كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: 231 ـ 240
(231)
    فأجابه عبد المحسن :
جزاك الله عن ذا النصح خيرا وقد حدت لي السبعـون حدا ومذ صارت نفوس الناس حولي ولكـن جاء في الزمن الأخير نهـى عما أمرت من المسير قصارا عذت بالأمل القصير (1)
    وقال في صبي اسمه مقاتل وله فيه شعر كثير :
تعلمت وجـنته رقية صمت عن العاذل في حبه ودعته والدمع في مقلتي فظـن إذ أبصـرتها أنها وقال : هـذا قبل يوم النوى في غير وقت الدمع ضيعته لعقرب الصدع فما تلسع أذني فمالي مسمع يسمع في عبرتي مستعجل مسرع ساير أعـضائي بها تدمع فما ترى بعد النوى تصنع؟! قلت : فقلبي عندكم أضيع
    وقال في مقاتل أيضا :
احفـظ فؤادي فأنت تملكه هجرك سهل عليك أصعبه بسيف عينيك يا مقاتل كم أما عـزائي فلست آمله واستر ضميري فأنت تهتكه وهـو شديد علي مسلكه قتلت قبلي ممن كنت تملكه؟! فيك وصبري ما لست أدركه
    وقال فيه وهو معذر :
وقـف اليل والنهار وقد كان لا يرى رجعـه فيكسب عارا أين سلطان مقلتيك علينا ؟! أنت فرقت نار خـديك حتى فبماذا يلقى عذاريك ؟ قل لي وعـزيز علي إنك بالحرب إذا ما أتـى النهار يقر لا ولا ثم قوة فيفـر قل له ما يجوز في الحب سمر كل قلـب صب لها فيه جمر سيـما أن تدارك الشعر شعر وبالسلم طـول عمرك غر
    وخلف المترجم علي أدبه الجم وقريضه البديع ولده عبد المنعم ذكره الثعالبي
1 ـ راجع ديوانه ، وذكرها الثعالبي في يتيمة الدهر 1 ص 269.

(232)
القرن الخامس
38
مهيار الديلمي
المتوفى 428
1
هل بعد مفترق الأظعان مجتمع ؟! تحملوا تسع الـبيداء ركبهم مغربين هم والشمـس قد ألفوا شاكين للبين أجـفانا وأفئدة 5 تخـطو بهم فاترات في أزمتها تشـتاق نعمان لا ترضى بروضته فـداء وافين تمشي الوافيات بهم الليل بعدهم كالفجر متـصل ليت الذين أصاخوا يوم صاح بهم 10 أو ليت ما أخذ التوديع من جسدي وعاذل لج أعصيه ويأمرني يقول : نفـسك فاحفظها فإن لها روح حشـاك بـبرد اليأس تسل به والدهر لونان والدنيا مقلبة 15 هـذي قضايا رسول الله مهملة والناس للعـهد ما لاقوا وما قربوا وآلـه وهم آل الإلـه وهم أم هل زمان بهم قد فات يرتجع؟! ويحمل القلب فيهم فوق ما يسع ألا تغيب مغيبا حيثما طلعوا؟! مفجعين به أمثال ما فجعوا أعناقها تحت إكراه النوى خضع دارا ولو طـاب مصطاف ومرتبع دمـع دم وحـشا في إثرهم قطع ما شـاء والنـوم مثل الوصل منقطع داعي النوى : ثوروا صموا كما سمعوا قضـى علي فللتعذيب ما يدع فيهم وأهـرب منه وهـو يتبع حقا وإن علاقات الهوى خدع ما قيل في الحـب إلا أنه طمع الآن يعلم قلب كيف يرتدع غدرا وشـمل رسول الله منصدع وللخيانة ما غابوا وما شسعوا رعاة ذا الدين ضيموا بعده ورعوا


(233)
ميثـاقه فيهم ملقى وأمتـه تضـاع بيعته يوم ( الغدير ) لهم مقسمين بإيـمان هم جذبوا ما بين ناشر حـبل أمـس أبرمه وبين مقتنص بالمـكر يخدعه وقائل لي : علي كان وارثه فقلـت : كانت هنات لست أذكرها أبلـغ رجالا إذا سميتهم عرفوا توافـقوا وقناة الدين مائـلة أطـاع أولـهم في الغدر ثانيهم قـفوا على نظر في الحق نفرضه بـأي حـكم بنـوه يتبعـونـكم وكيف ضاقت على الأهلين تربته وفيم صيرتم الإجماع حجتـكم أمر ( علي ) بعيد من مشورته وتدعيه قريش بالقرابة والأنصار فأي خلف كخلف كان بينكم واسألهم يوم ( خم ) بعد ما عقدوا قول صحيح ونيات بها نغل إنكارهم يا أمير المؤمنين لها ونكثـهم بك ميلا عن وصيتـهم تركـت أمرا ولو طالبته لدرت صبرت تحفظ أمر الله ما اطرحوا ليشـرقن بحلو اليوم مر غد مـع من بغاهم وعاداهم له شيع بعد الرضـا وتحـاط الروم والبيع بيوعها وبأسياف هم ظبعوا 20 تعد مسنونـة من بعده البدع عن آجل عاجل حلو فينخدع بالنص منه فهل أعطوه ؟! أم منعوا؟! يجـزي بها الله أقواما بما صنعوا لهم وجوه من الشحناء تمتقع 25 فحين قامت تلاحوا فيه واقترعوا وجاء ثالثـهم يقـفو ويتبع والعقل يفـصل والمحجوج ينقطع وفخركم أنـكم صحـب له تبع؟! وللأجانب من جنبيه مضطجع ؟!30 والناس ما اتفقوا طوعا ولا اجتمعوا؟! مستكره فيه و ( العباس ) يمتنع لا رفـع فيه ولا وضع لولا تلـفق أخبار وتصطنع ؟! له الولاية لم خانوا ولم خلعوا ! ؟ 35 لا ينفع السيف صقل تحته طبع (1) بعد اعترافهم عار به ادرعـوا شـرع لعمرك ثان بعده شرعوا معاطس راغـمته كيف تجتدع ذبا عن الدين فاستيقظت إذ هجعوا 40 إذا حصدت لهم في الحشر ما زرعـوا

1 ـ النغل : الضغن وسوء النية. الطبع : الصدأ.

(234)
جاهـدت فيك بقولي يوم تختصم ال إن اللسان لوصال إلى طرق آباي في فارس والدين دينكم 45 ما زلت مذ يفعت سني ألوذ بكم وقد مضـت فـرطات إن كفلت بكم ( سلمان ) فيها شفيعي وهو منك إذا فكـن بها منقذا من هول مطلعي سولت نفسي غرورا إن ضمنت لها أبطال إذ فات سيفي يوم تمتصع (1) في القلب لا تهتديها الذبـل الشرع حـقا لقد طاب لي أس ومرتبع ـ حتى محا حقكم شكي ـ وأنتجع فرقت عن صحفي البأس الذي جمعوا الآباء عندك في أبنائهم شفعوا غدا وأنـت من الأعراف مطلع أنـى بذخر سوى حبيك أنتفع
( ما يتبع الشعر )
    قال الأستاذ أحمد نسيم المصري في التعليق على قول مهيار :
تضـاع بيعته يوم ( الغدير ) لهم بعد الرضا وتحاط الروم والبيع
    الغدير : هو غدير خم بين مكة والمدينة ، قيل : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس عنده فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه (2) .
    قال الأميني : ليت شعري هل خفي على الأستاذ تواتر ذلك الحديث المروي عن مائة صحابي أو أكثر ؟! أم حبذته نزعاته الطائفية أن يسدل عليه أغشية الزور والدجل ؟ ويموهه على القاري ، ويستر الحقيقة الراهنة بذيل أمانته ؟! ويوعز إلى ضعفه بكلمته : قيل ؟! قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون ، والذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.
2
    وله ديوانه في ج 3 ص 15 يرثي بها أهل البيت عليهم السلام ويذكر البركة بولائهم فيما صار إليه :
في الظباء الغادين أمس غزال طـارق يزعم الفراق عتابا قال عنه ما لا يقول الخيال ويرينا أن الملال دلال

1 ـ تمتصع : تقاتل بالسيف.
2 ـ ديوان مهيار ج 2 ص 182.


(235)
لم يـزل يخـدع البصـيرة حتى لا عدمت الأعلام كم نولتني لم تنغص وعدا بمطل ، ولم يو فلليلي الطويل شكري ، ودين الـ لمن الظعن غاصبتنا جمالا ؟! كاتـفات بيضاء دل عليها جمـح الشوق بالخليع فأهلا كنـت منه أيام مرتع لذا حيث ضلعي مع الشباب وسمعي يا نديمي كنـتما فافترقنا لي في الشيب صارف ومن الحز معـشر الرشد والهدى حكم الب ودعاة الله استجابـت رجال حملوها يوم ( السقيفة ) أوزا ثم جاءوا من بعدها يستقيلو يا لها سوءة إذا أحمد قا ربـع همي عليهم طلل با يا لقوم إذ يقـتلون عليا ويسـرون بغضه وهو لا تق وتحـال الأخبار والله يدري ولسبطـين تابعيه فمسمو درسوا قبره ليخفى عن الزوّ وشهيد بالطف أبكى السماوا سـرنا ما يقول وهو محال من منيع صعب عليه النوال جـب لـه منـة علي الوصال ـعشق أن تكره الليالي الطوال 5 حـبذا ما مشت به الاجمال ! أنها الشـمس أنها لا تنال بحـليم لـه السلو عقال تي خصيب وماء عيشي زلال غرض لا تصيبه العذال 10 فاسلواني ، لكل شـئ زوال ن على آل أحمد إشغال غي عليهم سفاهة والضلال لهم ثم بـدلوا فاستحالوا را تخف الجبال وهي ثقال 15 ن وهيهات عـثرة لا تـقال م غدا بينهم فـقال وقالوا ! ق وتبلى الهموم والأطلال وهـو للمحـل (1) فيهم قتال بل إلا بحـبه الأعمال 20 كيف كانت يوم ( الغدير ) الحال (2) م عليه ثـرى البقيع يهال ار هيهات ! كيف يخفى الهلال ؟! ت وكادت لـه تزول الجبال

1 ـ المحل : الجدب.
2 ـ كذا في ديوانه المخطوط وفي المطبوع : تحال.


(236)
25 يا غليلي لـه وقد حرم الماء قطعت وصلة النبي بأن تقطع لم تنج الكـهـول سـن ولا لهـف نفسي يا آل طه عليكم وقليل لكم ضـلوعي تهتـز 30 كان هذا كذا وودي لكم حسب وطروسي سود فكيف بي الآن حبكم كان فك أسري من الشرك كم تـزملـت بالمذلة حتى بركات لكم محت من فؤادي 35 ولقد كنـت عالما أن إقبا عليه وهـو الشراب الحـلال من آل بيته الأوصال الشـبان زهد ولا نجا الأطـفال لهفـة كـسبها جوى وخبال مـع الوجد أو دموعي تذال وما لي في الدين بعد اتصال ومنـكم بياضها والصقال وفي منـكبي له أغلال قمـت في ثوب عـزكم أختال ما أمل الضـلال عم وخـال لي بمدحي عليكم إقـبال
    وله من قصيدة يرثي بها أهل البيت عليهم السلام وهي 63 بيتا توجد في ديوانه ج 4 ص 198 مطلعها :
لو كنت دانيت المودة قاصيا رد الحبائب يوم بن فؤاديا
    إلى أن قال :
وبحي آل محمد إطراؤه هذا لهم والقوم لا قومي هم إلا المحبة فالكريم بطبعـه يا طالبيـين اشتفى من دائه المجد 5 بالضاربين قبابهم عرض الفلا شرعوا المحجة للرشاد وأرخصوا وأما وسيدهم علي قولة لقد ابتنى شرفا لهم لو رامه مدحا وميتهم رضاه مراثيا جنسا وعقر ديارهم لا داريا يجد الكرام الأبعدين أدانيا الذي عدم الدواء الشافيا عقل الركائب ذاهبا أو جائيا ما كان من ثمن البصائر غالبا تشجي العدو وتبهج المتواليا زحل بباع كان عنه عاليا


(237)
وأفادهم رق الأنام بوقفة ما استـدرك الانكار منهم ساخط أضحوا أصادقه فلما سادهم فارحم عدوك ما أفادك ظاهرا وهب ( الغدير ) أبـوا عليه قوله بدرا واحدا أختـها من بعدها والصخرة الصماء أخفى تحتها وتدبروا خبر اليهود بخيبر هل كان ذاك الحصن يرهب هادما ؟! وتفكروا في أمر عمرو (2) أولا أسدان كانا من فرائس سيفه ورجال ضبة عاقدي حجزاتهم ضغموا (5) بناب واحد ولطالما ولخطب صفين أجل وعندك الخبر في الروع بات بها عليهم واليا إلا وكان بها هنالك راضيا 10 حسدوا فأمسوا نادمين أعاديا نصحا وعالج فيك خلا خافيا بغيا فـقل : عدوا سواه مساعيا وحنين وقارا بهن فصاليا (1) ماءا وغير يديه لم يك ساقيا 5 وارضـوا بمرحب وهو خصم قاضيا أو كان ذاك الباب يفرق داحيا؟! وتفـكروا في أمر عمرو (3) ثانيا ولقلما هابا سواه مدانيا يوم البصيرة من معين (4) تفانيا20 ازدردوا أراقم قبلها وأفاعيا اليقين إذا سألت معاويا
( ما يتبع الشعر )
    قال الأستاذ أحمد نسيم المصري في شرح قوله :
وهب الغدير أبوا عليه قبوله نهيا فقل : عدوا سواه مساعيا
    النهي : الغدير أو شبهه. وللإمام علي وقعة تسمى بوقعة ( غدير خم ) و
كذا في ديوانه المخطوط وفي المطبوع منه : نهيا.
1 ـ وقارا : شادا بلجام الدابة لتسكن. يشير إلى أن أمير المؤمنين كان آخذا بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله خوفا من إجفالها.
2 ـ يعني عمرو بن ود الذي قتله أمير المؤمنين يوم الخندق.
3 ـ يعني عمرو بن العاص المترجم في كتابنا ج 2 ص 120 ـ 176.
4 ـ معين اسم مدينة باليمن أو هو حصن بها.
5 ـ ضغم الشيء : عضه بملاء فمه. يقال : ضغمه ضغمة الأسد.


(238)
الشاعر يشير إليها. قال الأميني : ليت الأستاذ بعد شرحه [ النهي ] وجعله بدلا عن [ البغي ] الموجود في مخطوط ديوانه يعرب عن معناه الحالي أو المفعولي ، ويعرف أن مثله لا يصلح من مثل مهيار المتضلع الفحل ، وكأنه يرى رأي شاكلته إبراهيم ملحم أسود في قوله : يوم الغدير واقعة حرب معروفة (1) فليته دلنا على تلك الوقعة المسماة بوقعة ( الغدير ) وذكر شطرا من تاريخها ، يريدون أن يبدلوا كلام الله ، و ارتابت قلوبهم في ريبهم يترددون.

( الشاعر )
    أبو الحسن (2) مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي نزيل درب رياح بالكرخ هو أرفع راية للأدب العربي منشورة بين المشرق والمغرب ، وأنفس كنز من كنوز الفضيلة ، وفي الرعيل الأول من ناشري لغة الضاد ، وموطدي أسسها ، ورافعي علاليها ، ويده الواجبة على اللغة الكريمة ومن يمت بها وينتمي إليها لا تزال مذكورة مشكورة يشكرها الشعر والأدب ، تشكرها الفضيلة والحسب ، تشكرها العروبة والعرب ، و أكبر برهنة على هذه كلها ديوانه الضخم الفخم في أجزائه الأربعة الطافح بأفانين الشعر وفنونه وضروب التصوير وأنواعه ، فهو يكاد في قريضه يلمسك حقيقة راهنة مما ينضده ، ويذر المعنى المنظوم كأنه تجاه حاستك الباصرة ، ولا يأتي إلا بكل اسلوب رصين ، أو رأي صحيف ، أو وصف بديع ، أو قصد مبتكر ، فكان مقدما على أهل عصره مع كثرة فحولة الأدب فيه ، وكان يحضر جامع المنصور في أيام الجمعات ويقرأ على الناس ديوان شعره (3) ولم أر الباخرزي قد بالغ في الثناء عليه بقوله في ( دمية القصر ) ص 76 : هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر ، وكاتب تحت كل كلمة من كلماته كاعب ، وما في قصائده بيت يتحكم عليه بلو وليت ، وهي مصبوبة في قوالب القلوب ، وبمثلها يعتذر الدهر المذنب عن الذنوب.
    أما شعره في المذهب فبرهنة وحجاج فلا تجد فيه إلا حجة دامغة ، أو ثناء
1 ـ قد أسلفنا الكلام فيه في الجزء الثاني ص 331.
2 ـ وفي بعض المصادر القديمة : أبو الحسين.
3 ـ تاريخ الخطيب البغدادي 13 ص 276.


(239)
صادقا ، أو تظلما مفجعا ، ولعل هذه هي التي حدت أصحاب الإحن إلى إخفاء فضله الظاهر والتنويه بحياته الثمينة كما يحق له ، فبخست حقه المعاجم ، فلم تأت عند ذكره إلا بطفائف هي دون بعض ما يجب له ، غير أن حقيقة فضله أبرزت نفسها ، ونشرت ذكره مع مهب الصبا ، فأين ما حللت لا تجد للمهيار إلا ذكرا وشكرا وتعظيما و تبجيلا ، وعلى ضوء أدبه وكماله يسير السائرون.
    ولعمر الحق إن من المعاجز أن فارسيا في العنصر يحاول قرض الشعر العربي فيفوق أقرانه ولا يتأتى لهم قرانه ، ويقتدى به عند الورد والصدر ، ولا بدع أن يكون من تخرج على أئمة العربية من بيت النبوة وعاصرهم وآثر ولائهم واقتص أثرهم كالعلمين الشريفين : المرتضى والرضي وشيخهما شيخ الأمة جمعاء [ المفيد ] و نظرائهم أن يكون هكذا ، إلا تاهت الظنون ، وأكدت المخائل في الحط من كرامة الرجل بتقصير ترجمته ، أو التقصير في الابانة عنه ، أو التحامل عليه بمخرقة ، و الوقيعة فيه برميه بما يدنس ذيل أمانته كما فعل ابن الجوزي في ( المنتظم ) فجدع أرنبته باختلاق قضية مكذوبة عليه ، ورماه بالغلو ، وحاشاه عن كل ذلك ، إن يقولون إلا كذبا.
    فهذا مهيار بأدبه الباذخ ، وفضله الشامخ ، وعرفه الفائح ، ونوره الواضح ، و مذهبه العلوي ، وقريضه الخسرواني ، قد طبق العالم ثناء وإطراء ومكرمة وجلالة ، وما يضره أمسه إن كان مجوسيا فارسيا فيه ، وها هو في يومه مسلم في دينه ، علوي في مذهبه ، عربي في أدبه ، وها هو يحدث شعره عن ملكاته الفاضلة ، ويتضمن ديوانه آثار نفسياته الكريمة ، وخلد له ذكرى مع الأبد ، فهل أبقى [ أبو الحسن مهيار ] ذروة من الشرف لم يتسنمها ؟! أو صهوة من النبوغ لم يمتطها ؟! ولو كان يؤاخذ بشيء من ماضيه لكان من الواجب مؤاخذة الصحابة الأولين كلهم على ماضيهم التعيس غير أن الاسلام يجب ما قبله ، فتراه يتبهج بسودد عائلته المالكة التي هي أشرف عائلات فارس ، ويفتخر بشرف إسلامه وحسن أدبه بقوله :
أعجبت بي بين نادي قومها سرها ما علمت من خلقي أم سعد فمضت تسأل بي فأرادت علمها ما حسبي


(240)
لا تخـالي نسبا يخفضني قومي استولوا على الدهر فتى عمموا بالشمس هاماتهم وأبي كسرى (1) على إيوانه سورة الملك القدامى وعلى قد قبسـت المجد من خير أب وضممت الفخر من أطرافه أنا من يرضيك عند النسب ومشـوا فوق الرؤوس الحقب وبنوا أبياتهم بالشـهب أين في الناس أب مثل أبي ؟! شـرف الاسلام لي والأدب وقبـست الدين من خير نبي سودد الفرس ودين العرب
    أسلم المترجم على يد سيدنا الشريف الرضي سنة 394 (2) وتخرج عليه في الأدب والشعر وتوفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادى الثانية سنة 428 ، ولم أقف على خلاف في تارخ وفاته في الكتب المعاجم التي توجد فيها ترجمته منها : تاريخ بغداد 13 ص 276 ، المنتظم ج 8 ص 94 ، تاريخ ابن خلكان 2 ص 277 ، مرآة اليافعي 3 ص 47 ، دمية القصر ص 76 ، تاريخ ابن كثير 12 ص 41 ، كامل ابن الأثير 9 ص 159 ، تاريخ أبي الفدا 2 ص 168 ، أمل الآمل لشيخنا الحر ، روض المناظر لابن شحنة ، أعلام الزركلي 3 ص 1079 ، شذرات الذهب 3 ص 247 ، تاريخ آداب اللغة 2 ص 259 ، نسمة السحر فيمن تشيع وشعر ، دائرة المعارف لفريد وجدي 9 ص 484 ، سفينة البحار 2 ص 563 مجلة المرشد 2 ص 85.
    ومن نماذج شعر مهيار في المذهب قوله يمدح أهل البيت عليهم السلام :
بكـى النار سترا على الموقد أحـب وصان فورى هوى بعيد الإصاخـة عن عاذل حمول على القلب وهو الضعيف 5 وقور وما الخرق من حازم وغار يغالط في المنـجد أضـل وخـاف فلم ينشد ؟! غـني التـفرد عن مسعد صبور على الماء وهو الصدي متـى ما يرح شيبه يغـتدي

1 ـ ولد في أيام ملكه نبي العظمة صلى الله عليه وآله ويعزى إليه ( ع ) : ولدت في زمن الملك العادل.
2 ـ كامل ابن الأثير 9 ص 170 ، المنتظم لابن الجوزي 8 ص 94.
كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: فهرس