الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: 161 ـ 170
(161)
شاركه في الرؤية ؟ ولعل صاحب الهذيان يجد نفسه مربية على نبي الله موسى الذي هو من أولي العزم من الرسل ، وخوطب بقول الله العزيز : لن تراني يا موسى ! هكذا فليكن السالك المجاهد الغزال.

ـ 63 ـ
يد الغزالي في يد سيد المرسلين
    قال الشيخ الإمام الزاهد شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد الجلالي النسائي الشافعي : رأيت في بعض تصانيف الشيخ الإمام مسعود الطرازي : إن الإمام أبا حامد الغزالي رحمه الله كان قد أوصى أن يلحده الشيخ أبو بكر النساج الطوسي تلميذ الشيخ الإمام أبي القاسم الكرساني قال : فلما ألحده وخرج من اللحد خرج متغيرا منتقع اللون فقيل له في ذلك فلم يخبر بشيء ، فأقسموا عليه بالله إلا ما أخبرتهم فقال : إني لما وضعته في اللحد شاهدت يدا يمنى قد خرجت من تجاه القبلة وسمعت هاتفا يقول : ضع يد محمد الغزالي في يد سيد المرسلين محمد المصطفى العربي صلى الله عليه وآله فوضعتها فيها ثم خرجت كما ترون أو كما قال قدس الله روحه العزيز (1).
    لقد علم الغزالي أن للنساج عليه يدا واجبة بتكحيله بأثمده المتقدم ذكره ، فكان منه بدء هدايته ، فأحب أن يكون هو المجهز له في الغاية ، وعرف إن الرجل نسيج وحده في وشي الخرافات ، فأوصى إليه ما أوصى ، وأحسب إن يد الغزالي التي وضعها في يد النبي محمد صلى الله عليه وآله غير التي حمل القلم الذي خط به كتاب ( الإحياء ) المشحون بالأباطيل والأضاليل أو غيره من كتبه التي تحوي أمثال قصة الرؤية والاثمد.

ـ 64 ـ
إحياء العلوم للغزالي
    عن الإمام أبي الحسن المعروف بابن حرازم ـ ويقال : ابن حرزم ـ وكان مطاعا في بلاد المغرب إنه لما وقف على [ إحياء العلوم ] للغزالي أمر بإحراقه.
    وقال : هذا بدعة مخالف للسنة ، فأمر بإحضار ما في تلك البلاد من نسخ الإحياء ، فجمعوا وأجمعوا على إحراقها يوم الجمعة ، وكان إجماعهم يوم الخميس ، فلما كان ليلة الجمعة رأى
1 ـ مفتاح السعادة 2 : 207.

(162)
أبو الحسن في المنام كأنه دخل من باب الجامع ، ورأى في ركن المسجد نورا وإذا بالنبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر جلوس والإمام الغزالي قائم وبيده ( الإحياء ) وقال : يا رسول الله ! هذا خصمي ثم جثا على ركبتيه وزحف عليهما إلى أن وصل إلى النبي صلى الله عليه وآله فناوله ( كتاب الإحياء ) وقال : يا رسول الله ! انظر فيه فإن كان فيه بدعة مخالفة لسنتك كما زعم تبت إلى الله ، وإن كان شيئا تستحسنه حصل لي من بركتك فأنصفني من خصمي ، فنظر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله ورقة ورقة إلى آخره ثم قال : والله إن هذا شيء حسن ، ثم ناوله أبا بكر رضي الله عنه فنظر فيه كذلك ، ثم قال : نعم ، والذي بعثك بالحق يا رسول الله ! إنه لحسن.
    ثم ناوله عمر رضي الله عنه فنظر فيه كذلك ثم قال كما قال أبو بكر رضي الله عنه.
    فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بتجريد أبي الحسن وضربه حد المفتري فجرد وضرب ثم شفع فيه أبو بكر بعد خمسة أسواط وقال : يا رسول الله ! إنما فعل ذلك اجتهادا في سنتك وتعظيما.
    فعفا عنه أبو حامد عند ذلك ، فلما استيقظ ( أبو الحسن ) من منامه وأصبح أعلم أصحابه بما جرى ومكث قريبا من الشهر متألما من الضرب ثم سكن عنه الألم ومكث إلى أن مات وأثر السياط على ظهره وصار ينظر كتاب ( الإحياء ) ويعظمه وينتحله أصلا أصيلا.
    وفي لفظ اليافعي : وبقيت متوجعا لذلك خمسا وعشرين ليلة ، ثم رأيت النبي صلى الله عليه وآله جاء ومسح علي وتوبني فشفيت ونظرت في ( الإحياء ) ففهمته غير الفهم الأول.
    و ذكره السبكي في طبقاته 4 : 132 وقال : هذه حكاية صحيحة حكاها لنا جماعة من ثقات مشيختنا عن الشيخ العارف ولي الله سيدي ياقوت الشاذلي ، عن شيخنا السيد الكبير ولي الله أبي العباس المرسي ، عن شيخه الشيخ الكبير ولي الله أبي الحسن الشاذلي قدس الله تعالى أسرارهم (1) وذكره المولى أحمد طاش كبرى زاده في مفتاح السعادة 2 : 209 ، واليافعي في مرآت الجنان 3 : 322 : وقال السبكي في طبقاته : 4 : 113 : كان في زماننا شخص يكره الغزالي ويذمه
1 ـ كذا حكى عن السبكي والمطبوع من طبقاته يخالفه في بعض الألفاظ.

(163)
ويستعيبه في الديار المصرية فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما بجانبه والغزالي جالس بين يديه وهو يقول : يا رسول الله ! هذا يتكلم في ، وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هاتوا السياط ، وأمر به فضرب لأجل الغزالي ، وقام هذا الرجل من النوم وأثر السياط على ظهره ، ولم يزل كان يبكي ويحكيه للناس.
    وسنحكي منام أبي الحسن ابن حرزم المغربي المتعلق بكتاب ( الإحياء ) وهو نظير هذا.
    قال الأميني : نعما هي لو صدقت الأحلام ؟ إنا نحن نربأ صاحب الرسالة عن الاصفاق على تصديق مثل هذا الكتاب الذي هو في كثير من مواضيعه على الطرف النقيض لما صدع به من شريعته المقدسة ، وليست أباطيل الغزالي بألغاز لا يحلها إلا الفني فيها ، وإنما هي سرد متعارف يعرفها كل من وقف عليها من أهل العلم ، وليس فهمها قصرا على قوم دون آخرين ، فهي فتق لا يرتق ، وصدع لا يرأب.
    قال ابن الجوزي في المنتظم 9 : 169 : أخذ في تصنيف كتاب ( الإحياء ) في القدس ثم أتمه بدمشق إلا أنه وضعه على مذهب الصوفية وترك فيه قانون الفقه مثل إنه ذكر في محو الجاه ومجاهدة النفس : إن رجلا أراد محو جاهه فدخل الحمام فلبس ثياب غيره ، ثم لبس ثيابه فوقها ، ثم خرج يمشي على محل حتى لحقوه فأخذوها منه وسمي سارق الحمام ، وذكر مثل هذا على سبيل التعليم للمريدين قبيح ، لأن الفقه يحكم بقبح هذا فإنه متى كان للحمام حافظ وسرق سارق قطع ، ثم لا يحل لمسلم أن يتعرض بأمر يأثم الناس به في حقه.
    وذكر أن رجلا اشترى لحما فرأى نفسه تستحيي من حمله إلى بيته فعلقه في عنقه ومشى ، وهذا في غاية القبح ، ومثله كثير ليس هذا موضعه ، وقد جمعت أغلاط الكتاب وسميته [ إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء ] وأشرت إلى بعض ذلك في كتابي المسمى [ بتلبيس إبليس ] مثل ما ذكر في كتاب النكاح : إن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أنت الذي تزعم إنك رسول الله.
    وهذا محال.
    إلى أن قال : وذكر في كتاب ( الإحياء ) من الأحاديث الموضوعة وما لا يصح غير قليل ، وسبب ذلك قلة معرفته بالنقل ، فليته عرض تلك الأحاديث على من يعرف ، وإنما نقل نقل حاطب ليل.
    وكان قد صنف للمستظهر كتابا في الرد على الباطنية ، وذكر في آخر


(164)
مواعظ الخلفاء فقال : روي أن سليمان بن عبد الملك بعث إلى أبي حازم : ابعث إلي من إفطارك.
    فبعث إليه نخالة مقلوة فبقي سليمان ثلاثة أيام لا يأكل ، ثم أفطر عليها وجامع زوجته ، فجاءت بعبد العزيز ، فلما بلغ ولد له عمر بن عبد العزيز.
    وهذا من أقبح الأشياء لأن عمر ابن عم سليمان وهو الذي ولاه ، فقد جعله ابن ابنه ، فما هذا حديث من يعرف من النقل شيئا أصلا.. الخ.
    وقال ابن الجوزي في ( تلبيس إبليس ) ص 352 : قد حكى أبو حامد الغزالي في كتاب ( الإحياء ) قال : كان بعض الشيوخ في بداية إرادته يكسل عن القيام فألزم نفسه القيام على رأسه طول الليل لتسمح نفسه بالقيام عن طوع.
    قال : وعالج بعضهم حب المال بأن باع جميع ماله ورماه في البحر إذا خاف من تفرقته على الناس رعونة الجود ورياء البذل.
    قال : وكان بعضهم يستأجر من يشتمه على ملأ من الناس ليعود نفسه الحلم.
    قال : وكان آخر يركب البحر في الشتاء عند اضطراب الموج ليصير شجاعا.
    ثم قال : قال المصنف رحمه الله : أعجب من جميع هؤلاء عندي أبو حامد كيف حكى هذه الأشياء ولم ينكرها ؟ وكيف ينكرها وقد أتى بها في معرض التعليم ؟ وقال قبل أن يورد هذه الحكايات : ينبغي للشيخ أن ينظر إلى حالة المبتدئ فإن رأى معه مالا فاضلا عن قدر حاجته أخذه وصرفه في الخير ، وفرغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه.
    وإن رأى الكبرياء قد غلب عليه أمره أن يخرج إلى السوق للكد ويكلفه السؤال والمواظبة على ذلك.
    وإن رأى الغالب عليه البطالة استخدمه في بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان.
    وإن رأى شره الطعام غالبا عليه ألزم الصوم ، وإن رآه عزبا ولم تنكسر شهوته بالصوم أمره أن يفطر ليلة على الماء دون الخبز وليلة على الخبز دون الماء ويمنعه اللحم رأسا.
    فقال : قلت : وإني لا تعجب من ( أبي حامد ) كيف يأمر بهذه الأشياء التي تخالف الشريعة ؟ وكيف يحل القيام على الرأس طول الليل فينعكس الدم إلى وجهه ويورثه ذلك مرضا شديدا ؟ وكيف يحل رمي المال في البحر ؟ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.
    وهل يحل سب مسلم بلا سبب ؟ وهل يجوز للمسلم أن يستأجر على ذلك


(165)
وكيف يجوز ركوب البحر زمان اضطرابه ؟ وذاك زمان قد سقط فيه الخطاب بأداء الحج ، وكيف يحل السؤال لمن يقدر أن يكتسب ؟ فما أرخص ما باع أبو حامد الغزالي الفقه بالتصوف ؟.
    وقال : وحكى أبو حامد : إن أبا تراب النخشبي قال لمريد له : لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من رؤية الله سبعين مرة.
    فقال : قلت : وهذا فوق الجنون بدرجات.
    هذه جملة من كلمات ابن الجوزي حول [ إحياء العلوم ] ومن أمعن النظر في أبحاث هذا الكتاب يجده أشنع مما قاله ابن الجوزي ، وحسبك ما جاء به من حلية الغناء والملاهي وسماع صوت المغنية الأجنبية والرقص واللعب بالدرق والحراب ، ونسبة كل ذلك إلى نبي القداسة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال (1) بعد سرد جملة من الموضوعات تدعيما لرأيه السخيف : فيدل هذا على إن صوت النساء غير محرم تحريم صوت المزامير ، بل إنما يحرم عند خوف الفتنة ، فهذه المقاييس والنصوص تدل على إباحة الغناء ، والرقص ، والضرب بالدف ، واللعب بالدرق والحراب ، والنظر إلى رقص الحبشية والزنوج في أوقات السرور كلها قياسا على يوم العيد فإنه وقت سرور ، وفي معناه يوم العرس ، والوليمة ، والعقيقة ، والختان ، ويوم القدوم من السفر ، وسائر أسباب الفرح وهو كل ما يجوز به الفرح شرعا ، ويجوز الفرح بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد على طعام أو كلام فهو أيضا مظنة السماع.
    ثم ذكر سماع العشاق تحريكا للشوق وتهييجا للعشق وتسلية للنفس.
    وفصل القول في ذلك بما لا طائل تحته ، وخلط الحابل بالنابل ، وجمع فيه بين الفقه المزيف وبين السلوك بلا فقاهة.
    ومن طامات كتاب ( الإحياء ) أو من شواهد جهل مؤلفه المبير ومبلغه من الدين والورع رأيه الساقط في اللعن قال في ج 3 : 121 : وعلى الجملة ففي لعن الأشخاص خطر فليجتنب ، ولا خطر في السكوت عن لعن إبليس مثلا فضلا عن غيره ، فإن قيل : هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو أمره به ؟ قلنا : هذا لم يثبت أصلا ، فلا يجوز
1 ـ راجع إحياء العلوم 2 : 276.

(166)
أن يقال : إنه قتله ، أو أمر به ما لم يثبت فضلا عن اللعنة ، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق ثم ذكر أحاديث في النهي عن لعن الأموات فقال : فإن قيل : فهل يجوز أن يقال : قاتل الحسين لعنه الله ، أو الآمر بقتله لعنه الله ؟ قلنا : الصواب أن يقال : قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة ، فإن وحشيا قاتل حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله وهو كافر ، ثم تاب عن الكفر والقتل جميعا ، ولا يجوز أن يلعن والقتل كبيرة ، ولا تنتهي إلى رتبة الكفر ، فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر ، وليس في السكوت خطر فهو أولى.
    فهلم معي أيها القارئ الكريم إلى هذه التافهات المودوعة في غضون [ إحياء العلوم ] هل يراها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله شيئا حسنا ، وحلف بذلك ؟ وهل سره دفاع الرجل عن إبليس اللعين أو عن جروه يزيد الطاغية الذي أبكى عيون آل الله وعيون صلحاء أمة محمد صلى الله عليه وآله في ريحانته إلى الأبد ؟! وهل يحق لمسلم صحيح ينزه عن النزعة الأموية الممقوتة ، ويطلع على فقه الاسلام وطقوسه ، ويعلم تاريخ الأمة ، ويعرف نفسيات أبناء بيت أمية الساقط ، ولا يجهل أو لا يتجاهل بما أتت به يد يزيد الطاغية الأثيمة ، وما نطق به ذلك الفاحش المتفحش وما أحدثه في الاسلام من الفحشاء والمنكر ، وما ثبت عنه من أفعاله وتروكه ، وما صدر عنه من بوائق وجرائم وجرائر ، أن يدافع عنه بمثل ما أتى به هذا المتصوف الثرثار البعيد عن العلوم الدينية وحياتها ؟ وهو لا يبالي بما يقول ، ولا يكترث لمغبة ما خطته يمناه الخاطئة ، والله من وراءه حسيب ، وهو نعم الحكم العدل ، والنبي الأعظم ، ووصيه الصديق ، والشهيد السبط المفدى هم خصماء الرجل يوم يحشر للحساب مع يزيد الخمور والفجور ـ ومن أحب حجرا حشره الله معه ـ وسيذوق وبال مقاله ويرى جزاء محاماته.
    ولست أدري إلى الغاية إن حد المفتري الذي أقامه رسول الله صلى الله عليه وآله على أبي الحسن ابن حرازم إن كان بحق ـ ولا بد أن يكون ما يفعله النبي حقا ـ فلماذا درأته عنه شفاعة الشيخ أبي بكر ؟ ولا شفاعة في الحدود. وإن لم يكن أبو الحسن مستحقا


(167)
له فبماذا أقامه رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ ولماذا أرجأ الشيخ رأيه في اجتهاد ابن حرازم إلى أن جرد وضرب خمسة أسواط ؟ وكيف خفي على رسول الله صلى الله عليه وآله ما يدرأ به الحد من شبهة الاجتهاد ؟ ومن سنته الثابتة درأ الحدود بالشبهات. وهل تقام الحدود في عالم الطيف ؟

ـ 65 ـ
اللامشي يسجد على أرض النهر
    قال السمعاني : سمعت أبا بكر الزاهد السمرقندي يقول : بت ليلة مع الإمام اللامشي ـ الحسين بن علي أبي علي الحنفي المتوفى 522 ـ في بعض بساتينه فخرج من باب البستان نصف الليل ومر على وجهه فقمت أنا وتبعته من حيث لا يعلم ، فوصل إلى نهر كبير عميق ، وخلع ثيابه ، واتزر بميرز وغاض في الماء ، وبقي زمانا لا يرفع رأسه فظننت أنه غرق فصحت وقلت : يا مسلمون ! غرق الشيخ فإذا بعد ساعة قد ظهر وقال : يا بني لا نغرق.
    فقلت : يا سيدي ! ظننت أنك غرقت ، فقال : ما غرقت ولكن أردت أن أسجد لله سجدة على أرض النهر فإن هذه أرض أظن أن أحدا ما سجد لله عليها سجدة [ الجواهر المضية في طبقات الحنفية ] 1 : 215.
    مرحى بالسخافة وزه بمستسخف الناس الذين يخضعون لأمثال هذه السفاسف ، وحيا الله هذه النفس التي لم يأخذ بخناقها انقطاع النفس طيلة تلك المدة تحت الماء ، وليس ذلك من خرافة القصاصين بعجيب ، ولا عجب فإن المغالاة في الحب يستسهل وقوع ما يحيله العقل.

ـ 66 ـ
الطلحي يستر سوأته بعد موته
    أخرج ابن الجوزي وابن كثير بالإسناد عن أحمد الاسواري وكان ثقة وهو تولى غسل إسماعيل بن محمد الحافظ (1) أنه قال : أراد أن ينحي الخرقة عن سوأته وقت الغسل
1 ـ أبو القاسم الطلحي الشافعي من أهل أصبهان قال ابن الجوزي : إمام في الحديث والتفسير و اللغة حافظ متقن دين ولد 459 وتوفي باصبهان سنة 535.

(168)
فجذبها الشيخ إسماعيل من يده وغطى فرجه ، فقال الغاسل : أحياة بعد الموت ؟ المنتظم 10 : 90 ، تاريخ ابن كثير 12 : 217.
    قال الأميني : لا حياة بعد الموت لأمثال الطلحي ، إلى يوم الوقت المعلوم ، لكن الغلو في الحب يحيي ويميت ويميت ويحيي.

ـ 67 ـ
طاعة الحيوانات والجمادات للمنبجي
    قال الإمام أبو محمد ضياء الدين الوتري في ( روضة الناظرين ) ص 36 : قال الشيخ عقيل بن شهاب الدين أحمد المنبجي العمري أحد أحفاد عمر بن الخطاب ، وكان يلقب بالغواص : أعطاني الله الكلمة النافذة في كل شيء ، ثم داخله وجد فقام : وقال : يا هوام ! يا حجارة ! يا شجر ! صدقوني ، فإني ما ادعيت باطلا ، فوفدت الوحوش من الجبل وقد ملأ زئيرها وصراخها البقاع ودارت به ، ورقصت الحجارة ، فهذه صاعدة وهذه نازلة ، واشتبكت الأغصان بعضها ببعضها ، ثم حضر فسكت وعاد كل لما كان عليه.
    وقال الوتري : كان يلقب بالغواص ، وذلك لأنه مر بجماعة من تلامذة شيخه السروجي بالفرات ، ففرش سجادته على الماء وجلس عليها وغاص بالماء إلى الجانب الآخر ، ثم ظهر من الماء ، ولا بلل بثيابه ، فذكر ذلك إخوانه لشيخه مسلمة السروجي فقال : عقيل غواص.
    فاشتهر بذلك (1) قال الأميني : حقا إن تأثير هذا الرجل في المواليد الثلاث أقوى من تأثير الله سبحانه في تصديقها إياه إن حققت المزاعم والتافهات ، فقد جاء في الذكر الحكيم : و إن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم (2). وسبح لله ما في السموات والأرض (3) ولله يسجد ما في السموات والأرض (4) والنجم والشجر يسجدان (5)
1 ـ روضة الناظرين ص 35.
2 ـ سورة الاسراء : 47.
3 ـ سورة الصف : 2.
4 ـ سورة النحل : 52.
5 ـ سورة الرحمن : 7.


(169)
ألم تر إن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس (1) ومع ذلك لم يسمع أحد للوحوش والدواب نعيقا ، وللشجر هفيفا ، وللأحجار صعودا وهبوطا ، بعنوان السجدة و التسبيح ، فهو لا محالة إما بلسان ملكوتي ، أو بعنوان جعل الاستعداد ، أو الشهادة التكوينية التي لا تفارق كل موجود على حد قول القائل :
وفي كل شيء له آية تدل على إنه واحد
    وعليه ينزل قوله تعالى : شهد الله أنه لا إله إلا هو.
    أي خلق ما يشهد له بأحد الوجوه المذكورة ، وإلا فهي دعوى لا شهادة لها إن أريد بها ظاهرها.
    أو إن للموجودات في تسبيحها وسجودها لغة وأطوارا لا يحسها البشر ، إلا من اصطفاه الله من عباده المنتجبين ، وعلمه منطق الطير ، وعرفه لغة الحجر والشجر والهوام ، لكن الشيخ الغواص أعطاء الله الكلمة النافذة في كل شيء حتى زارت وصرخت له الوحوش ، ورقصت الحجارة ، واشتبكت أغصان الأشجار ، فحظيت بسماعها ورؤيتها آذان أولئك الغالين في فضائله ومقلهم ، فحيى الله منحة المولى سبحانه لعبده أكثر مما عنده ، ولك إمعان النظر وتدقيق البحث حول السجادة والغوص ، وهذه كلها سهلة غير مستصعب على الشيخ مهما كان حفيد عمر الخلفية ، وقد سمعت كراماته الظاهرة في العناصر الأربعة في الجزء الثامن ص 83 ـ 87 ط 1 ، هكذا يخلق أو يختلق الغلو الفضائل ، وافقت العقل أم لم توافق.

ـ 68 ـ
كرامة لابن مسافر الأموي
    قال عمر بن محمد : خدمت الشيخ عدي ـ ابن مسافر الشامي الأموي المتوفى 557 / 8 ـ سبع سنين شهدت له فيها خارقات أحدها : أني صببت على يديه ماء فقال لي : ما تريد ؟ قلت أريد تلاوة القرآن ولا أحفظ منه غير الفاتحة وسورة الاخلاص ، فضرب بيده في صدري فحفظت القرآن كله في وقتي ، وخرجت من عنده وأنا أتلوه بكماله. [ شذرات الذهب ] لابن العماد الحنبلي 4 : 180 ،
1 ـ سورة الحج : 19.

(170)
    قال الأميني : ليت هذا الأموي أدرك عهد الخليفة الثاني فيضرب بيده في صدره فلا يتجشم بمقاساة الشدة لحفظ سورة البقرة في أثني عشر عاما.
    لكنه لم يدرك.
    وليت شعري هل كان يرضخ راوي هذه الأسطورة لها لو كان صاحبها علويا ؟ أو إن رضوخه قصر على الأموي فحسب ؟ وذكر ابن العماد أيضا في شذرات ذهبه نقلا عن اليونيني ـ الآتي ذكره.
    قال قال لي عدي بن مسافر يوما : إذهب إلى الجزيرة السادسة بالبحر المحيط تجد بها مسجدا فادخله ترى فيه شيخا فقل له : يقول لك الشيخ عدي بن مسافر : إحذر الاعتراض و لا تختر لنفسك أمرا ليست لك فيه إرادة.
    فقلت : يا سيدي ! وأنى لي بالبحر المحيط ؟ فدفعني بين كتفي فإذا أنا بجزيرة والبحر محيط بها وثم مسجد فدخلته فرأيت شيخا مهيبا يفكر فسلمت عليه وبلغته الرسالة فبكى وقال : جزاه الله خيرا ، فقلت : يا سيدي ! ما الخبر ؟ فقال : إعلم أن أحد السبعة الخواص في النزع وطمحت نفسي و إرادتي أن أكون مكانه ، ولم تكمل خطرتي حتى أتيتني فقلت : يا سيدى ! وأنى لي بالوصول إلى جبل هكار ؟ فدفعني بين كتفي فإذا أنا بزاوية الشيخ عدي فقال لي : هو من العشرة الخواص.
    قال الأميني : الجنون فنون ، وأرقها جنون الحب والمغالاة في الفضائل.

ـ 69 ـ
عبد القادر يحيي دجاجة
    قال اليافعي في مرآة الجنان 3 : 356 : روى الشيخ الإمام الفقيه العالم المقري أبو الحسن علي بن يوسف بن جرير بن معضاد الشافعي اللخمي في مناقب الشيخ عبد القادر (1) بسنده من خمس طرق ، وعن جماعة من الشيوخ الجلة أعلام الهدى العارفين المقتنين للاقتداء ، قالوا : جاءت امرأة بولدها إلى الشيخ عبد القادر فقالت له : يا سيدي ! إني رأيت قلب ابني هذا شديد التعلق بك ، وقد خرجت عن حقي فيه لله
1 ـ الشيخ السيد عبد القادر بن أبي صالح موسى الحسني الجيلاني ، مؤسس الطريقة القادرية. من كبار المتصوفين ، ولد في 491 بجيلان [ وراء طبرستان ] وانتقل إلى بغداد شابا ، وتوفي سنة 561 ودفن ببغداد وقبره مشهور يزار.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: فهرس