كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 41 ـ 50
(41)
التواتر ، والخطيب في تاريخه 7 ص 387 ، وأبو نعيم الاصبهاني في الحلية 1 ص 62 ، بعدة طرق وصحح بعضها ، و ج 4 ص 356 ، وابن عبد البر في الاستيعاب 2 ص 363 في ترجمة عامر ، والحموي (1) في فرايده وقال : قال الإمام محيي السنة : هذا حديث صحيح متفق على صحته ، ومحب الدين الطبري في الرياض 2 ص 187 ، واليافعي في مرآة الجنان 1 ص 109 وصححه ، والقاضي الأيجي في المواقف 3 ص 10 ، 12 ، وهناك آخرون رووا هذه الأثارة وصححوها لو نذكرهم بأجمعهم لجاء منه كتاب مفرد ، ونحن نقتصر من المتون على لفظ البخاري ألاوهو :
    إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال يوم خيبر : لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، قال فبات الناس يدوكون (2) ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل : هو يا رسول الله ؟ يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وآله في عينيه ودعا له فبرأ حتى لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي : يا رسول الله ؟ أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم ، فوالله لإن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم وفي لفظه الآخر : ففتح الله عليه.

( ديوان حسان )
    إن لحسان في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مدايح جمة غير ما سبقت الإشارة إليه ، وسنوقفك على ما التقطناه من ذلك ، فمن هذه الناحية نعرف أن يد الأمانة لم تقبض عليها يوم مدت إلى ديوانه ، فحرفت الكلم عن مواضعها ، ولعبت بديوان حسان كما لعبت بغيره من الدواوين والكتب والمعاجم التي أسقطت منها مدايح أهل
1 ـ بفتح المهملة ثم الميم المضمومة المشددة نسبة إلى جده حمويه ، ونحن تبعا على المؤلفين ذكرناه في المجلد الأول ( الحمويني ) وقد أوقفنا السير على كلام ابن الأثير من أن رجال هذه الأسرة يكتبون لأنفسهم ( الحموي ) وضبطه على ما ذكر فعدلنا عما كنا عليه.
2 ـ أي يخوضون. يقال : الناس في دوكة. أي : في اختلاط وخوض. وأصله من الدوك. وهو : الحق. وفي كثير من الكتب : يذكرون. وهو : تصحيف.


(42)
البيت عليهم السلام وفضايلهم ، والذكريات الحميدة لاتباعهم كديوان الفرزدق الذي أسقطوا منها ميميته المشهورة في مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام مع إشارة الناشر إليها في مقدمة شرح ديوانه ، وقد طفحت بذكرها الكتب والمعاجم ، وكديوان كميت فإنه حرفت منه أبيات كما زيدت عليه أخرى ، وكديوان أمير الشعراء أبي فراس ، وكديوان كشاجم الذي زحزحوا عنه كمية مهمة من مراثي سيدنا الإمام السبط الشهيد سلام الله عليه ، وكتاب ( المعارف ) لابن قتيبة الذي زيد فيه ما شاءه الهوى للمحرف و نقص منه ما يلائم خطته ، بشهادة الكتب الناقلة عنه من بعده كما مر بعض ما ذكر في محله من هذا الكتاب ويأتي بعضه ، إلى غير هذه من الكتب الذي عاثوا فيها لدى النشر ، أو حرفوها عند النقل ، ونحن نحيل تفصيل ذلك إلى مظانه من مواقع المناسبة لئلا نخرج عن وضع الكتاب ، فلنعد الآن إلى ما شذ من شعر حسان عن ديوانه ، وأثبتته له المصادر الوثيقة كنفس يائيته السابقة فمن ذلك :
    في تاريخ اليعقوبي 2 ص 107 ، وشرح ابن أبي الحديد 3 ص 14 وغيرهما : صعد أبو بكر المنبر عند ولايته الأمر فجلس دون مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله بمرقاة ثم حمد الله وأثنى عليه وقال : إني وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن استقمت فاتبعوني ، وإن زغت فقوموني ، لا أقول إني أفضلكم فضلا ، ولكني أفضلكم حملا ، وأثنى على الأنصار خيرا وقال : أنا وإياكم معشر الأنصار كما قال القائل :
جزى الله عنا جعفراً حين أزلقت أبوا أن يملونا ولو أن أمنا بنا نعلنا في الواطئين فولت تلاقي الذي يلقون منا لملت
    فاعتزلت الأنصار عن أبي بكر فغضبت قريش وأحفظها ذلك فتكلم خطباؤها وقدم عمرو بن العاص فقالت له قريش : قم فتكلم بكلام تنال فيه من الأنصار ، ففعل ذلك ، فقام الفضل بن العباس فرد عليهم ، ثم صار إلى علي فأخبره وأنشده شعرا قاله ، فخرج علي مغضبا حتى دخل المسجد فذكر الأنصار بخير ورد على عمرو بن العاص قوله ، فلما علمت الأنصار ذلك سرها وقالت : ما نبالي بقول من قال مع حسن قول علي ، واجتمعت إلى حسان بن ثابت فقالوا : أجب الفضل ، فقال : إن عارضته بغير قوافيه فضحني فقالوا (1) :
1 ـ في شرح ابن أبي الحديد : فقال له خزيمة بن ثابت : أذكر عليا وآله يكفيك عن كل شيء.

(43)
فاذكر عليا فقط ، فقال :
جزى الله خيرا والجزاء بكفه سبقت قريشا بالذي أنت أهله تمنت رجال من قريش أعزة وأنت من الاسلام في كل منزل غضبت لنا إذ قال عمرو بخصلة وكنت المرجى من لوي بن غالب حفظت رسول الله في نا وعهده ألست أخاه في الهدى ووصيه فحقك ما دامت بنجد وشي جة أبا حسن عنا ومن كأبي حسن ؟ فصدرك مشروح وقلبك ممتحن (1) مكانك هيهات الهزال من السمن بمنزلة الطرف البطين من الرسن أمات بها التقوى وأحيى بها الإحن لما كان منه والذي بعد لم يكن إليك ومن أولى به منك من ومن ؟ وأعلم فهر بالكتاب وبالسنن ؟ عظيم علينا ثم بعد على اليمن
    ( قوله ) : فصدرك مشروح. إشارة إلى ما ورد في قوله تعالى : أفمن شرح الله صدره للاسلام ، فإنها نزلت في علي وحمزة. رواه الحافظ محب الدين الطبري في رياضه 2 ص 207 عن الحافظين الواحد وأبي الفرج ، وفي ذخاير العقبى ص 88.
    ( قوله ) : وقلبك ممتحن. أشار به إلى النبوي الوارد في أمير المؤمنين : إنه امتحن الله قلبه بالإيمان (2) أخرجه من الحفاظ والعلماء منهم : النسائي في خصايصه ص 11 ، والترمذي في الصحيح 2 ص 298 ، والخطيب البغدادي في تاريخه 1 ص 133 ، م ـ والبيهقي في المحاسن والمساوي 1 ص 29 ] ومحب الدين الطبري في الرياض 2 ص 191 ، وذخاير العقبي ص 76 وقال : أخرجه الترمذي وصححه ، والكنجي في الكفاية ص 34 ، وقال : هذا حديث عال حسن صحيح ، والحموي في فرايده في الباب ال‍ 33 ، والسيوطي في جمع الجوامع بعدة طرق كما في كنز العمال 6 ص 393 و 396 ، والبدخشي في نزل الأبرار ص 11 وغيرهم.
    ( قوله ) : ألست أخاه في الهدى ووصيه. أوعز به إلى حديثي الاخاء والوصية وهما من الشهرة والتواتر بمكان عظيم يجدهما الباحث في جل مسانيد الحفاظ والأعلام.
1 ـ هذان البيتان ذكرهما لحسان شيخ الطايفة المفيد كما في ( الفصول ) 2 ص 61 و 67.
2 ـ كذا في لفظ الخطيب ، وفي بعض المصادر : على الإيمان. وفي بعضها : للإيمان.


(44)
    ( قوله ) : وأعلم فهر بالكتاب وبالسنن. أراد به ما ورد في علم علي أمير المؤمنين بالكتاب والسنة. أخرج الحفاظ عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث فاطمة سلام الله عليها : زوجتك خير أهلي أعلمهم علما ، وأفضلهم حلما ، وأولهم إسلاما. وفي حديث آخر : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب. وفي ثالث : أعلم الناس بالله وبالناس.
    وفي حديث : يا علي لك سبع خصال وعد منها : وأعلمهم بالقضية (1) وأخرج محب الدين الطبري في رياضه 2 ص 193 ، والذخاير ص 78 ، وابن عبد البر في الاستيعاب ( هامش الإصابة ) 3 ص 40 عن عايشة : إنه أعلم الناس بالسنة. وفي كفاية الكنجي ص 190 عن أبي أمامة عنه صلى الله عليه وآله : أعلم أمتي بالسنة والقضاء بعدي علي ابن أبي طالب. وأخرج الخوارزمي في المناقب ص 49 ، وشيخ الاسلام الحموي في فرايده في الباب الثامن عشر بإسناده عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وآله : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب.
    وأخرج الحفاظ عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت وعلى من نزلت ، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا (2) و عن النبي صلى الله عليه وآله قسمت الحكمة عشرة أجزاء فاعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا أحدا (3)
    وقال السيد أحمد زيني دحلان في ( الفتوحات الإسلامية ) 2 ص 337 : كان علي رضي الله عنه أعطاه الله علما كثيرا وكشفا غزيرا قال أبو الطفيل : شهدت عليا يخطب و هو يقول : سلوني (4) من كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل ، ولو شئت أوقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب ، وقال
1 ـ حلية الأولياء 1 ص 66 ، كنز العمال 6 ص 153 ، 156 ، 398.
2 ـ حلية الأولياء 1 ص 28 ، كفاية الكنجي ص 90 ، كنز العمال 6 ص 396 ، إسعاف الراغبين ص 162.
3 ـ حلية الأولياء 1 ص 65.
4 ـ في الإصابة 2 ص 509 : سلوني سلوني سلوني عن كتاب الله. الحديث.


(45)
ابن عباس رضي الله عنه : علم رسول الله من علم الله تبارك وتعالى ، وعلم علي رضي الله عنه من علم النبي صلى الله عليه وآله وعلمي من علم علي رضي الله عنه ، وما علمي وعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله في علم علي رضي الله عنه إلا كقطرة في سبعة أبحر ، ويقال : إن عبد الله بن عباس أكثر البكاء على علي رضي الله عنه حتى ذهب بصره ، وقال ابن عباس أيضا ، لقد اعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وأيم الله لقد شارك الناس في العشر العاشر ، وكان معاوية رضي الله عنه يسأله ويكتب له فيما ينزل به فلما توفي علي رضي الله عنه قال معاوية : لقد ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعوذ من معضلة ليس فيها أبو الحسن (1) ، وسئل عطاء أكان في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أحد أعلم من علي ؟ قال : لا والله ما أعلمه. إنتهى. وعن عبد الله ابن مسعود : إن القرآن نزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن ، و إن عليا عنده علم الظاهر والباطن (2)
    وهناك نظير هذه الأحاديث والكلمات حول علم أمير المؤمنين بالكتاب والسنة كثير جدا لو جمعته يد التأليف لجاء كتابا ضخما.
( ومن شعر حسان في أمير المؤمنين )
    ذكر له أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته ص 115 ، والكنجي الشافعي في كفايته ص 55 ، وابن طلحة الشافعي في ( مطالب السئول ) ص 10 وقال : فشت هذه الأبيات من قول حسان وتناقلها سمع عن سمع ولسان عن لسان :
أنزل الله والكتاب عزيز فتبوأ الوليد من ذاك فسقا ليس من كان مؤمنا عرف الله فعلي يلقى لدى الله عزا سوف يجزى الوليد خزيا ونارا في علي وفي الوليد قرانا وعلي مبوأ إيمانا كمن كان فاسقا خوانا ووليد يلقى هناك هوانا وعلي لا شك يجزى جنانا

1 ـ أخرجه كثير من الحفاظ وأئمة الحديث.
2 ـ أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1 ص 65.


(46)
    ورواها له ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 2 ص 103 وفيه بعد البيت الثالث :
سوف يدعى الوليد بعد قليل فعلي يجزى بذاك جنانا رب جد لعقبة بن أبان وعلي إلى الحساب عيانا ووليد يجزى بذاك هوانا (1) لابس في بلادنا تُبّانا (2)
    وذكرها له نقلا عن شرح النهج الأستاذ أحمد زكي صفوت في ( جمهرة الخطب ) 2 ص 23.
    أشار بهذه الأبيات إلى قوله تعالى : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون. ونزوله في علي عليه السلام والوليد بن عقبة بن أبي معيط فيما شجر بينهما ، أخرج الطبري في تفسيره 21 ص 62 بإسناده عن عطاء بن يسار قال : كان بين الوليد وعلي كلام فقال الوليد : أنا أبسط منك لسانا ، وأحد منك سنانا ، وأرد منك للكتيبة فقال علي : اسكت فإنك فاسق. فأنزل الله فيهما : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا. الآية.
    وفي الأغاني 4 ص 185 ، وتفسير الخازن 3 ص 470 : كان بين علي والوليد تنازع وكلام في شيء فقال الوليد لعلي : اسكت فإنك صبي وأنا شيخ ، والله إني أبسط منك لسانا ، وأحد منك سنانا ، وأشجع منك جنانا ، وأملأ منك حشوا في الكتيبة. فقال له علي : اسكت فإنك فاسق. فأنزل الله هذه الآية.
    وأخرجه مالواحدي بإسناده من طريق ابن عباس في ( أسباب النزول ) ص 263 ، و ] محب الدين الطبري في الرياض 2 ص 206 عن ابن عباس وقتادة من طريق الحافظين السلفي والواحدي ، وفي ذخاير العقبى ص 88 ، والخوارزمي في المناقب ص 188 ، والكنجي في الكفاية ص 55 ، والنيسابوري في تفسيره ، وابن كثير في تفسيره 3 ص 462 قال : ذكر عطاء بن يسار والسدي وغيرهما : إنها نزلت في علي بن أبي طالب
1 ـ في التذكرة : هناك. بدل ( بذاك ) في الموضعين.
2 ـ أبان : هو أبو معيط جد الوليد. والتبان : سراويل صغير مقدار شبر يستر العورة فقط كان يخص بالملاحين.


(47)
وعقبة ( فيه تصحيف لا يخفى ) ، ورواه جمال الدين الزرندي في ( نظم درر السمطين ).
    وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج 1 ص 394 ، ج 2 ص 103 وحكى عن شيخه : إنه من المعلوم الذي لا ريب فيه لاشتهار الخبر به وإطباق الناس عليه. وأخرجه السيوطي في الدر المنثور 4 ص 178 وقال : أخرج أبو الفرج في الأغاني ، والواحدي ، وابن عدي ، وابن مردويه ، والخطيب ، وابن عساكر ، من طرق عن ابن عباس ، وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن عطا بن يسار ، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه مثله ، وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه ، وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عباس. م ـ وذكره الحلبي في السيرة 2 ص 85 ].
( ومن شعر حسان في أمير المؤمنين )
    ذكر له أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته ص 10 :
من ذا بخاتمه تصدق راكعا من كان بات على فراش محمد من كان في القرآن سمي مؤمنا وأسرها في نفسه إسرارا ومحمد أسرى ي ؤم الغارا في تسع آيات تلين غزارا (1)
    في البيت الأول إيعاز إلى مأثرة تصدقه صلوات الله عليه خاتمه للسائل راكعا وفيها نزل قوله تعالى : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا. الآية. وسنوقفك على بيانها في شرح البيت الثالث إنشاء الله تعالى.
    وبثاني الأبيات أشار إلى حديث أصفقت الأمة عليه من أن عليا عليه السلام لبس برد النبي صلى الله عليه وآله الحضرمي الأخضر ونام على فراشه ليلة هرب النبي من المشركين إلى الغار وفداه بنفسه ونزلت فيه : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ( سورة البقرة 207 ).
    قال أبو جعفر الاسكافي كما في شرح البلاغة لابن أبي الحديد 3 ص 270 : حديث الفراش قد ثبت بالتواتر فلا يجحده إلا مجنون أو غير مخالط لأهل الملة ، وقد
1 ـ وذكرها الكنجي في الكفاية ص 123 ونسبها إلى بعضهم وفيه : في تسع آيات جعلن كبارا.

(48)
روى المفسرون كلهم : إن قول الله تعالى : ومن الناس من يشري. الآية. نزلت في علي ليلة المبيت على الفراش. وروى الثعلبي في تفسيره : إن النبي صلى الله عليه وآله لما أراد الهجرة إلى المدينة خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه وأداء الودايع التي كانت عنده ، وأمر ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه وقال له : اتشح ببردي الحضرمي الأخضر ونم على فراشي فإنه لا يصل منهم إليك مكروه إنشاء الله تعالى ففعل ذلك علي عليه السلام فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل : إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى الله تعالى إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب ؟ آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجبرئيل ينادي : بخ بخ من مثلك يا علي ؟ يباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة. فأنزل الله على رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله. وقال ابن عباس : نزلت الآية في علي حين هرب ـ رسول اللهمن المشركين إلى الغار مع أبي بكر ونام على فراش النبي.
    وحديث الثعلبي هذا رواه بطوله الغزالي في ( إحياء العلوم ) 3 ص 238 ، و الكنجي في ( كفاية الطالب ) ص 114 ، والصفوري في ( نزهة المجالس ) 2 ص 209 نقلا عن الحافظ النسفي.
    ورواه ابن الصباغ المالكي في فصوله ص 33 ، وسبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته ص 21 ، والشبلنجي في نور الأبصار ص 86 ، و في المصادر الثلاثة الأخيرة : قال ابن عباس : أنشدني أمير المؤمنين شعرا قاله في تلك الليلة :
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا وبت أراعي منهم ما يسوءني وبات رسول الله في الغار آمنا وأكرم خلق طاف بالبيت والحجر وقد صبرت نفسي على القتل والأسر وما زال في حفظ الإله وفي الستر (1)
    ويوجد حديث ليلة المبيت في مسند أحمد 1 ص 348 ، تاريخ الطبري 2 ـ ص 99 ـ 101 ، الطبقات لابن سعد 1 ص 212 ، تاريخ اليعقوبي 2 ص 529 سيرة ابن هشام 2
1 ـ وتوجد هذه الأبيات في مناقب الخوارزمي مع زيادة بيت.

(49)
ص 291 ، العقد الفريد 3 ص 290 ، تاريخ الخطيب البغدادي 13 ص 191 ، تاريخ ابن الأثير 2 ص 42 ، تاريخ أبي الفدا ، 1 ص 126 ، مناقب الخوازمي ص 75 ، الامتاع للمقريزي ص 39 ، تاريخ ابن كثير 7 ص 338 ، السيرة الحلبية 2 ص 29.
    ويوجد الايعاز إلى هذه المأثرة في حديث صحيح عن ابن عباس أخرجه جمع من الحفاظ الاثبات راجع ما مر ج 1 ص 50 و 51 ، وهي مروية في حديث عن الإمام السبط الحسن وقال : بات أمير المؤمنين يحرس رسول الله صلى الله عليه وآله المشركين وفداه بنفسه ليلة الهجرة حتى أنزل الله فيه : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله (1)
    ( البيت الثالث ) أشار به إلى الآيات التسع النازلة في أمير المؤمنين التي سمي فيها مؤمنا ، ونحن وقفنا من تلك على عشر (2) آيات ولم نعرف خصوص التسع المراد لحسان في قوله ، م ـ وقال معاوية بن صعصعة في قصيدة له ذكرها نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 31 :
ومن نزلت فيه ثلاثون آية سوى موجبات جئن فيه وغيرها تسميه فيها مؤمنا مخلصا فردا بها أوجب الله الولاية والودا]
    والآيات :
    1 ـ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ( سورة السجدة 18 )
    مر الايعاز إلى حديث نزولها في علي عليه السلام ص 46 من هذا الجزء.
    2 ـ هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ( سورة الأنفال 62 )     أخرج الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في تاريخه قال : أخبرنا أبو الحسن علي ابن مسلم الشافعي ، أخبرنا أبو القاسم بن العلا ، وأبو بكر محمد بن عمر بن سليمان العريني
1 ـ تذكرة السبط ص 115 ، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 103 ، جمهرة الخطب 2 ص 12.
2 ـ وكذا قال الإمام الحسن السبط الزكي في حديث : سمي أبي مؤمنا في عشر آيات.


(50)
النصيبي ، حدثنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المهري ، حدثنا عباس بن بكار ، حدثنا خالد بن أبي عمر الأسدي ، عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : مكتوب على العرش لا إله إلا الله وحدي لا شريك لي ، و محمد عبدي ورسولي أيدته بعلي ، وذلك قوله عز وجل في كتابه الكريم : هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين علي وحده.
    ورواه بإسناده الكنجي الشافعي في كفايته ص 110 ثم قال : قلت : ذكره ابن جرير في تفسير (1) وابن عساكر في تاريخه في ترجمة علي عليه السلام. ورواه الحافظ جلال الدين السيوطي في الدر المنثور 3 ص 199 نقلا عن ابن عساكر ، والقندوزي في ينابيعه ص 94 نقلا عن الحافظ أبي نعيم بإسناده عن أبي هريرة ، ومن طريق أبي صالح عن ابن عباس.
    وصدر الحديث أخرجه جمع من الحفاظ منهم : الخطيب البغدادي في تاريخه 11 ص 173 بإسناده عن أنس بن مالك قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : لما عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ، نصرته بعلي. ومحب الدين الطبري في ( الرياض ) 2 ص 172 عن أبي الحمراء من طريق الملأ في سيرته ، وفي ذخاير العقبى ص 69 ، والخوارزمي في المناقب ص 254 ، والحموي في فرايده في الباب السادس والأربعين من طريقين بلفظ : لما أسري بي إلى السماء رأيت في ساق العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله صفوتي من خلقي ، أيدته بعلي ونصرته به. وبإسناد آخر عن أبي الحمراء خادم النبي صلى الله عليه وآله بلفظ : ليلة أسري بي رأيت على ساق العرش الأيمن مكتوبا : أنا الله وحدي لا إله غيري ، غرست جنة عدن بيدي لمحمد صفوتي أيدته بعلي. وبهذا اللفظ رواه الحافظ السيوطي كما في كنز العمال 6 ص 158 من غير طريق عن أبي الحمراء. ومن طريق آخر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله : مكتوب في باب الجنة قبل أن يخلق الله السموات والأرض بألفي سنة : لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي. م ـ وذكره الحافظ الهيثمي في المجمع 9 ص 121 من طريق الطبراني عن أبي الحمراء ، والسيوطي في الخصايص
1 ـ لم نجد هذا الحديث في تفسير الطبري تحت هذه الآية.
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس