كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 231 ـ 240
(231)
دعاني النبي عليه السلام فعاديت فيه وواليته أقام بخم بحيث الغدير : ألا ذا إذا مت مولاكم إلى حبه فأجبت النبيا وكنت لمولاه فيه وليا فقال فأسمع صوتا نديا فأفهمه العرب والأعجميا
22
به وصى النبي غداة ( خم ) وناداهم : ألست لكم بمولى ؟ فقالوا : أنت مولانا وأولى وقال لهم بصوت جهوري : فمن أنا كنت مولاه فإني فعاد الله من عاداه منكم جميع الناس لو حفظوا النبيا عباد الله فاستمعوا إليا بنا منا فضم له عليا وأسمع صوته من كان حيا وكان بمن تولاه حفيا
23
وقام محمد بغدير خم لمن وافاه من عرب وعجم : ألا من كنت مولاه فهذا إلهي عاد من عادى عليا فنادى معلنا صوتا نديا وحفوا حول دوحته حنيا له مولى وكان به حفيا وكن لوليه ربي وليا
( الشاعر )
    أبو هاشم وأبو عامر إسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري الملقب بالسيد ( نسبه ) ذكر أبو الفرج الاصبهاني وكثير من المؤرخين : إنه حفيد يزيد بن ربيعة مفرغ أو ابن مفرغ الحميري الشاعر المشهور الذي هجا زيادا وبنيه ونفاهم عن آل حرب ، وحبسه عبد الله بن زياد لذلك وعذبه ثم أطلقه معاوية ، لكن المرزباني نسبه إلى يزيد بن وداع وقال في كتاب ( أخبار الحميري ) : أمه من حدان (1) تزوج بها
1 ـ حدان بضم المهملة إحدى محال البصرة القديمة يقال لها : بنو حدان. سميت باسم قبيلة أبوها حدان بن شمس بن عمرو من الأزد.

(232)
أبوه لأنه كان نازلا فيهم ، وأم هذه المرأة بنت يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري الشاعر المعروف ، وليس ليزيد بن مفرغ عقب من ولد ذكر ، ولقد غلط الأصمعي في نسبة السيد إلى يزيد بن مفرغ من جهة أبيه لأنه جده من جهة أمه. ا ه‍. وذكر المرزباني له في ( معجم الشعراء ) :
إني امرؤ حميري حين تنسبني ثم الولاء الذي أرجو النجاة به جدي رعين وأخوالي ذوو يزن يوم القيامة للهادي أبي الحسن (1)
    يكنى بأبي هاشم وقال شيخ الطايفة : بأبي عامر ، وكان بلقب منذ صغر سنه بالسيد قال أبو عمرو الكشي في رجاله ص 186 : روي أن أبا عبد الله عليه السلام لقي السيد بن محمد الحميري وقال : سمتك أمك سيدا ، وفقت في ذلك ، وأنت سيد الشعراء. ثم أنشد السيد في ذلك:
ولقد عجبت لقائل لي مرة سماك قومك سيدا صدقوا به ما أنت حين تخص آل محمد مدح الملوك ذوي الغنى لعطائهم فأبشر فإنك فايز في حبهم ما يعدل الدنيا جميعا كلها علامة فهم من الفقـهاء أنت الموفق سيد الشعراء بالمدح منك وشاعر بسواء والمدح منك لهم بغير عطاء لو قد وردت عليهم بجزاء من حوض أحمد شربة من ماء
( أبواه وقصته معهما )
روى أبو الفرج في ( الأغاني ) 7 ص 230 بإسناده عن سليمان بن أبي شيخ : إن أبوي السيد كانا إباضيين (2) وكان منزلهما بالبصرة في غرفة بني ضبة ، وكان السيد يقول : طالما سب أمير المؤمنين في هذه الغرفة ، فإذا سئل عن التشيع عن أين وقع له ؟ قال : غاصت علي الرحمة غوصا ، وروي عن السيد : أن أبويه لما علما بمذهبه
1 ـ البيتان من أبيات له تأتي قصتها.
2 ـ الإباضية بكسر الهمزة أصحاب عبد الله بن إباض الذي خرج في أيام مروان بن محمد وهم قوم من الحرورية زعموا أن مخالفهم كافر ، وكفروا عليا أمير المؤمنين عليه السلام و أكثر الصحابة.


(233)
هما بقتله فأتى عقبة بن مسلم الهنائي فأخبره بذلك فأجاره وبوأه منزلا وهبه له فكان فيه حتى ماتا فورثهما.
    وروى المرزباني في [ أخبار السيد ] بإسناده عن إسماعيل بن الساحر رواية السيد قال : كنت أتغدا مع السيد في منزله فقال لي : طال الله ما شتم أمير المؤمنين عليه السلام ولعن في هذا البيت. قلت : ومن فعل ذلك ؟ قال : أبواي كانا إباضيين. قلت : فكيف صرت شيعيا ؟ قال غاصت علي الرحمة فاستنقذتني.
    روى المرزباني أيضا عن حودان الحفار ابن أبي حودان عن أبيه وكان أصدق الناس أنه قال : شكى إلي السيد : إن أمه توقظه بالليل وتقول إني أخاف أن تموت على مذهبك فتدخل النار ، فقد لهجت بعلي وولده فلا دنيا ولا آخرة. ولقد نغصت علي مطعمي ومشربي ، وقد تركت الدخول إليها وقلت أنشد قصيدة منها :
إلى أهل بيت ما لمن كان مؤمنا وكم من شقيق لامني في هواهم تقول ولم تقصد وتعتب ضلة وفارقت جيرانا وأهل مودة فأنت غريب فيهم متباعد تعيبهم في دينهم وهم بما فقلت : دعيني لن احبر مدحة أتنهينني عن حب آل محمد ؟! وحبهم مثل الصلاة وإنه من الناس عنهم في الولاية مذهب وعاذلة هبت بليل تؤنب وآفة أخلاق النساء التعتب ومن أنت من حين تدعى وتنسب كأنك مما يتقونك أجرب تدين به أزرى عليك وأعيب لغيرهم ما حج لله أركب وحبهم مما به أتقرب على الناس من بعد الصلاة لأوجب (1)
    وقال المرزباني أخبرني محمد بن عبيد الله البصري عن محمد بن زكريا العلائي ، قال : حدثتني ( العباسة ) بنت السيد قالت : قال لي أبي : كنت وأنا صبي أسمع أبوي يثلبان أمير المؤمنين عليه السلام فأخرج عنهما وأبقى جايعا وأوثر ذلك على الرجوع إليهما فأبيت في المساجد جايعا لحبي فراقهما وبغضي إياهما حتى إذا أجهدني الجوع رجعت فأكلت ثم خرجت ، فلما كبرت قليلا وعقلت وبدأت أقول الشعر قلت لأبوي : إن
1 ـ في بعض النسخ : من بعض الصلاة لأوجب. وحق المقام أن يقول : من قبل الصلاة.

(234)
لي عليكما حقا يصغر عند حقكما علي فجنباني إذا حضرتكما ذكر أمير المؤمنين عليه السلام بسوء ، فإن ذلك يزعجني وأكره عقوقكما بمقابلتكما ، فتماديا في غيهما فانتقلت عنهما ، وكتبت إليهما شعرا وهو :
خف يا محمد فالق الإصباح أتسب صنو محمد ووصيه هيهات قد بعدا عليك وقربا أوصى النبي له بخير وصية وأزل فساد الدين بالإصلاح ترجو بذلك فوزة الإنجاح ؟؟!! منك العذاب وقابض الأرواح يوم ( الغدير ) بأبين الافصاح
    إلى آخر الأبيات المذكورة في غديرياته. فتواعدني بالقتل فأتيت الأمير عقبة بن مسلم فأخبرته خبري فقال لي : لا تقربهما وأعد لي منزلا أمر لي فيه بما أحتاج إليه وأجرى علي جراية تفضل على مؤونتي.
    وقال : كان أبواه يبغضان عليا عليه السلام فسمعهما يسبانه بعد صلاة الفجر فقال :
لعن الله والدي جميعا حكما غدوة كما صليا الفجر لعنا خير من مشى ظهر الأرض كفرا عند شتم آل رسول الله والوصي الذي به تثبت الأرض وكذا آله أولو العلم والفهم خلفاء الإله في الخلق بالعدل صلوات الإله تترى عليهم ثم أصلاهما عذاب الجحيم بلعن الوصي باب العلوم أو طاف محرما بالحطيم نسل المهذب المعصوم ولولاه دكدكت كالرميم هداة إلى الصراط القويم وبالقسط عند ظلم الظلوم مقرنات بالرحب والتسليم
ورواها ابن شاكر في ( الفوات ) 1 ص 19.
    عظمته والمؤلفون في أخباره
    لم تفتء الشيعة تبجل كل متهالك في ولاء أئمة أهل البيت ، وتقدر له مكانة عظيمة ، وتكبر منه ما أكبره الله سبحانه ورسوله من منصة العظمة ، أضف إلى ذلك ما كان بمرأى منهم ومسمع في حق السيد خاصة من تكريم أئمة الحق صلوات الله عليهم مثواه ، وتقريبهم لمحله منهم ، وإزلافهم إياه ، وتقديرهم لسعيه المشكور في


(235)
الإشادة بذكرهم والذب عنهم ، والبث لفضائلهم ، وتظاهره بموالاتهم ، وإكثاره من مدائحهم مع رده الصلاة تجاه هاتيك العقود الذهبية لأن ما كان يصدر منه من تلكم المظاهر لم تكن إلا تزلفا منه إلى المولى سبحانه ، وأداءا لأجر الرسالة ، وصلة للصادع بها صلى الله عليه وآله ، ولقد كاشف في ذلك كله أبويه الناصبيين الخارجيين ، فكان معجزة وقته في التلفع بهذه المآثر كلها ، والتظاهر بهذا المظهر الطاهر ، ومنبته ذلك المنبت الخبيث ، فما كان الشيعي يوم ذاك وهلم جرا يجد من واجبه الديني إلا إكباره وخفض الجناح عند عظمته.
    قال ابن عبد ربه في العقد الفريد 2 ص 289 : السيد الحميري وهو رأس الشيعة ، وكانت الشيعة من تعظيمها له تلقي له وسادة بمسجد الكوفة ، وفي حديث شيخ الطايفة الآتي : قال جعفر بن عفان الطائي للسيد : يا أبا هاشم ؟ أنت الرأس ونحن الأذناب.
    وليس ذلك ببدع من الشيعة بعد ما أزلفه الإمام الصادق عليه السلام وأراه من دلايل الإمامة ما أبقى له مكرمة خالدة حفظها له التاريخ كحديث إنقلاب الخمر لبنا. والقبر وإطلاق لسانه في مرضه وغيرهما ، واستفاض الحديث بترحمه عليه السلام إياه والدعاء له والشكر لمساعيه ، وبلغهم قوله عليه السلام لعذاله فيه : لو زلت له قدم فقد ثبتت الأخرى ، وقد أخبره بالجنة.
    وكان يستنشد الإمام عليه السلام شعره ويحتفل به وقد أنشده إياه فضيل الرسان ، وأبو هارون المكفوف ، والسيد نفسه ، روى أبو الفرج عن علي بن إسماعيل التميمي عن أبيه قال : كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام إذا استأذن آذنه السيد فأمره بإيصاله ، وأقعد حرمه خلف ستر ، ودخل فسلم وجلس فاستنشده فأنشد قوله :
أمرر على جدث الحسين يا أعظما لا زلت من فإذا مررت بقبره وابك المطهر للمطهر كبكاء معولة أتت فقل لأعظمه الزكيه وطفاء (1) ساكبة رويه فأطل به وقف المطيه والمطهرة النقية يوما لواحدها المنيه (2)

1 ـ وطف المطر : انهمر. يقال : سحابة وطفاء. أي مسترخية لكثرة مائها.
2 ـ يوجد من القصيدة 23 بيتا.


(236)
    قال : فرأيت دموع جعفر بن محمد تتحدر على خديه ، وارتفع الصراخ والبكاء من داره ، حتى أمره بالامساك فأمسك قال : فحدثت أبي بذلك لما انصرفت فقال لي : ويلي على الكيساني الفاعل ابن الفاعل يقول :
فإذا مررت بقبره فأطل به وقف المطيه
    فقلت : يا أبت ؟ وما يصنع ؟ قال : أو لا ينحر ؟! أو لا يقتل نفسه ؟! فثكلته أمه.
[ الأغاني 7 ص 240 ]
    وهذه القصيدة أنشدها أبو هارون المكفوف الإمام الصادق عليه السلام. روى شيخنا ابن قولويه في ( الكامل ) ص 33 و 44 عن أبي هارون قال : قال أبو عبد الله عليه السلام يا أبا هارون ؟ أنشدني في الحسين عليه السلام قال : فأنشدته فبكى فقال : أنشدني كما تنشدون يعني بالرقة قال : فأنشدته :
أمرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكيه
    ثم قال : زدني. قال : فأنشدته القصيدة الأخرى. وفي لفظه الآخر : فأنشدته :
يا مريم قُومي فاندبي مولاك وعلى الحسين فاسعدي ببكاك
    قال : فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر. الحديث. ورواه شيخنا الصدوق في ( ثواب الأعمال ). وهناك منامات صادقة تنم عن تزلف السيد عند النبي الأعظم صلى الله عليه وآله مرت جملة منها ص 221 ـ 224 ، وروى أبو الفرج عن إبراهيم بن هاشم العبدي إنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وآله وبين يديه السيد الشاعر وهو ينشد :
أجد بآل فاطمة البكور فدمع العين منهمر غزير
    حتى أنشده إياها على آخرها وهو يسمع : قال : فحدثت هذا الحديث رجلا جمعتني وإياه طوس عند قبر علي بن موسى الرضا فقال لي : والله لقد كنت على خلاف فرأيت النبي صلى الله عليه وآله في المنام وبين يديه رجل ينشد : أجد بآل فاطمة البكور إلى آخرها فاستيقظت من نومي وقد رسخ في قلبي من حب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما كنت أعتقده.
[ الأغاني 7 ص 246 ]
    هذه مكرمة للسيد تشف عن عظمة محله ، وحسن عقيدته ، وخلوص نيته ،


(237)
وسلامة مذهبه ، وطهارة ضميره ، وصدق موقفه. ومهما عرف أعلام الأمة مسيس حاجة المجتمع إلى سرد تأريخ مثل السيد من رجالات الفضيلة سلفا وخلفا ، أفرد جمع منهم تآليف في أخبار السيد وشعره فمنهم :
    1 ـ أبو أحمد عبد العزيز الجلودي الأزدي البصري المتوفى 302.
    2 ـ الشيخ صالح بن محمد الصراي شيخ أبي الحسن الجندي.
    3 ـ أبو بكر محمد بن يحيى الكاتب الصولي المتوفى 335.
    4 ـ أبو بشر أحمد بن إبراهيم العمي البصري ، ذكر له شيخ الطايفة في فهرسته ص 30 : كتاب أخبار السيد وشعره ، وفي معجم الأدباء 2 ص 226 : كتاب أخبار السيد ، ويظهر من رجال النجاشي ص 70 ومعالم العلماء أنه ألف كتابا في أخباره وكتابا في شعره
    5 ـ أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون شيخ النجاشي.
    6 ـ أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني المتوفى 378 ، له كتاب ( أخبار السيد ) وقفنا على بعض أجزاءه وهو جزء من كتابه ( أخبار الشعراء ) المشهورين المكثرين في عشرة آلاف ورقة كما في فهرست ابن النديم.
    7 ـ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عياش الجوهري المتوفى 401.
    8 ـ إسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان النخعي.
    9 ـ المستشرق الفرنسوي [ بربيه دي مينار ] جمع أخباره في مائة صحيفة طبعت في پاريس فهرست النجاشي ص 53 ، 63 ، 64 ، 70 ، 141 ، 171 ، فهرست ابن النديم ص 215 ، فهرست شيخ الطائفة ص 30 ، معالم العلماء ص 16 ، الأعلام 1 ص 112.

( الثناء على أدبه وشعره )
    كان السيد في مقدمي المكثرين المجيدين وأحد الشعراء الثلاثة الذين عدوا أكثر الناس شعرا في الجاهلية والاسلام وهم : السيد. وبشار. وأبو العتاهية. قال أبو الفرج : لا يعلم أن أحدا قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع. وقال المرزباني : لم يسمع أن أحدا عمل شعرا جيدا وأكثر غبر السيد ، وروى عن عبد الله بن إسحاق الهاشمي قال : جمعت للسيد ألفي قصيدة وظننت إنه ما بقي علي شيء فكنت لا أزال


(238)
أرى من ينشدني ما ليس عندي فكتبت حتى ضجرت ثم نركت. وقال : سئل أبو عبيدة من أشعر المولدين ؟ قال : السيد وبشار. ونقل عن الحسين بن الضحاك أنه قال : ذاكرني مروان بن أبي حفصة أمر السيد بعد موته وأنا أحفظ الناس بشعر بشار والسيد فأنشدته قصيدته المذهبة التي أولها (1) :
أين التطرب بالولاء وبالهوى أإلى أمية أم إلى شيع التي أإلى الكواذب من بروق الخلب؟؟!! جاءت على الجمل الخدب الشوقب؟!
    حتى أتى على آخرها ، فقال لي مروان : ما سمعت قط شعرا أكثر معاني وألخص منه وعدد ما فيه من الفصاحة. وكان يقول لكل بيت منها : سبحان الله ، ما أعجب هذا الكلام ؟. وروى عن التوزي أنه قال : لو أن شعرا يستحق أن لا ينشد إلا في المساجد لحسنه لكان هذا ، ولو خطب به خاطب على المنبر في يوم الجمعة لأتى حسنا ولحاز أجرا.
    وقال أبو الفرج : كان شاعرا متقدما مطبوعا ، وله طراز من الشعر ومذهب قلما يلحق فيه أو يقاربه. وروي عن ليطة بن الفرزدق قال : تذاكرنا الشعراء عند أبي فقال : إن هاهنا لرجلين لو أخذا في معنى الناس لما كنا معهما في شيء. فسألناه من هما ؟ فقال : السيد الحميري ، وعمران بن حطان السدوسي ، ولكن الله عز وجل قد شغل كل واحد منهما بالقول في مذهبه.
الأغاني 7 ص 231.
    وعن التوزي قال : رأى الأصمعي جزءا فيه من شعر السيد فقال لمن هذا ؟ فسترته عنه لعلمي بما عنده فيه ، فأقسم علي أن أخبره فأخبرته فقال : أنشدني قصيدة منه فأنشدته قصيدة ثم أخرى وهو يستزيدني ثم قال : قبحه الله ما أسلكه لطريق الفحول لولا مذهبه ، ولولا ما في شعره ما قدمت عليه أحدا من طبقته. وفي لفظه الآخر : لما تقدمه من طبقته أحد. وعن أبي عبيدة أنه قال : أشعر المحدثين : السيد الحميري وبشار ( الأغاني 7 ص 232 ، 236 ).
    وقف السيد على بشار وهو ينشد الشعر فأقبل عليه وقال :
أيها المادح العباد ليعطى إن لله ما بأيدي العباد

1 ـ مر أول القصيدة ص 213 والبيتان هما البيت الخامس عشر والسادس عشر منها.

(239)
فأسئل الله ما طلبت إليهم لا تقل في الجواد ما ليس فيه وارج نفع المنزل العواد وتسمي البخيل باسم الجواد
    قال بشار. من هذا ؟ فعرفه. فقال : لولا أن هذا الرجل قد شغل عنا بمدح بني هاشم لشغلنا ، ولو شاركنا في مذهبنا لأتعبنا
( الأغاني 7 ص 237 )
    وعن غانم الوراق قال : خرجت إلى بادية البصرة فصرت إلى عمرو بن نعيم فجلسوا إلي فأنشدتهم للسيد :
أتعرف رسما بالثويين قد دثر؟ وجرت به الأذيال ريحان خلفه منازل قد كانت تكون بجوها قطوف الخطا خمصانة بخترية رمتني ببعد بعد قرب بها النوى ولما رأتني خشية البين موجعا أشارت بأطراف إلي ودمعها وقد كنت مما أحدث البين حاذرا عفته أهاضيب السحائب والمطر صبا ودبور بالعشيات والبكر هضيم الحشاريا الشوى سحرها النظر كأن محياها سنا دارة القمر فبانت ولما أقض من عندها الوطر أكفكف مني أدمعا بيضها درر كنظم جمان خانه السلك فانتثر فلم يغن عني منه خوفي والحذر
    قال : فجعلوا يمرقون لإنشادي ويطربون وقالوا : لمن هذا ؟ فأعلمتهم. فقالوا : هو والله أحد المطبوعين ، لا والله ما بقي في هذا الزمان مثله ( الأغاني 7 ص 238 ) عن الزبير بن بكار قال : سمعت عمي يقول : لو أن قصيدة السيد التي يقول فيها :
إن يوم التطهير يوم عظيم خص بالفضل فيه أهل الكساء
    قرأت على منبر ما كان فيها بأس ، ولو أن شعره كله كان مثله لرويناه وما عبناه ، وروي عن الحسين بن ثابت قال : قدم علينا رجل بدوي وكان أروى الناس لجرير ، فكان ينشدني الشئ من شعره فأنشد في معناه للسيد حتى أكثرت فقال لي : ويحك من هذا : هو والله أشعر من صاحبنا
( الأغاني 7 ص 239 ).
    ويروى عن إسحاق بن محمد قال : سمعت العتبي (1) يقول : ليس في عصرنا هذا
1 ـ أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله الأموي الشاعر البصري المتوفى 228 ينسب إلى جده عتبة ابن أبي سفيان.

(240)
أحسن مذهبا في شعره ، ولا أنقى ألفاظا من السيد ، ثم قال لبعض من حضر : أنشدنا قصيدته اللامية التي أنشدتناها اليوم فأنشده قوله :
هل عند من أحببت تنويل أم في الحشى منك جوى باطن؟! علقت يا مغرور خداعة ريا رداح النوم خمصانة يشفيك منها حين تخلو بها وذوق ريق طيب طعمه في نسوة مثل المها خرد أم لا ؟ فإن اللوم تضليل ليس تداويه الأباطيل بالوعد منها لك تخييل كأنها إدماء عطبول ضم إلي النحر وتقبيل كأنه بالمسك معلول تضيق عنهن الخلاخيل
يقول فيها :
أقسم بالله وآلائه إن علي بن أبي طالب والمرء عما قال مسئول على التقى والبر مجبول (1)
    فقال العتبي : أحسن والله ما شاء ، هذا والله الشعر الذي يهجم على القلب بلا حجاب [ الأغاني 7 ص 247 ].
    وقبل هذه كلها حسبه ثناءا عليه قول الإمام الصادق عليه السلام : أنت سيد الشعراء. فينم عن مكانته الرفيعة في الأدب ، يقصر الوصف عن استكناهها ، ولا يدرك البيان مداها. فكان يعد من شعراءه عليه السلام وولده الطاهر الكاظم كما في ( نور الأبصار ) للشبلنجي.

    إكثاره في آل الله
    كان السيد بعيد المنزعة ، ولعا بإعادة السهم إلى النزعة ، وقد أشف وفاق كثيرين من الشعراء بالجد والاجتهاد في الدعاية إلى مبدءه القويم ، والاكثار في مدح العترة الطاهرة ، وساد الشعراء ببذل النفس والنفيس في تقوية روح الإيمان في المجتمع و إحياء ميت القلوب ببث فضايل آل الله ، ونشر مثالب مناوئيهم ومساوي أعداءهم قائلا :
أيا رب إني لم أرد بالذي به مدحت عليا غير وجهك فارحم

1 ـ تأتي بقية القصيدة في ذكر أخبار المترجم له وملحه.
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس