الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: 271 ـ 280
(271)
سبعين سنة فولادته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بدهر.
ثم متى كان أبو بكر أسن من
النبي وقد ولد صلى الله عليه وآله في عام الفيل ، وولد أبو بكر بعد عام الفيل
بثلاث سنين.
وقال سعيد بن المسيب : استكمل
أبو بكر بخلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي وهو بسن النبي صلى
الله عليه وآله ابن ثلاث وستين سنة.
راجع : المعارف لابن قتيبة ص 75
فقال : إتفقوا على أن عمره ثلاث وستون سنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسن من أبي بكر بمقدار سني خلافته.
صحيح الترمذي 2 : 288 وفيه : أنه
صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين سنة ، سيرة ابن هشام 1 ص 205 ،
تاريخ الطبري 2 : 125 و ج 4 : 47 ، الاستيعاب م 1 : 335 وقال : لا يختلفون أن سنه
انتهت إلى حين وفاته ثلاثا وستين سنة إلا ما لا يصح وأنه استوفى بخلافته بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله سن رسول الله صلى الله عليه وآله وقال في الجزء
الثاني ص 626 بعد ذكر حديث يزيد الأصم : هذا الخبر لا يعرف إلا بهذا الاسناد ،
وأحسبه وهما لأن جمهور أهل العلم بالأخبار والسير والآثار يقولون : إن أبا بكر
استوفى بمدة خلافته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي وهو ابن ثلاث
وستين سنة ] الكامل 1 : 185 و ج 2 : 176.
أسد الغابة 3 : 223 ، مرآة الجنان
1 : 65 ، 69 ، مجمع الزوائد 9 : 60 ، عيون الأثر 1 : 43 ، الإصابة 2 : 341 ، 344 ،
السيرة الحلبية 3 : 396.
نعم : هذه المسائلة وقعت بينه
صلى الله عليه وآله وبين سعيد بن يربوع المخزومي كما رواها البغوي وابن
مندة (1) وابن يربوع توفي سنة 54 وله 120 سنة.
وقيل : وزيادة أربع.
ولما كانت شيبة أبي بكر وكبر
سنه هي الحجة الوحيدة على مخالفيه يوم السقيفة فأيدها المغالون في فضائله
بأمثال هذه المخاريق المفتعلة ، وتحريف التاريخ عن مواضعه. والله يعلم أنهم لكاذبون.
عن شبابة عن فرات بن السائب قال : قلت
لميمون بن مهران : أبو بكر الصديق أول إيمانا بالنبي صلى الله عليه وسلم أم
علي بن أبي طالب ؟ قال : والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم
1 ـ الإصابة 2 :
51.
زمن بحيرا الراهب ، واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه ، وذلك كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب.
وعن ربيعة بن كعب (1) قال : كان
إسلام أبي بكر شبيها بالوحي من السماء وذلك أنه كان تاجرا بالشام فرأي رؤيا
فقصها على بحيرا الراهب فقال له : من أين أنت ؟ فقال : من مكة فقال : من أيها ؟
قال : من قريش. قال : فأي شيء أنت : قال :
تاجر. قال : إن صدق الله رؤياك فإنه
يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته من بعد وفاته. فأسر ذلك أبو بكر في نفسه حتى
بعث النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فقال : يا محمد ما الدليل على ما تدعي ؟
قال : الرؤيا التي رأيت بالشام فعانقه وقبل بين عينيه وقال : أشهد أن لا إله
إلا الله ، وأشهد أنك رسول الله.
وقال الإمام النووي : كان أبو
بكر أسبق الناس إسلاما ، أسلم وهو ابن عشرين سنة.
وقيل : خمس عشر سنة.
راجع الرياض النضرة 1 : 51 ، 54 ،
أسد الغابة 1 : 168 ، تاريخ ابن كثير 9 : 319 ، الصواعق المحرقة ص 45 ، تاريخ
الخلفاء للسيوطي ص 24 ، الخصايص الكبرى 1 : 29 ، نزهة المجالس 2 : 182.
قال الأميني : هلم معي ننظر إلى
هذه المراسيل هل توجد فيها مسحة من الصدق ؟ أما رواية ابن مهران سندا : 1 ـ
فشبابة بن سوار (2) أبو عمر والمدائني قال أحمد : تركته لم أكتب عنه للأرجاء
وكان داعية ، وقال ابن خراش : كان أحمد لا يرضاه وهو صدوق في الحديث وقال
الساجي وابن عبد الله وابن سعد والعجلي وابن عدي : إنه كان يقول بالارجاء ،
وقبل هذه كلها يظهر مما رواه أبو علي المدائني : إنه كان يبغض أهل بيت النبي
صلوات الله عليهم.
وضربه الله بالفالج لدعاء من
دعا عليه بقوله : أللهم إن كان شبابة يبغض أهل نبيك فاضربه الساعة
بالفالج.
ففلج في يومه
ومات.
ميزان الاعتدال 1 : 440 ، تهذيب
التهذيب 4 : 302.
1 ـ في الخصايص الكبرى
عن كعب. وهو الصحيح.
2 ـ في ميزان
الاعتدال : سواد.
(273)
2 ـ فرات بن السائب
الجرري.
قال البخاري : منكر الحديث وقال
يحيى ابن معين : ليس بشيء ، منكر الحديث.
وقال الدارقطني وغيره :
متروك.
وقال أحمد بن حنبل : قريب من
محمد بن زياد الطحان في ميمون يتهم بما يتهم به ذاك.
ومحمد بن زياد هو اليشكري أحد
الكذابين الوضاعين كما مر في ج 5 : 258 ط 2 ، ففرات عند إمام الحنابلة كذاب
وضاع. وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث. وقال الساجي : تركوه. وقال
النسائي : متروك الحديث.
وقال أبو أحمد الحاكم. ذاهب
الحديث وقال ابن عدي : له أحاديث غير محفوظة وعن ميمون مناكير. [ ميزان
الاعتدال 2 : 325 ، لسان الميزان 4 : 430 ]
3 ـ ميمون بن مهران حسبه ما مر في
رواية فرات عنه ، أضف إلى ذلك قول العجلي : إنه كان يحمل على علي كما في تهذيب
ابن حجر 10 : 391.
هب إنه وثقة من وثقه ، فما قيمته
وقيمة حديثه بعد تحامله على علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
ثم قد أتى ميمون في حديثه
بأمرين : إسلام أبي بكر زمن بحيرا.
واختلافه في زواج رسول الله صلى
الله عليه وآله خديجة.
أما اختلافه بينه صلى الله عليه
وآله وسلم وبين خديجة فلم ينبأ عنه قط خبير.
وليس من الجايز أن يكون الوسيط
في قران رجل عظيم كمحمد وامرأة من بيت مجد وسؤدد ورياسة كخديجة ، شاب حدث ابن
اثنتين وعشرين سنة وللزوج أعمام أشراف أعاظم كالعباس وحمزة وأبي طالب وهو
بينهم وفي بيتهم ، وكان عمه أبو طالب كما يأتي يحبه حبا شديدا لا يحب أولاده
مثله ، وكان لا ينام إلا إلى جنبه ، ويخرجه معه حين يخرج (1) وكان هو الذي كلم
خديجة حتى وكلت رسول الله صلى الله عليه وآله بتجارتها ، كما في الامتاع
للمقريزي ص 8.
والذي جاء في السير والتاريخ في
أمر هذا القران أن خديجة بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ورغبت في
زواجه لقرابته وأمانته وحسن خلقه وصدق حديثه ، وعرضت نفسها عليه صلى الله عليه
وآله ، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأعمامه فخرج معه عمه
حمزة وفي لفظ ابن الأثير : خرج معه حمزة وأبو طالب وغيرهما من
عمومته.
حتى دخل على خويلد بن أسد ، أو
على عمرو بن أسد عم خديجة فخطبها إليه فتزوجها عليه وآله الصلاة
1 ـ يأتي تفصيل ذلك في
الكلام عن أبي طالب عليه السلام.
(274)
والسلام وخطب أبو طالب عليه السلام
خطبة النكاح ، فقال :
الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، وزرع إسماعيل ،
وضئضئ معد ، و عنصر مضر ، وجعلنا حضنة بيته ، وسواس حرمه ، وجعل لنا بيتا محجوجا ،
وحرما آمنا ، وجعلنا الحكام على الناس ، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله
لا يوزن برجل إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا ، فإن كان في المال قل ؟ فإن
المال ظل زايل ، و أمر حائل ، ومحمد من قد عرفتم قرابته ، وقد خطب خديجة بنت
خويلد ، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي كذا ، وهو والله بعد هذا له
نبأ عظيم ، وخطر جليل. فزوجها.
راجع طبقات ابن سعد 1 : 113 ،
تاريخ الطبري 2 : 127 ، أعلام الماوردي ص 114 ، الصفوة لابن الجوزي 1 : 25 الكامل
لابن الأثير 2 : 15 ، تاريخ ابن كثير 2 : 294 ، تاريخ الخميس 1 : 299 ، عيون الأثر
1 : 49 ، أسد الغابة 5 : 435 ، الروض الأنف 1 : 122 ، تاريخ ابن خلدون 2 : 172 ،
المواهب اللدنية 1 : 50 ، السيرة الحلبية 1 : 149 ، 150 ، شرح المواهب للزرقاني 1 :
200 ، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية 1 : 114.
فأين مزعمة ابن مهران من هذا
التاريخ الصحيح المتواتر ؟ وأما إسلام أبي بكر قبل ولادة علي أمير المؤمنين
زمن ( بحيرا ) الراهب فإنه مأخوذ مما أخرجه ابن مندة (1) من طريق عبد الغني بن
سعيد الثقفي عن ابن عباس : إن أبا بكر الصديق صحب النبي وهو ابن ثمان عشرة
سنة والنبي ابن عشرين وهم يردون الشام في تجارة حتى إذا نزل منزلا فيه سدرة
قعد في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب يقال له : بحيرا يسأله عن شيء الخ هذه
الرواية ضعفها غير واحد من الحفاظ.
قال الذهبي في ميزان الاعتدال
2 : 243 : عبد الغني ضعفه ابن يونس.
وأقر ضعفه ابن حجر في لسانه 4 :
45 ، وقال في الإصابة 1 : 177 : أحد الضعفاء المتروكين.
وذكره السيوطي في الخصايص
الكبرى 1 : 86 فقال : سند ضعيف وضعفه
1 ـ أبو عبد الله محمد
بن إسحاق الاصبهاني الحافظ الرجال المتوفى 355.
(275)
القسطلاني في المواهب 1 : 50 ، والحلبي في السير النبوية 1 : 130.
وأفظع من هذا رواية أخرجها
الحفاظ من طريق أبي نوح قراد عن يونس ابن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي بكر بن
أبي موسى الأشعري عن أبي موسى قال : خرج أبو طالب إلى الشام ومعه رسول الله
صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب ـ يعني بحيرا ـ
هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج ولا
يلتفت إليهم قال : فنزل وهم يحلون رحالهم ، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد
النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، هذا
يبعثه الله رحمة للعالمين ، إلى أن قال.
فبايعوه وأقاموا معه عنده ، فقال
الراهب : أنشدكم الله أيكم وليه ؟ قالوا : أبو طالب.
فلم يزل يناشده حتى رده ، وبعث
معه أبو بكر بلالا ، وزوده الراهب من الكعك والزيت.
أخرجه الترمذي في صحيحه 2 : 284
فقال : حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، والحاكم في المستدرك 2 : 616 ، وأبو
نعيم في الدلائل 1 : 53 ، والبيهقي في الدلائل ، والطبري في تاريخه 2 : 195 ، وابن
عساكر في تاريخه 1 : 267 ، وابن كثير في تاريخه 2 : 284 ، نقلا عن الحافظ أبي بكر
الخرائطي والحفاظ المذكورين ، وابن سيد الناس في عيون الأثر 1 : 42 ، والقسطلاني
في المواهب 1 : 49.
( رجال الرواية )
1 ـ أبو نوح قراد عبد الرحمن بن
غزوان ، قال عباس الدوري : ليس في الدنيا أحد يحدث بهذا الحديث غير قراد أبي
نوح وقد سمعه منه أحمد ويحيى لغرابته و انفراده ( تاريخ ابن كثير 2 : 285 ).
وقال الذهبي في الميزان 2 : 113 :
كان يحفظ ، قوله مناكير ، وأنكر ما له حديث عن يونس ( وذكر شطرا من الحديث )
فقال : ومما يدل على أنه باطل قوله : وبعث معه أبو بكر بلالا ، وبلال لم يكن
خلق ، وأبو بكر كان صبيا.
وقال في تلخيص المستدرك تعليقا
على تصحيحه قلت : أظنه موضوعا فبعضه باطل وقال ابن حجر في التهذيب 6 : 248 :
ذكره ابن حبان في الثقات وقال : كان
(276)
يخطئ يتخالج في القلب منه لروايته عن
الليث قصة المماليك. وقال أحمد : هذا ( يعني حديث المماليك ) باطل مما وضع
الناس. وقال الدارقطني : قال أبو بكر : أخطأ فيه قراد.
2 ـ يونس بن أبي إسحاق. ضعف
أحمد حديثه عن أبيه ، وقال : حديثه عن أبيه مضطرب. وقال أبو حاتم : كان صدوقا
إلا أنه لا يحتج بحديثه. وقال : أبو أحمد الحاكم ربما وهم في روايته. ( تهذيب
التهذيب 11 : 434 ).
3 ـ أبو إسحاق السبيعي. قال :
ابن حبان : مدلس ، وذكره الكرابيسي في المدلسين ، وقال معن : أفسد حديث أهل
الكوفة الأعمش وأبو إسحاق التدليس ( تهذيب التهذيب 8 : 66 ) وقال أبو حاتم :
صدوق لا يحتج به : وقال ابن خراش. في حديثه لين. وقال ابن حزم في المحلى : ضعفه
يحيى وأحمد جدا ، وقال أحمد : حديثه مضطرب ( ميزان الاعتدال 3 : 339 ).
4 ـ أبو بكر بن أبي موسى توفي
سنة 106 ، ضعفه ابن سعد ، وقال أحمد : لم يسمع من أبيه. تهذيب التهذيب 12 ص 41 ).
5 ـ أبو موسى الأشعري المتوفى
سنة 42 / 50 / 51 / 53 وهو ابن 63 سنة بلا خلاف أجده وقد وقعت الواقعة بعد
عام الفيل بتسع سنين أو اثني عشر عاما قبل ولادة أبي موسى الأشعري 17 / 22 /
23 / 25 عاما ، فإن كان أبو موسى هو الشاهد للقصة قبل مولده فحبذا ؟ وإن كان
يرويها عمن شاهدها فمن هو ؟ حتى ننظر في حاله.
هذا شأن الرواية سندا ، أهذه
كلها تخفى على مثل الترمذي ومن بعده من الحفاظ فيحكمون فيها بالحسن ؟ أو
بالصحة كما فعله ابن حجر والحلبي ؟ أنا لا أدري.
نعم : الحب يعمي أو يصم.
وأما متن الرواية فهو يكفي في
تكذيبها إذ سفر أبي طالب عليه السلام إلى الشام و أخذه معه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم كان وقد مضى من عمره صلى الله عليه وآله سلم تسع سنين
على ما قاله أبو جعفر الطبري والسهيلي وغيرهما ، أو اثنى عشر عاما على ما قاله
آخرون (1) وكان
1 ـ طبقات ابن سعد 1 :
102 ، تاريخ الطبري 2 : 195 ، تاريخ ابن عساكر 1 : 2 ، 269 ، تاريخ ابن كثير 2 :
285 ، الروض الأنف : 1 : 118 ، امتاع المقريزي ص 8 ، عيون الأثر 1 : 43 ، شرح
المواهب للزرقاني 1 : 196.
(277)
أبو بكر يوم ذاك ابن ست أو تسع سنين :
فأين كان هو ؟ وماذا كان يصنع بالشام ؟ وأي اختيار كان له بين شيوخ قريش ؟
ولم تكن تنعقد نطفة بلال يوم ذاك أخذا بقول من قال : إنه توفي سنة 25 وله بضع
وستون سنة (1) أو إنه ولد في تلكم السنين أخذا بقول ابن الجوزي في الصفوة 1 ص
174 من أنه مات سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة.
كأن أبو بكر ولد وهو شيخ وبلال
عتيقه ، وكان معه من أول يومه ، وكان من يوم ولد له الحل والعقد.
ثم أي بيعة كانت يوم ذاك ؟ وما
معنى قول أبي موسى الأشعري : فبايعوه و أقاموا معه عنده ؟ وأي إيمان وإسلام
على زعم رواة هذه الأفيكة ، وكان قبل البعثة بإحدى وثلاثين سنة ، أو ثمانية
وعشرين عاما ، أو اثنين وعشرين ، أو سبعة عشرة سنة على زعم النووي ؟ ولم تكن
للنبي صلى الله عليه وآله يومئذ دعوة ، ولا كلف أحدا بالإيمان به ، فلا يقال
لمن عرف شيئا من إرهاصات النبوة إنه أسلم يوم عرف وإلا لكان ( بحيرا ) الراهب
و ( نسطور ) وأمثالهما من الرهبان والكهنة أقدم إسلاما من أبي بكر ، وكم هنالك
أناس عرفوا أمر الرسالة قبلها وبشروا بها ثم بعد البعثة عاندوا وحسدوا ، فمنهم
من مات مشركا ، ومنهم من أدركته الهداية بعد حين كما يأتي في كعب الأحبار بعيد
هذا.
و كيف أثبت ذلك اليوم إيمانا
لأبي بكر وصار بذلك أقدم الناس إسلاما ولم يثبت لأبي طالب لا ذاك ولا غيره ؟
وأبو موسى لم يستثن أبا طالب من أولئك الذين بايعوا يوم ذاك نظراء أبي بكر
وبلال الخيالي.
قال الحافظ الدمياطي : في هذا
الحديث وهمان : الأول : قوله : فبايعوه وأقاموا معه.
والثاني : قوله : وبعث معه أبو
بكر بلالا.
ولم يكونا معه ، ولم يكن بلال
أسلم لا ملكه أبو بكر ، بل كان أبو بكر حينئذ لم يبلغ عشر سنين ، ولم يملك أبو
بكر بلالا إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة وكذا ضعفه الذهبي (2).
وقال الزركشي في الاجابة ص 50 :
هذا من الأوهام الظاهرة لأن بلالا إنما اشتراه أبو بكر بعد مبعث النبي صلى
الله عليه وآله وسلم وبعد أن أسلم بلال وعذبه قومه ولما خرج
1 ـ تهذيب التهذيب 1 :
503.
2 ـ حياة الحيوان
للدميري 2 : 275 ، تاريخ الخميس 1 : 292.
(278)
النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع عمه أبي طالب كان له من العمر اثنتا عشرة سنة وشهران
وأيام. ولعل بلالا لم يكن بعد ولد.
وقال ابن كثير في تاريخه 2 : 285 : إن
قوله : وبعث أبو بكر معه بلالا إن كان عمره عليه الصلاة والسلام إذ ذاك اثنتى
عشرة سنة فقد كان عمر أبي بكر إذ ذاك تسع سنين أو عشرة ، وعمر بلال أقل من
ذلك ، فأين كان أبو بكر إذ ذلك ؟ ثم أين كان بلال ، كلاهما غريب ، أللهم إلا أن
يقال : إن هذا كان ورسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرا ، إما بأن يكون سفره
بعد هذا أو إن كان القول بأن عمره كان إذ ذاك اثنتي عشرة سنة غير محفوظ فإنه
إنما ذكره مقيدا بهذا الواقدي ، وحكى السهيلي عن بعضهم أنه كان عمره على
الصلاة والسلام إذ ذاك تسع سنين والله أعلم.
قال الأميني : إن ابن كثير غض
البصر عما في الرواية من خرافة البيعة كأن لم يكن شيئا
مذكورا.
ثم أتى في تصحيح بعث أبي بكر
بلالا بما لا يخفى على فساده ، إذ لم يزد سفر رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى الشام مع أبي طالب عليه السلام على المرة الواحدة ، و كون عمره صلى الله
عليه وآله وسلم اثنى عشر عاما محفوظ عند ابن سعد وابن جرير وابن عساكر و ابن
الجوزي ، ولم ينحصر بالواقدي كما حسبه.
وقد سافر رسول الله صلى الله
عليه وآله إلى الشام مرة ثانية سنة خمس وعشرين من عام الفيل مع ميسرة غلام
السيدة خديجة سلام الله عليها وليس هناك أي ذكر من ( بحيرا ) وإنما فيه قضية
( نسطور ) الراهب (1).
وقال ابن سيد الناس في عيون
الأثر 1 : 43 مثل مقالة الدمياطي المذكورة وكذلك الحلبي في السيرة النبوية 1 ص
129 ، والحديث أخرجه ابن الجوزي في صفة الصفوة 1 : 21 ، من طريق داود بن الحصين
وليس فيه أثر من الوهمين ولا ذكر من أبي بكر.
( نظرة في حديث كعب ) وأما رواية كعب فإني لم
أجدها في أصل من أصول الحديث ، ولم أر لها سندا قط ، وفي ذكر كعب وهو كعب
الأحبار من رجال
1 ـ تاريخ ابن عساكر 1 :
267 ، 272 ، دلائل النبوة لأبي نعيم 1 : 54 ، الصفوة لابن الجوزي 1 : 24 ، تاريخ
ابن الفدا ج 1 : 114 ، الاجابة للزركشي ص 50 ، تاريخ الخميس 1. 262.
(279)
سندها كفاية ، وحسبنا في كعب ما أخرجه
البخاري من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطا من
قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال : إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين
يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب (1).
م ـ وقال ابن أبي الحديد في
شرحه 1 ص 362 : روى جماعة من أهل السير : أن عليا كان يقول في كعب الأحبار : إنه
الكذاب وكان كعب منحرفا عن علي عليه السلام.
وأخرج ابن أبي خيثمة بإسناد
حسنه ابن حجر عن قتادة قال : بلغ حذيفة أن كعبا يقول : إن السماء تدور على قطب
كالرحى.
فقال : كذب كعب إن الله يقول : إن
الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ] (2).
على أن كعبا لو كان يصدق نفسه
فيما أخبره من الإرهاصات والبشائر لما كان يبقى على دين اليهود طيلة حياة
النبي صلى الله عليه وآله وما كان يأخر إسلامه إلى عهد عمر بن الخطاب ، م ـ
ولما كان يتعلل عندما سئل عما منعه عن إسلامه في العهد النبوي بقوله : إن أبي
كان كتب لي كتابا من التوراة فقال : اعمل بهذا.
وختم على ساير كتبه وأخذ علي
بحق الوالد علي الولد أن لا أفض الختم عنها ، فلما رأيت ظهور الاسلام قلت : لعل
أبي غيب عني علما ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته فجئت الآن مسلما ] (3) وكان له
يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنان وثمانون عاما (4) وأثر
الكذب لايح في جل ما جاء به كعب وحسبه ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه 5 ص 260
من حديث ذي قربات الذي حكم الحفاظ بعدم صحته ، وما جاء به السيوطي في الخصايص
الكبرى 1 : 31 من حديث إخباره عمر وعثمان : بأنهما مذكوران بالخلافة في
التوراة ، وفيها أن عثمان يقتل مظلوما ، ومع هذه كلها لم يعلم صدور هذه البشارة
منه في أيام إسلامه ولعله كان قبله فلا يقبل قوله لا يصدق في حديثه.
على أن الأحلام إن صحت وصدقت
فلم لم يحدث أبو بكر أحدا من الصحابة
1 ـ تهذيب التهذيب 8 ص
439 ، الإصابة 3 ص 316.
2 ـ الإصابة : 3 : 316.
3 ـ الإصابة 3 : 316.
4 ـ راجع الإصابة ، أسد
الغابة ، تهذيب التهذيب.
(280)
بما أخبره ( بحيرا ) من البشارة في
نفسه من أنه يكون وزيرا وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يدور
حديثه في دور النبي صلى الله عليه وآله على ألسنتهم ، وتخبت إليه أفؤدتهم ،
وتزهر بمذاكرته أنديتهم ؟ أوانه حدث بها لكن الصحابة ضربوا عنها صفحا فلم تنه
إلى المحدثين ، ولا انتهت إلى أحد من أرباب الصحاح والمسانيد حتى انتهت النوبة
إلى الغلاة في الفضائل من المتأخرين فأرسلوها إرسال المسلم تجاه الحقائق
الراهنة.
ولو كان أبو بكر أول من أسلم
بتلكم التقاريب فأين كان هو إلى منتهى سبع سنين من البعثة التي يقول رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها : لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين
لأنا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا ؟ (1).
وفي أولية أمير المؤمنين في
الاسلام أحاديث صحيحة عنه صلى الله عليه وآله وعن مولانا أمير المؤمنين عليه
السلام قدمناها في الجزء الثالث ، وأسلفنا هناك ما يربو على ستين حديثا من
الصحابة والتابعين في أن عليا أول الناس إسلاما وأول من صلى وآمن من
ذكر.
و قد مرت هناك صحيحة الطبري أن
أبا بكر أسلم بعد أكثر من خمسين رجلا ، ولو كان أبو بكر أول من أسلم وقد آمن
به صلى الله عليه وآله قبل ولادة علي عليه السلام فأين كان هو يوم قال العباس
لعبد الله بن مسعود : ما على وجه الأرض أحد يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء
الثلاثة : محمد وعلي وخديجة ؟ ( تاريخ ابن عساكر 1 : 318 ).
فلا يحق آنئذ لأي مغال في
الفضائل أن يدع تلكم الصحاح عن النبي الأعظم و وصيه الأقدس والصحابة الأولين
والتابعين لهم بإحسان ، ويأخذ تجاهها برواية كعب ، و إن هو إلا كعب ليس إلا ،
ولا يثبت الحق بالكعاب.
ليس بأمانيكم ولا أماني أهل
الكتاب ، ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك.
أخرج ابن سعد والبزار بسند حسن عن أنس
قال : كان أسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أبو بكر الصديق وسهيل بن
عمرو بن بيضاء.
وأخرجه أبو عمر في الاستيعاب 1
ص 576 ، وابن الأثير في أسد الغابة 2 ص 370.
1 ـ راجع الجزء الثالث
من كتابنا هذا ص 220 ـ 224 ط 2.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: فهرس