كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 241 ـ 250
(241)
    وصدق بشعره رؤياه التي رواها عنه أبو الفرج والمرزباني في أخباره أنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وآله في النوم وكأنه في حديقة سبخة فيها نخل طوال وإلى جانبها أرض كأنها الكافور ليس فيها شيء فقال : أتدري لمن هذا النخل ؟! قلت : لا يا رسول الله ؟ قال : لامرئ القيس بن حجر فاقلعها واغرسها في هذه الأرض. ففعلت. وأتيت ابن سيرين فقصصت رؤياي عليه. فقال : أتقول الشعر ؟ قلت : لا. قال : أما إنك ستقول شعرا مثل شعر امرئ القيس إلا أنك تقول في قوم بررة أطهار.
    وكان كما قال أبو الفرج لا يخلو شعره من مدح بني هاشم أو ذم غيرهم ممن هو عنده ضد لهم. وروى عن الموصلي عن عمه قال : جمعت للسيد في بني هاشم ألفين وثلثمائة قصيدة فخلت أن قد استوعبت شعره حتى جلس إلي يوما رجل ذو أطمار رثة فسمعني أنشد شيئا من شعره فأنشدني به ثلاث قصايد لم تكن عندي فقلت في نفسي : لو كان هذا يعلم ما عندي كله ثم أنشدني بعده ما ليس عندي لكان عجبا فكيف وهو لا يعلم وإنما أنشد ما حضره ، وعرفت حينئذ أن شعره ليس مما يدرك ولا يمكن جمعه كله. الأغاني 7 ص 236 ، 237.
    قال أبو الفرج كان السيد يأتي الأعمش سليمان بن مهرانالكوفي المتوفى 148 ـ فيكتب عنه فضايل علي أمير المؤمنين سلام الله عليه ويخرج من عنده ويقول في تلك المعاني شعرا فخرج ذات يوم من عند بعض أمراء الكوفة قد حمله على فرس وخلع عليه فوقف بالكناسة ثم قال : يا معشر الكوفيين ؟ من جاءني منكم بفضيلة لعلي بن أبي طالب لم أقل فيها شعرا أعطيته فرسي هذا وما علي. فجعلوا يحدثونه و ينشدهم حتى أتاه رجل منهم وقال : إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه عزم على الركوب فلبس ثيابه وأراد لبس الخف فلبس أحد خفيه ثم أهوى إلى الآخر ليأخذه فانقض عقاب من السماء فحلق به ثم ألقاه فسقط منه أسود وإنساب فدخل جحرا فلبس علي عليه السلام الخف. قال : ولم يكن قال في ذلك شيئا ففكر هنيهة ثم قال :
ألا يا قوم للعجب العجاب م عدو من عداة الجن وغد لخف أبي الحسين وللحباب بعيد في المرادة من صواب


(242)
أتى خفا له وانساب فيه م لينهش خير من ركب المطايا فخر من السماء له عقاب فطار به فحلق ثم أهوى م فصك بخفه وانساب منه إلى جحر له فانساب فيه كريه الوجه أسود ذو بصيص م يهل له الجري إذا رآه م تأخر حينه ولقد رماه ودوفع عن أبي حسن علي لينهش رجله منه بناب أمير المؤمنين أبا تراب من العقبان أو شبه العقاب به للأرض من دون السحاب وولى هاربا حذر الحصاب بعيد القعر لم يرتج بباب حديد الناب أزرق ذو لعاب حثيث الشـد محذور الوثاب فأخطاه بأحجار صلاب نقيع سمامه بعد انسياب (1)
    قال المرزبناني : ثم حرك فرسه وثناها وأعطى ما كان معه من المال والفرس للذي روى له الخبر وقال : إني لم أكن قلت في هذا شيئا. وذكر المرزباني عن تشبيبها أحد عشر بيتا لم يرو أبو الفرج إلا مستهلها :
صبوت إلى سليمى والرباب وما لأخي المشيب وللتصابي
    قال أبو الفرج : أما العقاب الذي انقض على خف علي بن أبي طالب رضي الله عنه فحدثني بخبره أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال : حدثني جعفر بن علي بن نجيح قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المسعودي عن أبي داود الطهوي عن أبي الزغل المرادي قال : قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فتطهر للصلاة ثم نزع خفه فانساب فيه أفعى فلما عاد ليلبسه انقضت عقاب فأخذته فحلقت به ثم ألقته فخرج الأفعى منه. وقد روي مثل هذا لرسول الله صلى الله عليه وآله.
    وقال ابن المعتز في طبقاته ص 7 : كان السيد أحذق الناس بسوق الأحاديث والأخبار والمناقب في الشعر لم يترك لعلي بن أبي طالب فضيلة معروفة إلا نقلها إلى الشعر ، وكان يمله الحضور في محتشد لا يذكر فيه آل محمد صلوات الله عليهم ، و لم يأنس بحفلة تخلو عن ذكرهم روى أبو الفرج عن الحسن بن علي بن حرب بن أبي
1 ـ الأغاني 7 ص 257 غير أن الأبيات المرموزة أخذناها عن أخبار السيد للمرزباني.

(243)
الأسود الدؤلي قال : كنا جلوسا عند أبي عمرو ابن العلاء فتذاكرنا السيد فجاء فجلس وخضنا في ذكر الزرع والنخل ساعة فنهض فقلنا : يا أبا هاشم مم القيام ؟ فقال :
إني لأكره أن أطيل بمجلس لا ذكر فيه لأحمد ووصيه إن الذي ينساهم في مجلس لا ذكر فيه لفضل آل محمد وبنيه ذلك مجلس نطف ردي (1) حتى يفارقه لغير مسدد
    وكان إذا استشهد شيئا من شعره لم يبدأ بشئ إلا بقوله :
أجد بآل فاطمة البكور فدمع العين منهمر غزير
الأغاني 7 ص 246 ـ 266.

    رواة شعره وحفاظه
    1 ـ أبو داود سليمان بن سفيان المسترق الكوفي المنشد المتوفى سنة 230 عن 70 عاما ، كان راوية شعره كما في ( الأغاني ) و ( فهرست ) الكشي ص 205.
    2 ـ إسماعيل بن الساحر كان راويته كما في ( الأغاني ) في غير موضع.
    3 ـ أبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى 209 / 111 ، كان يروي شعره كما في ( الأغاني ) و ( لسان الميزان ) 1 ص 437.
    4 ـ السدري كان راويته كما في طبقات ابن المعتز ص 7.
    5 ـ محمد بن زكريا الغلابي الجوهري البصري المتوفى 298 ، كان يحفظ شعر السيد ويقرأه على العباسة بنت السيد ويصححه عليها كما في ( أخبار السيد ) للمرزباني.
    6 ـ جعفر بن سليمان الضبعي البصري المتوفى 178 ، كان ينشد شعر السيد كثيرا فمن أنكره عليه لم يحدثه كما في ( الأغاني ) و ( لسان الميزان ) 1 ص 437.
    7 ـ يزيد بن محمد بن عمر بن مذعور التميمي كان يروي للسيد ويعاشره كما في ( أخبار السيد ) للمرزباني وقال أبو الفرج : كان يحفظ شعر السيد وينشده لأبي بجير الأسدي.
    8 ـ فضيل بن الزبير الرسان الكوفي ، كان ينشد شعر السيد وقد أنشده للإمام الصادق عليه السلام وقد مر بعض حديثه.
1 ـ النطف : النجس.

(244)
    9 ـ الحسين بن الضحاك قال المرزباني : كان أحفظ الناس بشعره.
    10 ـ الحسين بن ثابت كان يروي كثيرا من شعره.
    11 ـ العباسة بنت السيد ، كانت حافظة لشعر أبيها وكانت الرواة يقرأون عليها شعر السيد وتصححه لهم كما ذكره المرزباني في ( أخبار السيد ).
    وكانت للسيد كريمتان أخرى تحفظان شعره وفي بعض المعاجم كانت كل واحدة تحفظ ثلثمائة قصيدة وقال ابن المعتز في ( طبقات الشعراء ) ص 8 : حكي عن السدري أنه قال : كان له أربع بنات وإنه كان حفظ كل واحدة منهن أربعمائة قصيدة من شعره 12 ـ عبد الله بن إسحاق الهاشمي ، جمع شعره كما مر عن المرزباني.
    13 ـ عم الموصلي جمع شعره في بني هاشم كما مر عن الأغاني.
    14 ـ الحافظ أبو الحسن الدار قطني علي بن عمر المتوفى 385 كان يحفظ ديوان السيد كما في تاريخي الخطيب البغدادي 2 ص 35 ، وابن خلكان 1 ص 359 ، وتذكرة الحفاظ 3 ص 200.

مذهبه وكلمات الأعلام حوله
    عاش السيد ردحا من الزمن على الكيسانية (1) يقول بإمامة محمد بن الحنفية وغيبته وله في ذلك شعر ثم أدركته سعادة ببركة الإمام الصادق صلوات الله عليه وشاهد منه حججه القوية وعرف الحق ونبذ ما كان عليه من سفاسف الكيسانية عندما نزل الإمام عليه السلام الكوفة عند منصرفه من عند المنصور أو ملاقاته إياه في الحج.
    ولعبد الله بن المعتز المتوفى 296 ، وشيخ الأمة الصدوق المتوفى 381 ، والحافظ المرزباني المتوفى 384 ، وشيخنا المفيد المتوفى 412 ، وأبي عمرو الكشي ، والسروي المتوفى 588 ، والأربلي المتوفى 692 وغيرهم حول مذهبه كلمات ضافية يكتفى بواحدة منها في إثبات الحق فضلا عن جميعها. فإليك نصوصها.
1 ـ هم أصحاب مختار بن أبي عبيد يقال في تسميتهم بذلك : إن المختار كان يلقب بكيسان مأخوذا مما رواه الكشي في رجاله ص 84 من قول أمير المؤمنين عليه السلام له : يا كيس يا كيس وقيل : إن كيسان اسم صاحب شرطته ويكنى بأبي عمرة كما في رجال الكشي والفصل لابن حزم. وقيل : إن كيسان هو مولى أمير المؤمنين وهو الذي حمل المختار على الطلب بدم الحسين السبط عليه السلام ودل على قتلته وكان صاحب سره والغالب على أمره كما ذكره الكشي.

(245)
    1 ـ كلمة المعتز : قال في ( طبقات الشعراء ) ص 7 : حدثني محمد بن عبد الله قال : قال السدري راوية السيد كان السيد أول زمانه كيسانيا يقول برجعة محمد بن الحنفية وأنشدني في ذلك :
حتى متى ؟ وإلى متى ؟ ومتى المدى يا بن الوصي وأنت حي ترزق ؟!
    والقصيدة مشهورة. وحدثني محمد بن عبد الله قال : قال السدري : ما زال السيد يقول بذلك حتى لقي الصادق عليه السلام بمكة أيام الحج فناظره وألزمه الحجة فرجع عن ذلك فذلك قوله في تركه تلك المقالة ورجوعه عما كان عليه ويذكر الصادق :
تجعفرت باسم الله والله أكبر ويثبت مهما شاء ربي بأمره وأيقنت أن الله يعفو ويغفر ويمحو ويقضي في الأمور ويقدر
    2 ـ كلمة الصدوق : قال في ( كمال الدين ) ص 20 : فلم يزل السيد ضالا في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن الحنفية حتى لقي الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ورأى منه علامات الإمامة وشاهد منه دلالات الوصية فسأله عن الغيبة فذكر له أنها حق و لكنها تقع بالثاني عشر من الأئمة عليهم السلام وأخبره بموت محمد بن الحنفية وإن أباه محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام شاهد دفنه فرجع السيد عن مقالته ، و استغفر من اعتقاده ، ورجع إلى الحق عند اتضاحه له ودان بالإمامة.
    حدثنا عبد الواحد بن محمد العطار رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : حدثنا حمدان بن سليمان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حيان السراج قال : سمعت السيد ابن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي الملقب بابن الحنفية قد ظللت في ذلك زمانا فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وأنقذني به من النار ، وهداني إلى سواء الصراط فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها (1) منه أنه حجة الله علي وعلى جميع أهل زمانه ، وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته ، وأوجب الاقتداء به فقلت له : يا بن رسول الله قد روى لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال عليه السلام : إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله
1 ـ ستقف على بعض تلكم الدلائل.

(246)
صلى الله عليه وآله ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملأت جورا وظلما. قال السيد : فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه وقلت قصيدتي التي أولها :
ولما رأيت الناس في الدين قد غووا وناديت باسم الله والله أكبر ودنت بدين غير ما كنت داينا فقلت : فهبني قد تهودت برهة وإني إلى الرحمن من ذاك تائب فلست بغال ما حييت وراجع ولا قائلا حي برضوى محمد (1) ولكنه مما مضى لسبيله مع الطيبين الطاهرين الأولى لهم تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا وأيقنت أن الله يعفو ويغفر به ونهاني سيد الناس جعفر وإلا فديني دين من يتنصر وإني قد أسلمت والله أكبر إلى ما عليه كنت أخفي وأضمر وإن عاب جهال مقالي فاكثروا على أفضل الحالات يقفى ويخبر من المصطفى فرع زكي وعنصر
    إلى آخر القصيدة وهي طويلة وقلت بعد ذلك قصيدة أخرى :
أيا راكبا نحو المدينة جسرة إذا ما هداك الله عاينت جعفرا : ألا يا أمين الله وابن أمينه إليك من الأمر الذي كنت مطنبا وما كان قولي في ابن خولة مبطنا ولكن روينا عن وصي محمد بأن ولي الأمر يفقد لا يرى فيقسم أموال الفقيد كأنما عذافرة يطوى بها كل سبب (2) فقل لولي الله وابن المهذب أتوب إلى الرحمن ثم تأوبي أحارب فيه جاهدا كل معرب معاندة مني لنسل المطيب وما كان فيما قال بالمتكذب ستيرا (3) كفعل الخائف المترقب تعيبه بين الصفيح المنصب

1 ـ في لفظ ابن شهر آشوب : ولا قائلا قولا بكيسان بعدها.
2 ـ الجسرة : العظيمة من الإبل. والعذافرة : الشديدة منها.
3 ـ في لفظ المرزباني والمفيد : سنين.


(247)
فيمكث حينا ثم ينبع نبعة يسير بنصر الله من بيت ربه يسير إلى أعدائه بلوائه فلما روي أن ابن خولة غايب وقلنا هو المهدي والقائم الذي فإن قلت لا فالحق قولك والذي وأشهد ربي أن قولك حجة بأن ولي الأمر والقائم الذي له غيبة لا بد من أن يغيبها فيمكث حينا ثم يظهر حينه بذاك أمين الله سرا وجهرة كنبعة جدي من الأفق كوكب (1) على سودد منه وأمر مسبب فيقتلهم قتلا كحران مغضب صرفنا إليه قولنا لم نكذب يعيش به من عدله كل مجدب (2) أمرت فحتم غير ما معتصب على الخلق طرا من مطيع ومذنب تطلع نفسي نحوه بتطرب فصلى عليه الله من متغيب فيملأ عدلا كل شرق ومغرب ولست وإن عوتبت فيه بمعتب
    وكان حيان السراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية ، ورواه الأربلي في كشف الغمة.
    3 ـ كلمة المرزباني : قال في أخبار السيد : كان السيد ابن محمد رحمه الله بلا شك كيسانيا يذهب أن محمد بن الحنفية رضي الله عنه هو القائم المهدي وإنه مقيم في جبال رضوى وشعره في ذلك يدل على أنه كان كما ذكرنا كيسانيا فمن قوله :
يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى حتى متى ؟ وإلي متى ؟ وكم المدى إني لآمل أن أراك وإنني وبنا إليه من الصبابة أولق (3) يا بن الوصي وأنت حي ترزق ؟ من أن أموت ولا أراك لأفرق
    غير أنه رحمه الله رجع عن ذلك وذهب إلى إمامة الصادق عليه السلام وقال :
تجعفرت باسم الله والله أكبر وأيقنت أن الله يعفو ويغفر
    ومن زعم إن السيد أقام على الكيسانية فهو بذلك كاذب عليه ، وطاعن فيه
1 ـ وفي رواية المرزباني :
ويمكث حينا ثم يشرق شخصه مضيئا بنور العدل إشراق كوكب
2 ـ في رواية الحافظ المرزباني : يعيش بجدوى عدله كل مجدب.
3 ـ الأولق : الجنون أو مس منه ).


(248)
    ومن أوضح ما دل على بطلان ذلك دعاء الصادق له عليه السلام وثناؤه عليه فمن ذلك ما أخبرنا به محمد بن يحيى قال : حدثنا أبو العينا قال : حدثني علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال : قيل لأبي عبد الله عليه السلام وذكر عنده السيد : بأنه ينال من الشراب. فقال عليه السلام : إن كان السيد زلت به قدم فقد ثبتت له أخرى.
    ( وبإسناده ) عن عباد بن صهيب قال : كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام فذكر السيد فدعا له فقال له : يا بن رسول الله أتدعو له وهو يشرب الخمر ، ويشتم أبا بكر وعمر ، ويوقن بالرجعة ؟! فقال : حدثني أبي عن أبيه علي بن الحسين أن محبي آل محمد صلى الله عليه وآله لا يموتون إلا تائبين. وإنه قد تاب ثم رفع رأسه وأخرج من مصلى عليه كتابا من السيد يتوب فيه مما كان عليه (1) وفي آخر الكتاب :
يا راكبا نحو المدينة جسرة ( إلى آخر الأبيات كما مرت )
    و ( روى بإسناده ) عن خلف الحادي قال : قدم السيد من الأهواز بمال ورقيق وكراع فجئته مهنئا له فقال : إن أبا بجير (2) إمامي وكان يعيرني بمذهبي ويأمل مني تحولا إلى مذهبه فكتبت أقول له : قد انتقلت إليه ، وقلت :
أيا راكبا نحو المدينة جسرة وذكر الأبيات إلى آخرها كما مرت
    ثم قال : فقال له أبو بجير يوما : لو كان مذهبك الإمامة لقلت فيها شعرا. فأنشدته هذه القصيدة فسجد وقال : الحمد لله الذي لم يذهب حبي لك باطلا. ثم أمر لي بما ترى. وروى بإسناده عن خلف الحادي قال : قلت للسيد : ما معنى قولك ؟
عجبت لكر صروف الزمان ومن رده الأمر لا ينثني علي وما كان من عمه وتحكيمه حجرا أسودا بتسليم عم بغير امتراء شهدت بذلك صدقا كما وأمر أبي خالد ذي البيان إلى الطيب الطهر نور الجنان برد الإمامة عطف العنان وما كان من نطقه المستبان إلى ابن أخ منطقا باللسان شهدت بتصديق آي القرآن

1 ـ في الأغاني 7 ص 277 : أخرج كتابا من السيد يعرفه فيه : إنه قد تاب ويسأله الدعاء له.
2 ـ هو أبو بجير عبد الله بن النجاشي الأسدي والي الأهواز للمنصور.


(249)
علي إمامي لا أمتري وخليت قولي بكان وكان
    قال لي : كان حدثني علي بن شجرة عن أبي بجير عن الصادق أبي عبد الله عليه السلام : إن أبا خالد الكابلي كان يقول بإمامة ابن الحنفية فقدم من كابل شاه إلى المدينة فسمع محمدا يخاطب علي بن الحسين فيقول : يا سيدي فقال أبو خالد : أتخاطب ابن أخيك بما لا يخاطبك بمثله ؟ فقال : إنه حاكمني إلى الحجر الأسود وزعم أنه ينطقه فصرت معه إليه فسمعت الحجر يقول : يا محمد ؟ سلم الأمر إلى ابن أخيك فإنه أحق منك. فقلت شعري هذا ، قال : وصار أبو خالد الكابلي إماميا. قال : فسألت بعض الإمامية عن هذا ، فقال لي : ليس بإمامي من لا يعرف هذا. فقلت : للسيد : فأنت على هذا المذهب أو على ما أعرف ؟! فأنشدني بيت عقيل بن علفة.
خذا جنب هرشى (1) أوقفاه فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق
    ومما رواه المرزباني له في مذهبه قوله :
صح قولي بالإمامه وأزال الله عني قلت من بعد حسين أصبح السجاد للإسلام قد أراني الله أمرا كي الاقيه به في وتعجلت السلامه إذ تجعفرت الملامة بعلي ذي العلامه والدين دعامه أسـأل الله تمامه وقت أهوال القيامة
    4 ـ كلمة المفيد : قال في ( الفصول المختارة ) ص 93 : وكان من الكيسانية أبو هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الشاعر رحمه الله وله في مذهبهم أشعار كثيرة ثم رجع عن القول بالكيسانية وتبرأ منه ودان بالحق ، لأن أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام دعاه إلى إمامته وأبان له عن فرض طاعته ، فاستجاب له فقال بنظام الإمامة وفارق ما كان عليه من الضلالة ، وله في ذلك أيضا شعر معروف ومن بعض قوله في إمامة محمد رضوان الله عليه ومذهب الكيسانية قوله :
ألا حي مقيم شعب رضوى وأهد له بمنزله السلاما

1 ـ ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة وله طريقان يفضيان إلى موضع واحد.

(250)
    إلى أن قال : وله عند رجوعه إلى الحق وفراقه الكيسانية :
تجعفرت باسم الله والله أكبر ودنت بدين غير ما كنت داينا وأيقنت أن الله يعفو ويغفر [ إلى آخر ما مر باختلاف يسير ]
    وقال في ( الارشاد ) : فصل وفيه ( يعني الإمام الصادق ) يقول السيد إسماعيل ابن محمد الحميري رحمه الله وقد رجع عن قوله بمذهب الكيسانية لما بلغه إنكار أبي عبد الله عليه السلام مقاله ودعاؤه له إلي القول بنظام الإمامة :
أيا راكبا نحو المدينة جسرة عذافرة يطوى بهاكل سبسب
    وذكر منها 13 بيتا ثم قال : وفي هذا الشعر دليل على رجوع السيد عن مذهب الكيسانية وقوله بإمامة الصادق عليه السلام ووجوه الدعوة ظاهرة من الشيعة في أيام أبي عبد الله إلى إمامته والقول بغيبة صاحب الزمان وإنها إحدى علاماته ، وهو صريح قول الإمامية الاثنى عشرية.
    5 ـ كلمة ابن شهر آشوب : روى في ( المناقب ) 2 ص 323 عن داود الرقي قال : بلغ السيد الحميري : إنه ذكر عند الصادق عليه السلام فقال : السيد كافر. فأتاه وسأل يا سيدي ؟ أنا كافر مع شدة حبي لكم ومعاداتي الناس فيكم ؟ قال : وما ينفعك ذاك وأنت كافر بحجة الدهر والزمان ؟! ثم أخذ بيده وأدخله بيتا فإذا في البيت قبر فصلى ركعتين ثم ضرب بيده على القبر فصار القبر قطعا فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته ، فقال له الصادق : من أنت ؟ قال : أنا محمد بن علي المسمى بابن الحنفية. فقال : فمن أنا ؟ فقال جعفر بن محمد حجة الدهر والزمان (1) فخرج السيد يقول :
تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا ..................
    وفي ( أخبار السيد ) : إنه ناظر معه مؤمن الطاق في ابن الحنفية فغلبه عليه فقال :
تركت ابن خولة لاعن قلى وإني له حافظ في المغيب هو الحبر حبر بني هاشم وإني لكالكلف الوامق أدين بما دان في الصادق ونور من الملك الرازق

1 ـ هذه من علامات الإمامة التي مر الايعاز إليها في كلمة الصدوق.
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس