كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: 21 ـ 30
(21)
    قال من قصيدة :
وإن شيبي قد لاحت كواكبه فهذه جملة في العذر كافية وبان مني شباب كان يشفع لي قد كان بابي للعافين منتجعا وكنت طود المنى يؤوى إلى كنفي أفنى الكثير فما إن زال ينقصني وقد غنيت وأشغالي تبين من والسيف في الغمد مجهول جواهره في ظلمة من سواد اللمة الجثله تغنيك فاغن عن التفصيل بالجمله سقيا له من شباب بان سقيا له ينتابه ثلة من بعدها ثلة كحائط مشرف من فوقه ظله متى دفعت إلى الأفنان والقله فضلي فقد سترته هذه العطله وإنما يجتنيه عين من سله
    وهذه القصيدة يمدح بها أبا علي ابن مقلة الوزير ببغداد في أيام وزارته قبل حبسه وقد قبض عليه وحبس سنة 324 وتوفي 328.
    وأما وفاته ففي ( شذرات الذهب ) أنه توفي سنة 360 وتبعه ـ تاريخ آداب اللغة العربية ـ وفي كشف الظنون ، وكتاب الشيعة وفنون الاسلام ، والأعلام للزركلي أنها في سنة 350 ورددها غير واحد من المعاجم بين التاريخين ، وكل منهما يمكن أن يكون صحيحا ، كما يقرب إليهما ما في مقدمة ديوانه من أنه توفي سنة 330 وهو كما سمعت في مدحه ابن مقلة كان يشكو هرمه قبل سنة 324.
    ( لفت نظر ) ذكر المسعودي في ( مروج الذهب ) ج 1 ص 523 لكشاجم أبياتا كتبها إلى صديق له ويذم النرد وذكر اسمه أبو الفتح محمد بن الحسن ، وأحسبه منشأ ترديد سيدنا صدر الدين الكاظمي في تأسيس الشيعة في إسمه وإسم أبيه بين محمود ومحمد.
    والحسين والحسن ، وذكر المسعودي صوابه في مروجه 2 ص 545 ، 548 ، 550.
    ولده
    أعقب المترجم ولديه أبا الفرج وأبا نصر أحمد ويكني كشاجم نفسه بالثاني في قوله :
قالوا : أبو أحمد يبني. فقلت لهم : كما بنت دودة بنيان السرق


(22)
بنته حتى إذا تم البناء لها كان التمام ووشك الخير في نسق
    ويثني عليه ويصفه بقوله :
نفسي الفداء لمن إذا جرح الأسى كبدي وتاموري وحبة ناظري ربيته متوسما في وجهه ورزقته حسن القبول مبينا وغدوت مقتنيا له عن أمه وعمرت منه مجالسي ومسالكي فأظل أبهج في النهار بقربه وأزيره العلماء يأخذ عنهم وإذا يجن الليل بات مسامري فأبيت أدني مهجتي من مهجتي قلبي أسوت به جروح أسائي ومؤملي في شدتي ورخائي ما قبل في توسمت آبائي فيه عطاء الله ذي الآلاء وهي النجيبة وابنة النجباء وجمعت منه مأربي وهوائي وأريه كيف تناول العلياء ولشذ من يغدو إلى العلماء ومجاوري وممثلا بإزائي وأضم أحشائي إلى أحشائي
    وكان أبو نصر أحمد بن كشاجم شاعرا أديبا ومن شعره يذم به بخيلا قوله (1) :
صديق لنا من أبرع الناس في البخل دعاني كما يدعو الصديق صديقه فلما جلسنا للطعام رأيته ويغتاظ أحيانا ويشتم عبده فأقبلت أستل الغذاء مخافة أمد يدي سرا لأسرق لقمة إلى أن جنت كفي لحتفي جناية فجرت يدي للحين رجل دجاجة وقدم من بعد الطعام حلاوة وقمت لو أني كنت بيت نية وأفضلهم فيه وليس بذي فضل فجئت كما يأتي إلى مثله مثلي يرى أنه من بعض أعضائه أكلي وأعلم أن الغيظ والشتم من أجلي وألحاظ عينيه رقيب على فعلي فيلحظني شزرا فأعبث بالبقل وذلك أن الجوع أعدمني عقلي فجرت كما جرت يدي رجلها رجلي فلم أستطع فيها أمر ولا أحلي ربحت ثواب الصوم مع عدم الأكل
    وذكر الثعالبي في ( يتيمة الدهر ) ج 1 ص 257 ـ 251 من شعره ما يناهز
1 ـ يتيمة الدهر ج 1 ص 248 ، ونهاية الإرب ج 3 ص 318.

(23)
ستين بيتا. وقال صاحب تعاليق اليتيمة ج 1 ص 240 : [ لم نعثر في ديوان كشاجم على شيئ من هذه المختارات ] ذاهلا عن أن الديوان المعروف هو لكشاجم لا لابنه أبي نصر أحمد الذي انتخب الثعالبي من شعره ، ويستشهد بشعره الوطواط في ( غرر الخصايص ).
    خرج أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات الوزير المتوفى سنة 391 إلى بستانه بالمقس فكتب إليه أبو نصر بن كشاجم على تفاحة بماء الذهب وأنفذها إليه (1) .
إذ الوزير تخلى فقد أتاه سميّا للنيل في الأوقات ه جعفر بن الفرات
    ويوجد في ( بدايع البداية ) شيئا من شعره راجع ج 1 ص 157 ، وذكر من شعره ابن عساكر في تاريخه ج 4 ص 149 ما نظمه سنة 356 بالرملة لما ورد إليها أبو علي القرمطي القصير.
    ويذكر محمد بن هارون بن الأكتمي ابني كشاجم ويهجوهما بقوله (2) :
يا بني كشاجم أنتما مات المشوم أبوكما وقرنتما في عصرنا لغلاء أسعار الطعام مستعملان مجربان فخلفتماه على المكان ففعلتما فعل القران وميتة الملك الهجان

1 ـ في معجم الأدباء ج 2 ص 411.
2 ـ يتيمة الدهر 1 ص 352.


(24)
القرن الرابع
23
الناشي الصغير
المولود 271
المتوفى 365
يا آل ياسين من يحبكم أنتم رشاد من الضلال كما وكل مستحسن لغيركم ما محيت آية النهار لنا وكيف تمحى أنوار رشدكم أبوكم أحمد وصاحبه ذاك علي الذي تفرده إذ قال بين الورى وقام به من كنت مولاه فالوصي له فبخبخوا ثم بايعوه ومن ذاك علي الذي يقول له لا سيف إلا سيف الوصي ولا لو وزنوا ضربه لعمرو وأعمال ذاك علي الذي تراجع عن في يوم حض اليهود حين أقل لم يشهد المسلمون قط رحى صلى عليه الإله تزكية بغير شك لنفسه نصحا كل فساد بحبكم صلحا إن قيس يوما بفضكم قبحا وآية الليل ذو الجلال محا وأنتم في دجى الظلام ضحى الممنوح من علم ربه منحا في يوم ( خم ) بفضله اتضحا معتضدا في القيام مكتشحا مولى بوحي من الإله وحا يبايع الله مخلصا ربحا جبريل يوم النزال ممتدحا : فتى سواه إن حادث فدحا البرايا لضربه رجحا فتح سواه وسار فافتتحا الباب من حصنهم وحين دحا حرب وألفوا سواه قطب رحى ووفق العبد ينشؤ المدحا
    وقال في قصيدة يوجد منها 36 بيتا :


(25)
ألا يا خليفة خير الورى أدل دليل على أنهم خلافهم بعد دعواهم لقد كفر القوم إذ خالفوكا أبوك وقد سمعوا النص فيكا ونكثهم بعد ما بايعوكا
    إلى أن قال :
فيا ناصر المصطفى أحمد وناصبت نصّابه عنوة فأنت الخليفة دون الأنام ولا سيما حين وافيته فقال أناس : قلاه النبي فقال النبي جوابا لما : ألم ترض إنا على رغمهم ولو كان بعدي نبي كما ولكننى خاتم المرسلين وأنت الخليفة يوم انتجاك يراك نجيا له المسلمون على فم أحمد يوحي إليك وأنت الخليفة في دعوة ويوم ( الغدير ) وما يومه لهم خلف نصروا قولهم إذا شاهد والنص قالوا لنا فقلنا لهم : نص خير الورى تعلمت نصرته من أبيكا فلعنة ربي على ناصبيكا فما بالهم في الورى خلفوكا؟ وقد سار بالجيش يبغي تبوكا فصرت إلى الطهر إذ خفضوكا يؤدي إلى مسمع الطهر فوكا؟ كموسى وهارون إذ وافقوكا؟ جعلت الخليفة كنت الشريكا وأنت الخليفة إن طاوعوكا على الكور حينا وقد عاينوكا وكان الإله الذي ينتجيكا وأهل الضغاين مستشرفوكا العشيرة إذ كان فيهم أبوكا ليترك عذرا إلى غادريكا ليبغوا عليك ولم ينصروكا توانى عن الحق واستضعفوكا يزيل الظنون وينفي الشكوكا
    وله يمدح آل الله قوله :
بآل محمد عرف الصواب هم الكلمات والأسماء لاحت وهم حجج الإله على البرايا وفي أبياتهم نزل الكتاب لآدم حين عز له المتاب بهم وبحكمهم لا يستراب


(26)
بقية ذي العلى وفروع أصل وأنوار ترى في كل عصر ذراري أحمد وبنو علي تناهوا في نهاية كل مجد إذا ما أعوز الطلاب علم محبتهم صراط مستقيم ولا سيما أبو حسن علي كأن سنان ذابله ضمير وصارمه كبيعته بخم علي الدر والذهب المصفى إذا لم تبر من أعدا علي (1) إذا نادت صوارمه نفوسا فبين سنانه والدرع سلم هو البكاء في المحراب ليلا ومن في خفه طرح الأعادي فحين أراد لبس الخف وافى وطار له فاكفأه وفيه ومن ناجاه ثعبان عظيم رآه الناس فانجفلوا (4) برعب فلما أن دنا منه علي فكلمه علي مستطيلا بحسن بيانهم وضح الخطاب لإرشاد الورى فهم شهاب خليفته فهم لب لباب فطهر خلقهم وزكوا وطابوا ولم يوجد فعندهم يصاب ولكن في مسالكه عقاب له في الحرب مرتبة تهاب فليس عن القلوب له ذهاب معاقدها من القوم الرقاب وباقي الناس كلهم تراب فما لك في محبته ثواب فليس لها سوا نعم جواب وبين البيض والبيض اصطحاب هو الضحاك إن جد الضراب حبابا كي يلسبه (2) الحباب يمانعه عن الخف الغراب حباب في الصعيد له انسياب (3) بباب الطهر ألقته السحاب وأغلقت المسالك والرحاب تدانى الناس واستولى العجاب وأقبل لا يخاف ولا يهاب

1 ـ كذا في تخميس العلامة الشيخ محمد علي الأعسم. وفي كتاب الاكليل والتحفة :
ومن لم يبر من أعدا على فليس له النجات ولا ثواب
2 ـ لسبته الحية : لدغته.
3 ـ انسابت الحية : اجرت وتدافعت.
4 ـ انجفل وتجفل القوم : هربوا مسرعين.


(27)
ودن لحاجر (1) وانساب فيه أنا ملك مسخت وأنت مولى أتيتك تائبا فاشفع إلى من فأقبل داعيا وأتى أخوه فلما أن أجيبا ظل يعلو وأنبت ريش طاووس عليه يقول : لقد نجوت بأهل بيت هم النبأ العظيم وفلك نوح وقال وقد تغيبه التراب : دعاؤك إن مننت به يجاب إليه في مهاجرتي الإياب يؤمن والعيون لها انسكاب كما يعلو لدي الجد العقاب جواهر زانها التبر المذاب بهم يصلى لظى وبهم يثاب وباب الله وانقطع الخطاب
( ما يتبع الشعر )
    الأصح أن هذه القصيدة للناشي كما صرح به بن شهر آشوب في ( المناقب ) ، وروى ابن خلكان عن أبي بكر الخوارزمي : إن الناشي مضى إلى الكوفة سنة 325 وأملى شعره بجامعها ، وكان المتنبي وهو صبي يحضر مجلسه بها وكتب من إملائه لنفسه من قصيدة :
كأن سنان ذابله ضمير وصارمه كبيعته بخم فليس من القلوب له ذهاب مقاصدها من الخلق الرقاب
    وذكرها له الحموي في ( معجم الأدباء ) 5 ص 235 ، واليافعي في ( مرآت الجنان ) 2 ص 335 ، وجزم بذلك في ( نسمة السحر ) وعزى من نسبها إلى عمرو بن العاص إلى أفحش الغلط وهؤلاء مهرة الفن وإليهم المرجع في أمثال المقام.
    فما تجده في غير واحد من المعاجم وكتب الأدب ككتاب الاكليل (2) وتحفة الأحباء من مناقب آل العبا (3) من نسبتها إلى عمرو بن العاص على وجوه متضاربة مما لا معول عليه ، قال صاحبا الاكليل والتحفة : إن معاوية بن أبي سفيان قال يوما لجلساءه : من قال في علي فله هذه البدرة. فقال عمرو بن العاص هذه الأبيات طمعا بالبدرة.
1 ـ الحاجر : الأرض المرتفعة ووسطها منخفض.
2 ـ تأليف أبي محمد الحسن بن أحمد الهمداني اليمني.
3 ـ تأليف جمال الدين الشيرازي.


(28)
    وكذلك لا يصح عزوها إلى ابن الفارض كما في بعض المعاجم ، وكان ابن خلكان والحموي معاصرين لابن الفارض ، فما كان يخفى عليهما لو كان الشعر له ، على أنه كانت تتناقله الرواة قبل وجود ابن الفارض.
    والذي أحسبه إن لجملة من الشعراء قصايد علوية على هذا البحر والقافية مبثوثة بين الناس ، وربما حرفت أبيات منها عن مواضعها فأدرجت في قصيدة الآخر ، كما أنك تجد أبياتا من شعر الناشي في خلال أبيات السوسي المذكورة في مناقب ابن شهر آشوب ، وكذلك أبياتا من شعر ابن حماد في خلال أبيات العوني ، وأبياتا من شعر الزاهي في خلال شعر الناشي ، وأبياتا من شعر العبدي في خلال شعر ابن حماد ، وبذلك اشتبه الحال على الرواة فعزي الشعر إلى هذا تارة وإلى ذلك أخرى.
    خمس جملة من هذه القصيدة العلامة الحجة الشيخ محمد علي الأعسم النجفي أوله :
بنو المختار هم للعلم باب إذا وقع اختلاف واضطراب لهم في كل معضلة جواب بآل محمد عرف الصواب
( الشاعر )
    أبو الحسن (1) علي بن عبد الله بن الوصيف الناشي ( الصغير ) الأصغر البغدادي من باب الطاق ، نزيل مصر ، المعروف بالحلاء ، كان أبوه يعمل حلية السيوف فسمي حلاء ويقال له : الناشي لأن الناشي يقال لمن نشأ في من فنون الشعر كما قال السمعاني في الأنساب.
    كان أحد من تضلع في النظر في علم الكلام ، وبرع في الفقه ، ونبغ في الحديث ، وتقدم في الأدب ، وظهر أمره في نظم القريض ، فهو جماع الفضايل ، وسمط جمان العلوم ، وفي الطليعة من علماء الشيعة ومتكلميها ، ومحدثيها ، وفقهائها ، وشعرائها.
    روى عنه الشيخ الإمام محمد بن محمد بن نعمان المفيد ، وبواسطته يروي عنه شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي كما في فهرسته ص 89 ، واحتمل في ( رياض العلماء )
1 ـ في فهرست الشيخ ورجال أبي داود : أبو الحسين.

(29)
رواية الشيخ الصدوق عنه أيضا ، وقال : لعله الذي كان من مشايخ الصدوق ، وفي ( الوافي بالوفيات ) و ( لسان الميزان ) 4 ص 238 : إن أبا عبد الله الخالع. وأبا بكر ابن زرعة الهمداني. وعبد الواحد العكبري. و عبد السلام بن الحسن البصري اللغوي. وابن فارس اللغوي. وعبد الله بن أحمد بن محمد بن روزبة الهمداني وغيرهم يروون عنه ، وإنه يروي عن المبرد وابن المعتز وغيرهما.
    وذكر ابن خلكان : إنه أخذ العلم عن أبي سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت ، و هو من أعاظم متكلمي الشيعة.
    وقال شيخ الطائفة في فهرسته ص 89 : وكان يتكلم على مذهب أهل الظاهر في الفقه.
    وأهل الظاهر هم أصحاب أبي سليمان داود بن علي بن خلف الاصبهاني المعروف بالظاهري المتوفى 270 ، قال ابن نديم في ( الفهرست ) ص 303 : هو أول من استعمل قول الظاهر وأخذ بالكتاب والسنة وألغى ما سوى ذلك من الرأي والقياس.
    وقال ابن خلكان في تاريخه 1 ص 193 : كان أبو سليمان صاحب مذهب مستقل ، وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية.
    وفي رجال النجاشي : أن للمترجم كتابا في الإمامة ، لكن الشيخ الطوسي يذكر له كتبا في ( الفهرست ) ، وفي تاريخ ابن خلكان : أن له تصانيف كثيرة ، وفي الوافي بالوفيات : إن شعره مدون ، وأن مدايحه في أهل البيت عليهم السلام لا تحصى كثرة ، ولذلك عده ابن شهر آشوب في ( معالم العلماء ) من مجاهري شعراء أهل البيت عليهم السلام.
    وفي ( معجم الأدباء ) قال الخالع : كان الناشي يعتقد الإمامة ، ويناظر عليها بأجود عبارة ، فاستنفد عمره في مديح أهل البيت حتى عرف بهم ، وأشعاره فيهم لا تحصى كثرة ، ومدح مع ذلك الراضي بالله وله معه أخبار ، وقصد كافورا الأخشيدي بمصر وامتدحه ، وامتدح ابن خنزابة وكان ينادمه ، وطرى إلى البريدي بالبصرة ، وإلى أبي الفضل بن العميد بارجان.
    وقال : قال ابن عبد الرحيم حدثني الخالع قال : حدثني الناشي ، قال أدخلني ابن رائق على الراضي بالله وكنت مداحا لابن رائق ونافقا عليه فلما وصلت إلى الراضي قال لي : أنت الناشي الرافضي ؟ فقلت : خادم أمير المؤمنين الشيعي ، فقال : من أي الشيعة ؟ فقلت : شيعة بني هاشم. فقال : هذا خبث حيلة.


(30)
فقلت : مع طهارة مولد ، فقال : هات ما معك. فأنشدته فأمر أن يخلع علي عشر قطع ثيابا ، وأعطى أربعة آلاف درهم ، فأخرج إلي ذلك وتسلمته وعدت إلى حضرته فقبلت الأرض وشكرته وقلت : أنا ممن يلبس الطيلسان فقال : ها هنا طيالس عدنية أعطوه منها طيلسانا وأضيفوا إليها عمامة خز. ففعلوا ، فقال : أنشدني من شعرك في بني هاشم فأنشدته :
بني العباس إن لكم دماء فليس بهاشمي من يوالي أراقتها أمية بالذحول (1) أمية واللعين أبا زبيل
    فقال : ما بينك وبين أبي زبيل فقلت : أمير المؤمنين أعلم. فابتسم وقال : انصرف.
    ويستفاد من غير واحد من الأخبار أن الناشي على كثرة شعره في أهل البيت عليهم السلام حظي منهم بالقبول والتقدير وحسبه ذلك مأثرة لا يقابلها أي فضيلة ، ومكرمة خالدة تكسبه فوز النشأتين.
    روى الحموي في ( معجم الأدباء ) قال : حدثني الخالع قال : كنت مع والدي في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأنا صبي في مجلس الكبوذي في المسجد الذي بين الوراقين والصاغة وهو غاص بالناس وإذا رجل قد وافى وعليه مرقعة وفي يده سطيحة وركوة ومعه عكاز ، وهو شعث ، فسلم على الجماعة بصوت يرفعه ، ثم قال : أنا رسول فاطمة الزهراء صلوات الله عليها فقالوا : مرحبا بك وأهلا ورفعوه فقال : أتعرفون لي أحمد المزوق النائح ؟ فقالوا : هاهو جالس ، فقال : رأيت مولاتنا عليها السلام في النوم فقالت : لي امض إلى بغداد واطلبه وقل له : نح على ابني بشعر الناشي الذي يقول فيه :
بني أحمد قلبي بكم يتقطع بمثل مصابي فيكم ليس يسمع
    وكان الناشي حاضرا فلطم لطما عظيما على وجهه وتبعه المزوق والناس كلهم وكان أشد الناس في ذلك الناشي ثم المزوق ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم إلى أن صلى الناس الظهر ، وتقوض المجلس ، وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئا منهم ، فقال : والله لو أعطيت الدنيا ما أخذتها فإنني لا أرى أن أكون رسول مولاتي عليها السلام ثم
1 ـ الذحل : الثأر. العداوة. الحقد ج ذحول.
كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: فهرس