كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: 61 ـ 70
(61)
نكت الدعي بن الدعي ضواحكا تمضي بنو هند سيوف الهند ناحت ملائكة السماء لقتلهم فأرى البكاء على الزمان محللا كم قلت للأحزان : دومي هكذا هي للنبي الخير خير مقبل (2) في أوداج أولاد النبي وتعتلي وبكوا فقد اسقوا كؤوس الذبل والضحك بعد الطف غير محلل وتنزلي في القلب لا تترحلي
    هذه نبذة من شعره في الأئمة عليهم السلام ، وفي مناقب ابن شهر آشوب منه نبذ منثورة على أبواب الكتاب جمعها السيد في [ أعيان الشيعة ] ولمثول الكتابين للطبع وانتشارهما ضربنا عن ذكر جميعها صفحا ، ولم نذكر هاهنا إلا الخارج عن الكتابين ولو في الجملة.
     قال السيد في ( الدرجات الرفيعة ) : إن الصاحب رحمه الله قال قصيدة معراة من الألف التي هي أكثر الحروف دخولا في المنثور والمنظوم وأولها :
قد ظل يجري صدري من ليس يعدوه فكري
    وهي في مدح أهل بيت عليهم السلام في سبعين بيتا فتعجب الناس ، وتداولتها الرواة فسارت مسير الشمس في كل بلدة ، وهبت هبوب الريح في البر والبحر ، فاستمر الصاحب على تلك الطريقة ، وعمل قصايد كل واحدة منها خالية من حرف واحد من حروف الهجاء وبقيت عليه واحدة تكون خالية من الواو فانبرى صهره أبو الحسين علي لعملها وقال قصيدة ليست فيها واو ومدح الصاحب بها وأولها :
برق ذكرت به الحبائب لما بدى فالدمع ساكب
    كان للصاحب خاتمان نقش أحدهما هذه الكلمات :
على الله توكلت وبالخمس توسلت
    ونقش الآخر :
شفيع إسماعيل في الآخرة محمد والعترة الطاهرة
    ذكره الشيخ في المجالس وأشار إليه شيخنا الصدوق في أول ( عيون الأخبار )
2 ـ لم يذكر سيدنا الأمين في أعيان الشيعة من القصيدة إلا هذا البيت.

(62)
    الصاحب ومذهبه
    إن كون الصاحب من علية الشيعة الإمامية مما لا يمتري فيه أي أحد من علماء مذهبه الحق ، كما يشهد بذلك شعره الكثير الوافر في أئمة أهل البيت عليهم السلام ونثره المتدفق منه لوايح الولاية والتفضيل وهو يهتف بقوله :
فكم قد دعوني رافضيا لحبكم فلم ينثني عنكم طويل عوائهم
    وقد نص على مذهبه هذا السيد رضي الدين ابن طاووس في كتاب ( اليقين ) ومر عن المجلسي الأول أنه من أفقه فقهاء أصحابنا ، واقتفى أثره ولده في مقدمات البحار فصرح بأنه كان من الإمامية ، وعده القاضي الشهيد في مجالسه من وزراء الشيعة ، ويقول شيخنا الحر في أمل الآمل.
     إنه كان شيعيا إماميا ، وعده ابن شهر آشوب في المعالم من شعراء أهل البيت المجاهرين ، وشيخنا الشهيد الثاني من أصحابنا ، و في ( معاهد التنصيص ) : إنه كان شيعيا جلدا كآل بويه معتزليا ، وقبل هذه الشهادات كلها شهادة الشيخين العلمين رئيس المحدثين الصدوق في ( عيون أخبار الرضا ) ، وشيخنا المفيد فيما حكاه عنه ابن حجر في ( لسان الميزان ) 1 ص 413 ، ورسالته في أحوال عبد العظيم الحسني المندرجة في خاتمة ( المستدرك ) 3 ص 614 (1) من جملة الشواهد أيضا ، وفي ( لسان الميزان ) 1 ص 413 : كان الصاحب إمامي المذهب و أخطأ من زعم أنه كان معتزليا ، وقد قال عبد الجبار القاضي لما تقدم الصلاة عليه : ما أدري كيف أصلي على هذا الرافضي.
     وعن ابن أبي طي : إن الشيخ المفيد شهد بأن الكتاب الذي نسب إلى الصاحب في الاعتزال وضع على لسانه ونسب إليه وليس هو له.
     وهناك نقول متهافتة يبطل ، بعضها بعضا تفيد اعتناق الصاحب مذهب الاعتزال تارة وتمذهبه بالشافعية أخرى ، وبالحنفية طورا ، وبالزيدية مرة ، وفي القاذفين من يحمل عليه حقدا يريد تشويه سمعته بكل ما توحي إليه ضغاينه كأبي حيان التوحيدي ومن حكي عنه طرفي نقيض كشيخنا المفيد الذي ذكرنا حكاية ابن حجر عنه بوضع ما نسب إلى الصاحب من الكتاب الذي يدل على الاعتزال ، ونقل عنه أيضا نسبته
1 ـ نقلا عن نسخة بخط بعض بني بابويه مؤرخة بسنة 516.

(63)
إلى جانب الاعتزال.
     وهذا التهافت في النقل يسقط الثقة بأي النقلين وإن كان النص على تشيعه معتضدا بكلمات العلماء قبله وبعده ، والسيد رضي الدين الذي عرفت النص عنه بتشيعه في كتاب ( اليقين ) فقد نقل عنه حكايته عن الشيخ المفيد وعلم الهدى نسبته إلى الاعتزال ، وأنت تعلم أن نصه الأول هو معتقده وهذه حكاية محضة ، وقد عرفت حال المحكي عن الشيخ المفيد ، وأما السيد المرتضى فالظاهر أن منتزع هذه النسبة إليه هو رده على الصاحب في تعصبه للجاحظ الذي هو من أركان المعتزلة ، غير أنا نحتمل أن هذا التعصب كان لأدبه لا لمذهبه كتعصب الشريف الرضي للصابي.
     وما وقع إلينا في المحكي عن رسالة ( الابانة ) للصاحب من إنكار النص على أمير المؤمنين عليه السلام فهو حكاية محضة عمن يقول بذلك بل ما في ( الابانة ) يكفي بمفرده في إثبات كونه إماميا وإليك نص كلامه مشفوعا بمقاله في ( التذكرة ) حول الإمامة.
     قال في ( الابانة ) : زعمت العثمانية وطوائف الناصبية أن أمير المؤمنين عليه السلام مفضول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير فاضل واستدلت بأن أبا بكر وعمر وليا عليه وقالت الشيعة العدلية : فقد ولى النبي عليه السلام عليهما عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل فليقولوا : إنه خير منهما ، فقالت الشيعة : علي عليه السلام أفضل الناس بعد النبي فلذلك آخى بينه وبينه حين آخى بين أبي بكر وعمر فلم يكن ليختار لنفسه إلا الأفضل ، وقد ذكر ذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى.
     ثم إنه لم يستثن إلا النبوة وفيه قال : أللهم آتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير.
     وقد قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه : وعاد من عاداه. إلى آخر الدعاء.
     وبعد : فالفضيلة تستحق بالمسابقة وهو أسبقهم إسلاما وقد قال الله تعالى : السابقون السابقون أولئك المقربون ، وبالجهاد وهو لم يغمد حساما ، ولم يقصر إقداما ، كشاف الكروب ، وفراج الخطوب ، ومسعر الحروب ، وقاتل مرحب ، وقالع باب خيبر ، وصارع عمرو بن عبد ود ، ومن قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. كرارا غير فرار ، وقد قال الله تعالى :


(64)
فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما. وبالعلم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها. وأثر ذلك بين لأنه عليه السلام لم يسئل من الصحابة أحدا وقد سألوه ، ولم يستفتهم وقد استفتوه ، حتى أن عمر يقول : لولا علي لهلك عمر ، ويقول : لا أعاشني الله لمشكلة ليس لها أبو الحسن ، وقد قال الله تعالى : قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. وبالزهد والتقوى والبر والحسنى فإذا كان أعلمهم فهو أتقاهم وقال الله تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء. وبعد : فهو الذي آثر المسكين واليتيم والأسير على نفسه مخرجا قوته كل ليلة إليهم عند فطره حتى أنزل الله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. فأخبر نبيه وعده عليه الجنة. والحديث طويل وفضله كثير ، وهو الذي تصدق بخاتمه في ركوعه حتى أنزل الله فيه : إنما وليكم الله ورسوله.
     وزعمت طائفة من الشيعة ذاهلة عن تحقيق الاستدلال أن عليا عليه السلام كان في تقية فلذلك ترك الدعوة إلى نفسه. وزعمت أن عليه نصا جليا لا يحتمل التأويل ، وقالت العدلية : هذا فاسد ، كيف تكون عليه التقية في إقامة الحق وهو سيد بني هاشم ؟ وهذا سعد بن عبادة نابذ المهاجرين وفارق الأنصار لم يخش مانعا ودافعا وخرج إلى حوران ولم يبايع ، ولو جاز خفاء النص الجلي عن الأمة في مثل الإمامة لجاز أن يتكتم صلاة سادسة وشهر يصام فيه غير شهر رمضان فرضا ، وكلما أجمع عليه الأمة من أمر الأئمة الذين قاموا بالحق وحكموا بالعدل صواب ، وأما من نابذ عليا عليه السلام وحاربه وشهر سيفه في وجهه فخارج عن ولاية الله إلا من تاب بعد ذلك وأصلح إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. ا ه‍.
     المراد على ما يفهم من جواب العدلية أن دعوى تقية علي عليه السلام وتركه الدعوة إلى نفسه مع ادعاء النص الجلي عليه زعم فاسد ، وإن الاعتقاد بترك الدعوة لا يوافق مع القول بالنص الجلي إذ لو كان لأبان وما ترك الدعوة ، والمدعي ذاهل عن تحقيق الاستدلال بما ذكر من الكتاب والسنة فإنه عليه السلام دعا إلى نفسه واحتج بأدلة أوعزت إليها ، فنسبة إنكار النص الجلي إلى المترجم بهذه العبارة كما فعله غير واحد في غير محله جدا.


(65)
    وقال في ذيل كتابه [ التذكرة ] ذكر الصاحب رحمه الله في آخر كتاب : ( نهج السبيل ) : إن أمير المؤمنين عليا عليه السلام أفضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستدل عليه بأن الأفضلية تستحق بالسابقة والعلم والجهاد والزهد فوق جميعهم ، فلا شك أنه متقدمهم وغير متأخر عنهم ، وقد سبقهم بمنازلة الأقران ، وقتل صناديد الكفار وأعلام الضلالة ، وهو الذي آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبينه حين آخى بين أبي بكر وعمر ، و رضيه كفوا لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليهم ، ودعا الله أن يوالي من والاه ويعادي من عاداه ، وأخبرنا أنه منه بمنزلة هارون من موسى لفضل فيه ، وقال عليه السلام : أللهم ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي هذا الطائر ، ولا يكون أحبهم إلى الله إلا أفضلهم ، وقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وقال : أنا ما سألت الله شيئا إلا سألت لعلي مثله حتى سألت له النبوة فقيل : لا ينبغي لأحد من بعدك ، ولم يكن يسألها إلا لفضله. ولهذا استثنى النبوة في حديث : أنت مني بمنزلة هارون من موسى. فصبر على المحن ، وثبت على الشدايد ، ولم ترده أيام توليته إلا خشونة في الدين ، وأكله للجشب (1) ولبسا للخشن ، يستقون من علمه ، وما يستقي إلا ممن هو أعلم ، خير الأولين وخير الآخرين ، عهد إليه في الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقتل بين يديه عمار بن ياسر المشهود له بالجنة لبصيرته في أمره ، وشبهه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيسى بن مريم عليه السلام كما شبهه بهارون ، لا تضرب الأمثال إلا بالأنبياء ، وتصدق بخاتمة في ركوعه حتى أنزل فيه : إنما وليكم الله ورسوله. الآية ، وآثر المسكين واليتيم والأسير على نفسه حتى أنزل فيه : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ، وقال تعالى : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد. فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أنا المنذر وأنت يا علي الهادي ، وقال تعالى : و تعيها أذن واعية وقال صلى الله عليه وآله وسلم : هي أذن علي عليه السلام وجعله الله في الدنيا فصلا بين الإيمان والنفاق حتى قيل : ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ببغضهم عليا عليه السلام ، وأخبر أنه في الآخرة قسيم الجنة والنار ، وقال ابن عباس : ما أنزل الله في القرآن يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي سيدها وأبوها وشريفها ، وأعلى من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم : علي يعسوب المؤمنين ، وله ليلة الفراش حين نام عليه في مكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صابرا
1 ـ جشب الطعام : غلظ.

(66)
على ما كان يتوقع من الذبح صحبة إسحاق ذبيح الله حين صبر على ما ظن أنه نازل به من الذبح ، وقال فيه مثل عمر بن الخطاب : لولا علي لهلك عمر ، ولا أعاشني الله لمشكلة ليس لها أبو الحسن. ودهره كله إسلام وزمانه أجمع إيمان ، لم يكفر بالله طرفة عين ، عاش في نصرة الاسلام حميدا ، ومضى لسبيله شهيدا ، جعلنا الله ممن آثر المحبة في القربى ، وهدانا للتي هي أحسن وأولى ، وحسبنا الله منزل الغيث وفاطر النسم (1) .
     وقد أبان عن مذهبه الحق [ الإمامية ] في شعره بقوله :
بالنص فاعقد إن عقدت يمينا مكن لقول إلهنا تمكينا كل اعتقاد الاختيار رضينا : واختار موسى قومه سبعينا
    وقال في قصيدته البائية التي مرت :
لم تعلموا أن الوصي هو الذي لم تعلموا أن الوصي هو الذي آتي الزكاة وكان في المحراب حكم ( الغدير ) له على الأصحاب
    وله قوله :
إن المحبة للوصي فريضة قد كلف الله البرية كلها أعني أمير المؤمنين عليا واختاره للمؤمنين وليا

    وما في ( لسان الميزان ) من اشتهاره بذلك المذهب ( الاعتزال ) وإنه كان داعية إليه فيدفعه تخطأته أولا من زعم أنه من معتنقيه ، وما نقله عن القاضي عبد الجبار من أنه لما تقدم للصلاة عليه قال : ما أدري كيف أصلي على هذا الرفضي ، وما تكرر في شعره من قذف أعدائه له بالرفض ، إلا أن يريد ابن حجر الاشتهار المحض دون الحقيقة فليلتئم مع قوله الآخر.
     والذي أرتأيه ويساعدني فيه الدليل أن الصاحب كغيره من أعلام الإمامية كان يوافق المعتزلة في بعض المسائل كمسألة العدل التي تطابقت آراء الشيعة والمعتزلة فيها على مجابهة الأشاعرة في الجبر واستلزامه تجوير الحق تعالى ، وإن افترقا من ناحية أخرى في باب التفويض وأمثال هذه ، فقد كان يصعب على الباحث التمييز بين
1 ـ كل ما ذكره الصاحب من الأحاديث في فضل مولانا أمير المؤمنين ثابت وصحيح عند القوم مبثوث في أجزاء كتابنا بأسانيده ، أخرجه بها الحفاظ في الصحاح والمسانيد.

(67)
الفريقين فيرمى كل فريق باسم قسيمه ، ومن هنا أتى الصاحب بهذه القذيفة كغيره من أعلام الطايفة مثل علم الهدى السيد المرتضى وأخيه الشريف الرضي.
    وأما نسبته إلى الشافعية فيدفعها عزوه إلى الحنفية ، ومن أبدع التناقض قول أبي حيان في كتاب [ الامتاع ج 1 ص 55 ] إنه كان يتشيع لمذهب أبي حنيفة ومقالة الزيدية ، وأما انتسابه إلى الزيدية فيدفعه تعداده الأئمة عليهم السلام في شعره كقوله :
بمحمد ووصيه وابنيهما ومحمد وبجعفر بن محمد وعلي الطوسي ثم محمد حسن وأتبع بعده بإمامة الطاهرين وسيد العبّاد وسمي مبعوث بشاطي الوادي وعلي المسموم ثم الهادي للقائم المبعوث بالمرصاد
    وقوله :
بمحمد ووصيه وابنيهما ثم الرضا ومحمد ثم ابنه أرجو النجاة من المواقف كلها وبعابد وبباقرين وكاظم والعسكري المتقي والقائم حتى أصير إلى نعيم دائم
    وقوله :
نبي والوصي وسيدان وموسى والرضا والفاضلان وزين العابدين وباقران بهم أرجو خلودي في الجنان
    وقوله أرجوزة :
يا زائرا قد قصد المشاهدا فأبلغ النبي من سلامي حتى إذا عدت لأرض الكوفة وصرت في الغري في خير وطن ثمة سر نحو بقيع الغرفد وعد إلى الطف بكربلاء لخير من قد ضمه الصعيد وقطع الجبال والفدافدا ما لا يبيد مدة الأيام البلدة الطاهرة المعروفة سلم على خير الورى أبي الحسن مسلما على أبي محمد أهد سلامي أحسن الاهداء ذاك الحسين السيد الشهيد


(68)
واجنب إلى الصحراء بالبقيع هناك زين العابدين الأزهر أبلغهم عني السلام راهنا واجنب إلى بغداد بعد العيسا واعجل إلى طوس على أهدى سكن وعد لبغداد بطير أسعد وأرض سامراء أرض العسكر والحسن الرضي في أحواله فإنهم دون الأنام مفزعي فثم أرض الشرف الرفيع وباقر العلم وثم جعفر قد ملأ البلاد والمواطنا مسلما على الزكي موسى مبلغا تحيتي أبا الحسن سلم على كنز التقى محمد سلم على عليّ ن المطهر من منبع العلوم في أقواله ومن إليهم كل يوم مرجعي
    وله أرجوزة أخرى يعد فيها الأئمة الهداة ويسميهم. موقصيدة في الإمام أبي الحسن الرضا ثامن الحجج صلوات الله عليهم ، تذكر في مقدمة ( عيون الأخبار ) لشيخنا الصدوق ، وقصيدة أخرى فيه عليه السلام أيضا ألا وهي :
يا زائرا قد نهضا وقد مضى كأنه أبلغ سلامي زاكيا سبط النبي المصطفى 5 من حاز عزا أقعسا وقل له عن مخلص في الصدر نفح حرقة من ناصبين غادروا صرحت عنهم معرضا 10 نابذتهم ولم أبل يا حبذا رفضي لمن ولو قدرت زرته لكنني معتقل مبتدرا قد ركضا البرق إذا ما أومضا بطوس مولاي الرضا وابن الوصي المرتضى وشاد مجدا أبيضا يرى الولا مفترضا تترك قلبي حرضا قلب الموالي ممرضا ولم أكن معرضا إن قيل : قد ترفضا نابذكم وأبغضا ولو على جمر الغضا بقيد خطب عرضا


(69)
جعلت مدحي بدلا 15 رام بن عباد بها أمانـة مورده من قصده وعوضا شفاعة لن تدحضا على الرضا ليرتضى

    نوادر فيها المكارم
    1 ـ يحكى أن الصاحب استدعى في بعض الأيام شرابا فأحضروا قدحا فلما أراد أن يشربه قال له بعض خواصه : لا تشربه فإنه مسموموكان الغلام الذي ناوله واقفا ـ فقال للمحذر : ما الشاهد على صحة قولك ؟ فقال : تجربه في الذي ناولك إياه. قال : لا أستجيز ذلك ولا استحله. قال : فجر به في دجاجة قال : التمثيل بالحيوان لا يجوز. ورد القدح وأمر بقلبه ، وقال : للغلام انصرف عني ولا تدخل داري ، وأمر بإقرار جارية وجرايته عليه ، وقال لا يدفع اليقين بالشك ، والعقوبة بقطع الرزق نذالة.
     2 ـ كتب إليه بعض العلويين يخبره بأنه قد رزق مولودا ويسأله أن يسميه ويكنيه فوقع في رقعته : أسعدك الله بالفارس الجديد ، والطالع السعيد ، فقد والله ملأ العين قرة ، و النفس مسرة مستقرة ، والاسم علي ليعلي الله ذكره ، والكنية أبو الحسن ليحسن الله أمره ، فإني أرجو له فضل جده ، وسعادة جده ، وقد بعثت لتعويذه دينارا من مائة مثقال ، قصدت به مقصد الفال ، رجاء أن يعيش مائة عام ، ويخلص خلاص الذهب الأبرز من نوب الأيام ، والسلام.
     3 ـ كتب بعض أصحاب الصاحب إليه رقعة في حاجة فوقع فيها ، ولما ردت إليه لم ير فيها توقيعا ، وقد تواترت الأخبار بوقوع التوقيع فيها ، فعرضها على أبي العباس الضبي فم أزال يتصفحها حتى عثر بالتوقيع وهو ألف واحدة ، وكان في الرقعة : فإن رأى مولانا أن ينعم بكذا ؟ فعل.
     فأثبت الصاحب أمام ( فعل ) ألفا يعني : أفعل.
     4 ـ كتب الصاحب إلى أبي هاشم العلوي وقد أهدى إليه في طبق فضة عطرا :
العبد زارك نازلا برواقكا فاقبل من الطيب الذي أهديته والظرف يوجب أخذه مع ظرفه يستنبط الاشراق من إشراقكا ما يسرق العطار من أخلاقكا فأضف به طبقا إلى أطباقكا


(70)
    5 ـ نظر أبو القاسم الزعفراني يوما إلى جميع من فيها من الخدم والحاشية عليهم الخزوز الفاخرة الملونة فاعتزل ناحية وأخذ يكتب شيئا فسأل الصاحب عنه ، فقيل : إنه في مجلس كذا يكتب. فقال : علي به.
     فاستهل الزعفراني ريثما يكمل مكتوبه فأعجله الصاحب ، وأمر بأن يؤخذ ما في يده من الدرج ، فقام الزعفراني إليه وقال : أيد الله الصاحب.
اسمعه ممن قاله تزدد به عجبا فحسن الورد في أغصانه
    قال : هات يا أبا القاسم. فأنشده أبياتا منها :
سواك يعد الغنى ما اقتنى وأنت ابن عباد ن المرتجى وخيرك من باسط كفه غمرت الورى بصنوف الندى وغادرت أشعرهم مفحما أيا من عطاياه تهدي الغنى كسوت المقيمين والزائرين وحاشية الدار يمشون في ولست أذكر لي جاريا ويأمره الحرص أن يخزنا تعد نوالك نيل المنى وممن ثناها قريب الجنى فأصغر ما ملكوه الغنى وأشكرهم عاجزا الكنا إلى راحتي من نأى أو دنا كسى لم يخل مثلها ممكنا ضروب من الخز إلا أنا على العهد يحسن أن يحسنا
    فقال الصاحب قرأت في أخبار معن بن زائدة : أن رجلا قال له : احملني أيها الأمير ، فأمر له بناقة وفرس وبغلة وحمار وجارية ، ثم قال له : لو علمت أن الله تعالى خلق مركوبا غير هذه لحملتك عليه ، وقد أمرنا لك من الخز بجبة ، وقميص. ودراعة. وسراويل وعمامة. ومنديل. ومطرف. ورداء. وجورب ، ولو علمنا لباسا آخر يتخذ من الخز لأعطيناكه ، ثم أمر بإدخاله الخزانة ، وصب تلك الخلع عليه ، وتسليم ما فضل عن لبسه في الوقت إلى غلامه.
     6 ـ كتب أبو حفص الوراق الاصبهاني إلى الصاحب : لولا أن الذكرى أطال الله بقاء مولانا الصاحب الجليلتنفع المؤمنين : وهزة الصمصام تعين المصلتين لما ذكرت ذاكرا ، ولا هززت ماضيا ، ولكن ذا الحاجة لضرورته يستعجل النجح ،
كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: فهرس