كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: 381 ـ 390
(381)
ولما جزعنا الرمل رمل عنيزة صبوت اشتياقا ثم قلـت لصاحبي : تجهيز لبين أو تسل عن الهوى وكيف يرجـى النـول عند بخيلة مهفهفـة الأعـطاف أما جبينها فيا ليت لي منها بلوغا إلى المنى وناحت بأعلى الدوحتين حمام ألا إنـما نـوح الحمام حمام فمالك من ليلي الغداة لمام تروم الثـريا وهي ليـس ترام ؟! فصبـح وأما فرعها فظلام 15 حـلالا فـإن لم يقض لي فحرام
    وهذه المعاني التي أودعها ابن العودي قصيدة مألوفة متعالمة بين الشعراء إلا أن نسج شعره عربي بحت يضفي على تلك المعاني ما لا يستطيعه النسج السابري ، وقد نقل الصفدي أبياتا من هذه القصيدة ومن غيرها من شعر ابن العودي وذكر : أن شعره متوسط. ولا نرى في هذا الحكم حنقا فإنه متوسط حقا من حيث المعاني ، ولكنه في حبكه وتأليفه من الطبقة الأولى فإن العرب تنظر إلى المباني قبل المعاني ، بحكم ما في لغتها من موسيقي وجرس ورنين ، وهذا لا يعني أنها تقر من النظم ما لا معنى له لأن شرط صحة المباني احتوائها على صحة المعاني كائنة ما كانت.
    وقد نظم ابن العودي في الشعر المذهبي الذي أكثر منه السيد الحميري وابن حماد والعوني والناشي الأصغر وابن علوية الاصفهاني (1) والوراق القمي ، ولما دخل ابن شهر آشوب العراق في أواسط القرن السادس ألفى شعر ابن العودي في المذهب تستهديه الآذان أفواه الشداة المنشدين فضمن كتابه مناقب آل أبي طالب شيئا منه و كثيرا من شعر الناظمين في المذهب ، وبعد ترك ابن شهر آشوب العراق إلى الشام حدثت ببغداد فتن مذهبية ووثب الحنابلة كعادتهم بأعدائهم في المذهب فأحرقوا كتبهم و فيها دواوين شعرائهم واضطهدوهم اضطهادا فضيعا فضاع كل ذلك الأدب غثه وسمينه وصار طعمة للنار ، والظاهر أن ذلك الضرب من النظم في شعر ابن العودي هو الذي حمل محب الدين محمدا المعروف بابن النجار البغدادي على أن يقول في ترجمة ابن العودي : [ كان رافضيا خبيثا يهجو الصحابة ]. ومن شعر ابن العودي في إقامته مدة بواسط :
1 ـ مرت تراجم هؤلاء الشعراء الخمسة في الجزء الثاني والثالث والرابع من كتابنا هذا وكلهم من شعراء الغدير.

(382)
يؤرقني في واسط كل ليلة فيا للهوى هل راحم لمتيم خليلي هل ما فات يرجى ؟ ولنا فإن كنت أبدي سلوة عن هواكم ألا يا حمامات على نهر سالم تعالين نبد النوح كل بشجوه على أن وجدي غير وجدك في الهوى وما كنت أدري بعد ما كان بيننا فها أنـت قد هيجت لي حرق الجوى وأسهرتني بالنوح حتى كأنما فلا تحسبي إني نزعت عن الهوى ولكنني أخفيت ما بي من الجوى وساوس هم من نوى وفراق يعل بكأس للفراق دهاق ؟! على النأي من بعد الفراق تلاقي ؟! فإن صباباتي بكم لبواقي سلمت ووقاك التفرق واقي فإن اكتتام الوجد غير مطاق فدمعي مهراق ودمعك راقي من الوصل أني للفراق ملاقي وأبديت مكنون الهوى لوفاقي سقاك بكاسات التفرق ساقي وكيف نزوعي عنه بعد وفاقي ؟! لكي لا يرى الواشون ما أنا لاق
    قال الشريف قطب الدين أبو يعلى محمد بن علي بن حمزة : أنشدني الربيب أبو المعالي سالم ابن العودي في منزلي مستهل صفر سنة خمسين وخمسمائة :
ما حبست الكتاب عنك لهجر غير أن الزمان يحدث للمرء شيم مرت الليالي عليها لا ولا كان ذاكم عن تجافي أمورا تنسيه كل مصافي والليالي قليلة الانـصاف
    وهذه أبيات حكمية كريمة منتزعة معانيها من صميم الحقيقة الحيوية ، وقال الحسن بن هبة الله التغلبي المعروف بابن مصري الدمشقي : أنشدني أبو المعالي سالم بن على العودي لنفسه :
دع الدنيا لمن أمسى بخيلا ولا تركن إلى الأيام واعلم فكم قد غرت الدنيا أناسا وما هذي الحياة وإن تراخت فويل لابن آدم من مقام وقاطع من تراه لها وصولا بـأن الدهر لا يبقي جليلا وكم قد أفـنت الدنيا قبيلا بممتعة بها إلا قليلا يكون به العزيز غدا ذليلا


(383)
    قال : وأنشدني أبو المعالي لنفسه :
أ أخي إنك ميت لا تركنن إلى الحياة أزف الرحيل فلا تكن يا غافلا والموت يق لا بـد يوما للنبا فدع التعلل بالتمادي فإن عزك في نفاد ممن يسير بغير زاد ـدح في سنيه بلا زناد ت إذا تكامل من حصاد
    وأنشدني لنفسه :
لا أقتضيك على السماح فإنه إن السحاب إذا تمسك بالندى لك عادة لكنني أنا مذكر رغبوا إليه بالدعاء فيمطر
    وأنشدني نفسه :
سيدي عد إلى الوصال وترفق بعاشق إن تكن تطلب الصواب أو ترد بالنوى دنو فقد شفـني الضنا ما لـه عنك من غنى بوصل فها أنا حمامي فقد دنا
    وأنشد :
يا عاتبين على عان يحبكم إن كان صدكم عني حدوث غنى لا تجموا بين عتب في الهوى وعنا فما لنا عنكم حتى الممات غنى
    ومن شعره قوله :
يقولون : لو داويت قبلك لأرعوى وهيهات يبرأ بالنمائم والرقى بسلوانه عن حب ليلى وعن جمل سليم الثنايا الغر والحدق النجل
    ولم أقف على سنة وفاة ابن العودي ، إلا أن سنة ولادته [ أعني سنة 478 ] ورواية عماد الدين الاصفهاني له سنة 554 بالهمامية قرب واسط لا تتركان للظن أن يغالي في بقائه طويلا بعد سنة 454 المذكورة بل لا أراه قد جاوز سنة 558 فإنها تجعل عمره ثمانين سنة وذلك من نوادر الاعمار في هذه الديار. ا ه‍.


(384)
القرن السادس
49
القاضي الجليس
المتوفى 561
1
دعاه لو شك البين داع فأسمعا ولم يبق في قلبي لصبري موضعا أجن إذا ما الليل جن كـآبة وما انقدت طوعا للهوى قبل هذه وأودع جسمي سقمه حين ودعا وقد سار طوع النأي والبعد موضعا وأبدي إذا ما الصبح أزمع أدمعا وقد كنت الوى عنه لينا وأخدعا
    إلى أن يقول :
تصاممت عن داعي الصبابة والصبي عشوت بأفـكاري إلى ضوء علمهم علقت بهم فليلح في ذاك من لحى تسرعت في مدحـي لهم متبرعا هم الصائمون القائمون لربهم هم القاطعوا الليل البهيم تهجدا هم الطيبوا الأخيار والخير في الورى بهم تقبل الأعمال من كل عامل بأسمائهم يسقى الأنام ويهطل الغـ هم القائلون الفاعلون تبرعا أبوهم وصي المصـطفى حاز علمه أقام عمود الشرع بعد اعوجاجه ولبيت داعي آل أحمد إذ دعا فصادفت منه منهج الحق مهيعا توليتهم فلينع ذلك من نعا وأقلعت عن تركي له متورعا هم الخايفوه خشية وتخـشعا هم العامروه سجدا فيه ركعا يروقون مرئى أو يشوقون مسمعا بهم ترفع الطاعات ممن تطوعا مام وكم كرب بهم قد تقشعا هم العالمون العاملون تورعا وأودعه من قبل ما كان أودعا وساند ركن الدين أن يتصدعا


(385)
وواساه بالنفس النفيسة دونهم وسماه مولاهم وقد قام معلنا فمن كشـف الغماء عن وجه أحمد ومن هز باب الحصن في يوم خيبر وفي يوم بدر من أحن قليبها وكم حاسد أغراه بالحقد فضله لوى غدره يوم ( الغدير ) بحقه وحاربه القرآن عنه فما ارعوى إذا رام أن يخفى مناقبه جلت متى هم أن يطوي شذى المسك كاتم ولم يخش أن يلقى عداه فيجزعا ليتلوه في كل فضل ويشفعا وقد كربت أقرانه أن يقطعا ؟! فزلزل أرض المشركين وزعزعا ؟! جسوما بها تدمي وهاما مقطعا ؟! وذلك فضل مثله ليس يدعا وأعقبه يوم ( البعير ) واتبعا وعاتبه الاسلام فيه فما وعى وإن رام أن يطفى سناه تشعشعا أبى عرفه المعروف إلا تضوعا
    ومنها :
أيا أمة لم ترع للدين حرمة بأي كتاب أم بأية حجة غصبتم ولي الحـق مهجة نفسه وألجمتم آل النبي سيوفكم وحللتم في كربلاء دماءهم وحرمتم ماء الفرات عليهم ولم تبق في قوس الضلالة منزعا نقضتم بها ما سنه الله أجمعا ؟! وكان لكم غـصب الإمامة مقنعا تفرى من السادات سوقا وأذرعا فأضحت بها هيم الأسنة شرعا فأصبح محظورا لديهم ممنـّعا
القصيدة 56 بيتا
2
    وله في رثاء الإمام السبط الشهيد عليه السلام قوله :
إن خانها الدمع الغزير دعها تسح ولا تشح ما غصب فاطمة تراث كلا ولا ظلم الوصي و نطـق النبي بفضله وهـو فمن الدماء لها نصير فرزءها رزء كبير ( محمد ) خطب يسير حقه الحق الشهير المبشر والنذير


(386)
جحدوه عقد ولاية غدروا به حسدا له حظروا عليه ما حبا يا أمة رعت السها إن ضل بالعجل اليهو لهفي لقتلى الطـف إذ وافاهم في كربلا دلفت لهم عصب الضلا عجبا لهم لم يلقهم أيمار فوق الأرض في أترى الجبال درت ولم أم كيف إذ منعوه ورد ال حرم الزلال عليه لما قد غر جاحده الغرور وبنصه شهد ( الغدير ) ه بفخره وهم حضور وإمامها القمر المنير د فقد أضلكم البعير خذل المصاحب والعشير يوم عبوس قمطرير ل كأنما دعي النفير من دونهم قدر مبير ض دم الحسين ولا تمور؟! تقذفهم منها صخور ؟! ماء لم تغر البحور ؟! حللت لهم الخمور
القصيدة 36 بيتا
3
    وله من قصيدة تناهز 29 بيتا مطلعها :
كم قد عصيت مقال الناصح الناهي ولذت منكم بحبل واهن واه
    ويقول فيها :
حبي لآل رسول الله يعصمني يا شيعة الحق قولي بالوفاء لهم إذا علقت بحبل من أبي حسن حمى الإله به الاسلام فهو به بعل البتول وما كنا لتهدينا نص النبي عليه في ( الغدير ) فما من كل إثم وهم ذخري وهم جاهي وفاخري بهم من شئت أو باهي فقد علقت بحبل في يد الله يزهي على كل دين قبله زاه أئمة من نبي الله لولا هي زواه إلا ظنين دينه واه


(387)
( الشاعر )
    أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين بن الحباب (1) الأغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس.
     من مقدمي شعراء مصر وكتابهم ، ومن ندماء الملك الصالح طلايع بن رزيك [ الذي مرت ترجمته ص 344 ] وأحسب أن تلقيبه بالجليس كان لمجالسته إياه متواصلا ، وهو ممن أغرق نزعا في موالاة العترة الطاهرة كما ينم عنه شعره ، ولمعاصره الفقيه عمارة اليمني [ الآتي ذكره ] شعر يمدحه ، منه قصيدة في كتابه ( النكت العصرية ) ص 158 قالها سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ، أولها :
هي سلوة حلت عقود وفائها مذ شف ثوب الصبر عن برحائها
    ومنها :
لم أسأل الركبان عن أسمائها وسألت أيامي صديقا صادقا كفلا بها لولا هوى أسمائها فوجدت ما أرجوه جل رجائها
    ومنها :
ولقد هجرت إلى ( الجليس ) مهاجرا مستنجدا لأبي المعالي همة لما مدحت علاه أيقنت العدى واغد سعدي الأوامر أبلج عصبا يضيم الدهر جار فنائها تغدو المعالي وهي بعض عطائها أن الزمان أجار من عدوائها يلقى سقيمات المنى بشفائها
    ومنها :
نذرت مصافحة الغمام أناملي فوفت غمائم كفه بوفائها
    وقال كما في نكته العصرية ص 252 وقد حدث للقاضي الجليس مرض أخره عن حضور مجلس الملك الصالح طلايع بن رزيك :
وحق المعالي يا أباها وصنوها لقد قصرت عما بلغت من العلى متـى كنت يا صدر الزمان بموضع ولما حضرنا مجلس الأنس لم يكن يمين امرئ عاداته القسم البر وأحرزته أبناء دهرك والدهر فرتبتك العليا وموضعك الصدر على وجهـه إذ غبت إنس ولا بشـر

1 )في معجم الأدباء ج 3 ص 157 : الخباب.

(388)
فقدناك فقدان النفوس حياتها وأظـلم جو الفضل إذ غاب بدره ولم يك فقد الأرض أعوزها القطر وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
    ترجمه العماد في ( الخريدة ) وأثنى عليه بالفضل المشهور ، وابن كثير في تاريخه 12 ص 251 ، وابن شاكر في ( فوات الوفيات ) ج 1 ص 278 فقال : تولى ديوان الانشاء للفائز مع الموفق بن الخلال ومن شعره :
ومن عجبي إن الصوارم والقنا وأعجب من ذا أنها في أكفهم تحـيض بأيدي القوم وهي ذكور تأجج نارا والأكف بحور
    وله في طبيب :
وأصل بـليتي من قد غزاني طبيب طبه كغراب بين أتى الحمى وقد شاخت وباخت ودبرها بتدبير لطيف وكانت نوبة في كل يوم من السقم الملح بعسكرين يفرق بين عافيتي وبيني فعاد لها الشباب بنسختين حكاه عن سنين أو حنين فصيرها بحذق نوبتين
    وله في طبيب أيضا :
يا وارثا عن أب وجد وحاملا رد كل نفس أقسم لو قد طببت دهرا فضيلة الطب والسداد همت عن الجسم بالبعاد لعاد كونا بلا فساد
    وله :
حيا بتفاحة مخضبة فقلت : ما إن رأيت مشبهها من شفني حبه وتيمني فأحمر من خجلة فكذبني
    وله :
رب بيض سللن باللحظ بيضا وخدود للدمع فيها خدود مرهفات جفونهن جفون وعيون قد فاض فيها عيون
    وقال أيضا :
ألمت بنا والليل يزهي بلمة دجوجية لم يكتهل بعد فوداها


(389)
فأشرق ضوء الصبح وهو جبينها إذا ما اجتنت من وجهها العين روضة وإني لأستسقي السحاب لربعها إذا استعرت نار الأسى بين أضلعي وما بي أن يصلى الفؤاد بحرها وفاحـت أزاهير الربا وهي رياها أسالت خلال الروض بالدمع أمواها وإن لم تكن إلا ضلوعي مأواها نضحت على حر الحشا برد ذكراها ويضرم لولا أن في القلب سكناها
    كان القاضي الجليس كبير الأنف وكان الخطيب أبو القاسم هبة الله بن البدر المعروف بابن الصياد مولعا بأنفه وهجائه وذكر أنفه في أكثر من ألف مقطوع فانتصر له أبو الفتح ابن قادوس [ المترجم في هذا الجزء ص 338 ] فقال :
يا من يعيب أنوفنا الشـ الأنف خلقة ربنا م التي ليست تعاب وقرونك الشم اكتساب
    وله شعر في رثاء والده وقد غرق في البحر بريح عاصف. ا ه‍.
     والمترجم هو الذي قرظ أبا محمد بن الزبير الحسن بن علي المصري المتوفى سنة 561 عند الملك الصالح حتى قدمه ، فلما مات شمت به ابن الزبير ولبس في جنازته ثيابا مذهبة ، فنقص عند الناس بهذا السبب واستقبحوا فعله ، ولم يعش بعد الجليس إلا شهرا واحدا (1) .
     كان الملك الصالح طلايع لا يزال يحضر في ليالي الجمع جلساؤه وبعض أمراءه لسماع قرائة صحيح مسلم والبخاري وأمثالهما من كتب الحديث وكان الذي يقرأ رجلا أبخر فلعهدي وقد حضر المجلس مع الأمير علي بن الزبير والقاضي الجليس أبي محمد وقد أمال وجهه إلى القاضي ابن الزبير وقال له :
    وأبخر قلت : لا تجلس بجنبي
    فقال ابن الزبير :
    إذا قابلت بالليل البخاري
    فقال القاضي الجليس :
فقلت وقد سألت بلا احتشام لأنك دائما من فيك خاري
    أنشد بعض جلساء الملك الصالح بمجلسه بيتا من الأوزان التي يسميها المصريون
1 ـ معجم الادباء 3 ص 157.

(390)
    [ الزكالش ] ويسميها العراقيون [ كان وكان ].
النار بين ضلوعي كني فتيلة قنديل ونا غريق في دموعي أموت غريق وحريق
    وكان عنده القاضي الجليس والقاضي ابن الزبير فنظما معناه بديها فقال الجليس :
هل عاذر إن رمت خلع عذاري تتألف الأضداد فيه ولم تزل ولـه من الزفرات لفح صواعق كذبالة القنـديل قدر هلكها في شم سالفة ولثم عذار ؟! في سالف الأيام ذات نفار وله من العبرات لج بحار ما بين ماء في الزجاج ونار
    وقال ابن الزبير :
كأني وقد سالت سيول مدامعي ذبالة قنديل تقوم بمائها فأذكت حريقا في الحشا والترائب وتشعل فيها النار من كل جانب (1)
    كتب أبو المعالي إلى القاضي الرشيد المصري (2) قوله :
ثروة المكرمات بعدك فقر بك تجلى إذا حللت الدياجي أذنب الدهر في مسيرك ذنبا ومحل العلى ببعدك قفر وتمر الأيام حيث تمر ليس منه سوى إيابك عذر (3)
    حكي أنه استأذن هو والقاضي الرشيد ذات يوم على أحد الوزراء فلم يأذن لهما واعتذر عن المواجهة ووجدا عنده غلظة من الحجاب ، ثم عاوداه مرة أخرى واستأذنا عليه فقيل لهما : إنه نائم.
     فخرجا من عنده فقال القاضي الرشيد :
توقع لأيام اللئام زوالها فلو كنت تدعو الله في كل حالة فعما قليل سوف تنكر حالها لتبقى عليهم ما أمنت انتقالها
    وقال القاضي الجليس :
لئن أنكرتم منا ازدحاما وإن نمتم عن الحاجات عمدا ليجتنبنكم هذا الزحـام فعين الدهـر عنكم لا تنام

1 ـ بدايع ج 1 ص 176 و 237.
2 ـ أبو الحسين أحمد بن علي الغساني المقتول 563.
3 ـ تاريخه ابن خلكان ج 1 ص 54.
كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: فهرس