الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: 171 ـ 180
(171)
عزوجل ولك ، فقبله الشيخ وأمره بالمجاهدة وسلوك الطريق ، فدخلت أمه عليه يوما فوجدته نحيلا مصفرا من آثار الجوع والسهر ، ووجدته يأكل قرصا من الشعير فدخلت إلى الشيخ فوجدت بين يديه إناء فيه عظام دجاجة مسلوقة قد أكلها ، فقالت : يا سيدي ! تأكل لحم الدجاج ويأكل ابني خبز الشعير ؟ فوضع يده على تلك العظام وقال : قومي بإذن الله تعالى الذي يحيي العظام وهي رميم. فقامت الدجاجة سوية وصاحت ، فقال الشيخ : إذا صار ابنك هكذا فليأكل ما شاء. وذكرها الشيخ عبد القادر القادري في [ تفريح الخاطر ] ص 32.
    قال الأميني : إن خاصة الأنبياء وفي الطليعة منها إحياء الموتى هل تتأتى لكل مرتاض ، فلا يبقى بينه وبين النبي المرسل أي مائز ؟ وهب إن الباحث تصور لصدورها من الأولياء اعتبارا آخر فتكون كرامة للولي ومعجزة للنبي الذي ينتحل شرعته ، إلا أنه اعتبار اهتدى إليه الفكر بعد روية طويلة ، لكنه لا خارج له تصل إليه العامة ، فاطرادها بل وظهورها من غير اطراد يحط عندها من مقام النبوة لمحض المشاكلة الصورية ، وكلما كان كذلك لا يمكن وقوعه.
    ثم هل لأكل خبز الشعير وما جشب من الطعام بمحضه أن يوصل السالك إلى مرتبة يحيي فيها الموتى ، وإن كان المولى سبحانه يعلم إنه متى بلغ إلى هذه المرتبة ألهاه أكل الدجاجة المسلوقة أكلا لما ؟! وهل الرياضة شرط في حدوث القوة في النفس والملكات الفاضلة وليست شرطا في بقائها ؟! أو ليس التلهي باللذايذ مزيحة لتلكم الأحوال النفسية كما كانت الرياضة مجتذبة لها ؟ فاحف القول السؤال عن هذه المشكلات ، فإن أجابوك فأخبرني.

ـ 70 ـ
عبد القادر يحتلم في ليلة أربعين مرة
    ذكر الشعراني في الطبقات الكبرى 1 : 110 قال : كان الشيخ عبد القادر ( الجيلاني ) رضي الله عنه يقول : أقمت في صحراء العراق وخرائبه خمسا وعشرين سنة مجردا سائحا لا أعرف الخلق ولا يعرفوني ، يأتيني طوائف من رجال الغيب والجان أعلمهم


(172)
الطريق إلى الله عزوجل ، ورافقني الخضر عليه السلام في أول دخولي العراق ، وما كنت عرفته وشرط أن لا أخالفه وقال لي : اقعد هنا.
    فجلست في الموضع الذي أقعدني فيه ثلاث سنين ، يأتيني كل سنة مرة ويقول لي : مكانك حتى آتيك.
    قال : ومكثت سنة في خرائب المدائن آخذ نفسي بطريق المجاهدات فآكل المنبوذ ولا أشرب الماء ، ومكثت فيها سنة أشرب الماء ولا آكل المنبوذ ، وسنة لا أكل ولا أشرب ولا أنام ، ونمت مرة بايوان كسرى في ليلة باردة فاحتلمت فقمت وذهبت إلى الشط واغتسلت ، ثم نمت فاحتلمت فذهبت إلى الشط واغتسلت فوقع لي ذلك في تلك الليلة أربعين مرة وأنا أغتسل ، ثم صعدت إلى الايوان خوف النوم.
    قال الأميني : اقرأه مع إمعان وتبصر في شأن هذا العارف معلم طوائف من رجال الغيب والجان الذي اتخذوه الطريق إلى الله ، وكان رفيق الخضر عليه السلام ، وأعجب من إنسان لم يأكل سنة ، ولم يشرب أخرى ، ويتركهما ثالثة ، ولم تخر قواه حتى يحتلم في ليلة شاتية أربعين مرة ، ويعبث به الشيطان بهذا العدد الجم وهو فان في الله ولو كان اتفق له ذلك خلال تلكم الأيام التي كان يأكل فيها الدجاجة المسلوقة ويحيي عظامها كما مر لكان يعد بعيدا عن الطبيعة البشرية.
    وما أطول تلك الليلة حتى وسعت أربعين نومة ذات احتلام ، وأغسالا بعدها على عدد الأحلام المتخللة بالذهاب إلى الشط والإياب إلى مقره ومنامه ، وبعد ذلك كله تبقى منها برهة يصعد الشيخ إلى الايوان خوفا من النوم ، ولعله لو نام بعد نومته المتممة للأربعين لبلغ العدد الأربعمائة أو أكثر ، ولم يكن الشيطان يفارق ذلك الهيكل القدسي واللعب به مهما امتدت ليلته ، وليس إحيائه عظام الدجاجة بأعظم من هذه الكرامة ، وإن هي إلا أحلام نائم نسجتها أيدي العرونة غلوا في الفضائل.

ـ 71 ـ
قدم النبي صلى الله عليه وآله على رقبة عبد القادر
    قال الشيخ السيد عبد القادر الكيلاني : لما عرج بجدي صلى الله عليه وسلم ليلة المرصاد ، وبلغ سدرة المنتهى بقي جبريل الأمين عليه السلام متخلفا وقال : يا محمد ! لو دنوت أنملة لاحترقت فأرسل الله تعالى روحي إليه في ذلك المقام ، لاستفادتي من سيد الأنام عليه وعلى آله


(173)
الصلاة والسلام ، فتشرفت به ، واستصحلت على النعمة العظمى والوراثة والخلافة الكبرى ، وحضرت وأوجدت بمنزلة البراق حتى ركب علي جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعناني بيده حتى وصل ، فكان قاب قوسين أو أدنى وقال لي : يا ولدي وحدقة عيني ! قدمي هذه على رقبتك ، وقدماك على رقاب كل أولياء الله تعالى.
    وقال رضي الله عنه :
وصلت إلى العرش المجيد بحضرتي نظرت لعرش الله قبل تخلقي وتوجني تاج الوصال بنظرة فلاحت لي الأنوار والحق أعطاني فلاحت لي الأملاك والله سماني ومن خلقه التشريف والقرب أكساني

ـ 72 ـ
عبد القادر وملك الموت
    عن السيد الشيخ الكبير أبي العباس أحمد الرفاعي قال : توفي أحد خدام الشيخ عبد القادر الكيلاني وجاءت زوجته إليه فتضرعت والتجأت إليه وطلبت حياة زوجها فتوجه الشيخ إلى المراقبة فرأى في عالم الباطن إن ملك الموت عليه السلام يصعد إلى السماء ومعه الأرواح المقبوضة في ذلك اليوم فقال : يا ملك الموت ! قف واعطني روح خادمي فلان ، وسماه باسمه ، فقال ملك الموت : إني أقبض الأرواح بأمر إلهي وأوديها إلى باب عظمته ، كيف يمكنني أن أعطيك روح الذي قبضته بأمر ربي ؟ فكرر الشيخ عليه إعطاء روح خادمه إليه ، فامتنع من إعطائه ، وفي يده ظرف معنوي كهيئة الزنبيل فيه الأرواح المقبوضة في ذلك اليوم ، فبقوة المحبوبية جر الزنبيل وأخذه من يده ، فتفرقت الأرواح ورجعت إلى أبدانها ، فناجى ملك الموت عليه السلام ربه وقال : يا رب ! أنت أعلم بما جرى بيني و بين محبوبك ووليك عبد القادر ، فبقوة السلطنة والصولة أخذ مني ما قبضته من الأرواح في هذا اليوم فخاطبه الحق جل جلاله : يا ملك الموت ! إن الغوث الأعظم محبوبي ومطلوبي لم لا أعطيته روح خادمه ؟ وقد راحت الأرواح الكثيرة من قبضتك بسبب روح واحد ، فتندم هذا الوقت (2).
1 ـ نفس المصدر الآتي في الخرافة التالية.
2 ـ تفريح الخاطر في ترجمة عبد القادر ص 5 ، 12 ط مصر مطبعة عيسى البابي الحلبي و شركاؤه سنة 1339.


(174)
ـ 73 ـ
وفاة الشيخ عبد القادر
    ذكروا : إنه لما قربت وفاة الشيخ عبد القادر الجيلاني جاء سيدنا عزرائيل عليه السلام بمكتوب ملفوف من الرب الجليل في وقت غروب الشمس وأعطاه ولده الشيخ عبد الوهاب وكان مكتوب ، على ظهره : يصل هذا المكتوب من المحب إلى المحبوب. فلما رآه ولده بكى وتحسر ودخل بالمكتوب مع سيدنا عزرائيل عليه السلام على حضرة الشيخ ، وقبل هذا بسبعة أيام كان معلوما لدى الشيخ انتقاله إلى العالم العلوي ، وكان مسرورا ودعا الله لمحبيه ومخلصيه بالمغفرة ، وتعهد أن يكون لهم شفيعا يوم القيامة ، وسجد لله تعالى وجاء النداء : يا أيتها النفس المطمئنة ! ارجعي إلى ربك راضية مرضية. وضج عالم الناسوت بالبكاء ، وابتهج عالم الملكوت باللقاء (1).
    هذه نماذج من أوهام جاء بها الغلو في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني ، ونحن لو ذهبنا لنجمع ما عزوه إلى الشيخ من الكرامات وإن شئت قلت : من الخرافات.
    مما لا يوافقه العقل ، ولا يصافق عليه المنطق ، ولا يساعده الشرع الاسلامي الأقدس ، ولا يدعم بحجة ، ولا تصدقه البرهنة لأريناك موسوعة ضخمة تبعثك إلى الضحك تارة وإلى البكاء أخرى.

ـ 74 ـ
الرفاعي يقبل يد النبي صلى الله عليه وآله
    قال أبو محمد ضياء الدين الوتري في [ روضة الناظر ] ص 54 : وفي هذه السنة [ يعني 555 ] حج السيد أحمد الرفاعي (1) رضي الله عنه بإشارة معنوية ، وزار قبر جده عليه الصلاة والسلام ، وأنشد تجاه القبر الطاهر.
في حالة البعد روحي كنت أرسلها تقبل الأرض عني وهي نائبتي

1 ـ تفريح الخاطر ص 38.
2 ـ ولد 512 بقرية حسن من أعمال واسط وتوفي 578 توجد ترجمته في غير واحد من معاجم التراجم وأفرد فيها أحمد عزت پاشا العمري الموصلي كتابا أسماه [ العقود الجوهرية في مدائح الحضرة الرفاعية ] طبع بمصر في المطبعة البهية سنة 1306 في 139 صفحة.


(175)
وهذه دولة الأشباح قد حضرت فامدد يمينك كي يحظى بها شفتي (1)
    فظهرت له يد جده عليه الصلاة والسلام فقبلها والناس ينظرون.
    وهذه القصة تواتر خبرها ، وعلا ذكرها ، وصحت أسانيدها ، وكتبها الحفاظ والمحدثون ، وكثير من أهل الطبقات والمؤرخين ، لا ينكرها إلا جاهل قليل الرواية ، حاسد لسلطان النبوة ، وظهور المعجزة المحمدية ، أو معذور من غير هذه الأمة الأحمدية ، على إن ظهور هذه المعجزة النبوية في تلك الأعصار التي ظهرت بها البدع ، وكثرت بها الفتن ، وتفرقت بها الأهواء ، وذهب بها أهل الباطل إلى مذاهب كثيرة كالإلحاد والزندقة وغير ذلك مما سلكه الفرق الضالة من طرق الضلالة ما كان إلا لإعلاء كلمة الحق والشريعة والدين على يد هذا السيد الجليل الذي اختصه الله ورسوله بهذه النعمة وأبرزه لهذه الخدمة ، لعدم وجود من يماثله أو يشاكله في ذلك القرن من الأولياء والسادات وصالحي الوقت نفعنا الله بهم.
    وقال في ص 62 : إذا عدت كرامات الرجال كفاه [ يعني السيد أحمد الرفاعي ] فخرا وشرفا تقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم بين جم غفير من المسلمين حتى سارت بها الركبان ، وتواتر خبرها في البلدان ، وقصر عندها باع أكابر الإنس والجان ، وغبطه عليها الملأ الأعلى ، كما قال ذلك في شأنه الشيخ عبد القادر الجيلي عليه الرحمة والرضوان.
    وفي العقود الجوهرية ص 5 عن العبد الصالح العارف بالله عبد الملك بن حماد إنه قال : قدر الله لي الحج سنة خمسمائة وخمسة وخمسين ، وجئت إلى المدينة وتشرفت بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الأسبوع جاء لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام شيخنا سيد العارفين إمام الأمة السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وقد دخل البلدة بقافلة عظيمة من الزوار فلما دخل الحرم الشريف النبوي وقف تجاه القبر الأفضل ، والوقت بعد العصر وقد غص الحرم المبارك بالناس وأنشد غائبا عن نفسه حاضرا بمحبوبه :
في حالة البعد روحي كنت أرسلها تقبل الأرض عني وهي نائبتي

1 ـ نسبهما والقصة برمتها صاحب [ تفريح الخاطر ] إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني ، ولا ضير في كل عز ومختلق مهما كانت الغاية تفريح الخاطر غلوا في الفضائل ، بعد الغض عن حكم العقل والشرع والمنطق.

(176)
وهذه دولة الأشباح قد حضرت فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
    فظهرت له يد النبي عليه الصلاة والسلام تتلمع بيضاء سوية كأنها زند البرق ، فقبلها والناس ينظرونه ، وقد من الله تعالى تفضلا علي فرأيتها ورأيت كيف استلمها ، وإني أعد هذا الشهود الباهر ذخيرة المعاد ، وزاد القدوم على الله تعالى.
    ثم قال : وكان في القافلة المذكورة الشيخ أحمد الزعفراني ، والشيخ عدي بن مسافر الأموي ، والسيد عبد الرزاق الحسيني الواسطي ، والشيخ عبد القادر الجيلاني ، والشيخ أحمد الزاهد ، والشيخ حيوة بن قيس الحراني ، والشيخ عقيل المنبجي العمري ، و جماعة من مشاهير أولياء العصر وقد تشرفت الكل برؤيا اليد النبوية الطاهرة الزكية واندرجوا تحت بيعة مشيخته رضي الله عنه وعنهم أجمعين ، وخبر هذه القصة متواتر مشهور ، وقد ساقه كثير من أعيان الرجال بوجه التفصيل فليراجع.
    قال الشيخ تقي الدين الفقيه النهروندي المتوفى 594 في قصيدة أولها :
أي سر جاءت به الأنبياء سلسلته السادات أهل المعالي فروى نشره الصديرين ريا مد طه يمينه للرفاعي وحديث رواته الأولياء ؟ وحكته الأئمة الأتقياء وأضاءت بنوره البطحاء فانجلت عندها له الأشياء
    إلى أن قال :
لا تقل كيف تم هذا ؟ وأيقن واهجر المارقين واعذر إذا ما أيكون النبي ميتا ؟ وفي القر وبمد اليمين لابن الرفاعي شهدتها المساء آلاف قوم صار ذاك المساء صبحا فما أعجب يفعل الله ربنا ما يشـاء أنكر الشمس مقلة عمياء آن أحياء ربها الشهداء حجة في مقامها سمحاء ورآها الاقران والأكفاء يوما فيه الصباح مساء ؟
    وقال صاحب العقود الجوهرية يمدحه في قصيدة له :
ذاك الرفاعي الذي فعله كم ركب الليث ؟ وكم راكب يعز في النقد على الناقد ذلل من صولة مستأسد ؟


(177)
كف رسول الله في لثمها قد مدها من قبره نحوه حاز بها الفخر على الجاحد لاحـت إلى الحاضر والشاهد
    وقال الحافظ الحاج ملا عثمان الموصلي في قصيدة يمدح بها السيد الرفاعي :
له الأفاعي وأسد الغاب طائعة ألا ترى إن من ينمى إليه فلا كفاه تقبيل يمنى الهاشمي أبي والجن تبصر من آياته العجبا يخشى من النار مهما أوقدت لهبا ؟ الزهراء فخرا وعنها الغير قد حجبا
    وقال السيد محمد أبو الهدى الرفاعي في تخميس قصيدة سراج الدين المخزومي :
أكرمت من طه بكف جنابه فلثمته وعرفت في أحبابه بين القفول مذ التجأت ببابه نورا أراد الله أن تحيى به
رغما لمن فتكت به الظلمات
    وقال من قصيدة يمدحه بها :
كفى شرفا تكليم خير الورى له وليس عجيبا حين صح انتسابه كرامة حق وهي ثابتة له وامداده إذ مد جهرا له اليدا إليه إذا أبدى إليه توددا ومعجزة للمصطفى خير من هدى
    وقال بهاء الدين السيد محمد الرواس في قصيدة له يمدحه بها.
كفاه إن رسول الله مد له وقال من جده خير الورى خلقا يد القبول وزهر العصر نضار له انطوى فيه إعزاز وإظهار
    وقال عبد الحميد أفندي الطرابلسي في قصيدة له يمدحه بها :
هو الحجة الكبرى على كل قائم ومن هذه والله حجة فضله لذاك يد المختار مدت له جهرا أجل غيره في القوم حجته صغرى
    وقال السيد عبد الغفار الأخرس في قصيدة يمدحه بها :
تولد من رسول الله شبل وقبل كف والده جهارا وشاهدها الثقات وكل فرد فتلك مزية لم يحظ فيها به دانت له كل السباع غدت بالنور بادية الشعاع رآها بانفراد واجتماع سواه من مطيع أو مطاع


(178)
    وقال أبو الفرج السيد أحمد شاكر الآلوسي من قصيدة يمدحه بها :
هو قطب الوجود غوث البرايا كم له من مناقب سائرات حاز من جده الرسول مقاما حيثما زاره وقبل كفا غيثها المرتجى على الإطلاق كمسير البدور في الآفاق ؟ لم يزل ذكره مدى الدهر باقي منه قد آذنت له بالتلاقي
    وقال الفقيه يحيى بن عبد الله الواسطي في قصيدة يمدحه بها :
مدت له يد طه ثم قبلها والمصطفى بكتاب العتق أكرمه يهنيه مجدا نأى أن يقبل الشركا والله أحيا له لما دعا السمكا
    وقال صفي الدين يحيى بن المظفر البغدادي الحنبلي في قصيدة يمدحه بها :
وله إمام الرسل مد يدا لها وقوافل الحجاج سكرى عندها فتحت كنوز حقائق القرآن ما بين مبهوت وذي أشجان
    وقال السيد عبد الحي الحسيني مفتي [ غزة هاشم ] من قصيدة يمدحه بها :
علم الشرق أحمد من إليه مد راحا إلى النبي بها كل يالراح قد صافحتها المعالي مد طه يمينه إجلالا محال لو رامه ما استحالا وشفاة لقد لثمن الهلالا
    وقال السيد إبراهيم الراوي الرفاعي الشافعي من قصيدة يمدحه بها :
وهو باب النبي لاثم يمناه حين أبدى محمد معجزات كيف ؟ وهو شبله وكذا الآباء جهارا وقد تجلى تعالى معجزات لأحمد إجلالا تعلو إن أنجبت أشبالا
    وقال السيد سراج الدين المخزومي في كتابه [ صحاح الأخبار ] من قصيدة يمدح بها الرفاعي :
يا ابن من كان في الثبوت نبيا لك جمع في مشهد الوجد بانت لك قرب أقام في حالة البعد قبل كون القوالب الطينيه منه للقوم حكمة الفرقيه منارا في الروضة الحرميه


(179)
حين مدت يد الرسول جهارا شاهدتها الألوف من كل أرض وبآذاننا تواتر هذا المج لك يا حسن خلعة علنيه فروى نشرها البقاع القصيه د أقراط فخره جوهريه
    وذكر القصة القاضي الخفاجي الحنفي في شرح الشفا 3 : 489 ، والعدوي الحمزاوي في كنز المطالب ص 188 وفيه : فمد يده الشريفة من الشباك فقبلها.
    وابن درويش الحوت في أسنى المطالب ص 299 وقال : إذا أكرم الله عبدا برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة يمثل له نوره الشريف بصورة جسمه الكريم وربما ظنه الرائي إنه الجسم الشريف لغلبة الحال ، ومن ذلك ما وقع لسيدنا الرفاعي رضي الله عنه.. الخ.
    قال الأميني : لا تهمنا رؤية السيد الرفاعي يد النبي الشريفة وتقبيله إياها وقد جاء القوم بأعظم وأعظم منها ، هذا الشيخ عبد القادر الجيلاني استصحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج (1) وهذا جلال الدين السيوطي وقد رأى نفس النبي الأقدس في اليقظة بضعا وسبعين مرة ، وروى آخر عنه صلى الله عليه وآله أحاديث ، وكان آخر يشاوره في أموره قال الشيخ حسن العدوي الحمزاوي في مشارق الأنوار ، وكنز المطالب ص 197 نقلا عن [ بهجة النفوس والأسماع ] للشعراني عند نقله لمزايا الكمال : منها شدة قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كل وقت فلا يكاد يحجب عنهم في ليل أو نهار حتى أن بعضهم صحح عنده أحاديث عنه صلى الله عليه وسلم قال بعض الحفاظ بضعفها من طريق النقل الظاهر فتقوت بذلك عنده.
    قال : وقد أدركت جماعة ممن لهم هذا المقام منهم سيدي علي الخواص (2) والسيد علي المرصفي وأخي أفضل الدين ، والشيخ جلال الدين السيوطي ، والشيخ نور الدين الشوتي ، والشيخ محمد الصوفي ببلاد الفيوم رضي الله عنهم أجمعين.
    قال : وكان الشيخ نور الدين الشوتي يشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم في أموره ، وهي ومن جملة ما شاوره فيه حفر البئر التي في زاويتنا فإننا حفرنا ثلاثة آبار وهي تطلع
1 ـ راجع كتاب تفريح الخاطر في ترجمته.
2 ـ ترجمه الشعراني في طبقاته الكبرى 2 135 ـ 153 وبدء ترجمته بقوله : كان رضي الله عنه يتكلم عن معاني القرآن العظيم والسنة الشريفة كلاما نفيسا تحير فيه العلماء وكان محل كشفه اللوح المحفوظ عن المحو والاثبات. وقد أكثر في تلكم الصفحات من هذه المخاريق فراجع.


(180)
فاسدة وماؤها منتن. فقال له صلى الله عليه وسلم : قال لهم : يحفروا في باب الحوش ففعلنا فطلعت بئرا عظيمة وماؤها حلو ، فالحمد لله رب العالمين.
    إقرأ واسأل العقل السليم ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده.

ـ 75 ـ
الغزلاني يكشف عما في الخواطر
    قال أبو محمد ضياء الدين الوتري في روضة الناظرين ص 133 في ترجمة الشيخ محمد الغزالي الموصلي الشهير بالغزلاني (1) المتوفى 605 نقلا عن الشيخ محمد أبي عبد الله بن تاج ابن القاضي يونس الموصلي أنه قال : كنا مع جماعة من ثقات علماء الموصليين بزيارة الشيخ محمد الغزلاني قدس الله سره وكان الوقت وقت المغرب ، وقد أظلم الغار الذي هو فيه فثقل ذلك على الجماعة فكشف ما في خواطرهم وتبسم وقال : ما عندنا زيت ولا لنا سراج ، ثم أشار إلى شجرة أمام الغار ، فلمعت أغصانها نورا أضاء منه الجبل ، فوالله ما بتنا ليلة أبهج وأكثر أنسا عندنا من تلك الليلة.
    قال الأميني : : إقرأ وتعقل واحكم.
ـ 76 ـ
الشاطبي يعلم جنابة الجنب
    قال الجزري : أخبرني بعض شيوخنا الثقات عن شيوخهم : إن الشاطبي القاسم بن فيرة الضرير (2) كان يصلي الصبح بالفاضلية بغلس ثم يجلس للأقراء فكان الناس يتسابقون السرى إليه ليلا ، وكان إذا قعد لا يزيد على قوله : من جاء أولا فليقرأ : ثم يأخذ على الأسبق فأسبق ، فاتفق أن قال يوما : من جاء ثانيا فليقرأ وبقي الأول وكان من أصحابه لا يدري ما الذنب الذي أوجب حرمانه ففطن إنه أجنب تلك الليلة ولشدة حرصه على النوبة نسي ذلك ، فبادر إلى حمام جوار المدرسة فاغتسل ورجع قبل فراغ الثاني والشيخ
1 ـ وذلك لأن الغزلان لا زالت كانت تزوره وتأنس به. روضة الناظرين 133.
2 ـ أبو محمد الضرير المقرئ صاحب القصيدة التي أسماها ـ حرز الأماني ووجه التهاني ـ في القرءات عدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا ، ولد سنة 538 ، وتوفي سنة 590 ودفن بالقرافة وقبره مشهور مزور. شذرات الذهب 4 : 302.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: فهرس