وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم : أيها الناس إن معاوية بن أبي سفيان قد أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب فالعنوه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ثم نزل فقال له معاوية : إنك لم تبين من لعنت منهما بينه. فقال : والله لا زدت حرفا ولا نقصت حرفا ، والكلام إلى نية المتكلم. العقد الفريد 2 : 144. المستطرف 1 : 54.
4 ـ بعث معاوية إلى عبيد الله بن عمر لما قدم عليه بالشام فأتي فقال له معاوية : يا بن أخي ! إن لك إسم أبيك ، فانظر بملء عينيك ، وتكلم بكل فيك ، فأنت المأمون المصدق ، فاصعد المنبر واشتم عليا ، واشهد عليه أنه قتل عثمان.
فقال : يا أمير المؤمنين ! أما شتمه فإنه علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، فما عسى أن أقول في حسبه ، وأما بأسه فهو الشجاع المطرق. وأما أيامه فما قد عرفت ، ولكني ملزمه دم عثمان.
فقال عمرو بن العاص : إذا والله قد نكأت القرحة (1).
5 ـ روى ابن الأثير في أسد الغابة 1 : 134 عن شهر بن حوشب أنه قال : أقام فلان (2) خطباء يشتمون عليا رضي الله عنه وأرضاه ويقعون فيه حتى كان آخرهم رجل من الأنصار أو غيرهم يقال له : أنيس.
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنكم قد أكثرتم اليوم في سب هذا الرجل وشتمه وإني أقسم بالله أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إني لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على الأرض من مدر وشجر.
وأقسم بالله ما أحد أوصل لرحمه منه ، أفترون شفاعته تصل إليكم وتعجز عن أهل بيته ؟! وذكره ابن حجر في ـ الإصابة 1 : 77.
6 ـ بينما معاوية جالس في بعص مجالسه وعنده وجوه الناس فيهم : الأحنف بن قيس إذ دخل رجل من أهل الشام فقام خطيبا وكان آخر كلامه أن لعن عليا ، فقال الأحنف يا أمير المؤمنين ! إن هذا القائل لو يعلم أن رضاك في لعن المرسلين للعنهم فاتق الله يا أمير المؤمنين ! ودع عنك عليا فلقد لقي ربه ، وأفرد في قبره ، وخلا بعمله ، وكان والله المبرور سيفه ، الطاهر ثوبه ، العظيمة مصيبته.
فقال له معاوية : يا أحنف ! لقد أغضيت العين على القذى ، وقلت ما ترى ، وأيم الله لتصعدن المنبر فتلعننه طوعا أو كرها. فقال له الأحنف :
1 ـ كتاب صفين لابن مزاحم 1 : 92 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 256.
2 ـ يعني معاوية.
(262)
يا أمير المؤمنين ! إن تعفني فهو خير لك ، وإن تجبرني على ذلك فوالله لا يجري شفتاي به أبدا.
فقال : قم فاصعد المنبر. قال الأحنف : أما والله لأنصفنك في القول والفعل.
قال : وما أنت قائل إن أنصفتني ؟! قال : أصعد المنبر فأحمد الله وأثني عليه وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم أقول : أيها الناس إن أمير المؤمنين معاوية أمر أن ألعن عليا ، وإن عليا ومعاوية اختلفا واقتتلا فادعى كل واحد منهما إنه بغي عليه وعلى فئته ، فإذا دعوت فأمنوا رحمكم الله.
ثم أقول : اللهم العن أنت وملائكتك وأنبياؤك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه ، والعن الفئة الباغية ، اللهم العنهم لعنا كثيرا ، أمنوا رحمكم الله.
يا معاوية ! لا أزيد على هذا ولا أنقص حرفا ولو كان فيه ذهاب روحي. فقال معاوية : إذا نعفيك يا أبا بحر. العقد الفريد 2 : 144 ، المستطرف 1 : 54.
7 ـ في كتاب ( المختصر في أخبار البشر ) للعلامة إسماعيل بن علي بن محمود : كتب الحسن إلى معاوية واشترط عليه شروطا وقال : إن أجبت إليها فأنا سامع مطيع فأجاب معاوية إليها ، وكان الذي طلبه الحسن أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة ، وخراج دار ابجرد من فارس ، وأن لا يشتم عليا ، فلم يجب إلى الكف عن شتم علي ، فطلب الحسن أن لا يشتم علي وهو يسمع ، فأجابه إلى ذلك ثم لم يف به.
راجع أيضا تاريخ الطبري 6 : 92 ، كامل ابن الأثير 3 : 175 ، تاريخ ابن كثير 8 : 14 ، تذكرة السبط ص 113 ، إتحاف الشبراوي ص 10.
8 ـ جاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له : إن امرأ منا من بني همام يقال له : صيفي بن فسيل من رؤوس أصحاب حجر ، وهو أشد الناس عليك ، فبعث إليه زياد فأتي فقال له زياد : يا عدو الله ما تقول في أبي تراب ؟ قال : ما أعرف أبا تراب. قال ، ما أعرفك به ؟ قال : ما أعرفه. قال : أما تعرف علي بن أبي طالب ؟ قال : بلى. قال : فذاك أبو تراب. قال : كلا ذاك أبو الحسن والحسين عليه السلام. وفيه : قال زياد : لتلعننه أو لأضربن عنقك.
قال : إذا تضربها والله قبل ذلك ، فإن أبيت إلا أن تضربها رضيت بالله وشقيت أنت. قال : ادفعوا في رقبته. ثم قال. أوقروه حديدا وألقوه في السجن. ثم قتل (1) مع حجر وأصحابه سنة 51. وسيوافيك الحديث بتمامه
1 ـ تاريخ الطبري 6 : 149 ، الأغاني 16 : 7 ، كامل ابن الأثير 3 : 204 ، تاريخ ابن عساكر 6 : 459.
(263)
إنشاء الله تعالى.
9 ـ خطب بسر بن أرطاة على منبر البصرة فشتم عليا عليه السلام ثم قال : نشدت الله رجلا علم أني صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذبني. فقال أبو بكرة : اللهم إنا لا نعلمك إلا كاذبا. قال : فأمر به فخنق. تاريخ الطبري 6 : 96.
10 ـ استعمل معاوية كثير بن شهاب على الري وكان يكثر سب علي على منبر الري وبقي عليها إلى أن ولي زياد الكوفة فأقر عليها. كامل ابن الأثير 3 : 179.
11 ـ كان المغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة كان يقوم على المنبر ويخطب وينال من علي عليه السلام ويلعنه ويلعن شيعته ، وقد صح أن المغيرة لعنه على منبر الكوفة مرات لا تحصى ، وكان يقول : إن عليا لم ينكحه رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته حبا ولكنه أراد أن يكافئ بذلك إحسان أبي طالب إليه.
وصح عند الحاكم والذهبي أن المغيرة سب عليا فقام إليه زيد بن أرقم فقال : يا مغيرة ! ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن سب الأموات ؟ فلم تسب عليا وقد مات ؟ (2) راجع مسند أحمد 1 : 188 ، الأغاني 16 : 2 ، المستدرك 1 : 385 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 360.
قدمت الخطباء إلى المغيرة بن شعبة بالكوفة فقام صعصعة بن صوحان فتكلم فقال المغيرة : أخرجوه فأقيموه على المصطبة فليلعن عليا. فقال : لعن الله من لعن الله ولعن علي بن أبي طالب. فأخبروه بذلك فقال : أقسم بالله لتقيدنه. فخرج فقال : إن هذا يأبى إلا علي بن أبي طالب فالعنوه لعنه الله. فقال المغيرة : أخرجوه أخرج الله نفسه. الأذكياء لابن الجوزي ص 98.
12 ـ أخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال : كان مروان أميرا علينا ـ يعني بالمدينة ـ فكان يسب عليا كل جمعة على المنبر وحسن بن علي ـ يسمع فلا يرد شيئا ثم أرسل إليه رجلا يقول له : بعلي وبعلي وبعلي وبك وبك وبك ، وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة يقال لها : من أبوك ؟ فتقول : أمي الفرس.
فقال له الحسن : إرجع إليه فقل له : إني والله لا أمحو عنك شيئا مما قلت بأن أسبك ، ولكن موعدي وموعدك الله
2 ـ حديث السب عن نهي الأموات أخرجه البخاري في صحيحه 2 : 264
(264)
فإن كنت صادقا جزاك الله بصدقك ، وإن كنت كاذبا فالله أشد نقمة. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 127 ، راجع الجزء الثامن ترجمة مروان.
وكان الوزغ ابن الوزغ يقول لما قيل له : ما لكم تسبون عليا على المنابر ؟ : إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك.
الصواعق المحرقة ص 33.
13 ـ استناب معاوية على المدينة عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي المعروف بالأشدق الذي جاء فيه في مسند أحمد 2 : 522 من طريق أبي هريرة مرفوعا ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية يسيل رعافه.
قال : فحدثني من رأى عمرو بن سعيد رعف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سال رعافه (1).
كان هذا الجبار ممن يسب عليا عليه السلام على صهوة المنابر ، قال القسطلاني في إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 4 : 368 ، والأنصاري في تحفة الباري شرح البخاري المطبوع في ذيل إرشاد الساري في الصفحة المذكورة : سمي عمرو بالأشدق لأنه صعد المنبر فبالغ في شتم علي رضي الله عنه فأصابته لقوة ـ أي داء في وجهه ـ.
وعمرو بن سعيد هو الذي كان بالمدينة يوم قتل الإمام السبط عليه السلام قال عوانة بن الحكم : لما قتل الحسين بن علي دعا عبيد الله بن زياد عبد الملك بن أبي الحرث السلمي وبعثه إلى المدينة ليبشر عمرو بن سعيد فدخل السلمي على عمرو فقال : ما وراءك ؟ فقال : ما سر الأمير قتل الحسين بن علي. فقال : ناد بقتله.
فناديت بقتله فلم أسمع والله واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين فقال عمرو وضحك :
عجت نساء بني زياد عجة
كعجيج نسوتنا غداة الأرنب (2)
ثم قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان بن عفان. ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتله (3) وفي مثالب أبي عبيدة : ثم أومأ إلى القبر الشريف وقال : يا محمد ! يوم بيوم بدر. فأنكر عليه قوم من الأنصار.
1 ـ وذكره ابن كثير في تاريخه 8 : 311.
2 ـ وقعة الأرنب كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من رهط عبد المدان والبيت المذكور لعمرو بن معد يكرب.
3 ـ تاريخ الطبري 6 : 268 ، كامل ابن الأثير 4 : 39.
(265)
كان أبو رافع عبدا لأبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية فأعتق كل من بنيه نصيبه منه إلا خالد بن سعيد ، فإنه وهب نصيبه للنبي صلى الله عليه وآله فأعتقه فكان يقول : أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وآله فلما ولي عمرو بن سعيد بن العاص المدينة أيام معاوية أرسل إلى البهي (1) بن أبي رافع فقال له : مولى من أنت ؟ فقال : مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فضربه مائة سوط ، ثم تركه ثم دعاه فقال : مولى من أنت ؟ فقال : مولى رسول الله صلى الله عليه وآله فضربه مائة سوط ، حتى ضربه خمسمائة سوط.
فلما خاف أن يموت قال له : أنا مولاكم. كامل المبرد 2 : 75 ، الإصابة 4 : 68.
14 ـ أخرج الحاكم من طريق طاووس قال : كان حجر بن قيس المدري من المختصين بخدمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له علي يوما يا حجر ! إنك تقام بعدي فتؤمر بلعني فالعني ولا تبرأ مني (2).
قال طاووس : فرأيت حجر المدري وقد أقامه أحمد بن إبراهيم خليفة بني أمية في الجامع ووكل به ليلعن عليا أو يقتل فقال حجر : أما إن الأمير أحمد بن إبراهيم أمرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله.
فقال طاووس : فلقد أعمى الله قلوبهم حتى لم يقف أحد منهم على ما قال المستدرك 2 : 358.
قال الأميني : لم يزل معاوية وعماله دائبين على ذلك حتى تمرن عليه الصغير و هرم الشيخ الكبير ، ولعل في أوليات الأمر كان يوجد هناك من يمتنع عن القيام بتلك ـ السبة المخزية ، وكان يسع لبعض النفوس الشريفة أن يتخلف عنها غير أن شدة معاوية الحليم في إجراء أحدوثته ، وسطوة عماله الخصماء الألداء على أهل بيت الوحي ، وتهالكهم دون تدعيم تلك الإمرة الغاشمة ، وتنفيذ تلك البدعة الملعونة ، حكمت في البلاء حتى عمت البلوى ، وخضعت إليها الرقاب ، وغللتها أيدي الجور تحت نير الذل والهوان ، فكانت العادة مستمرة منذ شهادة أمير المؤمنين عليه السلام إلى نهي عمر بن عبد العزيز طيلة أربعين سنة على صهوات المنابر وفي الحواضر الإسلامية كلها من الشام إلى الري إلى الكوفة إلى ـ البصرة إلى عاصمة الاسلام المدينة المشرفة إلى حرم أمن الله مكة المعظمة إلى شرق العالم
1 ـ في الكامل : عبيد الله بن أبي رافع.
2 ـ صح عن أمير المؤمنين قوله : إنكم ستعرضون على سبي فسبوني ، فإن عرضت عليكم البراءة مني فلا تبرؤا مني ، فإني على الاسلام. مستدرك الحاكم 2 : 358.
(266)
الاسلامي وغربه ، وعند مجتمعات المسلمين جمعاء ، وقد مر في الجزء الثاني قول ياقوت في معجم البلدان : لعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منابر الشرق والغرب ولم يلعن على منبر سبحستان إلا مرة ، وامتنعوا على بني أمية حتى زادوا في عهدهم : وأن لا يلعن على منبرهم أحد ، وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين : مكة والمدينة.
وقد صارت سنة جارية ودعمت في أيام الأمويين سبعون ألف منبر يلعن فيها أمير المؤمنين عليه السلام (1) واتخذوا ذلك كعقيدة راسخة ، أو فريضة ثابتة ، أو سنة متبعة يرغب فيها بكل شوق وتوق حتى أن عمر بن عبد العزيز لما منع عنها لحكمة عملية أو لسياسة وقتية حسبوه كأنه جاء بطامة كبرى أو اقترف إثما عظيما.
والذي يظهر من كلام المسعودي في مروجه 2 : 167 ، واليعقوبي في تاريخه 3 : 48 ، وابن الأثير في كامله 7 : 17 ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 161 وغيرهم أن عمر بن عبد العزيز إنما نهى عن لعنه عليه السلام في الخطبة على المنبر فحسب وكتب بذلك إلى عماله وجعل مكانه ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان. الآية.
وقيل : بل جعل مكان ذلك : إن الله يأمر بالعدل والاحسان. الآية.
وقيل : بل جعلهما جميعا فاستعمل الناس في الخطبة.
وأما نهيه عن مطلق الوقيعة في أمير المؤمنين والنيل منه عليه السلام ، وأخذه كل متحامل عليه بالسب والشتم ، وإجراء العقوبة على مرتكبي تلكم الجريرة فلسنا عالمين بشيء من ذلك ، غير أنا نجد في صفحات التاريخ أن عمر بن عبد العزيز كان يجلد من سب عثمان ومعاوية كما ذكره ابن تيمية في كتابه ( الصارم المسلول ) ص 272 ولم نقف على جلده أحدا لسبه أمير المؤمنين عليه السلام دع عنك موقف أمير المؤمنين عليه السلام من خلافة الله الكبرى ، وسوابقه في تثبيت الاسلام والذب عنه ، وبثه العدل والانصاف ، وتدعيمه فرايض الدين وسننه ، ودعوته إلى الله وحده وإلى نبيه صلى الله عليه وآله وإلى دينه الحنيف ، وتهالكه في ذلك كله حتى لقي ربه مكدودا في ذات الله.
1 ـ راجع ما أسلفناه في الجزء الثاني ص 102 ، 103 ط 2.
(267)
دع عنك فضائله وفواضله والآي النازلة فيه والنصوص النبوية المأثورة في مناقبه لكنه هل هو بدع من آحاد المسلمين الذين يحرم لعنهم وسبابهم وعليه تعاضدت الأحاديث واطردت الفتاوى.
وحسبك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سباب المسلم فسوق.
أخرجه البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وأحمد ، والبيهقي ، والطبري ، والدارقطني ، والخطيب ، وغيرهم من طريق ابن مسعود ، وأبي هريرة ، وسعد بن أبي وقاص ، وجابر ، وعبد الله بن مغفل ، وعمرو بن النعمان. راجع الترغيب والترهيب 3 : 194 ، وفيض القدير 4 : 84 ، 505 ، 506.
وقوله صلى الله عليه وآله سباب المسلم كالمشرف على الهلكة.
أخرجه البزار من طريق عبد الله بن عمرو بإسناد جيد كما قاله الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 3 : 194.
وقوله صلى الله عليه وآله لا يكون المؤمن لعانا. أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن. وسمعت نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن سب الأموات ص 263.
على أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مع غض الطرف عن طهارة مولده وقداسة محتده وشرف أرومته وفضائله النفسية والكسبية وملكاته الكريمة هو من العشرة الذين بشروا بالجنة ـ عند القوم ـ ولا أقل من أنه أحد الصحابة الذين يعتقد القوم فيهم العدالة جميعا (1) ، ويحتجون بأقوالهم وأفعالهم ، ولا يستسيغون الوقيعة فيهم ، ويشددون النكير على الشيعة لحسبانهم أنهم يقعون في بعض الصحابة ورتبوا على ذلك أحكاما ، قال يحيى بن معين : كل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله دجال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (2)1 ـ قال النووي في شرح مسلم هامش الارشاد 8 : 22 : إن الصحابة رضي الله عنهم كلهم هم صفوة الناس ، وسادات الأمة ، وأفضل ممن بعدهم ، وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم ، وإنما جاء التخليط ممن بعدهم ، وفيمن بعدهم كانت النخالة.
2 ـ تهذيب التهذيب 1 : 509.
(268)
وعن أحمد إمام الحنابلة : خير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان بعد عمر ، وعلي بعد عثمان ، ووقف قوم ، وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس ، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص ، فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه ، بل يعاقبه ويستتيبه ، فإن تاب قبل منه ، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت أو يراجع.
وعنه أيضا : ما لهم ولمعاوية نسأل الله العافية.
وقال : إذا رأيت أحدا يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الاسلام.
وعن عاصم الأحول قال : أتيت برجل قد سب عثمان قال : فضربته عشرة أسواط قال : ثم عاد لما قال ، فضربته عشرة أخرى. قال : فلم يزل يسبه حتى ضربته سبعين سوطا.
وقال القاضي أبو يعلى : الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة إن كان مستحلا لذلك كفر ، وإن لم يكن مستحلا فسق ولم يكفر ، سواء كفرهم أو طعن في دينهم مع إسلامهم وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم بقتل من سب الصحابة وكفر الرافضة.
وقال أبو بكر بن عبد العزيز في المقنع : فأما الرافضي فإن كان يسب فقد كفر فلا يزوج (1).
وقال الشيخ علاء الدين أبو الحسن الطرابلسي الحنفي في [ معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام ] ص 187 : من شتم أحدا من أصحاب النبي عليه السلام أبا بكر أو عمر أو عثمان أو عليا أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال : كانوا على ضلال وكفر.
قتل وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكل نكالا شديدا.
وعد الذهبي في كتاب ( الكبائر ) ص 233 منها : سب أحد من الصحابة وقال في ص 235 : فمن طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين ، ومرق من ملة المسلمين لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم ، وإضمار الحقد فيهم ، وإنكار ما ذكره الله في كتابه من ثنائه عليهم وما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنائه عليهم وفضائلهم ومناقبهم وحبهم
1 ـ الصارم المسلول ص 272 ، 574 ، 575.
(269)
ولأنهم أرضى الوسائل من المأثور والوسائط من المنقول والطعن في الوسائط طعن في الأصل والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول : هذا ظاهر لمن تدبره وسلم من النفاق ومن الزندقة والالحاد في عقيدته ، وحسبك ما جاء في الأخبار والآثار من ذلك كقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
ولهم في سب الشيخين وعثمان تصويب وتصعيد ، قال محمد بن يوسف الفريابي : سئل ( القاضي أبو يعلى ) عمن شتم أبا بكر ؟ قال : كافر.
قيل : فيصلى عليه ؟ قال : لا.
وسأله كيف يصنع به وهو يقول : لا إله إلا الله ؟ قال : لا تمسوه بأيديكم إدفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته.
الصارم المسلول ص 575.
وقال الجرداني في ( مصباح الظلام ) 2 : 23 : قال أكثر العلماء : من سب أبا بكر وعمر كان كافرا.
وقال ابن تيمية في ( الصارم المسلول ) ص 581 : قال إبراهيم النخعي : كان يقال شتم أبي بكر وعمر من الكبائر.
وكذلك قال أبو إسحاق السبيعي : شتم أبي بكر و عمر من الكبائر التي قال الله تعالى : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه.
وقتل عيسى بن جعفر بن محمد لشتمه أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة بأمر المتوكل على الله. قاله ابن كثير في تاريخه 10 : 324.
وفي ( الصارم المسلول ) ص 576 : قال أحمد في رواية أبي طالب في الرجل يشتم عثمان : هذا زندقة.
هب أن هذه الفتاوى المجردة من مسلمات الفقه ، وليس للباحث أن يناقش أصحابها الحساب ، ويطالبهم مدارك تلكم الأحكام من الكتاب والسنة أو الأصول و القواعد أو القياس والاستحسان ، ولا سيما مدارك جملة من خصوصياتها العجيبة الشاذة عن شرعة الاسلام ، لكنها هل هي مخصوصة بغير رجالات أهل البيت فهي منحسرة عنهم ؟! ولعل فيهم من يجاثيك على ذلك فيقول : نعم هي منحسرة عن علي عليه السلام وابنيه السبطين سيدا شباب أهل الجنة ، لأن ابن هند كان يقع فيهم ويلعنهم ويلجئ الناس إلى ذلك بأنواع من الترغيب والترهيب ، فليس من الممكن تسريبها إليه لأنه كاتب
(270)
الوحي ، وإن كان لم يكتب غير عدة كتب إلى رؤساء القبائل في أيام إسلامه القليلة من أخريات العهد النبوي ، وهو خال المؤمنين لمكان أم حبيبة من رسول الله صلى الله عليه وآله لكنه لم يسموا بذلك غيره من إخوة أزواج النبي صلى الله عليه وآله كمحمد بن أبي بكر ، وليس له مبرر إلا أن محمدا كان في الجيش العلوي ومعاوية حاربه صلوات الله عليه ، فهي ضغائن قديمة انفجر بركانها أخيرا عند منتشر الأحقاد ومحتدم الإحن ، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون.
وهل سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المزعومة في قوله : لا تسبوا أصحابي.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
كانت مختصة بغير المخاطبين بها في صدر الاسلام من الصحابة ؟! أو إنها عامة مطردة ؟! كما يقتضيه كونها من الشريعة الإسلامية المستمرة إلى أن تقوم الساعة ، وقد حسبوها كذلك لأنها متخذة من السنة المخاطب بها ، وقد جاء في بعض طرق الرواية الأولى عند مسلم : إنه كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تسبوا أصحابي ، وفي رواية أنس : قال أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا نسب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (1) فليس من المعقول أن يكونوا مستثنين من حكم خوطبوا به لولا أن الميول و الشهوات قد استثنتهم.
أو كان أمير المؤمنين عليه السلام مستثنى من بين الصحابة عن شمول تلكم الأحكام ؟ فلا تجري على من نال منه عليه السلام أو وقع فيه.
أضف إلى هذه كلها : أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كان أحد الخلفاء الراشدين عندهم ، وبالاجماع المتسالم عليه بين فرق الاسلام كلها ، وللقوم فيمن يقع فيهم أحكام شديدة ، ومنهم من قال كما سمعته قبيل هذا بكفر من سب الشيخين وزندقة من سب عثمان ، وقد جاء في الصحيح الثابت قوله صلى الله عليه وآله : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي (2)1 ـ كتاب الكبائر للذهبي ص 235.
2 ـ مر معناه الصحيح في الجزء السادس ص 330 ط 2.