كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: 91 ـ 100
(91)
وله في العلم قنن راسية ، وقدم راسخة ، غير أن انتشار أدبه الفائق ، ومقاماته البديعة فيه ، وتعريف الأدباء إياه بأدبه الباهر ، وقريضه الخسرواني ، والثناء عليه بأنه ثاني معلميه كما في ( نسمة السحر ) أخفى صيت علمه الغزير ، وغطى ذكره العلمي ، ونحن نقوم بواجب الحقين جميعا.
    ينم عن مقامه الرفيع في العلوم الدينية وتضلعه فيها وشهرته في عصره بها توليه الحسبة (1) مرة بعد أخرى في عاصمة العالم في ذلك اليوم [ بغداد ] وهي من المناصب الرفيعة العلمية التي كانت تخص توليها في العصور المتقادمة بأئمة الدين ، وزعماء الاسلام ، وكبراء الأمة ، وهي كما قال الماوردي في ( الأحكام السلطانية ) 224 : من قواعد الأمور الدينية ، وقد كان أئمة الصدر الأول يباشرونها. ه‍.
    ( الحسبة ) هي الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر بين الناس كافة وممن وليها ببغداد قبل المترجم الفيلسوف الكبير أحمد بن الطيب السرخسي ، صاحب التآليف القيمة في فنون متنوعة المقتول سنة 283 ، وتولاها بعد عزل المترجم عنها فقيه الشافعية وإمامها أبو سعيد الحسن بن أحمد الاصطخري المتوفى سنة 328 ، على ما يقال كما في تاريخ ابن خلكان ، ومرآة الجنان لليافعي وغيرهما ، قال الماوردي في [ الأحكام السلطانية ] ص 209 فمن شروط والي الحسبة ، أن يكون حرا ، عدلا ، ذا رأي وصرامة ، وخشونة في الدين ، وعلم بالمنكرات الظاهرة ، واختلف الفقهاء من أصحاب الشافعي هل يجوز له أن يحمل الناس فيما ينكره من الأمور التي اختلف الفقهاء فيها على رأيه واجتهاده أم لا ؟ على وجهين : أحدهما وهو قول أبي سعيد الاصطخري أن له أن يحمل ذلك على رأيه واجتهاده ، فعلى هذا يجب على المحتسب أن يكون عالما من أهل الاجتهاد في أحكام الدين ليجتهد رأيه فيما اختلس فيه. ا ه‍.
    وقال رشيد الدين الوطواط المتوفى سنة 573 : إن أولى الأمور بأن تصرف أعنة العناية إلى ترتيب نظامه ، وتقصر الهمم على مهمة إتمامه ، أمر يتعلق به ثبات الدين ، ويتوقف عليه صلاح المسلمين ، وهو أمر الاحتساب ، فإن فيه تثبيت الزايغين
1 ـ كما في تاريخ ابن خلكان تاريخ ابن كثير. مرآة الجنان ، رياض العلماء. دائرة المعارف الاسلامي ، دائرة المعارف لفريد وجدي ، الأعلام للزركلي.

(92)
عن الحق ، وتأديب المنهمكين في الفسق ، وتقوية أعضاد أرباب الشرع وسواعدها ، وإجراء معاملات الدين على قوانينها وقواعدها ، وينبغي أن يكون متقلد هذا الأمر موصوفا بالديانة ، معروفا بالصيانة ، معرضا عن مراصد الريب ، بعيدا عن مواقف التهم والعيب ، لابسا مدارع السداد ، سالكا مناهج الرشاد [ معجم الأدباء ج 19 ص 31 ] ففي تولية شاعرنا المترجم الحسبة مرة بعد أخرى غنى وكفاية عن سرد جمل الثناء على علمه وفقهه وإطراء عدله ورأيه ، واجتهاده في جنب الله وصرامته ، وخشونته في الدين ، ورشاده وسداده ، وقد تولاها مرتين في بغداد مرة على عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله كما سمعته من ابن خلكان واليافعي ، وأخرى أقامه عليها عز الدولة في وزارة ابن بقية الذي استوزره عز الدولة سنة 362 وتوفي سنة 367 و قد كتب المترجم إليه في وزارته قصيدة أولها :
أيها ذا الوزير إن أنت أنصفت وإلا فقم مع الجيران
    ويقول فيها :
ليت شعري ألست محتسب الناس ؟! فلم ليس تعرفون مكاني ؟!
    ( أما أدبه ) وهو كما أوعزنا إليه أحد نوابغ شعراء الشيعة ، والمقدم بين كتابها ، حتى قيل : إنه كامرئ القيس في الشعر (1) لم يكن بينهما من يضاهيهما ، و يقع ديوانه في عشر مجلدات ، والغالب عليه العذوبة والانسجام ، وتأتي المعاني البديعة في طريقته إلى ألفاظ سهلة ، وأسلوب حسن ، وسبك مرغوب فيه ، وفي ( نسمة السحر ) إنه يعد المعلم الثاني ، والمعلم الأول إما مهلهل بن وائل ، أو امرؤ القيس ، إخترع منهجا لم يسبق إليه ، وتبعه فيه الناس ، ومن أتباعه أبو الرقعمق وصريع الدلاء.
    قال الثعالبي : سمعت به من أهل البصيرة في الأدب وحسن المعرفة بالشعر على أنه فرد زمانه في فنه الذى شهر به وإنه لم يسبق إلى طريقته ، ولم يلحق شأوه في نمطه ولم ير كاقتداره على ما يريده من المعاني التي تقع في طرزه ، مع سلاسة الألفاظ وعذوبتها وانتظامها في الملاحة والبلاغة. ا ه‍.
    رتب ديوانه البديع الاسطرلابي هبة الله بن حسن المتوفى سنة 534 على
1 ـ كما في تاريخ ابن خلكان ، ومعجم الأدباء ، وشذرات الذهب.

(93)
واحد وأربعين ومائة باب ، وجعل كل باب في فن من فنون الشعر وسماه : درة التاج في شعر ابن الحجاج (1) وهي محفوظة في باريس رقم 5913 وبها مقدمة لابن الخشاب النحوي.
    وللشريف الرضي انتخاب ما استجوده من شعره سماه [ الحسن من شعر الحسين ] (2) ورتبه على الحروف ، وكان ذلك في حياة المترجم ، وله في ذلك شعر يوجد في المجلد الأخير من ديوانه وهو قوله :
أتعرف شعري إلى من ضوى إلى البدر حسنا إلى سيدي إلى من أعوذه كلما فتى كنت مسخا بشعري السخيف تأملته وهو طورا يصح فميز معوجه والردي وصحح أوزانه بالعروض وأرشده لطريق السداد وبين موقع كف الصناع فأقسم بالله والشيخ في لو أن زرادشت أصغى له وصادف زرع كلامي البليغ فما زال يسقيه ماء الطرا فلا زال يحيى وقلب الحسود له كبد فوق حمر الغضا فأضحى على ملكه يحتوي؟! الشريف أبي الحسن الموسوي تلقيته بالعزيز القوي وقد ردني خلقا سوي وطورا بصحته يلتوي 5 فيه من الجيد المستوي وقرر فيه حروف الروي فأصلح شيطان شعري الغوي في نسج ديباجه الخسروي اليمين على الحنث لا ينطوي 10 لأزرى على المنطق الفهلوي فيه شديد الظما قد ذوي وماء البشاشة حتى روي بالغيظ من سيدي مكتوي على النار مطروحة تشتوي 15
    قال الثعالبي : إن ديوان شعره لا تنحط قيمته عن ستين دينارا لتنافسهم في ملحه ووفور رغبتهم فيه وقال : وديوان شعره أسير في الآفاق من الأمثال ، وأسرى
1 ـ راجع معجم الأدباء ، تاريخ ابن خلكان ، مرآة الجنان ، كشف الظنون.
2 ـ في دائرة المعارف الإسلامية : إنه أسماه ( التنظيف من السخيف ).


(94)
من الخيال. وذكر في اليتيمة شطرا مهما من فنون شعره في 62 صحيفة في الجزء الثالث.
    والغالب على شعره الهزل والمجون ، كأنهما لازما غريزته ، ومطبوعا قريحته ، وخمرتا طينته ، وكان إذا استرسل فيهما فلا يجعجع به حضور ملك أو هيبة أمير ، و يأتي بما عنده غير مكترث للسامعين ، فلا يستقبل منهم إلا عطفا وقبولا ، كما أن جل شعره يعرب عن ولاءه الخالص لأهل البيت والوقيعة في مناوئيهم.
    حلفاء عصره وملوكه
    أدرك ابن الحجاج جمعا من خلفاء بني العباس وهم :
    1 ـ المعتمد على الله ابن المتوكل المتوفى 279.
    2 ـ المعتضد بالله أبو العباس المتوفى 289.
    3 ـ المكتفي بالله المتوفى 295.
    4 ـ المقتدر بالله المتوفى 320.
    5 ـ الراضي بالله المتوفى 329.
    6 ـ المستكفي بالله المتوفى 338.
    7 ـ القاهر بالله المتوفى 339.
    8 ـ المتقي لله المتوفى 358.
    9 ـ المطيع لله المتوفى 364.
    10 ـ الطايع لله المتوفى 393.
    وعاصر من ملوك آل بويه من الذين ملكوا العراق :
    1 ـ معز الدولة فاتح العراق المتوفى سنة 356.
    2 ـ عز الدولة أبا منصور بختيار بن معز الدولة المقتول 367.
    3 ـ عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة المتوفى 372.
    4 ـ شرف الدولة ابن عضد الدولة المتوفى 379.
    5 ـ صمصام الدولة ابن عضد الدولة المقتول 388.
    6 ـ بهاء الدولة أبا نصر ابن عضد الدولة المتوفى 403.


(95)
    وكان كما قال الثعالبي على طول عمره يتحكم على وزراء الوقت ، ورؤساء العصر ، تحكم الصبي على أهله ، ويعيش في أكنافهم عيشة راضية ، ويستثمر نعمة صافية ضافية. ويوجد في ديوانه شعر كثير مدحا ورثاء وهجاء في رجالات عصره من الخلفاء والوزراء والأمراء والكتاب والمثقفين تربو عدتهم فيما قرأناه من مجلدات ديوانه على ستين منهم :
    أبو عبد الله هارون بن المنجم المتوفى 288.
أبو الفضل عباس بن الحسن المتوفى 296 الوزير أبو محمد المهلبي المتوفى 352
أبو الطيب المتنبي الشاعر المتوفى 354 الوزير أبو الفضل بن العميد 360
المطيع لله الخليفة العباسي المتوفى 364 أبو الفتح ابن العميد المتوفى 366
الوزير أبو ريان خليفة عضد الدولة ببغداد الوزير أبو طاهر ابن بقية المتوفى 367
عز الدولة بختيار ابن بويه المتوفى 367 عمران بن شاهين المتوفى 369
الأمير أبو تغلب غضنفر المتوفى 369 عضد الدولة فنا خسرو المتوفى 372
أبو الفتح ابن شاهين المتوفى 372 أبو الفرج بن عمران بن شاهين المتوفى 373
أبو المعالي ابن محمد بن عمران المتوفى 373 شرف الدولة ابن بويه المتوفى 379
أبو إسحاق إبراهيم الصابي المتوفى 384 القاضي أبو علي التنوخي المتوفى 384
الوزير الصاحب بن عباد المتوفى 385 ابن سكرة العباسي الشاعر المتوفى 385
أبو علي محمد بن الحسن الحالتي المتوفى 388 أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف المتوفى 388
الوزير أبو نصر سابور بن أردشير المتوفى 416 الوزير أبو منصور محمد المرزبان المتوفى 416
    أبو أحمد ابن حفص عارض المترجم في أمور الحسبة.
    الوزير أبو الفرج محمد بن العباس بن فسا بخس قال الثعالبي في ( اليتيمة ) 3 ص 70 : كان الوزير أبو الفرج والوزير أبو الفضل [ ابن العميد ] قد خلوا في الديوان لعقوبة أصحاب المهلبي [ الوزير أبي محمد الحسن ] عقب موته ، وأمرا أن تلوث ثياب الناس بالنفط إن قربوا من الباب وقد كان المهلبي فعل مثل هذا فحضر ابن الحجاج فعجب وخاف النفط فانصرف فقال :
الصفع بالنفط في الثياب ما لم يكن قط في حسابي


(96)
ليس يقوم الوصول عندي يا رب من كان سن هذا في قعر حمراء ليس فيها تفعل في لحمه المهري (1) فالقرد عندي يجل عمن مقام خيطين من ثيابي فزده ضعفا من العذاب غير بني البظر والقحاب ما يفعل الجمر بالكباب يسن هذا على الكلاب
    أكثر ( المترجم ) من مدايح أهل البيت عليهم السلام والنيل من مناوئيهم نظراء مروان بن أبي حفصة حتى إنه ربما كان ينتقد على تشديده الوطئ والنكير المحتدم على فضائع القوم [ أعداء آل الله ] بلهجة حادة ، وسباب مقذع ، غير أن ذلك كله كان نفثة مصدور ، وأنه متوجع من الظلم الواقع على ساداته أئمة أهل البيت عليهم السلام ، لا ولعا منه في البذاء أو وقيعة في الأعراض لمحض الشهوة ومتابعة الهوى ، ولذلك وقع شعره مقبولا عند مواليه صلوات الله عليهم ، وكونوا إذا مروا باللغو منه مروا كراما.
    حدث (2) سيدنا الأجل زين الدين علي بن عبد الحميد النيلي النجفي (3) في كتابه [ الدر النضيد في تغازي الإمام الشهيد ] إنه كان في زمان ابن الحجاج رجلان صالحان يزدريان بشعره كثيرا وهما : محمد بن قارون السيبي ، وعلي بن زرزور السورائي ، فرأى الأول منهما ليلة في الواقعة كأنه أتى إلى روضة الحسين عليه السلام و كانت فاطمة الزهراء سلام الله عليها حاضرة هناك مستندة ظهرها إلى ركن الباب الذي هو على يسار الداخل وسائر الأئمة إلى مولانا الصادق عليه السلام أيضا جلوس في مقابلها في الزاوية بين ضريحي الحسين عليه السلام وولده علي الأكبر الشهيد متحدثين بما لا يفهم ومحمد بن قارون المقدم قائم بين أيديهم قال السورائي : وكنت أنا أيضا غير بعيد عنهم
1 ـ هرى الثوب : صفره أي جعله أصفر.
2 ـ نقله عنه بحاثة الطايفة ميرزا عبد الله الاصبهاني في ( رياض العلماء ) ، وسيدنا ( روضات الجنات ) ص 239 ، وشيخنا العلامة الحجة النوري في ( دار السلام ) ج 1 ص 148 ، ونحن نلخص ما في ( رياض العلماء ).
3 ـ هو الفقيه الأوحد صاحب المقامات والكرامات أحد مشايخ العلم الحجة ابن فهد الحلي المتوفى 841.


(97)
فرأيت ابن الحجاج مارا في الحضرة المقدسة فقلت لمحمد بن قارون : ألا تنظر إلى الرجل كيف يمر في الحضرة ؟ فقال : أنا لا أحبه حتى أنظر إليه : قال : فسمعت الزهراء بذلك ، فقالت له مثل المغضبة : أما تحب ( أبا عبد الله ) ؟ أحبوه فإنه من لا يحبه ليس من شيعتنا. ثم خرج الكلام من بين الأئمة عليهم السلام ، بأن من لا يحب أبا عبد الله فليس بمؤمن. قال الشيخ محمد بن قارون : ولم أدر من قاله منهم ، ثم انتبهت فزعا مرعوبا مما فرطت في حق أبي عبد الله من قبل ذلك قال : ثم نسيت المنام ولم أذكره إلى أن أتيح لي بزيارة السبط الشهيد سلام الله عليه فإذا بجماعة في الطريق من أصحابنا يروون شعر ابن الحجاج فلحقتهم فإذا فيهم علي بن الزرزور وسلمت عليه ، وقلت : كنت تنكر رواية شعر ابن الحجاج وتكرهها ، فما بالك الآن تسمعه وتصغي إلى أنشاده ؟ فقال : أحدثك بما رأيت فيما يراه النائم فقص علي بمثل ما رأيته في الطيف حرفيا وحكيته بما رأيت ، ثم اتفقا على مدح الرجل وإيراد أشعاره و بث مآثره ونشر مناقبه.
    وأيضا : إن السلطان مسعود بن بابويه (1) لما بنى سور المشهد الشريف و دخل الحضرة الشريفة وقبل أعتابها وأحسن الأدب فوقف أبو عبد الله المترجم بين يديه وأنشد قصيدته الفائية التي ذكرناها فلما وصل منها إلى الهجاء أغلظ له الشريف سيدنا المرتضى ونهاه أن ينشد ذلك في باب حضرة الإمام عليه السلام فقطع عليه فانقطع ، فلما جن عليه الليل رأى ابن الحجاج الإمام عليا عليه السلام في المنام وهو يقول : لا ينكسر خاطرك فقد بعثنا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك فلا تخرج إليه حتى يأتيك ، ثم رأى الشريف المرتضى في تلك الليلة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم حوله جلوس فوقف بين أيديهم وسلم عليهم فحس منهم عدم إقبالهم عليه فعظم ذلك عنده وكبر لديه فقال : يا موالي أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فبم استحققت هذا منكم ؟ فقالوا : بما كسرت خاطر شاعرنا أبي عبد الله ابن الحجاج فعليك أن تمضي إليه وتدخل عليه وتعتذر إليه وتأخذه وتمضي به إلى مسعود بن بابويه وتعرفه عنايتنا فيه و شفقتنا عليه ، فقام السيد من ساعته ومضى إلى أبي عبد الله فقرع عليه الباب فقال ابن
1 ـ كذا في النسخة وأحسبه ، عضد الدولة بن بويه.

(98)
الحجاج : سيدي الذي بعثك إلي أمرني أن لا أخرج إليك ، وقال : إنه سيأتيك ، فقال : نعم سمعا وطاعة لهم ، ودخل عليه واعتذر إليه ومضى به إلى السلطان وقصا القصة عليه كما رأياه فأكرمه وأنعم عليه وخصه بالرتب الجليلة وأمر بإنشاد قصيدته.

    ولادته ووفاته
    لم يختلف اثنان في تاريخ وفاة المترجم له وأنه توفي في جمادي الآخرة سنة 391 بالنيل وهو بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة ، وحمل إلى مشهد الإمام الطاهر [ الكاظمية ] ودفن فيه وكان أوصى أن يدفن هناك بحذاء رجلي الإمام عليه السلام و يكتب على قبره : وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد.
    ورثاه الشريف الرضي بقصيدة توجد في ديوانه ج 2 ص 562 ، وذكر ابن الجوزي منها أبياتا في ( المنتظم ) 7 ص 217.
    ولم نقف في طيات الكتب والمعاجم على تاريخ ولادته لكن الباحث عنها يقطع بأن الرجل ولد في المائة الثالثة وعاش عمرا طويلا حدود المائة والثلاثين ، وهناك شواهد قوية على هذا منها :
    1 ـ ما ذكر ابن شهر آشوب في المعالم من قرائته على ابن الرومي المتوفى 282.
    2 ـ توليه الحسبة قبل الإمام الاصطخري المتوفى 328 كما في تاريخ ابن خلكان ومرآة الجنان لليافعي وغيرهما قالوا : إنه تولى حسبة بغداد وأقام مدة ، و يقال : إنه عزل بأبي سعيد الاصطخري وله في عزله أبيات مشهورة. ا ه‍.
    والاصطخري قد تولى الحسبة بأمر المقتدر بالله سنة 320 كما في ( شذرات الذهب ) 2 ص 312 وغيره.
    3 ـ شعره الموجود في ديوانه في هجاء أبي عبد الله هارون بن علي بن أبي منصور المنجم المتوفى 288 وقال في ديوانه : قاله وهو حدث السن.
    4 ـ قصيدته الموجودة في ديوانه في أبي الفضل عباس بن الحسين وزير المكتفي بالله المقتول سنة 296.
    وقد ذكر كثيرا في شعره المنظوم في أواسط القرن الرابع شيخوخته منه أبيات يمدح بها أبا منصور بختيار بن معز الدولة المقتول 367 منها :
قلت اقبلي رأيي ورأي الشيخ محمود موافق


(99)
    وله في الوزير أبي طاهر ابن بقية المتوفى 366 يطلب منه تجز جرايته ورزقا لابنه في ديوان ( بادويا ) أبيات منها قوله :
طلبت ما يطلبه مثلي الشيوخ الفسقه
    وأنت لا تجد قط شاعرا يذكر شيخوخته وهرمه في شعره كابن الحجاج كقوله في أبي محمد يحيى بن فهد :
أيها الشاعر الجديد الذي أنت مثل الثوب الجديد أنا شيخ طبيعتي تنثر البعر يعبث بالشاعر النفيس الخليع وشعري مثل قب الغلالة المرقوع (1) على كل شاعر مطبوع
    وقوله فيما كتبه إلى أبي محمد ابن فهد المذكور وقد ولد للمترجم مولود :
قولوا ليحيى بن فهد : يا من أليس قد جاءني غلام ؟ كالشمس والشمس في ضحاها يفتنني ريه ويحنو في كأنني مع وفور نسلي جعلت مما يخشى فداه يجلب بالحسن من رآه والبدر والبدر في دجاه المهد قلبي على خصاه لم أر من قبله سواه
    ومن قصيدة ذات 129 بيتا في الوزير أبي نصر التي أولها :
يا عاذلي كيف أصنع وليس في الصبر مطمع
    قوله :
خذها إليك عروسا الأذن لا العين منها خطيبها فيك شيخ لها من الحسن برقع بحسنها تتمتع مهملج الفكر مصقع
    ويمدح عضد الدولة فنا خسرو المتوفى 372 بقصيدة ذات 41 بيتا ويذكر فيها شيبه وهرمه.
    والباحث جد عليم بأنه من المعمرين وليد القرن الثالث مهما وقف على قوله في إحدى مقطوعاته :
وقائلة : تعيش مظلوما بسيف (2)

1 ـ القب : ما يدخل في جيب القميص من الرقاع. الغلالة شعار يلبس تحت الثوب.
2 ـ كذا وجدناه في ديوانه وفيه سقط.


(100)
فقلت لها : أباكي ذاك حزني على مائة فجعت بها ونيف
    فبعد ذلك كله لا يبقى وزن في تضعيف ابن كثير في تاريخه 11 ص 329 قول ابن خلكان بأنه عزل عن حسبة بغداد بأبي سعيد الاصطخري المتوفى 328.
    كما لا يبعد عندئذ ما في ( المعالم ) من تلمذه علي ابن الرومي المتوفى 283 إذ تلمذه عليه إنما كان في الأدب في الآليات ، ومن الممكن أن يكون ذلك قبل أن يبلغ الحلم أيضا كتلمذ الشريف الرضي على أستاذه السيرافي وله دون العشر من عمره كما يأتي في ترجمته.

    مصادر ترجمة ابن الحجاج
يتيمة الدهر 3 ص 25 تاريخ الخطيب 8 ص 14
معجم الأدباء 4 ص 6 تاريخ ابن خلكان 1 ص 170
معالم العلماء ص 136 الكامل لابن الأثير 9 ص 63
المنتظم لابن الجوزي 7 ص 216 تاريخ ابن كثير 11 ص 329
تاريخ أبي الفدا 3 ص 242 مرآة الجنان 2 ص 444
معاهد التنصيص 2 ص 62 مجالس المؤمنين 459
شذرات الذهب 3 ص 136 إيضاح المقاصد للبهائي مخطوط
كشف الظنون 1 ص 498 رياض العلماء للميرزا عبد الله. مخطوط
أمل الآمل للشيخ الحر رياض الجنة للسيد الزنوزي. مخطوط
روضات الجنات ص 239 نسمة السحر فيمن تشيع وشعر. مخطوط
سفينة البحار 1 ص 225 تتمم الأمل لابن أبي شبانة. مخطوط
الشيعة وفنون الاسلام 106 تنقيح المقال 1 ص 318
دائرة المعارف الإسلامية 1 ص 130 أعلام الزركلي 1 ص 245
    دائرة المعارف للبستاني 1 ص 439
    دائرة المعارف لفريد وجدي 6 ص 12
كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: فهرس