كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: 371 ـ 380
(371)
سألتـه في قبلة راضتـه لي مشمولة حتى أتاني صاغرا أمسـى بغير شكره وبات بين عقده وكـدت أمحـو لعسا فديتـه من مبسم كأنه أنامل معروفهـن أبـدا من ثغره فما فعل ترمي النشاط بالكسل يحدوه سكر وثمل ذاك المصـون يبتذل وبين قرطيه جدل 15 في شفتيه بالقـبل ألثمه فـلا أمل لمجد الاسلام الأجل يضحك في وجه الأمل
    وقال يمدحه من قصيدة أولها :
أيا أذن الأيام إن قلت فاسمعي وعي كل صوت تسمعين نداءه لنفـثة مصـدور وأنة موجع فلا خير في أذن ينادى فلا تعي
    ويقول فيها :
ملوك رعوا لي حرمة صار نبتها وردت بهم شمس العطايا لوفدهم هشيما رعته النائبات وما رعي كما قال قوم في علي وتوسع
    قال الأميني : كذا يوجد البيت الأخير في مختار ديوانه المطبوع في ألمانيا ص 288 وهو تصحيف غريب مع التشكيل لحروفه والصحيح :
كما قال قوم في علي ويوشع
    وهذا ينم عن ضئولة أمر المتطفلين على موائد العربية وذهولهم عن معنى البيت الذي لا يستقيم إلا على ما ذكرناه وقد أوعز الشاعر إلى حديث رد الشمس لمولانا علي أمير المؤمنين ويوشع عليهما السلام من قبله ، هذا أحسن الاحتمالين دعانا إليه حسن ظننا بالقوم وإن كان بعيدا جدا ، والأقرب ما لا يفوتك عرفانه ، والله أعلم.


(372)
القرن السادس
48
ابن العودي النيلي
المولود 478
المتوفى ح 558
متى يشتـفي من لاعج القلب مغرم إذا هم أن يسلو أبي عن سلوه ويثنيه عن سلوانه لفضيلة رمته بلحـظ لا يكاد سليـمه 5 إذا ما تلظـت في الحشا منه لوعة مقيم على أسر الهوى وفـؤاده يجـن الهـوى عن عاذليه تجلدا يعلل نفـسا بالأماني سقيـمة وقد غـفلت عنا الليالي وأصبحت 10 فكم من غصون قد ضممت ثديها أجيل ذراعي لاهيا فوق منكب وأمتاح راحـا من شنيب كأنه فلما علاني الشيب وابيض عارضي وأضحى مشيبي للعذار ملثما 15 وأمسيت من وصل الغواني ممنعا بكيت على ما فات مني ندامة وأصفيت مدحي للنبي وصنوه هم التين والزيتون آل محمد وقد لج في الهجران من ليس يرحم ؟! فـؤاد بنيران الأسـى يتـضـرم عهـود التـصابي والهـوى المتقدم من الخبل والوجد المبرح يسلم طفتها دموع من أماقيه تسجم تغـور به أيدي الهموم وقتهم فيبدي جواه ما يجـن ويكتم وحسبك من داء يصح ويسقـم عيون العدى عن وصلنا وهي نوم إلي وأفواه بها كنت ألثم وخـصرا غدا من ثقله يتظـلم من الدر والياقوت في السلك ينظم وبان الصبا واعوج مني المقوم به ولرأسي بالبياض يعمم كأني من شيبي لديهن مجرم كأني خنـس في البكا أو متمم وللنفـر البيض الذين هم هم هم شجر الطـوبى لمن يتفهم


(373)
هم جنـة المأوى هم الحوض في غد هم آل عمران هم الحج والنسا هم آل ياسين وطـاها وهل أتى هم الآية الكبرى هم الركن والصفا هم في غد سفن النجاة لمن وعى هم الجنب جـنب الله في البيت والورى هم الآل فينا والمعالي هم العلى هم الغاية القصوى هم منتهى العلى هم في غد للقادمين سقاتـهم فلولا هم لم يخلق الله خلقه باهلوا نجران من داخل العبا وأقـبل جـبريل يقول مفاخرا فمن مثـلهم في العالمين وقد غدا ومن ذا يساويهم بفضل ونعمة أبـوهم أمير المـؤمنين وجدهم هم شرعـوا الدين الحنيفي والتقى وخـالهم إبراهيـم والأم فاطـم إلى الله أبرا من رجال تتابعوا حموهم لذيـذ الماء والورد مفعم وعاثوا بـآل المصطـفى بعد موته وثـاروا عليه ثورة جاهلية وألقوهم في الغاضريات صرعا تحاماهم وحـش الفـلا وتنوشهم هم اللوح والسقـف الرفيع المعظم هم سبـأ والذاريات ومريم 20 هم النحـل والأنفال إن كنت تعلم هم الـحج والبيت العتيق المكرم هم العروة الوثـقى التي ليس تفصم هم العين عين الله في الناس تعلم ينمم في منهاجهم حيث يمموا 25 سل النـص في الـقرآن ينبئك عنهم إذا وردوا والحـوض بالماء مفعم ولا هبـطا للـنسل حـوا وآدم هم فعاد المناوي فيهم وهو مفحم لميكال : من مثلي وقد صرت منهم؟! 30 لهم سيد الأملاك جبريل يخدم ؟! من الناس والقرآن يؤخذ عنهم ؟! أبـو القاسم الهادي النبي المكرم وقاموا بحـكم الله من حيث يحكم وعمهم الطيار في الخلد ينعم 35 على قتلهم يا للورى كيف أقدموا ؟! وأسقوهم كأس الردى وهو علقم بما قتل الكرار بالأمـس منهم على أنه ما كان في القوم مسلم كأنهم قف على الأرض جثم (1) 40 بأرياشها طير الفلا وهي حوم (2)

1 ـ القف : ما يبس من أحرار البقول وذكورها. جثم جمع جاثم من جثم جثما : تليد بالأرض ، ولزم مكانه فلم يبرح.
2 ـ حوم جمع حائم من حام على الشيئ وحوله : دار به وحام الرجل : عطش.

(374)
بأسيافهم أردوهم ولدينهم وما قدمت يوم الطـفوف أمية وأنـى لهم أن يبرأوا من دمائهم 45 وقد علموا أن الولاء لحيدر تعدوا عليه واستبـدوا بظـلمه وقد زعموها فلتـة كان بدؤها وأفضوا إلى الشـورى بها بين ستة وما قـصدوا إلا ليقتل بينهم 50 وإلا فليـث لا يقاس بأضـبع فواعجبا من أين كانوا نظائرا ؟! ولكـن أمور قدرت لضـلالهم عصوا ربهم فيه ضلالا فأهلكوا فما عذرهم للمصطـفى في معادهم 55 وما عذرهم إن قال : ماذا صنعتم عهـدت إليكم بالقبـول لأمره نبـذتم كـتاب الله خلف ظهـوركم وخلفت فيكم عترتي لهـداكم قلبـتم لهم ظـهر المجن وجرتم 60 وما زلتم بالقـتل تطغـون فيهم كأنهم كانوا من الروم فالتقت ولكـن أخـذتم من بني بثأركم تراثي ابنـتي لا أبا لكم : نبي لا تراث لولده 65 فهـذا سليـمان لداود وارث فـإن كان منه للـنبوة وارثـا ؟! أريـق بأطراف القنا منهم الدم على السبـط إلا بالذين تقدموا وقد أسرجوها للخصام وألجموا ولكـنه ما زال يـؤذى ويظلم وأخر وهـو السيد المتـقدم وقال : اقتلوا من كان في ذاك يخصم وكان ابن عـوف منهم المتوسم علي وكان الله للطـهر يعصم وأين من الشمس المنيرة أنجم ؟! وهل غيره طب من الغي فيهم ؟! ولله صنـع في الإرادة محـكم كما هلكـت من قبل عاد وجرهم إذا قال : لم خنتم عليا وجرتم ؟! بصنوي من بعدي ؟! وماذا فعلتم ؟! فلم حـلتم عن عهده وغدرتم ؟! وخالفتـموه ؟ بئـس ما قد صنعتم فكم قمتـم في ظـلهم وقعدتم ؟! عليهم وإحساني إليكم كفرتم إلى أن بلغـتم فيهم ما أردتم سـراياكم صلبانهم وظـفـرتم فحسبكم خزيا على ما اجترأتم منعتم فلم أنـتم آباءكم قد ورثتم ؟! وقلتـم أللأجنبي الإرث فيـما زعمتم ؟! ويحيـي لزكريا فلم ذا منعتم ؟! كما قد حكمتم في الفتاوى وقلتم


(375)
فـقد ينبغي نسل النبيـين كلهم وقلـتم : حـرام متعة الحج والنسا زناتـكم تعـفون عنهم ومن أتى ألم يأت : ما استمتعتم من حليلة فهل نسخ القرآن ما كان قد أتى وكل نبي جاء قبـل وصيه ففعلكم في الدين أضحى منافيا وقلتم : مضـى عنا بغير وصية وقد قال : من لم يوص من قبل موته نصبـت لكم بعدي إماما يدلكم وقد قلـت في تقديمه وولائه : علي غدا مني محلا وقربة شقيتم به شقوى ثمود بصالح وملتـم إلى الدنيا فضلت عقولكم لحى الله قوما أجلبوا وتعاونوا زووا عن أمير النحل بالظلم حقه وقد نصها يوم ( الغدير ) محمد لقد جاءني في النص : بلغ رسالتي علي وصيـي فاتبعـوه فـإنه فـقالوا : رضيناه إماما وحاكما رأوا رشـدهم في ذلك اليوم وحده فلما توفي المصطفى قال بعضهم : ونازعـه فيها رجال ولم يكن وظـلوا عليها عاكفين كأنهم يقيم حدود الله في غير حقها ومن جاء منهم بالنبوة يوسم أعن ربكم ؟! أم عنكم ما شرعتم ؟! إليكم من المستمتعين قتلتم فآتوا لها من أجرها ما فرضتم ؟! 70 بتحليلـه ؟! أم أنتم قد نسختم ؟! مطـاع وأنـتم للوصي عصيتم لفعلي وأمري غير ما قد أمرتم ألم يوص لو طاوعتم وامتثلتم ؟! يمت جاهلا. بل أنتم قد جهلتم 75 على الله فاستكبرتم وظلمتم عليكم بما شاهـدتم وسمعتم كهارون من موسى فلم عنه حلتم ؟! وكل امرئ يبقى لـه ما يقدّم ألا كل مغرور بدنياه يندم 80 على ( حيدر ) فيـما أساؤا وأجرموا عنادا لـه والطـهر يغضي ويكظم وقال : ألا يا أيها الناس فاعلموا وها أنا في تبليغـها المتكلم إمامكم بعدي إذا غبت عنكم 85 علينا ومولى وهو فينا المحكم ولكـنهم عن رشدهم في غد عموا أيحـكم فينا ؟ لا ، وباللات نقـسم لهم قدم فيها ولا متـقدم على غرة كل لها يتوسم 90 ويفتي إذا استفتي بما ليس يعلم


(376)
يكـفر هذا رأي هـذا بقوله وقالوا : اختلاف الناس في الفقه رحمة أربان للانـسان ؟! أم كان دينهم 95 أم الله لا يرضى بشـرع نبيه أم المصطـفى قد كان في وحي ربه أم القوم كانوا أنبياءا صـوامتا أم الشـرع فيه كان زيغ عن الهدى أم الدين لم يكمل على عهد أحمد 100 أما قال : إني اليوم أكملت دينكم وقال : أطيعـوا الله ثم رسوله فلم حرموا ما كان حلا ؟! وحللوا ترى الله فيما قال قد زل ؟! أم هذا لقد أبدعـوا مما نـووا من خلافهم وإلا تركتم إن أبيتم رماحنا وما مات حتى أكمل الله دينه ولكـن حـقود أظهرت وضغائـن يقرب مفضول ويبعد فاضـل وما أخروا فيها عليا لموجـب 110 وكم شرعوا في نقض ما شاد أحمد وحـاشى لدين شيد الحـق ركنه فحسبهم في ظلم ( آل محمد ) فـإن غـصبوهم أمر دنيا دنية فهل عظمت في الدهر قط مصيبة 115 تـولى بإجماع على الناس أول وقال : أقيلوني فـلست بخيركم وينقـض هـذا ما لـه ذاك يبرم فلم يك من هـذا يحـل ويحرم على النقص من دون الكمال فتمموا؟! فعادوا وهم في ذاك بالشرع أقوم ؟! ينقص في تبـليغه ويجمجم ؟! فـلما مضى المبعوث عنهم تكلموا ؟! فسووه من بعد النبي وقوموا ؟! فعادوا عليه بالكمال وأحكموا ؟! وأتممت بالنعماء مني عليكم ؟! تفوزوا ولا تعصوا أولي الأمر منكم بفتـواهم ما جاز وهو محرم ؟! نبي الهدى ؟! أم كان جبريل يوهم ؟! وقال : اقبلوا مما يقول وسلموا 105 وأسيافنا فيكم تسـدى وتلحم ولم يبق أمر بعد ذلك مبهم وبغي وجور بين الظلم منهم ويسـكت منطيـق وينطق أبكم ولكـن تعد منهم وتظـلم ولكـن دين الله لا يتهدم بسيف علي يعتريه التهدم من الله في العقبى عقاب ومأثم فما لهم في الحشر أبقى وأدوم على الناس إلا وهي في الدين أعظم؟! ونـص على الثاني بها وهو مغرم فلم نصها لو صح ما كان يزعم؟!


(377)
وأثـبتها في جوره بعد موته ولو أدرك الثـاني لمولى حذيفة وقد نالها شورى من القوم ثالث أشورى ؟ وإجماع ؟ ونص ؟ خلافة وصاحبها المنـصوص عنها بمعزل ولو أنه كان المولى عليهم هـو العالم الحـبر الذي ليس مثله وما زال في بـدر وأحد وخيبر يكر ويعلوهم بقائـم سيفه وما دخلوا الاسلام دينا وإنـما وقالوا : علي كان في الحكم ظالما وقالوا : دماء المسلمين أراقها فقلت لهم : مهلا عدمتم صوابكم أراق دماء المسلمين ؟! فوالذي ولكنه للناكـثـين بعـهـده أما قال : أقـضاكم علي محمد فـإن جار ظلما في القضايا بزعمكم فيا ليتني قد كنت بالأمس حاضرا وأصمم وألقى إلهي دونهم بدمائهم فمن كعلي عنـد كل ملمة ومن ذا يساميه بعلم ولم يزل سلوني فـفي جـنبي علم ورثته سلوني عن طرق السموات إنني ولو كشف الله الغـطا لم أزد به وكأين لـه من آية وفضيلة صهاكية خـشناء للخصم تكلم لولاه دون الغير والأنف يرغم وجرد سيف للوصي ولهذم تعالوا على الاسلام نبكي ونلطم 120 يديم تلاوات الكتاب ويختـم إذن لهـداهم فهو بالأمر أعلم هو البطل القرم الهزبر الغشمشم يفـل جيوش المشركين ويحطم إلى أن أطاعوا مكرهين وأسلموا125 منافـقـة كي يرفع السيف عنهم ليكثـر بالدعوى عليه التظلم وقد كان في القتلى برئ ومجرم وصي النبي المصطفى كيف يظلم هدانا به ما كان في القوم مسلم 130 وممن تعدى منهم كان ينقم كـذا قد رواه الناقد المتقدم علي فمن زكاه لا شـك أظلم فأشركـه في قتلـهم فننظـر عند الله من يتندم 135 إذا ما التقى الجمعان والنقع مفعم ؟ يقول : سلوني ما يحل ويحرم؟! عن المصطفى ما فاه مني به الفم بها من سلوك الأرض والطرق أعلم يقينا على ما كنت أدري وأعلم 140 ومن مكرمات ما تعم وتـكتم


(378)
فمن ختمت أعماله عند موته فيا رب بالأشـباح ( آل محمد ) وبالقائم المهدي من ( آل أحمد ) 145 تفضل على ( العودي ) منك برحمة تجاوز بحسن العفو عن سيئاتـه ومن عليه من لدنك برأفة فـإن كان لي ذنب عظيم جنيته وإن كنت بالتشبيب في الشعر أبتدي بخير فأعمالي بحبيه تختم نجوم الهدى للناس والأفق مظلم وآبائه الهادين والحق معصم فأنت إذا استرحمت تعفو وترحم إذا ما تلظـت في المعاد جهنم فـإنك أنـت المنعم المتـكرم فعـفوك والغفران لي منه أعظم فإني بمدح الصفوة الزهر أختم
    وله قصيدة أخرى يذكر فيها حديث الغدير ويراه نصا على الإمامة والخلافة لأمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي الأعظم صلوات الله عليه وآله أولها :
بفنا الغري وفي عراص العلقم قبران قبر للوصي وآخر هذا قتيل بالطفوف على ظما وإذا دعا داعي الحجيج بمكة فاقصدهما وقل : السلام عليكما أنتـم بنو طاها وقاف والضحى وبنـو الأباطح والمسلخ والصفا بكم النجاة من الجحيم وأنتم أنـتم مصابيح الدجى لمن اهتدى وإليكم قصد الولي وأنتم يفوز غدا إذا ما أضـرمت من مثـلكم في العالمين وعندكم جبريل خـادمكم وخادم جدكم أبني رسول الله : إن أباكم آخاه من دون البرية ( أحمد ) تمحا الذنوب عن المسئ المجرم فيه الحسين فعج عليه وسلم وأبوه في كـوفان ضرج بالدم فإليهما قـصد التقي المسلم 5 وعلى الأئمة والنبي الأكرم وبنو تبارك والكتاب المحكم والركن والبيت العتيق وزمزم خير البرية من سلالة آدم والعروة الوثقى التي لم تفصم 10 أنصاره في كل خطب مولم وبكم في الحشر للعاصين نار جهنم علم الكتاب وعلم ما لم يعلم ؟! ولغيركم في ما مضى لم يخدم من دوحة فيها النبوة ينتمي واختصه بالأمر لو لم يظلم


(379)
نص الولاية والخلافة بعده ودعا لـه الهادي وقال ملبيا حتى إذا قبـض النبي واصبحوا نكثت ببيعته رجال أسلمت وتـداولوها بينهم فكأنها يوم ( الغدير ) لـه برغـم اللوم يا رب قد بلغـت فاشهد واعلم مثل الذباب تلوح حول المطعم أفواههم وقلوبهم لم تسلم كأس تدور على عـطاش حوم 20
[ القصيدة 57 بيتا ]
( الشاعر )
    الربيب أبو المعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف بابن العودي [ العودي (1) ] التغلبي النيلي نسبة إلى بلدة النيل على نهر النيل المستمد من الفرات الممتد نحو الشرق الجنوبي وكانت ولادته بها سنة 478.
    لم أقف على ترجمة [ أبي المعالي ] أبسط مما نشرته مجلة الغري [ النجفية ] الغراء في العدد ال‍ 22 و 23 من السنة السابعة بقلم الدكتور مصطفى جواد البغدادي ذلك البحاثة المنقب وإليك نصه قال : كان أبو المعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلت أخبار سيرهم ، فهو كوكب من كواكب الأدب ، ومشاهد نوره مجهولة حقيقته أو حقائق أوصافه ، وكان في الأيام التي جمع فيها عماد الدين الاصفهاني أخبار الشعراء ولذلك قال في نعته : شاب شبت له نار الذكاء وشاب لنظمه صرف الصهباء بصافي الماء ، ودر من فيه شؤبوب الفصاحة يسقي من ينشده شعره راح الراحة ، وردت واسطا سنة خمسين [ يعني خمسين وخمسمائة ] فذكر لي أنه كان بها للاسترفاد وقام في بعض الأيام ينشد خادم الخليفة ( فاتنا ) (2) فسبقه غيره إلى الانشاد ، فقعد ولم يعد إليه وسلم على رفده وعليه وصمم عزم الرحيل إلى وطنه بالنيل ، ولقيته بعد ذلك في سنة أربع وخمسين بالهمامية. ا ه‍. وإشارة العماد إلى أنه كان شابا من فلتات الشباب.
    ويلوح لنا من أثناء هذا الخبر أن ابن العودي كان مع تحريره إنشاده لاسترفاده
1 ـ كما في شعره.
2 ـ هو شمس الدين أبو الفضائل من أكابر مماليك بني العباس كان ناظر واسط يومئذ.


(380)
أبي النفس معتمدا بشعره والشاعر الأبي المسترفد لا يورثه إباؤه إلا الحرمان وإساءة الزمان. ومن شعره الذي نقله قطب الدين أبو يعلى محمد بن علي بن حمزة العلوي الأقساسي تغزله بامرأة نصف ( أي متوسطة العمر ) :
أبى القلب إلا أم فضـل وإن غدت لقد زادها عندي المشـيب ملاحة فإن غيرت منها الليالي فـفي الحـشا فما نال منها الدهر حتى تكاملت سـبتني بفـرع فاحم وبمقلة وثغر زهـت فيه ثـنايا كأنها ولما التقينا بعد بعد من النـوى رأيت عليها للجـمال بقية تعد من النصف الأخير لداتـها وإن زعم الواشي وساء عداتها لها حـرق ما تنطفي زفراتها كمالا وأعيى الواصفين صفاتها لها لحـظـات ما تفك عناتها حصى برد تشفى الصدار (1) شفاتها وقد حان نحوي بالسلام التفاتها فعاد لنفـسي في الهوى نشواتها
    وأنشد القاضي عبد المنعم بن مقبل الواسطي له :
هم أقعدوني في الهوى وأقاموا وهم تركوني للعتاب دريئة ولو أنصفوا في الحب قسمة بيننا (2) ولكنهم لما استـدر لنا الهوى 5 ولما تنادوا للرحيل وقوضت رميت بطرفي نحـوهم متـأملا وعدت وبي مما أجن صبابة إذا هاج بي وجد وشوق كأنما ولائمـة في الحب قلت لها : اقصري 10 أأسلو الهوى بعد المشيب ولم يزل وأبلوا جفوني بالسهاد وناموا أؤنب في حـبيهم وألام لهاموا كما بي صبـوة وهيام كرمت بحفظـي للوداد ولاموا لبينهم بالأبرقين خيام وفي القلب مني لوعة وضـرام لها بين أثـناه الضلوع كلام تضمر أعـشار الفـؤاد سهام فمثـلي لا يـسلي هـواه ملام يصاحبني مذ كنـت وهو غلام ؟!

1 ـ وفي نسخة قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية عبد العزيز بن جماعة ( تسقى الصدار سفاتها ) قال الأميني : ما في المتن والهامش فيه تصحيف والصحيح : تشفى الصدى رشفاتها.
2 ـ وفي نسخة صلاح الدين الصفدي : ولو أنصفوني قسمة الحب بيننا.
كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: فهرس