أنت قلت : إن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وهو راض عن الستة فكيف تقول الآن لطلحة : إنه مات عليه السلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصه ، ولكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا فكيف هذا ؟ (1) راجع تفسير القرطبي 14 : 228 ، فيض القدير 4.
290 ، تفسير ابن كثير 3 : 506 ، تفسير البغوي 5 : 225 ، تفسير الخازن 5 : 225 ، تفسير الآلوسي 22 : 74.
1 ـ شرح ابن أبي الحديد 1 : 62 ، ج 3 : 170.
(128)
وهل سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة كان مذعنا بالرواية وصدقها وهو القائل لما سئل عن عثمان ومن قتله ومن تولى كبره : إني أخبرك أنه قتل بسيف سلته عائشة وصقله طلحة وسمه ابن أبي طالب ، وسكت الزبير وأشار بيده ، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه ؟ فهل هذه كلها تجتمع مع التصديق بتلك الرواية ؟ سبحان الذي جمع في جنته الظالم والمظلوم ، والقاتل والمقتول ، والخليفة والخارجين عليه ، إن هي إلا اختلاق.
وهل تصدق في سعد هذه الرواية وهو المتخلف عن بيعة إمام وقته والمتقاعس عن نصرته بعد ما تمت بيعته وأجمعت عليها الأمة وأصفقت عليها البدريون والمهاجرون والأنصار ، وحقت كلمة العذاب على من نزعها من ربقته ؟ أفهل نزل في سعد كتاب من الله أخرجه عن محكمات الاسلام وبشر له بالجنة ؟.
وهل يترآى لك من ثنايا التاريخ وراء صحائف أعمال أبي عبيدة الجراح ( حفار القبور بالمدينة ) ما يأهله لهذه البشارة ؟ ويدعم له ما يستحق به للذكر من الفضيلة غير ما قام به يوم السقيفة من دحضه ولاية الله الكبرى ، وتركاضه وراء الانتخاب الدستوري واقتحامه في تلكم البوائق التي عم شومها الاسلام ، وهدت قوائم الوئام والسلام ، وجرت الويلات على أمة محمد صلى الله عليه وآله حتى اليوم ، وهتكت حرمة المصطفى في ظلم ابنته بضعة لحمه وفلذة كبده ، واضطهاد خليفته ، واهتضام أخيه علم الهدى ؟ فكأنها كانت كلها قربات فأوجبت لابن الجراح الجنة.
أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ؟ ساء ما يحكمون.
نبأ يصك المسامع وجاء بعد لأي من عمر الدهر من لم ير في الرواية فضيلة رابية تخص العشرة نظرا إلى أن البشارة بالجنة كما سمعت تعم المؤمنين جمعاء ولا تنحصر بقوم منهم دون آخرين ، ووجد فيها مع ذلك نقصا من ناحية خلوها عن ذكر عائشة أم المؤمنين فصبها في قالب يروقه وصور لها صورة مكبرة تخص بأولئك العشرة ولا يشاركهم فيها أحد ، وأسند إلى أبي ذر الغفاري أنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل عائشة فقال : يا عائشة !
(129)
ألا أبشرك ؟ قالت : بلى يا رسول الله ! قال : أبوك في الجنة ورفيقه إبراهيم. وعمر في الجنة ورفيقه نوح. وعثمان في الجنة ورفيقه أنا. وعلي في الجنة ورفيقه يحيى بن زكريا. وطلحة في الجنة ورفيقه داود. والزبير في الجنة ورفيقه إسماعيل وسعد بن أبي وقاص في الجنة ورفيقه سليمان بن داود. وسعيد بن زيد في الجنة ورفيقه موسى بن عمران. وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ورفيقه عيسى بن مريم. وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ورفيقه إدريس عليه السلام. ثم قال : يا عائشة أنا سيد المرسلين وأبوك أفضل الصديقين وأنت أم المؤمنين (1).
ليت لهذه الرواية إسنادا معنعنا حتى نعرف واضعها ومختلقها على النبي الأقدس ، وليت مفتعلها يدري بأن الرفاقة بين اثنين تستدعي مشكالتهما في الخصال ، وتقتضيها الوحدة الجامعة من النفسيات والملكات ، فهل يسع لأي إنسان أن يقارن بين أولئك الأنبياء المعصومين وبين تسعة رحط كانوا في المدينة في شيء مما يوجب الرفاقة ؟ وهل لبشر أن يفهم سر هذا التقسيم في كل نبي معصوم مع رفيقه الذي لا عصمة له ؟ ولعمر الحق أن هذا الانتخاب والاختيار في الرفاقة يضاهي الانتخاب في أصل الخلافة الذي كان لا عن جدارة وتأمل.
ما عشت أراك الدهر عجبا.
لماذا لم يكن عبد الله بن مسعود الذي صح عند القوم في الثناء عليه : إنه كان أشبه الناس هديا ودلا وسمتا بمحمد صلى الله عليه وآله (2) رفيق رسول الله صلى الله عليه وآله ويرافقه عثمان ؟ ولماذا لم يرافق عيسى بن مريم أبو ذر الثابت فيه : إنه أشبه الناس بعيسى بن مريم هديا وبرا وزهدا ونسكا وصدقا وجدا وخلقا وخلقا (3) ويرافقه عبد الرحمن بن عوف ؟ ولماذا رافق رسول صلى الله عليه وآله عثمان بن عفان ولا مشاكلة بينهما خلقا وخلقا وأصلا ومحتدا وسيرة وسريرة ، ولم يتخذ صلى الله عليه وآله جعفر بن أبي طالب رفيقا له وقد جاء عنه قوله له : يا حبيبي ! أشبه الناس بخلقي وخلقي ، وخلقت من الطينة التي خلقت منها ،
1 ـ الرياض النضرة 1 : 20 وقال : أخرجه الملا في سيرته.
2 ـ راجع ( الغدير ) 9 : 9 ط 1.
3 ـ الغدير 8 : 329 ، 321 ط 1.
(130)
وقوله صلى الله عليه وآله : أما أنت يا جعفر ؟ فأشبه خلقك خلقي ، وأشبه خلقك خلقي ، وأنت مني وشجرتي ؟ (1) ولماذا اختار رسول الله صلى الله عليه وآله لرفاقته عثمان ولم يرافق أبا بكر وقد صح عنه صلى الله عليه وآله عند القوم : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر.
وجاء عنه صلى الله عليه وآله ـ في مكذوبة ـ أنه كان يدعو ويقول : اللهم إنك جعلت أبا بكر رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة ؟ (2) ولماذا لم يكن عثمان رفيق إبراهيم ، وقد جاء في مناقبه ـ المكذوبة ـ إنه شبيه إبراهيم كما مر في ج 9 ص 348.
ولماذا لم يكن عمر رفيق موسى ، وعثمان رفيق هارون ، وعلي بن أبي طالب رفيق رسول الله صلى الله عليه وآله أخذا بما مر من مكذوبة أنس مرفوعا : ما من نبي إلا وله نظير في أمتي ، فأبو بكر نظير إبراهيم ، وعمر نظير موسى ، وعثمان نظير هارون ، وعلي بن أبي طالب نظيري ؟ (3) نعم : عزب عن مفتعل الرواية ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله : يا علي أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة ، وهذه الرفاقة والصحبة والأخوة تقتضيها البرهنة الصادقة وتعاضدها المجانسة بين نبي العظمة وصنوه الطاهر في كل خلة ومأثرة ، وهي التي جمعتهما في آية التطهير ، وجعلتهما نفسا واحدة في الذكر الحكيم ، وقارنت بين ولايتيهما في محكم القرآن ، وكل تلكم الموضوعات نعرات الإحن ونفثات الأضغان اختلقت تجاه هذه المرفوعة في فضل مولانا سيد العترة أمير المؤمنين عليه السلام.
وهلم معي نسائل أبا ذر المنتهي إليه إسناد الرواية وعائشة المخاطبة بها هل كانا على ثقة وتصديق بها ، وإنها صدرت من مصدر الوحي الإلهي الذي لا ينطق عن الهوى أم لا ؟ ولئن سألتهما فعلي الخبيرين سقطت ، وأبو ذر هو الذي ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء أصدق منه ، وإذا أنت قرأت حديث ما جرى بين عثمان وأبي ذر لوجدت سيد غفار في جانب جنب عن هذه الرواية ، ولما يحكم عقلك بأن يكون هو راويها
1 ـ مجمع الزوايد 9 : 272 ، 275.
2 ـ الغدير 9 : 294 ط 1.
3 ـ راجع ما مر في هذا الجزء ص 75.