كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 211 ـ 220
(211)
    ولادته وشهادته
    ولد الكميت في سنة الستين عام شهادة الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه وعاش عيشة مرضية سعيدا في دنياه ، باذلا كله في سبيل ما اختاره له ربه ، داعيا إلى سنن الهدى حتى أتيحت له الشهادة ببركة دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام له بها ، وبعين الله ما هريق من دمه الطاهر وذلك بالكوفة في خلافة مروان بن محمد سنة 126.
    وكان سبب موته ما حكاه حجر بن عبد الجبار قال : خرجت الجعفرية (1) على خالد القسري وهو يخطب على المنبر ولا يعلم بهم فخرجوا في التبابين ينادون : لبيك جعفر ، لبيك جعفر ، وعرف خالد خبرهم وهو يخطب فدهش بهم فلم يعلم ما يقول فزعا فقال : أطعموني ماء ثم خرج الناس إليهم فأخذوا فجعل يجيئ بهم إلى المسجد و يؤخذ طن قصب فيطلى بالنفط ويقال للرجل منهم : احتضنه. ويضرب حتى يفعل ثم يحرق فحرقهم جميعا ، فلما عزل خالد عن العراق ووليه يوسف بن عمر دخل عليه الكميت وقد مدحه بعد قتله زيد بن علي فأنشده قوله فيه :
خرجت لهم تمشي البراح ولم تكن وما خالد يستطعم الماء فاغرا كمن حصنه فيه الرتاج المضبب بعدلك والداعي إلى الموت ينعب
    قال والجند قيام على رأس يوسف بن عمر وهم ثمانية فتعصبوا لخالد فوضعوا نعال سيوفهم في بطن الكميت فوجؤوه بها وقالوا : أتنشد الأمير ولم تستأمره ؟ فلم يزل ينزف الدم حتى مات.
[ الأغاني 15 ص 121.]
    وحدث المستهل (2) بن الكميت قال حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه وأغمي عليه ثم أفاق ففتح عينيه ثم قال : أللهم آل محمد ، أللهم آل محمد ، أللهم آل محمد. ثلاثا ثم قال : يا بني وددت أني لم أكن هجوت نساء بني كلب بهذا البيت وهو :
1 ـ هم المغيرة بن سعيد وبيان وأصحابهما الست وكانوا يسمون : الوصفاء.
2 ـ كان المستهل من الشعراء المعروفين وله ديوان كما في فهرست ابن النديم ص 233.


(212)
مع العضروط والعسفاء ألقوا برادعهن غير محصنينا
    فعممتهن قذفا بالفجور ، والله ما خرجت ليلا قط إلا خشيت أن أرمى بنجوم السماء بذلك. ثم قال : يا بني إنه بلغني في الروايات : إنه يحفر بظهر الكوفة خندق ، ويخرج فيه الموتى من قبورهم ، وينبشون منها فيحولون إلى قبور غير قبورهم. فلا تدفني في الظهر ولكن إذا مت فامض بي إلى موضع يقال له : ( مكران ) فادفني فيه. فدفن في ذلك الموضع وكان أول من دفن فيه وهو مقبرة بني أسد إلى الساعة.
( الأغاني ) 15 ص 130 ، ( المعاهد ) 2 ص 131.


(213)
7 ـ السيد الحميري
المتوفى 173
1
يا بايع الدين بدنياه من أين أبغضت علي الوصي؟ من الذي أحمد في بينهم أقامه من بين أصحابه : هذا علي بن أبي طالب فوال من والاه يا ذا العلا ليس بهذا أمر الله وأحمد قد كان يرضاه يوم ( غديرالخم ) ناداه ؟ وهم حواليه فسماه مولى لمن قد كنت مولاه وعاد من قد كان عاداه
2
هلا وقفت على المكان المعشب بين الطويلع فاللوى من كبكب
ويقول فيها :
وبخم إذ قال الإله بعزمه : وانصب أبا حسن لقومك إنه فدعاه ثم دعاهم فأقامه جعل الولاية بعده لمهذب وله مناقب لا ترام متى يرد إنا ندين بحب آل محمد منا المودة والولاء ومن يرد ومتى يمت يرد الجحيم ولا يرد ضرب المحاذر أن تعر ركابه وكأن قلبي حين يذكر أحمدا قم يا محمد في البرية فاخطب هاد وما بلغت إن لم تنصب لهم فبين مصدق ومكذب ما كان يجعلها لغير مهذب ساع تناول بعضها بتذبذب دينا ومن يحبهم يستوجب بدلا بآل محمد لا يحبب حوض الرسول وإن يرده يضرب بالسوط سالفة البعير الأجرب ووصي أحمد نيط من ذي مخلب


(214)
بذرى القوادم من جناح مصعد حتى يكاد من النزاع إليهما هبة وما يهب الإله لعبده يمحو ويثبت ما يشاء وعنده في الجو أو بذرى جناح مصوب يفري الحجاب عن الضلوع القلب يزدد ومهما لا يهب لا يوهب علم الكتاب وعلم ما لم يكتب
    هذه القصيدة ذات 112 بيتا تسمى بالمذهبة شرحها سيد الطائفة الشريف المرتضى علم الهدى وطبع بمصر 1313 وقال في شرح قوله :
وانصب أبا حسن لقومك إنه هاد وما بلغت إن لم تنصب
    هذا اللفظ يعني ( النصب ) لا يليق إلا بالإمامة والخلافة دون المحبة والنصرة ، وقوله : جعل الولاية بعده لمهذب. صريح في الإمامة لأن الإمامة هي التي جعلت له بعده والمحبة والنصرة حاصلتان في الحال وغير مختصين بعد الوفاة.
    وشرحها أيضا الحافظ النسابة الأشرف بن الأغر المعروف بتاج العلى الحسيني المتوفى 610.
3
خف يا محمد فالق الإصباح أتسب صنو محمد ووصيه ؟ هيهات قد بعدا عليك وقربا أوصى النبي له بخير وصية : من كنت مولاه فهذا واعلموا قاضي الديون ومرشد لكم كما أغويت أمي وهي جد ضعيفة بالشتم للعلم الإمام ومن له إني أخاف عليكما سخط الذي أبوي فاتقيا الإله وأذعنا وأزل فساد الدين بالإصلاح ترجو بذاك الفوز بالإنجاح منك العذاب وقابض الأرواح يوم ( الغدير ) بأبين الإفصاح مولاه قول إشاعة وصراح قد كنت أرشـد من هدى وفلاح فجرت بقاع الغي جري جماح إرث النبي بأوكد الايضاح أرسى الجبال بسبسب صحصاح للحق ... ... .. (1)

1 ـ هكذا وجدناه بياضا في الأصل.

(215)
    هذه الأبيات رواها المرزباني ، كتبها السيد إلى والديه يدعوها إلى التشيع وولاء أمير المؤمنين وينهاهما عن سبه وكانا أباضيين.
4
إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد فإني كمن يشري الضلالة بالهدى وما لي وتيما أو عديا وإنما تتم صلاتي بالصلاة عليهم بكاملة إن لم أصل عليهم بذلت لهم ودي ونصحي ونصرتي وإن امرأ يلحى على صدق ودهم فإن شئت فاختر عاجل الغم ظلة ولا عهده يوم ( الغدير ) مؤكدا تنصر من بعد الهدى أو تهودا أولو نعمتي في الله من آل أحمدا وليست صلاتي بعد أن أتشهدا وأدعو لهم ربا كريما ممجدا مدى الدهر ما سميت ياصاح سيدا أحق وأولى فيهم أن يفندا وإلا فامسك كي تصان وتحمدا
    هذه القصيدة توجد منها 25 بيتاً. روى أبو الفرج في ( الأغاني ) 7 ص 262 : إن أبا الخلال العتكي دخل على عقبة بن سلم والسيد عنده وقد أمر له بجائزة وكان أبو الخلال شيخ العشيرة وكبيرها فقال له : أيها الأمير ؟ أتعطي هذه العطايا رجلا ما يفتر عن سب أبي بكر وعمر ؟ فقال له عقبة : ما علمت ذاك ولا أعطيته إلا على العشرة والمودة القديمة وما يوجبه حقه وجواره مع ما هو عليه من موالاة قوم يلزمنا حقهم ورعايتهم. فقال له أبو الخلان : فمره إن كان صادقا أن يمدح أبا بكر وعمر حتى نعرف براءته مما ينسب إليه من الرفض. فقال : قد سمعك فإن شاء فعل. فقال السيد :
    إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد
    إلى آخر الأبيات ثم نهض مغضبا. فقام أبو الخلال إلى عقبة فقال : أعذني من شره أعاذك الله من السوء أيها الأمير ؟ قال : قد فعلت على أن لا تعرض له بعدها.
5
قد أطلتم في العذل والتنقيد بهوى السيد الإمام السديد
يقول فيها :


(216)
يوما قام النبي في ظل دوح رافعا كفه بيمني يديه : أيها المسلمون هذا خليلي وابن عمي ألا فمن كنت مولاه وعلي مني بمنزلة هارون والورى في وديقة صيخود (1) بايحا باسمه بصوت مديد ووزيري ووارثي وعقيدي فهذا مولاه فارعوا عهودي بن عمران من أخيه الودود
6
أجد بآل فاطمة البكور فدمع العين منهل غزير
يقول فيها:
لقد سمعوا مقالته بخم : فمن أولى بكم منكم فقالوا جميعا : أنت مولانا وأولى : فإن وليكم بعدي علي وزيري في الحياة وعند موتي فوال الله من والاه منكم وعاد الله من عاده منكم غداة يضمهم وهو الغدير مقالة واحد وهم الكثير بنا منا وأنت لنا نذير ومولاكم هو الهادي الوزير ومن بعدي الخليفة والأمير وقابله لدى الموت السرور وحل به لدى الموت النشور
7
ألا الحمد لله حمدا كثيرا هداني إليه فوحدته ولي المحامد ربا غفورا وأخلصت توحيده المستنيرا
ويقول فيها :
لذلك ما اختاره ربه فقام بخم بحيث ( الغدير ) وقم له الدوح ثم ارتقى ونادى ضحى باجتماع الحجيج لخير الأنام وصيا ظهيرا وحط الرحال وعاف المسيرا على منبر كان رحلا وكورا فجاؤا إليه صغيرا كبيرا

1 ـ الوديقة : شدة الحر. والصيخود : شديد الحر. يقال : يوم صيخود وصخدان.

(217)
فقال وفي كفه حيدر : ألا إن من أنا مولى له فهل أنا بلغت ؟ قالوا : نعم يبلغ حاضركم غائبا فقوموا بأمر مليك السما فقاموا : لبيعته صافقين فقال : إلهي وال الولي وكن خاذلا للأولى يخذلون فكيف ترى دعوة المصطفى أحبك يا ثاني المصطفى وأشهد أن النبي الأمين وإن الذين تعادوا عليك يليح إليه مبينا مشيرا فمولاه هذا قضا لن يجورا فقال: اشهدوا غيبا أو حضورا وأشهد ربي السميع البصيرا يبايعه كل عليه أميرا أكفا فأوجس منهم نكيرا وعاد العدو له والكفورا وكن للأولى ينصرون نصيرا مجابا بها أو هباءا نثيرا؟؟!! ومن أشهد الناس فيه الغديرا بلغ فيك نداء جهيرا يصون نارا وساءت مصيرا
8
قف بالديار وحيهن ديارا كانت تحل بها النوار وزينب قل للذي عادى وصي محمد واسق الرسوم المدمع المدرارا فرعى إلهي زينبا ونوارا وأبان لي عن لفظه إنكارا
يقول فيها :
من خاصف نعل النبي محمد فيقول فيه معلنا خير الوري : هذا وصيي فيكم وخليفتي وله بيوم ( الدوح ) أعظم خطبة يرضي بذاك الواحد الغفارا جهرا وما ناجى به إسرارا لا تجهلوه فترجعوا كفارا أدى بها وحي الإله جهارا
9
    بلغ سوار بن عبد الله العنبري قاضي البصرة قول شاعرنا السيد الحميري في حديث الطائر المشوي المتفق عليه :


(218)
لما أتى بالخبر الأنبل في خبر جاء أبان به هذا وقيس الحبر يرويه عن سفينة يمكن من رشده في رده سيد كل الورى فصده ذو العرش عن رشده في طائر أهدي إلى المرسل عن أنس في الزمن الأول سفينة ذي القلب الخوّل وأنس خان ولم يعدل مولاهم في المحكم المنزل وشـأنه بالبرص الأنكل
    فقال سوار : ما يدع هذا أحدا من الصحابة إلا رماه بشعر يظهر عواره. وأمر بحبسه فاجتمع بنو هاشم والشيعة وقالوا له : والله لئن لم تخرجه وإلا كسرنا الحبس وأخرجناه أيمتدحك شاعر فتثيبه ، ويمتدح أهل البيت شاعر فتحبسه ؟؟!! فأطلقه على مضض فقال يهجوه:
قولا لسوار أبي شملة ما قلت في الطير خلاف الذي وخبر المسجد إذ خصه إن جنبا كان وإن طاهرا وأخرج الباقين منه معا حبا عليا وحسينا معا وفاطما أهل الكساء الأولى فمبغض الله يرى بغضهم عليه من ذي العرش في فعله وأنت يا سوار رأس لهم تعيب من آخاه خير الورى وقال في ( خم ) له معلنا : من كنت مولاه فهذا له فعولوا بعدي عليه ولا : يا واحدا في النوك والعار رويته أنت بآثار محللا من عرصة الدار في كل إعلان وإسرار بالوحي من إنزال جبار والحسن الطهر لأطهار خصوا بإكرام وإيثار يصير للخزي وللنار وسم يراه العائب الزاري في كل خزي طالب الثار من بين أطهار وأخيار ما لم يلقوه بإنكار مولى فكونوا غير كفار تبغوا سراب المهمة الجاري
وقال يهجو سوار القاضي بعد موته :


(219)
يا من غدا حاملا جثمان سوار لا قدس الله روحا كان هيكلها حتى هوت قعر بيروت معذبة لقد رأيت من الرحمن معجبة فاذهب عليك من الرحمن بهلته يا مبغضا لأمير المؤمنين وقد يوم الغدير وكل الناس قد حضروا هذا أخي ووصيي في الأمور ومن يا رب عاد الذي عاداه من بشر وأنت لا شك عاديت الإله به من داره ظاعنا منها إلى النار لقد مضـت بعظيم الخزي والعار وجسمه في كنيف بين أقذار فيه وأحكامه تجري بمقدار يا شرحي يراه الواحد الباري قال النبي له من دون إنكار : من كنت مولاه في سر وإجهار يقوم فيكم مقامي عند تذكاري وأصله في جحيم ذات إسعار فيا جحيم ألا هبي لسوار
10
لأم عمرو باللوى مربع تروع عنها الطير وحشية رقش يخاف الموت من نقشها برسم دار ما بها مؤنس لما وقفت العيس في رسمها ذكرت من قد كنت ألهو به كأن بالنار لما شفني عجبت من قوم أتوا أحمدا قالوا له : لو شئت أعلمتنا إذا توفيت وفارقتنا فقال : لو أعلمتكم مفزعا صنيع أهل العجل إذ فارقوا وفي الذي قال بيان لمن ثم أتته بعد ذا عزمة طامسة أعلامها بلقـع والوحش من خيفته تفزع والسم في أنيابها منقـع إلا صلال في الثرى وقـع والعين من عرفانه تدمع فبت والقلب شـج موجع من حب أروى كبدي لدع بخطة ليس لها موضع إلى من الغاية والمفزع وفيهم في الملك من يطمع كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا هارون فالترك له أوسـع كان إذا يعقل أو يسمع من ربه ليس لها مدفع


(220)
ثم أتته بعد ذا عزمة بلغ وإلا لم تكن مبلغا فعندها قام النبي الذي يخطب مأمورا وفي كفه رافعها أكرم بكف الذي يقول والأملاك من حوله : من كنت مولاه فهذا له فاتهموه وحنت فيهم وضل قوم غاضهم فعله حتى إذا واروه في لحده ما قال بالأمس وأوصي به من ربه ليس لها مدفع والله منهم عاصم يمنع كان بما يأمر به يصدع كف علي ظاهر تلمع يرفع والكف الذي ترفع والله فيهم شاهد يسمع مولى فلم يرضوا ولم يقنعوا على خلاف الصادق الأضلع كأنما آنافهم تجدع وانصرفوا عن دفنه ضيعوا واشتروا الضر بما ينفع
القصيدة 54 بيتا
( ما يتبع الشعر )
    عن فضيل الرسان قال : دخلت على جعفر بن محمد عليه السلام أعزيه عن عمه زيد ثم قلت : ألا أنشدك شعر السيد ؟ فقال : أنشد. فأنشدته قصيدة يقول فيها :
فالناس يوم البعث راياتهم قائدها العجل وفرعونهم ومارق من دينه مخرج وراية قائدها وجهـه خمس فمنها هالك أربع وسامري الأمة المفظع أسود عبد لكع أوكع كأنه الشمس إذا تطلع
    فسمعت نحيبا من وراء الستور فقال : من قائل هذا الشعر ؟ فقلت : السيد. فقال : رحمه الله. فقلت : جعلت فداك إني رأيته يشرب الخمر. فقال : رحمه الله فما ذنب على الله أن يغفره لآل علي ، إن محب علي لا تزل له قدم إلا ثبتت له أخرى.
الأغاني 7 ص 251.
    ورواه أيضا في الأغاني 7 ص 241 وفيه : فسألني لمن هي ؟ فأخبرته أنها للسيد وسألني عنه فعرفته وفاته (1) فقال : رحمه الله. قلت : إني رأيته يشرب النبيذ في
1 ـ هذه الكلمة دخيلة لا تتم إذ الحميري توفي بعد وفاة الصادق عليه السلام بسنتين ؟. ولا توجد هي في رواية المرزباني والكشي.
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس