كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 281 ـ 290
(281)
وإلى الناس عامة وقد رأيتم من هذا الأمر ما رأيتم ، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي و صاحبي ووارثي ؟! فلم يقم إليه أحد فقمت إليه وكنت أصغر القوم قال : فقال : اجلس. قال : ثم قال ثلاث مرات ، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي : اجلس. حتى كان في الثالثة فضرب بيده على يدي.
    أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1 ص 159 عن عفان بن مسلم ( الثقة المترجم له ج 1 ص 86 ) عن أبي عوانة ( الثقة المترجم له 1 ص 78 ) عن عثمان بن المغيرة ( الثقة ) عن أبي صادق ( مسلم الكوفي الثقة ) عن ربيعة بن ناجذ ( التابعي الكوفي الثقة ) عن علي أمير المؤمنين.
    وبهذا السند والمتن أخرجه الطبري في تاريخه 1 ص 217. والحافظ النسائي في ( الخصايص ) ص 18. وصدر الحفاظ الكنجي الشافعي في ( الكفاية ) ص 89. وابن أبي الحديد في [ شرح النهج ] 3 ص 255. والحافظ السيوطي في [ جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 408.
    صورة ثالثة :
    عن أمير المؤمنين قال : لما نزلت هذه الآية : وأنذر عشيرتك الأقربين. دعا بني عبد المطلب وصنع لهم طعاما ليس بالكثير فقال : كلوا باسم الله من جوانبها فإن البركة تنزل من ذروتها. ووضع يده أولهم فأكلوا حتى شبعوا ثم دعا بقدح فشرب أولهم ثم سقاهم فشربوا حتى رووا ، فقال أبو لهب : لقدما سحركم. وقال : يا بني عبد المطلب إني جئتكم بما لم يجئ به أحد قط أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإلى الله وإلى كتابه. فنفروا وتفرقوا ، ثم دعاهم الثانية على مثلها فقال أبو لهب كما قال المرة الأولى ، فدعاهم ففعلوا مثل ذلك ، ثم قال لهم ومد يده : من بايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليكم من بعدي ؟! فمددت يدي وقلت : أنا أبايعك ، وأنا يومئذ أصغر القوم عظيم البطن فبايعني على ذلك. قال : وذلك الطعام أنا صنعته.
    أخرجه الحافظ ابن مردويه بإسناده ، ونقله عنه السيوطي في [ جمع الجوامع ] كما في الكنز 6 ص 401.


(282)
    صورة رابعة
    ( بعد ذكر صدر الحديث ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا بني عبد المطلب ؟ إن الله قد بعثني إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة ، فقال : وأنذر عشيرتك الأقربين. وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان : شهادة أن لا إله إلا الله. وأني رسول الله. فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويوازرني يكن أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي. فلم يجبه أحد منهم ، فقام علي وقال : أنا رسول الله ؟ قال : اجلس. ثم أعاد القول على القوم ثانيا فصمتوا فقام علي وقال : أنا يا رسول الله ؟ فقال : اجلس. ثم أعاد القول على القوم ثالثا فلم يجبه أحد منهم فقام علي فقال : أنا يا رسول الله ؟ فقال : اجلس فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي.
    أخرجه الحافظان : ابن أبي حاتم والبغوي ، ونقله عنهما ابن تيمية في ( منهاج السنة ) 4 ص 80 ، وعنه الحلبي في سيرته 1 ص 304.
    صورة خامسة
    مر ص 95 في حديث قيس ومعاوية فيما رواه التابعي الكبير أبو صادق الهلالي في كتابه عن قيس : فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله جميع بني عبد المطلب فيهم : أبو طالب وأبو لهب وهم يومئذ أربعون رجلا فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وخادمه علي عليه السلام ورسول الله في حجر عمه أبي طالب فقال : أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي ؟! فسكت القوم حتى أعادها ثلاثا ، فقال علي أنا يا رسول الله ؟ صلى الله عليك فوضع رأسه في حجره وتفل في فيه وقال : أللهم إملاء جوفه علما وفهما وحكما. ثم قال لأبي طالب: يا أبا طالب ؟ اسمع الآن لابنك وأطع فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى.
    صورة سادسة
    أخرج أبو إسحاق الثعلبي المتوفى 427 / 37 ، المترجم له ج 1 ص 109 في تفسيره ( الكشف والبيان ) عن الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدثنا موسى بن محمد


(283)
حدثنا الحسن بن علي بن شعيب (1) العمري حدثنا عباد بن يعقوب ، حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : لما نزلت هذه الآية : وأنذر عشيرتك الأقربين : جمع رسول الله صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا الرجل منهم يأكل المسنة ويشرب العس ، فأمر عليا برجل شاة فأدمها ثم قال : ادنوا بسم الله. فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم : اشربوا باسم الله. فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال : هذا ما سحركم به الرجل. فسكت يومئذ ولم يتكلم ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم رسول الله فقال : يا بني عبد المطلب ؟ إني أنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير فأسلموا وأطيعوني تهتدوا ثم قال : من يؤاخيني ويوازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي يقضي ديني ؟! فسكت القوم فأعادها ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي : أنا فقال في المرة الثالثة : أنت. فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب : أطع ابنك فقد أمر عليك.
    وبهذا السند والمتن أخرجه صدر الحفاظ الكنجي الشافعي في الكفاية ص 89 ، م ـ وجمال الدين الزرندي في ( نظم درر السمطين ) بتغيير يسير في لفظه ].
    صورة سابعة
    أخرج أبو إسحاق الثعلبي فيالكشف والبيان ـ عن أبي رافع وفيه : ثم قال إن الله تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، وأنتم عشيرتي ورهطي ، وإن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له من أهله أخا ووزيرا ووارثا ووصيا وخليفة في أهله ، فأيكم يقوم فيبايعني على أنه أخي ووزيري ووصيي ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ؟! فسكت القوم فقال : ليقومن قائمكم أو ليكونن في غيركم ثم لتندمن. ثم أعاد الكلام ثلاث مرات فقام علي فبايعه وأجابه ثم قال : ادن مني. فدنا منه ففتح فاه ومج في فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وثدييه فقال أبو لهب : فبئس ما حبوت به ابن عمك ؟ إن أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقا. فقال صلى الله عليه وآله : ملأته حكمة وعلما.
1 ـ في كفاية الكنجي : شبيب.

(284)
    م وفي كتاب [ الشهيد الخالد الحسين بن علي ] تأليف الأستاذ حسن أحمد لطفي. قال في ص 9 : إن النبي على ما رواه كثيرون لما جمع أعمامه وأسرته لينذرهم قال لهم : فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟! فأحجم الجميع إلا علي وكان أصغرهم فقال : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ الرسول صلى الله عليه وآله برقبته ثم قال : هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا ].
    م ـ وفي ( كتاب محمد ) تأليف توفيق الحكيم ص 50 : ما أعلم إنسانا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه ، فأيكم يوازرني على هذا الأمر وأن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟!.
    قريش : لا أحد ، لا أحد.
    أعرابي : نعم لا أحد يوازرك على هذا حتى ولا كلب الحي.
    علي : أنا يا رسول الله عونك ، أنا حرب على من حاربت ].
    وذكر الحديث الصحافي القدير عبد المسيح الأنطاكي المصري (1) في تعليقه على علويته المباركة ص 76 ولفظ الحديث فيه : فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويوازرني على القيام به يكن أخي ووزيري وخليفتي من بعدي ؟! فلم يجبه أحد من بني عبد المطلب إلا علي وكان أحدثهم سنا فقال : أنا يا رسول الله ؟. فقال المصطفى : اجلس. ثم أعاد القول ثانيا فصمت القوم وأجاب علي : أنا يا رسول الله. فقال المصطفى : اجلس. ثم أعاد القول ثالثا فلم يكن في بني عبد المطلب من يجيبه غير علي فقال : أنا يا رسول الله. حينئذ قال المصطفى عليه الصلاة والسلام : اجلس فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي. فمضى القوم ... إلخ. ونظم هذه الأثارة بقوله من قصيدته المذكورة :
وتلك بعثته الزهراء عليه صلاة فصار يدعو إليها من توسم فيه بذا ثلاثة أعوام قضى وله الله للخلق عربيها وعجميها الخير سرا وخوف الشر يخفيها قد دان بعض قريش واهتدوا فيها

1 ـ أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر تأتي هناك ترجمته.

(285)
وبعدها جاءه جبريل يأمره قال : فاصدع بأمر الله إنك مبعوث أنذر عشيرتك الدنيا بشرعتك الغرا ومذ تبلغ أمر الله هم به ولم يجد عضدا كي يستعين به إلا العلي فناداه وأخبره وقال هيئ لنا في الحال مأدبة فرجل شاة على صاع الطعام واعساس وادع الهواشم باسمي كي أشافهها قام العلي بأمر المصطفى ودعا أبناء هاشم هم كانوا عشيرته وعدهم كان عند الأربعين وهم هذي عشيرة طه بل قرابته الدنيا وإذ أتته تلقاها على رحب حتى إذا ما استوى فيها المقام لها فأقبلت ورسول الله يخدمها حتى إذا أكلت ذاك الطعام ومن ظل الطعام كما قد كان وهو وأيم وتلك معجزة للمصطفى وبها وثم ابتدر القوم الرسول بذكرى وإذ أبو لهب في الحال قاطعه وقال : يا ناس طه جاء يسحركم هي انهضوا ودعوه أن يغش نفوس وهكذا ارفض ذاك الاجتماع وأنفس الج وعاد طه إلى تكرار دعوته بأن يجاهر بالاسلام مجريها لتدعو إليه الناس تهديها وأظهر لها أسنى معانيها بهمة ما اعتدا الكفار يثنيها على مجاهرة قد كان خاشيها ببغيه حسب أمر الله باغيها وليتقنن لها الألوان طاهيها لها اللبن النوقي يمليها بأمر ربي باري وباريها إلى وليمته أكرم بداعيها ولم يكن فيهم إلا ملبيها رجالة العرب في إحصاء محصيها التي كان للاسلام راجيها ببشره وانثنى صفوا يحييها مد السماط وفيه ما يشـهيها على الطعام ويعني كي يهنيها ألبانه سقيت والله كافيها الله ما كان يكفي مستجيعيها قام العلي وعنه نحن نرويها يمن بعثته يبدي خوافيها وموه الحق بالتضليل تمويها بذا الطعام احذروا الاضلال والتيها الغير في هذه الدعوى ويصبيها مع داجي الكفر غاشيها وكان حيدرة المقدام راعيها


(286)
حتى إذا اجتمعت للأكل ثانية فقال : ما جاء قبلي قومه أحد لكم بها الخير في دنيا وآخرة فمن يوازرني منكم فذاك أخي فلم يجد من لبيب راح مقتنعا وكلما ازداد تبيانا لبعثته الزهراء وثم بو لهب ناداه : ويلك لم تبت يداه فإن الجهل توهه وكرر المصطفى أقواله علنا فما رأى غير ألباب محجرة وأنفسا عن كتاب الله معرضة وأحجمت كلها عن فيض رحمته إلا العلي فنادى دونها : فأنا نادى : أن اجلس ثلاثا وهو يعرض دعواه حتى إذا بات مأيوسا ومنزعجا عنها تولى إلى حيث العلي منوها وكان ماسكه من طوق رقبته وقال : هذا أخي ذا وارثي وخليفتي وقال : فرض عليكم حسن طاعته فارفض جمعهم والهزء آخذهم وهم يقولون : أحكام الغلام علي كذاك حيدرة ماشى النبوة مذ وشارك المصطفى من يوم أن وضع الأساس على الخوان انثنى طه يفاهيها بمثلها جئت من نعماء أسديها إذا انضويتم إلى زاهي مغانيها وذاك يخلفني في رعي ناميها بصدق بعثته أو راح راضيها زادته تكذيبا وتسفيها يجئ فتى قومه ما جئتنا إيها والكفر في دركات النار تتويها وقد توسع إنذارا وتنبيها هيهات ليس يلين النصح قاسيها والكفر قد كان والاشراك معميها مع يمن دعوته فالكل آبيها نعماك يا هادي الأكوان باغيها على القوم يبغي مستجيبيها من الهواشم معي عن ترضيها به بين ذاك الجمع تنويها يقول : هذا لها والله يحميها على أمتي يحمي مراعيها بعدي وإمرته ويل لعاصيها إلى الغواية في أدجى دياجيها يا أبا طالب كن من مطيعيها نادى المصطفى لبى مناديها حتى انتهت عليا مبانيها


(287)
كلمة الاسكافي حول الحديث
في كتاب ها لنقض على العثمانية ـ
    قال بعد ذكر الحديث باللفظ المذكور ص 278 : فهل يكلف عمل الطعام ودعاء القوم صغير غير مميز ؟! وغر غير عاقل ؟! وهل يؤتمن على سر النبوة طفل ابن خمس سنين أو ابن سبع سنين ؟! وهل يدعى في جملة الشيوخ والكهول إلا عاقل لبيب ؟! وهل يضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده في يده ويعطيه صفقة يمينه بالأخوة والوصية والخلافة إلا وهو أهل لذلك ؟! ؟! بالغ حد التكليف ، محتمل لولاية الله و عداوة أعدائه ، وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه ؟! ولم يلصق بأشكاله ؟! ولم ير مع الصبيان في ملاعبهم بعد إسلامه ؟! وهو كأحدهم في طبقته ، كبعضهم في معرفته ، وكيف لم ينزع إليهم في ساعة من ساعاته ؟! فيقال : وعاه بعض الصبا ، وخاطر من خواطر الدنيا ، وعملته الغرة والحدثة على حضور لهوهم ، والدخول في حالهم ، بل ما رأيناه إلا ماضيا علي إسلامه ، مصمما في أمره ، محققا لقوله بفعله ، قد صدق إسلامه بعفافه وزهده ، ولصق برسول الله صلى الله عليه وآله من بين جميع من بحضرته ، فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته ، وقد قهر شهوته ، وجاذب خواطره ، صابرا على ذلك نفسه ، لما يرجو من فوز العاقبة وثواب الآخرة ، وقد ذكر هو عليه السلام في كلامه و خطبه بدء حاله وافتتاح أمره حيث أسلم لما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله الشجرة فأقبلت تخذ الأرض فقالت قريش : ساحر خفيف السحر. فقال علي عليه السلام : يا رسول الله ؟ أنا أول من يؤمن بك آمنت بالله ورسوله وصدقتك فيما جئت به وأنا أشهد أن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقا لنبوتك وبرهانا على دعوتك. فهل يكون إيمان قط أصح من هذا الإيمان ؟! وأوثق عقدة ؟! وأحكم مرة ؟! ولكن حنق العثمانية وغيظهم و عصبية الجاحظ وانحرافه مما لا حيلة فيه.

جنايات على الحديث منها
    ما ارتكبه الطبري في تفسيره 19 ص 74 فإنه بعد روايته له في تاريخه كما سمعت قلب عليه طهر المجن في تفسيره فأثبته برمته حرفيا متنا وإسنادا غير أنه أجمل القول فيما لهج به رسول الله صلى الله عليه وآله في فضل من يبادر إلى تلقي الدعوة


(288)
بالقبول قال فقال : فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا ؟!. وقال في كلمته صلى الله عليه وآله الأخيرة : ثم قال : إن هذا أخي وكذا وكذا.
    وتبعه على هذا التقلب ابن كثير الشامي في البداية والنهاية 3 ص 40 وفي تفسيره 3 ص 351 فعل ابن كثير هذا وثقل عليه ذكر الكلمتين وبين يديه تاريخ الطبري وهو مصدره الوحيد في تاريخه وقد فصل فيه الحديث تفصيلا لأنه لا يروق إثبات النص لأمير المؤمنين بالوصية والخلافة الدينية ، والدلالة عليه والإشارة إليه. وهل هذه الغاية مقصد الطبري حينما حرف الكلم عن مواضعه في التفسير بعد ما جاء به صحيحا في التأريخ على حين غفلة عنها ؟! أنا لا أدرى ، لكن الطبري يدري. وأحسبك أيها القارئ جد عليم بذلك.
    ومنها : خزاية فاضحة تحملها محمد حسين هيكل حيث أثبت الحديث كما أوعزنا إليه في الطبعة الأولى من كتابه ـ حياة محمد ـ ص 104 بهذا اللفظ :
    نزل الوحي : أن أنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين. وقل إني أنا النذير المبين. فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ، و دعا محمد عشيرته إلى طعام في بيته وحاول أن يحدثهم داعيا إياهم إلى الله فقطع عمه أبو لهب حديثه. واستنفر القوم ليقوموا. ودعاهم محمد في الغداة كرة أخرى. فلما طعموا قال لهم : ما أعلم إنسانا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني هذا الأمر وأن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟! فأعرضوا عنه وهموا بتركه لكن عليا نهض وما يزال صبيا دون الحلم وقال : أنا يا رسول الله ؟ عونك أنا حرب على من حاربت. فابتسم بنو هاشم وقهقه بعضهم وجعل نظرهم يتنقل من أبي طالب إلى ابنه ثم انصرفوا مستهزئين.
    فإنه أسقط من الحديث أولا ما فرع به رسول الله صلى الله عليه وآله كلامه من قوله لعلي : فأنت أخي ووصيي ووارثي. ثم نسب إلى أمير المؤمنين ثانيا أنه قال : أنا يا رسول الله عونك أنا حرب على من حاربت. ليته دلنا على مصدر هذه النسبة في لفظ أي محدث أو مؤرخ من السلف ؟! وراقه أن يحكم في الحضور في تلك الحفلة بتبسم بني هاشم


(289)
وقهقهة بعضهم ولم نجد لهذا التفصيل مصدرا يعول عليه.
    ومهما لم يجد ( هيكل ) وراءه من يأخذه بمقاله ، ولم ير هناك من يناقشه الحساب في تقولاته وتصرفاته أسقط منه ما يرجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام في الطبعة الثانية سنة 1354 ص 139 ، ولعل السر فيه لفتة منه إلى غاية ابن كثير وأمثاله بعد النشر ، أو أن اللغط والصخب حول القول قد كثرا عليه هناك من مناوئي العترة الطاهرة ، فأخذته أمواج اللوم والعتب حتى اضطرته إلى الحذف والتحريف. أو إن العادة المطردة في جملة من المطابع عاثت في الكتاب فغض عنها الطرف صاحبه لاشتراكه معها في المبدء أو عجزه عن دفعها. وعلى أي فحي الله الشعور الحي ، والأمانة الموصوفة ، والحق المضاع المأسوف عليه.
    أسفي على بسطاء الأمة الإسلامية واعتنائهم بمثل هذه الكتب المشحونة بزخرف القول وأباطيل الكلم المموهة وقد جاءت بذات الرعد والصليل (1) وسيل بالأمة و هي لا تدري (2). ثم أسفي على مصر وحملة علمها المتدفق ، وعلى تأليفها القيمة ، وكتابها النزهاء ، فإنها راحت ضحية تلكم الشهوات والميول ، ضحية تلكم النفوس الخائرة ، ضحية تلكم الكفريات المبيدة للمجتمع ، ضحية تلكم الأقلام المستأجرة وقد اتخذت الباطل دغلا ، وشغرت لها الدنيا برجلها (3).
قل هل ننبأكم بالأخسرين أعمالا
الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعا

1 ـ مثل يضرب لمن جاء بشر وعر.
2 ـ مثل يضرب للساعي الغافل.
3 ـ يضرب لمن ساعدته الدنيا فنال منها حظه.


(290)
8 ـ العبدي الكوفي
هل في سؤالك رسم المنزل الخرب أم حره يوم وشك البين يبرده هيهات أن ينفد الوجد المثير له يا رائد الحي حسب الحي ما ضمنت ما خلت من قبل أن حالت نوى قذف بانوا فكم أطلقوا دمعا وكم أسروا من غادر لم أكن يوما أسر له وحافظ العهد يبدي صفحتي فرح بانوا قبابا وأحبابا تصونهم وخلفوا عاشقا ملقـى رمى خلسا لهفي لما استودعت تلك القباب وما من كل هيفاء أعطاف هضيم حشا كأنما ثغرها وهنا وريقتها وفي الخدور بدور لو برزن لنا وفي حشاي غليل بات يضرمه يا راقد اللوعة اهبب من كراك فقد أما وعصر هوى دب العزاء له برء لقلبك من داء الهوى الوصب؟! ما استحدثته النوى من دمعك السرب؟! نأي الخليط الذي ولى ولم يؤب له المدامع من ماء ومن عشب إن العيون لهم أهمى من السحب لبا وكم قطعوا للوصل من سبب غدرا وما الغدر من شأن الفتى العربي للكاشحين ويخفي وجد مكتئب (1) عن النواظر أطراف القنا السلب بطرفه خدر من يهوي فلم يصب حجبن من قضب عنا ومن كثب لعسآء مرتشف غراء منتقب ما ضمت الكاس من راح ومن حبب بردن كل حشا بالوجد ملتهب شوق إلى برد ذاك الظلم والشنب (2) بان الخليط ويا مضني الغرام ثب ريب المنون وغالته يد النوب

1 ـ همى يهمي هميا : سال. العين : صبت دمعتها. كاشح فلانا كشاحا ومكاشحة وكشح له كشحا : عاداه. لعس : سواد مستحسن في الشفة.
2 ـ الظلم بالفتح : ماء الأسنان وبريقها. الشنب : بياض الأسنان وحسنها. أهبه من نومه : أيقظه.
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس