كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 321 ـ 330
(321)
    وقوله في مدحه عليه السلام :
أنت عين الإله والجنب أنت فلك النجاة فينا وعليك الورود تسـقي من الحو وإليك الجواز تدخل من شئت من فرط فيه يصلى لظى مذموما وما زلت صراطا إلى الهدى مستقيما ض ومن شئـت ينثني محروما جنانا ومن تشاء جحيما
    مر بيان ما في بعض هذه الأبيات. ( قوله ) :
وعليك الورود تسقي من الحو ض ومن شئت ينثني محروما
    فيه إيعاز إلى أن سقاية الحوض ( الكوثر ) يوم القيامة بيد علي أمير المؤمنين يسقي منه محبيه ومواليه ويذود عنه المنافقين والكفار ، وورد في ذلك أحاديث في الصحاح والمسانيد ونحن نذكر بعضها :
    1 ـ أخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة تذود بها المنافقين عن الحوض.
    ( الذخاير ) ص 91 ، ( الرياض ) 2 ص 211 ، ( مجمع الزوائد ) 9 ص 135 ، ( الصواعق ) 104.
    2 ـ أخرج أحمد في ( المناقب ) بإسناده عن عبد الله بن إجارة قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو على المنبر يقول : أنا أذود عن حوض رسول الله صلى بيدي هاتين القصيرتين الكفار والمنافقين كما تذود السقاة غريبة الإبل عن حياضهم.
    ورواه الطبراني في الأوسط. وذكر في مجمع الزوايد 9 ص 139 ، والرياض النضرة 2 ص 211 ، وكنز العمال 6 ص 403.
    3 ـ أخرج ابن عساكر في تاريخه بإسناده عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي : أنت أمامي يوم القيامة فيدفع إلي لواء الحمد فأدفعه إليك وأنت تذود الناس عن حوضي. وذكره السيوطي في ( الجمع ) كما في ترتيبه 6 ص 400 وفي ص 393 عن ابن عباس عن عمر في حديث طويل عنه صلى الله عليه وآله : وأنت تتقدمني بلواء الحمد وتذود عن حوضي.
    4 ـ أخرج أحمد في ( المناقب ) بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله


(322)
صلى الله عليه وآله : أعطيت في علي خمسا هو أحب إلي من الدنيا وما فيها ، أما واحدة : فهو تكأتي بين يدي الله عز وجل حتى يفرغ من الحساب. وأما الثانية : فلواء الحمد بيده آدم و من ولده تحته. وأما الثالثة : فواقف على عقر حوضي يسقي من عرف من أمتي. الحديث.
    وذكر في الرياض النضرة 2 ص 203 ، وكنز العمال 6 ص 403.
    5 ـ أخرج شاذان الفضيلي بإسناده عن أمير المؤمنين قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ؟ سألت ربي عز وجل فيك خمس خصال فأعطاني أما الأولى : فإني سألت ربي : أن تنشق عني الأرض وانفض التراب عن رأسي وأنت معي ، فأعطاني. وأما الثانية : فسألته : أن يوقفني عند كفة الميزان وأنت معي ، فأعطاني. وأما الثالثة : فسألته : أن يجعلك حامل لوائي وهو لواء الله الأكبر عليه المفلحون والفائزون بالجنة ، فأعطاني. وأما الرابعة : فسألت ربي أن تسقي أمتي من حوضي. فأعطاني. وأما الخامسة : فسألت ربي : أن يجعلك قائد أمتي إلى الجنة فأعطاني. فالحمد لله الذي من به علي. وتجده في ( المناقب ) للخطيب الخوارزمي ص 203 ، و [ فرايد السمطين ] في الباب الثامن عشر ، و [ كنز العمال ] 6 ص 402.
    6 ـ أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة في حديث قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كأني بك ( يا علي ) وأنت على حوضي تذود عنه الناس وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء وإني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة إخوانا على سرير متقابلين أنت معي وشيعتك في الجنة. [ مجمع الزوايد 9 ص 173 ].
    7 ـ عن جابر بن عبد الله في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يا علي ؟ والذي نفسي بيده إنك لذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه رجالا كما يذاد البعير الضال عن الماء بعصا لك من عوسج وكأني أنظر إلى مقامك من حوضي. [ مناقب الخطيب ص 65 ].
    8 ـ أخرج الحاكم في ( المستدرك ) 3 ص 138 بإسناده وصححه عن علي بن أبي طلحة قال : حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن حديج ـ بالتصغير ـ فقيل للحسن : إن هذا معاوية بن حديج الساب لعلي. فقال : علي به فأتي به ، فقال : أنت الساب لعلي ؟! فقال : ما فعلت. فقال : والله إن لقيته وما أحسبك


(323)
تلقاه يوم القيامة لتجده قائما على حوض رسول الله صلى الله عليه وآله يذود عنه رايات المنافقين بيده عصا من عوسج ، حدثنيه الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وقد خاب من افترى.
    وأخرجه الطبراني وفي لفظه : لتجدنه مشمرا حاسرا عن ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله صلى الله عليه وآله قول الصادق المصدوق محمد.
    ( قوله ) :
وإليك الجواز تدخل من شئت جنابا ومن تشاء جحيما
    أشار به إلى معنى ورد في أخبار كثيرة نقتصر بذكر بعضها.
    1 ـ أخرج الحافظ ابن السمان في الموافقة عن قيس بن حازم قال : التقى أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب فتبسم أبو بكر في وجه علي فقال له : ما لك تبسمت ؟! قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله : يقول : لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي الجواز. وذكر في الرياض النضرة 2 ص 177 و 244. والصواعق 75. وإسعاف الراغبين 161.
    2 ـ عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا كان يوم القيامة أقام الله عز وجل جبريل ومحمدا على الصراط فلا يجوز أحد إلا من كان معه براة من علي بن أبي طالب. أخرجه الخطيب الخوارزمي في ( المناقب ) ص 253. والفقيه ابن المغازلي في ( المناقب ) بلفظ : علي يوم القيامة على الحوض لا يدخل إلا من جاء بجواز من علي بن أبي طالب. وذكره القرشي في شمس الأخبار ص 36.
    3 ـ أخرج الحاكمي عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا جمع الله الأولين و الآخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنم ما جازها أحد حتى كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب. وذكر في [ فرايد السمطين ] في الباب الرابع والخمسين. و [ الرياض النضرة ] 2 ص 172.
    4 ـ عن الحسن البصري عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا كان يوم القيامة يقعد علي بن أبي طالب على الفردوس وهو جبل قد على على الجنة وفوقه عرش رب العالمين ، ومن سفحه يتفجر أنهار الجنة وتتفرق في الجنان ، وهو جالس على كرسي من نور يجري بين يديه التسنيم ، لا يجوز أحد الصراط إلا ومعه براة بولايته وولاية أهل بيته يشرف على الجنة فيدخل محبيه الجنة ومبغضيه النار. أخرجه الخوارزمي في


(324)
( المناقب ) ص 42 ، والحموي في [ فرايد السمطين ] في الباب الرابع والخمسين.
    5 ـ أخرج القاضي عياض في ( الشفاء ) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : معرفة آل محمد براءة من النار. وحب آل محمد جواز على الصراط. والولاية لآل محمد أمان من العذاب. ويوجد في ( الصواعق ) ص 139 و ( الإتحاف ) ص 15. و ( رشفة الصادي ) ص 459.
    6 ـ أخرج الخطيب في تاريخه 3 ص 161 عن ابن عباس قال : قلت للنبي صلى الله عليه وآله : يا رسول الله للنار جواز ؟! قال : نعم. قلت : وما هو ؟! قال : حب علي بن أبي طالب. و يأتي حديث : علي قسيم الجنة والنار. في محله إنشاء الله تعالى.

( ومن شعر العبدي يمدح أمير المؤمنين )
وعلمك الذي علم البرايا فزادك في الورى شرفا وعزا لقد أعطيت ما لم يعط خلقا إليك اشتاقت الأملاك حتى هناك برا لها الرحمن شخصا وألهمك الذي لا يعلمونا ومجدا فوق وصف الواصفينا هنيئا يا أمير المؤمنينا تحنت من تشوقها حنينا كشبهك لا يغادره يقينا
    أشار بالبيت الأول إلى حديث مر ص 41 ومر بيان بقية الأبيات ص 288 ومن شعره :
لأنتم على الأعراف عرف عارف أئمتنا أنتم سندعى بكم غدا بجدكم خير الورى وأبيكم ولولاكم لم يخلق الله خلقه ومن أجلكم أنشا الإله لخلقه تجلون عن شبه من الناس كلهم إذا مسنا ضر دعونا إلهنا وإن دهمتنا غمة أو ملمة وإن ضامنا دهر فعذنا بعزكم بسيما الذي يهواكم والذي يشنا إذا ما إلى رب العباد معا قمنا هدينا إلى سبل النجاة وأنقـذنا ولا لقب الدنيا الغرور ولا كنا سماء وأرضا وابتلى الإنس والجنا فشـأنكم أعلى وقدركم أسنا بموضعكم منه فيكشفه عنا جعلناكم منها ومن غيرنا حصنا فيبعد عنا الضيم لما بكم عذنا


(325)
وإن عارضتنا خفية من ذنوبنا براة لنا منها شفاعتكم أمنا
    البيت الأول إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف : وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم. وما ورد فيه. أخرج الحاكم ابن الحداد الحسكاني ( المترجم 1 ص 112 ) بإسناده عن أصبغ بن نباتة قال : كنت جالسا عند علي فأتاه ابن الكوا فسأله عن قوله تعالى : وعلى الأعراف رجال. الآية. فقال : ويحك يا بن الكوا نحن نوقف يوم القيامة بين الجنة والنار ، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة ، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار.
    وأخرج أبو إسحاق الثعلبي في ـ الكشف والبيان ـ في الآية الشريفة عن ابن عباس إنه قال : الأعراف موضع عال من الصراط عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه. ورواه ابن طلحة الشافعي في ( مطالب السئول ) ص 17 ، وابن حجر في ( الصواعق ) ص 101 ، والشوكاني في ( فتح القدير ) 2 ص 198.
    والبيت الثاني إشارة إلى قوله تعالى : يوم ندعو كل أناس بإمامهم. وأئمة الشيعة هم العترة الطاهرة يدعون بهم ويحشرون معهم إذ المرء كما قال النبي الأقدس مع من أحب (1) ، ومن أحب قوما حشر معهم (1) ومن أحب قوما حشره الله في زمرتهم (3).
    وبقية الأبيات بعضها واضحة وبعضها مر بيانه.
1 ـ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد عن أنس وابن مسعود.
2 ـ أخرجه الحاكم في المستدرك وابن الدبيع في تمييز الطيب من الخبيث ص 153.
3 ـ أخرجه الطبراني والضياء عن أبي قرصافة وصححه السيوطي في الجامع الصغير 2 ص 488.


(326)
العبدي معاصر العبدي
    عاصر المترجم من شعراء الشيعة مشاركه في كنيته ولقبه وبيئة نشأته ومذهبه ألا وهو أبو محمد يحيى بن بلال العبدي الكوفي ، فنذكره لكثرة وقوع الاشتباه بينهما وقلة ذكره ، قال المرزباني في معجمه ص 499 : إنه كوفي نزل همدان وهو شاعر محسن يتشيع وله في الرشيد مدائح حسنة وهو القائل :
وللموت خير من حياة زهيدة فعش مثريا أو مكديا من عطية وللمنع خير من عطاء مكدر تمنى وإلا فاسـأل الله واصبر
    وله :
لعمري لإن حارت أمية واعتدت لأول من سن الضلالة أجور
    وأنشد ( العبدي هذا ) عبد الله (1) بن علي بن العباس بنهر أبي فطرس وله فيه خبر :
أما الدعاة إلى الجنان فهاشم أأمي مالك من قرار فألحقي فلئن رحلت لترحلن ذميمة وبنو أمية من دعاة النار بالجن صاغرة بأرض وبار وإذا أقمت بذلة وصغار ا هـ
    وخبر العبدي هذا وإنشاده الشعر المذكور عبد الله العباسي ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار 1 ص 207 ، واليعقوبي في تأريخه 3 ص 91 ، وابن رشيق في العمدة 1 ص 48 ، وأحسب أن من علق على هذه الكتب لم يقف على ترجمة الشاعر فضرب عن ترجمته صفحا وسكت عن تعريفه.
    فقال ابن قتيبة : ولما افتتح المنصور الشام وقتل مروان قال (2) لأبي عون و
1 ـ أحد أعمام أبي العباس السفاح ، كان من رجال الدهر حزما ورأيا ودهاءا وشجاعة انهدم عليه الحبس سنة 147 وكان قد حبسه المنصور سرا. وقيل : إنه قتل سرا وهدم عليه الحبس قصدا. قال الوطواط : إنه جلس يوم الجمعة في جامع دمشق وقتل من بني أمية خمسين ألفا.
2 ـ الظاهر أن في العبارة سقطا إذ القصة وقت مع عبد الله بن علي وكان أميرا على الشام من قبل المنصور كما في ذيل العبارة ومعجم المرزباني وتاريخي اليعقوبي وابن الأثير و عمدة ابن رشيق.


(327)
من معه من أهل خراسان : إن لي في بقية آل مروان تدبيرا فتأهبوا يوم كذا وكذا في أكمل عدة ، ثم بعث إلى آل مروان في ذلك اليوم فجمعوا وأعلمهم أنه يفرض لهم في العطاء فحضر منهم ثمانون رجلا فصاروا إلى بابه ومعهم رجل من كلب قد ولدهم ثم أذن لهم فدخلوا ، فقال الآذن للكلبي : ممن أنت ؟! قال : من كلب وقد ولدتهم قال : فانصرف ودع القوم فأبى أن يفعل. وقال : إني خالهم ومنهم فلما استقر بهم المجلس خرج رسول المنصور وقال بأعلى صوته : أين حمزة بن عبد المطلب ؟! ليدخل فأيقن القوم بالهلكة ، ثم خرج الثانية فنادى : أين الحسن بن علي ؟! ليدخل. ثم خرج الثالثة فنادى : أين زيد بن علي بن الحسين ؟! ثم خرج الرابعة فقال : أين يحيى بن زيد ؟! ثم قيل : إئذنوا لهم فدخلوا وفيهم الغمر بن يزيد وكان له صديقا فأومأ إليه : أن ارتفع فأجلسه معه على طنفسته وقال للباقين : اجلسوا. وأهل خراسان قيام بأيديهم العمد فقال : أين العبدي ؟! فقام وأخذ في قصيدته التي يقول فيها :
أما الدعاة إلى الجنان فهاشم وبنو أمية من دعاة النار
    فلما أنشد أبياتا منها قال الغمر : يا بن الزانية ؟ فانقطع العبدي وأطرق عبد الله ساعة ثم قال : امضي في نشيدك. فلما فرغ رمى إليه بصرة فيها ثلاثمائة دينار ثم تمثل بقول القائل :
ولقد ساءني وساء سواي أنزلوها بحيث أنزلها الله لا تقيلن عبد شمس عثارا واذكروا مصرع الحسين وزيد قربهم من منابر وكراسي بدار الهوان والإتعاس واقطعوا كل نخلة وغراس وقتيلا بجانب المهراس
    ثم قال لأهل خراسان : دهيد (1) فشدخوا بالعمد حتى سالت أدمغتهم وقام الكلبي فقام : أيها الأمير ؟ أنا رجل من كلب لست منهم. فقال :
ومدخل رأسه لم يدنه أحد بين الفريقين حتى لزه القرن
    ثم قال : دهيد. فشدخ الكلبي معهم ثم التفت إلى الغمر فقال : لا خير لك في
1 ـ كلمة فارسية.

(328)
الحياة بعدهم. قال : أجل فقتل ثم دعا ببراذع (1) فألقاها عليهم وبسط عليها الانطاح ودعا بغدائه فأكل فوقهم وإن أنين بعضهم لم يهدأ حتى فرغ ثم قال : ما تهنأت بطعام منذ عقلت مقتل الحسين إلا يومي هذا. وقام فأمر بهم فجروا بأرجلهم وأغنم أهل خراسان أموالهم ثم صلبوا في بستانه ، وكان يأكل يوما فأمر بفتح باب من الرواق إلى البستان فإذا رائحة الجيف تملأ الأنوف ، فقيل له : لو أمرت أيها الأمير برد هذا الباب. فقال : والله لرائحتها أحب إلي وأطيب من رائحة المسك. ثم قال :
حسبت أمية أن سترضى هاشم كلا ورب محمد وإلهـه وتذل ذل حليلة لحليلها عنها ويذهب زيدها وحسينها حتى تباح سهولها وحزونها بالمشرفي وتسترد ديونها ا ه‍
    وقال اليعقوبي : وانصرف عبد الله بن علي إلى فلسطين فلما صار بنهر أبي فطرس بين فلسطين والأردن جمع إليه بني أمية ثم أمرهم أن يغدوا عليه لأخذ الجوائز والعطايا ثم جلس من غد وأذن لهم فدخل عليه ثمانون رجلا من بني أمية وقد أقام على رأس كل رجل منهم رجلين بالعمد وأطرق مليا ثم قام العبدي فأنشد قصيدته التي يقول فيها :
أما الدعاة إلى الجنان فهاشم وبنو أمية من دعاة النار
    وكان النعمان بن يزيد بن عبد الملك جالسا إلى جنب عبد الله بن علي فقال له : كذبت يا بن اللخناء. فقال له عبد الله بن علي : بل صدقت يا أبا محمد ؟ فامض لقولك ثم أقبل عليهم عبد الله بن علي فذكر لهم قتل الحسين عليه السلام وأهل بيته ثم صفق بيده فضرب اليوم رؤوسهم بالعمد حتى أتوا عليهم فناداه رجل من أقصى القوم :
عبد شمس أبوك وهو أبونا فالقرابات بيننا واشجات لا نناديك من مكان بعيد محكمات القوى بعقد شديد
    فقال : هيهات قطع ذلك قتل الحسين. ثم أمر بهم فسحبوا فطرحت عليهم البسط وجلس عليها ودعا بالطعام فأكل فقال : يوم كيوم الحسين بن علي ولا سواء. وكان قد دخل معهم رجل من كلب قال : رجوت أن ينالوا خيرا فأنال معهم. فقال عبد الله بن علي : اضربوا عنقه :
ومدخل رأسه لم يدنه أحد بين الفريقين حتى لزه القدر

1 ـ البرذعة : كساء يلقى ظهر الدابة.

(329)
( شعراء الغدير )
في القرن الثالث

9 ـ أبو تمام الطائي
231
أظبية حيث استنت الكثب العفر أسري حذارا لم يقيدك ردة أراك خلال الأمر والنهي بوة أتشغلني عما هرعت لمثله ودهر أساء الصنع حتى كأنما له شجرات خيم المجد بينها وما زلت ألقى ذاك بالصبر لابسا وإن نكيرا أن يضيق بمن له وما لامرئ من قاتل يوم عثرة وإن كانت الأيام آضت وما بها هم الناس سار الذم والحرب بينهم صفيك منهم مضمر عنجهية (1) إذا شام برق اليسر فالقرب شأنه أريني فتى لم يقله الناس أو فتى ترى كل ذي فضل يطول بفضله وإن الذي أحذاني الشيب للذي وأخرى إذا استودعتها السر بينت طغى من عليها واستبد برأيهم رويدك لا يغتالك اللوم والزجر فيحسر ماء من محاسنك الهذر عداك الردى ما أنت والنهي والأمر ؟! حوادث أشجان لصاحبها نكر ؟! يقضي نذورا في مساءتي الدهر فلا ثمر جان ولا ورق نضر رداءيه حتى خفت أن يجزع الصبر عشيرة مثلي أو وسيلته مصر لعا وخديناه الحداثة والفقر لذي غلة ورد ولا سائل خبر وحمر أن يغشاهم الحمد والأجر فقائده تيه وسائقه كبر وأنأى من العيوق إن ناله عسر يصح له عزم وليس له وقر على معتفيه والذي عنده نزر رأيت ولم تكمل له السبع والعشر به كرها ينهاض من دونها الصدر وقولهم إلا أقلهم الكفر

1 ـ العنجهية بضم العين والجيم : الكبر.

(330)
وقاسوا دجى أمريهم وكلاهما سيحدوكم استسقاؤكم حلب الردى سأمتم عبور الضحل خوضا فأية وكنتم دماء تحت قدر مغارة فهلا زجرتم طائر الجهل قبل أن طويتم ثنايا تخبأون عوارها فعلتم بأبناء النبي ورهـطه ومن قبله أخلفتم لوصيه فجأتم بها بكرا عوانا ولم يكن أخوه إذا عد الفخار وصهره وشـد به أزر النبي محمد وما زال كشافا دياجير غمرة هو السيف سيف الله في كل مشهد فأي يد للذم لم يبر زندها ثوى ولأهل الدين أمن بحده يسـد به الثغر المخوف من الردى بأحد وبدر حين ماج برجله ويوم حنين والنضير وخيبر سما للمنايا الحمر حتى تكشفت مشاهد كان الله كاشف كربها و ( يوم الغدير ) استوضح الحق أهله أقام رسول الله يدعوهم بها يمد بضبعيه ويعلم (2) : أنه دليل لهم أولى به الشمس والبدر إلى هوة لا الماء فيها ولا الخمر تعدونها لو قد طغى بكم البحر على جهل ما أمست تفور به القدر يجيئ بما لا تبسأون به الزجر؟! فأين لكم خب وقد ظهر النشر؟! أفاعيل أدناها الخيانة والغدر بداهية دهياء ليس لها قدر لها قبلها مثـل عوان ولا بكر فلا مثـله أخ ولا مثـله صهر كما شد من موسى بهارونه الإزر يمزقها عن وجهه الفتح والنصر وسيف الرسول لا ددان ولا دثر ووجه ضـلال ليس فيه له أثر وللواصمين الدين في حده ذعر ويعتاض من أرض العدو به الثغر وفرسانه أحد وماج بهم بدر وبالخندق الثاوي بعقوته عمرو وأسيافه حمر وأرماحه حمر وفارجه والأمر ملتبس إمر بضحيآء (1) لا فيها حجاب ولا ستر ليقربهم عرف وينآهم نكر ولي ومولاكم فهل لكم خبر ؟!

1 ـ وفي نسخة : بفيحاء.
2 ـ من أفعل. ويظهر من الدكتور ملحم شارح ديوان أبي تمام أنه قرأه مجردا من علم لا مزيدا من أعلم كما قرأناه ومختارنا هو الصحيح الذي لا يعدوه الذوق العربي.
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس