وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد
9 ص 60 فقال : رواه البزار وإسناده حسن ، و رواه ابن حجر في الإصابة 2 ص
85. وفيه : سهل بدل سهيل وهو
أخوه. أو هو هو. والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 73
نقلا عن ابن سعد والبزار.
قال الأميني : كنا نعتقد أن
المغالاة يمكن أن تقع في النفسيات التي لا تدرك بالحواس الظاهرة كالعلم
والتقوى وأمثالهما ، وأما الغلو في المشهودات فلم يدع المنطق له مساغا فسرعان
ما يظهر فيه كذب الغالي ، ويفتضح به المائن حتى أوقفنا السير على أمثال هذه
الأقاويل ، فرأينا الرجل يقول بملأ فيه : إن أبا بكر أسن أصحاب النبي صلى الله
عليه وآله و هو يجد في معاجم الصحابة كثيرين هم أسن منه بكثير وإليك أسماء
أمة منهم :
1 ـ أماناة بن قيس بن شيبان الكندي.
أسلم وقد عاش دهرا ، ويقال : أنه عاش ثلاثمائة وعشرين سنة كما في الإصابة 1 : 63.
2 ـ أمد بن أبد الحضرمي. أدرك
هاشم بن عبد مناف وأمية بن عبد شمس و يقال : إنه كان في عهد معاوية له
ثلاثمائة سنة. صب 1 : 63.
3 ـ أنس بن مدرك أبو سفيان
الخثعمي. قتل مع علي كان سيد خثعم في الجاهلية عاش مائة وأربعا وخمسين سنة.
صب 1 : 73.
4 ـ أوس بن حارثة الطائي والد
خرام صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عاش مائتي سنة ، وأكثر هذه
المدة من أيام الجاهلية. صب 1 : 82.
5 ـ ثور ـ ثوب ـ بن تلدة. أنشد
له الكلبي :
وإن امرأ قد
عاش تسعين حجة
إلى مائتين كلما هو ذاهب
قال : ولا أدري ما عاش بعد ما أنشد هذا
لمعاوية. وقد يقال. إنه كان له يوم بدر عشرون ومائة عاما. صب 1 : 205.
6 ـ الجعد بن قيس المرادي.
أسلم ، وكان قد بلغ مائة سنة. صب 1 : 235.
7 ـ حسان بن ثابت الأنصاري. عاش
في الجاهلية ستين وفي الاسلام ستين عاما. صب 1 : 326.
8 ـ حكيم بن حرام الأسدي ابن
أخي خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد قبل عام الفيل بثلاثة
وعشرين سنة ، وتوفي وهو ابن عشرين ومائة سنة. صب 1 : 349.
(282)
9 ـ حمزة بن عبد المطلب عم النبي
الأعظم ولد قبله صلى الله عليه وآله بسنتين أو بأربع صب 1 : 353.
10 ـ حنيفة بن جبير بن بكر
التميمي. أدرك أحفاده النبي صلى الله عليه وآله ولهم صحبة وكانوا يوم ذاك ذا
لحى كما في الإصابة 1 : 359.
11 ـ حويطب بن عبد العزى بن أبي
قيس العامري المتوفى سنة 54 له مائة و عشرين عاما. صب 1 : 364.
12 ـ حيدة بن معاوية العامري.
مات وهو عم ألف رجل وامرأة وأدرك عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه
وآله وكان بالغا مبلغ الرجال. صب 1 : 365.
13 ـ خنابة بن كعب العبسي. كان
له على عهد معاوية بن أبي سفيان مائة و أربعون سنة وله قوله في الإصابة 1 :
463 :
حويت من
الغايات تسعين حجة
وخمسين حتى قيل : أنت المقزع
14 ـ خويلد بن مرة الهذلي أبو خراش ،
أدرك الاسلام شيخا كبيرا. صب 1 : 465.
15 ـ ربيعة بن الحارث بن عبد
المطلب بن هاشم أبو أروى الهاشمي. كان أسن من عمه العباس الآتي ذكره. صب 1 :
506.
16 ـ سعيد بن يربوع القرشي
المخزومي المتوفى 54 وله 120 / 24 عاما. صب 2 : 52.
17 ـ سلمة السلمي ، أقبل إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم وهو شيخ كبير.
18 ـ سلمان أبو عبد الله الفارسي مات
سنة 32 / 3 / 6 روى أبو الشيخ عن العباس بن يزيد أنه قال : أهل العلم يقولون :
عاش سلمان ثلثمائة وخمسين سنة ، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيها. صب 2 : 62.
19 ـ أبو سفيان القرشي الأموي.
كان أسن من أبي بكر بإثني عشر عاما وعدة أشهر. صب 2 : 179.
20 ـ صرمة بن أنس أبو قيس
الأوسي. أدرك الاسلام فأسلم وهو شيخ كبير عاش نحوا من مائة وعشرين عاما وهو
القائل كما في الإصابة 2 : 183.
بدا لي أني عشت
تسعين حجة
وعشرا وما بعدها لي ثمانيا
(283)
فلم ألفها لما
مضت وعدتها
يحسبها في الدهر إلا لياليا
21 ـ صرمة بن مالك الأنصاري ، أدرك
الاسلام فأسلم وهو شيخ كبير. صب 2 : 183.
22 ـ طارق بن المرقع الكناني ،
كان في حجة الوداع شيخا كبيرا. 2 : 221.
23 ـ الطفيل بن زيد الحارثي ، هو
الذي أخبر عمر بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجاهلية ، وكان يوم
ذاك قد أتت عليه مائة وستون سنة. صب 2 : 224.
24 ـ عاصم بن عدي العجلاني توفي
سنة خمس وأربعين وله مائة وعشرون سنة. صب 2 : 246.
25 ـ العباس بن عبد المطلب عن
النبي الأعظم ، ولد قبل رسول الله بسنتين أو ثلاث صب 2 : 271.
26 ـ عبد الله بن الحارث بن
أمية ، أدرك الاسلام وهو شيخ كبير.
صب 2 : 291.
27 ـ عدي بن حاتم الطائي ، مات بعد
الستين وبلغ مائة وثمانين كما قاله أبو حاتم السجستاني ، أو مائة وعشرين كما
في قول خليفة. صب 2 : 468.
28 ـ عدي بن وداع الدوسي ، من
رجال الجاهلية أدرك الاسلام فأسلم وغزا وتوفي وله ثلاثمائة سنة. صب 2 : 472.
29 ـ عمرو بن المسبح (1) الطائي ،
مات وله مائة وخمسون عاما. قال ابن قتيبة : لست أدري أقبض قبل وفاة النبي أم
بعده. صب 3 : 16.
30 ـ فضالة بن زيد العدواني ،
سأله معاوية : كم أتت لك يا فضالة ؟ قال : عشرون ومائة سنة. صب 3 : 214.
31 ـ قباث بن أشيم ، سأله عثمان
بن عفان : أنت أكبر أم رسول الله ؟ فقال رسول الله أكبر مني وأنا أسن
منه.
صب 3 : 221.
32 ـ قردة بن نفاثة السلولي ،
أدرك الاسلام وهو شيخ كبير وعاش ومائة وخمسين
1 ـ بضم الميم وفتح
المهملة وتشديد الموحدة كما في الإصابة 3 : 16 ، وفي المعارف لابن قتيبة 136 :
المسيح.
(284)
سنة وله كما في الإصابة 3 : 231 من
أبيات :
بان الشباب فلم
أحفل به بالا
وأقبل الشيب والاسلام إقبالا
33 ـ لبيد بن ربيعة بن عامر الكلابي
الجعفري ، توفي سنة 41 وهو ابن مائة و أربعين أو مائة وسبع وخمسين سنة أو مائة
وستين سنة. صب 3 : 326.
34 ـ اللجاج الغطفاني ، وفد إلى
النبي صلى الله عليه وآله وهو ابن سبعين وعاش ومائة وعشرين سنة. صب 3 : 328.
35 ـ المستوعز بن ربيعة بن كعب ،
كان من فرسان العرب في الجاهلية عاش إلى أيام معاوية وكان له 320 / 30 سنة.
صب 3 : 492.
36 ـ معاوية بن ثور البكائي ،
أسلم بيد النبي وهو شيخ كبير صب 1 : 156.
وفي بعض المعاجم كان ابن مائة
سنة.
37 ـ منقذ بن عمرو الأنصاري ،
كان قد أتى عليه مائة وثلاثون في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله كما في
أسد الغابة.
38 ـ النابغة الجعدي ، عاش في
الجاهلية مائتي سنة ، ومات وهو ابن 225 / 30. عاما وهو القائل كما في الإصابة
3 : 538 :
ألا زعمت بنو
أسد بأنـيفمن يك
سائلا عني ؟ فإنيأتت
مائة لعام ولدت فيهوقد أبقت صروف
الدهر مني
أبو ولد كبير السن فاني ؟من الفتيان أيام الختانوعشر بعد ذاك وحجتـانكما أبقت من السيف اليماني
وقال أبو حاتم : عاش مائتي سنة وهو
القائل :
قال : أمامة كم
عمرت زمانهولقد شهدت
عكاظ قبل محلهاوالمنذر
بن محرق في ملكهوعمرت حتى جاء
أحمد بالهدىولبست في
الاسلام ثوبا واسعـا
وذبحت من عنز على الأوثان ؟فيها وكنت أعد من الفتيانوشهدت يوم هجائن النعمانوقوارع تتلى من القرآنمن سيب لا حرم ولا منان
39 ـ نوفل بن الحرث بن عبد المطلب
الهاشمي ابن عم النبي الطاهر. كان أسن من
أسلم من بني هاشم حتى من عميه حمزة
والعباس المذكورين صب 3 : 577.
40 ـ نوفل بن معاوية بن عروة
الدئلي ، كان ممن عاش في الجاهلية ستين وفي الاسلام ستين سنة. صب 3 : 578.
وقبل هؤلاء كلهم أبو قحافة والد
الخليفة فإنه كان أبكر سنا من الخليفة لا محالة إن لم تصغره المعاجز من ابنه
كما صغرت رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله غلاما وشابا لا يعرف بين يدي
أبي بكر وهو أكر منه.
راجع في تراجم هؤلاء المذكورين
المعارف لابن قتيبة ، معجم الشعراء للمرزباني ، الاستيعاب لأبي عمر ، أسد
الغابة لابن الأثير ، تاريخ ابن كثير ، الإصابة لابن حجر ، مرآة الجنان لليافعي ،
شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي.
ونحن اقتصرنا منها بذكر الإصابة
مرموزا بـ ( صب ) روما للاختصار.
هؤلاء جملة ممن وقفنا على
أسمائهم ممن أربوا على أبي بكر في السن من الصحابة الأولين ، وهب أنا غضضنا
الطرف عن كل ذلك فهلا نسائل القوم عن وجه الفضيلة في كبر السن ؟ أو ليس في
الأمم والأجيال من طعنوا في السن فبلغوا من العمر عتيا ، وفيهم الحالي
بالفضائل والعاطل عنها ، وإذا مدح أحدهم فإنها يمدح بمآثره لا بطول عمره ،
ومهما طال عمر الخليفة فإن أكثره انقضى في الجاهلية ، بعث النبي صلى الله عليه
وآله وسلم و للخليفة ثمان وثلاثون سنة وقد مر في الجزء الثالث ص 220 أنه صلى
الله عليه وآله وسلم صلى سبع سنين ولم يصل معه غير علي أمير
المؤمنين.
إذن فلأبي بكر عند إسلامه خمس
وأربعون عاما و توفي وهو ابن ثلاث وستين ، فقد اشغل في الاسلام ثمان عشرة سنة ،
وهذه المدة الأخيرة هي التي يمكن أن تزدان بشيء من المناقب فهل ازدانت أو لا ؟
وفي الغابة أحسب أنه ليس للقوم غاية يعتد بها في كبر السن والاهتمام بذلك غير
أنهم جعلوا الحجر الأساسي للخلافة الراشدة أشياء منها : إن أبا بكر قدم على
أمير المؤمنين لأنه شيخ محنك لا ترة لأحد عنده فيبغض ، وعلى هذا الأساس جعلوه
تارة أكبر سنا من النبي صلى الله عليه وآله وقد عرفت حاله في صفحة 270 وأخرى
أنه كان شيخا يعرف والنبي شابا لا يعرف ، وأوقفناك على حقيقة الحال في ص
257.
وآونة إنه أسن الصحابة ليحسموا
مادة النقض بشيوخ في الصحابة كلهم أكبر من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
(286)
وفيهم رؤساء وأعاظم ، وما عرفوا أن
المستقبل الكشاف سيوقف الباحثين على أناس هم أكبر من الرجل سنا ، وأوفر علما ،
وأبلغ حنكة ، وأقدم شرفا ، وأسبق إسلاما.
ـ 14 ـ
أبو بكر في كفة الميزان
أخرج الخطيب في تاريخه 14 ص 78 من
طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن الهذيل عن مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن
زحر عن علي بن زيد (1) عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة : قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة بين يدي.
فقلت : ما هذا ؟ قال بلال : فمضيت
فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين ولم أر فيها أحدا أقل
من الأغنياء والنساء ( إلى أن قال : ) : ثم خرجنا من أحد أبواب الجنة الثانية
فلما كنت عند الباب أتيت بكفة فوضعت فيها ووضعت أمتي في كفة فرجحت بها ، ثم
أتي بأبي بكر فوضع في كفة وجئ بجميع أمتي فوضعوا في كفة فرجع أبو بكر ، ثم أتي
بعمر فوضع في كفة وجئ بجميع أمتي فوضعوا فرجح عمر ، ثم رفع الميزان إلى
السماء. وذكره الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 288.
( رجال الرواية )
1 ـ مطرح بن يزيد الكوفي قال الدوري
عن ابن معين : ليس بشيء وقال أبو زرعة : ضعيف الحديث وقال أبو حاتم : ليس بالقوي
ضعيف الحديث يروي أحاديث عن ابن زحر علي بن يزد فلا أدري البلاء منه أو من علي بن يزيد.
وقال الآجري عن أبي داود : زعموا
أن البلية من قبل علي بن يزيد : وقال النسائي : ضعيف ليس بشيء وقال ابن عدي :
يجانب روايته عن ابن زحر والضعف على حديثه بين. ميزان الاعتدال 3 : 174 ،
تهذيب التهذيب 10 ص 171.
2 ـ عبيد الله بن زحر الأفريقي ، مجمع
على ضعفه كما في الميزان. ضعفه أحمد : وقال ابن معين : ليس بشيء كل حديثه عندي
ضعيف. وقال ابن المديني : منكر الحديث.
وقال الحاكم : لين الحديث. وقال
ابن عدي : يقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه. وقال أبو مسهر : صاحب كل معضلة.
وقال الدارقطني : ضعيف ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن
1 ـ كذا والصحيح : يزيد.
(287)
الاثبات. فإذا روى عن علي بن يزيد بن
أتى بالطامات وإذا اجتمع في إسناد خبر عبد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم
بن عبد الرحمن لم يكن متن ذلك الخبر إلا ما عملته أيديهم (1).
قال الأميني : هذه الرواية مما
اجتمع فيه هؤلاء الثلاثة فهو مما عملته أيديهم.
3 ـ علي بن يزيد الالهاني. قال
ابن معين : علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ضعاف كلها. وقال يعقوب : واهي
الحديث كثير المنكرات. وقال الجوزجاني : رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه
التي يرويها عنه عبيد الله بن زحر. وقال أبو زرعة : ليس بالقوي وقال أبو حاتم :
ضعيف الحديث أحاديثه منكرة ، وقال البخاري : منكر الحديث ضعيف. وقال النسائي :
ليس بثقة متروك الحديث. وقال الأزدي والدارقطني والبرقي : متروك. وقال أبو
أحمد الحاكم : ذاهب الحديث. وقال الساجي : إتفق أهل العلم على ضعفه. وقال أبو
نعيم : منكر الحديث. وقال ابن حجر : متهم ميزان الاعتدال 2 : 240 : تهذيب التهذيب
7 ص 13 ، 396.
4 ـ القاسم بن عبد الرحمن
الشامي. قال أحمد : هذه المناكير التي يرويها عنه جعفر وبشر ومطرح مناكير مما
يرويها الثقات أنها من قبل القاسم. وقال الأثرم : حملها أحمد على القاسم.
وقال : ما أرى هذا إلا من قبل القاسم. وقال الحراني : قال أحمد : ما أرى البلاء
إلا من القاسم. وقال الغلابي منكر الحديث. وقال ابن حبان : يروي عن الصحابة
المعضلات. ميزان الاعتدال 2 : 34 ، تهذيب التهذيب 8 ص 323. وهذا الحديث ذكره
الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 59 فقال : رواه أحمد و الطبراني وفيهما : مطرح بن
زياد وعلي بن يزيد الالهاني وكلاهما مجمع على ضعفه.
قال الأميني : هذا شأن الرواية
سندا ورجاله كما ترى ، واستدل الهيثمي على ضعفه بما في متنه راجع مجمع الزوائد 9 ص 59.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : عرض
علي كل شيء ليلة المعراج حتى الشمس فإني سلمت عليها وسألتها عن كسوفها
فأنطقها الله تعالى وقالت : لقد جعلني الله تعالى على عجلة
1 ـ تهذيب التهذيب 7 ـ 13.
(288)
تجري حيث يريد فأنظر إلى نفسي بعين
العجب فنزل بي العجلة فأوقع في البحر فأرى شخصين أحدهما يقول : أحد أحد.
والآخر يقول : صدق صدق. فأتوسل بهما إلى الله تعالى فينقذني من الكسوف ، فأقول :
يا رب من هما ؟ فيقول : الذي يقول : أحد أحد هو حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم.
والذي يقول : صدق صدق هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه. ( نزهة المجالس 2 ص
184 ).
أنا لا أحكم في هذه الرواية إلا علماء
علم الفلك سواء في ذلك القدماء منهم والمحدثون. وقد تكلمنا في صحيفة 238 عن
العجلة التي حملت الشمس وبحثنا عنها بحثا ضافيا ، وليت الهيئيين درسوا هذه
الرواية فأخذوا عنها علما غزيرا ، وعرفوا أن الكسوف يكون بغمس الشمس في البحر
عقوبة على نظرها إلى نفسها بعين العجب وإن انجلائها يتم بالتوسل ، ولعل
المستقبل الكشاف يأتي بمن يعلم الأمة بسر خسوف القمر وتتأتى به للمجالس نزهة
بعد نزهة ، وهنا أسؤلة جمة :
1 ـ ليس الكسوف يخص بهذه الأمة فحسب ،
ولا بأيام حياة أبي بكر خاصة ، فمن ذا الذي كان يقول : صدق
صدق.
قبل ميلاد أبي بكر ؟ ومن ذا
الذي يقولها بعد وفاته ؟ وبمن كانت الشمس تتوسل قبل ذلك ؟ وبمن تتوسل به بعده
؟.
2 ـ أين كان يقول أبو بكر : صدق صدق ؟
أيقولها وهو في محلة بمرأى من الناس ومسمع فيسمعها الشمس بالاعجاز ؟ أو كان
يحضر على ذلك البحر الذي لم يحدد بأي ساحل فيغيب عن الناس وتطوى له المسافة
بخرق العادات ؟ فلم لم يحدث عنه ذلك ولو مرة واحدة ؟ أو أنه يذهب هو ويدع
قالبه المثالي بين الناس فيحسبونه هو هو ؟ أو أنه يثبت في مكانه فيرسل قالبه
ذلك فتحسبه الشمس أنه هو ؟
3 ـ هب أن الشمس تحمل حياة روحية فهل
تحمل معها نفسا أمارة بالسوء بها تعجب بنفسها ؟ أنا لا أدري.
وعلى فرض ثبوت النفس الأمارة
فما بالها تدأب على المعصية وهي ترى استمرار العقوبة مع كل عصيان ؟ فهل هي
تتوب بعد كل معصية ثم تعود إليها بنسيان العقاب أو غلبة الشهوة ؟ ومن المعلوم
أن الكسوف لم ينقطع ليلة المعراج فهو من الكائنات المتجددة إلى انقراض العالم
فكأن الشمس حينئذ كانت
(289)
تخبر رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم بتصميمها على الاستمرار على المعصية منذ كل كسوف فمتى تتوب هذه العاصية
الشاعرة ؟ أنا لا أدري.
وفي ذمة الصفوري صاحب الكتاب
الخروج عن عهدة هذه الأسؤلة.
فهل يخرج ؟ أنا لا أدري ، وهذا
أيضا من الغلو في الفضائل والحب المعمي والمصم.
عن أنس بن مالك قال. كنا جلوسا عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل إليه رجل من أصحابه وساقاه تشخبان دما
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ! ما هذا ؟ قال : يا رسول الله ! مررت بكلبة
فلان المنافق فنهشتني.
فقال صلى الله عليه وسلم : اجلس
فجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما كان بعد ذلك بساعة إذ أقبل إليه
رجل آخر من أصحابه وساقاه تشخبان دما مثل الأول فقال النبي صلى الله عليه
وسلم : ما هذا ؟ فقال : يا رسول الله ! إني مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني
قال : فنهض النبي صلى الله عليه وسلم : وقال لأصحابه : هلموا بنا إلى هذه الكلبة
نقتلها فقاموا كلهم وحمل كل واحد منهم سيفه فلما أتوها وأرادوا أن يضربوها
بالسيوف وقعت الكلبة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت بلسان طلق
ذلق : لا تقتلني يا رسول الله ! فإني مؤمنة بالله ورسوله فقال : ما بالك نهشت
هذين الرجلين ؟ فقالت : يا رسول الله ! إني كلبة من الجن مأمورة أن أنهش من سب
أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
يا هذين ! أما سمعتما ما تقول الكلبة ؟ قالا : نعم يا رسول الله ! إنا تائبان
إلى الله عز وجل ( عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص 105 ).
قال الأميني : ما أعظم شأن هذه
الكلبة وأثبتها في ميدان البسالة حتى استدعى أمرها أن يتجهز لحربها النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ويحمل عليها أصحابه شاهرين السيوف ؟ فهل هي كلبة أو أسد
ضار ؟ أو عفرنى باسل ؟ أو حشد لهام ؟ وأحسب أن الذين نهشتهما كانا من هيابة
الصحابة فإن شجعانهم ما كانوا يبالون بالضراغم فضلا عن الكلاب.
وأين كانت هذه الكلبة عمن كان
ينال من أبي بكر غير الرجلين في ذلك العهد و بعد العهد النبوي وهلم جرا ؟ فلم
تشهد لها نهشة ، ولا سمع لها عواء ، فليتهيأ صاحب عمدة التحقيق لتحليل هذه
المسائل وذلك بعد الغض عن إسناده الموهوم.
(290)
ثم ما أخرس ألسنة أولئك الصحابة
الحضور يوم أطلق الله لسان تلك الكلبة الطلقة الذلقة عن بث هذه الفضيلة
الرابية ؟ ومثلها تتوفر الدواعي لنقلها ، وما أذهل الحفاظ وأئمة الحديث وأرباب
السير عن روايتها ؟ فلا يجدها الباحث في المسانيد والصحاح والفضائل ومعاجم
السير وأعلام النبوة ودلائلها إلى أن بشر بها العبيدي آل الصديق بعد لأي من
عمر الدهر وقذف بهذه الأكذوبة أنس بن مالك.
أهكذا تكون المغالاة في الفضائل
؟.. لعلها تكون.
نعم لله كلاب مفترسة وأسود
ضارية سلطها الله على أعدائه بدعاء نبيه الأعظم أو أحد من أولاده الصادقين
صلوات الله عليه وعليهم ، منها : كلب سلطه الله على لهب بن أبي لهب بدعاء النبي
الأقدس كما مر في الجزء الأول ص 261 ط 2. ومنها ، كلب. أخذ برأس عتبة بدعاء
رسول الله صلى الله عليه وآله كما مر في ج 1 ص 261 ط 2 قال الحلبي في السيرة
النبوية 1 ص 310 : ووقع مثل ذلك لجعفر الصادق قيل له : هذا فلان ينشد الناس
هجاءكم يعني أهل البيت بالكوفة فقال لذلك القائل : هل علقت من قوله بشيء ! قال :
نعم.
قال : فأنشد.
فأنشد :
صلبنا لكم
زيدا على جذع نخلةوقستم
بعثمان عليا سفاهة
ولم أر مهديا على الجذع يصلبوعثـمان خير من علي وأطيب
فعند ذلك رفع جعفر يديه وقال : أللهم
إن كان كاذبا فسلط عليه كلبا من كلابك فخرج ذلك الرجل فافترسه
الأسد.
وإنما سمي الأسد كلبا لأنه يشبه
الكلب في أنه إذا بال رفع رجله.
قال الأميني : الشاعر المفترس هو
الحكيم الأعور أحد الشعراء المنقطعين إلى بني أمية بدمشق وقصته هذه من
المتسالم عليه غير أن في معجم الأدباء كما مر في الجزء الثاني ص 197 ط 2 من
كتابنا هذا أن الداعي على الرجل هو عبد الله بن جعفر.
وأحسبه تصحيف أبي عبد الله
جعفر ، فعلى كل قد وقع من أهله في محله.