الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: 181 ـ 190
(181)
قاعد أعمى ، فلما فرغ الثاني قال الشيخ : من جاء أولا فليقرأ. وهذا من أحسن ما وقع لشيوخ هذه الطائفة بل لا أعلم مثله وقع في الدنيا. مفتاح السعادة 1 : 388.
    قال الأميني : ليس الأمر كما حسبه الجزري من أن هذه الحالة من خاصة الشاطبي وما وقع مثلها في الدنيا ، وقد أسلفنا ذكر جماعة حسبوا إنهم كانوا يخبرون عن الضمائر ويعلمون المغيب ، وكأن القوم اتخذوا المغيبات العوبة يطل عليها كل أعمى أو بصير أو إن الغلو في الفضائل أسف بهم إلى هذه الهوة.

ـ 77 ـ
الحشرات تنحدر في الوادي
    قال عمر بن علي السرخسي : كنت مراهقا وقت موت الوخشي (1) الحافظ أبي علي الحسن بن علي البلخي فحضرته فلما وضع في القبر سمعنا صيحة فقيل : خرجت الحشرات من المقبرة وكان في طرقها وإذا انحدرت إليه وأبصرت العقارب والخنافس وهي منحدرة في الوادي والناس ما يتعرضون لها.
    ذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ 3 : 344.
    قال الأميني : دع الحشرات تنحدر ، وانظر إلى عقل هذا الحافظ راوي هذه المهزأة فإنه يخبت إلى مثل هذه الأسطورة ويراها مدحا لرجال قومه ، فما بال العقارب و الخنافس لم تغادر مقبرة المدينة الطيبة وبقيعها الغرقد ومسجدها الأعظم ولم تنحدر إلى الوادي وكأنها أنست بها ، غير إن حشرات مقبرة الوخشي تفر عنه ؟! هذا عقل الذهبي وروايته وتراه لما يقف على منقبة من مناقب مولانا أمير المؤمنين ولم ترقه ولا يجد في سندها ومتنها غمزا يتخلص منها بقوله : إن في نفسي منها شيئا. راجع تلخيص المستدرك.
ـ 78 ـ
اليونيني يمشي في الهواء
    قال الحافظ ابن كثير في تاريخه 13 : 94 : ذكروا إن ـ الشيخ عبد الله اليونيني المتوفى 617 ـ كان يحج في بعض السنين في الهواء ، وقد وقع هذا لطائفة كبيرة من
1 ـ نسبة إلى وخش : قرية من أعمال بلخ.

(182)
الزهاد وصالحي العباد ، ولم يبلغنا هذا عن أحد من أكابر العلماء ، وأول من يذكر عنه هذا حبيب العجمي ، وكان من أصحاب الحسن البصري ثم من بعده من الصالحين رحمهم الله أجمعين.
    قال الأميني : ليس بعجيب من ابن كثير أن يخبت إلى أمثال هذه الأعاجيب ، و يشوه بها صحيفة تاريخه ، ويرتفع صخبه متى وقف على منقبة من مناقب أهل البيت عليم السلام هي أدنى من هذه الموهومات التي يمجها الاعتبار ، ويحيلها العقل ، لكن الحب والبغض يعميان كما إنهما يصمان.

ـ 79 ـ
الحضرمي يعلم النحو بالاجازة
    قال ابن العلماء الحنبلي في شذرات الذهب 5 : 361 : للشيخ إسماعيل الحضرمي المتوفى 678 كرامات ، قال المطري : كادت تبلغ التواتر منها.
    إن ابن المعطي قيل له في النوم : إذهب إلى الفقيه إسماعيل الحضرمي واقرأ عليه النحو فلما انتبه تعجب لكون الحضرمي لا يحسنه ثم قال : لا بد من الامتثال فدخل عليه وعنده جمع يقرؤن الفقه فبمجرد رؤياه قال : أجزتك بكتب النحو فصار لا يطالع فيه شيئا إلا عرفه بغير شيخ.
    قال الأميني : خذ العلم من أفواه الرجال أو من إجازاتهم ، ما أكثر ما سمعنا التعلم بالدراسة ، ولكن هل سمعت أذناك تعلما بإجازة أو تزريقا للعلم بكلمة واحدة ؟ وهل سمعت أكرومة مثلها عن أحد من الرسل ؟ أو أنها فضيلة اختص بها الحضرمي ؟ ولم يتح مثله لأي أحد حتى إن النبي الأعظم لم يعلم عمر بن الخطاب الكلالة بالاجازة وكان يقول : أراك لم تعلمها.
    ويقول لبنته حفصة : أرى أباك لم يعلمها.
    إلى مئات من مجهولات الخليفة التي لم يتوفق لاستكناهها باشراق ، أو إجازة ، أو دراسة ، مع حاجته الماسة إليها يوم تسنم عرش الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان غير عازب عن علمه صلى الله عليه وآله وحاجة الأمة إليها ، ولم تكن تلكم المجهولات كعلم النحو الذي لا تقوم به دعامة الاسلام و القضاء والفتيا ، أضف إليه أخاه يوم المؤاخاة الخليفة الأول ، وما أكثر مجهولاته وما خفي عليه من معالم الدين وأحكام الشريعة ؟ وليت باب التعليم بالاجازة كان مفتوحا منذ


(183)
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ويعلم صلى الله عليه وآله وسلم ثالث الخلفاء الراشدين عثمان معالم دينه ، ولم تك تشوه صفحات الفقه الاسلامي بآراءه الشاذة عن الكتاب والسنة.

ـ 80 ـ
الحضرمي وأصحاب القبور
    ذكر السبكي في طبقاته 5 : 51 ، واليافعي في رياضه ص 96 عن إسماعيل الحضرمي المذكور : إنه مر على بعض المقابر في بلاد اليمن فبكى بكاءا شديدا ، وعلاه حزن وترح ، ثم ضحك ضحكا حميدا ، وعلاه في الحال سرور وفرح ، فتعجب الناس الحاضرون هنالك وسألوه عن ذلك فقال رضي الله عنه : كشف لي عن أهل هذه المقبرة فرأيتهم يعذبون فحزنت وبكيت لذلك ، ثم تضرعت إلى الله سبحانه وتعالى فيهم فقيل لي : قد شفعناك فيهم فقالت صاحبة هذا القبر : وأنا معهم يا فقيه إسماعيل ! أنا فلانة المغنية.
    فضحكت وقلت : و أنت معهم.
    ثم إنه أرسل إلى الحفار وقال : من في هذا القبر القريب العهد ؟ قال : فلانة المغنية التي تشفع لها الشيخ نفع الله تعالى بها.
    قال الأميني : أنا لا أدري بأيها أعجب ؟ أبدعوى الحضرمي إطلاعه على عالم البرزخ وقبول شفاعته في أهل تلك الجبانة حتى في المغنية ؟ أم باطلاع الحفار على ذلك السر المصون ؟ أم بوقوف المغنية على تلك الشفاعة والتشفع في الحين ، ومفاوضتها مع الفقيه في أمرها وهي في قبرها ، من دون أي سابقة تعارف بينهما ؟ وإذا كان الكل لم يقع فلا تمايز بين الإعدام ، وإنما العجب من بخوع الأعلام بمثل هذه الأوهام.
ـ 81 ـ
رد الشمس لإسماعيل الحضرمي
    أسلفنا في الجزء الخامس صفحة 21 وقوف الشمس لإسماعيل الحضرمي يوم قال لخادمه وهو في سفر : قل للشمس تقف حتى نصل إلى المنزل.
    فوقفت حتى بلغ مقصده ثم قال للخادم : أما تطلق ذلك المحبوس ؟ فأمرها الخادم بالغروب فغربت وأظلم الليل في الحال. ذكرها كما مر السبكي في طبقاته 5 : 51 ، واليافعي في مرآته 4 : 178 ، وابن


(184)
العماد في شذراته 5 ، 362 ، وابن حجر في الفتاوي الحديثية ص 232.
    لعل شرع الهوى يسوغ للانسان زخرف القول ، وأن يفوه بما شاء وأراد ، وأن ينسلب عن عقله ويكيل كيل المعتوهين ، أعوذ بالله من الغلو في الفضائل.

ـ 82 ـ
الدلاوي يرضع طفلا
    قال اليافعي في مرآت الجنان 4 ص 265 : كان عند السيد أبي محمد عبد الله الدلاوي المتوفى 721 ـ طفل غابت أمه عفه فبكى فدر ثديه باللبن فأرضع ذلك الطفل حتى سكت.
    لست أدري ما قيمة أمثال هذه الكتب التاريخية المشحونة بأمثال هذه الأضحوكة ، وهي السائرة الدائرة في الملأ العلمي يعول عليها ويؤخذ منها.

ـ 83 ـ
شمس الدين الكردي يواصل أسبوعا
    قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب 7 : 893 : كان شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي القدسي نزيل القاهرة الشافعي المتوفى 811 يواصل الأسبوع كاملا ، وذكر إن السبب فيه أن تعشى مع أبويه قديما فأصبح لا يشتهي أكلا ، فتمادى على ذلك ثلاثة أيام ، فلما رأى أنه له قدرة على الطي تمادى فيه أربعينا ، ثم اقتصر على سبع ، وكان فقيها ، وكان يذكر أنه يقيم أربعة أيام لا يحتاج إلى تجديد وضوء.
    قال الأميني : الطبع البشري لا يطيق المثابرة على الجوع أربعين يوما ولا أسبوعا ، كما إنه لا يطيق على السهر أربعا ، ولعل الفقيه الكردي كانت له نظرية خاصة في مبطلات الوضوء ، أو المغالاة في الفضائل كانت تخلق له هذه كلها.

ـ 84 ـ
الشاوي يستمهل للميت
    ذكر المناوي في طبقاته قال : كان أحمد بن يحيى الشاوي اليمني المتوفى 841 كبير القدر سريا ، رفيع الذكر سنيا ، صاحب أحوال وكرامات منها : إنه قصده جمع من الزيدية ممن لا يثبت الكرامات ، وقصدوا امتحانه وكان عنده جب فيه ماء ، فجعل


(185)
يغرف منه تارة لبنا ، وتارة سمنا ، وأخرى عسلا ، وغير ذلك بحسب ما اقترحوا عليه.
    ودخل على القاضي عثمان بن محمد الناشري وقد أرجف بموته ، ثم خرج وعاد إليه وقال لأهله : قد استمهلت له ثلاث سنين ، فأقام القاضي بعدها ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص. شذرات الذهب 7 : 240.
    قال الأميني : أنا لا أدري إن الشاوي هل رد أجلا جاءكما هو ظاهر قوله : وقد أرجف بموته.
    وفي الذكر الحكيم : إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون ؟ أو أنه موه على آل القاضي بازوف أجله وأنه استمهل له إلى منتهى ثلاثة أعوام ؟ وحسبه الإفك الشائن عندئذ ، ومن ذا أعلمه إنه يرجأ إلى منصرم سنين الثلاث ؟ و لعل علمه بذلك كان مدخرا في الجب الذي كان يغرف منه العسل طورا ، واللبن تارة ، والسمن مرة ، والماء أخرى ، وهذه المخازي خامسة ، ولا بأس عليه فإن البئر بئره والماء ماءه ، يغترف منها ما يشاء.
فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت

ـ 85 ـ
إمام يعلم حوائج زائريه وهو في قبره
    قال ابن العماد في شذرات الذهب 7 : 292 : توفي أبو القاسم محمد بن إبراهيم من بيت بني جمعمان سنة 857 وكان إماما مجتهدا وانتهت إليه الرياسة في العلم والصلاح في اليمن وله كرامات منها : إنه كان يخاطبه الفقيه أحمد بن موسى عجيل من قبره ، وإذا قصده أحد في حاجة توجه إلى قبره فيقرأ عنده ما تيسر من القرآن ثم يعلمه فيجيبه.
    قال الأميني : زلة العالم يضرب بها الطبل ، وزلة الجاهل يخفيها الجهل.
ـ 86 ـ
    حكي إن السيد يحيى بن السيد بهاء الدين الشرواني الحنفي المتوفى 768 كان لم يأكل طعاما في آخر عمره مقدار ستة أشهر (1).
1 ـ شذرات الذهب : 7 : 309.

(186)
    قال الأميني : حبذا لو قبلته الطبيعة البشرية ، وخضع له العقل السليم ، لكنك تعلم..

ـ 87 ـ
شيخ يأكل بقرة
    قال المناوي في طبقاته في ترجمة إبراهيم بن عبد ربه المتوفى 878 : أخذ عن الشيخ محمد الغمري ، والشيخ مدين ، قال : دخل مرة بيت الشيخ مدين في مولده فأكل طعام المولد كله.
    وأكل مرة لحم بقرة كاملة ثم طوى بعدها سنة ، و من كراماته ما حكاه الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري إنه قال له : بعدك نسائل في مهماتنا من ؟ قال : من بينه وبين أخيه ذراع من تراب ، فاسألني أجيبك ، فمرضت بنته فالتمسوا لها بطيخة فما وجدت فجاء إلى قبره وقال : الوعد ثم رجع بعد العشاء فوجد في سلم بيته بطيخة لم يعلم من أين جاءت. شذرات الذهب 7 : 323.
    قال الأميني :
وصاحب لي بطنه كالهاويه كأن في أحشاءه معاويه
    أنا في حيرة بين محالات ثلاث : أكل الشيخ البقرة كاملة ، وانطوائه على الجوع سنة ، وإعطائه البطيخ وهو تحت أطباق الثرى ، ولعله كان بينه وبين ابن أبي سفيان آصرة رحم فأتاه ناموس الوراثة عند أكل البقرة من هنالك ، ولكني لا أدري من أين أتته الوراثة في الصبر على الطوي سنة ، ولم يكن يطيقه معاوية ، ولا يطيقه أي إنسان و إن أكل عشرات من البقرة ، فإنه يهلك قبل عشر من معشار هذه المدة ، ولعلك تقول : إن من المحتمل إنه كان مصابا بدعوتين له وعليه فاجيبتا ، وأكل الشيخ وصبر ، لكن حديث البطيخة أنا لا أعرف منشأه ومبتداه كما أني أجهل خبره.

ـ 88 ـ
خمر بلدة صارت خلاً
    نشأ داود بن بدر الحسيني المتوفى 881 بشرافات من أعمال الفدس ، وكان أهلها كلهم نصارى ليس فيهم مسلم إلا الشيخ وأهل بيته ، وكانت حرفة أهل القرية عصر العنب وبيعه فشق ذلك عليه ، فتوجه بسببهم فصار كل شيء عملوه خلا وماء وعجزوا


(187)
فارتحلوا منها ، ولم يبق فيها إلا الشيخ وجماعته (1).
    قال الأميني : ما ظنك ببيئة لم تكن فيها حرفة إلا عصر العنب وبيعه ؟ وكيف كانت تغني هذه الحرفة أهل تلك القرية عن ساير المكاسب ؟ وهل تنحصر حرفة النصارى بعصر العنب وبيعه ، ولا يوجد منهم ذو حرفة آخرى ؟ وهل كان الشيخ وأهل بيته يديرون كل تلكم المكاسب والمهن التي تحتاج إليها كل جامعة بشرية ؟

ـ 89 ـ
أبو المعالي يحيي ويميت
    قال الإمام أبو محمد ضياء الدين الوتري في [ روضة الناظرين ] ص 112 في ترجمة السيد محمد أبي المعالي سراج الدين الرفاعي المتوفى 885 : إنه مس بيده المباركة ظهر رجل أحدب فقوم الله تعالى إحديدابه ، وصار على أحسن تقويم كأن لم يكن به إحديداب قبل ذلك أبدا.
    وقال : مر في الشام بغلام ذباح ذبح شاة ووضع السكين في فيه وكان الغلام على طائفة من الحسن والجمال فلما رآه وقف عنده والشاة تختبط مذبوحة وقد قرب خروج روحها فقال للذباح :
يا واضع السكين بعد ذبيحـه ضعها بجرح الذبح ثاني مرة في فيه يسقيها رحيق لهاته وأنا الضمين له برد حياته
    فأشار إلى الذباح أتباع سيدنا السيد السراج قدس سره بإعادة السكين إلى الجرح ، فأعادها ، فانتفضت الشاة سليمة لا جراحة فيها ولا ذبح بإذن الله.
    وقال : ومما حدثنا به الجم الغفير من الثقات أن رجلا ممن ينتمي إلى السيادة ببلدة هيت اسمه كبش اشتهرت به في هيت خرقة الطريقة القادرية ، وكان من الأدب مع أهل الله بمعزل ، فكان كثيرا ما يسئ فقراء الطرق السائرة وبالخاصة الأحمدية (2) فعاتبه بالواسطة سيدنا السيد سراج الدين ونصحه فأغلظ الجواب فكتب له السيد السراج كتابا وأرسله مع جماعة من أهل هيت كتب فيه مصرحا بغوثية عصره ما هو بحروفه :
1 ـ شذرات الذهب ج 7.
2 ـ أراد بها الرفاعية أتباع السيد أحمد الرفاعي.


(188)
لله في هذا الورى خاتم في نوعه من سره حالة يفيض من فيض إله الورى وإن طغا بالكبش لحم الكلا تجري المقادير على نقشه تستنزل الجبار عن عرشه وبطشه يظهر من بطشه يدخل رأس الكبش في كرشه
    فلما وصله الكتاب ضحك وقرأه لأصحابه علنا فلما قرأ البيت الأخير وأتمه سقط في الحال ميتا.
    قال الأميني : كلام شعري حسن ، والشعراء يتبعهم الغاوون ، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ؟ إنهم يقولون ما لا يفعلون ، كبرت كلمة تخرج من أفواهم إن يقولون إلا كذبا.

ـ 90 ـ
تطور أبي علي ليلا ونهاراً
    قال المناوي في طبقاته في ترجمة أبي علي حسين الصوفي المتوفى 861 : كان كثير التطور يدخل عليه إنسان فيجده سبعا ، ثم يدخل عليه آخر فيجده جنديا ، ثم يدخل عليه آخر فيجده فلاحا ، أو فيلا وهكذا.
    وقال آخرون : كان التطور دأبه ليلا ونهارا حتى في صورة السباع والبهائم ، ودخل عليه أعداؤه ليقتلوه فقتلوه فقطعوه بالسيوف ليلا ، ورموه على كوم بعيد ، فأصبحوا فوجدوه قائما يصلي بزاويته ، ومكث بخلوة في غيط خارج باب البحر أربعين سنة لا يأكل ولا يشرب. شذرات الذهب 7 : 250.
    قال الأميني : من لي بمعتوه يصدق هذه الأفائك ؟ متى سمعت بإنسان يتطور بصور الكواسر والبهائم كالشياطين التي تتشكل بأشكال مختلفة حتى الكلب والخنزير ؟ أو رجل حي بعد ما قطع بالسيوف إربا إربا ؟ أو بشر عاش على الطوي أربعين عاما ؟ هذه هي الحقيقة الراهنة لكن علماء الأمة قالوا قولا في أوليائها ولا سبيل إلى رده ، لأنه قول عالم في ولي.

ـ 91 ـ
السيوطي رأى النبي صلى الله عليه وآله يقظة
    قال ابن العماد في شذرات الذهب 8 : 54 : ذكر الشيخ عبد القادر الشاذلي في


(189)
كتاب ترجمته : أن جلال الدين السيوطي كان يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فقال لي : يا شيخ الحديث ! فقلت له : يا رسول الله ! أمن أهل الجنة أنا ؟ قال : نعم.
    فقلت : من غير عذاب يسبق ؟ فقال : لك ذلك.
    وقال الشيخ عبد القادر : قلت له : كم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ؟ فقال : بضعا وسبعين مرة.
    قال الأميني : لا يحل هذه المشكلة إلا راء آخر له صلى الله عليه وآله يقظة كما رآه السيوطي فيسأله عن هذه الدعوى ، فيخبره إن السيوطي كذب عليه صلى الله عليه وآله وسلم بضعا وسبعين كذبة.
    أو يوافي رجلا من المتنعمين في الجنة فيسأل عن مبوء السيوطي منها فيقول : أنا قط ما رأيته.
    وأما إذ لم يتأتيا فإنا نحيل الحكم في هذه القصة إلى العقل السليم لا إلى الغلاة في الفضائل ، هذه رؤية القوم النبي يقظة ، وأما رؤيتهم في المنام فتربو على المئات ، قال أبو عبد الله بن خفيف : سألت أبا جعفر الكتاني كم مرة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ؟ فقال : كثيرا. فقلت : يكون ألف مرة ؟ فقال : لا. فقلت : فتسعمائة ؟ فقال لا.
    قلت : فثمانمائة مرة ؟ فقال : لا ؟ قلت : فسبعمائة ؟ مرة ؟ فقال : بيده هكذا أي قريبا منه [ حلية الأولياء 10 : 343 ].
    وجمع محمد بن محمد الزواوي البجائي مناماته في جزء وفيها أزيد من مائتي رؤيا رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وفيها عجائب وغرائب [ نيل الابتهاج ص 322 ] وإن تعجب فعجب ما جاء به الزواوي في مناقب مالك ص 17 قال قال المثنى بن سعيد القصيري : سمعت مالكا يقول : ما بت ليلة إلا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ـ 92 ـ
السيوطي وطي الأرض
    ذكر محمد بن علي الحباك خادم الشيخ جلال الدين السيوطي المتوفى 911 : إن الشيخ قال له يوما وقت القيلولة : وهو عند زاوية الشيخ عبد الله الجيوشي بمصر بالقرافة : أتريد أن تصلي العصر بمكة بشرط أن تكتم ذلك علي حتى أموت ؟ قال : فقلت : نعم.
    قال : فأخذ بيدي وقال : غمض عينيك فغمضها فرحل بي نحو سبع وعشرين خطوة ثم قال لي : افتح عينيك فإذا نحن بباب المعلاة فزرنا أمنا خديجة ، والفضل


(190)
بن عياض ، وسفيان بن عيينة ، وغيرهم ، ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من ماء زمزم ، وجلسنا خلف المقام حتى صلينا العصر ، وطفنا وشربنا من ماء زمزم ثم قال لي : يا فلان ! ليس العجب من طي الأرض لنا ، وإنما العجب من كون أحد من أهل مصر المجاورين لم يعرفنا ، ثم قال لي : إن شئت تمضي معي ، وإن شئت تقيم حتى يأتي الحاج ؟ قال : فقلت : أذهب مع سيدي ، فمشينا إلى باب المعلاة وقال لي : غمض عينيك فغمضتها فهرول بي سبع خطوات ثم قال لي : افتح : عينيك فإذا نحن بالقرب من الجيوشي ، فنزلنا إلى سيدي عمر بن الفارض.
    أسلفنا هذه القصة وجملة من لداتها في الجزء الخامس ص 17 ـ 21 وفصلنا القول هنالك تفصيلا.

ـ 93 ـ
أبو بكر باعلوي يحيي الميت
    لما رجع أبو بكر بن عبد الله باعلوي المتوفى 914 من الحج دخل زيلع وكان الحاكم بها يومئذ محمد بن عتيق فاتفق إنه ماتت أم ولد للحاكم المذكور وكان مشغوفا بها فكاد عقله يذهب لموتها ، فدخل عليه السيد ـ باعلوي ـ لما بلغه عنه من شدة الجزع ليعزيه ويأمره بالصبر وهي مسجاة بين يديه بثوب فعزاه وصبره فلم يفد فيه ذلك ، وأكب على قدمي الشيخ يقبلهما وقال : لا سيدي ! إن لم يحي الله هذه مت أنا أيضا ، ولم يبق لي عقيدة في أحد ، فكشف السيد عن وجهها وناداها باسمها فأجابته : لبيك ورد الله روحها ، وخرج الحاضرون ولم يخرج السيد حتى أكلت مع سيدها الهريسة وعاشت مدة طويلة. شذرات الذهب 8 : 63 ، النور السافر ص 84.
    قال الأميني : فليذهب مسيح بن مريم بخاصته من إحياء الموتى بإذن الله حيث شاء ، فقد جاء باعلوي ونظراءه أمة كبيرة يشاركونه في المعجز ، نعم : الفاصل بين المسيح وهؤلاء أربعة أصابع (1) وإنا وإن لم نر معجز المسيح عليه السلام لكن أخذنا خبره مما هو
1 ـ إشارة إلى الحديث المعروف المروي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : بين الحق و الباطل أربعة أصابع. الفاصلة بين العين والأذن.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: فهرس