كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 271 ـ 280
(271)
أدين الله ذا العزة وعندي فيه إيضاح وما يجحد ما قد قلـ وإن أنكر ذو النصب وإن عدوه لي ذنبا فلا كان لهذا الذنب وكم عدت إساءات وسري فيه يا داعي فحبي لك إيمان فعد القوم ذا رفضا بالدين الذي دانوا عن الحق وبرهان ت في السبطين إنسان فعندي فيه عرفان وحال الوصل هجران عند القوم غفران لقوم وهي إحسان دين الله إعلان وميلي عنك كفران فلا عدوا ولا كانوا
    قال : فألطف له الرشيد ووصله جماعة من بني هاشم.

    صفته في خلقته
    كان السيد الحميري أسمر ، تام القامة ، أشنب (1) ذا وفرة (2) ، جميل الوجه ، رحيب الجبهة ، عريض ما بين السالفتين ، حسن الألفاظ ، جميل الخطاب ، إذا تحدث في مجلس قوم أعطى كل رجل في المجلس نصيبه من حديثه ، وكان من أظرف الناس.
    قال شيبان بن محمد الحراني ـ وكان يلقب بعوضة من سادات الأزد ـ : كان السيد جاري وكان أدلم وكان ينادم فتيانا من فتيان الحي فيهم فتى مثله أدلم غليظ الأنف والشفتين مزنج الخلقة. وكان السيد من أنتن الناس إبطين وكانا يتمازحان فيقول له السيد : أنت زنجي الأنف والشفتين. ويقول الفتى للسيد : أنت زنجي اللون والإبطين. فقال السيد :
أعارك يوم بعناه رباح (3) وكانت حصتي إبطي منه مشافره وأنفك ذا القبيحا ولونا حالكاً أمسى فضوحا

1 ـ الشنب : البياض والبريق والتحديد في الأسنان.
2 ـ الوفرة : ما جاود شحمة الأذنين من الشعر.
3 ـ من أسماء العبيد.


(272)
فهل لك في مبادلتيك إبطي فإنك أقبح الفتيان أنفا بأنفك ؟ تحمد البيع الربيحا وإبطي أنتن الآباط ريحا
الأغاني 7 ص 331 ، أمالي ابن الشيخ ص 43.

    ولادته ووفاته
    ولد سيد الشعراء الحميري سنة 105 بعمان (1) ونشأ في البصرة في حضانة والديه الإباضيين إلى أن عقل وشعر فهاجرهما واتصل بالأمير عقبة بن سلم وتزلف لديه حتى مات والده فورثهما كما مر ص 232 ـ 234 ثم غادر البصرة إلى الكوفة وأخذ فيها الحديث عن الأعمش وعاش مترددا بينهما.
    وتوفي في الرميلة ببغداد في خلافة الرشيد وهذا هو المتسالم عليه وكفن بأكفان وجهها الرشيد بأخيه وصلى عليه أخوه علي بن المهدي (2) وكبر خمسا على طريق الإمامية ووقف على قبره إلى أن سطح بأمر من الرشيد ودفن في جنينة (3) ناحية من الكرخ مما يلي قطيعة الربيع (4).
    أما سنة وفاته فقد أرخها المرزباني بسنة 173 ونقلها القاضي المرعشي في مجالسه عن خط الكفعمي (5) وقال ابن حجر بعد نقل التأريخ المذكور عن أبي الفرج : أرخه غيره سنة 178 ، وأرخه ابن الجوزي سنة تسع.
    روى المرزباني بإسناده عن ابن أبي حودان قال : حضرت السيد ببغداد عند موته فقال لغلام له : إذا مت فأت مجمع البصريين وأعلمهم بموتي وما أظنه يجيئ منهم إلا رجل أو رجلان ثم اذهب إلى مجمع الكوفيين فأعلمهم بموتي أنشدهم :
يا أهل كوفان إني وامق لكم أهواكم وأواليكم وأمدحكم مذ كنت طفلا إلى السبعين والكبر حتما علي كمحتوم من القدر

1 ـ لسان الميزان 1 ص 438.
2 ـ فما في مجالس المؤمنين وبعض المعاجم : صلى عليه المهدي فيه تصحيف إذا المهدي توفي 169 قبل المترجم بسنين.
3 ـ الجنينة تصغير الجنة وهي الحديقة والبستان.
4 ـ تنسب إلى الربيع بن يونس حاجب المنصور.
5 ـ أحد الشعراء الغدير في القرن العاشر تأتي هناك ترجمته.


(273)
لحبكم لوصي المصطفى وكفى والسيدين أولي الحسنى ونجلهم هو الإمام الذي نرجو النجاة به كتبت شعري إليكم سائلا لكم أن لا يليني سواكم أهل بصرتنا ولا السلاطين إن الظلم حالفهم وكفنوني بياضا لا يخالطه ولا يشيعني النصاب إنهم عسى الإله ينجيني برحمته بالمصطفى وبه من سائر البشر سمي من جاء بالآيات والسور من حر نار على الأعداء مستعر إذ كنت أنقل من دار إلى حفر الجاحدون أو الحادون للبدر فعرفهم صائر لا شك للنكر شيء من الوشي أو من فاخرالحبر شر البرية من أنثى ومن ذكر ومدحي الغرر الزاكين من سقر
    فإنهم ليسارعون إلي ويكبرون. فلما مات فعل الغلام ذلك فما أتى من البصريين إلا ثلاثة معهم ثلاث أكفان وعطر ، وأتى من الكوفيين خلق عظيم معهم سبعون كفنا ، ووجه الرشيد بأخيه علي وبأكفان وطيب ، فردت أكفان العامة عليهم وكفن في أكفان الرشيد ، وصلى عليه علي بن المهدي وكبر خمسا ووقف على قبره إلى أن سطح ومضى ، كل ذلك بأمر الرشيد. وروى مجيئ الكوفيين بسبعين كفنا عن أبي العينا (1) عن أبيه وزاد : فلما مات دفن بناحية الكرخ مما يلي قطيعة الربيع.
    وفي حديث موته له مكرمة خالدة تذكر مدى الدهر ، وتقرأ في صحيفة التأريخ مع الأبد. قال بشير بن عمار حضرت وفاة السيد في الرميلة ببغداد فوجه رسولا إلى صف الجزارين الكوفيين يعلمهم بحاله ووفاته ، فغلط الرسول فذهب إلى صف المسموسين ( كذا ) فشتموه ولعنوه ، فعلم أنه قد غلط ، فعاد إلى الكوفيين يعلمهم بحاله ووفاته فوافاه سبعون كفنا قال : وحضرنا جميعا وإنه ليتحسر تحسرا شديدا وإنه وجهه لأسود كالقار وما يتكلم إلا أن أفاق إفاقة وفتح عينيه فنظر إلى ناحية القبلة ( جهة النجف الأشرف ) ثم قال : يا أمير المؤمنين أتفعل هذا بوليك ؟ قالها ثلاث مرات مرة بعد أخرى قال : فتجلى والله في جبينه عرق بياض فما زال يتسع
1 ـ أبو عبد الله محمد بن القاسم بن خلاد البصري المتوفى 283.

(274)
ولبس وجهه حتى صار كله كالبدر وتوفي فأخذنا في جهازه ودفناه في الجنينة ببغداد وذلك في خلافة الرشيد.
( الأغاني 7 ص 277 )
    وقال أبو سعيد محمد بن رشيد الهروي : إن السيد اسود وجهه عند الموت فقال : هكذا يفعل بأوليائكم يا أمير المؤمنين ؟ قال : فابيض وجهه كأنه القمر ليلة البدر فأنشأ يقول :
أحب الذي من مات من أهل وده ومن مات يهوي غيره من عدوه أبا حسن أفديك نفسي وأسرتي أبا حسن إني بفضلك عارف وأنت وصي المصطفى وابن عمه ولاح لحاني في علي وحزبه مواليك ناج مؤمن بين الهدى تلقاه بالبشرى لدى الموت يضحك فليس له إلا إلى النار مسلك ومالي وما أصبحت في الأرض أملك وإني بحبل من هواك الممسك فإنا نعادي مبغضيك ونترك فقلت : لحاك الله إنك أعفك وقاليك معروف الضـلالة مشرك
    رجال الكشي 185 ، أمالي ابن الشيخ ص 31 ، بشارة المصطفى.
    وقال الحسين بن عون : دخلت على السيد الحميري عائدا في علته التي مات فيها فوجدته يساق به ووجدت عنده جماعة من جيرانه وكانوا عثمانية وكان السيد جميل الصورة رحيب الجبهة عريض ما بين السالفتين فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد ثم لم تزل تزيد وتنمي حتى طبقت وجهه يعني اسودادا فاغتم لذلك من حضره من الشيعة فظهر من الناصبة سرور وشماتة فلم يلبث بذلك إلا قليلا حتى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد بيضا وتنمي حتى أسفر وجهه وأشرق وافتر السيد ضاحكا وأنشأ يقول :
كذب الزاعمون : أن عليا قد وربي دخلت جنة عدن فابشروا اليوم أولياء علي ثم من بعده تولوا بنيه لن ينجي محبه من هنات وعفى لي الإله عن سيآتي وتولوا علي حتى الممات واحدا بعد واحد بالصفات
    ثم اتبع قوله هذا : أشهد أن لا إله إلا الله حقا حقا. وأشهد أن محمد رسول الله


(275)
حقا حقا (1) وأشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا حقا. أشهد أن لا إله إلا الله. ثم غمض عينيه لنفسه فكأنما كانت روحه ذبالة (2) طفأت أو حصاة سقطت.
    أمالي الشيخ ص 43 ، مناقب السروي 2 ص 20 ، كشف الغمة ص 124.

    تضلعه في العلم والتاريخ
    إن من يقف على موارد حجاج السيد الحميري والمعاني التي طرقها في شعره ومحاوراته مع من عاصره من رجال الفريقين ، جد عليم بماله من خطوات واسعة و الشوط البعيد في فهم مغازي الكتاب الكريم وفقه السنة الشريفة ، وأن تهالكه في ولاء أهل البيت عليهم السلام كان على بصيرة من أمره عن علم متدفق ، ومعرفة ناضجة لا كمن يتلقى المبدء عن تقليد بحث ومدرك بسيط ، ويغلب على فكره الجلبة والسخب فمن نماذج علمه ما مر ص 258 من حجاجه مع القاضي سوار في مجلس المنصور حول القول بالرجعة وإفحامه إياه بالكتاب والسنة. وما مر ص 264.
    قال المرزباني في أخبار السيد : قيل إن السيد حج أيام هشام فلقي الكميت فسلم عليه وقال : أنت القائل :
ولا أقول إذا لم يعطيا فدكا الله يعلم ماذا يأتيان به بنت الرسول ولا ميراثه كفرا يوم القيامة من عذر إذا حضرا؟!
    قال : نعم قلته تقية من بني أمية وفي مضمون قولي شهادة عليهما أنهما أخذا ما كان في يدها. فقال السيد : لولا إقامة الحجة لوسعني السكوت ، لقد ضعفت يا هذا عن الحق ، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله : فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ، وإن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها. فخالفت رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهب لها فدكا بأمر الله له وشهد لها أمير المؤمنين والحسن والحسين وأم أيمن بأن رسول الله صلى الله عليه وآله أقطع فاطمة فدكا فلم يحكما لها بذلك والله تعالى يقول : يرثني ويرث من آل يعقوب. و يقول : وورث سليمان داود. وهم يجعلون سبب مصير الخلافة إليهم الصلاة وشهادة المرأة لأبيها : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : مروا فلانا بالصلاة بالناس. فصدقت المرأة
1 ـ في لفظ السروي : صدقا صدقا. وأشهد أن عليا ولي الله رفقا رفقا.
2 ـ الذبالة : الفتيلة ج ذبال.


(276)
لأبيها ولا تصدق فاطمة وعلي والحسن والحسين وأم أيمن في مثل فدك ، وتطالب مثل فاطمة بالبينة على ما ادعت لأبيها ، وتقول أنت مثل هذا القول. وبعد : فما تقول في رجل حلف بالطلاق إن الذي طلبت فاطمة عليها السلام هو حق وأن عليا والحسن والحسين وأم أيمن ما شهدوا إلا بحق ما تقول في طلاقه ؟! قال : ما عليه طلاق قال : فإن حلف بالطلاق إنهم قالوا غير الحق ؟! قال : يقع الطلاق لأنهم لم يقولوا إلا الحق. قال : فانظر في أمرك. فقال الكميت أنا تائب إلى الله مما قلت وأنت يا أبا هاشم أعلم وأفقه منا.
    وهو مع تضلعه في علمي الكتاب والسنة ومعرفته بالحجج الدينية وبصيرته بمناهج الحجاج في المذهب وإقامة الحجة على من يضاده في المبدء كان له يد غير قصير في التأريخ وله كتاب ( تأريخ اليمن ) ذكره له الصفدي في ( الوافي بالوفيات ) 1 ص 49.
    وفي شعره الطافح بمعاني الكتاب والسنة شهادة صادقة على إحاطته بما فيها من مرامي وإشارات ونصوص وتصريحات ، وكلما ازدادت الفضيلة قوة ، والبرهان وضوحا ، وكانت الحجة بالغة كان اعتناءه بسرد القريض فيها أكثر كحديث الغدير والمنزلة والتطهير والراية والطير وأمثالها ، ومنها : حديث العشيرة الوارد في قوله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين. في بدء الدعوة النبوية فقد أشار إليه في عدة قصايد منها قوله :
بأبي أنت وأمي بأبي أنت وأمي وبأهلي وبمالي وفدتك النفس مني وأمين الله والوارث ووصي المصطفى وولي الحوض والذائد أنت أولى الناس بالناس كنت في الدنيا أخاه ليجيبوه إلى الله يا أمير المؤمنينا وبرهـطي أجمعينا وبناتي والبنينا يا إمام المتقينا علم الأولينا أحمد خير المرسلينا عنه المحدثينا وخير الناس دينا يوم يدعو الأقربينا فكانوا أربعينا


(277)
بين عم وابن عم فورثـت العلم منه طبت كهلا وغلاما ولدى الميثاق طينا كنت مأمونا وجيها في حجاب النور حيا حوله كانوا عرينا والكتاب المستبينا ورضيعا وجنينا يوم كان الخلق طينا عند ذي العرش مكينا طيبا للطاهرينا
وقوله من قصيدة لم نقف على تمامها :
من فضله أنه قد كان أول من سنين سبعا وأياما محرمة ويوم قال له جبريل : قد علموا فقام يدعوهم من دون أمته فمنهم آكل في مجلس جذعا فصدهم عن نواحي قصعة شبعا فقال : يا قوم إن الله أرسلني فأيكم يجتبي قولي ويؤمن بي فقال : تبا أتدعونا لتفلتنا من الذي قال منهم وهو أحدثهم : آمنت بالله قد أعطيت نافلة وإن ما قلته حق. ؟! وإنهم ففاز قدما بها والله أكرمه صلى وآمن بالرحمن إذ كفروا مع النبي على خوف وما شعروا أنذر عشيرتك الأدنين إن بصروا فما تخلف عنه منهم بشر وشارب مثـل عس (1) وهو محتضر فيها من الحب صاع فوقه الوذر (2) إليكم فأجيبوا الله وادكروا إني نبي رسول فانبرى غدر عن ديننا ؟ ثم قام القوم فاشتمروا سنا وخيرهم في الذكر إذ سطروا لم يعطها أحد جن ولا بشر إن لم يجيبوا فقد خانوا وقد خسروا وكان سباق غايات إذا ابتدروا
وقوله من قصيدة لم توجد بتمامها :
علي عليه ردت الشمس مرة وردت له أخرى ببابل بعد ما بطيبة يوم الوحي بعد مغيب عفت وتدلت عينها لغروب

1 ـ العس بضم العين : القدح أو الإناء الكبير ج عساس وأعساس.
2 ـ الوذرة من اللحم : القطعة الصغيرة منه ج وذر وذر.


(278)
وقيل له : أنذر عشيرتك الأولى فقال لهم : إني رسول إليكم وقد جئتكم من عند رب مهيمن فأيكم يقفو مقالي ؟! فأمسكوا ففاز بها منهم علي وسادهم وهم من شباب أربعين وشيب ولست أراني عندكم بكذوب جزيل العطايا للجزيل وهوب فقال : ألا من ناطق فمجيبي؟! وما ذاك من عاداته بغريب
    
حديث بدء الدعوة في السنة والتأريخ والأدب
    أخرجه غير واحد من الأئمة وحفاظ الحديث من الفريقين في الصحاح والمسانيد ومر عليه آخرون منهم ممن يعتد بقوله وتفكيره مخبتين به من دون أي غمز في الاسناد أو توقف في متنه. وتلقاه المؤرخون من الأمة الإسلامية وغيرها بالقبول ، وأرسل في صحيفة التأريخ إرسال المسلم ، وجاء منظوما في أسلاك الشعر والقريض وسيوافيك في شعر الناشي الصغير المتوفى 365 وغيره.

    ( لفظ الحديث )
    أخرج الطبري في تأريخه 2 ص 216 عن ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن عبد الغفار بن القاسم ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، عن عبد الله بن العباس عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله : وأنذر عشيرتك الأقربين (1) دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا علي ؟ إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت إني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت عليه حتى جاء جبريل فقال : يا محمد ؟ إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك. فاصنع لنا صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه : أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله
1 ـ سورة الشعراء آية 214.

(279)
صلى الله عليه وآله حذية من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال : خذوا بسم الله فأكل القوم حتى ما لهم بشئ حاجة وما أرى إلا موضع أيديهم ، وأيم الله الذي نفس علي بيده وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم ، ثم قال : إسق القوم. فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا ، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال : لقدما سحركم صاحبكم. فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال الغد : يا علي ؟ إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعدلنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم إلي. قال : ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا حتى ما لهم بشئ حاجة ثم قال : اسقهم. فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا بني عبد المطلب ؟ إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ قال : فأحجم القوم عنها جميعا وقلت وإني لأحدثهم سنا ، وأرمصهم عينا ، و أعظمهم بطنا ، وأحمشهم ساقا : أنا يا نبي الله ؟ أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي ثم قال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا قال : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.
    وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الاسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفى 240 في كتابه نقض العثمانية (1) وقال : إنه روي في الخبر الصحيح. ورواه الفقيه برهان الدين (2) في [ أنباء نجباء الأبناء ] ص 46 ـ 48. وابن الأثير في ( الكامل ) 2 ص 24. وأبو الفدا عماد الدين الدمشقي في تاريخه 1 ص 116. وشهاب الدين الخفاجي في ( شرح الشفا ) للقاضي عياض 3 ص 37 ( وبتر آخره ) وقال : ذكر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح. والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره ص 390. و
1 ـ راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 ص 263.
2 ـ محمد بن محمد بن محمد بن ظفر المكي المغربي المولود 497 والمتوفى 567 / 65.


(280)
الحافظ السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 392 نقلا عن الطبري وفي ص 397 عن الحفاظ الستة : ابن إسحاق. وابن جرير. وابن أبي حاتم. وابن مردويه وأبي نعيم. والبيهقي. وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3 ص 254. وذكره المؤرخ جرجي زيدان في تاريخ التمدن الاسلامي 1 ص 31. والأستاذ محمد حسين هيكل في حياة محمد ص 104 من الطبعة الأولى.
    ورجال السند كلهم ثقاة إلا أبو مريم عبد الغفار بن القاسم فقد ضعفه القوم وليس ذلك إلا لتشيعه فقد أثنى عليه ابن عقدة وأطراه وبالغ في مدحه كما في ( لسان الميزان ) ج 4 ص 43 ، وأسند إليه وروى عنه الحفاظ المذكورون وهم أساتذة الحديث ، وأئمة الأثر ، والمراجع في الجرح والتعديل ، والرفض والاحتجاج ، ولم يقذف أحد منهم الحديث بضعف أو غمز لمكان أبي مريم في إسناده ، واحتجوا به في دلايل النبوة والخصايص النبوية.
    وصححه أبو جعفر الاسكافي وشهاب الدين الخفاجي كما سمعت وحكي السيوطي في ( جمع الجوامع ) كما في ترتيبه 6 ص 396 تصحيح ابن جرير الطبري له. على أن الحديث ورد بسند آخر رجاله كلهم ثقات كما يأتي ، أخرجه أحمد في مسنده 1 ص 111 بسند رجاله كلهم من رجال الصحاح بلا كلام وهم : شريك. الأعمش. المنهال. عباد.
    وليس من العجيب ما هملج به ابن تيمية من الحكم بوضع الحديث فهو ذلك المتعصب العنيد ، وإن من عادته إنكار المسلمات ، ورفض الضروريات ، وتحكماته معروفة ، وعرف منه المنقبون أن مدار عدم صحة الحديث عنده هو تضمنه فضايل العترة الطاهرة.
    صورة أخرى
    جمع رسول الله صلى الله عليه وآله أو : دعا رسول الله صلى الله عليه وآله : بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذع ويشرب الفرق قال : فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا قال : وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس ، ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس. أو : لم يشرب. ثم قال : يا بني عبد المطلب ؟ إني بعثت إليكم خاصة
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس