كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: 111 ـ 120
(111)
القرن الرابع
29
أبو الرقعمق الأنطاكي (1)
المتوفى 399
كتب الحصير إلى السرير فلمثلها طرب الأم فلأمنعن حمارتي لا هم إلا أن تط فلأخبرنك قصتي إن الذين تصافعوا أسفوا علي لأنهم لو كنت ثم لقيل : هل ولقد دخلت على الصديـ متشمرا متبخترا فأدرت حين تبادروا يا للرجال تصافعوا لا تغفلوه فإنه هو في المجالس كالبخو رحلوا وقد خبزوا الفطي ولأذكرن إذا ذكرت ولأحزنن لأنهم : أن الفصيل ابن البعير ير إلى طباهجة بقير (2) سنتين من علف الشعير ير من الهزال مع الطيور فلقد وقعت على الخبير بالقرع في زمن القشور حضروا ولم أك في الحضور من آخذ بيد الضرير؟! ق البيت في اليوم المطير للصفع بالدلو الكبير دلوي فكان على المدير فالصفع مفتاح السرور يستل أحقاد الصدور ر فلا تملوا من بخور ر ففاتهم أكل الفطير أحبتي وقت السحور لما دنا نضج القدور

1 ـ نسبة إلى انطاكية مدينة شهيرة بينها وبين حلب يوم وليلة.
2 ـ الطباهجة : اللحم المشرح.


(112)
لا والذي نطق النبي ما للإمام أبي علي بفضله يوم الغدير في البرية من نظير (1)
( الشاعر )
    أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاكي نزيل مصر المعروف بأبي الرقعمق ، أحد الشعراء المشاهير المتصرفين في فنون الشعر ، وله شوطه البعيد في أساليب البيان غير أنه ربما خلط الجد بالهزل ، نشأ بالشام ثم رحل إلى مصر وأخذ فيها شهرة طائلة و مكانة من الأدب عظيمة ، ومدح ملوكها وزعمائها ورؤسائها وممن مدح المعز أبو تميم معد بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله ، وابنه زفر عزيز مصر ، والحاكم ابن العزيز ، وجوهر القائد ، والوزير أبو الفرج يعقوب بن كلس ونظرائهم ، وصادف فيها جماعة من أهل الهزل والمجون فأوغل فيهما كل الايغال حتى نبز بأبي الرقعمق ، وقد يقال : إنه هو الذي سمى نفسه بذلك ، وقد أعلن في شعره إنه حليف الرقاعة بقوله :
أستغفر الله من عقل نطقت به لا والذي دون هذا الخلق صيرني مالي وللعقل ليس العقل من شاني أحدوثة وبحب الحمق أغراني
    والبيتان من قصيدة له سجل بها ليل [ تنيس (2) ] وهي مدينة مصرية كان بها في بعض العهود خمسمائة صاحب محبرة يكتبون الحديث ومطلع القصيدة :
ليلي بتنيس ليل الخائف العاني تفنى الليالي وليلي ليس بالفاني
    وينم عن توغله في المجون قوله من قصيدة :
كفي ملامك يا ذات الملامات كأنني وجنود الصقع تتبعني قسيس دير تلا مزماره سحرا وقد مجنت وعلمت المجون فما وذاك إني رأيت العقل مطرحا فما أريد بديلا بالرقاعات وقد تلوت مزامير الرطانات على القسوس بترجيع ورنات ادعى بشيء سوى رب المجانات فجئت أهل زماني بالحماقات
    وقوله في قصيدة :
1 ـ يتيمة الدهر ج 1 ص 284.
2 ـ تنيس بكسرتين وتشديد النون وياء ساكنة وسين مهملة



(113)
ففي ما شئت من حمق ومن هوس كم رام إدراكه قوم فأعجزهم لأشكرن حماقاتي لأن بها ولست أبغي بها خلا ولا بدلا لا عيب في سوى أني إذا طربوا قليله لكثير الحمق إكسير وكيف يدرك ما فيه قناطير؟! لواء حمقي في الآفاق منشور هيهات غيري بترك الحمق معذور وقد حضرت يرى في الرأس تفجير
    وقوله من قصيدة :
فاسمعن مني ودعني قد ربحنا بالحماقات وصغير وكبير فرعى الله ويبقي ما له في الحمق والخف فمتى أذكر قالوا : شيخنا شيخ ولكن من كثير وقليل على أهل العقول ودقيق وجليل كل ذي عقل قليل ة مثلي من عديل شيخنا طبل الطبول ليس بالشيخ النبيل
    وأكثر شعره جيد على اسلوب صريع الدلاء والقصار البصري كما قاله ابن خلكان ، ويستشهد بشعره في الأدب كما في باب المشاكلة (1) من التلخيص وساير كتب البيان وقد استشهد عليها بقوله :
قالوا : اقترح شيئا نجد لك طبخه قلت : اطبخوا لي جبة وقميصا
    قال السيد العباسي في ( معاهد التنصيص ) 1 ص 225 : هو قول أبي الرقعمق يروى أنه قال : كان لي إخوان أربعة وكنت أنادمهم أيام الأستاذ كافور الأخشيدي فجاءني رسولهم في يوم بارد وليست لي كسوة تحصنني من البرد فقال : إخوانك يقرأون عليك السلام ويقولون لك : قد اصطبحنا اليوم وذبحنا شاة سمينة فاشته علينا ما نطبخ لك منها.
    قال : فكتبت إليهم :
إخواننا قصد والصبوح بسحرة قالوا : اقترح شيئا نجد لك طبخه فأتى رسولهم إلي خصوصا قلت : اطبخوا لي جبة وقميصا

1 ـ هي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته كقول أبي الرقعمق : اطبخوا. وارادة خيطوا.

(114)
    قال : فذهب الرسول بالرقعة فما شعرت حتى عاد ومعه أربع خلع وأربع صرر في كل صرة عشرة دنانير فلبست إحدى الخلع وسرت إليهم.
    ترجمه الثعالبي في ( يتيمة الدهر ) 1 ص 269 ـ 296 وذكر من شعره أربعمائة وأربعة وتسعين بيتا وقال : نادرة الزمان ، وجملة الاحسان ، وممن تصرف بالشعر الجزل في أنواع الجد والهزل ، وأحرز قصب الفضل ، وهو أحد المداح المجيدين والفضلاء المحسنين وهو بالشام كابن الحجاج بالعراق. ولعل كونه كابن الحجاج [ السابق ذكره ] ينم عن تشيعه فإن ذلك أظهر أوصاف ابن الحجاج وأجل ما يؤثر عنه ، فقد عرفه من عرفه بولائه الصلب لأهل بيت الوحي عليهم السلام والتجهم أمام أضدادهم والوقيعة فيهم ، فقاعدة التشبيه تستدعي أن يكون شاعرنا المترجم مثله أو قريبا منه ، على أن صاحب ( نسمة السحر ) ) عده ممن تشيع وشعر وعقد له ترجمة ضيافة الذيول.
    نعم : ويشبه ابن الحجاج في تغلب المجون على شعره ; ولا يبعد جدا أن يكون هذا مرمى كلام الثعالبي ، ومن شعره قصيدة في ممدوح (1) له علوي منها قوله :
وعجيب والحسين له إن شربي عنده رنق وله الورد المعاذ به وهو الغيث الملث إذا وإلى الرسي ملجأنا سيد شادت علاه له وله بيت تمد له حسبه بالمصطفى شرفا رتبة في العز شامخة راحة بالجود تنسكب ولديه مربعي جدب والجناب الممرع الخصب أعوزتنا درها السحب من صروف الدهر والهرب في العلا آباؤه النجب فوق مجرى الأنجم الطنب وعلي حين ينتسب قصرت عن نيلها الرتب

م 1 ـ هو نقيب الأشراف بمصر أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن ترجمان الدين أبي محمد القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى. الرسي المتوفى سنة 365. راجع تاج العروس 4 : 161 )


(115)
ذاك فخر ليس تنكره ولأنتم من بفضلهم وإليكم كل منقبة وبكم في كل معركة وبكم في كل عارفة وإذا سمر القنا اشتجرت لكم عجم ولا عرب جاءت الأخبار والكتب في الورى تعزى وتنتسب تفخر الهندية القضب ترفع الأستار والحجب فبكم تستكشف الكرب
    وله من قصيدة أولها :
باح وجدا بهواه مغرم أغرى به السق كاد يخفيه نحول ال لو ضنا يخفى عن ال حين لم يعط مناه م فما يرجى شفاه جسم حتى لا تراه عين لأخفاه ضناه
    ومنها قوله :
حبذا الرسي مولى جعل الله أعادي فلقد أيقن بالثر من رقى حتى تناهى فاق أن يبلغ في ال ملك مذ كان بال بحر جود ليس يدرى لم يضع من كان إب لا ولا يفرق من من به استكفى أذى الـ كيف لا أمدح من لم رضي الناس ولاه ه من السوء فداه وة من حل ذراه في المعالي مرتقاه سؤدد والمجد مداه سطوة ممنوع حماه أين منه منتهاه راهيم في الناس رجاه صرف زمان إن عراه أيام والدهر كفاه يخل خلق من نداه
    ومن غرر محاسنه قوله يمدح من قصيدة أولها :
قد سمعنا مقاله واعتذاره وأقلناه ذنبه وعثاره


(116)
والمعاني لمن عييت ولكن من مراد به أنه أبد الده عالم أنه عذاب من الل هتك الله سترة فلكم هت سحرتني ألحاظه وكذا ك ما على مؤثر التباعد والأ وعلى أنني وإن كان قد عذ ّ لم أزل لاعدمته من حبيب بك عرضت فاسمعي يا جاره ر تراه محللا أزراه ه مباح لأعين النظاره ك من ذي تستر أستاره ل مليح لحاظه سحاره عراض لو آثر الرضى والزياره ب بالهجر مؤثرا ايثاره أشتهي قربه وآبى نفاره
    يقول في مدحها :
لم يدع للعزيز في سائر الأرض فلهذا اجتباه دون سواه لم تشيد له الوزارة مجدا بل كساها وقد تخرمها الدهر كل يوم له على نوب الدهر ذو يد شأنها الفرار من البخل هي فلت عن العزيز عداه هكذا كل فاضل يده تمسي فاستجره فليس يأمن إلا فإذا ما رأيته مطرقا يع لم يدع بالذكاء والذهن شيئا لا ولا موضعا من الأرض إلا زاده الله بسطة وكفاه عدوا إلا وأخمد ناره واصطفاه لنفسه واختاره لا ولا قيل رفعت مقداره جلالا وبهجة ونضاره وكر الخطوب بالبذل غاره وفي حومة الوغى كراره بالعطايا وكثرت أنصاره وتضحي نفاعة ضراره من تقيا بظله واستجاره مل فيما يريده أفكاره في ضمير الغيوب إلا أناره كان بالرأي مدركا أقطاره خوفه من زمانه وحذاره
    وذكر النويري من شعره في ( نهاية الأرب ) في الجزء الثالث ص 190 قوله :
لو نيل بالمجد في العلياء منزلة يرمي الخطوب برأي يستضاء به لنال بالمجد أعناق السماوات إذا دجا الرأي من أهل البصيرات


(117)
فليس تلقاه إلا عند عارفه أو واقفا في صدور السمهريات (1)
    ترجمه ابن خلكان في تاريخه 1 ص 42 وقال بعد الثناء عليه وقل كلام الثعالبي المذكور وذكر أبيات من شعره : وذكره الأمير المختار المسيحي في تاريخ مصر وقال : توفي سنة تسع وتسعين وثلثمائة ، وزاد غيره في يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان ، وقيل : في شهر ربيع الآخر ، وأظنه توفي بمصر.
    وترجمه اليافعي وأرخ وفاته كما ذكر في ( مرآة الجنان ) 2 ص 452 ، وابن العماد الحنبلي في ( الشذرات ) 3 ص 155 ، والسيد العباسي في ( معاهد التنصيص ) 1 ص 226 ، والزركلي في ( الأعلام ) 1 ص 74 ، وصاحب ( تاريخ آداب اللغة ) 2 ص 264.
1 ـ هذه أبيات من قصيدة ذكرها الثعالبي في ( اليتيمة ) 1 ص 174.

(118)
القرن الرابع
30
أبو العلا السروي
علي إمامي بعد الرسول ولا أدعي لعلي سوى ولا أدعي إنه مرسل وقول الرسول له إذ أتى : ألا أن من كنت مولى له سيشفع في عرصة الحق لي فضايل في العقل لم يشكل ولكن إمام بنص جلي له شبه الفاضل المفضل فمولاه من غير شك علي (1)
( الشاعر )
    أبو العلا محمد بن إبراهيم السروي ، هو شاعر طبرستان الأوحد ، وعلم الفضيلة المفرد ، وله مساجلات ومكاتبات مع أبي الفضل ابن العميد المتوفى سنة 360 ، وله كتب وشعر زائع وملح كثيرة ذكرت في ( اليتيمة ) منها جملة صالحة ج 4 ص 48 ، و في [ محاسن أصبهان ] ص 52 و 56 ، وفي [ نهاية الإرب في فنون الأدب ] ، ومن شعره في وصف طبرستان ما ذكره الحموي في ( معجم البلدان ) ج 6 ص 18 وهو :
إذ الريح فيها جرت الريح أعجلت فكم طيرت في الجو وردا مدثرا وأشجار تفاح كأن ثمارها فإن عقدتها الشمس فيها حسبتها ترى خطباء الطير فوق غصونها فواختها في الغصن أن تترنما يقلبه فيه ووردا مدرهما عوارض أبكار يضاحكن مغرما خدودا على القضبان فذا وتوأما تبث على العشاق وجدا معت ّما

1 ـ ذكرها ابن شهر آشوب في ( المناقب ) ج 1 ص 531 طبع ايران ، ويعبر عن المترجم في ( المناقب ) بأبي العلا بلا قيد زايد كما يظهر عنه عند نقله : في أبيات قصيدته الفائية في ج 2 ص 139.

(119)
    وله في مدح أهل البيت عليهم السلام قوله ذكره ابن شهر آشوب في ( المناقب ) ج 2 ص 73 ط ايران :
ضدان جالا على خديك فاتفقا هذا بأعلام بيض إغتدا فبدا أعجب بما حكيا في كتب أمرهما هذا ملوك بني العباس قد شرعوا وذي كهول بني السبطين رايتهم كم ظل بين شباب لا بقاء له هل المشيب إلى جنب الشباب سوى وهل يؤدي شباب قد تعقبه لو لم يكن لبني الزهراء فاطمة فراية لبني العباس عابسة وراية لبني الزهراء زاهرة شهادة كشفت عن وجه أمرهما حاز النبي وسبطاه وزوجته والفخر لو كان فيهم صورة جسد وقد تناكرت الأحلام وانقلبت ألا أضاء لهم عنها أبو حسن وهل نظير له في الزهد بينهم وهل أطاع النبي المصطفى بشر وهل عرفنا وهل قالوا سواه فتى يدعو النزال وعجل القوم محتبس 20 مفرج عن رسول الله كربته تخاله أسدا يحمي العرين إذا يظله النصر والرعب اللذان هما من بعد ما افترقا في الدهر واختلفا وذا بأعلام سود انطوى فعفا عن الشعارين في الدنيا وما وصفا لبس السواد وأبقوه لهم شرفا بيضاء تخفق أما حادث أزفا 5 وبين شيب عليه بالنهي عطفا صبح هنالك وجه الدجى كشفا؟! شيب سوى كدر أعقبت منه صفا ؟! من شاهد غير هذا في الورى لكفى سوداء تشهد فيه التيه والشرفا 10 بيضاء يعرف فيها الحق من عرفا فبح بها وانتصف إن كنت منتصفا مكان ما أفنت الأقلام والصحفا عادت فضايلهم في أذنه شنفا فيهم فأصبح نور الله منكسفا 15 بعلمه ؟ وكفاهم حرها وشفا ؟! ولو أصاح لدنيا أو بها كلفا ؟! من قبله ؟ وحذا آثاره وقفا ؟! بذي الفقار إلى أقرانه زلفا ؟!؟! والسامري بكف الرعب قد نزفا يوم الطعان إذا قلب الحبان هفا يوم الهياج بأبطال الوغى رجفا كانا له عادة إذ سار أو وقفا


(120)
شواهد فرضت في الخلق طاعته 25 ثم الأئمة من أولاده زهر من جالس بكمال العلم مشتهر مطهرون كرام كلهم علم برغم كل حسود مال وانحرفا متوجون بتيجان الهدى حنفا وقائم بغرار السيف قد زحفا كمثل ما قيل كشافون لا كشفا
    وله في ( يتيمة الدهر ) ج 4 ص 48 :
مررنا على الروض الذي قد تبسمت فلم نر شيئا كان أحسن منظرا ذراه وأوداج الأبارق تسفك من الروض يجري دمعه وهو يضحك
    وله في النرجس :
حي الربيع فقد حيا بباكور كأنما جفنه بالغنج منفتحا من نرجس ببهاء الحسن مذكور كأس من التبر في منديل كافور
    وله في النرجس ذكر صاحبا ( الظرائف واللطايف ) ص 159 ، و ( حلية الكميت ) ص 203 :
انظر إلى نرجس تبد واكتب أسامي مشبهيه وأي حسن يرى لطرف كراثة ركبت عليها ت صبحا لعينيك منه طاقه بالعين في دفتر الحماقة مع برقان يحل ماقه صفرة بيض على رقاقه
    وكتب إليه شاعر غريب يشكو إليه حجابه أبياتا منها :
جئت إلى الباب مرارا فما وكان في الواجب يا سيدي إن زرت إلا قيل لي : قد ركب أن لا ترى عن مثلنا تحتجب
    فأجابه على ظهر رقعته :
ليس احتجابي عنك من جفوة لكن لدهر نكد خائن وكنت لا أحجب عن زائر وغفلة عن حرمة المغترب مقصر بالحر عما يجب فالآن من ظلي قد أحتجب
    وذكر الثعالبي في ( ثمار القلوب ) ص 354 له قوله :
أما ترى قضب الأشجار قد لبست أنوارها تنثني ما بين جلاس
كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: فهرس