كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: 301 ـ 310
(301)
عيش تحسر (1) ظـله عنا فما ولقد سقاني الدهر ماء حياته لهفي لأحرار منيت ببعدهم قد زالت البركات عني كلها ركن العلا والمجد والكرم الذي أي فوات فارقت طلعته المنيرة مكرها أضحي وأمسـي صاعدا زفراتي أبقى لنا شيئا سوى الحسرات والآن يسقيني دم الحيات كانوا على غير الزمان ثقاتي بـزيال سيدنا أبي البركات قد فات في الـحـلـبات فبقيت كالمحـصور في الظلمات لفـراقـه متحدرا عبراتي
    وله قوله في المديح :
جبينك الشمس في الأضواء والقمر وظلك الحـرم المحفوظ ساكنه وسيبك الرزق مضمون لكل فم أنت الهمام بل البدر التمام بل السيف وأنـت غيث الأنام المستغاث به يمينك البحر في الأرواء والمطر وبابك الركن للقـصاد والحجر وسيفك الأجل الجاري به القدر الحسام بـل الصارم الذكر إذا أغارت على أبنائها الغير
    وله في الغزل :
أريّا شمال ؟! أم نسيم من الصبا أم الطالع المسعود الطالع أرضنا أتانا طروقا ؟! أم خيال لزينبا ؟! فاطلع فيها للسعادة كوكبا ؟!
    قال أبو علي [ المترجم ] : رأيت ابن هودار في المنام بعد موته فقلت له :
لقد تحـولت من دار إلى دار فهل رأيت قرارا يا بن هودار ؟!
    قال : فأجابني :
لا بل وجدت عذابا لا انقطاع له ومنزلا مظلما في قعر هاوية فـقل لأهلي : موتوا مسلمين فما مدى الليالي وربا غير غفار قرنت فيها بكفار وفجار للكافرين لدى الباري سوى النار
    وولده أبو حفص عمر كان فقيها فاضلا أديبا توفي في شعبان سنة اثنتين و ثلاثين وخمسمائة (2)
1 ـ الحسر : الكشف : تحسر : تكشف.
2 ـ معجم الأدباء ج 9 ص 191 ـ 198 من الطبعة الأخيرة.


(302)
القرن الخامس
41
أبو العلا المعري
المولود 363 ، المتوفى 449
أدنياي اذهبي وسواي أمي وكان الدهر ظـرفا لا لحمد وأحسب سانـح الأزميم نادى إذا بكر جنـى فتـوق عمرا وخف حيوان هذي الأرض واحذر وفي كل الطـباع طباع نكز وما ذنب الضراغم حين صيغت فقد جبـلت على فرس وضرس ضياء لم يبن لعيون كمه لعمرك ما أسـر بيوم فـطر وكم أبـدى تشيعـه غـوي فـقد ألممت ليتك لم تلمّي تؤهله العقول ولا لذم ببين الحي في صحـراء ذم (1) فـإن كليهما لأب وأم مجيء النطح من روق وجم (2) وليـس جميعـهن ذوات سمّ وصير قوتها مما تـدمي كما جـبل الوفود على التنمي وقول ضـاع في آذان صـمّ ولا أضحى ولا بغدير خم لأجل تنسـب بـبلاد قمّ
    ما يتبع الشعر والشاعر :
    هذه الأبيات من قصيدة لأبي العلاء توجد في لزوم ما لا يلزم ج 2 ص 318 قال شارحه المصري : ( غدير خم ) بين المدينة ومكة على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق ويشير أبو العلاء بقوله : ولا أضحى.
    إلى التشيع لعلي ففيه قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه منصرفه من حجة الوداع : من كنت مولاه فعلي مولاه : أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، والشيعة يقصدون هذا المكان ولذلك قال شاعرهم :
1 ـ أزميم : ليلة من ليالى المحاق. والهلال إذا دق في آخر الشهر واستقوس. دم : الهلاك.
2 ـ الروق. القرن من كل ذي قرن. جم جمع الأجم : الكبش لا قرن له.


(303)
ويوما بالغدير غدير خم (1) أبان له الولاية لو أطيعا
    كان حقا علينا أن ننوه بذكر هذه الأبيات في الجزء الأول عند ذكر عيد الغدير كما كان لنا أن نذكر كلام من علق عليها في طبقات رواة حديث الغدير فإذ فاتنا العثور عليها هنالك استدركناه هيهنا.
    وقد كثر المترجمون لأبي العلاء المعري حتى عاد أمره ورفعة مقامه في الأدب من أجلى الواضحات ، وإن ديوانه بمفرده أجل شاهد على نبوغه ، وأوسع تراجمه وأحسنها ما ألفه الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم الحلي المتوفى 660 و سماه [ كتاب الانصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري ] وقد طبع ملخصه في الجزء الرابع من تاريخ حلب ج 4 ص 77 ـ 180.
    وإليك فهرسته.
    ذكر نسبه وترجمة رجال أسرته ص 80 ـ 101
    مولده ومنشأه وعماه = 101 ـ 104
    اشتغاله بالعلم ومشايخه = 104 ـ 106
    الرواة عنه والقراء عليه وكتابه = 106 ـ 113
    تآليفه ورسائله وهي تربو على 65 رسالة = 113 ـ 125
    رحلته إلى بغداد وعوده إلى معرة = 125 ـ 132
    ذكاءه وفطنته = 132 ـ 144
    حرمته عند الملوك والخلفاء والأمراء = 144 ـ 151
    كرمه وجوده على قلة ماله = 151 ـ 153
    إباء نفسه وعفتها = 153 ـ 154
    فصل من كتابه [ الفصول والغايات ] = 154 ـ 158
    أبو العلاء عند الملوك = 158 ـ 163
    ذكر من قال بفساد عقيدته ودلائله عليه = 163 ـ 166
    ذكر من قال بصحة عقيدته ص 166
    ذكر وفاته ومراثيه = 166 ـ 169
    القول الفصل في حسن اعتقاده والشواهد عليه = 169 ـ 180
1 ـ هذا البيت من هاشميات الكميت وفيه تصحيف والصحيح كما مر في الجزء الثاني ص 180 :
ويوم الدوح دوح غدير خم أبان له الولاية لو أطيعا

(304)
القرن الخامس
42
المؤيد في الدين
المتوفى 470
قال والرحل للسرى محمول : وعدا الهزل في القطيعة جدا قلت والقلب حسرة يتقلى : بأبي أنت ما اقتضى البين إلا 5 كم وكم قلت : خلني يا خليلي إنما أمره لديك خفيف إنك السالم الصحيـح وإني قال : قد مر ذا فهل من مقام قال : إني لدى مرادك باق 10 قال : أضرمت في الحشى نار شوق قلت : حسبي الذي لقيت هوانا فقبيح بي التصابي وهذا أن أمر المعاد أكبر همي كثـر الخـائضون بـحـر ظـلام 15 قال قوم : قصرى الجميع التلاشي وادعـى الآخرون نسخـا وفسخـا وأبـوا بعد هذه الدار دارا حق منك النوى وجد الرحيل ما كذا كان منك لي المأمول وعلى الخد دمع عيني يسيل قدر ثم عـهدك المستحيل من جفاء منه الجبال تزول ؟! وهو ثقل على فؤادي ثقيل من غرام بك الوقيذ (1) العليل عندنا ؟ قلت : ما إليه سبيل قلت : ما إن تفي بما قد تقول حر أنفاسها عليها دليل فلقاء الهوان عندي يهول عسكر الشيب فوق رأسي نزول فاهتمامي بما عداه فضـول فيه والمـؤنسو الضـياء قليل فئـة منـتهاهم التعـطـيل ولهم غير ذاك حشـو طـويل نحـوها كل من يـؤول يؤول

1 ـ الوقيذ : الشديد المرض ، المشرف على الموت.

(305)
لم يروا بعدها مقام ثواب فالمثـابون عندهم مترفوهم قال قوم وهم ذوو العدد الجـ‍ ولنا بعد هذه الدار دار ولكل من المقالات سوق ما لهم في قبيل عقل كلام أمة ضيع الأمانة فيها بئس ذاك الانسان في زمر الأنس فهم التائهون في الأرض هلكا نكسوا ويلهم ببابل جهرا منعوا صفو شربة من زلال ملكوا الدين كل أنثى وخنثى وعقاب لهم إليه وصـول ولذي الفاقة العذاب الوبيل م : لنا الزنجبيل والسلسبيل 20 طاب فيها المـشروب والمأكول وإمام وراية ورعيل لا ولا في حمي الرشاد قبول شيخها الخامل الظلوم الجهول وشيطانه الخـدوع الخذول 25 عقد دين الهدى بهم محلول جمل ذا وراءها تفصيل ليس إلا بذاك يشفى الغليل وضعيف بغير بأس يصول
    إلى أن قال :
لو أرادوا حقيقة الدين كانوا وأتت فيه آية النص بلـغ ذا كم المرتضى علي بحـق ذاك برهان ربه في البرايا فأطيعوا جحدا أولي الأمر منهم أهل بيت عليهم نزل الذك هم أمان من العمى وصـراط تبعا للذي أقام الرسول 30 يوم ( خم ) لما أتى جبريل فبعلياه ينطق التنزيل ذاك في الأرض سيفه المسلول فلهم في الخلائق التفضيل ر وفيه التحريم والتحليل 35 مستقيم لنا وظل ظليل
القصيدة 67 بيتا (1)
2
    وله من قصيدة ذات 51 بيتا توجد في ديوانه ص 245 ، أولها :
نسيم الصبا ألمم بفارس غاديا وأبلغ سلامي أهل ودي الأزاكيا
    يقول فيها :
1 ـ ديوان المؤيد ص 215 ـ 218.

(306)
فلهفي على أهلي الضعاف فقد غدوا فيا ليت شعري من يغيث صريخهم ويا ليت شعري كيف قد أدرك العدى 5 أإخـواننا صبرا جـميلا فـإنني وفي آل طـه إن نفيت فـإنـني فما كنت بدعا في الأولى فيهم نفوا لئـن مسـني بالنفي قرح فإنني فقد زرت في ( كـوفان ) للمجد قبة 10 هي القبة البيضاء قبة ( حيدر ) وصي النبي المصطفى وابن عمه ومن قال قوم فيه قولا مناسبا فيا حبـذا التطواف حول ضريحه وواحبـذا تعـفير خـدي فوقه 15 أناجي وأشكـو ظالمي بتحرق وقد زرت مثوى الطهر في أرض كربلا لحد شفار النائباك أضاحيا إذا ما شكـوا للحادثات العواديا ؟! بتفـريق ذات البين فينا المباغيا ؟! غدوت بهـذا في رضى الله راضيا لأعدائهم ما زلـت والله نافيا ألا فخر أن أغدو ( لجندب ) ثانيا ؟! بلغـت به في بعض همي الأمانيا هي الدين والدنيا بحق كما هيا وصـي الذي قد أرسل الله هاديا ومن قام مولى في ( الغدير ) وواليا لقول النصارى في المسيح مضاهيا أصلي عليه في خشوع تواليا ويا طيب إكبابي عليه مناجيا يثير دموعا فوق خدي جواريا فـدت نفسي المقتول عطشان صاديا
( القصيدة )
3
    وله من قصيدة ذات 60 بيتا توجد في ديوانه ص 256 مستهلها :
ألا ما لهـذي السما لا تمور وللشمـس ما كورت والنجوم وللأرض ليست بها رجفة وما للدما لا تحاكي الدموع 5 أتبقى القلوب لنا لا تشق ليوم ببغداد ما مثلـه وقد قام دجالها أعور فلا حدب منه لا ينسلون وما للجبال ترى لا تسير ؟! تضيئ وتحت الثرى لا تغور ؟! وما بالها لا تفور البحور ؟! فتجري لتبتل منها النحور ؟! جوى ولو أن القلوب الصخور ؟ عبوس يراه امرؤ قمطرير يحف به من بني الزورعور ولا بقعة ليس فيها نفير


(307)
يرومون آل نبي الهـدى لتنهب أنفس أحيائهم ومن نجل ( صادق آل العبا ) ( فموسى ) يشـق لـه قبره ويسعر بالنار منه حريـم وتقتل شيعـة آل الرسول فواحسرتا لنفوس تسـيل وما نقـموا منهم غير أن كما العذر في غدرهم بغضهم فيا أمـة عاث فيها الشقاء وشافعـها خصـمها في المعاد قتلـتم حسـينا لملك العراق فما ذنب موسى الذي قد محت وما وجه فعلكم ذابه ؟! أيا شيعة الحق! طاب الممات فإما حياة لنا في القصاص أ آل المسيب ما زلتـم ويا آل عوف غيوث المحول أآل النهى والندى والطعان أصبرا على الخسف ؟ لا همكم أتهتـك حـرمة آل النبي وقبر ابن صادق آل الرسول ولما تخـوضوا بحـار الردى لقد كان يوم الحسين المنى فهـذا لكم عاد يوم الحسين ليردى الصغير ويفنى الكبير وتنبـش للميتين القبور 10 ينال الذي لم ينله الكفور ولما أتـى حشره والنشور حـرام على زائريه السعير عتوا وتهـتك منهم ستور ويا غـمتا لرؤوس تطير 15 وصـي النبي عليهم أمير لمن فرض الحب فيه ( الغدير ) فوجه نهار هـداها قتير لها الويل من ربها والثبور وقلتـم أتاكم له يستثير 20 معالمه في ثراه الدهور ؟! لقد غركم بالإلـه الغرور فيا قوم ! قوموا سراعا نثور وإما إلى حيث صاروا نصير عشير الولاء فنعم العشير 25 ليوثا إذا كاع ليث هصور وحـزب الطلى حين حر الهجير دني ولا الباع منكم قصير وفي الأرض منكم صبي صغير؟ يمس بسوء وأنتم حضور؟! 30 وفي شعبه تنجدوا أو تغوروا فتـفـدى نفوس وتشفى صدور فماذا القصور؟! وماذا الفتور؟!


(308)
فمدوا الذراع وحدوا القراع 35 وولوا ( ابن دمنة ) أعماله فقـتلا بقـتل وثـكلا بثـكل فيوم النـواصب منكم عسير تبـور كما المـكر منه يبور ذروه تجـز عليه الشـعور
القصيدة
( ما يتبع الشعر )
    هذه القصيدة نظمها شاعرنا المؤيد في فتنة بغداد الهائلة الواقعة سنة 443 يلفظ نفثات لوعته من تلكم الفظايع التي أحدثتها يد العداء المحتدم على أهل بيت الوحي وشيعتهم يوم شنت الغارة على مشهد الإمام الطاهر موسى بن جعفر ومشاهد أوليائه المدفونين في جوار أمنه وحرم قدسه.
    قال ابن الأثير في الكامل 9 : 215 : وكان سبب هذه الفتنة أن أهل الكرخ شرعوا في عمل باب المساكين وأهل القلائين في عمل ما بقي من باب مسعود ففزع أهل الكرخ وعملوا أبراجا كتبوا عليها بالذهب : محمد وعلي خير البشر. وأنكر السنة ذلك وادعوا : إن المكتوب محمد وعلي خير البشر ، فمن رضي فقد شكر ، ومن أبى فقد كفر. وأنكر أهل الكرخ الزيادة وقالوا : ما تجاوزنا ما جرت به عادتنا فيما نكتبه على مساجدنا ، فأرسل الخليفة القائم بأمر الله أبا تمام نقيب العباسيين ، ونقيب العلويين وهو عدنان (1) ابن الرضي لكشف الحال وإنهائه فكتبا بتصديق قول الكرخيين فأمر حينئذ الخليفة ونواب الرحيم بكف القتال فلم يقلبوا ، وانتدب ابن المذهب القاضي والزهيري وغيرهما من الحنابلة أصحاب عبد الصمد بحمل العامة على الاغراق في الفتنة ، فأمسك نواب الملك الرحيم عن كفهم غيظا من رئيس الرؤساء (2) لميله إلى الحنابلة ، و
1 ـ الشريف عدنان هو ابن الشريف الرضي المترجم في هذا الجزء صفحة 181 ولي النقابة بعد وفاة عمه الشريف المرتضى المترجم في هذا الجزء 264. واستمر إلى أن توفي ببغداد سنة 449.
2 ـ أبو القاسم ابن المسلمة علي بن الحسن بن أحمد وزير القائم بأمر الله مكث في الوزارة اثنتي عشرة سنة وشهرا ، قتله البساسيري سنة 450. قال ابن كثير في تاريخه 12 : 68 : كان كثير الأذية للرافضة ، ألزم الروافض بترك الأذان بحي على خير العمل ، وأمروا أن ينادي مؤذنهم في أذان الصبح بعد حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم. مرتين. وأزيل ما كان على أبواب المساجد ومساجدهم من كتابة : محمد وعلي خير البشر. وأمر رئيس الرؤساء بقتل أبي عبد الله بن الجلاب شيخ الروافض لما كان تظاهر به من الرفض والغلو فيه فقتل على باب دكانه ، وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره.


(309)
منع هذه السنة من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ، وكان نهر عيسى قد انفتح بثقه (1) فعظم الأمر عليهم ، وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة وحملوا الماء وجعلوه في الظروف وصبوا عليه ماء الورد ونادوا : الماء للسبيل. فأغروا بهم السنة وتشدد رئيس الرؤساء على الشيعة فمحوا : خير البشر. وكتبوا : عليهما السلام.
    فقالت السنة : لا نرضى إلا أن يقلع الآجر الذي عليه محمد وعلي ، وأن لا يؤذن حي على خير العمل. وامتنع الشيعة من ذلك ودام القتال إلى ثالث ربيع الأول وقتل فيه رجل هاشمي من السنة فحمله أهله على نعش وطافوا به في الحربية وباب البصرة وسائر محال السنة واستنفروا الناس للأخذ بثاره ثم دفنوه عند أحمد بن حنبل ، وقد اجتمع معهم خلق كثير أضعاف ما تقدم ، فلما رجعوا من دفنه قصدوا باب مشهد التبن (2) فأغلق بابه فنقبوا في سورها وتهددوا البواب فخافهم وفتح الباب فدخلوا ونهبوا ما في المشهد من قناديل ومحاريب ذهب وفضة وستور وغير ذلك ، ونهبوا ما في الترب والدور ، و أدركهم الليل فعادوا ، فلما كان الغد كثر الجمع فقصدوا المشهد وأحرقوا جميع الترب والآزاج واحترق ضريح موسى (3) وضريح ابن ابنه محمد بن علي والجوار والقبتان الساج اللتان عليهما ، واحترق ما يقابلهما ويجاورهما من قبور ملوك بني بويه معز الدولة وجلال الدولة ومن قبور الوزراء والرؤساء وقبر جعفر بن أبي جعفر المنصور ، وقبر الأمين محمد بن الرشيد ، وقبر أمه زبيدة ، وجرى من الأمر الفظيع ما لم يجر في الدنيا مثله ، فلما كان الغد خامس الشهر عادوا وحفروا قبر موسى بن جعفر ومحمد بن علي لينقلوهما إلى مقبرة أحمد بن حنبل ، فحال الهدم بينهم وبين معرفة القبر ، فجاء الحفر إلى جانبه ، وسمع أبو تمام نقيب العباسيين وغيره من الهاشميين والسنة الخبر فجاؤا ومنعوا عن ذلك ، وقصد أهل الكرخ إلى خان الفقهاء الحنفيين فنهبوه وقتلوا
1 ـ انفتح بثقه : أي كسر سده. بثق السيل : أي خرق وشق.
2 ـ باب التبن : اسم محلة كبيرة ببغداد على الخندق وبها قبر عبد الله بن أحمد بن حنبل ويلصق هذا الموضع في مقابر قريش التي فيها قبر موسى الكاظم ، ويعرف قبره بمشهد باب التبن. معجم.
3 ـ الإمام الطاهر موسى بن جعفر الكاظم ، وحفيده الإمام الجواد محمد بن علي بن موسى سلام الله عليهم.


(310)
مدرس الحنفية أبا سعد السرخسي ، وأحرقوا الخان ودور الفقهاء ، وتعدت الفتنة إلى الجانب الشرقي فاقتتل أهل باب الطاق وسوق بج والأساكفة وغيرهم ، ولما انتهى خبر إحراق المشهد إلى نور الدولة دبيس بن مزيد عظم عليه واشتد وبلغ منه كل مبلغ لأنه وأهل بيته وسائر أعماله من النيل وتلك الولاية كلهم شيعة فقطعت في أعماله خطبة الإمام القائم بأمر الله فروسل في ذلك وعوتب فاعتذر بأن أهل ولايته شيعة واتفقوا على ذلك فلم يمكنه أن يشق عليهم كما أن الخليفة لم يمكنه كف السفهاء الذين فعلوا بالمشهد ما فعلوا وأعاد الخطبة إلى حالها.
    وزاد ابن الجوزي في المنتظم 8 : 150 : ظهر عيار الطقطقي من أهل درزيجان وحضر الديوان واستتيب وجرى منه في معاملة أهل الكرخ وتتبعهم في المحال و قتلهم على الاتصال ما عظمت فيه البلوى ، وأجتمع أهل الكرخ وقت الظهيرة فهدمت حائط باب القلائين ورموا العذرة على حائطه وقطع الطقطقي رجلين وصلبهما على هذا الباب بعد أن قتل ثلاثة من قبل وقطع رؤسهم ورمى بها إلى أهل الكرخ وقال : تغدوا برؤس.
    ومضى إلى درب الزعفراني فطالب أهل بمائة ألف دينار وتوعدهم إن لم يفعلوا بالإحراق فلاطفوه فانصرف ، ووافاهم من الغد فقاتلوه فقتل منهم رجل هاشمي فحمل إلى مقابر قريش.
    واستنفر البلد ونقب مشهد باب التين ونهب ما فيه وأخرج جماعة من القبور فأحرقوا مثل العوني (1) والناشي (2) والجذوعي ، ونقل من المكان جماعة موتى فدفنوا في مقابر شتى وطرح النار في الترب القديمة والحديثة ، واحترق الضريحان والقبتان الساج ، وحفروا أحد الضريحين ليخرجوا من فيه ويدفنونه بقبر أحمد ، فبادر النقيب والناس فمنعوهم. إلخ.
    وذكر القصة على الاختصار ابن العماد في شذرات الذهب 3 : 270 ، وابن كثير في تاريخه 12 : 62.
1 ـ في المنتظم : العوفي : والصحيح : العوني كما في الشذرات. وقد مرت ترجمة العوني في هذا الجزء ص 124 ـ 141.
2 ـ هو علي بن الوصيف أحد شعراء الغدير مر ذكره في هذا الجزء ص 24 ـ 33.
كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: فهرس