الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: 151 ـ 160
(151)
من عرضها وطولها.
    صحيح الترمذي 10 : 220.
     وكيف عزب عن الشبلي ما ذهب إليه القوم من أن حلق اللحية من تغيير خلق الله الوارد في قوله تعالى : ولآمرنهم فليغيرن خلق الله (1).
    وقد أفرط جمع في الأخذ به فقال بحرمة حلق اللحية والشارب للمرأة أيضا.
    قال الطبري : لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن لا للزوج ولا لغيره ، كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه ، ومن تكون لها سن زائدة فتقلعها ، أو طويلة فتقطع منها ، أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف ، ومن يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله أو تغزره بشعر غيرها ، فكل ذلك داخل في النهي ، وهو من تغيير خلق الله تعالى.
    قال : ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تعيقها في الأكل ، أو إصبع زائدة تؤذيها أو تؤلمها فيجوز ذلك ، والرجل في هذا الأخير كالمرأة (2).
    وقال القرطبي في تفسيره 5 : 393 في تفسير الآية : لا يجوز لها [ للمرأة ] حلق لحية أو شارب أو عنفقة إن نبتت لها ، لأن كل ذلك تغيير خلق الله.
    وكيف خفي على الشبلي ما انتهى إلى ابن حزم الظاهري من الإجماع الذي نقله في كتابه [ مراتب الإجماع ] ص 157 على إن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز ، ولا سيما للخليفة ، والفاضل ، والعالم ، وعد في ص 52 ناتف اللحية ممن لا تقبل شهادته.
    وهلم إلى كلمات أعلام الفقه :
    1 ـ قال الحافظ العراقي في طرح التثريب 1 : 83 : من خصال الفطرة إعفاء اللحية ، وهو توفير شعرها وتكثيره ، وإنه لا يؤخذ منه كالشارب. من عفا الشيئ إذا كثر وزاد. وفي الصحيحين من حديث ابن عمر الأمر بذلك ( اعفوا اللحى ) وفي رواية : أوفوا. وفي رواية : وفروا. وفي رواية : ارخوا وهي بالخاء المعجمة على المشهور وقيل بالجيم. من الترك والتأخير ، وأصله الهمزة فحذف تخفيفا كقوله : ترجي من تشاء منهن.
1 ـ سورة النساء : 119.
2 ـ فتح الباري 10 : 310.


(152)
    واستدل به الجمهور على أن الأولى ترك اللحية على حالها ، وأن لا يقطع منها شيء وهو قول الشافعي وأصحابه ، وقال القاضي عياض : يكره حلقها وقصها وتحريقها.
    وقال القرطبي في المفهم : لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها قال القاضي عياض : وأما الأخذ من طولها فحسن.
    قال : وتكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في قصها ، وجزها قال : وقد اختلف السلف هل لذلك حد : فمنهم من لم يحدد شيئا في ذلك إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة ويأخذ منها ، وكره مالك طولها جدا ، ومنهم من حدد بما زاد على القبضة فيزال ، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة.
    2 ـ قال الغزالي في الإحياء 1 : 146 : قوله صلى الله عليه وسلم : اعفوا اللحى.
    أي كثروها وفي الخبر : إن اليهود يعفون شواربهم ، ويقصون لحاهم ، فخالفوهم وكره بعض العلماء الحلق ورآه بدعة.
    وقال في ص 148 : وقد اختلفوا فيما طال منها فقيل : إن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس ، فقد فعله ابن عمر وجماعة من التابعين ، واستحسنه الشعبي وابن سيرين ، وكرهه الحسن وقتادة وقالا : تركها عافية أحب لقوله صلى الله عليه وسلم : اعفوا اللحى.
    والأمر في هذا قريب إن لم ينته إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب ، فإن الطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنبز إليه ، فلا بأس بالاحتراز عنه على هذه النية.
    3 ـ قال ابن حجر في فتح الباري 10 : 288 عند ذكر حديث نافع : كان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه : الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك ، بل كان يحمل الأمر بالاعفاء على غير الحالة التي تشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه ، فقد قال الطبري : ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيء من اللحية من طولها ومن عرضها ، وقال قوم : إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد ، ثم ساق بسنده إلى ابن عمر إنه فعل ذلك ، وإلى عمر إنه فعل ذلك برجل ، ومن طريق أبي هريرة إنه فعله ، وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال : كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة.
    وقوله : نعفي.
    بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافرا ، وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية فأشار جابر


(153)
إلى أنهم يقصرون منها في النسك ثم حكى الطبري اختلافا فيما يؤخذ من اللحية ، هل له حد أم لا ؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف ، وعن الحسن البصري : إنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش ، وعن عطاء نحوه قال : وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها ، قال : وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة ، وأسنده عن جماعة واختار قول عطاء ، وقال : إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به ، واستدل بحدث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها ، وهذا أخرجه الترمذي ، ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون : لا أعلم له حديثا منكرا إلا هذا ، وقد ضعف عمر بن هارون مطلقا جماعة.
    وقال عياض : يكره حلق اللحية وقصها وتجذيفها ، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن ، بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها كذا قال : وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها قال : والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره.
    وكان مراده بذلك في غير النسك لأن الشافعي نقص على استحبابه فيه.
    وقال في ص 289 : أنكر ابن التين ظاهر ما نقل عن ابن عمر فقال : ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذ منها فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته ، قال أبو شامة : وقد حدث قوم يحلقون لحاهم وهو أشد مما نقل عن المجوس إنهم كانوا يقصونها.
    وقال النووي : يستثنى من الأمر بإعفاء اللحى ما لو نبتت للمرأة لحية فإنه يستحب لها حلقها ، وكذا لو نبت لها شارب أو عنفقة.
    4 ـ قال المناوي في [ فيض القدير ] 1 : 198 : اعفوا اللحى وفروها ، فلا يجوز حلقها ولا نتفها ، ولا قص الكثير منها ، كذا في التنقيح ، ثم زاد الأمر تأكيدا مشيرا إلى العلة بقوله : ولا تشبهوا باليهود في زيهم الذي هو عكس ذلك ، وفي خبر ابن حبان بدل اليهود : المجوس. وفي آخر : المشركين. وفي آخر : آل كسرى. قال الحافظ العراقي :


(154)
والمشهور أنه من فعل المجوس فيكره الأخذ من اللحية ، واختلف السلف فيما طال منها فقيل : لا بأس أن يقبص عليها ويقص ما تحت القبضة كما فعله ابن عمر ، ثم جمع من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين ، وكرهه الحسن وقتادة ، والأصح كراهة أخذ ما لم يتشعث ويخرج عن السمت مطلقا.
    5 ـ قال السيد علي القاري في شرح الشفا للقاضي (1) : حلق اللحية منهي عنه ، وأما إذا طالت زيادة على القبضة فله أخذها.
    6 ـ في شرح الخفاجي على الشفا 1 : 343 : وتقصير اللحية حسن كما مر ، و هيئته تحصل بقص ما زاد على القبضة ، ويؤخذ من طولها أيضا ، وأما حلقها فمهني عنه لأنه عادة المشركين.
    7 ـ قال الشوكاني في [ نيل الأوطار ] 1 : 136 : إعفاء اللحية توفيرها كما في القاموس ، وفي رواية للبخاري : وفروا اللحى. وفي رواية أخرى لمسلم : أوفوا اللحى. وهو بمعناه ، وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشارع عن ذلك وأمر بإعفائها. قال القاضي عياض : يكره حلق اللحية وقصها وتحريقها ، وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن. ثم نقل الأقوال في حد ما زاد.
    وقال في ص 142 : قد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات : اعفوا. وأوقوا. وأرخوا. وارجوا. ووفروا. ومعناها كلها تركها على حالها. قوله : خالفوا المجوس. قد سبق إنه كان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك.
    8 ـ في شرح راموز الحديث 1 : 141 : أشار إلى العلة في خبر ابن حبان : المجوس بدل اليهود ، وفي آخر : المشركين. وفي أخرى : كسرى.
    قال العراقي : المشهور : إنه فعل المجوس ، فكره الأخذ من اللحية ، واختلف السلف فيما طال.
    ثم نقل الأقوال التي ذكرناها.
    9 ـ أحسن كلمة تجمع شتات الفتاوى وآراء أئمة المذاهب في المسألة ما أفاده الأستاذ محفوظ في [ الابداع في مضار الابتداع ] (2) ص 405 قال : ومن أقبح العادات ما اعتاده
1 ـ هامش شرح الخفاجي 1 : 343.
2 ـ تأليف الأستاذ الكبير الشيخ علي محفوظ أحد مدرسي الأزهر الشريف ( الطبعة الرابعة )


(155)
الناس اليوم من حلق اللحية وتوقير الشارب ، وهذه البدعة كالتي قبلها سرت إلى المصريين من مخالطة الأجانب واستحسان عوائدهم حتى استقبحوا محاسن دينهم وهجروا سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وآله فعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله قال : خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب.
    وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه.
    رواه البخاري وروى مسلم عن ابن عمر أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله قال : أحفوا الشوارب واعفوا اللحى [ إلى أن قال بعد ذكر عدة من أحاديث الباب ] : والأحاديث في ذلك كثيرة وكلها نص في وجوب توقير اللحية وحرمة حلقها والأخذ منها على ما سيأتي.
    ولا يخفى أن قوله : خالفوا المشركين وقوله : خالفوا المجوس.
    يؤيدان الحرمة فقد أخرج أبو داود وابن حبان وصححه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من تشبه بقوم فهو منهم.
    وهو غاية في الزجر عن التشبه بالفساق أو بالكفار في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو هيأة ، وفي ذلك خلاف العلماء منهم من قال بكفره وهو ظاهر الحديث.
    ومنهم من قال : لا يكفر ولكن يؤدب.
    فهذان الحديثان بعد كونهما أمرين دالان على أن هذا الصنع من هيآت الكفار الخاصة بهم إذ النهي إنما يكون عما يختصون به.
    فقد نهانا صلى الله عليه وآله عن التشبه بهم عاما في قوله : من تشبه.
    ومن افراد هذا العام حلق اللحية.
    وخاصا في قوله : وفروا اللحى خالفوا المجوس ، خالفوا المشركين.
    ثم ما تقدم من الأحاديث ليس على إطلاقه فقد روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأخذ من لحيته من عرضها وطولها.
    وروى أبو داود والنسائي : إن ابن عمر كان يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف.
    وفي لفظ : ثم يقص ما تحت القبضة.
    وذكره البخاري تعليقا.
    فهذه الأحاديث تقيد ما رويناه آنفا.
    فيحمل الاعفاء على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلها.
    وقد اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللحية وحرمة حلقها والأخذ القريب منه.
    الأول : مذهب الحنفية قال في [ الدر المختار ] : ويحرم على الرجل قطع لحيته


(156)
وصرح في النهاية بوجوب قطع ما زاد على القبضة ( بالضم ) وأما الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد.
    وأخذ كلها فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم وقوله : وما وراء ذلك يجب قطعه.
    هكذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان يأخذ من اللحية من طولها وعرضها ، كما رواه الإمام الترمذي في جامعه ، ومثل ذلك في أكثر كتب الحنفية.
    الثاني : مذهب السادة المالكية حرمة حلق اللحية وكذا قصها إذا كان يحصل به مثلة.
    وأما إذا طالت قليلا وكان القص لا يحصل به مثلة فهو خلاف الأولى أو مكروه كما يؤخذ من شرح الرسالة لأبي الحسن وحاشيته للعلامة العدوي رحمهم الله.
    الثالث : مذهب السادة الشافعية ، قال في شرح العباب : فائدة قال الشيخان : يكره حلق اللحية.
    واعترضه ابن الرفعة بأن الشافعي رضي الله عنه نص في الأم على التحريم.
    وقال الأذرعي : الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها.
    ومثله في حاشية ابن قاسم العبادي على الكتاب المذكور.
    الرابع : مذهب السادة الحنابلة نص في تحريم حلق اللحية.
    فمنهم من صرح بأن المعتمد حرمة حلقها.
    ومنهم من صرح بالحرمة ولم يحك خلافا كصاحب الانصاف ، كما يعلم ذلك بالوقوف على شرح المنتهى وشرح منظومة الآداب وغيرهما.
    ومما تقدم تعلم أن حرمة حلق اللحية هي دين الله وشرعه الذي لم يشرع لخلقه سواه ، وأن العمل على غير ذلك سفه وضلالة ، أو فسق وجهالة ، أو غفلة عن هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله نعم : لم يكن الشبلي ولا الحافظ الذي يثني عليه بحلق لحيته في حب الله ، ولا الحفاظ الآخرون الذين أطنبوا القول حول لحية أبي بكر الصديق محتاجين إلى اللحية ، بل كانوا يفتقرون إلى عقل تام كما جاء فيما ذكره السمعاني في الأنساب في [ الرستمي ] عن مطين بن أحمد قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له : يا نبي الله ! أشتهي لحية كبيرة.
    فقال : لحيتك جيدة وأنت محتاج إلى عقل تام.


(157)
ـ 57 ـ
عمود نور من السماء إلى قبر الحنبلي
    ذكر ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب 3 : 46 في ترجمة أبي بكر عبد العزيز بن جعفر الحنبلي المعروف بغلام الخلال المتوفى سنة 363 قال : حكى أبو العباس ابن أبي عمرو الشرابي قال : كان لنا ذات ليلة خدمة أمسيت لأجلها ، ثم إني خرجت منها نوبة الناس وتوجهت إلى داري بباب الأزج ، فرأيت عمود نور من جوف السماء إلى جوف المقبرة فجعلت أنظر إليه ولا ألتفت خوفا أن يغيب عني إلى أن وصلت إلى قبر أبي بكر عبد العزيز فإذا أنا بالعمود من جوف السماء إلى القبر : فبقيت متحيرا ومضيت وهو على حاله.
    قال الأميني : أبو بكر الحنبلي هذا هو شيخ الحنابلة وعالمهم في عصره صاحب التصانيف وهو الراوي عن الخلال عن الحمصي عن إمام الحنابلة أحمد : إنه سئل عن التفضيل فقال : من قدم عليا على أبي بكر فقد طعن على رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن قدمه على عمر فقد طعن على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أبي بكر ، ومن قدمه على عثمان فقد طعن على أبي بكر وعمر وعثمان وعلى أهل الشورى والمهاجرين والأنصار.
    وليت مثقال ذرة من ذلك النور الخيالي الممتد من قبر الرجل سطع على مكمن بصيرته أبان حياته ، فلا يخضع لكلمة شيخه التافهة هذه التي تخالف الكتاب والسنة وإن مقدار الرجل ينبو عن التدخل في هذا الشأن العظيم الذي ليس هو من رجاله لكن ( حن قدح ليس منها ) أنى يقع قوله في التفضيل مع آيتي المباهلة والتطهير ؟ ومقتضى الأولى اتحاد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مع صنوه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله فيما يمكن اتحاد شخصين فيه ، وليست هي إلا الفضائل والفواضل والمكارم والمآثر ما خلا النبوة فما ظنك برجل يوازنه صلى الله عليه وآله فيما ذكرناه من الفضل ؟ أليس من السخف أن يقال : من قدم عليا.
    إلخ ؟ ومقتضى الثانية عصمته صلوات الله عليه عن جميع الذنوب والمعاصي ، وهل يوازي المعصوم من يجترح السيئات ويقترف الآثام ؟ لكن صاحب النور يروي : من قدم عليا.. إلخ. ولا يبالي بما يروي.
    فمقتضى المقام أن يقال : من قدم أحدا على مولانا أمير المؤمنين فقد طعن على


(158)
الكتاب الكريم ومن صدع به صلى الله عليه وآله ومن أنزله جلت عظمته.
    وأنى يقع قول صاحب النور المروي عن إمامه أحمد أمام السنة المتواترة الواردة من شتى النواحي في فضل الإمام صلوات الله عليه المتقدمة في الأجزاء السابقة من هذا الكتاب (1) ؟ فمن قدمه سلام الله عليه على أبي بكر وصاحبيه فقد جاء بالحجة البالغة ، والنور الساطع ، وأخذ بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.

ـ 58 ـ
تمر ينقلب رطبا لابن سمعون
    أخرج الخطيب في تاريخه 1 : 275 قال : حدثنا أبو بكر محمد بن محمد الطاهري قال : سمعت أبا الحسين ابن سمعون (2) يذكر أنه خرج من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم قاصدا بيت المقدس ، وحمل في صحبته تمرا صيحانيا ، فلما وصل إلى بيت المقدس ترك التمر مع غيره من الطعام في الموضع الذي كان يأوي إليه ، ثم طالبته نفسه بأكل الرطب فأقبل عليها باللائمة وقال : من أين لنا في هذا الموضع رطب ؟ فلما كان وقت الإفطار عمد إلى التمر ليأكل منه فوجده رطبا صيحانيا ! فلم يأكل منه شيئا ، ثم عاد إليه من الغد عشية فوجده تمرا على حالته الأولى فأكل منه. وذكره ابن العماد في الشذرات 3 : 126.
ـ 59 ـ
ابن سمعون يخبر عما يراه النائم
    أخرج ابن الجوزي في المنتظم 7 : 199 من طريق أبي بكر الخطيب البغدادي عن أبي طاهر محمد بن علي بن العلاف قال : حضرت أبا الحسين ابن سمعون يوما في مجلس الوعظ وهو جالس على كرسيه يتكلم ، وكان أبو الفتح القواس جالسا إلى جنب الكرسي فغشيه النعاس ونام ، فأمسك أبو الحسين عن الكلام ساعة حتى استيقظ
1 ـ وسيوافيك قول أحمد وجمع آخرين من أئمة الحديث : لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في حق علي بن أبي طالب. وقول حبر الأمة ابن عباس : ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي.
2 ـ الواعظ الشهير الإمام القدوة الناطق بالحكمة كما في المنتظم والشذرات توفي 387.


(159)
أبو الفتح ورفع رأسه فقال له أبو الحسين : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومك ؟ قال : نعم ، فقال أبو الحسين : لذلك أمسكت عن الكلام خوفا أن تنزعج وتنقطع عما كنت فيه.
ـ 60 ـ
ابن سمعون وصبية الرصاص
    قال ابن الجوزي في المنتظم 7 : 198 : حكي أن الرصاص الزاهد كان يقبل رجل ابن سمعون دائما فلا يمنعه فقيل له في ذلك فقال : كان في داري صبية خرج في رجلها الشوكة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي : قل لابن سمعون : يضع رجله عليها فإنها تبرأ ، فلما كان من الغد بكرت إليه فرأيته قد لبس ثيابه فسلمت عليه فقال : بسم الله فقلت : لعل له حاجة أمضي معه وأعرض عليه في الطريق حديث الصبية فجاء إلى داري فقال : بسم الله.
    فدخلت وأخرجت الصبية إليه وقد طرحت عليها شيئا فترك رجله عليها ، وانصرف وقامت الجارية معافاة فأنا أقبل رجله أبدا.

ـ 61 ـ
ملك ينزل لأبي المعالي
    كان أبو المعالي البغدادي المتوفى 496 من الصلحاء الزهاد ، ذكر إنه أصابته فاقة شديدة في شهر رمضان فعزم على الذهاب إلى بعض الأصحاب ليستقرض منه شيئا قال : فبينما أنا أريده إذا بطائر قد سقط على كتفي وقال : يا أبا المعالي ! أنا الملك الفلاني لا تمض إليه نحن نأتيك به.
    قال : فبكر إلي الرجل.
    رواه ابن الجوزي في المنتظم 9 : 136 ، وابن كثير في تاريخه 12 : 163.
    ألا تعجب من ابن الجوزي لا يمر على منقبة من مناقب آل الرسول صلى الله عليه وآله إلا وحكم عليها بالوضع أو الضعف أو الوهن ، لكنه يرسل هذه الخزعبلات إرسال المسلم ، ولا ينبس في إسنادها ببنت شفة ، ولا في متونها بما يقتضيه المقام من التنفيذ والاحالة ؟ كل ذلك لأنه غال فيمن يحبهم ، وقال لمن يشنأهم.

ـ 62 ـ
الله يكلم أبا حامد الغزالي
    قال صاحب مفتاح السعادة 2 : 194 : قال ـ أبو حامد الغزالي (1) ـ في بعض
1 ـ أبو حامد محمد بن محمد الطوسي الشافعي حجة الاسلام الغزالي صاحب كتاب ( إحياء العلوم ) ولد بطوس 450 وتوفي 505.

(160)
مؤلفاته : كنت في بدايتي منكرا لأحوال الصالحين ومقامات العارفين حتى حظيت بالواردات ، فرأيت الله تعالى في المنام فقال لي يا أبا حامد ! قلت : أو الشيطان يكلمني ؟ قال : لا.
    بل أنا الله المحيط بجهاتك الست ثم قال : يا أبا حامد ! ذر أساطيرك وعليك بصحبة أقوام جعلتهم في أرضي محل نظري ، وهم أقوام باعوا الدارين بحبي.
    فقلت : بعزتك إلا أذقتني برد حسن الظن بهم.
    فقال : قد فعلت ذلك والقاطع بينك وبينهم تشاغلك بحب الدنيا ، فاخرج منها مختارا قبل أن تخرج منها صاغرا ، فقد أمضيت عليك نورا من أنوار قدسي ، فقم وقل.
    قال : فاستيقظت فرحا مسرورا وجئت إلى شيخي يوسف النساج فقصصت عليه المنام فتبسم وقال : يا أبا حامد ! هذا ألواحنا في البداية فمحوناها ، بلى إن صحبتني سأكحل بصر بصيرتك بأثمد التأييد حتى ترى العرش ومن حوله ، ثم لا ترضى بذلك حتى تشاهد ما لا تدركه الأبصار ، فتصفو من كدر طبيعتك ، وترتقى على طور عقلك ، وتسمع الخطاب من الله تعالى ـ كما كان لموسى عليه السلام ـ : أنا الله رب العالمين.
    قال الأميني : مادح نفسه يقرءك السلام.
    ليت شعري هل كان يضيق فم الشيطان عن أن يقول : أنا الله المحيط بجهاتك الست ، كما لم تضق أفواه المدعين للربوبية في سالف الدهر ؟ فمن أين عرف الغزالي بصرف الدعوى إنه هو الله ؟ ولماذا لم يحتمل بعد إنه هو الشيطان ؟ وإن كان قد صدق الرؤيا وأذعن بأن الله هو الذي خاطبه فلماذا لم يدع الأساطير وقد خوطب ب‍ : ذر الأساطير.
    ولم ينسج على نول النساج شيخه إلا التافهات ؟ وليته كان يوجد في صيدلية النساج كحل آخر تحد بصر الغزالي وبصيرته حتى لا يبوء بإثم كبير مما في إحيائه من رياضيات غير مشروعة محبذة من قبله كقصة لص الحمام وغيرها ، وحديث منعه عن لعن يزيد اللعين في باب آفات اللسان إلى أمثاله الكثير الباطل.
    وما أحد أثمد النساج الذي يترك من اكتحل به لا يرضى بعد رؤيته العرش ومن حوله ، حتى يشاهد ما لا تدركه الأبصار ، ويسمع الخطاب ـ كما سمعه موسى ـ : أنا الله رب العالمين ؟ وأنا إلى الغاية لا أدري إن موسى عليه السلام المشارك له في السماع هل
الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: فهرس